الفتاوى الكبرى/مسائل منثورة/1
مسائل منثورة
1025 - /
1 - مسألة: في قوله تعالى: { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله } فسماه هنا كلام الله وقال في مكان آخر: { إنه لقول رسول كريم } فما معنى ذلك؟ فإن طائفة ممن يقول بالعبارة يدعون أن هذا حجة لهم ثم يقولون: أنتم تعتقدون أن موسى صلوات الله عليه سمع كلام الله عز وجل حقيقة من غير واسطة وتقولون إن الذي تسمعونه كلام الله حقيقة وتسمعونه من وسائط بأصوات مختلفة فما الفرق بين ذلك وتقولون أن القرآن صفة الله تعالى وأن صفة الله تعالى قديمة فإن قلتم إن هذا نفس كلام الله تعالى فقد قلتم بالحلول وأنتم تكفرون الحلولية وإن قلتم غير ذلك قلتم بمقالتنا ونحن نطلب منكم جوابا نعتمد عليه إن شاء الله تعالى؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين هذه الآية حق كما ذكر الله وليست إحدى الآيتين معارضة للأخرى بوجه من الوجوه ولا في واحدة منهما حجة لقول باطل وإن كان كل من الآيتين قد يحتج به بعض الناس لقول باطل وذلك أن قوله: { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله } فيه دلالة على أنه يسمع كلام الله من التالي المبلغ وأن ما يقرأه المسلمون هو كلام الله كما في حديث جابر الذي في السنن: [ أن النبي ﷺ كان يعرض نفسه علي في الموقف ويقول: ألا رجل يحملني إلى قومه لأبلغ كلام ربي فإن قريشا منعوني أن أبلغ كلام ربي ]
وفي حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه لما خرج على المشركين فقرأ عليهم: { الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم } قالوا: هذا كلامك أم كلام صاحبك؟ فقال: ليس بكلامي ولا بكلام صاحبي ولكنه كلام الله
وقد قال تعالى: { ذرني ومن خلقت وحيدا * وجعلت له مالا ممدودا * وبنين شهودا * ومهدت له تمهيدا * ثم يطمع أن أزيد * كلا إنه كان لآياتنا عنيدا * سأرهقه صعودا * إنه فكر وقدر * فقتل كيف قدر * ثم قتل كيف قدر * ثم نظر * ثم عبس وبسر * ثم أدبر واستكبر * فقال إن هذا إلا سحر يؤثر * إن هذا إلا قول البشر }
فمن قال إن هذا قول البشر كان قوله مضاهيا لقول الوحيد الذي أصلاه الله سقر
ومن المعلوم لعامة العقلاء أن من بلغ كلام غيره كالمبلغ لقول النبي ﷺ: [ إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ] إذا سمعه الناس من المبلغ قالوا هذا حديث رسول الله ﷺ وهذا كلام رسول الله ﷺ ولو قال المبلغ هذا كلامي وقولي لكذبه الناس لعلمهم بأن الكلام كلام لمن قاله مبتدئا منشئا لا يمن أداه راويا مبلغا فإذا كان مثل هذا معلوما في تبليغ كلام المخلوق فكلام الخالق أولى أن لا يجعل كلاما لغير الخالق
وقد أخبر تعالى بأنه تنزيل منه فقال: { والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق } وقال: { حم * تنزيل من الرحمن الرحيم }
{ حم * تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم } فجبريل رسول الله من الملائكة جاء به إلى رسول الله ﷺ والله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس وكلاهما مبلغ له كما قال: { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك } وقال: { إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا * ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم } وهو مع هذا كلام الله ليس لجبريل ولا لمحمد فيه إلا التبليغ والأداء كما أن المعلمين له في هذا الزمان والتاليين له في الصلاة أو خارج الصلاة ليس لهم فيه إلا ذلك لم يحدثوا شيئا من حروفه ولا معانيه
قال الله تعالى: { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } إلى قوله: { وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون * قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين * ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين }
وكان بعض المشركين يزعم أن النبي ﷺ تعلمه من بعض الأعاجم الذين بمكة إما عبد الحضرمي وإما غيره كما ذكر ذلك المفسرون فقال تعالى: { لسان الذي يلحدون إليه } يضيفون إليه التعليم لسان أعجمي وهذا الكلام عربي وقد أخبر أنه نزله روح القدس من ربك بالحق
فهذا بيان أن هذا القرآن العربي الذي تعلمه من غيره لم يكن هو المحدث لحروفه ونظمه إذ يمكن لو كان كذلك أن يكون تلقى من الأعجمي معانيه وألف حروف وبيان أن هذا الذي تعلمه من غيره نزل به روح القدس من ربك بالحق فدل على أن القرآن منزل من الرب سبحانه وتعالى لم ينزل معناه دون حروفه
ومن المعلوم أن من بلغ كلام غيره كمن بلغ كلام النبي ﷺ أو غيره من الناس أو أنشد شعر غيره كما لو أنشد منشد قول لبيد:
( ألا كل شيء ما خلا الله باطل )
أو قول عبد الله بن رواحة حيث قال:
( شهدت بأن وعد الله حق... وأن النار مثوى الكافرينا )
( وأن العرش فوق الماء طاف... وفوق العرش رب العالمين )
وقوله:
( وفينا رسول الله يتلو كتابه... إذا انشق معروف من الفجر ساطع )
( ببيت يجافي جنبه عن فراشه... إذا استثقلت بالمشركين المضاجع )
( أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا... به موقنات أن ما قال واقع )
وهذا الشعر قاله منشئه لفظه ومعناه وهو كلامه لا كلام غيره بحركته وصوته ومعناه القائم بقلبه ثم إذا أنشده المنشد وبلغه علم أنه شعر ذلك المنشئ وكلامه ونظمه وقوله مع أن هذا الثاني أنشده بحركة نفسه وقام بقلبه من المعنى نظير ما قام بقلب الأول وليس الصوت المسموع من المنشد هو الصوت المسموع من المنشئ والشعر شعره لا شعر المنشد
والمحدث عن النبي ﷺ إذا روى قوله: [ إنما الأعمال بالنيات ] بلغه بحركته وصوته مع أن النبي ﷺ تكلم به بحركته وصوته وليس صوت المبلغ صوت النبي ﷺ ولا حركته كحركته والكلام كلام رسول الله ﷺ لا كلام المبلغ له عنه
فإذا كان هذا معلوما معقولا فكيف لا يعقل أن يكون القارئ إذا قرأ: { الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين } أن يقال هذا الكلام كلام البارئ وإن كان الصوت صوت القارئ
فمن ظن أن الأصوات المسموعة من القراء صوت الله فهو ضال مفتر مخالف لصريح المعقول وصحيح المنقول قائل قولا لم يقله أحد من أئمة المسلمين بل قد أنكر الإمام أحمد وغيره على من قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق وبدعوه كما جهموا من قال: لفظي بالقرآن مخلوق وقالوا: القرآن كلام الله غير مخلوق كيف تصرف فمن قال لفظي به قديم أو صوتي به قديم فابتداع هذا وضلاله واضح فمن قال أن لفظه بالقرآن غير مخلوق أو صوته أو فعله أو شيئا من ذلك فهو مبتدع
وهؤلاء قد يحتجون بقوله: { حتى يسمع كلام الله } ويقولون هذا كلام الله غير مخلوق فهذا غير مخلوق ونحن لا نسمع إلا صوت القارئ وهذا جهل منهم فإن سماع كلام الله بل وسماع كل كلام يكون تارة من المتكلم به بلا واسطة الرسول المبلغ له قال تعالى: { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء } ومن قال: إن الله كلمنا بالقرآن كما كلم موسى بن عمران أو إنا نسمع كلامه كما سمعه موسى بن عمران فهو من أعظم الناس جهلا وضلالا 0ولو قال قائل: إنا نسمع كلام النبي ﷺ كما سمعه الصحابة منه لكان ضلالا واضحا فكيف من يقول: إنا نسمع كلام الله منه كما سمعه موسى وإن كان الله كلم موسى تكليما بصوت سمعه موسى فليس صوت المخلوقين صوتا للخالق
وكذلك مناداته بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب وتكلمه بالوحي حتى يسمع أهل السموات صوته كجر السلسلة على الصفا وأمثال ذلك مما جاءت به النصوص والآثار كلها ليس فيها أن صفة المخلوق هي صفة الخالق بل ولا مثلها بل فيها الدلالة على الفرق بين صفة المخلوق فليس كلامه مثل كلامه ولا معناه مثل معناه ولا حرفه مثل حرفه ولا صوته مثل صوته كما أن ليس علمه مثل علمه ولا قدرته مثل قدرته ولا سمعه مثل سمعه ولا بصره مثل بصره فإن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ولما استقر في فطر الخلق كلهم الفرق بين سماع الكلام من المتكلم به ابتداء وبين سماعه من المبلغ عنه كان ظهور هذا الفرق في سماع كلام الله من المبلغين عنه أوضح من أن يحتاج إلى الاطناب
وقد بين أئمة السنة والعلم كالامام أحمد والبخاري صاحب الصحيح في كتابه خلق الأفعال وغيرهما من أئمة السنة من الفرق بين صوت الله المسموع منه وصوت العباد بالقرآن وغيره ما لا يخالفهم فيه أحد من العلماء أهل العقول والدين
فصل
وأما قوله تعالى: { إنه لقول رسول كريم } فهذا قد ذكره في موضعين فقال في الحاقة: { إنه لقول رسول كريم * وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون * ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون } فالرسول هنا محمد ﷺ وقال في التكوير: { إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين * وما صاحبكم بمجنون * ولقد رآه بالأفق المبين }
فالرسول هنا جبريل فأضافه إلى الرسول من البشر تارة وإلى الرسول من الملائكة تارة باسم الرسول ولم يقل إنه لقول ملك ولا نبي لأن لفظ الرسول يبين أنه مبلغ عن غيره ليس من عنده: { وما على الرسول إلا البلاغ المبين } فكان قوله: { إنه لقول رسول } بمنزلة قوله: لتبليغ رسول أو مبلغ من رسول كريم وليس معناه أنه أنشأه أو أحدثه أو أنشأ شيئا منه أو أحدثه رسول كريم إذ لو كان منشئا لم يكن رسولا فيما أنشأه وابتدأه ومعلوم أن الضمير عائد إلى القرآن مطلقا
وأيضا فلو كان أحد الرسولين أنشأ حروفه ونظمه امتنع أن يكون الرسول الآخر هو المنشئ المؤلف لها فبطل أن تكون إضافته إلى الرسول هنا لأجل إحداث لفظه ونظمه ولو جاز أن تكون الإضافة عنا لأجل إحداث الرسول له أو لشيء منه لجاز أن نقول إنه قول البشر وهذا قول الوحيد الذي أصلاه الله سقر
فإن قال قائل: فالوحيد جعل الجميع قول البشر ونحن نقول إن الكلام العربي قول البشر وأما معناه فهو كلام الله
فيقال لهم: هذا نصف قول الوحيد - ثم هذا باطل من وجوه أخرى وهو أن معاني هذا النظم معان متعددة متنوعة وأنتم تجعلون ذلك المعنى معنى واحدا هو الأمر والنهي والخبر والاستخبار وتجعلون ذلك المعنى إذا عبر عنه بالعربية كان قرآنا وإذا عبر عنه بالعبرانية كان توراة وإذا عبر عنه بالسريانية كان إنجيلا وهذا مما يعلم بطلانه بالضرورة من العقل والدين فإن التوراة إذا عربناها لم يكن معناها معنى القرآن والقرآن إذا ترجمناه بالعبرانية لم يكن توراة
وأيضا فإن معنى آية الكرسي ليس هو معنى آية الدين وإنما يشتركان في مسمى الكلام ومسمى كلام الله كما يشترك الأعيان في مسمى النوع
فهذا الكلام وهذا الكلام كله يشترك في أنه كلام الله اشتراك الأشخاص في أنواعها كما أن الإنسان وهذا الإنسان يشتركون في مسمى الإنسان وليس في الخارج شخص بعينه هو هذا وهذا وهذا - وكذلك ليس في الخارج كلام واحد هو معنى التوراة والإنجيل والقرآن وهو معنى آية الدين وآية الكرسي
ومن خالف هذا كان في مخالفته لصريح العقول من جنس من قال: إن أصوات العباد وأفعالهم قديمة أزلية فاضرب بكلام البدعتين رأس قائلهما والزم الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
وبسبب هاتين البدعتين الحمقاوين ثارت الفتن وعظمت الأحزاب إن كان كل من أصحاب القولين قد يقررونهما بما قد يلبس على كثير من الناس كما قرر من قال إن الصوت المسموع من العبد أو بعضه قديم: أن القديم ظهر في المحدث من غير حلول فيه
وأما أفعال العباد فرأيت بعض المتأخرين يقول إنها قديمة خيرها وشرها وفسر ذلك بأن الشرع قديم والقديم قديم وهي مشروعة مقدرة ولم يفرق بين الشرع الذي هو كلام الله والمشروع الذي هو المأمور به والمنهى عنه ولم يفرق بين القدر الذي هو علم الله وكلامه وبين القدر الذي هو مخلوقاته
والعقلاء كلهم يعلمون بالاضطرار أن الأمر والخبر نوعان للكلام لفظه ومعناه ليس الأمر والخبر صفات لموصوف واحد
فمن جعل الأمر والنهي والخبر صفات للكلام لا أنواعا له فقد خالف الضرورة إذ لم يفرق بين الواحد بالنوع والواحد بالعين فإن انقسام الموجود إلى القديم والمحدث والواجب والممكن والخالق والمخلوق والقائم بنفسه والقائم بغيره كانقسام الكلام إلى الأمر والخبر أو إلى الإنشاء والأخبار أو إلى الأمر والنهي والخبر
فمن قال: الكلام معنى واحد هو الأمر والخبر فهو كمن قال الموجود واحد هو الخالق والمخلوق أو الواجب والممكن وكما أن حقيقة هذا تؤول إلى تعطيل الخالق فحقيقة هذا تؤول إلى تعطيل كلامه وتكليمه
وهذا حقيقة قول فرعون الذي أنكر الخالق وتكليمه لموسى ولهذا آل الأمر بمحقق هؤلاء إلى تعظيم فرعون وتوليه وتصديقه في قوله: { فقال أنا ربكم الأعلى } بل إلى تعظيمه على موسى وإلى الاستحقار بتكليم الله لموسى كما قد بسط في غير هذا الموضع
وأيضا: فيقال ما يقول في كلام كل متكلم إذا نقله عنه غيره كما قد ينقل كلام النبي ﷺ والصحابة والعلماء الشعراء وغيرهم ويسمع من الرواة أو المبلغين أن ذلك المسموع من المبلغ بصوت المبلغ هو كلام المبلغ أو كلام المبلغ عنه؟ فإن قال كلام المبلغ لزم أن يكون القرآن كلاما لكل من سمع منه فيكون القرآن المسموع كلام ألف ألف قارئ لا كلام الله تعالى وأن يكون قوله: [ إنما الأعمال بالنيات ] كلام كل من رواه لا كلام الرسول وحينئذ لا فضيلة للقرآن في: { إنه لقول رسول كريم } فإنه على قول هؤلاء قول كل منافق قرأه والقرآن يقرأه المؤمن والمنافق كما في الصحيحين عنه ﷺ أنه قال: [ مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترنجة طعمها طيب وريحها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة طعمها طيب ولا ريح لها ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها ]
على هذا التقدير فلا يكون القرآن قول بشر واحد بل قول ألف ألف بشر وأكثر من ذلك وفساد هذا في العقل والدين واضح وإن قال كلام المبلغ عنه علم أن الرسول المبلغ القرآن ليس كلامه ولكنه كلام الله ولكن لما كان الرسول قد يقال إنه شيطان بين الله أنه تبليغ ملك كريم لا تبليغ شيطان رجيم ولهذا قال: { إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين } إلى قوله { وما هو بقول شيطان رجيم } وبين في هذه الآية أن الرسول البشري الذي صحبناه وسمعناه منه ليس بمجنون وما هو على الغيب بظنين متهم
ذكره باسم الصاحب لما في ذلك من النعمة به علينا إذ كما لا نطيق أن نتلقى إلا عمن صحبناه وكان من جنسنا كما قال تعالى: { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } وقال: { ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون } كما قال في الآية الأخرى: { والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى } وبين أن الرسول الذي من أنفسنا والرسول الملكي أنهما مبلغان فكان هذا في تحقيق أنه كلام الله
فلما كان الرسول البشري يقال أنه مجنون أو مفتر نزهه عن هذا وهذا وكذلك في السورة الأخرى قال: { إنه لقول رسول كريم * وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون * ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون * تنزيل من رب العالمين }
وهذا مما يبين أنه أضافه إليه لأنه بلغه وأداه لا لأنه أحدثه وأنشأه فإنه قال: { وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين } فجمع بين قوله: { إنه لقول رسول كريم } وبين قوله: { وإنه لتنزيل رب العالمين } والضميران عائدان إلى واحد فلو كان الرسول أحدثه وأنشأه لم يكن تنزيلا من رب العالمين بل كان يكون تنزيلا من الرسول
ومن جعل الضمير عائدا في هذا إلى غير ما يعود إليه الضمير الآخر مع أنه ليس في الكلام ما يقتضي اختلاف الضميرين ومن قال: إن هذا عبارة عن كلام الله فقل له: هذا الذي نقرأه هو عبارة عن العبارة التي أحدثها الرسول الملك أو البشر على زعمك أم هو نفس تلك العبارة
فإن جعلت هذا عبارة عن تلك العبارة جاز أن تكون عبارة جبريل أو الرسول عبارة عن عبارة الله وحينئذ فيبقى النزاع لفظيا فإنه متى قال أن محمدا سمعه من جبريل جميعه وجبريل سمعه من الله جميعه والمسلمون سمعوه من الرسول جميعا فقد قال الحق وبعد هذا فقوله عبارة لأجل التفريق بين التبليغ والمبلغ كما سنبينه
وإن قلت: ليس هذا عبارة عن تلك العبارة بل هو نفس تلك العبارة فقد جعلت ما يسمع من المبلغ هو بعينه كما يسمع من المبلغ عنه إذ جعلت هذه العبارة هي بعينها عبارة جبريل فحينئذ هذا يبطل أصل قولك
واعلم أن أصل القول بالعبارة أن محمدا أبا عبد الله بن كلاب هو أول من قال في الإسلام أن معنى القرآن كلام الله وحروفه ليس كلام الله فأخذ بنصف قول المعتزلة ونصف قول أهل السنة والجماعة وكان قد ذهب إلى إثبات الصفات لله تعالى وخالف المعتزلة وأثبت العلو لله على العرش ومباينته المخلوقات وقرر ذلك تقرير هو أكمل من تقرير أتباعه بعد وكان الناس قد تكلموا فيمن بلغ كلام غيره هل يقال له حكاية عنه أم لا وأكثر المعتزلة قالوا هو حكاية عنه فقال ابن كلاب: القرآن العربي حكاية عن كلام الله ليس بكلام الله فجاء بعده أبو الحسن فسلك مسلكه في إثبات أكثر الصفات وفي مسألة القرآن أيضا واستدرك عليه قوله: إن هذا حكاية وقال: الحكاية إنما تكون مثل المحكي فهذا يناسب قول المعتزلة وإنما يناسب قولنا أن نقول: هو عبارة عن كلام الله لأن الكلام ليس من جنس العبارة
فأنكر أهل السنة والجماعة عليهم عدة أمور:
أحدها: قولهم أن المعنى كلام الله وإن القرآن العربي ليس كلام الله وكانت المعتزلة تقول هو كلام الله مخلوق فقال هؤلاء هو مخلوق وليس بكلام الله لأن من أصول أهل السنة أن الصفة إذا قامت بمحل عاد حكمها على ذلك المحل فإذا قام الكلام بمحل كان هو المتكلم به كما أن العلم والقدرة إذا قاما بمحل كان هو العالم القادر وكذلك الحركة وهذا مما احتجوا به على المعتزلة وغيرهم من الجهمية في قولهم: إن كلام الله مخلوق خلقه في بعض الأجسام
قالوا لهم: لو كان كذلك لكان الكلام كلام ذلك الجسم الذي خلقه فيه فكانت الشجرة هي القائلة إني أنا الله رب العالمين فقال أئمة الكلابية: إن كان القرآن العربي مخلوقا فليس كلام الله فقال طائفة من متأخريهم بل نقول الكلام مقول بالاشتراك بين المعنى المجرد وبين الحروف المنظومة فقال لهم المحققون فهذا يبطل أصل حجتكم على المعتزلة فإنكم لما سلمتم أن ما هو كلام الله حقيقة لا يمكن قيامه بغيره أمكن للمعتزلة أن يقولوا ليس كلامه إلا ما خلقه في غيره
الثاني: قولهم: إن ذلك المعنى هو الأمر والنهي والخبر وهو معنى التوراة والإنجيل والقرآن وقال أكثر العقلاء: هذا الذي قالوه معلوم الفساد بالضرورة
الثالث: أن ما نزل به جبريل من المعنى واللفظ وما بلغه محمد لأمته من المعنى واللفظ ليس هو كلام الله
ومسألة القرآن لها طرفان:
أحدهما: تكلم الله به وهو أعظم الطرفين
والثاني: تنزيله إلى خلقه وقد بسطنا الكلام في ذلك في عدة مواضع وبينا مقالات أهل الأرض كلهم في هذه المسائل وما دخل في ذلك من الاشتباه ومأخذ كل طائفة
ومعنى قول السلف: القرآن كلام الله غير مخلوق وأنهم قصدوا به إبطال قول من يقول: إن الله لم يقم بذاته كلام ولهذا قال الأئمة: كلام الله من الله ليس ببائن منه وذكرنا اختلاف المنتسبين إلى السنة هل يتعلق الكلام بمشيئته وقدرته أم لا وقول من قال من أئمة السنة: لم يزل الله متكلما إذا شاء وأن قول السلف: منه بدأ لم يريدوا أنه فارق ذاته وحل في غيره فكيف يجوز أن يفارق ذات الله كلامه أو غيره من صفاته بل قالوا منه بدأ أي هو المتكلم به ردا على المعتزلة والجهمية وغيرهم الذين قالوا: بدأ من المخلوق الذي خلق فيه وقولهم إليه يعود أي علمه فلا يبقى في المصاحف منه حرف ولا في الصدور منه آية والمقصود هنا جواب مسائل السائل
فصل
وأما قول القائل: أنتم تعتقدون أن موسى سمع كلام الله منه حقيقة من غير واسطة وتقولون أن الذي تسمعونه كلام الله حقيقة وتسمعونه من وسائط بأصوات مختلفة فما الفرق بين ذلك
فيقال له: بين هذا وهذا من الفرق أعظم مما بين القدم والفرق فإن كل عاقل يميز بين سماع كلام النبي ﷺ منه بغير واسطة كسماع الصحابة منه وبين سماعه منه بواسطة المبلغين عنه كأبي هريرة وأبي سعيد وابن عمر وابن عباس وكل من يسمع كلام النبي ﷺ حقيقة وكذلك من سمع شعر حسان بن ثابت أو عبد الله ابن رواحة أو غيرهما من الشعراء منه بلا واسطة ومن سمعه من الرواة عنه يعلم الفرق بين هذا وهذا وهو الموضعين شعر حسان لا شعر غيره والإنسان إذا تعلم شعر غيره فهو يعلم أن ذلك الشعر أنشأ معانيه ونظم حروفه بالأصوات المقطعة يرويه بحركة نفسه وأصوات نفسه فإذا كان هذا الفرق معقولا في كلام المخلوقين بين سماع الكلام من المتكلم به ابتداء وسماعه بواسطة الراوي عنه أو المبلغ عنه فكيف لا يعقل ذلك في سماع كلام الله
وقد تقدم أن من ظن أن المسموع من القراء هو صوت الرب فهو إلى تأديب المجانين أقرب منه إلى خطاب العقلاء وكذلك من توهم أن الصوت قديم وأن المراد قديم فهذا لا يقوله ذو حس سليم بل ما بين لوحي المصحف كلام الله وكلام الله ثابت في مصاحف المسلمين لا كلام غيره فمن قال إن الذي في المصحف ليس بكلام الله بل كلام غيره فهو ملحد مارق ومن زعم أن كلام الله فارق ذاته وانتقل إلى غيره كما كتب في المصاحف وأن المراد قديم أزلي فهو أيضا مارق بل كلام المخلوقين يكتب في الأوراق وهو لم يفارق ذواتهم فكيف لا يعقل مثل هذا في كلام الله تعالى
والشبهة تنشأ في مثل هذا من جهة أن بعض الناس لا يفرق بين المطلق من الكلام والمقيد مثال ذلك أن الإنسان يقول رأيت الشمس والقمر والهلال إذا رآه بغير واسطة وهذه الرؤية المطلقة وقد يراه في ماء أو مرآة فهذه رؤية مقيدة فإذا أطلق قوله رأيته أو ما رأيته حمل عل مفهوم اللفظ المطلق وإذا قال لقد رأيت الشمس في الماء والمرآة فهو كلام صحيح مع التقييد واللفظ يختلف معناه بالإطلاق والتقييد فإذا وصل بالكلام ما يغيره معناه كالشرط والاستثناء ونحوهما من التخصيصات المتصلة كقوله ألف سنة إلا خمسين عاما كان هذا المجموع دالا على تسعمائة وخمسين سنة بطرق الحقيقة عند جماهير الناس
ومن قال: إن هذا مجاز فقد غلط فإن هذا المجموع لم يستعمل في غير موضعه وما يقرن باللفظ من القرائن اللفظية الموضوعة هي من تمام الكلام ولهذا لا يحتمل الكلام معها معنيين ولا يجوز نفي مفهومهما بخلاف استعمال نفي الأسد في الرجل الشجاع مع أن قول القائل هذا اللفظ حقيقة وهذا مجاز نزاع لفظي وهو مستند من أنكر المجاز في اللغة وفي القرآن ولم ينطق بهذا أحد من السلف فيما كتبه من الرد على الزنادقة والجهمية هذا من مجاز القرآن وأول من قال ذلك مطلقا أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه الذي صنفه في مجاز القرآن
ثم إن هذا كان معناه عند الأولين مما يجوز في اللغة ويسوغ فهو مشتق عندهم من الجواز كما يقول الفقهاء عقد لازم وكثير من المتأخرين جعله من الجواز الذي هو العبور من معنى المجاز
ثم إنه لا ريب أن المجاز قد يشيع ويشتهر حتى يصير المقصود فإن القائل إذا قال: رأيت الشمس أو القمر أو الهلال أو غير ذلك في الماء والمرآة فالعقلاء متفقون على الفرق بين هذه الرؤية وبين رؤية ذلك بلا واسطة وإذا قال قائل: ما رأى ذلك بل رأى مثاله أو خياله أو الشعاع المنعكس أو نحو ذلك لم يكن هذا مانعا لما يعلمه الناس ويقولونه من أنه رآه في الماء أو المرآة حقيقة مقيدة وكذلك قول النبي ﷺ: [ من رآني في المنام فقد رآني حقا فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي ] هو كما قال ﷺ رآه حقا فمن قال رآه في المنام حقا فقد أخطأ ومن قال إن رؤيته في اليقظة بلا واسطة كالرؤية المقيدة في النوم فقد أخطأ ولهذا يكون لهذه تأويل وتعبير دون تلك
وكذلك ما سمعه منه من الكلام في المنام هو سماع منه في المنام وليس هذا كالسماع منه في اليقظة وقد يرى الرائي المنام أشخاصا ويخاطبونه والمرئيون لاشعور لهم بذلك وإنما رأى أمثالهم ولكن يقال رآهم في المنام حقيقة فيحترز بذلك عن الرؤيا التي هي حديث النفس فإن الرؤيا ثلاثة أقسام: رؤيا بشرى من الله ورؤيا تحزين من الشيطان ورؤيا مما يحدث به المرء نفسه في اليقظة فيراه في المنام وقد ثبت هذا التقسيم في الصحيح عن النبي ﷺ
وتلك الرؤيا يظهر لكل من الفرق بينها وبين اليقظة ما لا يظهر في غيرها فكما أن الرؤية تكون مطلقة وتكون بواسطة المرآة والماء أو غير ذلك حتى أن المرئي يختلف باختلاف المرآة فإذا كانت كبيرة مستديرة رأى كذلك فذلك في السماع يفرق بين من سمع كلام غيره منه ومن سمعه بواسطة المبلغ ففي الموضعين المقصود سمع كلامه كما أن هناك في الموضعين يقصدونه لكن إذا كان بواسطة اختلف باختلاف الواسطة فيختلف باختلاف أصوات المبلغين كما يختلف باختلاف المرايا
قال تعالى: { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء } فجعل التكليم ثلاثة أنواع الوحي المجرد والكليم من وراء حجاب كما كلم موسى عليه السلام والتكليم بواسطة إرسال الرسول كما كلم الرسل بإرسال الملائكة وكما نبأنا الله من أخبار المنافقين بإرسال محمد ﷺ والمسلمون متفقون على أن أمرهم بما أمرهم به من القرآن وأخبرهم به من القرآن فأمره ونهيه وإخباره بواسطة الرسول فهذا المعنى أوجب الشبهة والنبي ﷺ يروي عن ربه ويخبر عن ربه ويحكي عن ربه فهذا يذكر ما يذكره عن ربه من كلامه الذي قاله راويا حاكيا عنه
فلو قال من قال: إن القرآن حكاية أن محمدا حكاه عن الله كما يقال بلغه عن الله وأداه عن الله لكان قد قصد معنى صحيحا لكن يقصدون ما يقصده القائل بقوله فلانا يحكي فلانا أي يفعل مثل فعله وهو إنما يتكلم بمثل كلام الله فهذا باطل قال الله تعالى: { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا }
ونكتة الأمر أن العبرة بالحقيقة المقصودة لا بالوسائل المطلوبة لغيرها فلما كان مقصود الرائي أن يرى الوجه مثلا فرآه بالمرآة حصل مقصوده وقال رأيت الوجه وإن كان ذلك بواسطة انعكاس الشعاع في المرآة وكذلك من كان مقصوده أن يسمع القول الذي قاله غيره الذي ألف ألفاظه وقصد معانيه فإذا سمعه منه أو من غيره حصل هذا المقصود وإن كان سماعه من غيره هو بواسطة صوت ذلك الغير باختلاف الصائتين والقلوب وإنما أشير إلى المقصود لا إلى ماظهر به المقصود كما في الاسم والمسمى فإن القائل إذا قال: جاء زيد وذهب عمرو لم يكن مقصوده الإخبار بالمجيء والإتيان هو لفظ زيد ولفظ عمرو وإلا كان مبطلا فكذلك إذا قال القائل هذا كلام الله وكلام الله غير مخلوق فالمقصود بواسطة حركة التالي وصوته فمن ظن المشار إليه هو صوت القارئ وحركته كان مبطلا
ولهذا لما قرأ أبو طالب المكي على الإمام أحمد رضي الله عنه: { قل هو الله أحد } وسأله هل هذا كلام الله وهل هو مخلوق؟ فأجابه: كلام الله وهو غير مخلوق ونقل عن عنه أبو طالب خطأ منه أنه قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق فاستدعاه وغضب عليه وقال: أنا قلت لك لفظي بالقرآن غير مخلوق؟ قال: لا ولكن قرأت عليك { قل هو الله أحد } وقلت لك هذا غير مخلوق فقلت: نعم قال: فلم تحكي عني مالم أقل؟ لا تقل هذا فإن هذا لم يقله عالم وقصته مشهورة حكاها عبد الله وصالح وحنبل والمروزي وثوبان وبسطها الخلال في كتاب السنة وصنف المروزي في مسألة اللفظ مصنفا ذكر فيه قول الأئمة
وهذا الذي ذكره أحمد من أحسن الكلام وأدقه فإن الإشارة إذا أطلقت انصرفت إلى المقصود وهو كلام الله الذي تكلم به لا ما وصل به إلينا من أفعال العباد وأصواتهم
فإذا قيل لفظي جعل نفس الوسائط غير مخلوقة وهذا باطل كما أن رأى راء في مرآة فقال أكرم الله هذا الوجه وحياه أو قبحه كان دعاؤه على الوجه الموجود في الحقيقة الذي رأى بواسطة المرآة لا على الشعاع المنعكس فيها وكذلك إذا رأى القمر في الماء فقال قد أبدر فإنما مقصوده القمر الذي في السماء لا خياله وكذلك من سمعه يذكر رجلا فقال هذا رجل صالح أو رجل فاسق علم أن المشار إليه هو الشخص المسمى بالاسم لا نفس الصوت المسموع من الناطق فلو قال: هذا الصوت أو صوت فلان صالح أو فاسق فسد المعنى
وكان بعضهم يقول: لفظي بالقرآن مخلوق كرجل ضرب رجلا وعليه فروة فأوجعه بالضرب فقال له: لا تضربني فقال: أنا ما أضربك وإنما أضرب الفروة فقال: إنما الضرب يقع علي فقال: هكذا إذا قلت لفظي بالقرآن مخلوق فالخلق إنما يقع على القرآن
يقول: كما أن المقصود بالضرب بدنك واللباس واسطة فهكذا المقصود بالتلاوة كلام الله وصوتك واسطة فإذا قلت مخلوق وقع ذلك على المقصود كما إذا سمعت قائلا يذكر رجلا فقلت أنا أحب هذا وأنا أبغض هذا انصرف الكلام إلى المسمى المقصود بالاسم لا إلى الصوت الذاكر ولهذا قال الأئمة: القرآن كلام الله غير مخلوق كيفما تصرف خلاف أفعال العباد وأصواتهم فإنه من نفى عنها الخلق كان مبتدعا ضالا
وأما قول القائل: يقولون: إن القرآن صفته وأن صفات الله غير مخلوقة فإن قلتم إن هذا نفس كلام الله فقد قلتم بالحلول وأنتم تكفرون الحلولية والاتحادية وإن قلتم غير ذلك قلتم بمقالتنا
فمن تبين له ما نبهنا عليه سهل عليه الجواب عن هذا وأمثاله فإن منشأ الشبهة أو قول القائل هذا كلام الله يجعل أحكامه واحدة سواء كان كلامه مسموعا منه أوكلامه مبلغا عنه ومن هنا ضلت طوائف من الناس
طائفة قالت: هذا كلام الله وهذا حروف وأصوات مخلوقة وكلام الله مخلوق وطائفة قالت هذا مخلوق وكلام الله ليس بمخلوق وهذا ليس كلام الله وطائفة قالت: هذا كلام الله وكلام الله ليس بمخلوق وهذا ألفاظنا وتلاوتنا فألفاظنا وتلاوتنا غير مخلوقة
ومنشأ ضلال الجميع من عدم الفرق في المشار إليه في هذا وأنت تقول هذا الكلام تسمعه من قائله فتقول هذا الكلام صدق وحق وكلام حكيم وكذلك إذا سمعته من ناقله تقول هذا الكلام صدق وحق وصواب وهو كلام حكيم فالمشار إليه في الموضعين واحد وتقول أيضا: إن هذا صوت حسن وهذا كلام من وسط القلب فالمشار إليه هنا ليس هو المشار إليه هناك: بل أشار إلى ما يختص به هذا من صوته وقلبه
وإذا كتب الكلام صفحتين كالمصحفين تقول في كل منهما هذا قرآن كريم وهذا كتاب مجيد وهذا كلام فالمشار إليه واحد ثم تقول: هذا خط حسن وهذا قلم النسخ أو الثلث وهذا الخط أحمر أو أصفر والمشار إليه هنا ما يختص به كل من المصحفين عن الآخر فإذا ميز الإنسان في المشار إليه بهذا وهذا تبين المتفق والمفترق وعلم أن هذا القرآن كلام الله غير مخلوق وأن المشار إليه الكلام من حيث هو مع قطع النظر عما به وصل إلينا من حركات العباد وأصواتهم
ومن قال: هذا مخلوق وأشار إلى مجرد صوت العبد وحركته لم يكن له في هذا حجة على أن القرآن نفسه حروفه ومعانيه الذي تعلم هذا القارئ من غيره وبلغه بحركته وصوته مخلوق من اعتقد ذلك فقد أخطأ وضل
ويقال لهذا: هذا الكلام الذي أشرت إليه كان موجودا قبل أن يخلق هذا القارئ فهب أن القارئ لم يخلق ولا وجدت لا أفعاله ولا أصواته فمن أين يلزم أن الكلام نفسه الذي كان موجودا قبله بعدم بعدمه ويحدث بحدوثه فإشارته بالخلق إن كان إلى ما يختص به هذا القارئ من أفعاله وأصواته فالقرآن غني عن هذا القارئ وموجود قبله فلا يلزم من عدم هذا عدمه: وإن كانت إلى الكلام الذي يتعلمه الناس بعضهم من بعض فهذا هو الكلام المنزل من الله الذي جاء به جبريل إلى محمد وبلغه محمد لأمته وهو كلام الله الذي تكلم به وذلك يمتنع أن يكون مخلوقا فإنه لو كان مخلوقا لكان كلاما لمحله الذي خلق فيه ولم يكن كلاما لله ولأنه لو كان سبحانه إذا خلق كلاما كان كلامه ما نطق به كل ناطق كلامه مثل تسبيح الجبال وشهادة الجلود بل كل كلام في الوجود وهذا قول الحلولية الذين يقولون:
( وكل كلام في الوجود كلامه... سواء علينا نثره ونظامه )
ومن قال: القرآن مخلوق فهو بين أمرين إما أن يجعل كل كلام في الوجود كلامه وبين أن يجعله غير متكلم بشيء أصلا فيجعل العباد المتكلمين أكمل منه وشبهه بالأصنام والجامدات والموات كالعجل الذي لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا فيكون قد فر عن إثبات صفات وشبهه بالجامد والموات
وكذلك قول القائل: هذا نفس كلام الله وعين كلام الله وهذا الذي في المصحف هوعين كلام الله ونفس كلام الله وأمثال هذه العبارات هذه مفهومها عند الإطلاق في نظر المسلمين أنه كلامه لا كلام غيره وأنه لا زيادة فيه ولا نقصان فإن من ينقل كلام غيره ويكتبه في كتاب قد يزيد فيه وينقص كما جرت عادة الناس في كثير من مكاتبات الملوك وغيرها فإذا جاء كتاب السلطان فقيل هذا الذي فيه كلام السلطان بعينه بلا زيادة ولا نقص يعني لم يزد فيه الكاتب ولا نقص وكذلك من نقل كلام بعض الأئمة في مسألة من تصنيفه قيل هذا الكلام كلام فلان بعينه يعني لم يزد فيه ولم ينقص كما قال النبي ﷺ: [ نصر الله امرأ سمع حديثا فبلغه كما سمعه ]
فقوله: فبلغه كما سمعه لم يرد أن يبلغه بحركاته وأصواته التي سمعه بها ولكن أراد أنه يأتي بالحديث على وجهه لا يزيد فيه ولا ينقص فيكون قد بلغه كما سمعه فالمستمع له من المبلغ يسمعه كما قاله ﷺ ويكون قد سمع كلام رسول الله ﷺ كما قاله
وذلك معنى قولهم: وهذا كلامه بعينه وهذا نفس كلامه لا يريدون أن هذا هو اصواته وحركاته وهذا لا يقوله عاقل ولا يخطر ببال عاقل ابتداء ولكن اتباع الظن وما تهوى الأنفس يلجئ أصحابه إلى القرمطة في السمعيات والسفسطية في العقليات
ولو ترك الناس على فطرتهم لكانت صحيحة سليمة فإن من تكلم بكلام سمع منه ونقل عنه أو كتبه في كتاب لا يقول العاقل إن ما قام بالمتكلم من المعاني التي في قلبه والألفاظ القائمة بلسانه فارقته واتقلت إلى المستمع والمبلغ عنه ولا فارقته وحلت في الورق بل ولا يقول إن نفس ما قام من المعاني والألفاظ هو نفس المراد الذي في الورق بل ولا يقول إن نفس ألفاظه التي هي أصواته هي أصوات المبلغ عنه فهذه الأمور كلها ظاهرة لا يقولها عاقل في كلام المخلوق إذا سمع وبلغ وتكتب في كتاب فكيف يقال ذلك في كلام الله الذي سمع منه وبلغ عنه أو كتبه سبحانه كما كتب في التوراة لموسى وكما كتب القرآن في اللوح المحفوظ يكون كما كتب في مصاحفهم
وإذا كان من سمع كلام مخلوق فبلغه عنه بلفظه ومعناه بل شعر مخلوق كما يبلغ شعر حسان وابن رواحة ولبيد وأمثالهم من الشعراء ويقول الناس: هذا شعر حسان بعينه وهذا هو شعر حسان وهذا شعر لبيد بعينه كقوله:
( ألا كل شيء ما خلا الله باطل )
ومع هذا فيعلم كل عاقل أن رواة الشعر ومنشديه لم يسلبوا الشعراء نفس صفاتهم حين حلت بل ولا عين ما قام بأولئك من صفاتهم وأفعالهم كأصواتهم وحركاتهم حلت بالرواة والمنشدين فكيف يتوهم متوهم أن صفات الباري: كلامه أو غير كلامه فارق ذاته وحل في مخلوقاته وأن ما قام بالمخلوق من صفاته وأفعاله كحركاته وأصواته هي صفات الباري حلت فيه وهم لا يقولون مثل ذلك في المخلوق بل يمثلون العلم بنور السراج يقتبس من المتعلم ولا ينقص ما عند العالم كما يقتبس المقتبس ضوء السراج فيحدث الله له ضوء كما يقول إن الهوى ينقلب نارا بمجاورة الفتيلة للمصباح من غير أن تتغير تلك النار التي في المصباح
والمقرئ يقرأ القرآن ويعلم العلم ولم ينقص مما عنده شيء بل يصير عند المتعلم مثل ما عنده ولهذا يقال: فلان ينقل علم فلان وينقل كلامه ويقال العلم الذي كان عند فلان صار إلى فلان وأمثال ذلك كما يقال نقلت ما في الكتاب ونسخت ما في الكتاب أو نقلت الكتاب ونسخته وهم لا يريدون إلا نفس الحروف التي في الكتاب الأول عدمت منه وحلت في الثاني بل لما كان المقصود من نسخ الكتاب من الكتب ونقلها من جنس نقل العلم والكلام وذلك يحصل بأن يجعل في الثاني مثل ما في الأول فيبقى المقصود بالأول منقولا منسوخا وإن كان لم يتغير الأول
بخلاف نقل الأجسام وتوابعها فإن ذلك إذا نقل من موضع إلى موضع زال عن الأول وذلك لأن الأشياء لها وجود في أنفسها وهو وجودها العيني أولها ثبوتها في العلم ثم في اللفظ المطابق للعلم ثم في الخط وهذا الذي يقال وجود في الأعيان ووجود في الأذهان ووجود في اللسان ووجود في البيان ووجود عيني ووجود علمي ولفظي ورسمي ولهذا افتتح الله كتابه بقوله تعالى: { اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم } فذكر الخلق عموما وخصوصا وذكر التعليم عموما وخصوصا فالخط يطابق اللفظ واللفظ يطابق العلم والعلم يطابق المعلوم
ومن هنا غلط من غلط فظن أن القرآن في المصحف كالأعيان في الورق فظن أن قوله: { إنه لقرآن كريم * في كتاب مكنون } كقوله { الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل } فجعل إثبات القرآن الذي هو كلام الله في المصاحف كإثبات الرسول في المصاحف وهذا غلط وكإثبات اسم الرسول هذا كلام وهذا كلام وأما إثبات اسم الرسول فهذا كإثبات الأعمال او كإثبات القرآن في زبر الأولين قال تعالى: { وكل شيء فعلوه في الزبر } وقال تعالى: { وإنه لفي زبر الأولين } فثبوت الأعمال في الزبر وثبوت القرآن في زبر الأولين هو مثل كون الرسول مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل
ولهذا مثل سبحانه بلفظ الزبر والكتب زبر يقال زبرت الكتاب إذا كتبته والزبور بمعنى المزبور أي: المكتوب فالقرآن نفسه ليس عند بني إسرائيل ولكن ذكره كما أن محمدا ليس عندهم ولكن ذكره فثبوت الرسول في كتبهم كثبوت القرآن في كتبهم بخلاف ثبوت القرآن في اللوح المحفوظ وفي المصاحف فإن نفس القرآن أثبت فيها فمن جعل هذا مثل هذا كان ضلاله بينا وهذا مبسوط في موضعه
والمقصود هنا أن نفس الموجودات وصفاتها إذا انتقلت من محل إلى محل حلت في ذلك المحل الثاني وأما العلم بها والخبر عنها فيأخذه الثاني عن الأول مع بقائه في الأول وإن كان الذي عند الثاني هو نظيرذلك ومثله لكن لما كان المقصود بالعلمين واحدا في نفسه صارت وحدة المقصود توجب وحدة التابع له والدليل عليه ولم يكن للناس غرض في تعدد التابع كما في الاسم مع المسمى فإن اسم الشخص وإن ذكره أناس متعددون ودعا به أناس متعددون فالناس يقولون إنه اسم واحد لمسمى فإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله وقال ذلك هذا المؤذن وهذا المؤذن وقاله غير المؤذن فالناس يقولون إن هذا المكتوب هو اسم الله واسم رسوله كما أن المسمى هو الله ورسوله وإذا قال: { اقرأ باسم ربك } وقال: { اركبوا فيها بسم الله } وقال { سبح اسم ربك الأعلى } وقال: { بسم الله } ففي الجميع المذكور هو اسم الله وإن تعدد الذكر والذاكر فالخبر الواحد من الخبر الواحد من مخبره والأمر الواحد بالمأمور به من الأمر الواحد بمنزلة الاسم الواحد لمسماه هذا في المؤلف نظير هذا في المفرد وهذا هو واحد باعتبار الحقيقة وباعتبار اتحاد المقصود وإن تعدد من يذكر ذلك الاسم والخبر وتعددت حركاتهم وأصواتهم وسائر صفاتهم
وأما قول القائل: إن قلتم إن هذا نفس كلام الله فقد قلتم بالحلول وأنتم تكفرون الحلولية والاتحادية
فهذا قياس فاسد مثال رجل ادعى أن النبي ﷺ يحل بذاته في بدن الذي يقرأ حديثه فأنكر الناس ذلك عليه وقالوا النبي ﷺ لا يحل في بدن غيره فقال: أنتم تقولون إن المحدث يقرأ كلامه وأن ما يقرأه هو كلام النبي ﷺ فإذا قلتم ذلك فقد قلتم بالحلول ومعلوم أن هذا في غاية الفساد والناس متفقون على إطلاق القول بأن كلام زيد في هذا الكلام وهذا الذي سمعناه كلام زيد ولا يستجيز العاقل إطلاق القول بأنه هو نفسه في هذا المتكلم أو في هذا الورق
وقد نطقت النصوص بأن القرآن في الصدور كقول النبي ﷺ [ استذكروا القرآن فلهو أشد تعلقا من صدور الرجال من النعم في عقلها ]
وقوله: [ الجوف الذي ليس فيه شيء من القرآن كالبيت الخرب ] وأمثال ذلك وليس هذا عند عاقل مثل أن يقال: الله في صدورنا وأجوافنا ولهذا لما ابتدع شخص يقال له الصوري بأن قال: القرآن في صدورنا فقد قال بقول النصارى فقيل لأحمد: قد جاءت جهمية رابعة إلى جهمية الخلقية واللفظية والواقفية وهذه الواقفة اشتد نكيره لذلك وقال: هذا أعظم من الجهمية
وهو كما قال: فإن الجهمية ليس فيهم من ينكر أن يقال: القرآن في الصدور ولا يشبه هذا بقول النصارى بالحلول إلا من هو في غاية الضلالة والجهالة فإن النصارى يقولون الأب والابن وروح القدس إله واحد وأن الكلمة التي هي اللاهوت تدرعت الناسوت وهو عندهم إله يخلق ويرزق ولهذا كانوا يقولون: إن الله هو المسيح ابن مريم ويقولون: المسيح ابن الله ولهذا كانوا متناقضين فإن الذي تدرع المسيح كان هو الإله الجامع للأقانيم فهو الأب نفسه وإن كان هو صفة من صفاته فالصفة لا تخلق ولا ترزق وليست إلها والمسيح عندهم إله ولو قال النصارى: إن كلام الله في صدر المسيح كما هو في صدور الأنبياء والمؤمنين لم يكن في قولهم ما ينكر
فالحلولية المشهورون بهذا الاسم من يقول بحلول الله في البشر كما قالت النصارى والغالبة من الرافضة وغلاة أتباع المشايخ ي0قولون بحلوله في كل شيء كما قالت الجهمية أنه بذاته في كل مكان وهو سبحانه ليس في مخلوقاته شيء من ذاته لا في ذاته شيء من مخلوقاته وكذلك من قال باتحاده بالمسيح أو غيره أو قال باتحاده بالمخلوقات كلها أو قال وجود المخلوقات أو نحو ذلك
فأما قول القائل: إن كلام الله في قلوب أنبيائه وعباده المؤمنين وإن الرسل بلغت كلام الله والذي بلغته هو كلام الله وأن الكلام في الصحيفة ونحو ذلك فهذا لا يسمى حلولا ومن سماه حلولا لم يكن بتسميته لذلك مبطلا للحقيقة
وقد تقدم أن ذلك لا يقتضي مفارقته صفة المخلوق له وانتقالها إلى غيره فكيف صفة الخالق تبارك وتعالى ولكن لما كان فيه شبهة الحلول تنازع الناس في إثبات لفظ الحلول ونفيه عنه هل يقال إن كلام الله حال في المصحف أو حال في الصدور وهل يقال كلام الناس المكتوب حال في المصحف أو حال في قلوب حافظيه فمنهم طائفة نفت الحلول كالقاضي أبي يعلى وأمثاله وقالوا ظهر كلام الله في هذا ولا نقول حل لأن حلول صفة الخالق في المخلوق أو حلول القديم في المحدث ممتنع
وطائفة أطلقت القول بأن كلام الله حال في المصحف كأبي إسماعيل الأنصاري الهروي الملقب بشيخ الإسلام وقالوا ليس هذا هو الحلول المحذور الذي نفيناه بل نطلق القول بأن الكلام في الصحيفة ولا يقال بأن الله في الصحيفة أو في صدر الإنسان كذلك نطلق القول بأن كلامه حال في ذلك دون حلول ذاته وطائفة قالت كأبي علي بن أبي موسى وغيره قالوا لا نطلق الحلول نفيا ولا إثباتا لأن إثبات ذلك يوهم انتقال صفة الرب إلى المخلوقات ونفي ذلك يوهم نفي نزول القرآن إلى الخلق فنطلق ما أطلقته النصوص ونمسك عما في إطلاقه محذور لما في ذلك من الإجمال
وأما قول القائل: إن قلتم بالحلول قلتم بمقالتنا فجواب ذلك أن المقالة المنكرة هنا تتضمن ثلاثة أمور فإذا زالت لم يبق منكرا
أحدهما: من يقول أن القرآن العربي لم يتكلم الله به وإنما أحدثه غير الله كجبريل ومحمد وإن الله خلقه في غيره
الثاني: قول من يقول إن كلام الله ليس إلا معنى واحدا هو الأمر والنهي والخبر وإن الكتب الإلهية تختلف باختلاف العبارات لا باختلاف المعاني فيجعل معنى التوراة والإنجيل والقرآن واحدا وكذلك معنى آية الدين وآية الكرسي كمن يقول إن معاني أسماء الله الحسنى معنى واحد فمعنى العليم والقدير والرحيم والحليم معنى واحد فهذا اتحاد في أسمائه وصفاته وآياته
الثالث: قول من يقول إن ما بلغه الرسل عن الله من المعنى والألفاظ ليس هو كلام الله بل كلام التالين لا كلام رب العالمين فهذه الأقوال الثلاثة باطلة بأي عبارة عبر عنها
وأما قول من قال: إن القرآن العربي كلام الله نقله عنه رسول الله ﷺ وأنه تارة يسمع من الله وتارة من رسله وهو كلام الله حيث تصرف وكلام الله حيث يتكلم لم يخلقه في غيره ولا يكون كلام الله مخلوقا ولو قرأه الناس وكتبوه وسمعوه ومن قال مع ذلك أن أفعال العباد وأصواتهم وسائر صفاتهم مخلوقة فهذا لا ينكر عليه وإذا نفى الحلول وأراد به أن صفة الموصوف لا تفارقه وتنتقل إلى غيره فقد أصاب في هذا المعنى لكن عليه مع ذلك أن يؤمن أن القرآن العربي كلام الله تعالى وليس هو ولا شيء منه كلاما لغيره ولكن بلغته عنه رسله وإذا كان كلام المخلوق يبلغ عنه مع العلم بأن كلامه حروفه ومعانيه ومع العلم بأن شيئا من صفاته لم تفارق ذاته فالعلم بمثل هذا من كلام الله أولى وأظهر والله أعلم
الفتاوى الكبرى لابن تيمية
كتاب السنة والبدعة: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الطهارة: | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | كتاب الصلاة: | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | كتاب الذكر والدعاء | 1 | 2 | 3 | 4 | كتاب الصيام: 1 | 2 | 3 | كتاب الجنائز: 1 | 2 | 3 | 4 | كتاب النكاح: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الطلاق: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | | كتاب النفقات | كتاب الحدود: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الجهاد: 1 | 2 | كتاب البيوع: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الشهادة والأقضية والأموال: 1 | 2 | كتاب الوقف: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | كتاب الوصايا | كتاب الفرائض | كتاب الفضائل: 1 | 2 | كتاب الملاهي | مسائل منثورة: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | كتاب الطهارة2 | كتاب الصلاة2: 1 | 2 | كتاب الجنائز2 | كتاب الزكاة2 | كتاب الصوم2 | كتاب الحج | كتاب البيع: 1 | 2 | كتاب الوصية | كتاب الفرائض | كتاب العتق | كتاب النكاح2: 1 | 2 | كتاب الخلع | كتاب الطلاق2 | كتاب الرجعة | كتاب الظهار | كتاب الجنايات | كتاب الأطعمة | كتاب الأيمان | باب القضاء | كتاب إقامة الدليل على إبطال التحليل | كتاب في الرد على الطوائف الملحدة والزنادقة والجهمية والمعتزلة والرافضة: 1 |2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16
تصنيف:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق