الثلاثاء، 2 نوفمبر 2021

كتاب:أخلاق أهل القرآن -الآجري

كتاب:أخلاق أهل القرآن -الآجري 
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي وما توفيقي إلا بالله أخبرنا الشيخان الصالحان الثقتان: الشيخ تاج الدين أبو العباس أحمد بن علي بن أبي الفضائل العكبري الفقيه الشافعي، والشيخ كما الدين أبو حفص عمر بن محمد بن محمد بن حسين سبط الشيخ الإمام العالم الحافظ أبي محمد عبد الرحيم بن محمد بن الزجاج.   قراءة عليهما وأنا أسمع، في يوم الجمعة السادس عشر من شهر ربيع الآخر من سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة في مسجد السلامي بدار الخليفة مشرقي بغداد.

 
قيل لهما: أخبركما الشيخ الإمام العالم مجد الدين أبو الفضل عبد الله بن محمود بن مودود بن محمود بن بلدجي إجازة فأقرابه.
قالا: أخبرنا الشيخ الإمام الزاهد الصالح أبو بكر مسمار بن عمر بن محمد بن العويس النيار المقرئ البغدادي سماعاً لجميعه قال: أخبرنا أبو الفضل محمد بن ناصر بن محمد بن علي الحافظ قال: أنا أبو بكر أحمد بن علي الطريبي قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر بن حفص الحماني رحمة الله عليه، قال

 

 قال أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري، رحمه الله: أحق ما أستفتح به الكلام، الحمد لمولانا الكريم، وأفضل الحمد ما حمد به الكريم نفسه، فنحن نحمده به.
(الحَمدُ لِلّهِ الَّذي أَنزَلَ عَلى عَبدِهِ الكِتابُ وَلَم يَجعَلُ لَهُ عِوجاً قيماً ليُنذِرَ بَأَساً شَديداً مِن لَدُنهِ، وَيُبَشر المُؤمِنينَ الَّذين يَعمَلونَ الصالِحاتِ أَن لَهُم أَجراً حَسَناً ماكِثينَ فيهِ أَبَدَاً).

 
و(الحَمدُ لِلّه الَّذي لَهُ ما في السَمَواتِ وَما في الأَرض وَلَهُ الحَمدُ في الآَخِرَةِ وَهُوَ الحَكيمُ الخَبير يَعلَمُ ما يَلِجُ في الأَرضِ وَما يَخرِجُ مِنها وَما يَنزِلُ مِن السَماءِ وَما يَعرِجُ فيها وَهُوَ الرَحيمُ الغَفور).

 
أحمده على قديم إحسانه، وتواتر نعمه، حمد من يعلم أن مولاه الكريم علمه ما لم يكن يعلم، وكان فضله عليه عظيماً.
وأسأله المزيد من فضله، والشكر على ما تفضل به من نعمه، إنه ذو فضل عظيم.
وصلى الله على محمد عبده ورسوله، ونبيه، وأمينه على وحيه وعباده، صلاة تكون له رضاً، ولنا بها مغفرة، وعلى آله أجمعين وسلم كثيراً طيباً.

 
أما بعد: فإني قائل وبالله ألق التوفيق والصواب من القول والعمل، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 
قال أبو بكر:
أنزل الله عز وجل القرآن على نبيه صلى الله عليه وسلم، وأعلمه فضل ما أنزل عليه، وأعلم خلقه في كتابه، وعلى لسان رسوله: أن القرآن عصمة لمن اعتصم به، وحرز من النار لمن اتبعه ونور لمن استنار به، وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة للمؤمنين.

 
ثم أمر الله خلقه أن يؤمنوا به، ويعملوا بمحكمة: فيحلوا حلاله، ويحرموا حرامه، ويؤمنوا بمتشابهه، ويعتبروا بأمثاله، ويقولوا: (آمنا بِهِ كُلُ مِن عِندَ رَبَنا).

 
ثم وعدهم على تلاوته والعمل به: النجاة من النار والدخول إلى الجنة ثم ندب خلقه عز وجل إذا هم تلوا كتابه أن يتدبروه ويتكفروا فيه بقلوبهم، وإذا سمعوه من غيرهم: أحسنوا استماعه.

 
ثم وعدهم على ذلك الثواب الجزيل فله الحمد.
ثم أعلم خلقه: أن من تلى القرآن وأراد به متاجرة مولاه الكريم فإنه يربحه الربح الذي لا بعده ربح، ويعرفه بركة المتاجرة في الدنيا والآخرة.

 
قال محمد بن الحسين: جميع ما ذكرته وما سأذكره إن شاء الله، بيانه في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن قول صحابته رضي الله عنهم وسائر العلماء، وسأذكر منه ما حضرني ذكره إن شاء الله والله الموفق لذلك. قال الله عز وجل (إِنَّ الَّذين يَتلونَ كِتابَ اللَهِ وَأَقاموا الصَلاةَ وأَنفَقوا مَمّا رَزقناهُمُ سِراً وَعلانيِةً يَرجونَ تِجارَةً لَن تَبورَ ليوفيهُمُ أُجورَهُم وَيزيدَهُم مِن فَضلِهِ إِنه غَفورٌ شَكور).
وقال عز وجل: (إِنِّ هَذا القُرآن يَهدي لِلَتي هِيَ أَقوَمُ وَيُبَشِرُ المُؤمِنينَ الَّذينَ يَعمَلونَ الصالِحاتِ أَنَّ لَهُمُ أَجراً كَبيراً. وَإِنَّ الَّذينَ لا يُؤمِنونُ بِالآخِرَةِ أَعتَدنا لَهُمُ عَذاباً أَليماً).
وقال عز وجل: (وَنُنَزَّلُ مِن القُرآنِ ما هُوَ شَفاءٌ وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ وَلا يَزيدُ الظالِمينَ إِلا خَساراً).

وقال عز وجل: (يا أَيُّها الناسُ قَد جاءَتكُم مَوعِظَةً مِن رَبِكُم وَشِفاءٌ لِما في الصُدور وَهُدَىً وَرَحمَةً لِلمُؤمِنين).
وقال عز وجل: (يا أَيُّها الناسُ قَد جاءَكُم بُرهانٌ مِن رَبِكُم وأَنزَلنا إِلَيكُم نُورَاً مُبيناً. فَأَما الَّذينَ آمَنوا بِاللَهِ وَاَعتَصَموا بِهِ فَسَيُدخِلَهُم في رَحمَةٍ مِنهُ وَفضل وَيَهديهُم إِلَيهِ صِراطاً مُستَقيماً).
وقال عز وجل: (وَاعتَصِموا بِحَبلِ اللَهِ جَميعاً وَلا تَفَرَقوا).
وحبل الله هو القرآن.
وقال عز وجل: (اللَهُ نَزَّلَ أَحسَنَ الحَديثِ كِتاباً مُتشابِهاً مُثاني تَقشَعِرُ مِنهُ جُلودُ الَّذينَ يَخشونُ رَبَهُم ثُمَ تَلينُ جُلودَهُم وَقُلوبَهُم إِلى ذِكرِ اللهِ ذَلِكَ هدى اللَهِ يَهدي مَن يَشاءُ وَمَن يُضَلِل اللَهُ فَما لَهُ مِن هاد).
وقال عز وجل: (وَكَذَلِكَ أَنزَلناهُ قُرآناً عَرَبياً وَصَرَفنا فيهِ مِن الوَعيدِ لَعَلَهُم يَتَقون أَو يَحدِثُ لَهُم ذِكراً).
ثم إن الله عز وجل وعد لمن استمع إلى كلامه فأحسن الأدب عند استماعه بلا اعتبار الجميل، ولزوم الواجب لاتباعه والعمل به، يبشره منه بكل خير، ووعده على ذلك أفضل الثواب.
فقال عز وجل فبشر (عِبادي الَّذينَ يَستَمِعونَ القَولَ فَيتَبِعونَ أَحسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذينَ هَداهُمُ اللَهُ وَأُولَئِكَ هُمُ أُولوا الأَلباب).
وقال عز وجل: (وَأنيبوا إِلى رَبَكُم وَأَسلَموا لَهُ مِن قَبلِ أَن يَأتيكُمُ العَذابَ ثُمَ لا تَنصُرونَ) إلى قوله (مِن قَبلِ أَن يَأتيكُمُ العَذابُ بَغتَةً وَأَنتُمُ لا تَشعُرونَ).
قال محمد بن الحسين: فكل كلام ربنا حسن لمن تلاه، ولمن استمع إليه، وإنما هذا والله أعلم صفة قوم إذا سمعوا القرآن تتبعوا من القرآن أحسن ما يتقربون إلى الله تعالى، مما دلهم عليه مولاهم الكريم، يطلبون بذلك رضاه، ويرجون رحمته، سمعوا الله قال: (وَإِذا قُرِئَ القُرآنَ فَاِستَمِعوا لَهُ وَأَنصِتوا لَعَلَكُم تُرحَمون).
فكان حسن استماعهم يبعثهم على التذكر فيما لهم وعليهم. وسمعوا الله عز وجل قال: (فَذَكر بِالقُرآنَ مِن يَخافُ وَعيد).
وقد أخبرنا الله عن الجن، وحسن استماعهم للقرآن، واستجابتهم فيما يجذبهم إليه، ثم رجعوا إلى قومهم فوعظوهم بما سمعوا القرآن بأحسن ما يكون من الموعظة.
قال الله عز وجل: (قُل اوحِيَ إِلَيَّ أَنَهُ اِستَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِ فَقالوا إِنا سَمِعنا قُرآناً عَجَباً يَهدي إِلى الرُشدِ فَآمنا بِهِ وَلَن نُشرِك بِرَبِنا أَحَداً).
وقال عز وجل: (وَإِذ صَرَفنا إِلَيكَ نَفَراً مِنَ الجِن يَستَمِعونَ القُرآنَ، فَلَما حَضَروهُ قالوا: أَنصِتوا فَلَما قُضِيَ وَلّوا إِلى قَومِهُم مُنذِرينَ قالوا يا قَومَنا إِنّا سَمِعنا كِتاباً أُنزِلَ مِن بَعدِ موسى مُصَدِقاً لِما بَينَ يَدَيهِ يَهدي إِلى الحَقِ وَإِلى طَريقٍ مُستَقيم يا قَومَنا أَجيبوا داعِيَ اللَهِ وآمَنوا بِهِ).
قال محمد بن الحسين: وقد قال الله عز وجل في سورة ق والقرآن المجيد، ما دلنا على عظيم ما خلق من السموات والأرض ةما بينهما من عجائب حكمته في خلقه، ثم ذكر الموت وعظيم شأنه، ثم ذكر النار وعظيم شأنها، وذكر الجنة وما أعد فيها لأوليائه فقال عز وجل: (لَهُمُ ما يَشاءونَ فيها وَلَدَينا مَزيدٌ) إلى آخر الآية.
ثم قال بعد ذلك: (إِنَّ في ذَلِكَ لِذِكرى لِمَن كانَ لَهُ قَلبٌ أَو أَلقى السَمعَ وَهُوَ شَهيد).
فأخبر جل ذكره أن المستمع بأذنيه ينبغي أن يكون شاهداً بقلبه ما يتلو وما يسمع لينتفع بتلاوته للقرآن بالاستماع ممن يتلوه. ثم إن الله عز وجل حث خلقه على أن يتدبروا القرآن، فقال عز وجل: (أَفَلا يَتَدَبَرونَ القُرآنَ أَم عَلى قُلوبِ أَقفالَها).
ثم قال بعد ذلك: (إِنَّ في ذَلِكَ لِذِكرى لِمَن كانَ لَه قَلبٌ أَو أَلقى السَمعَ وَهُوَ شَهيد).
فأخبر جل ذكره أن المستمع بأذنيه ينبغي أن يكون شاهداً بقلبه ما يتلو وما يسمع لينتفع بتلاوته للقرآن بالاستماع ممن يتلوه. ثم إن الله عز وجل حث خلقه على أن يتدبروا القرآن، فقال عز وجل: (أَفَلا يَتَدَبَرونَ القُرآنَ أَم عَلى قُلوبِ أَقفالِها).
وقال عز وجل:

(أَفَلا يَتَدَبرونَ القُرآنَ وَلَو كانَ مِن عِندِ غَيرِ اللَهِ لَوَجَدوا فيهِ اِختِلافاً كَثيراً).
قال محمد بن الحسين: ألا ترون رحمكم الله إلى مولاكم الكريم كيف يحث خلقه على أن يتدبروا كلامه، ومن تدبر كلامه عرف الرب عز وجل، وعرف عظيم سلطانه وقدرته، وعرف عظيم تفضله على المؤمنين، وعرف ما عليه من فرض عبادته، فألزم نفسه الواجب، فحذر مما حذره مولاه الكريم، ورغب فيما رغبه فيه، ومن كانت هذه صفته عند تلاوته للقرآن وعند استماعه من غيره كان القرآن له شفاء، فاستغنى بلا مال، وعز بلا عشيرة، وأنس بما يستوحش منه غيره، وكان همه عند التلاوة السورة إذا افتتحها: متى أتعظ بما أتلوه؟ ولم يكن مراده متى أختم السورة؟ وإنما مراده متى أعقل من الله الخطاب؟ متى أذدجر؟ متى أعتبر؟ لأن تلاوته للقرآن عبادة، والعبادة لا تكون بغفلة، والله الموفق.
حدثنا ابو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال ثنا زيد بن أخزم قال نا محمد بن الفضل قال نا سعيد بن زيد عن أبي حمزة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله يعني ابن مسعود قال: لا تنثروه نثر الدقل. ولا تهذوه هذ الشعر، قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة.
وحدثنا أبو بكر أيضاً قال: نا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني قال: نا عبد الوهاب بن عطاء قال: سمعت أبا عبيدة الناجي يقول إنه سمع الحسن يقول: الزموا كتاب الله وتتبعوا ما فيه من الأمثال وكونوا فيه من أهل البصر.
ثم قال: رحم الله عبداً عرض نفسه وعمله على كتاب الله فإن وافق كتاب الله حمد الله وسأله الزيادة وإن خالف كتاب الله أعتب نفسه ورجع من قريب.
أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قال نا شجاع بن مخلد قال نا ابن علية، قال نا زياد بن مخراق عن معاوية بن قرة عن أبي كنانة أن أبا موسى الأشعري جمع الذين قرأوا القرآن وهم قريب من ثلاثمائة فعظم القرآن وقال: إن هذا القرآن كائن لكم ذخراً وكائن عليكم وزراً فاتبعوا القرآن ولا يبتعكم فإنه من اتبع القرآن هبط به على رياض الجنة، ومن اتبعه القرآن زخ به في قفاه فقذفه في النار.
الحسين بن الحسن المروزي قال نا ابن المبارك قال نا سالم المكي عن الحسن قال: من أحب أن يعلم ما هو فليعرض نفسه على القرآن.
حدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال نا وحدثنا أبو محمد أيضاً قال نا الحسين قال نا عبد الله قال نا عبد الملك بن أبي ليمان عن عطاء وقيس بن سعد عن مجاهد في قوله عز وجل (يَتلونَهُ حَقَ تِلاوَتِهِ) قال: يعملون به حق عمله.
أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قال: نا شجاع بن مخلد قال نا أبو معاوية الضرير قال نا عبد رب بن أيمن عن عطاء قال: إنما القرآن عبر إنما القرآن عبر.
قال محمد بن الحسين: وقبل أن أذكر أخلاق أهل القرآن وما ينبغي أن يتأدبوا به أذكر فضل حملة القرآن ليرغبوا في تلاوته والعمل به والتواضع لمن تعلموا منه أو علموه.

باب فضل حملة القرآن حدثنا أبو العباس حامد بن محمد بن شعيب البلخي قال نا يعقوب الدورقي قال نا عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الرحمن بن بديل عن أبيه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لله من الناس أهلون، قيل: من هم يا رسول الله قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته.
حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال نا زياد ابن أيوب قال نا أبو عبيدة الحداد قال نا عبد الرحمن بن بديل عن أبيه عن أنس ابن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لله أهلين قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته.
حدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال نا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال نا حماد بن شعيب عن عاصم عن زر عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقال لصاحب القرآن يوم القيامة: إقرأ وارق في الدرجات ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرأها.

وأخبرنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قال نا شجاع بن مخلد قال نا الفضل بن دكين قال نا سفيان عن عاصم عن زر عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقال: إقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها.
وروي عن أم الدرداء أنها قالت: سألت عائشة عمن دخل الجنة ممن قرأ القرآن ما فضله على من لم يقرأه؟ فقالت عائشة عمن دخل الجنة ممن قرأ القرآن ما فضله على من لم يقرأه؟ فقالت عائشة إن عدد درج الجنة بعدد آي القرآن فمن دخل الجنة ممن قرأ القرآن فليس فوقه أحد.
حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد الصندلي قال نا الحسن بن محمد الزعفراني قال نا علي بن عاصم عن إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعلموا هذا القرآن واتلوه فإنكم تؤجرون على تلاوته بكل حرف عشر حسنات أما إني لا أقول الم عشر ولكن الألف عشر واللام عشر والميم عشر، إن هذا النور المبين والشفاء النافع ونجاة من اتبعه وعصمة من تمسك به لا يعوج فيقوم ولا تنقض عجائبه ولا يخلق عن كثرة الرد.
وأخبرنا أبو عبد الله أحمد بن الحسين بن عبد الجبار الصوفي قال نا شجاع بن مخلد قال نا حجاج بن المنهال قال حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن أبي الأحوص وأبي البختري أن ابن مسعود قال: تعلموا القرآن واتلوه فإنكم تؤجرون به، إن بكل اسم منه عشراً أما إني لا أقول بالم عشر ولكن بالألف عشر وباللام عشر وبالميم عشر.
حدثنا أبو بكر عبد الله بن أبي داود قال نا أبو الطاهر أحمد بن عمرو وقال نا ابن وهب قال نا يحيى بن أيوب عن خالد بن يزيد بن ثعلبة بن أبي الكنود عن عبيد الله بن عمرو بن العاص قال: من جمع القرآن فقد حمل أمراً عظيماً، لقد أدرجت النبوة بين كتفيه غير أنه لا يوحي إليه فلا ينبغي لحامل القرآن أن يحد من يحد ولا يجهل مع من يجهل لأن القرآن في جوفه.
وحدثنا أبو بكر بن أبي داود أيضاً قال نا أبو الطاهر قال نا ابن وهب قال اخبرني مسلمة بن علي عن زيد بن واقد عن مكحول عن أبي أمامة الباهلي يرفعه قال: من قرأ ربع القرآن فقد أوتي ربع النبوة، ومن قرأ ثلث القرآن فقد أوتي ثلث النبوة ومن قرأ ثلثي القرآن فقد أوتي ثلثي النبوة.

باب فضل من تعلم القرآن وعلمه حدثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني قال نا علي بن الجعد قال نا شعبة عن علقمة بن مرثد قال: سمعت سعد بن عبيدة يحدث عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال شعبة قلت له عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم قال: خيركم من تعلم القرآن وعلمه.
قال أبو عبد الرحمن: فذلك أقعدني مقعدي هذا فكان يعلم من خلافة عثمان إلى إمرة الحجاج.
حدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال حدثنا فيض بن وثيق قال نا عبد الواحد بن زيد عن عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيركم من تعلم القرآن وعلمه.
حدثنا أبو خبيب العباس بن أحمد البرتي قال نا عبد الله بن معاوية الجمحي قال نا الحارث بن نبهان قال نا عاصم بن بهدلة عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيركم من تعلم القرآن وعلمه وأخذ بيدي فأقعدني في مجلسي اقرأ.
حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد الصندلي قال نا زهير بن محمد قال نا عبد الله بن يزيد المقرئ قال نا موسى بن علي بن رباح قال سمعت أبي يقول سمعت عقبة بن عامر يقول خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة فقال: أيكم يجب أن يغدو إلى بطحان أو العقيق فيأتي كل يوم بناقتين كوماوين زهراوين فيأخذهما في غير إثم ولا قطع رحم قال: قلنا: كلنا يا رسول الله يحب ذلك قال: فلأن يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل.
باب فضل الاجتماع في المسجد لدرس القرآنحدثنا الفريابي قال نا إسحاق بن راهويه قال نا جرير يعني ابن عبد الحميد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما تجالس قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا حفت بهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه.

وحدثنا الفريابي أيضاً قال نا أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله عز وجل يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفت بهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده.
وحدثنا الفريابي قال نا منجاب بن الحارث قال نا أبو الأحوص عن هارون بن عنترة عن أبيه قال قلت لابن عامر: أي العمل أفضل؟ قال: ذكر الله أكبر وما جلس قوم في بيت من بيوت الله يدرسون فيه كتاب الله ويتعاطونه بينهم إلا أظلتهم الملائكة بأجنحتها وكانوا أضياف الله ما داموا فيه حتى يخوضوا في حديث غيره.

باب ذكر أخلاق أهل القرآن قال محمد بن الحسين: ينبغي لمن علمه الله القرآن، وفضله على غيره ممن لم يعلم كتابه وأحب أن يكون من أهل القرآن، وأهل الله وخاصته، وممن وعده الله من الفضل العظيم ماتقدم ذكرنا له.
وقال الله عز وجل: (يَتلونَهُ حَقَ تِلاوَتِهِ).
قيل في التفسير: يعملون به حق عمله.
وممن قال النبي صلى الله عليه وسلم.
(الذي يقرأ القرآن، وهو ماهر به مع الكرام السفرة، والذي يقرأ القرآن وهو علين شاق، له أجران).
وقال بشر بن الحارث: سمعت عيسى بن يونس يقول: إذا ختم العبد القرآن، قبل الملك بين عينيه فينبغي له أن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، يعمر به ما خرب من قلبه، يتأدب بآداب القرآن، ويتخلق بأخلاق شريفة، تبين به عن سائر الناس ممن لا يقرأ القرآن.
فأول ما ينبغي له أن يستعمل تقوى الله في السر والعلانية باستعمال الورع في مطعمه ومشربه وملبسه ومسكنه.
بصيراً بزمانه وفساد أهله، فهو يحذرهم على دينه، مقبلاً على شأنه، مهموماً بإصلاح ما فسد من أمره، حافظاً للسانه مميزاً لكلامه. إن تكلم: تكلم بعلم، إذا رأى الكلام صواباً. وإذا سكت: سكت بعلم إذا كان السكوت صواباً، قليل الخوض فيما لا يعنيه، يخاف من لسانه أشد مما يخاف من عدوه. يحبس لسانه كحبسه لعدوه: ليأمن من شره وشر عاقبته. قليل الضحك مما يضحك منه الناس لسوء عاقبة الضحك إن مر بشيء مما يوافق الحق تبسم.

يكره المزاح خوفاً من اللعب، فإن مزح: قال حقاً. باسط الوجه، طيب الكلام، لا يمدح نفسه بما فيه، فكيف بما ليس فيه، يحذر نفسه أن تغلبه على ما تهوى مما يسخط مولاه، لا يغتاب أحداً، ولا يحقر أحداً، ولا يسب أحداً، ولا يشمت بمصيبة، ولا يبغي على أحد، ولا يحسده ولا يسيء الظن بأحد إلا لمن يستحق، يحسد بعلم ويظن بعلم ويتكلم بما في الإنسان من عيب بعلم ويسكت عن حقيقة ما فيه بعلم قد جعل القرآن والسنة والفقه دليله إلى كل خلق حسن جميل حافظاً لجميع جوارحه عما نهي عنه إن مشى مشى بعلم وإن قعد قعد بعلم يجتهد ليسلم الناس من لسانه ويده، ولا يجهل فإن جهل عليه حلم لا يظلم وإن ظلم عفى لا يبغي وإن بغي عليه صبر بكظم غيظه ليرضي ربه ويغيظ عدوه متواضع في نفسه إذا قيل له الحق قبله من صغير أو كبير، يطلب الرفعة من الله لا من المخلوقين ماقت للكبر خائفاً على نفسه منه، لا يتآكل بالقرآن ولا يحب أن تفضى له به الحوائج ولا يسعى به إلى أبناء الملوك ولا يجالس به الأغنياء ليكرموهن، إن كسب الناس من الدنيا الكثير بلا فقه ولا بصيرة كسب هو القليل بفقه وعلم، إن لبس الناس الليّن الفاخر لبس هو من الحلال ما يستر به عورته إن وسع عليه وسع وإن أمسك عنه أمسك، يقنع بالقليل فيكفيه ويحذر على نفسه من الدنيا ما يطغيه، يتبع واجبات القرآن والسنة يأكل الطعام بعلم ويأكل بعلم ويشرب بعلم وينام بعلم ويجامع أهله بعلم ويصحب الإخوان بعلم يزورهم بعلم ويستأذن عليهم بعلم ويسلم عليهم بعلم ويحاور جاره بعلم، يلزم نفسه بر والديه فيخفض لهما جناحه ويخفض لصوتهما صوته ويبذل لهما ماله وينظر إليهما بعين الوقار والرحمة يدعو لهما بالبقاء ويشكر لهما عند الكبر، لا يضجر بهما ولا يحقرهما إن استعانا به على طاعة أعانهما وإن استعانا به على معصية لم يعنهما عليها ورفق بهمان من معصيته إياهما يحسن الأدب ليرجعا عن قبيح ما أرادا مما لا يحسن بهما فعله، يصل الرحم ويكره القطيعة، من قطعه لم يقطعه، من عصى الله فيه أطاع الله فيه، يصحب المؤمنين بعلم ويجالسهم بعلم، من صحبه نفعه، حسن المجالسة لمن جالس، إن علم غيره رفق به، لا يعنف من أخطأ ولا يخجله رفيق من أموره، صبور على تعليم الخير، يأنس به المتعلم ويفرح به المجالس، مجالسته تفيد خيراً، مؤدب لمن جالسه بأدب القرآن والسنة وإذا أصيب بمصيبة فالقرآن والسنة له مؤدبان، يحزن بعلم ويبكي بعلم ويصبى بعلم يتطهر بعلم ويصلي بعلم ويزكي بعلم ويتصدق بعلم ويصوم بعلم ويحج بعلم ويجاهد بعلم ويكتسب بعلم وينفق وينبسط في الأمور بعلم وينقبض عنها بعلم قد أدبه القرآن والسنة. يتصفح القرآن ليؤدب به نفسه لا يرضى من نفسه أن يؤدي ما فرض الله عليه بجهل قد جعل العلم والفقه دليله إلى كل خير إذا درس القرآن فبحضور فهم وعقل، همته إيقاع الفهم لما ألزمه الله من إتباع ما أمر والانتهاء عما نهى، ليس همته متى أختم السورة همته متى استغني بالله عن غيرهن متى أكون من المتقين، متى أكون من المحسنين، متى أكون من المتوكلين متى أكون من الخاشعين، متى أكون من الصابرين، متى أكون من الصادقين متى أكون من الخائفين متى أكون من الراجين منى أزهد في الدنيا متى أرغب في الآخرة، متى أتوب من الذنوب متى أعرف النعم المتواترة، متى أشكره عليها، متى أعقل عن الله الخطاب، متى أفقه ما أتلو، متى أغلب نفسي على ما تهوي متى أجاهد في الله حق الجهاد، متى أحفظ لساني، متى أغض طرفي، متى أحفظ فرجي، متى أحاسب نفسي، متى أتذود ليوم معادي متى أكون عن الله راضياً متى أكون بالله واثقاً، متى أكون بزجر القرآن متعظاً، متى أكون بذكره عن ذكر غيره مشتغلاً متى أحب ما أحب ومتى أبغض ما أبغض متى أنصح لله متى أخلص له عملي، متى أقصر أملي، متى أتأهب ليوم موتي وقد غيب عني أجلي متى أعمر قبري متى أفكر في الموت وشدته، متى أفكر في خلوتي مع ربي متى أفكر في المنقلب، متى أحذر مما حذرني منه ربي من نار حرها شديد وقعرها بعيد وعمقها طويل، لا يموت أهلها فيستريحوا ولا تقال عثرتهم ولا ترحم عبرتهم طعامهم الزقوم وشرابهم الحميم، كلما نضجت جلودهم بدلوا جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب، ندموا حيث لا ينفعهم الندم، وعضوا على الأيدي أسفاً على تقصيرهم في طاعة الله وركوبهم لمعاصي الله، فقال منهم قائل يا ليتني قدمت لحياتي

وقالال قائل رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت وقال قائل يا ويلنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وقال قائل يا ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً وقالت فرقة منهم ووجوههم تتقلب في أنواع من العذاب فقالوا يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا.قائل رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت وقال قائل يا ويلنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وقال قائل يا ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً وقالت فرقة منهم ووجوههم تتقلب في أنواع من العذاب فقالوا يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا.
فهذه النار يا معشر المسلمين يا حملة القرآن حذرها الله المؤمنين في غير موضع من كتابه فقال عز وجل: (يا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا قَوا أَنفُسَكُم وَأَهليكُم ناراً وقودُها الناسُ وَالحِجارَة عَلَيها مَلائِكَةً غِلاظ شِدادٌ لا يَعصونَ اللَهَ ما أَمَرَهُم وَيفعَلونَ ما يُؤمَرون) وقال عز وجل (وَاتَقوا النارَ الَّتي أُعِدَت لِلكافِرين) وقال عز وجل (يا أَيُّها الَّذين آمَنوا اَتَقوا اللَهَ وَلتَنظُر نَفسٌ ما قَدَمَت لِغَدٍ وَاتَقوا اللَهَ إِن اللَهَ خَبيرٌ بِما تَعمَلون).
ثم حذر المؤمنين أن يغفلوا عما فرض عليهم وما عهده إليهم أن لا يضيعوه وأن يحفظوا ما استرعاهم من حدوده ولا يكونوا كغيرهم ممن فسق عن أمره فعذبه بأنواع العذاب.
وقال عز وجل: (وَلا تَكونوا كَالَّذينَ نَسوا اللَهَ فَأَنساهُم أَنفُسَهُم أُولَئِكَ هُمُ الفاسِقون) ثم أعلم المؤمنين أنه لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة فقال عز وجل (لا يَستوي أَصحابُ النارِ وَأَصحابُ الجَنةِ أَصحابُ الجَنَةِ هُمُ الفائِزون) فالمؤمن العاقل إذا تلا القرأن استعرض فكان كالمرآة يرى بها ما حسن من فعله وما قبح فيه فما حذره مولاه حذره وما خوفه به من عقابه خافه وما رغب فيه مولاه رغب فيه ورجاه.
فمن كانت هذه صفته أو ما قارب هذه الصفة فقد تلاه حق تلاوته ورعاه حق رعايته وكان له القرآن شاهداً وشفيعاً وأنيساً وحرزاً، ومن كان هذا وصفه نفع نفسه ونفع أهله وعاد على والديه وعلى ولده كل خير في الدنيا والآخرة.
حدثنا أبو بكر عبد الله بن سليمان السجستاني قال نا أبو الطاهر أحمد بن عمرو قال أنا ابن وهب قال أخبرني يحيى بن أيوب عن زبان بن فائد عن سهل بن معاذ الجهني عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس والديه تاجاً يوم القيامة ضوءه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا لو كانت فيه فما ظنكم بالذي عمل بهذا.
أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قال: أنا شجاع بن مخلد قال أنا يعلى بن عبيد عن الأعمش عن خيثمة قال: مرت امرأة بعيسى بن مريم فقالت: طوبى لحجر حملك ولثديٍ رضعت منه فقال عيسى: طوبى لمن قرأ ثم عمل به.
حدثنا عمر بن أيوب السقطي قال أنا عبيد الله بن عمر القواريري قال أنا أبو أحمد الزبيري قال أنا بشير بن مهاجر عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يجيء القرآن يوم القيامة إلى الرجل كالرجل الشاحب فيقول له من أنت فيقول: أنا الذي أظمأت نهارك وأسهرت ليلك.
حدثنا أبو بكر عبد الله بن سليمان قال أنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو قال أنا عبد الله بن وهب قال أخبرني موسى بن أيوب عن عمه إياس بن عامر أن علي بن أبي طالب قال له: إنك إن بقيت فسيقرأ القرآن على ثلاثة أصناف، صنف الله، صنف للدنيا، وصنف للجدل فمن طلب به أدرك.

باب أخلاق من قرأ القرآن لا يريد به الله عز وجل قال محمد بن الحسين:

فأما من قرأ القرآن للدنيا أو لابناء الدنيا فإن من أخلاقه أن يكون حافظاً لحروف القرآن مضيعاً لحدوده متعظماً في نفسه متكبراً على غيره قد اتخذ القرآن بضاعة يتأكل به الأغنياء ويستقضي به الحوائج يعظم أبناء الدنيا ويحقر الفقراء إن علم الغنى رفق به طمعاً في دنياه وإن علم الفقير زجره وعنفه لأنه لا دنيا له يطمع فيها يستخدم به الفقراء ويتيه به على الأغنياء، إن كان حسن الصوت أحب أن يقرأ للملوك ويصلي بهم طمعاً في دنياهم وإن سأله الفقراء الصلاة بهم ثقل ذلك عليه لقلة الدنيا في أيديهم إنما طلبه الدنيا حيث كانت ربض عندها يفخر على الناس بالقرآن ويحتج على من دونه في الحفظ بفضل ما معه من القرآن وزيادة المعرفة بالغرائب من القرآن التي لو عقل لعلم أنه يجب عليه أن لا يقرأ بها فتراه تائهاً متكبراً كثير الكلام بغير تمييز، يعيب كل من لم يحفظ كحفظه ومن علم أنه يحفظ كحفظه طلب عيبه، متكبراً في جلسته، متعاظماً في تعليمه لغيره ليس للخشوع في قلبه موضع. كثير الضحك والخوض فيما لا يعنيه، يشتغل عمن يأخذ عليه بحديث من جالسه هو إلى إستماع حديث جليسه أصغى منه إلى استماع من يجب عليه أن يستمع له، يروي أنه لم يستمع حافظاً، فهو إلى كلام الناس أشهى منه إلى كلام الرب عز وجل، لا يخشع عند استماع القرآن ولا يبكي ولا يحزن ولا يأخذ نفسه بالفكر فيما يتلى عليه وقد ندب إلى ذلك راغب في الدنيا وما قرب منها لها، يغضب ويرضى، إن قصى رجل في حقه قال أهل القرآن لا يقصر في حقوقهم وأهل القرآن تقضى حوائجهم، يستقضي من الناس حق نفسه، ولا يستقضي من نفسه حق الله عليها، يغضب على غيره زعم لله، ولا يغضب على نفسه لله، لا يبالي من أين اكتسب من حرام أو من حلال قد عظمت الدنيا في قلبه إن فاته شيء لا يحل له أخذه حزن على فوته، لا يتأدب بأدب القرآن ولا يزجر نفسه عند الوعد والوعيد لاهٍ غافل عما يتلو أو يتلى عليه، همته حفظ الحروف، إن أخطأ في حرف ساءه ذلك لئلا ينقص جاهه عند المخلوقين فتنقض رتبته عندهم فتراه محزوناً مهموماً بذلك، وما قد ضيعه فيما بينه وبين الله مما أمر به في القرآن أو نهي عنه، غير مكترث به أخلاقه في كثير من أموره أخلاق الجهال الذين لا يعلمون، لا يأخذ نفسه بالعمل بما أوجب عليه القرآن إذا سمع الله عز وجل قال: (وَما آتاكُم الرسول فَخُذوهُ وَما نَهاكُم عَنهُ فَاِنتَهوا) فكان الواجب عليه أن يلزم نفسه طلب العلم لمعرفة ما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم فينتهي عنه، قليل النظر في العلم الذي هو واجب عليه فيما بينه وبين الله عز وجل، كثير النظر في العلم الذي يتزين به عند أهل الدنيا ليكرموه بذلك، قليل المعرفة بالحلال والحرام الذي ندب الله إليه ثم رسوله ليأخذ الحلال بعلم ويترك الحرام بعلم، لا يرغب في معرفة علم النعم ولا في علم شكر المنعم، تلاوته للقرآن تدل على كره في نفسه وتزين عند السامعين منه، ليس له خشوع فيظهر على جوارحه، إذا درس القرآن أو درسه عليه غيره همته متى يقطع ليس همته متى يفهم، لا يتفكر عند التلاوة بضروب أمثال القرآن، ولا يقف عند الوعد والوعيد، يأخذ نفسه برضى المخلوقين ولا يبالي بسخط رب العالمين، يحب أن يعرف بكثرة الدرس ويظهر ختمه للقرآن ليحظى عندهم، قد فتنه حسن ثناء الجهلة من جهله يفرح بمدح الباطل وأعماله أعمال أهل الجهل، يتبع هواه فيما تحب نفسه غير متصفح لما زجره القرآن عنه، إن كان مما يقرئ غضب على من قرأ على غيره، إن ذكر عنده رجل من أهل القرآن بالصلاح كره ذلك، وإن ذكر عنده بمكروه سره ذلك، يسخر بمن دونه يهمز بمن فوقه، يتتبع عيوب أهل القرآن ليضع منهم ويرفع من نفسه، يتمنى أن يخطئ غيره، ويكون هو المصيب.
ومن كانت هذه صفته فقد تعرض لسخط مولاه الكريم، وأعظم من ذلك أن أظهر على نفسه شعار الصالحين بتلاوة القرآن وقد ضيع في الباطن ما يجب لله وركب ما نهاه عنه مولاه، كل ذلك بحب الرياسة والميل إلى الدنيا قد فتنه العجب بحفظ القرآن والإشارة إليه بالأصابع، إن مرض أحد من أهل الدنيا أو ملوكها فسأله أن يختم عليه سارع إليه وسر بذلك وإن مرض الفقير المستوى فسأله أن يختم عليه ثقل ذلك عليه يحفظ القرآن ويتلوه بلسانه وقد ضيع الكثير من أحكامه.

أخلاقه أخلاق الجهال إن أكل فبغير علم وإن شرب فبغير علم وإن لبس فبغير علم وإن جامع أهله فبغير علم وإن نام فبغير علم وإن صحب أقواماً أو زارهم أو سلم عليهم، واستأذن عليهم فجميع ذلك يجري بغير علم من الكتاب أو سنة.
وغيره ممن يحفظ جزء من القرآن مطالب لنفسه بما أوجب الله عليه من علم أداء فرائضه واجتناب محارمه وإن كان لا يؤبه له ولا يشار إليه بالأصابع.
قال محمد بن الحسين: فمن كانت هذه أخلاقه صار فتنة لكل مفتون لأنه إذا عمل بالأخلاق التي لا تحسن لمثله اقتدى به الجهال فإذا عيب على الجاهل قال فلان الحامل لكتاب الله فعل هذا فنحن أولى نفعله ومن كانت هذه حاله فقد تعرض لعظيم وثبتت عليه الحجة ولا عذر له إلا أن يتوب وإنما حداني على ما بينت من قبيح هذه الأخلاق نصيحة مني لأهل القرآن ليتخلقوا بالأخلاق الشريفة ويتخلفوا عن الأخلاق الدنية والله يوفقنا وإياهم للرشاد.
واعلموا رحمكم الله أني قد رويت فيما ذكرت أخباراً تدل على ما كرهته لأهل القرآن فأنا أذكر منها ما حضرني ليكون الناظر من كتابنا ينصح نفسه عند تلاوته للقرآن ويلزم نفسه الواجب والله الموفق.
حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال أنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي قال أنا بقية بن الوليد عن شعبة عن سعيد الجريري عن أبي نضرة عن أبي فراس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لقد أتى علينا حين وما نرى أن أحداً يتعلم القرآن يريد به إلا الله فلما كان ههنا بآخرة خشيت أن رجالاً يتعلمونه يريدون به الناس وما عندهم، فأريدوا بقراءتكم وأعمالكم وإنا كنا نعرفكم إذ فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا ينزل الوحي وإذ ينبئنا الله من أخباركم، فأما اليوم فقد مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وانقطع الوحي وإنما أعرفكم بما أقول من أعلن خيراً أحببناه عليه وظننا به خيراً، ومن أظهر شراً بغضناه عليه وظننا به شراً، سرائركم فيما بينكم وبين الله عز وجل.
حدثنا أبو بكر محمد بن يحيى بن سليمان المروزي قال حدثنا عبيد الله بن محمد العيشي قال نا حماد بن سلمة قال أنا الجريري عن أبي نضرة أن عمر بن الخطاب قال: يا أيها الناس. وذكر نحواً من حديث الفريابي.
قال محمد بن الحسين: فإذا كان عمر بن الخطاب قد خاف على قوم قرأوا القرآن في ذلك الوقت ميلهم إلى الدنيا فما ظنك بهم اليوم. وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه يكون أقوام يقرأون القرآن يقيمونه كما تقيمون القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه يطلبون به عاجلة الدنيا ولا يطلبون به الآخرة.
حدثنا أبو محمد الحسن بن علوية القطان قال أنا خلف بن هشام البزار قال أنا خالد بن عبد الله الواسطي عن حميد الأعرج عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ونحن نقرأ القرآن وفينا الأعجمي والأعرابي قال فاستمع فقال: اقرءوا فكل حسن. سيأتي قوم يقيمونه كما يقيمون القدح، يتعجلونه ولا يتأجلونه.
حدثنا ابو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال نا الحسين بن الحسن المروزي قال نا ابن المبارك قال أنا موسى بن عبيدة الربذي عن عبد الله بن عبيدة وهو أخوه عن سهل بن سعد الساعدي قال: بينا نحن نقترئ إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الحمد لله، كتاب الله واحد وفيكم الأخيار وفيكم الأحمر والأسود، اقرأوا القرآن، أقرأوا قبل أن يأتي أقوام يقرأونه يقيمون حروفه كما يقام السهم لا يجاوز تراقيه، يتعجلون أجره ولا يتأجلونه.
وحدثنا أبو محمد أيضاً قال أنا الحسين بن الحسن قال أنا ابن المبارك قال نا موسى بن عبيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن ابن الهاد عن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يظهر هذا الدين حتى يجاوز البحار وحتى يخاض بالخيل في سبيل الله ثم يأتي قوم يقرأون القرآن فإذا قرأوه قالوا قد قرأنا القرآن فمن أقرأ منا فمن أعلم منا. ثم التفت إلى أصحابه فقال: هل ترون في أولئك من خير؟ قالوا: لا. قال: فأولئك منكم، وأولئك من هذه الأمة، وأولئك هم وقود النار.

وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال نا زهير بن محمد قال أنا ابن نمير عن موسى بن عبيدة عن محمد بن إبراهيم عن ابن الهاد عن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث مثله.
وحدثنا ابن عبد الحميد أيضاً قال أنا زهير بن محمد قال أنا أبو نعيم قال أنا إسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر قال سمعت أبي يذكر عن مجاهد عن ابن عمر قال: كنا صدر هذه الأمة وكان الرجل من خيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما معه إلا السورة من القرآن أو شبه ذلك وكان القرآن ثقيلاً عليهم ورزقوا العمل به، وإن آخر هذه الأمة يخفف عليهم القرآن حتى يقرآه الصبي والأعجمي فلا يعملون به.
وحدثنا ابن عبد الحميد قال أنا زهير بن محمد قال أنا سعيد بن سليمان قال أنا خلف يعني الواسطي عن عطاء بن السائب قال: كان أبو عبد الرحمن يقرئنا فقال يوماً: قال عبد الله بن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليقرأن هذا القرآن قوم يشربونه كما يشرب الماء يقرأونه فلا يجاوز تراقيهم.
حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال حدثنا الحسين بن الحسن المروزي قال أنا ابن المبارك قال أن معمر عن يحيى بن المختار عن الحسن قال إن هذا القرآن قد قرأه عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله ولم يتأولوا الأمر مزاولة. قال الله عز وجل (كِتابٌ أَنزَلناهُ إِلَيكَ مُباركٌ ليدبروا آياتِهِ) وما تدبر آياته اتباعه والله يعلم، أما والله ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده حتى ان أحدهم ليقول: قد قرأت القرآن كله فما سقطت منه حرفاً وقد والله أسقطه كله، ما ترى الله القراء في خلق ولا عمل حتى ان أحدهم ليقول إني لأقرأ السورة في نفس واحد والله ما هؤلاء بالقراء ولا العلماء ولا الحكماء ولا الورعة متى كانت القراء تقول مثل هذا؟ لا أكثر الله في الناس مثل هؤلاء.
حدثنا أبو محمد أيضاً قال أنا الحسين قال أنا عبد الله بن المبارك قال أنا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء وقيس بن سعد عن مجاهد في قول الله عز وجل: (يَتلونَهُ حَقَ تِلاوَتِهِ) قال: يعملون به حق عمله.
حدثنا أبو الفضل العباس بن يوسف الشكلي قال أنا العلاء بن سالم قال أنا شعيب بن حرب قال نا مالك بن مغول عن الحسيب بن رافع قال: عبد الله بن مسعود: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذ الناس نائمون وبنهاره إذ الناس مفطرون وبورعه إذ الناس يخلطون وبتواضعه إذ الناس يختالون وبحزنه إذ الناس يفرحون وببكائه إذ الناس يضحكون وبصمته إذ الناس يخوضون.
حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد الصندلي قال أنا الفضل بن زياد قال أنا عبد الصمد بن يزيد قال سمعت الفضيل بن عياض يقول: ينبغي لحامل القرآن أن لا يكون له حاجة إلى أحد من الخلق، إلى الخليفة فمن دونه، وينبغي أن تكون حوائج الخلق إليه قال: سمعت الفضيل يقول: حامل القرآن حامل راية الإسلام لا ينبغي له أن يلغو مع من يلغو ولا يسهو مع يسهو ولا يلهو من يلهو وسمعت الفضيل يقول: إنما نزل القرآن ليعمل به، فاتخذ الناس قراءته عملاً أي ليحلوا حلاله ويحرموا حرامه، ويقفوا عند متشابهه.
وحدثنا جعفر بن محمد الصندلي قال سمعت أبا الحسن محمد بن محمد بن أبي الورد يقول كتب حذيفة المرعشي إلى يوسف بن أسباط.
بلغني أنك بعت دينك بحبتين وقفت على صاحب لبن فقلت بكم هذا؟ فقال لك: بسدس. فقلت: لا بثمن. فقال: هو لك، وكان يعرفك، اكشف عن رأسك قناع الغافلين وانتبه من رقدة الموتى واعلم أنه من قرأ القرآن ثم آثر الدنيا لم آمن أن يكون بآيات الله من المستهزئين.
أخبرنا ابو محمد عبد الله بن صالح البخاري قال نا مخلد بن الحسن ابن أبي زميل قال أنا أبو المليح قال كان ميمون بن مهران يقول: لو صلح أهل القرآن صلح الناس.
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن صالح البخاري قال نا عبد بن عبد الرحيم المروزي قال أنا عبد الله بن يزيد المقرئ قال أنا حيوة يعني ابن شريح قال حدثني بشير بن أبي عمرو الخولاني أن الوليد بن قيس حدثه أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول:

يكون خلف بعد سنين أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً ثم يكون خلف يقرأون لا يعدو تراقيهم ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن ومنافق وفاجر، فقال بشير: فقلت للوليد ما هؤلاء الثلاثة فقال: المنافق كافر به والفاجر يتأكل به والمؤمن يعمل به.
حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال أنا إسحق بن إبراهيم بن زيد قال نا سعد بن الصلت قال نا الأعمش عن خثيمة عن الحسن قال: مررت أنا وعمران بن حصين على رجل يقرأ سورة يوسف فقام عمران يستمع لقراءته فلما فرغ سأل، فاسترجع وقال: انطلق فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قرأ القرآن فليسأل الله به فإنه سيأتي قوم يقرأون القرآن يسألون به الناس.
وحدثنا أبو بكر بن عبد الحميد الواسطي قال نا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال يزيد بن هرون قال نا شريك بن عبد الله عن منصور عن خيثمة عن الحسن قال: كنت أمشي مع عمران بن حصين أحدنا آخذ بيد صاحبه فمررنا بسائل يقرأن القرآن فاحتبس عمران يستمع القرآن فلما فرغ سأل فقال عمران: انطلق بنا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اقرأوا القرآن واسألوا الله به، فإن بعدكم قوماً يقرأون القرآن يسألون الناس به.
حدثنا أبو عبد الله بن أحمد السوانيطي قال نا مقدام بن داود المصري قال نا أسد بن موسى قال نا عبد الله بن وهب عن الماضي بن محمد عن أبان عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤتي بحملة القرآن يوم القيامة فيقول الله عز وجل: أنتم دعاة كلامي آخذكم بما آخذ به الأنبياء إلا الوحي.
؟
باب أخلاق المقرئ إذا جلس يقرأ ويلقن لله عز وجل ماذا ينبغي له أن يتخلق به قال محمد بن الحسين: ينبغي لمن علمه الله كتابه فأحب أن يجلس في المسجد يقرأ القرآن لله. يغتنم قول النبي صلى الله عليه وسلم (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) فينبغي له أن يستعمل من الأخلاق الشريفة ما يدل على فضله وصدقه وهو أن يتواضع في نفسه إذا جلس في مجلسه ولا يتاظم في نفسه وأحب له أن يستقبل القبلة في مجلسه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أفضل المجالس ما استقبل به القبلة) ويتواضع لمن يلقنه القرآن ويقبل عليه إقبالاً جميلاً.
وينبغي له أن يستعمل مع كل إنسان يلقنه أن يصلح لمثله إذا كان يتلقن عليه الصغير والكبير والحدث والغني والفقير فينبغي له أن يوفي كل ذي حق حقه ويعتقد الإنصاف إن كان يريد الله بتلقينه القرآن فلا ينبغي له أن يقرب الغني ويبعد الفقير ولا ينبغي له أن يرفق بالغنى ويخرق بالفقير فإن فعل هذا فقد جار في فعله فحكمه أن يعدل بينهما ثم ينبغي له أن يحذر على نفسه التواضع للغني والتكبر على الفقير بل يكون متواضعاً للفقير مقرباً لمجلسه متعطفاً عليه يتحبب إلى الله بذلك.
حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال أنا إسحق بن الجراح الأزدي ومحمد ابن عبد الملك الدقيقي قالا نا جعفر بن عون قال أنبأنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس في قوله عز وجل: (وَلا تُصَعِّر خَدَّكَ لِلناسِ) قال: يكون الغني والفقير عندك في العلم سواء.
حدثنا ابن أبو داود قال نا بشر بن خالد العسكري قال نا شبابة يعني ابن سوار عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العاليد في قوله عز وجل (وَلا تُصَعِّر خَدِّكَ لِلناسِ) قال: يكون الغني والفقير عندك في العلم سواء.

حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال نا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان (قال نا عمرو بن محمد العنقزي قال نا أسباط عن السدي عن ابن سعد) الأزدي وكان قارئ الأزد عن أبي الكنود عن خباب بن الأرت في قوله الله عز وجل: (وَلا تَطرُد الَّذينَ يَدعونَ رَبَهُم بِالغَداةِ وَالعَشي يَريدونَ وَجهَهُ) - إلى قوله: (فَتَكونَ مِن الظالِمين) ثم ذكر الأقرع وعيينة. فقال عز وجل: (وَكَذَلِكَ فَتنا بَعضَهُم بِبَعضٍ لِيَقولوا أَهَؤلاء مَنَّ اللَهُ عَلَيهم مِن بَينِنا أِليسَ اللَهُ بِأَعلَم بِالشاكِرين) ثم قال عز وجل (وَإِذا جاءَكَ الَّذين يُؤمِنونَ بآياتِنا فَقُل سَلامٌ عَلَيكُم كَتَبَ رَبَكُم عَلى نَفسِهِ الرَحمَةَ) قال: (فرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصحيفة ثم دعانا فأتيناه فقال: (سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة)). فدنونا منه حتى وضعنا ركبنا على ركبته وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس معنا فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا فأنزل الله عز وجل (وَاَصبر نَفسَكَ مَعَ الَّذينَ يَدعونَ رَبَهُم بِالغَداةِ وَالعَشي يَريدونَ وَجهَهُ وَلا تَعُد عَيناكَ عَنهُم تَريد زينةَ الحَياةُ الدُنيا) قال: فكنا نقعد مع النبي صلى الله عليه وسلم فإذا بلغنا الساعة التي يقوم قمنا وتركناه حتى يقوم.
قال محمد بن الحسين: أحق لنا باستعمال هذا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل القرآن إذا جلسوا لتعليم القرآن يريدون به الله عز وجل.
حدثنا الفريابي قال نا يزيد بن خالد بن موهب الرملي قال نا عيسى ابن يونس عن هارون بن أبي وكيع قال سمعت زاذان أبا عمر يقول: دخلت على ابن مسعود فوجدت أصحاب الخز واليمنة قد سبقوني إلى المجلس فناديته: يا عبد الله من أجل أني رجل أعمي أدنيت هؤلاء وأقصيتني.
فقال: إدنه فدنوت حتى كان بيني وبينه جليس.
قال محمد بن الحسين: وأحب له إذا جاءه من يريد أن يقرأ عليه من صغير أو حدث أو كبير أن يعتبر كل واحد منهم، قبل أن يلقنه من سورة البقرة، يعتبره بلأنه يعرف ما معه من الحمد، إلى مقدار: ربع، سبع، أو أكثر مما يؤدي به صلاته ويصح أن يؤم به في الصلوات إذا احتج إليه، فإن كان يحسنه وكان تعلمه في الكتاب أصلح من لسانه، وقومه، حتى يصلح أن يؤدي به فرائضه، ثم يبتدئ فيلقنه من سورة البقرة.
وأحب لمن يلقن إذا قرئ عليه أن يحسن الإستماع إلى من يقرأ عليه، ولا يشتغل عنه بحديث ولا غيره، فالأحرى أن ينتفع به من يقرأ عليه، وكذلك ينتفع هو أيضاً ويتدبر ما يسمع من غيره، وربما كان سماعه للقرآن من غيره فيه زيادة منفعة وأجر عظيم ويتأول قول الله عز وجل (وَإِذا قُرِئَ القُرآنُ فَاِستَمِعوا لَهُ وَأَنصِتوا لَعَلَكم تُرحَمون).
فإذا لم يتحدث مع غيره وأنصت إليه أدركته الرحمة من الله وكان أنفع للقارئ عليه.
وقر قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود: (إقرأ عليَّ)، فقلت يا رسول الله، أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: (إني أحب أن أسمعه من غيريِ).
أخبرنا الفريابي قال نا محمد بن الحسن البلخي قال أنا عبد الله بن المبارك قال أنا سفيان عن سليمان يعني الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة عن ابن مسعود قال: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إقرأ عليَّ. فقلت: أقرأ عليك وعليك أنزل قال: إني أحب أن أسمعه من غيري. قال: ففتحت سورة النساء فلما بلغت (فَكَيفَ إِذا جِئنا مِن كُلِ أُمَةٍ بِشَهيد وَجِئنا بِكُلٍ عَلى هَؤلاءِ شَهيدا) قال: فرأيت عينيه تذرفان فقال لي: حسبك.
وأحب لمن كان يقرأن أن لا يدرس عليه وقت الدرس إلا واحد ولا يكون ثانياً معه، فهو أنفع للجميع وأما التلقين فلا بأس به أن يلقن الجماعة.
وينبغي لمن قرأ عليه القرآن فأخطأ عليه أو غلط أن لا يعنفه، وأن يرفق به، ولا يجفو عليه فإني لا آمن أن يجفو عليه فينفر عنه وبالحري أن لا يعود إلى المسجد.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (علموا ولا تعنفوا، فإن المعلم خير من المعنف).
حدثنا حامد بن شعيب البلخي قال ثنا بشر بن الوليد ونا عمر ابن أيوب السقطي قال نا الحسن بن عرفة قال نا إسماعيل بن عباس عن حميد بن أبي سويد عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

علموا ولا تعنفوا فإن المعلم خير من المعنف.
حدثنا أبو القاسم عبد الله بن عبد العزيز قال: نا علي بن الجعد قال نا شعبة عن أبي التياح قال سمعت أنس بن مالك يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يسروا ولا تعسروا وسكنوا ولا تنفروا.
أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قال نا محمد بن بكار قال نا عنبسة بن عبد الواحد عن عمرو بن عامر البجلي قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة والحلم وتواضعوا لمن تعلمون وليتواضع لكم من تعلمون ولا تكونوا جبابرة العلماء فلا يقوم علمكم بجهلكمز قال محمد بن الحسين: فمن كانت هؤه أخلاقه قد انتفع به من يقرأ عليهم أقول إنه ينبغي لمن كان يقرأ القرآن لله أن يصون نفسه عن استقضاء الحوائج ممن يقرأ عليه القرآن وأن لا يستخدمه ولا يكلفه حاجة يقوم بها.
واختار له إذا عرضت له حاجة أن يكلفها لمن لا يقرأ عليه وأحب أن يصون القرآن عن أن يقضي له به الحوائج فإن عىضت له حاجة سأل موالاه الكريم قضاءها فإذا ابتدأه أحد من إخوانه من غير مسالة منه فقضاها شكر الله إذ صانه عن المسألة والتذلل لأهل الدنيا وإذا سهل له قضاءها، ثم يشكر الله أن أجرى له ذلك على يديه فإن هذا واجب عليه وقد رويت في ما ذكرت أخبار تدل على ما قلت، وأنا أذكرها ليزداد الناظر في كتابنا بصيرة إن شاء الله.
حدثنا أبو الفضل العباس بن يوسف الشكلي قال أنا أسحاق بن الجراح الأذني قال أنا الحسن بن الربيع البوراني قال: كنت عند عبد الله بن إدريس فلما قمت قال لي سل عن سعي الأشنان، فلا مشيت ردني فقال لا تسأل فإنك تكتب مني الحديث وأنا أكره أن أسأل من يسمع مني الحديث حاجة.
حدثنا أبو الفضل قال حدثنا إسحاق بن الجراح قال قال خلف بن تميم ما أبي وعليه دين فأتيت حمزة الزيات فسألته أن يكلم صاحب الدين أن يضع عن أبي من دينه شيئاً فقال لي حمزة ويحك إنه يقرأ علي القرآن وأنا أكره أن أشرب من بيت من يقرأ علي القرآن.
حدثنا محمد بن جعفر الصندلي قال نا الفضل بن زياد قال نا عبد الصمد بن يزيد قال سمعت الفضيل بن عياض يقول: (ينبغي لحامل القرآن ألا يكون له حاجة إلى أحد من الناس إلى الخليفة فمن دون وينبغي أن تكون حوائج الخلق إليه).
حدثنا حامد بن شعيب البلخي قال نا سريح بن يونس قال نا إسحاق بن سليمان الرازي عن الربيع بن أنس قال: (مكتوب في التوراة علم مجاناً كما علمت مجاناً).
أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قال نا شجاع بن مخلد قال نا إسماعيل بن إبراهيم عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي راشد الحبراني قال قال عبد الرحمن بن شبل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
اقرؤوا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا.
حدثنا أبو العباس أحمد بن سهل الأشناني قال أنا بشر بن الوليد قال أنا فليح بن سليمان عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة.
أخبرنا أبو عبد الله بن مخلد قال نا محمد بن إسماعيل الحساني قال نا وكيع قال نا سفيان عن واقد مولى زيد بن خليدة عن زاذان قال: (من قرأ القرآن يتأكل به الناس جاء يوم القيامة ووجهه عظم ليس عليه لحم).
حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال نا شعيب بن أيوب قال نا عبد الله بن نمير قال نا معاوية البصري عن الضحاك عن الأسود بن يزيد وقال غير شعيب وعلقمة ولم أر شعيباً ذكر علقمة قال قال عبد الله يعني ابن مسعود: لو أن أهل العلم صانوا العلم ووضعوه عند أهله سادوا به أهل زمانهم ولكنهم بذلوه لأهل الدنيا لينالوا من دنياهم فهانوا على أهلها سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول (من جعل الهم هماً واحداً هم آخرته كفاه الله هم دنياه ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك).
حدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد قال نا إبراهيم بن مهدي قال نا أحمد بن عبد الله بن فيروز قال نا العباس بن بكار الضبي قال نا عيسى بن عمر النحوي قال أقبلت حتى أقمت عند الحسن فسمعته يقول:

قراء هذا القرآن ثلاثة رجال فرجل قرأه فاتخذه بضاعة ونقله من بلد إلى بلد ورجل قرأه فأقام على حروفه وضيع حدوده يقول إني والله لا أسقط من القرآن حرفاً كثر الله بهم القبور وأخلا منهم الدور فوالله لهم أشد كبراً من صاحب السرير على سريره ومن صاحب المنبر على منبره ورجل قرأه فأسهر ليله وأطمأ نهاره ومنع شهوته فجثوا في براثنهم وركدوا في محاريبهم بهم ينفي الله عنا العدون وبهم يسقينا الله الغيث وهذا الضرب من القرآن أعز من الكبريت الأحمر.
قال محمد بن الحسين: الأخبار في هذا المعنى كثيرة، ومرادي من هذا نصيحة لأهل القرآن لئلا يبطل سعيهم إن هم طلبوا به شرف الدنيا حرموا شرف الآخرة، إذ يتلونه لأهل الدنيا طمعاً في دنياهم أعاذ الله حملة القرآن من ذلك فينبغي لمن يجلس يقرأ المسلمين أن يتأدب القرآن (يقتضي ثوابه) من الله عز وجل يستغني بالقرآن عن كل أحد من الخلق متواضع في نفسه ليكون رفيعاً عند الله.
حدثنا علي بن إسحاق بن زاطيا قال نا عبيد الله عمر القواريري قال نا ابن حماد بن زيد قال سمعت أيوب يقول: ينبغي للعالم أن يضع الرماد على رأسه تواضعاً لله عز وجل.

باب ذكر أخلاق من يقرأ على المقرئ قال محمد بن الحسين: من كان يقرأ على غيره ويتلقن فينبغي له أن يحسن الأدب في جلوسه بين يديه ويتواضع في جلوسه ويكون مقبلاً عليه فإن ضجر عليه احتمله ورفق به واعتقد له الهيبة والاستحياء منه.
وأحب أن يتلقن ما يعلم أنه يضبط، هو أعلم بنفسه، إن كان يعلم أنه لا يحتمل في التلقين أكثر من خمس خمس، فلا ينبغي أن يسأل الزيادة وإن كان يعلم أنه لا يحتمل أن يتلقن إلا ثلاث آيات لم يسأل أن يلقنه خمساً فإن لقنه الأستاذ ثلاثاً لم يزده عليها، وعلم هو من نفسه أن يحتمل خمساً سأله أن يزيده على أرفق ما يكون فإن أبا لم يزده بالطلب وصبر على مراد الأستاذ منه فإنه إن فعل ذلك كان هذا الفعل منه داعية للزيادة له ممن يلقنه إن شاء الله. ولا ينبغي له أن يضجر من يلقنه فيزهد فيه وإذا لقنه شكر له ذلك، ودعى له، وعظم قدره.
ولا يجفو عليه إن جفا عليه، ويكرم من يلقنه إن كان هو لم يكرمه، وتستحي منه إن لم يستح منك.
تلزم نفسك واجب حقه فإن الله عز وجل قد أمرك أن تعرف حق العالم وأمرك بطاعة العلماء وكذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم.
حدثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني قال أنا أحمد بن عيسى المصري قال أنا عبد الله بن وهب عن مالك بن الخير الزبادي من أهل اليمن عن أبي قبيل المعافري عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا ولا يرحم صغيرنا ويعرف لعلمائنا قال أحمد يعني: يعرف حقهم.
حدثنا الفريابي قال أنا قتيبة بن سعيد قال أنا ابن لهيعة عن جميل الأسلمي عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم لا يدركني زمان ولا أدركه لا يتبع فيه العالم ولا يستحيا فيه من الحليم قلوبهم قلوب العجم ألسنتهم ألسنة العرب.
أخبرنا إبراهيم بن الهيثم الناقد قال أنا أبو معمر القطيعي قال نا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة قال: لو رفقت بابن عباس لأصبت منه علماً.
حدثنا أحمد بن سهل الأشناني قال أنا الحسين بن علي بن الأسود قال نا يحيى بن آدم قال نا شريك عن ليث عن مجاهد في قوله عز وجل (أَطيعوا اللَهَ وَأَطيعوا الرَسولَ وَأُولي الأَمرَ مِنكُمُ) قال: الفقهاء والعلماء.
وحدثنا يحيى بن آدم عن مفضل بن مهلل عن مغيرة عن إبراهيم مثله.
قال محمد بن الحسين: ثم ينبغي لمن لقنه الأستاذ أن لا ما لقنه (إذا كان ممن قد أحب أن يتلقن عليه وإذا جلس بين يدي غيره لم يتلقن منه إلا ما لقنه) الأستاذ أعني بحرف غير الحرف الذي تلقنه من الأستاذ فإنه أعود عليه وأصح لقراءته وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم إقرأوا كما علمتم.
حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال: أنا أبو بكر الرفاعي قال أنا أبو بكر بن عياش قال أنا عاصم عن زر عن عبد الله يعني ابن مسعود قال: قلت لرجل: أقرئني من الأحقاف ثلاثين آية فأقرأني خلاف ما أقرأني الأول فأتيت بهما النبي صلى الله عليه وسلم فغضب وعلي بن أبي طالب جالس فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: قال لكم اقرأوا كما علمتم.

وحدثنا ابن صاعد أيضاً قال أحمد بن سنان القطان قال نا يزيد ابن هارون قال نا شريك عن عاصم عن زر عن عبد الله قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة فقلت أفيكم من يقرأ فقال رجل من القوم: أنا، فقرأ السورة التي أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يقرؤها بخلاف ما أقرأني رسول الله فانطلقنا إلى رسول الله فقلنا: يا رسول الله اختلفنا في قراءتها فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علي: إن رسول الله يقول: إنما هلك من كان قبلكم بالاختلاف فيلقرأ كل امرئ منكم ما أقرئ.
م روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار.
قال محمد بن الحسين: من قنع بتلقين الأستاذ ولم يجاوزه فبالحري أن يواظب عليه وأحب ذلك منه وإذا رآه قد التقن ما لم يلقنه زهد في تلقينه وثقل عليه ولم يحمد عواقبه وأحب له إذا قرأ عليه أن لا يقطع حتى يكون الأستاذ هو الذي يقطع عليه فإن بدت له حاجة وقد كان الأستاذ مراده أن يأخذ عليه مائة آية فاختار هو أن يقطع القراءة في خمسين آية فليخبره قبل ذلك بعذره حتى يكون الأستاذ هو الذي يقطع عليه.
وينبغي أن يقبل على من يلقنه، ويأخذ عليه ولا يقبل على غيره فإذا شغل الأستاذ عنه بكلام لا بد له في الوقت من كلامه قطع القراءة حتى يعود إلى الإستماع إليه وأحب له إذا انقضت قراءته على الأستاذ وكان في المسجد فإن أحب أن ينصرف انصرف وعليه الوقار ودرس في طريقه ما قد إلتقن وإن أحب أن يجلس ليأخذ على غيره فعل، وإن جلس في المسجد وليس بالحضرة من يأخذ عليه فإما أن يركع فيكتسب خبراً وإما أن يكون ذاكراً لله شاكراً له على ما علمه من كتابه وإما جالس يحبس نفسه في المسجد يكره الخروج من خشية أن يقع بصره على ما لا يحل أو معاشرة من لم يحسن معاشرته في المسجد فحكمه أن يأخذ نفسه بجلوسه في المسجد أن لا يخوض فيما لا يعنيه ويحذر الوقيعة في أعراض الناس ويحذر أن يخوض في حديث الدنيا وفضول الكلام فإنه ربما استراحت النفوس إلى ما ذكرت مما لا يعود نفعه ولا عاقبة لا تحمد ويستعمل من الأخلاق الشريفة في حضوره وفي انصرافه ما يشبه أهل القرآن والله الموفق لذلك.
؟
باب آداب القراء عند تلاوتهم القرآن
مما لا ينبغي لهم جهله قال محمد بن الحسين: وأحب لمن أراد قراءة القرآن من ليل أو نهار أن يتطهر وأن يستاك وذلك تعظيم للقرآن لأن يتلو كلام الرب عز وجل وذلك لأن الملائكة تدنوا منه عند تلاوته للقرآن ويدنو منه الملك فإن كان متسوكاً وضع فاه على فيه فكلما قرأ آية أخذها الملك بفيه وإن لم يكن تسوك تباعد عنه.
فلا ينبغي لكم يا أهل القرآن ان تباعدوا منكم الملك إستعملوا الأدب فما منكم من أحد إلا وهو يكره إذا لم يتسوك أن يجالس إخوانه وأحب أن يكثر القراءة من المصحف لفضل من قرأ في المصحف.
ولا ينبغي له أن يحمل المصحف إلا وهو طاهر فإن أحب أن يقرأ من المصحف على غير طهارة فلا بأس به ولكن لا يمسه ولكن يصفح المصحف بشيء ولكن لا يمسه إلا طاهراً.
وينبغي للقارئ إذا كان يقرأ فخرجت منه ريح أمسك عن القراءة حتى تنقضي الريح ثم إن أحب أن يتوضأ ثم يقرأ طاهراً فهو أفضل وإن قرأ غير طاهر فلا بأس به، وإذا تثاءب وهو يقرأ أمسك عن القراءة حتى ينقضي عنه التثاؤب ولا يقرأ الجنب ولا الحائض القرآن ولا آية ولا حرفاً واحداً وإن سبح أو حمد أو كبر فلا بأس بذلك وأحب للقارئ أن يأخذ نفسه بسجود القرآن كلما مر بسجدة سجد فيها وفي القرآن خمس عشرة سجدة وقد قيل أربع عشرة قد قيل إحدى عشرة سجدة والذي اختار له أن يسجد كلما مرت به سجدة فإنه يرضي ربه عز وجل ويغيظ عدوه الشيطان.
حدثنا الفريابي قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال نا الليث بن سعد قال نا عقيل بن خالد عن الزهري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا تسوك أحدكم ثم قام يقرأ به الملك يستمع القرآن حتى يجعل فاه على فيه فلا تخرج آية من فيه إلا في فيّ المَلَك، وإذا قام يقرأ ولم يتسوك، طاف به الملك، ولم يجعل فاه على فيه.

وحدثنا الفريابي قال نا قتيبة قال نا سفيان بن عيينة عن الحسن بن عبيد الله النخعي عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي أن علياً كان يحث عليه ويأمر به (يعني السواك) وقال: إن الرجل إذا قام يصلي دنا الملك منه يستمع القرآن فما يزال منه حتى يضع فاه على فيه فما يلفئ من آية إلا دخلت في جوفه.
حدثنا أبو محمد عبد الله بن العباس الطيالسي قال نا إسحاق بن منصور الكوسج قال قلت لأحمد: القراءة على غير وضوء. قال: لا بأس بها، لكن لا يقرأ في المصحف إلا متوضئ قال إسحاق يعني ابن راهويه كما قال سنة مسنونة.
حدثنا أبو نصر محمد بن كردي قال: نا أبو بكر المروزي قال: كان أبو عبد الله ربما قرأ في المصحف وهو على غير طهارة فلا يمسه ولكن يأخذ بيده عوداً أو شباً يصفح به الورق.
حدثنا عبد الله بن العباس الطيالسي قال نا المشرف بن أبان قال نا ابن عيينة عن زر قال: قلت لعطاء: أقرأ القرآن فيخرج مني الريح. قال: تمسك عن القراءة حتى تنقضي الريح.
حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال نا الحسين بن الحسن المروزي قال أنا عبد الله بن المبارك قال أنا عثمان بن الأسود عن مجاهد قال: إذا تثاءبت وأنت تقرأ فأمسك حتى يذهب عنك.
حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني قال نا محمد بن الصباح الدولابي قال نا وكيع قال نا هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا نعس أحدكم فليرقد فإن أحدكم يريد أن يستغفر فيسب نفسه.
حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال نا علي بن الجعد قال نا شعبة قال أخبرني عمرو بن مرة قال سمعت عبد الله بن سلمة يقول: دخلت على عليّ بن أبي طالب فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحجبه أو قال لا يحجزه شيء عن قراءة القرآن إلا الجنابة.
أخبرنا أحمد بن يحيى الحلواني قال نا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال نا إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئاً من القرآن.
قال محمد بن الحسين: جمع ما ذكرته ينبغي لأهل القرآن أن يتأدبوا به ولا يغفلوا عنه فإذا انصرفوا عن تلاوة القرآن اعتبروا أنفسهم بالمحاسبة لها فإن تبينوا منها قبول ما ندبهم إليه مولاهم الكريم مما هو واجب عليهم من أداء فرائضه واجتناب محارمه فحمدوه في ذلك وشكروا الله على ما وفقهم له وإن علموا أن النفوس معرضة عما ندبهم إليه مولاهم الكريم قليلة الاكتراث به استغفروا الله من تقصيرهم وسألوه النقلة من هذه الحال التي لا تحسن بأهل القرآن ولا يرضاها لهم مولاهم إلى حال يرضاها فإنه لا يقطع بمن لجأ إليه ومن كانت هذه حاله وجد منفعة تلاوة القرآن في جميع أموره وعاد إليه من بركة القرآن كل ما يحب في الدنيا والآخرة إن شاء الله.
حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد قال: أنا الحسين بن الحسن المروزي قال أنا عبد الله المبارك قال أنا همام عن قتادة قال: لم يجالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان قضاء الله عز وجل الذي قضى شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً.
أخبرنا إبراهيم بن موسى الجوزي قال نا يوسف بن موسى القطان قال نا عمرو بن حمران عن سعيد عن قتادة في قول الله عز وجل (وَالبَلَدِ الطَيب يَخرُجُ نَباتِهِ بَإذنِ رَبِهِ قالَ البَلَدِ الطَيبِ المُؤمن سَمِعَ كِتابُ اللَهِ فَوعاهُ فَأَخَذَ بِهِ فَاِنتَفَعَ بِهِ كَمَثَلِ هَذِهِ الأَرض أَصابَها الغَيثُ فَأَنبَتَت وَأَمرَعَت وَالَّذي خَبث لا يَخرُجُ إِلا نَكَداً) عسراً وهذا مثل الكافر قد سمع القرآن فلم يعقله ولم يأخذ به ولم ينتفع به كمثل هذه الأرض الخبيثة أصابها الغيث فلم تنبت شيئاً ولا تمرع شيئاً.
أخبرنا الفريابي قال نا صفوان بن صالح قال نا محمد بن شعيب قال نا الأوزاعي عن إسماعيل بن عبد الله أنه حدثه عن فضاله بن عبيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لله أشد أذناً إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى القينة. قال الأوزاعي إذناً يغني: استماعاً.

وأخبرنا الفريابي قال نا أبو قدامة وعمرو بن علي قالا نا يحيى بن سعيد بن شعبة قال حدثني طلحة بن مصرف عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بن عازب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: زينوا القرآن بأصواتكم.
حدثنا جعفر الصندلي قال نا صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه قال: قلت له قول النبي صلى الله عليه وسلم: زينوا القرآن بأصواتكم ما معناه؟ قال: التزين أن تحسنه.
قال محمد بن الحسين: ينبغي لمن رزقه الله حسن الصوت بالقرآن أن يعلم أن الله قد خصه بخير عظيم فليعرف قدر ما خصه الله به وليقرأ لله لا للمخلوقين وليحذر من الميل إلى أن يستمع منه ليحظى به عند السامعين رغبة في الدنيا والميل إلى حسن الثناء والجاه أبناء الدنيا والصلات بالملوك دون الصلات بعوام الناس فمن مالت نفسه إلى ما نهيته عنه خفت أن يكون حسن صوته فتنة عليه وإنما ينفعه حسن صوته إذا خشي الله عز وجل في السر والعلانية وكان مراده أن يستمع منه القرآن لينتبه أهل الغفلة عن غفلتهم فيرغبوا فيما رغبهم الله عز وجل وينتهوا عما نهاهم ممن كانت هذه صفته انتفع بحسن صوته وانتفع به الناس.
حدثنا عمر بن أيوب السقطي قال نا عبيد الله بن عمر القواريري قال نا عبد الله بن جعفر قال نا إبراهيم عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحسن الناس صوتاً بالقرآن الذي إذا سمعته يقرأ حسبته يخشى الله.
حدثنا الفريابي قال نا محمد بن الحسن البلخي قال نا ابن المبارك قال أنا يونس بن يزيد عن الزهري قال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أحسن الناس صوتاً بالقرآن من إذا سمعته يقرأ رأيت أنه يخشى الله.
حدثنا الفريابي قال نا الهيثم بن أيوب الطالقاني قال نا الوليد بن مسلم عن أبي رافع إسماعيل بن رافع قال حدثني ابن أبي مليكة الأحول عن عبد الرحمن بن السائب قال: قدم علينا سعد بن مالك بعدما كف بصره فأتيته مسلماً وانتسبني فانتسبت له فقال: مرحباً بابن أخي بلغني أنك حسن الصوت بالقرآن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن هذا القرآن نزل بحزن فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا وتغنوا به فمن لم يتغن به فليس منا.
وأخبرنا الفريابي قال حدثنا إسماعيل بن عطاء الرياحي قال قال حدثنا عون بن عمرو أخو رياح القيسي قال نا سعيد الجريري عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
اقرأوا القرآن بحزن فإنه نزل بحزن (قيل لابن أبي مليكة فإن لم يكن حسن الصوت؟ قال: يحسنه ما استطاع) وقال وكيع وابن عيينة: من لم يتغن به يعني: يستغني به وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به.
قال محمد بن الحسين: فأحب لمن قرأ القرآن يتحزن عند قراءته ويتباكى ويخشع قلبه ويتفكر في الوعد والوعيد ليستجلب بذلك الحزن ألم يسمع إلى ما نعت الله عز وجل من هو بهذه الصفة وأخبر بفضلهم فقال عز وجل (اللَهُ نَزَلَ أَحسَنَ الحَديثِ كِتاباً مُتشابِهاً مَثاني تَقشَعِرُ مِنهُ جُلودُ الَّذينَ يَخشونَ رَبَهُم ثُمَ تَلينُ جُلودَهُم وَقُلوبَهُم إِلى ذِكرِ اللَه). ثم ذم قوماً استمعوا القرآن فلم تخشع له قلوبهم فقال عز وجل: (أَفَمَن هَذا الحَديثُ تُعجَبون وَتَضحَكون وَلا تَبكون وَأَنتُم سامِدون). يعني لاهين ثم ينبغي لمن قرأ القرآن أن يرتل كما قال الله عز وجل (وَرَتِل القُرآنَ تَرتيلاً) قيل في التفسيى يتبينه تبييناً واعلم أنه إذا رتله وبينه انتفع به من يسمعه منه وانتفع هو بذلك لأنه قرأه كما أمر قال الله عز وجل (وَقَرآناً فَرقناهُ لِتقرَأهُ عَلى الناسِ عَلى مَكَثٍ). (يُقالُ عَلى تُؤدة).
حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد قال نا أبو الخطاب زياد بن يحيى قال نا مالك بن سعيد قال نا ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس في هذه الآية (وَرَتِلهُ تَرتيلاً) بينه تبييناً.
حدثنا جعفر بن محمد الصندلي قال أنا أبو بكر بن زنجويه قال نا عبد الرزاق قال أنا سفيان عن عبيد المكتب عن مجاهد في قول الله عز وجل (وَقُرآناً فَرقناهُ لِتَقرَأَهُ عَلى الناسِ عَلى مَكَثٍ) قال على تؤدة.
قال محمد بن الحسين:

والقليل من الدرس للقرآن مع الفكر فيه وتدبره أحب إلي من قراءة الكثير من القرآن بغير تدبر ولا تفكر فيه وظاهر القرآن يدل على ذلك والسنة قول أئمة المسلمين.
حدثنا جعفر بن محمد الصندلي قال نا الحسين بن محمد الزعفراني قال نا إسماعيل بن علية عن أيوب عن أبي جمرة الصنيعي قال: قلت لابن عباس: إني سريع القراءة إني أقرأ القرآن في ثلاث قال: لأن أقرأ البقرة في ليلة فأتدبرها وأرتلها أحب إلي من أن أقر كما تقول.
حدثنا جعفر أيضاً قال حدثنا أبو بكر بن زنجويه قال: قال نا محمد بن يوسف قال نا سفيان عن عبيد المكتب قال: سئل مجاهد عن رجل قرأ البقرة وآل عمران ورجل قرأ البقرة قراءتهما واحدة وركوعهما وسجودهما وجلوسهما أيهما أفضل؟ قال: الذي قرأ البقرة، ثم قرأ (وَقُرآناً فَرقناهُ لِتَقرَأَهُ عَلى الناس عَلى مَكَثٍ).
قال محمد بن الحسين: جميع ما قلته ينبغي لأهل القرآن أن يتخلقوا بجميع ما حثثتهم عليه من جميع الأخلاق وينزجروا عما كرهته لهم من دناءة الأخلاق والله الكريم يهدينا وإياهم إلى سبيل الرشاد.
 

 

هناك تعليقان (2):