الثلاثاء، 8 فبراير 2022

كتاب الصلاة وحكم تاركها/ لابن القيم




 
 
 الحمد لله رب العالمين ما يقول السادة العلماء الذين وفقهم الله وأرشدهم وهداهم وسددهم في تارك الصلاة عامدا هل يجب قتله أم لا؟ وإذا قتل فهل يقتل كما يقتل المرتد والكافر فلا يغسل ولا يصلي عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين أم يقتل حدا مع الحكم بإسلامه وهل تحبط الأعمال وتبطل بترك الصلام أم لا وهل تقبل صلاة النهار الليل وصلاة الليل بالنهار أم لا وهل تصح صلاة من صلى وحده وهو يقدر على الصلاة جماعة أم لا وإذا صحت هل يأثم بترك الجماعة أم لا وهل يشترط حضور المسجد أم يجوز فعلها في البيت وما حكم من نقر الصلاة ولم يتم ركوعها وسجودها وما كان مقدار صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما حقيقة التخفيف الذي نبه عليه بقوله صلى الله عليه وسلم: «صل بهم صلاة أخفهم» وما معنى قوله لمعاذ: «أفتان أنت»؟.
والمسؤول سياق صلاته صلى الله عليه وسلم من حين كان يكبر إلى ان يفرغ منها سياقا مختصرا كأن السائل يشهده فأرشد الله من دل على سواء السبيل وجمع بين بيان الحكم والدليل وما أخذ الله الميثاق على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ الميثاق على أهل العلم أن يعلموا ويبينوا. أجاب الشيخ الإمام العلامة بقية السلف ناصر السنة وقامع البدعة الشيخ شمس الدين محمد بن أبي بكر الحنبلي المعروف بابن قيم الجوزية رضي الله عنه وأرضاه وجعل جنة الخلد متقلبه ومثواه.
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وسلم تسليما كثيرا.
=========
حكم تارك الصلاة عمدا
لا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمدا من اعظم الذنوب وأكبر الكبائر وأن اثمه ثم الله أعظم من إثم قتل النفس وأخذ الأموال ومن إثم الزنا والسرقة وشرب الخمر وأنه متعرض لعقوبة الله وسخطه وخزيه في الدنيا والآخرة ثم اختلفوا في قتله وفي كيفية قتله وفي كفره.
فأفتى سفيان بن سعيد الثوري وأبو عمرو الأوزاعي وعبد الله بن المبارك وحماد بن زيد ووكيع بن الجراح ومالك بن أنس ومحمد بن إدريس الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه واصحابهم بأنه يقتل ثم اختلفوا في كيفية قتله فقال جمهورهم يقتل بالسيف ضربا في عنقه وقال بعض الشافعية يضرب بالخشب إلى ان يصلي أو يموت وقال ابن سريج ينخس بالسيف حتى يموت لأنه ابلغ في زجره وأرجى لرجوعه.
والجمهور يحتجون بقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب الإحسان في كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة» وضرب العنق بالسيف أحسن القتلات وأسرعها إزهاقا للنفس وقد سن الله سبحانه في قتل الكفار المرتدين ضرب الأعناق دون النخس بالسيف وإنما شرع في حق الزاني المحصن القتل بالحجارة ليصل الألم إلى جميع بدنه حيث وصلت إليه اللذة بالحرام ولأن تلك القتلة أشنع القتلات والداعي إلى الزنا داع قوي في الطباع فجعلت غلظة في مقابلة قوة الداعي ولأن في تذكيرا لعقوبة الله لقوم الفاء بالرجم بالحجارة على ارتكاب الفاحشة.
فصل في حكم تارك الصلاة
وقال ابن شهاب الزهري وسعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز وابو حنيفة وداود بن علي والمزاني يحبس حتى يموت أو يتوب ولا يقتل واحتج لهذا المذهب بما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «امرت أن اقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها» رواه البخاري.
وعن ابن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة». أخرجاه في الصحيحين.
قالوا ولأنها من الشرائع العملية فلا يقتل بتركها كالصيام والزكاة والحج قال الموجبون لقتله قال الله تعالى: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ فأمر بقتلهم حتى يتوبوا من شركهم ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ومن قال لا يقتل تارك الصلاة يقول متى تاب من شركه سقط عنه القتل وإن لم يقم الصلاة ولا آتى الزكاة وهذا خلاف ظاهر القرآن. وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري قال بعث علي ابن أبي طالب رضي الله عنه وهو ظاهرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة فقسمها بين أربعة فقال رجل يا رسول الله اتق الله فقال: «ويلك ألست أحق أهل الأرض أن يتقي الله» ثم ولى الرجل فقال خالد ابن الوليد يا رسول الله ألا أضرب عنقه فقال: «لا لعله أن يكون يصلي» فقال خالد فكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لم أؤمر ان أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم» فجعل النبي صلى الله عليه وسلم المانع من قتله كونه يصلي فدل على أن من لم يصل يقتل ولهذا قال في الحديث الآخر نهيت عن قتل المصلين أبو داود رقم والطبراني في الكبير مجمع الزوائد وهو يدل على المصلين لم ينهه الله عن قتلهم.
وروى الإمام أحمد والشافعي في مسنديهما مسند الإمام أحمد ومسند الإمام الشافعي رقم من حديث عبيد الله بن عدي بن الخيار أن رجلا من الأنصار حدثه أنه اتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مجلس فساره يستأذنه في قتل رجل من المنافقين فجهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أليس يشهد أن لا إله إلا الله» فقال الأنصاري: بلى يا رسول الله ولا شهادة له قال: «أليس يشهد أن محمدا رسول الله» قال: بلى ولا شهادة له قال: «أليس يصلي الصلاة» قال: بلى ولا صلاة له قال: «أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم» فدل على أنه لم ينهه عن قتل من لم يصل.
في صحيح مسلم عن ام سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون فمن انكر فقد بريء ومن كره فقد سلم ولكن من رضي وتابع» فقالوا يا رسول الله ألا نقاتلهم فقال: «لا ما صلوا».
وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله». فوجه الاستدلال به من وجهين أحدهما أنه أمر بقتالهم إلى أن يقيموا الصلاة الثاني قوله: «إلا بحقها» والصلاة من أعظم حقها.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ثم قد حرمت علي دماؤهم وأموالهم وحسابهم على الله». رواه الإمام أحمد المسند وابن خزيمة في صحيحه رقم فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه امر بقتالهم إلى أن يقيموا الصلاة وأن دماءهم وأموالهم إنما تحرم بعد الشهادتين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة فدماؤهم وأموالهم قبل بل هي مباحة.
وعن أنس بن مالك قال لما توفي رسول الله ارتد العرب فقال عمر يا أبا بكر كيف تقاتل العرب فقال أبو بكر إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة». رواه النسائي وهو حديث صحيح. وتقييد هذه الأحاديث يبين مقتضى الحديث المطلق الذي احتجوا به على ترك القتل مع أنه حجة عليهم فإنه لم يثبت العصمة للدم والمال إلا بحق الإسلام والصلاة آكد حقوقه على الاطلاق.
وأما حديث ابن مسعود وهو لا يحل دم امريء مسلم إلا بإحدى ثلاث البخاري رقم مسلم رقم فهو حجة لنا في المسألة فإنه جعل منهم «التارك لدينه» والصلاة ركن الدين الأعظم ولا سيما إن قلنا بأنه كافر فقد ترك الدين بالكلية وإن لم يكفر فقد ترك عمود الدين.
قال الإمام أحمد وقد جاء في الحديث لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة راجع طبقات الحنابلة وقد كان عمر بن الخطاب يكتب إلى الآفاق إن أهم أموركم عندي الصلاة فمن حفظها حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع ولاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة.
قال فكل مستخف بالصلاة مستهين بها فهو مستخف بالإسلام مستهين به وإنما حظهم من الإسلام على قدر حظهم من الصلاة ورغبتهم في الإسلام على القادر رغبتهم في الصلاة فاعرف نفسك يا عبد الله واحذر أن تلقي الله ولا قدر للإسلام عندك فإن قدر الإسلام في قلبك كقدر الصلاة في قلبك. وقد جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الصلاة عمود الدين» المقاصد الحسنة رقم ألست تعلم أن الفسطاط إذا سقط عموده سقط الفسطاط ولم ينتفع بالطنب ولا بالأوتاد وإذا قام عمود الفسطاط انتفعت بالطنب والأوتاد وكذلك الصلاة من الإسلام.
وجاء في الحديث «إن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن تقبلت منه صلاته تقبل منه سائر عمله وإن ردت عليه صلاته رد عليه سائر عمله» مجمع الزوائد فصلاتنا آخر ديننا وهي أول ما نسأل عنه غدا من اعمالنا يوم القيامة فليس بعد ذهاب الصلاة إسلام ولا دين إذا صارت الصلاة آخر ما يذهب من الإسلام هذا كله كلام أحمد. والصلاة أول فروض الإسلام وهي آخر ما يفقد من الدين فهي أول الإسلام وآخره فإذا ذهب أوله وآخره فقد ذهب جميعه وكل شيء ذهب أوله وآخره فقد ذهب جميعه. قال الإمام أحمد كل شيء يذهب آخره فقد ذهب جميعه، فإذا ذهبت صلاة المرء ذهب دينه والمقصود أن حديث عبد الله بن مسعود: «لا يحل دم امريء مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه». من أقوى الحجج في قتل تارك الصلاة.
فصل في اختلاف القائلين بقتل تارك الصلاة
واختلف القائلون بقتله في مسائل إحداها: أنه هل يستتاب أم لا فالمشهور أنه يستتاب فإن تاب ترك وإلا قتل هذا قول الشافعي وأحمد
وأحد القولين في مذهب مالك وقال أبو بكر الطرطوشي في تعليقه مذهب مالك أنه يقال له صل ما دام الوقت باقيا فإن فعل ترك وإن امتنع حتى خرج الوقت قتل وهل يستتاب أم لا قال بعض اصحابنا يستتاب فإن تاب وإلا قتل وقال بعضهم لا يستتاب لأن هذا حد من الحدود يقام عليه فلا تسقطه التوبة كالزاني والسارق وهذا القول يلزم من قال يقتل حدا فإنه إذا كان حده على ترك الصلاة القتل كان كمن حده القتل على الزنا والمحاربة والحدود تجب ولا تسقطها التوبة بعد الرفع إلى الإمام.
وأما من قال يقتل لكفره فلا يلزمه هذا لأنه جعله كالمرتد وإذا أسلم سقط عنه القتل قال الطرطوشي وهكذا حكم الطهارة والغسل من الجنابة والصيام عندنا فإذا قال لا أتوضأ ولا أغتسل من الجنابة ولا أصوم قتل ولم يستتب سواء قال هي فرض علي أو جحد فرضها. قلت: هذا الذي حكاه الطرطوشي عن بعض اصحابه أنه يقتل استتابة هو رواية عن مالك.
وفي استتابه المرتد روايتان عن أحمد وقولان للشافعي ومن فرق بين المرتد وبين تارك الصلاة في الاستتابة فاستتاب المرتد دون تارك الصلاة كإحدى الروايتين عن مالك يقول الظاهر أن المسلم لا يترك دينه إلا لشبهة عرضت له تمنعه البقاء عليه فيستتاب رجاء زوالها والتارك للصلاة مع إقراره بوجوبها عليه لا مانع له فلا يمهل.
قال المستتيبون له: هذا قتل لترك واجب شرعت له الاستتابة فكانت واجبة كقتل الردة قالوا بل الاستتابة هاهنا أول ى لان احتمال رجوعه اقرب لأن التزامه للإسلام يحمله على التوبة مما يخلصه في الدنيا والآخرة وهذا القول هو الصحيح لأن أسوأ أحواله أن يكون كالمرتد وقد اتفق الصحابة على قبول توبة المرتدين ومانعي الزكاة.
وقد قال الله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ وهذا يعم المرتد وغيره والفرق بين قتل هذا حدا وقتل الزاني والمحارب أن قتل تارك الصلاة إنما هو على إصراره على الترك في المستقبل وعلى الترك في الماضي بخلاف المقتول في الحد فإن سبب قتله على الحد لأنه لم يبق له سبيل إلى تداركها وهذا له سبيل الاستدراك بفعلها بعد خروج وقتها ثم الأئمة الأربعة وغيرهم ومن يقول من أصحاب أحمد لا سبيل له إلى الاستدراك كما هو قول طائفة من السلف يقول القتل ها هنا على ترك فيزول الترك بالفعل فأما الزنا والمحاربة فالقتل فيهما على فعل والفعل الذي مضى لا يزول بالترك.
حكم تارك الصلاة عمدا
المؤلف: ابن قيم الجوزيةفصل في أن يكون قتل تارك الصلاة بعد الدعوة والامتناع
=========
فصل في أن يكون قتل تارك الصلاة بعد الدعوة والامتناع
المسألة الثانية أنه لا يقتل حتى يدعى إلى فعلها فيمتنع فالدعاء إليها لا يستمر ولذلك أذن النبي في الصلاة نافلة خلف الامراء الذين يؤخرون الصلاة حتى يخرج الوقت ولم يأمر بقتالهم ولم يأذن في قتلهم لأنهم لم يصروا على الترك فإذا دعي فامتنع لا من عذر حتى يخرج الوقت تحقق تركه وإصراره
فصل في أن يكون قتل تارك الصلاة بعد الدعوة والامتناع
المؤلف: ابن قيم الجوزيةفصل في تعيين مقدار الترك الموجب لقتل تارك الصلاة
======
محتويات
1 فصل في تعيين مقدار الترك الموجب لقتل تارك الصلاة
1.1 فصل في متى يعد الرجل تاركا للصلاة
1.2 فصل في حكم ترك بعض شروط الصلاة أو ركن منها
1.3 فصل في حكم تارك الجمعة
1.4 فصل في تارك الصلاة هل يقتل حدا أم كفرا
1.5 فصل في الأستدلال بالكتاب
1.6 فصل في الاستدلال بالسنة
1.7 فصل في الاستدلال بإجماع الصحابة
1.8 فصل في الحكم بين الفريقين وفصل الخطاب بين الطائفين
1.9 فصل في نوعي الكفر
1.10 فصل في اجتماع الكفر والإيمان
1.11 فصل في أنه لا يلزم من القيام بالجزء التسمية بالكل
1.12 فصل في سياق اقوال العلماء من التابعين ومن بعدهم في كفر تارك الصلاة ومن حكى الإجماع على ذلك
فصل في تعيين مقدار الترك الموجب لقتل تارك الصلاة
المسألة الثالثة بماذا يقتل هل بترك صلاة أو صلاتين أو ثلاث صلوات هذا فيه خلاف بين الناس فقال سفيان الثوري ومالك وأحمد في إحدى الروايات يقتل بترك
صلاة واحدة وهو ظاهر مذهب الشافعي وأحمد وحجة هذا القول ما تقدم من الاحاديث الدالة على قتل تارك الصلاة وقد روى معاذ بن جبل أن رسول الله قال من ترك صلاة مكتوبة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله رواه الإمام أحمد في مسنده 5 / 238 وعن أبي الدرداء قال اوصاني ابو القاسم أن لا أترك الصلاة متعمدا فمن تركها متعمدا فقد برئت منه الذمة رواه عبدالرحمن ابن ابي حاتم في سننه مجمع الزوائد 4 / 217 - 216 ولأنه إذا دعي إلى فعلها في وقتها فقال لا اصلي ولا عذر له فقد ظهر إصراره فتعين إيجاب قتله وإهدار دمه واعتبار التكرار ثلاثا ليس عليه دليل من نص ولا إجماع ولا قول صاحب وليس أولى من اثنتين وقال اسحاق بن منصور المعروف بالكوسج من أصحاب أحمد إن كانت الصلاة المتروكة تجمع إلى ما بعدها كالظهر والعصر والمغرب والعشاء لم يقتل حتى يخرج وقت الثانية لأن وقتها وقت الأولى في حال الجمع فأورث شبهة هاهنا وإن كانت لا تجمع إلى ما بعدها كالفجر والعصر وعشاء الآخرة قتل بتركها وحدها إذ لا شبهة ها هنا في التأخير وهذا القول حكاه إسحاق عن عبدالله بن المبارك او عن وكيع بن الجراح الشك من اسحاق في تعيينه قال ابو البركات عبدالسلام بن عبدالله ابن تيمية والتسوية أصح
وإلحاق التارك ها هنا بأهل الأعذار في الوقت لا يصح كما لم يصح إلحاقه بهم في اصل الترك قلت وقول إسحاق اقوى وافقه لأنه قد ثبت أن هذا الوقت للصلاتين في الجملة فأورث ذلك شبهة في إسقاط القتل ولأن النبي منع من قتل الأمراء المؤخرين الصلاة عن وقتها وإنما كانوا يؤخرون الظهر إلى وقت العصر وقد يؤخرون العصر إلى آخر وقتها ولما قيل له ألا نقاتلهم قال لا ما صلوا مسلم رقم 1854 فدل على أن ما فعلوه صلاة يعصمون بها دماءهم
فصل في متى يعد الرجل تاركا للصلاة
وعلى هذا فمتى دعي إلى الصلاة في وقتها فقال لا اصلي وامتنع حتى فاتت وجب قتله وإن لم يتضيق وقت الثانية نص عليه الإمام أحمد وقال القاضي محمد بن الحسين أبو يعلى وأصحابه كأبي الخطاب محفوظ بن محمد الكلواذاني وابن عقيل لا يقتل حتى يتضايق وقت التي بعدها قال الشيخ ابو البركات ابن تيمية من دعي إلى صلاة في وقتها فقال لا اصلي وامتنع حتى فاتت وجب قتله وإن لم يتضيق وقت الثانية نص عليه
قال وإنما اعتبرنا تضايق وقت الثانية في المثال الذي ذكره يعني أبا الخطاب لأن القتل بتركها دون الأولى لأنه لما دعي إليها كانت فائتة والفوائت لا يقتل تاركها ولفظ أبي الخطاب الذي أشار إليه فإن اخر الصلاة حتى خرج وقتها جاحدا لوجوبها كفر ووجب قتله فإن اخرها تهاونا لا جحودا لوجوبها دعي إلى فعلها فإن لم يفعلها حتى تضايق وقت التي بعدها وجب قتله فالتي أخرها تهاونا هي التي اخرها حتى خرج وقتها فدعي إليها بعد خروج وقتها فإذا امتنع من فعلها حتى تضايق وقت الآخرة التي بعدها كان قتله بتأخير الصلاة التي دعي إليها حتى تضايق وقتها هذا تقرير ما ذكره الشيخ قال وقال بعض أصحابنا يقتل لترك الأولي ولترك قضاء كل فائتة إذا أمكنه من غير عذر لأن القضاء عندنا على الفور فعلى هذا لا يعتبر تضايق وقت الثانية قال والأول أصح لأن قضاء الفوائت موسع علىالتراخي عند الشافعي وجماعة من العلماء والقتل لا يجب في مختلف في إباحته وحظره وعن أحمد رواية أخرى أنه إنما يجب قتله إذا ترك ثلاث صلوات وتضايق وقت الرابعة وهذا اختيار الإصطخري من الشافعية ووجه هذا القول أن الموجب للقتل هو الاصرار على ترك الصلاة والانسان قد يترك الصلاتين لكسل أو ضجر او شغل يزول قريبا ولا
يدوم فلا يسمى بذلك تاركا للصلاة فإذا كرر الترك مع الدعاء إلى الفعل علم أنه إصرار وعن احمد رواية ثالثة أنه يجب قتله بترك صلاتين ولهذه الرواية مأخذان احدهما أن الترك الموجب للقتل هو الترك المتكرر لا مطلق الترك حتى يطلق عليه أنه تارك الصلاة وأقل ما يثبت به الترك المتكرر مرتان المأخذ الثاني أن من الصلاة ما تجمع إحداهن إلى الأخرى فلا يتحقق تركها إلا بخروج وقت الثانية فجعل ترك الصلاتين موجبا للقتل وإسحاق وافق هذه الرواية في المجموعتين
فصل في حكم ترك بعض شروط الصلاة أو ركن منها
وحكم ترك الوضوء والغسل من الجنابة واستقبال القبلة وستر العورة حكم تارك الصلاة وكذلك حكم ترك القيام للقادر عليه هو كترك الصلاة وكذلك ترك الركوع والسجود وإن ترك ركنا أو شرطا مختلفا فيه وهو يعتقد وجوبه فقال ابن عقيل حكمه حكم تارك الصلاة ولا بأس أن نقول بوجوب قتله وقال الشيخ أبو البركات ابن تيمية عليه الإعادة ولا يقتل من أجل ذلك بحال
فوجه قول ابن عقيل أنه تارك للصلاة عند نفسه وفي عقيدته فصار كتارك الزكاة والشرط المجمع عليه ووجه قول أبي البركات ابن تيمية أنه لا يباح الدم بترك المختلف في وجوبه اقرب إلى مأخذ الفقه وقول ابن عقيل اقرب إلى الاصول فإن تارك ذلك عازم وجازم على الاتيان بصلاة باطلة فهو كما لو ترك مجمعا عليه وللمسألة غور بعيد يتعلق بأصول الإيمان وأنه من اعمال القلوب واعتقادها
فصل في حكم تارك الجمعة
روى مسلم في صحيحه رقم 652 من حديث ابن مسعود أن النبي قال لقوم يتخلفون عن الجمعة لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم احرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم وعنأبي هريرة وابن عمر أنهما سمعا رسول الله يقول على اعواد منبره لينتهين اقوام عن ودعهم الجمعات او ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين رواه مسلم في صحيحه رقم 865 وفي السنن كلها ابو داود رقم 1052 الترمذي رقم 500 النسائي رقم 1369 ابن ماجة رقم 1125 من حديث ابي الجعد
الضمري وله صحبة أن النبي قال من ترك ثلاث جمع تهاونا طبع الله على قلبه رواه الامام أحمد من حديث جابر المسند 3 / 425 - 424 وأخطأ على الشافعي من نسب إليه القول بأن صلاة الجمعة فرض على الكفاية إذا قام بها قوم سقطت عن الباقين فلم يقل الشافعي هذا قط فإنما غلط عليه من نسب ذلك إليه بسبب قوله في صلاة العيد إنها تجب على من تجب عليه صلاة الجمعة بل هذا نص من الشافعي أن صلاة العيد واجبة على الأعيان وهذا هو الصحيح في الدليل فإن صلاة العيد من اعاظم شعائر الإسلام الظاهرة ولم يكن يتخلف عنها احد من اصحاب رسول الله ولا تركها رسول الله مرة واحدة ولو كانت سنة لتركها ولو مرة واحدة كما ترك قيام رمضان بيانا لعدم وجوبه وترك الوضوء لكل صلاة بيانا لعدم وجوبه وغير ذلك وأيضا فإنه سبحانه وتعالى امر بالعيد كما أمر بالجمعة فقال فصل لربك وانحر 108 سورة الكوثر / الآية 2 فأمر النبي الصحابة أن يغدوا إلى مصلاهم لصلاة العيد معه إن فات وقتها وثبت الشهر بعد الزوال أبو داود رقم 1157 وأمر النبي العواتق وذوات الخدور وذوات الحيض ان يخرجن إلى العبد وتعتزل الحيض المصلي البخاري رقم 974 مسلم رقم 890 ولم يأمر بذلك في الجمعة قال شيخنا ابن تيمية فهذا يدل على ان العيد آكد من الجمعة
وقوله خمس صلوات كتبهن الله علىالعبد في اليوم والليلة الموطأ 1 / 123 أبو داود رقم 425 النسائي رقم 461 ابن ماجه رقم 1401 لا ينفي صلاة العيد فإن الصلوات الخمس وظيفة اليوم والليلة وأما العيد فوظيفة العام ولذلك لم يمنع ذلك من وجوب ركعتي الطواف عند كثير من الفقهاء لأنها ليست من وظائف اليوم والليلة المتكررة ولم يمنع وجوب صلاة الجنازة ولم يمنع من وجوب سجود التلاوة عند من أوجبه وجعله صلاة ولم يمنع من وجوب صلاة الكسوف عند من اوجبها من السلف وهو قول قوي جدا والمقصود ان الشافعي رحمه الله نص على ان من وجبت عليه الجمعة وجب عليه العيد ولكن قد يقال إن هذا لا يستفاد منه وجوبه على الأعيان فإن فرض الكفاية يجب على الجميع ويسقط بفعل البعض وفائدة ذلك تظهر في مسألتين إحداهما أنه لو اشترك الجميع في فعله أثيبوا ثواب من أدى الواجب لتعلق الوجوب الثانية لو اشتركوا في تركه استحق الجميع الذم والعقاب فلا يلزم من قوله تجب صلاة العيد على من تجب عليه صلاة الجمعة أن تكون واجبة علىالأعيان كالجمعة فهذا يمكن أن يقال ولكن ظاهر تشيبه العيد بالجمعة والتسوية بين من تجب عليه الجمعة ومن يجب عليه العيد يدل على استوائهما في الوجوب ولا يختلف قوم أن الجمعة واجبة على الأعيان فكذا العيد
والمقصود بيان حكم تارك الجمعة قال ابو عبدالله ابن حامد ومن جحد وجوب الجمعة كفر فإن صلاها اربعا مع اعتقاد وجوبها قال فإن قلنا هي ظهر مقصورة لم يكفر وإلا كفر حكم تارك الصوم والحج والزكاة وهل يلحق تارك الصوم والحج والزكاه بتارك الصلاة في وجوب قتله فيه ثلاث روايات عن الإمام أحمد إحداها يقتل بترك ذلك كله كما يقتل بترك الصلاة وحجة هذه الرواية أن الزكاة والصيام والحج من مباني الاسلام فيقتل بتركها جميعا كالصلاة ولهذا قاتل الصديق مانعي الزكاة وقال والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة البخاري رقم 1400 مسلم رقم 20 إنها لقرينتها في كتاب الله وأيضا فإن هذه المباني من حقوق الاسلام والنبي لم يأمر برفع القتال إلا عمن التزم كلمة الشهادة وحقها وأخبر أن عصمة الدم لا تثبت إلا بحق الإسلام فهذا قتال للفئة الممتنعة والقتل للواحد المقدوم عيله إنما هو لتركه حقوق الكلمة وشرائع الإسلام وهذا أصح الأقوال الرواية الثانية لا يقتل بترك غير الصلاة لأن الصلاة عبادة بدنية لا تدخلها النيابة ولقول عبدالله بن شقيق كان أصحاب محمد لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة الترمذي رقم 2624
ولأن الصلاة قد اختصت من سائر الأعمال بخصائص ليست لغيرها فهي أول ما فرض الله من الاسلام ولهذا امر النبي نوابه ورسله ان يبدؤوا بالدعوة إليها بعد الشهادتين فقال لمعاذ ستأتي قوما اهل كتاب فليكن اول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله وأن الله فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة البخاري رقم 4347 مسلم رقم 19 ولأنها أول ما يحاسب عليها العبد من عمله ولأن الله فرضها في السماء ليلة المعراج ولأنها اكثر الفروض ذكرا في القرآن ولأن اهل النار لما يسألون ما سلككم في سقر 74 سورة المدثر الآية 42 لم يبدؤوا بشيء غير ترك الصلاة ولأن فرضها لا يسقط عن العبد بحال دون حال ما دام عقله معه بخلاف سائر الفروض فإنها تجب في حال دون حال ولأنها عمود فسطاط الإسلام وإذا سقط الفسطاط وقع الفسطاط ولأنها آخر ما يفقد من الدين ولأنها فرض على الحر والعبد والذكر والأنثى والحاضر والمسافر والصحيح والمريض والغني والفقير ولم يكن رسول الله يقبل من إجابة إلى الاسلام إلا بالتزام الصلاة كما قال قتادة عن انس لم يكن رسول الله يقبل من اجابه إلى الاسلام إلا بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولأن قبول سائر الاعمال موقوف على فعلها فلا يقبل الله من تاركها صوما ولا حجا ولا صدقة ولا جهادا ولا شيئا من الاعمال كما قال عون بن عبدالله إن العبد إذا دخل قبره سئل عن صلاته اول شيء يسأل عنه فإن جازت له نظر فيما سوى ذلك من عمله وإن لم تجز له لم ينظر في شيء من عمله بعد
ويدل على هذا الحديث الذي في المسند والسنن من رواية أبي هريرة عن النبي أول ما يحاسب به العبد من عمله يحاسب بصلاته فإن صلحت فقد افلح وأنجح وان فسدت فقط فقد خاب وخسر الترمذي رقم 413 النسائي رقم 465 ولو قبل منه شيء من اعمال البر لم يكن من الخائبين الخاسرين الرواية الثالثة يقتل بترك الزكاة والصيام ولا يقتل بترك الحج لأنه مختلف فيه هل هو على الفور أو على التراخي فمن قال هو على التراخي قال كيف يقتل بأمر موسع له في تأخيره وهذا المأخذ ضعيف جدا لأن من يقتله بتركه لا يقتله بمحرد التأخير وإنما صورة المسألة أن يعزم على ترك الحج ويقول هو واجب علي ولا احج ابدا فهذا موضوع النزاع والصواب القول بقتله لأن الحج من حقوق الاسلام والعصمة تثبت لمن تكلم بالاسلام إلا بحقه والحج أعظم حقوقه
فصل في تارك الصلاة هل يقتل حدا أم كفرا
وأما المسألة الثالثة وهو انه هل يقتل حدا كما يقتل المحارب والزاني أم يقتل كما يقتل المرتد والزنديق هذا فيه قولان للعلماء وهما روايتان عن الامام أحمد يقتل كما يقتل المرتد وهذا قول سعيد بن جبير وعامر الشعبي وإبراهيم النخعي وأبي عمرو الأوزاعي وأيوب السختياني وعبدالله بن المبارك وإسحاق بن راهويه وعبدالملك بن حبيب من
المالكية وأحد الوجهين في مذهب الشافعي وحكاه الطحاوي عن الشافعي نفسه وحكاه ابو محمد ابن حزم عن عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل وعبدالرحمن بن عوف وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة والثانية يقتل حدا لا كفرا وهو قول مالك والشافعي واختار أبو عبدالله ابن بطة هذه الرواية ونحن نذكر حجج الفريقين أدلة الذين لا يكفرون تارك الصلاة قال الذين لا يكفرونه بتركها قد ثبت له حكم الإسلام بالدخول فيه فلا نخرجه عنه إلا بيقين قالوا وقد روى عبادة بن الصامت عن النبي أنه قال من شهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وان محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبدالله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق ادخله الله الجنة على ما كان من العمل أخرجاه في الصحيحين البخاري رقم 3435 مسلم رقم 28 وعن انس أن النبي قال ومعاذ رديفة على الرحل يا معاذ قال لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثا قال ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا حرمه الله على النار قال يارسول الله افلا اخبر بها الناس فيستبشروا قال إذا يتكلوا فأخبر بها معاذ عند موته تأثما متفق على صحته البخاري رقم 128 مسلم 230
وعن أبي هريرة عن النبي قال اسعد الناس بشفاعتي من قال لاإله إلا الله خالصا من قلبه رواه البخاري رقم 99 وعن أبي ذر ان النبي قام بآية من القرآن يرددها حتى صلاة الغداة وقال دعوت لامتي وأجبت بالذي لو اطلع عليه كثير منهم تركوا الصلاة فقال أبو ذر أفلا ابشر الناس قال بلى فانطلق فقال عمر أنك إن تبعث إلى الناس بهذا ينكلوا عن العبادة فناداه أن ارجع فرجع والآية إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم 5 سورة المائدة الآية 118 رواه الإمام أحمد في مسنده 5 / 170 وفي المسند أيضا 6 / 240 من حديث عائشة قالت قال رسول الله الدواوين عند الله ثلاثة ديوان لا يعبأ الله به شيئا وديوان لا يترك الله منه شيئا وديوان لا يغفره الله فأما الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك بالله قال الله تعالى إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة 5 سورة المائدة الآية 72 وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه من صوم تركه أو صلاة تركها فإن الله تعالى يغفر ذلك ويتجاوز عنه إن شاء وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا فظلم العباد بعضهم بعضا القصاص لا محالة وفي المسند ايضا 5 / 316 - 315 و 319 عن عبادة بن الصامت قال سمعت رسول الله يقول خمس صلوات كتبهن الله على العباد من أتى بهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له المسند ايضا 2 / 290 من حديث أبي هريرة قال
رسول الله أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة المكتوبة فإن أتمها وإلا قيل انظروا هل له من تطوع فإن كان له تطوع أكملت الفريضة من تطوعه ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك رواه أهل السنن أبو داود رقم 864 الترمذي رقم 413 النسائي رقم 467 ابن ماجة رقم 1425 وقال الترمذي هذا حديث حسن قالوا وقد ثبت عنه أنه قال من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة أبو داود 3116 لفظ آخر من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة مسلم رقم 26 وفي صحيح قصة عتبان بن مالك البخاري رقم 425 مسلم رقم 33 وفيها إن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله وفي حديث الشفاعة البخاري رقم 7510 مسلم رقم 193 يقول الله تعالى وعزتي وجلالي لأخرجن من النار من قال لا إله إلا الله وفيه مجمع الزوائد 10 / 375 فيخرج من النار من لم يعمل خيرا قط وفي السنن الترمذي رقم 2641 مستدرك الحاكم 1 / 529 صحيح ابن حبان رقم 225 ابن ماجة رقم 4300 والمسانيد مسند أحمد 2 / 213 قصة صاحب البطاقة الذي ينشر له تسعة
وتسعون سجلا كل سجل منها مد البصر ثم تخرج له بطاقة فيها شهادة أن لا إله إلا الله فترجح سيئاته ولم يذكر في البطاقة غير الشهادة ولو كان فيها غيرها لقال ثم تخرج له صحائف حسناته فترجح سيئاته ويكفينا في هذا قوله فيخرج من النار من لم يعمل خيرا قط ولو كان كافرا لكان مخلدا في النار غير خارج منها فهذه الأحاديث وغيرها تمنع من التكفير والتخليد وتوجب من الرجاء له ما يرجى لسائر أهل الكبائر قالوا ولأن الكفر جحود التوحيد وإنكار الرسالة والمعاد وجحد ما جاء به الرسول وهذا يقر بالوحدانية شاهدا أن محمدا رسول الله مؤمنا بأن الله يبعث من في القبور فكيف يحكم بكفره والإيمان هو التصديق وضده التكذيب لا ترك العمل فكيف يحكم للمصدق بحكم المكذب الجاحد أدلة الذين يكفرون تارك الصلاة قال المكفرون الذين رويت عنهم هذه الأحاديث التي استدللتم بها على عدم تكفير تارك الصلاة هم الذين حفظ عنهم الصحابة تكفير تارك الصلاة بأعيانهم قال أبو محمد ابن حزم المحلى 1 / 242 وقد جاء عن عمر وعبدالرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد
قالوا ولا نعلم لهؤلاء مخالفا من الصحابة وقد دل على كفر تارك الصلاة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة
فصل في الأستدلال بالكتاب
أما الكتاب فالدليل الأول قال تعالى أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون أم لكم كتاب فيه تدرسون إن لكم فيه لما تخيرون أم لكم أيمن علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون سلهم أيهم بذلك زعيم أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون 68 سورة القلم / الآيات 43 - 35 فوجه الدلالة من الآية أنه سبحانه أخبر أنه لا يجعل المسلمين كالمجرمين وأن هذا الأمر لا يليق بحكمته ولا بحكمه ثم ذكر أحوال المجرمين الذين هم ضد المسلمين فقال يوم يكشف عن ساق 68 سورة القلم / الآية 42 وأنهم يدعون إلى السجود لربهم تبارك وتعالى فيحال بينهم وبينه فلا يستطيعون السجود مع المسلمين عقوبة لهم على ترك السجود له مع المصلين في دار الدنيا وهذا يدل على أنهم مع الكفار والمنافقين الذين تبقى ظهورهم إذا سجد المسلمون كميا من البقر ولو كانوا من المسلمين لأذن لهم بالسجود كما أذن للمسلمين الدليل الثاني قوله تعالى كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين 74 سورة المدثر / الآيات 47 - 38 فلا يخلو إما أن يكون كل
واحد من هذه الخصال هو الذي سلكهم في سقر وجعلهم من المجرمين او مجموعها فإن كان كل واحد منها مستقلا بذلك فالدلالة ظاهرة وإن كان مجموع الأمور الأربعة فهذا إنما هو لتغليظ كفرهم وعقوبتهم وإلأ فكل واحد منها مقتض للعقوبة إذ لا يجوز أن يضم ما لا تأثير له في العقوبة إلى ما هو مستقل بها ومن المعلوم أن ترك الصلاة وما ذكر معه ليس شرطا في العقوبة على التكذيب بيوم الدين بل هو وحده كاف في العقوبة فدل على أن كل وصف ذكر معه كذلك إذ لا يمكن لقائل ان يقول لا يعذب إلا من جمع هذه الأوصاف الأربعة فإذا كان كل واحد منها موجبا للإجرام وقد جعل الله سبحانه المجرمين ضد المسلمين كان تارك الصلاة من المجرمين السالكين في سقر وقد قال إن المجرمين في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجهم ذوقوا مس سقر 54 سورة القمر / الآيتان 48 - 47 وقال تعالى إن الذين أجرموا كانوا من الذين ءامنوا يضحكون سورة المطففين الآية 29 فجعل المجرمين ضد المؤمنين المسلمين الدليل الثالث قوله تعالى وأقيموا الصلاة واءتوا الزكواة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون 24 سورة النور / الآية 56 فوجه الدلالة أنه سبحانه علق حصول الرحمة لهم بفعل هذه الأمور فلو كان ترك الصلاة لا يوجب تكفيرهم وخلودهم في النار لكانوا مرحومين بدون فعل الصلاة والرب تعالى إنما جعلهم على رجاء الرحمة إذا فعلوها الدليل الرابع قوله تعالى فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون 107 سورة الماعون / الآيتان 4 و 5 وقد اختلف السلف في
معنى السهو عنها فقال سعد ابن ابي وقاص ومسروق بن الاجدع وغيرهما هو تركها حتى يخرج وقتها وروى في ذلك حديث مرفوع قال محمد بن نصر المروزي تعظيم قدر الصلاة رقم 42 حدثنا شيبان ابن ابي شيبة حدثنا عكرمة بن إبراهيم حدثنا عبدالملك بن عمير عن مصعب بن سعد عن أبيه أنه سأل النبي عن الذين هم عن صلاتهم ساهون 107 سورة الماعون / الآية 5 قال هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها سنن البيهقي 2 / 214 وقال حماد بن زيد حدثنا عاصم عن مصعب بن سعد قال قلت لأبي يا ابتا أرأيت قول الله الذين هم عن صلاتهم ساهون 107 سورة الماعون / الآية 5 أينا لا يسهو أينا لا يحدث نفسه قال إنه ليس ذاك ولكنه إضاعة الوقت سنن البيهقي 2 / 214 وقال حيوة بن شريح أخبرني ابو صخر أنه سأل محمد بن كعب القرظي عن قوله الذين هم عن صلاتهم ساهون 107 سورة الماعون / الآية 5 قال هو تاركها ثم سأله عن الماعون 107 سورة الماعون / الآية 7 قال منع المال عن حقه تعظيم قدر الصلاة رقم 45 إذا عرف هذا فالوعيد بالويل اطرد في القرآن للكفار كقوله قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون 41سورة
فصلت / الآيتان 6 و 7 وقوله ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيت الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم وإذا علم من ءاياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين 45 سورة الجاثية / الآيات 9 - 7 وقوله وويل للكافرين من عذاب شديد 14 سورة إبراهيم / الآية 2 إلا في موضعين وهما ويل للمطففين 83 سورة المطففين / الآية 1 و ويل لكل همزة لمزة 104 سورة الهمزة / الآية 1 فعلق الويل بالتطفيف وبالهمز واللمز وهذا لا يكفر به بمجرده فويل تارك الصلاة إما ان يكون ملحقا بويل الكفار أو بويل الفساق فإلحاقه بويل الكفار أولى لوجهين أحدهما أنه قد صح عن سعد ابن أبي وقاص في هذه الآية أنه قال لو تركوها لكانوا كفارا ولكن ضيعوا وقتها الثاني ما سنذكر من الأدلة على كفره يوضحه الدليل الخامس وهو قوله سبحانه فخلف من بعدهم خلف اضاعوا الصلواة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا 19 سورة مريم / الآية 59 قال شعبة بن الحجاج حدثنا أبو إسحاق عن أبي عبيدة عن عبدالله هو ابن مسعود في هذه الآية قال هو نهر في جهنم خبيث الطعم بعيد القعر مستدرك الحاكم 2 / 374 قال محمد بن نصر تعظيم قدر الصلاة رقم 26 حدثنا عبدالله بن سعد بن إبراهيم حدثنا محمد بن زياد بن زبار حدثني شرقي بن القطامي قال حدثني لقمان بن عامر الخزاعي قال جئت أبا
أمامه الباهلي فقلت حدثني حديثا سمعته من رسول الله فقال سمعت من رسول الله يقول لو أن صخرة قذف بها من شفير جهنم ما بلغت قعرها سبعين خريفا ثم تنتهي إلى غي وأثام قلت وما غي وأثام قال بئران في اسفل جهنم يسيل فيهما صديد أهل جهنم فهذا الذي ذكره الله في كتابه فسوف يلقون غيا 19 سورة مريم / الآية 59 و أثاما 25 سورة الفرقان / الآية 68 قال محمد بن نصر تعظيم قدر الصلاة رقم 37 حدثنا الحسن بن عيسى حدثنا عبدالله بن المبارك أخبرنا هشيم بن بشير قال أخبرني زكريا ابن ابي مريم الخزاعي قال سمعت ابا امامة الباهلي يقول إن ما بين شفير جهنم إلى قعرها مسيرة خمسين خريفا من حجر يهوي أو قال صخرة تهوي عظمها كعشر عشراوات عظام سمان فقال له مولى لعبد الرحمن بن خالد بن الوليد هل تحت ذلك من شيء يا أبا أمامة قال نعم غي وأثام وقال أيوب بن بشير عن شفي بن ماتع قال إن في جهنم واديا يسمى غيا يسيل دما وقيحا فهو لمن خلق له قال تعالى فسوف يلقون غيا 19 سورة مريم / الآية 59 الدر المنثور 5 / 528 فوجه الدلالة من الآية أن الله سبحانه جعل هذا المكان من النار لمن أضاع الصلاة واتبع الشهوات ولو كان مع عصاة المسلمين لكانوا في الطبقة العليا من طبقات النار ولم يكونوا في هذا المكان الذي هو اسفلها فإن هذا ليس من أمكنة أهل الإسلام بل من أمكنه الكفار ومن الآية دليل آخر وهو قوله تعالى فسوف يلقون غيا إلا من تاب واءمن وعمل صالحا 19 سورة مريم / الآيتان 59 و 60
فلو كان مضيع الصلاة مؤمنا لم يشترط في توبته الإيمان وأنه يكون تحصيلا للحاصل الدليل السادس قوله تعالى فإن تابوا وأقاموا الصلواة واءتوا الزكواة فإخوانكم في الدين 9 سورة التوبة / الآية 11 فعلق اخوتهم للمؤمنين بفعل الصلاة فإذا لم يفعلوا لم يكونوا إخوة المؤمنين فلا يكونوا مؤمنين لقوله تعالى إنما المؤمنون إخوة 49 سورة الحجرات / الآية 10 الدليل السابع قوله تعالى فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى 75 سورة القيامة / الآيتان 31 و 32 فلما كان الإسلام تصديق الخبر والانقياد للأمر جعل سبحانه له ضدين عدم التصديق وعدم الصلاة وقابل التصديق بالتكذيب والصلاة بالتولي فقال ولكن كذب وتولى 75 سورة القيامة / الآية 32 فكما أن المكذب كافر فالمتولي عن الصلاة كافر فكما يزول الإسلام بالتكذيب يزول بالتولي عن الصلاة قال سعيد عن قتادة فلا صدق ولا صلى 75 سورة القيامة / الآية 31 لا صدق بكتاب الله ولا صلى لله ولكن كذب بآيات الله وتولى عن طاعته أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى 75 سورة القيامة / الآيتان 34 و 35 وعيد على إثر وعيد الدليل الثامن قوله تعالى يا أيها الذين اءمنوا لا تلهكم أموالكم ولا اولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون 63 سورة المنافقون / الآية 9 قال ابن جريج سمعت عطاء ابن ابي رباح يقول هي الصلاة المكتوبة الدر المنثور 8 / 180
ووجه الاستدلال بالآية إن الله حكم بالخسران المطلق لمن الهاه ماله وولده عن الصلاة والخسران المطلق لا يحصل إلا للكفار فإن المسلم ولو خسر بذنوبه ومعاصيه فآخر أمره إلى الربح يوضحه أنه سبحانه وتعالى اكد خسران تارك الصلاة في هذه الآية بأنواع من التأكيد أحدهما إتيانه بلفظ الاسم الدال على ثبوت الخسران ولزومه دون الفعل الدال على التجدد والحدوث الثاني تصدير الاسم بالألف واللام المؤدية لحصول كمال المسمى لهم فإنك إذا قلت زيد العالم الصالح أفاد ذلك إثبات كمال ذلك له بخلاف قولك عالم صالح الثالث إتيانه سبحانه بالمبتدأ والخبر معرفتين وذلك من علامات انحصار الخبر في المبتدأ كما في قوله تعالى وأولئك هم المفلحون 2 سورة البقرة / الآية 5 وقوله تعالى هم الظلمون أولئك هم المؤمنون حقا 8 سورة الأنفال / الآية 4 ونظائره الرابع إدخال ضمير الفصل بين المبتدأ والخبر وهو يفيد مع الفصل فائدتين اخريين قوة الاسناد واختصاص المسند إليه بالمسند كقوله وإن الله لهو الغني الحميد 22 سورة الحج / الآية 64 وقوله والله هو السميع العليم 5 سورة المائدة / الآية 76 وقوله هو الغفور الرحيم 28 سورة القصص / الآية 16 ونظائر ذلك التاسع قوله سبحانه إنما يؤمن بئايتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون 32 سورة السجدة / الآية 15 ووجه الاستدلال بالآية أنه سبحانه نفى الإيمان عمن إذا
ذكروا بآيات الله لم يخروا سجدا مسبحين بحمد ربهم ومن أعظم التذكير بآيات الله التذكير بآيات الصلاة فمن ذكر بها ولم يتذكر ولم يصل ولم يؤمن بها لأنه سبحانه خص المؤمنين بها بأنهم اهل السجود وهذا من أحسن الاستدلال واقربه فلم يؤمن بقوله تعالى وأقيمو الصلواة 2 سورة البقرة / الآية 43 إلا من التزم إقامتها العاشر قوله تعالى وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ويل يومئذ للمكذبين 77 سورة المرسلات / الآيتان 48 و 49 ذكر هذا بعد قوله كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون 77 سورة المرسلات / الآية 46 ثم توعدهم على ترك الركوع وهو الصلاة إذا دعوا إليها ولا يقال إنما توعدهم على التكذيب فإنه سبحانه وتعالى إنما أخبر عن تركهم لها وعليه وقع الوعيد على أنا نقول لا يصر على ترك الصلاة إصرارا مستمرا من يصدق بأن الله أمر بها اصلا فإنه يستحيل في العادة والطبيعة أن يكون الرجل مصدقا تصديقا جازما أن الله فرض عليه كل يوم وليلية خمس صلوات وأنه يعاقبه على تركها أشد العقاب وهو مع ذلك مصر على تركها هذا من المستحيل قطعا فلا يحافظ على تركها مصدق بفرضها أبدا فإن الايمان يأمر صاحبه بها فحيث لم يكن في قلبه مايأمر بها فليس في قلبه شيء من الإيمان ولا تصغ إلى كلام من ليس له خبره ولا علم بأحكام القلوب وأعمالها وتأمل في الطبيعة بأن يقوم بقلب العبد إيمان بالوعد والوعيد والجنة والنار وأن الله فرض عليه الصلاة وأن الله يعاقبه معاقبة على تركها وهو محافظ على الترك في صحته وعافيته وعدم الموانع المانعة له
من الفعل وهذا القدر هو الذي خفي على من جعل الإيمان مجرد التصديق وإن لم يقارنه فعل واجب ولا ترك محرم وهذا من امحل المحال ان يقوم بقلب العبد إيمان جازم لا يتقاضاه فعل طاعة ولا ترك معصية ونحن نقول الإيمان هو التصديق ولكن ليس التصديق مجردا اعتقادا صدق المخبر دون الانقياد له ولو كان مجرد اعتقاد التصديق إيمانا لكان إبليس وفرعون وقومه وقوم صالح واليهود الذين عرفوا أن محمدا رسول الله كما يعرفون أبناءهم مؤمنين مصدقين وقد قال تعالى فإنهم لا يكذبونك 6 سورة الأنعام / الآية 33 اي يعتقدون أنك صادق ولكن الظالمين بئايات الله يجحدون 6 سورة الأنعام / الآية33 والجحود لا يكون إلا بعد معرفة الحق قال تعالى وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا 27 سورة النمل / الآية 14 وقال موسى لفرعون لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر 17 سورة الإسراء / الآية 102 وقال تعالى عن اليهود يعرفونه كما يعرفون ابناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون 2 سورة البقرة / الآية 146 وأبلغ من هذا قول النفرين اليهوديين لما جاءا إلى النبي وسألاه عما دلهما على نبوته فقالا نشهد أنك نبي فقال ما يمنعكما من اتباعي قالا إن داود دعا أن لا يزال في ذريته نبي وإنا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا اليهود النسائي رقم 4078 الترمذي رقم 2734 و 3143 فهؤلاء قد اقروا بألسنتهم إقرارا مطابقا لمعتقدهم أنه نبي ولم يدخلوا بهذا التصديق والإقرار في الإيمان لأنهم لم يلتزموا طاعته والانقياد لأمره ومن هذا كفر أبي طالب فإنه عرف حقيقة المعرفة أنه صادق وأقر بذلك بلسانه وصرح به في شعره ولم يدخل بذلك في الإسلام
فالتصديق إنما يتم بأمرين أحدهما اعتقاد الصدق والثاني محبة القلب وانقياده ولهذا قال تعالى لإبراهيم ياإبراهيم قد صدقت الرؤيا 37 سورة الصافات / الآيتان 104 و105 وإبراهيم كان معتقدا لصدق رؤياه من حين رآها فإن رؤيا الأنبياء وحي وإنما جعله مصدقا لها بعد أن فعل ما أمر به وكذلك قوله والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه البخاري رقم 6243 مسلم رقم 2657 فجعل التصديق عمل الفرج لا ما يتمنى القلب والتكذيب تركه لذلك وهذا صريح في ان التصديق لا يصح إلا بالعمل وقال الحسن ابن ابي شيبة 11 / 22 ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل وقد روي هذا مرفوعا الكامل لابن عدي 6 / 2290 والمقصود أنه يمتنع مع التصديق الجازم بوجوب الصلاة والوعد على فعلها والوعيد على تركها وبالله التوفيق
فصل في الاستدلال بالسنة
وأما الاستدلال بالسنة على ذلك فمن وجوه الدليل الأول ما رواه مسلم في صحيحه رقم 82 عن جابر بن
عبدالله قال قال رسول الله بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة رواه أهل السنن أبو داود رقم 4687 والترمذي رقم 2622 وصححه الترمذي الدليل الثاني ما رواه بريدة بن الحصيب الأسلمي قال سمعت رسول الله يقول العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر رواه الامام احمد المسند 5 / 346 واهل السنن النسائي رقم 2463 الترمذي رقم 2623 ابن ماجة رقم 1079 وقال الترمذي حديث صحيح إسناده على شرط مسلم الدليل الثالث ما رواه ثوبان مولى رسول الله قال سمعت رسول الله يقول بين العبد وبين الكفر والإيمان الصلاة فإذا تركها فقد أشرك رواه هبةالله الطبري وقال إسناده صحيح على شرط مسلم الترغيب والترهيب 1 / 379 الدليل الرابع ما رواه عبدالله بن عمرو بن العاص عن النبي أنه ذكر الصلاة يوما فقال من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وابي بن خلف رواه الامام احمد في مسنده 2 / 169 وابو حاتم ابن حبان في صحيحه رقم 1467 وإنما خص هؤلاء الاربعة بالذكر لأنهم من رؤس الكفرة وفيه نكتة بديعة وهو أن تارك المحافظة على الصلاة إما أن يشغله ماله أو ملكه أو رياسته او تجارته فمن شغله عنها ماله فهو مع قارون
ومن شغله عنها ملكه فهو مع فرعون ومن شغله عنها رياسة ووزارة فهو مع هامان ومن شغله عنها تجارته فهو مع أبي بن خلف الدليل الخامس ما رواه عبادة بن الصامت قال اوصانا رسول الله فقال لا تشركوا بالله شيئا وإن قطعتم او حرقتم او صلبتم ولا تتركوا الصلاة عمدا فمن تركها عمدا متعمدا فقد خرج من الملة ولا تقربوا الخمر فإنها رأس الخطايا رواه عبدالرحمن ابن أبي حاتم في سننه مجمع الزوائد 4 / 216 تعظيم قدر الصلاة رقم 920 الدليل السادس ما رواه معاذ بن جبل قال قال رسول الله من ترك صلاة مكتوبة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله رواه الإمام أحمد المسند 5 / 238 ولو كان باقيا على إسلامه لكانت له ذمة الإسلام الدليل السابع ما رواه أبو الدرداء قال اوصاني ابو القاسم أن لا أترك الصلاة متعمدا فمن تركها متعمدا فقد برئت منه الذمة رواه عبدالرحمن ابن أبي حاتم في سننه مجمع الزوائد 4 / 217 - 216 الدليل الثامن ما رواه معاذ بن جبل عن النبي أنه قال رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة تعظيم قدر الصلاة رقم 195 وهو حديث صحيح مختصر الاستدلال به أنه أخبر أن الصلاة من الأسلام بمنزلة العمود الذي تقوم عليه الخيمة فكما تسقط الخيمة بسقوط عمودها فهكذا يذهب الاسلام بذهاب الصلاة وقد احتج أحمد بهذا بعينه الدليل التاسع في الصحيحين البخاري رقم 8 مسلم رقم 16 والسنن الترمذي رقم 2736 النسائي رقم 5001 والمسانيد
من حديث عبدالله بن عمر قال قال رسول الله بني الاسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان رواه الإمام أحمد المسند 2 / 26 و 143 وفي بعض الفاظه الاسلام خمس فذكره ووجه الاستدلا به من وجوه أنه جعل الاسلام كالقبة المبنية على خمسة أركان فإذا وقع ركنها الاعظم وقعت قبة الإسلام أنه جعل هذه الاركان في كونها أركانا لقبة الأسلام قرينة الشهادتين فهما ركن والصلاة ركن والزكاة ركن فما بال قبة الإسلام تبقى بعد سقوط أحد أركانها دون بقية أركانها الثالث أنه جعل هذه الأركان نفس الإسلام وداخلة في مسمى اسمه وما كان اسما لمجموع أمور إذا ذهب بعضها ذهب ذلك المسمى ولا سيما إذا كان من اركانه لا من اجزائه التي ليست بركن له كالحائظ للبيت فإنه إذا سقط البيت بخلاف العود والخشبة واللبنة ونحوها الدليل العاشر قول رسول الله من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فهو المسلم له ما لنا وعليه ما علينا البخاري رقم 391 ووجه الدلالة فيه من وجهين أنه إنما جعله مسلما بهذه الثلاثة فلا يكون مسلما بدونها الثاني أنه صلى إلى الشرق لم يكن مسلما حتى يصلي إلى قبلة المسلمين فكيف إذا ترك الصلاة بالكلية
الدليل الحادي عشر وما رواه الدارقي عبد الله عبدالله بن عبدالرحمن تعظيم قدرالصلاة رقم 175 قال حدثنا يحيى بن حسان حدثنا سليمان بن قرم عن ابي يحيى القتات عن مجاهد عن جابر بن عبدالله عن النبي قال مفتاح الجنة الصلاة الترمذي رقم 4 مسند أحمد 3 / 340 وهذا يدل على أن من لم يكن من أهل الصلاة لم تفتح له الجنة وهي تفتح لكل مسلم فليس تاركها مسلم ولا تناقض بين هذا وبين الحديث الآخر وهو قوله مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله مسند أحمد 5 / 242 فإن الشهادة أصل المفتاح والصلاة وبقية الأركان أسنانه التي لا يحصل الفتح إلا بها إذ دخول الجنة موقوف على المفتاح وأسنانه البخاري تعليقا فتح الباري 3 / 131 وقيل لوهب بن منبه أليس مفتاح الجنة لاإله إلا الله قال بلى ولكن ليس مفتاح إلا وله أسنان فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك الدليل الثاني عشر ما رواه محجن بن الادرع الاسلمي أنه كان في مجلس مع النبي فأذن بالصلاة فقام النبي ثم رجع ومحجن في مجلسه فقال له ما منعك أن تصلي الست برجل مسلم قال بلى ولكني صليت في أهلي فقال له إذا جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صليت رواه الامام احمد المسند 4 / 34 والنسائي رقم 857 فجعل الفارق بين المسلم والكافر الصلاة وأنت تجد تحت الفاظ
الحديث إنك لو كنت مسلما لصليت وهذا كما تقول مالك كل لا تتكلم ألست بناطق وما لك لا تتحرك ألست بحي ولو كان الاسلام يثبت مع عدم الصلاة لما قال لمن رآه لا يصلي الست برجل مسلم
فصل في الاستدلال بإجماع الصحابة
إجماع الصحابة فقال ابن زنجويه حدثنا عمر بن الربيع حدثنا يحيى بن أيوب عن يونس عن ابن شهاب قال حدثني عبيدالله بن عبدالله بن عتبة ان عبدالله بن عباس اخبره انه جاء عمر بن الخطاب حين طعن في المسجد قال فاحتملته انا ورهط كانوا معي في المسجد حتى ادخلناه بيته قال فأمر عبدالرحمن بن عوف ان يصلي بالناس قال فلما دخلنا على عمر بيته غشي عليه من الموت فلم يزل في غشيته حتى اسفر ثم افاق فقال هل صلى الناس قال فقلنا نعم فقال لا إسلام لمن ترك الصلاة وفي سياق آخر لا حظ في الاسلام لمن ترك الصلاة ثم دعا بوضوء فتوضأ وصلى وذكر القصة تعظيم قدر الصلاة رقم 923 فقال هذا بمحضر من الصحابة ولم ينكروه عليه وقد تقدم مثل ذلك عن معاذ بن جبل وعبدالرحمن بن عوف وابي هريرة ولا يعلم عن صحابي خلافهم وقال الحافظ عبدالحق الاشبيلي رحمه الله في كتابه في الصلاة ذهب جملة من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم إلى تكفير تارك الصلاة متعمدا لتركها حتى يخرج جميع وقتها منهم عمر بن الخطاب ومعاذ بن
جبل وعبدالله بن مسعود وابن عباس وجابر وابو الدرداء وكذلك روي عن علي ابن ابي طالب كرم الله وجهه هؤلاء من الصحابة ومن غيرهم أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية وعبدالله بن المبارك وإبراهيم النخعي والحكم بن عيينة وأيوب السختياني وأبو داود الطيالسي وابو بكر ابن أبي شيبة وابو خيثمة زهير بن حرب المانعون من التكفير يجب حمل هذه الاحاديث وما شاكلها على كفر النعمة دون كفر الجحود كقوله من تعلم الرمي ثم تركها فهي نعمة كفرها أبو داود رقم 2513 النسائي رقم 3578 وقوله لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم البخاري رقم 6830 مسلم رقم 62 تبرؤه من نسب وإن دق كفر بعد إيمان مسند أحمد 2 / 215 سباب المسلم فسوق وقتاله كفر البخاري رقم 48 مسلم رقم 64 من أتى امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد مسند أحمد 2 / 408 الترمذي رقم 135 أبو داود رقم 3904 ابن ماجه رقم 639 من حلف بغير الله فقد كفر رواه الحاكم في صحيحه 1 / 18 بهذا اللفظ وقوله اثنتان في امتي هما بهم كفر الطعن في الانساب والنياحة على الميت مسلم رقم 67
ونظائر ذلك كثيرة قالوا وقد نفى النبي الإيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر والمنتسب ولم يوجب زوال هذا عنهم الاسم عنهم كفر الجحود والخلود في النار فكذلك كفر تارك الصلاة ليس بكفر جحود ولا يوجب التخليد في الجحيم وقد قال النبي لا إيمان لمن لا أمانة له مسند أحمد 3 / 135 فنفى عنه الإيمان ولا يوجب ترك أداء الأمانة أن يكون كافرا كفرا ينقل عن الملة وقد قال ابن عباس في قوله تعالى ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون 5 سورة المائدة / الآية 44 ليس بالكفر الذي يذهبون إليه قال طاووس سئل ابن عباس عن هذه الآية فقال هو به كفر وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله قال أيضا كفر لا ينقل عن الملة وقال سفيان عن ابن جريح عن عطاء كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق
فصل في الحكم بين الفريقين وفصل الخطاب بين الطائفين
معرفة الصواب في هذه المسألة مبني على معرفة حقيقة الإيمان والكفر ثم يصح النفي والإثبات بعد ذلك فالكفر والإيمان متقابلان إذا زال أحدهما خلفه الآخر
كان الإيمان أصلا له شعب متعددة وكل شعبة منها تسمى إيمانا فالصلاة من الإيمان وكذلك الزكاة والحج والصيام والأعمال الباطنة كالحياء والتوكل والخشية من الله والإنابة إليه حتى تنتهي هذه الشعب إلى إماطة الأذى عن الطريق فإنه شعبة من شعب الإيمان وهذه الشعب منها ما يزول الإيمان بزوالها كشعبة الشهادة ومنها ما لا يزول بزوالها كترك إماطة الأذى عن الطريق وبينهما شعب متفاوتة تفاوتا عظيما منها ما يلحق بشعبة الشهادة ويكون إليها أقرب ومنها ما يلحق بشعبة إماطة الأذى ويكون إليها أقرب وكذلك الكفر ذو أصل وشعب فكما أن شعب الإيمان إيمان فشعب الكفر كفر والحياء شعبة من الإيمان وقلة الحياء شعبة من شعب الكفر والصدق شعبة من شعب الإيمان والكذب شعبة من شعب الكفر والصلاة والزكاة والحج والصيام من شعب الإيمان وتركها من شعب الكفر والحكم بماأنزل الله من شعب الإيمان والحكم بغير ما أنزل الله من شعب الكفر والمعاصي كلها من شعب الكفر كما ان الطاعات كلها من شعب الإيمان الإيمان قسمان قولية وفعلية وكذلك شعب الكفر نوعان قولية وفعلية ومن شعب الإيمان القولية شعبة يوجب زوالها زوال الإيمان فكذلك من شعبة الفعلية ما يوجب زوالها زوال الإيمان وكذلك شعب الكفر القولية والفعلية فكما يكفر بالأتيان بكلمة الكفر اختيارا وهي شعبة من شعب الكفر فكذلك يكفر بفعل شعبة من شعبه كالسجود للصنم والاستهانة بالمصحف فهذا اصل وها هنا أصل آخر وهو ان حقيقة الإيمان مركبة من قول وعمل والقول قسمان قول القلب وهو الاعتقاد وقول اللسان وهوالتكلم بكلمة
الإسلام والعمل قسمان عمل القلب وهو نيته وإخلاصه وعمل الجوارح فإذا زالت هذه الأربعة زال الإيمان بكماله وإذا زال تصديق القلب لم تنفع بقية الأجزاء فإن تصديق القلب شرط في اعتقادها وكونها نافعة وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق فهذا موضع المعركة بين المرجئة وأهل السنة فأهل السنة مجمحون على زوال الإيمان وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب وهومحبته وانقياده كما لم ينفع إبليس وفرعون وقومه واليهود والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول بل ويقرون به سرا وجهرا ويقولون ليس بكاذب ولكن لا نتبعه ولا نؤمن به وإذا كان الإيمان يزول بزوال عمل القلب فغير مستنكر أن يزول بزوال أعظم اعمال الجوارح ولا سيما إذا كان ملزوما لعدم محبة القلب وانقياده الذي هو ملزوم لعدم التصديق الجازم كما تقدم تقريره فإنه يلزمه من عدم طاعة القلب عدم طاعة الجوارح إذ لو اطاع القلب وانقاد أطاعت الجوارح وانقادت ويلزم من عدم طاعته وانقياده عدم التصديق المستلزم للطاعة وهو حقيقة الإيمان فإن الإيمان ليس مجرد التصديق كما تقدم بيانه وإنما هو التصديق المستلزم للطاعة والانقياد وهكذا الهدى ليس هو مجرد معرفة الحق وتبينه بل هو معرفته المستلزمة لاتباعه والعمل بموجبه وإن سمي الأول هدى فليس هو الهدى التام المستلزم للاهتداء كما أن اعتقاد التصديق وإن سمي تصديقا فليس هو التصديق المستلزم للإيمان فعليك بمراجعة هذا الأصل ومراعاته
فصل في نوعي الكفر
وها هنا أصل آخر وهو أن الكفر نوعان كفر عمل وكفر جحود وعناد الجحود أن يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند الله جحودا وعنادا من اسماء الرب وصفاته وأفعاله وأحكامه وهذا الكفر يضاد الإيمان من كل وجه وأما كفر العمل فينقسم إلى ما يضاد الإيمان وإلى ما لا يضاده فالسجود للضم والاستهانة بالمصحف وقتل النبي وسبه يضاد الإيمان وأما الحكم بغير ما أنزل الله وترك الصلاة فهو من الكفر العملي قطعا ولا يمكن أن ينفي عنه اسم الكفر بعد أن اطلقه الله ورسوله عليه فالحاكم بغير ما انزل الله كافر وتارك الصلاة كافر بنص رسول الله ولكن هو كفر عمل لا كفر اعتقاد ومن الممتنع أن يسمي الله سبحانه الحاكم بغير ما انزل الله كافرا ويسمى رسول الله تارك الصلاة كافرا ولا يطلق عليهما اسم كافر وقد نفى رسول الله الإيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر وعمن لا يأمن جاره بوائقه وإذا نفي عنه اسم الإيمان فهو كافر من جهة العمل وانتفى عنه كفر الجحود والاعتقاد وكذلك قوله لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض البخاري رقم 1739 مسلم رقم 1679 فهذا كفر عمل وكذلك قوله من أتى كاهنا فصدقه أو امرأة في دبرها فقد كفر بما
أنزل على محمد مسند أحمد 2 / 408 الترمذي رقم 135 أبو داود رقم 3904 ابن ماجة رقم 639 وقوله إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها احدهما البخاري رقم 6103 مسلم رقم 60 وقد سمى الله سبحانه وتعالى من عمل ببعض كتابه وترك العمل ببعضه مؤمنا بما عمل به وكافرا بما ترك العمل به فقال تعالى وإذا اخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسرى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحيواة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون 2 سورة البقرة / الآيتان 84 و 85 فاخبر سبحانه أنهم أقروا بميثاقه الذي أمرهم به والتزموه به وهذا يدل على تصديقهم به أنهم لا يقتل بعضهم بعضا ولا يخرج بعضهم بعضا من ديارهم ثم أخبر أنهم عصوا امره وقتل فريق منهم فريقا وأخرجوهم من ديارهم فهذا كفرهم بما أخذ عليهم في الكتاب ثم أخبر انهم يفدون من اسر من ذلك الفريق وهذا إيمان منهم بماأخذ عليهم في الكتاب فكانوا مؤمنين بما عملوا به من الميثاق كافرين بما تركوه منه فالإيمان العملي يضاده الكفر العملي والإيمان الاعتقادي يضاده الكفر الاعتقادي وقد اعلن النبي بما قلناه في قوله في الحديث الصحيح سباب المسلم فسوق وقتاله كفر البخاري رقم 48 مسلم رقم 64 ففرق بين قتاله وسبابه وجعل احدهما فسوقا لا يكفر به والآخر كفر ومعلوم أنه
إنما أراد الكفر العلمي لا الاعتقادي وهذا الكفر لا يخرجه من الدائرة الأسلامية والملة بالكلية كما لا يخرج الزاني والسارق والشارب من الملة وإن زال عنه اسم الإيمان وهذا التفصيل هو قول الصحابة الذين هم اعلم الأمة بكتاب الله وبالاسلام والكفر ولوازمهما فلا تتلقى هذه المسائل إلا عنهم فإن المتأخرين لم يفهموا مرادهم فانقسموا فريقين فريقا اخرجوا من الملة بالكبائر وقضوا على اصحابها بالخلود في النار وفريقا جعلوهم مؤمنين كاملي الإيمان فهؤلاء غلوا وهؤلاء جفوا وهدى الله اهل السنة للطريقة المثلى والقول الوسط الذي هو في المذاهب كالإسلام في الملل فها هنا كفر دون كفر ونفاق دون نفاق وشرك دون شرك وفسوق دون فسوق وظلم دون ظلم قال سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير عن طاووس عن ابن عباس في قوله تعالى ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكفرون ه سورة المائدة / الآية 44 ليس هو بالكفر الذي يذهبون إليه عبدالرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاووس عن ابيه قال سئل ابن عباس عن قوله ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكفرون 5 سورة المائدة الآية 44 قال هو بهم كفر وليس كمن كفر بالله وملائكته كتبه ورسله وقال في رواية أخرى عنه كفر لا ينقل عن الملة وقال طاووس ليس بكفر ينقل عن الملة
وقال وكيع عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق الذي قاله عطاء بين في القرآن لمن فهمه فإن الله سبحانه سمى الحاكم بغير ما أنزله كافرا وسمى جاحدا ما أنزله على رسوله كافرا وليس الكافران على حد سواء وسمى الكافر ظالما كما في قوله تعالى والكافرون هم الظالمون 2 سورة البقرة / الآية 254 وسمى متعدي حدوده في النكاح والطلاق والرجعة والخلع ظالما فقال ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه 65 سورة الطلاق / الآية 1 وقال نبيه يونس لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين 21 سورة الأنبياء / الآية 87 وقال صفية آدم ربنا ظلمنا أنفسنا 7 سورة الأعراف الآية 23 وقال كليمه موسى رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي 28 سورة القصص / الآية 16 وليس هذا الظلم مثل ذلك الظلم الكافر فاسقا كما في قوله كما في قوله وما يضل به إلا الفسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثقه 2 سورة البقرة / الآيتان 26 و 27 الآية وقوله ولقد أنزلنا إليك آيت بينت يكفر بها إلا الفسقون 2 سورة البقرة / الآية 99 وهذا كثير في القرآن المؤمن من فاسق كما في قوله يأيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهلة فتصبحوا على ما فعلتم ندمين 49 سورة الحجرات / الآية 6 نزلت في الحكم ابن أبي العاص وليس الفاسق كالفاسق وقال تعالى والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمنين جلدة ولا تقبلوا لهم شهدة أبدا وأولئك هم الفاسقون 24 سورة النور / الآية 4
وقالعن ابليس ففسق عن امر ربه 18 سورة الكهف / الآية 50 وقال فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق 2 سورة البقرة / الآية 197 وليس الفسوق كالفسوق والكفر كفران والظلم ظلمان والفسق فسقان وكذا الجهل جهلان جهل كفر كما في قوله تعالى خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين 7 سورة الأعراف / الآية 199 غير كفر كقوله تعالى إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهلة ثم يتوبون من قريب 4 سورة النساء / الآية 17 كذلك الشرك شركان شرك ينقل عن الملة وهو الشرك الأكبر وشرك لا ينقل عن الملة وهو الشرك الأصغر وهو شرك العمل كالرياء تعالى في الشرك الأكبر إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار 5 سورة المائدة / الآية 72 وقال ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير او تهوي به الريح في مكان سحيق 22 سورة الحج / الآية 31 شرك الرياء فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا 18 سورة الكهف / الآية 110 ومن هذا الشرك الأصغر قوله من حلف بغير الله فقد اشرك رواه ابو داود رقم 3251 وغيره مسند أحمد 2 / 125 الترمذي رقم 1535 أن حلفه بغير الله لا يخرجه عن الملة ولا يوجب له حكم الكفار
ومن هذا قوله الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل مسند أحمد 4 / 403 فانظر كيف انقسم الشرك والكفر والفسوق والظلم والجهل إلى ما هو كفر ينقل عن الملة وإلى ما لا ينقل عنها النفاق نفاقان نفاق اعتقاد ونفاق عمل فنفاق الاعتقاد هو الذي أنكره الله على المنافقين في القرآن واوجب لهم الدرك الأسفل من النار ونفاق العمل كقوله في الحديث الصحيح آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد اخلف وإذا ائتمن خان البخاري رقم 33 مسلم رقم 59 وفي الصحيح ايضا أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر وإذا ائتمن خان البخاري رقم 34 مسلم رقم 58 فهذا نفاق عمل قد يجتمع مع اصل الايمان ولكن إذا استحكم وكمل فقد ينسلخ صاحبه عن الإسلام بالكلية وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم فإن الإيمان ينهى المؤمن عن هذه الخلال فإذا كملت في العبد ولم يكن له ما ينهاه عن شيء منها فهذا لايكون إلا منافقا خالصا الإمام أحمد يدل على هذا فإن إسماعيل بن سعيد الشالنجي قالسألت أحمد ابن حنبل عن المصر على الكبائر يطلبها بجهده إلا أنه لم يترك الصلاة والزكاة والصوم وهل يكون مصرا من كانت هذه حاله
قال هو مصر مثل قوله لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن يخرج من الإيمان ويقع في الإسلام ونحو قوله لا يشرب الخمر حين بشربها وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن البخاري رقم 2475 مسلم رقم 57 ونحو قول ابن عباس في قوله تعالى ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون 5 سورة المائدة / الآية 44 قال اسماعيل فقلت له ما هذا الكفر قال كفر لا ينقل عن الملة مثل الإيمان بعضه دون بعض فكذلك الكفر حتى يجيء من ذلك أمر لا يختلف فيه
فصل في اجتماع الكفر والإيمان
وههنا أصل آخر وهو أن الرجل قد يجتمع فيه كفر وإيمان وشرك وتوحيد وتقوى وفجور ونفاق وإيمان هذا من أعظم اصول أهل السنة وخالفهم فيه غيرهم من أهل البدع كالخوارج والمعتزلة والقدرية ومسألة خروج أهل الكبائر من النار وتخليدهم فيها مبنية على هذا الأصل وقد دل عليه القرآن والسنة والفطرة وإجماع الصحابة قال تعالى وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون 12 سورة يوسف / الآية 106 فأثبت لهم إيمانا به سبحانه مع الشرك تعالى قالت الاعراب ءامنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمن في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من اعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم 49 سورة الحجرات / الآية 14 فأثبت لهم إسلاما وطاعة لله ورسوله مع نفي الإيمان عنهم وهو الإيمان المطلق الذي يستحق اسمه بمطلقه الذين
ءامنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجهدوا بأموالهم وانفسهم في سبيل الله 49 سورة الحجرات / الآية 15 وهؤلاء ليسوا منافقين في اصح القولين بل هم مسلمون بما معهم من طاعة الله ورسوله وليسوا مؤمنين وإن كان معهم جزء من الإيمان أخرجهم من الكفار قال الإمام احمد من أتى هذه الأربعة أو مثلهن او فوقهن يرد الزنا والسرقة وشرب الخمر والانتهاب فهو مسلم ولا اسمية مؤمنا ومن اتى دون ذلك يريد دون الكبائر سميته مؤمنا ناقص الإيمان فقد دل على هذا قوله فمن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق البخاري رقم 34 مسلم رقم 58 فدل على أنه يجتمع في الرجل نفاق وإسلام الرياء شرك فإذا راءى الرجل في شيء من عمله اجتمع فيه الشرك والإسلام وإذا حكم بغير ما أنزل الله أو فعل ما سماه رسول الله كفرا وهو ملتزم للإسلام وشرائعه فقد قام به كفر وإسلام بينا ان المعاصي كلها شعب من شعب الكفر كما ان الطاعات كلها شعب من شعب الإيمان فالعبد تقوم به شعبة أو اكثر من شعب الإيمان وقد يسمى بتلك الشعبة مؤمنا وقد لا يسمى كما أنه قد يسمى بشعبة من شعب الكفر كافرا وقد لا يطلق عليه هذا الاسم فها هنا امران امر اسمي لفظي وأمر معنوي حكمي فالمعنوي هل هذه الخصلة كفر أم لا واللفظي هل يسمى من قامت به كافرا أم لا فالأمر الأول شرعي محضن والثاني لغوي وشرعي
فصل في أنه لا يلزم من القيام بالجزء التسمية بالكل
هنا اصل آخر وهو أنه لا يلزم من قيام شعبة من شعب الإيمان بالعبد ان يسمى مؤمنا وإن كان ما قام به إيمانا ولا من قيام شعبة من شعب الكفر به أن يسمى كافرا وإن كان ما قام به كفرا كماأنه لا يلزم من قيام جزء من اجزاء العلم به ان يسمى عالما ولا من معرفة بعض مسائل الفقه والطب أن يسمى فقهيا ولا طبيبا ولا يمنع ذلك ان تسمى شعبة الايمان إيمانا وشعبة النفاق نفاقا وشعبة الكفر كفرا وقد يطلق عليه الفعل كقوله فمن تركها فقد كفر الترمذي رقم 2623 النسائي رقم 463 ومن حلف بغير الله فقد كفر الترمذي رقم 1535 أبو داود رقم 3251 وقوله من اتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر ومن حلف بغير الله فقد كفر رواه الحاكم في صحيحه 1 / 18 و 4 / 297 بهذا اللفظ فمن صدر منه خلة من خلال الكفر فلا يستحق اسم كافر على الإطلاق وكذا يقا لمن ارتكب محرما إنه فعل فسوقا وإنه فسق بذلك المحرم ولا يلزمه اسم فاسق إلا بغلبة ذلك عليه وهكذا الزاني والسارق والشارب والمنتهب لا يسمى مؤمنا وإن كان معه إيمان كما أنه لا يسمى كافرا وإن كان ما أتى به من خصال الكفر وشعبه إذ المعاصي كلها من شعب الكفر كما ان الطاعات كلها من شعب الإيمان أن سلب الإيمان من تارك الصلاة أولى من سلبه عن
مرتكب الكبائر وسلب اسم الاسلام عنه اولى من سلبه عمن لم يسلم المسلمون من لسانه ويده فلا يسمى تارك الصلاة مسلما ولا مؤمنا وإن كان شعبة من شعب الإسلام والإيمان نعم يبقى ان يقال فهل ينفعه ما معه من الإيمان في عدم الخلود في النار فيقال ينفعه إن لم يكن المتروك شرطا في صحة الباقي واعتباره وإن كان المتروك شرطا في اعتبار الباقي لم ينفعه ولهذا لم ينفع الإيمان بالله ووحدانيته وأنه لا إله إلا هو من أنكر رسالة محمد ولا تنفع الصلاة من صلاها عمدا بغير وضوء فشعب الإيمان قد يتعلق بعضها ببعض تعلق المشروط بشرطه وقد لايكون كذلك الصلاة شرط لصحة الإيمان فيبقى النظر في الصلاة هل هي شرط لصحة الإيمان هذا سر المسألة والأدلة التي ذكرناها وغيرها تدل على أنه لا يقبل من العبد شيء من اعماله إلا بفعل الصلاة فهي مفتاح ديوانه ورأس مال ربحه ومحال بقاء الربح بلا رأس مال فإذا خسرها خسر أعماله كلها وإن اتى بها صورة أشار إلى هذا في قوله فإن ضيعها فهو لما سواها أضيع الموطأ 1 / 6 وفي قوله إن أول ما ينظر في شيء من اعماله بعد راجع ابو داود رقم 413 و 864 والنسائي رقم 465 وابن ماجة رقم 1425 و 1426 والحاكم 1 / 262 و 263 ومجمع الزوائد 1 / 291 و 292
العجب ان يقع الشك في كفر من أصر على تركها ودعى إلى فعلها على رؤوس الملأ وهو يرى بارقة السيف على رأسه ويشد للقتل وعصبت عيناه وقيل له تصلي وإلا قتلناك فيقول اقتلوني ولا اصلي ابدا ومن لا يكفر تارك الصلاة يقول هذا مؤمن مسلم يغتسل ويصلي عليه ويدفن في مقابر المسلمين وبعضهم يقول إنه مؤمن كامل الإيمان إيمانه كإيمانه جبريل وميكائيل فلا يستحي من هذا قوله من إنكاره تكفير من شهد بكفره الكتاب والسنة واتفاق الصحابة والله الموفق
فصل في سياق اقوال العلماء من التابعين ومن بعدهم في كفر تارك الصلاة ومن حكى الإجماع على ذلك
قال محمد بن نصر تعظيم قدر الصلاة رقم 978 حدثنا محمد بن يحيى حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد عن ايوب قال ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه وحكى محمد بن نصر 979 عن ابن المبارك قال من أخر صلاة حتى يفوت وقتها متعمدا من غير عذر فقد كفر وقال علي بن الحسن بن شقيق سمعت عبدالله بن المبارك يقول من قال إني لا أصلي المكتوبة اليوم فهو اكفر من حمار تعظيم قدر الصلاة رقم 980
وقال يحيى بن معين قيل لعبدالله بن المبارك إن هؤلاء يقولون من لم يصم ولم يصل بعد أن يقر به فهو مؤمن مستكمل الإيمان فقال عبدالله لا نقول نحن ما يقول هؤلاء من ترك الصلاة متعمدا من غير علة حتى أدخل وقتا في وقت فهو كافر تعظيم قدر الصلاة رقم 981 وقال ابن أبي شيبة قال النبي من ترك الصلاة فقد كفر فيقال له ارجع عن الكفر فإن فعل وإلا قتل بعد أن يؤجله الوالي ثلاثة أيام تعظيم قدر الصلاة رقم 988 وقال أحمد بن يسار سمعت صدقة بن الفضل وسئل عن تارك الصلاة فقال كافر فقال له السائل أتبين منه امرأته فقال صدقة وأين الكفر من الطلاق لو أن رجلا كفر ولم تطلق منه امرأته تعظيم قدر الصلاة رقم 989 قال أب و عبدالله محمد بن نصر تعظيم قدر الصلاة رقم 990 سمعت إسحاق يقول صح عن النبي أن تارك الصلاة كافر وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي إلى يومنا هذا أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر
فصل في تعيين مقدار الترك الموجب لقتل تارك الصلاة
المؤلف: ابن قيم الجوزيةفصل في أن ترك الصلاة يحبط الأعمال
========
فصل في تارك الصلاة هل يقتل حدا أم كفرا
وأما المسألة الرابعة وهي قوله هل تحبط الأعمال بترك الصلاة أم لا فقد عرف جوابها مما تقدم وإنا نفرد هذه المسألة بالكلام عليها بخصوصيتها فنقول
أما تركها بالكلية فإنه لا يقبل معه عمل كما لا يقبل مع الشرك عمل فإن الصلاة عمود الإسلام كما صح عن النبي وسائر الشرائع كالأطناب والأوتاد ونحوها وإذا لم يكن للفسطاط عمود لم ينتفع بشيء من اجزائه فقبول سائر الاعمال موقوف على قبول الصلاة فإذا ردت ردت عليه سائر الأعمال وقد تقدم الدليل على ذلك وأما تركها أحيانا فقد روي البخاري في صحيحه رقم 553 من حديث بريدة قال قال رسول الله بكروا بصلاة العصر فإن من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله وقد تكلم قوم في معنى هذا الحديث فأتوا بما لا حاصل له قال المهلب معانه من تركها مضيفا لها متهاونا بفضل وقتها مع قدرته على أدائها حبط عمله في الصلاة خاصة أي لا يحصل له أجر المصلي في وقتها ولا يكون له عمل ترفعه الملائكة وحاصل هذا القول إن من تركها فاته أجرها ولفظ الحديث ومعناه يأبى ذلك ولا يفيد حبوط عمل قد ثبت وفعل وهذا حقيقة الحبوط في اللغة والشرع ولا يقال لمن فاته ثواب عمل من الأعمال إنه قد حبط عمله وإنما يقال فاته أجر ذلك العمل وقالت طائفة يحبط عمل ذلك اليوم لا جميع عمله فكأنهم استصعبوا حبوط الأعمال الماضية كلها بترك الصلاة واحدة وتركها عنده ليس بردة تحبط الاعمال فهذا الذي استشكله هؤلاء هو وارد عليهم بعينه في حبوط عمل ذلك اليوم والذي يظهر في الحديث والله أعلم بمراد رسوله أن الترك نوعان ترك كلي لا يصليها أبدا فهذا يحبط العمل جميعه وترك معين في يوم
معين فهذا يحبط عمل ذلك اليوم فالحبوط العام في مقابلة الترك العام والحبوط المعين في مقابلة الترك المعين فإن قيل كيف تحبط الأعمال بغير الردة قيل نعم قد دل القرآن والسنة والمنقول عن الصحابة أن السيئات تحبط الحسنات كما الحسنات يذهبن السيئات قال تعالى يأيها الذين ءامنوا لا تبطلوا صدقتكم بالمن والأذى يأيها الذين ءامنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم أن تبحط أعمالكم وأنتم لا تشعرون 49 سورة الحجرات / الآية 2 وقالت عائشة لأم زيد بن أرقم أخبري زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله إلا أن يتوب لما باع بالعينة نص الإمام أحمد على هذا فقال ينبغي للعبد في هذا الزمان أن يستدين ويتزوج لئلا ينظر ما لا يحل فيحبط عمله وآيات الموازنة في القرآن على هذا فكما أن السيئة تذهب حسنة أكبر منها فالحسنة يحبط أجرها بسيئة أكبر منها فإن قيل فأي فائدة في تخصيص صلاة العصر بكونها محبطة دون غيرها من الصلوات قبل الحديث لم ينف الحبوط بغير العصر إلا بمفهوم لقب وهو
مفهوم ضعيف جدا وتخصيص العصر بالذكر لشرفها من بين الصلوات ولهذا كانت هي الصلاة الوسطى بنص رسول الله الصحيح الصريح راجع مسلم رقم 628 ولهذا خصها بالذكر في الحديث الآخر وهو قوله الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله البخاري رقم 552 مسلم رقم 626 اي فكأنما سلب أهله وماله فأصبح بلا أهل ولا مال وهذا تمثيل لحبوط عمله بتركها كأنه شبه أعماله الصحالة بانتفاعه وتمتعه بها بمنزلة أهله وماله فإذا ترك صلاة العصر فهو كمن له أهل ومال فخرج من بيته لحاجة وفيه أهله وماله فرجع وقد اجتيح الأهل والمال فبقي وترا دونهم وموتورا بفقدهم فلو بقيت عليه أعماله الصالحة لم يكن التمثيل مطابقا
فصل في أنواع حبوط الأعمال
والحبوط نوعان عام وخاص فالعام حبوط الحسنات كلها بالردة والسيئات كلها بالتوبة والخاص حبوط السيئات والحسنات بضعها ببعض وهذا حبوط مقيد جزئي وقد تقدم دلالة القرآن والسنة والآثار وأقوال الأئمة عليه
ولما كان الكفر والإيمان كل منهما يبطل الآخر ويذهبه كانت شعبة كل واحد منهما لها تأثير في إذهاب بعض شعب الآخر فإن عظمت الشعبة ذهب في مقابلتها شعب كثيرة وتأمل قول أم المؤمنين في مستحل العينة إنه قد أبطل جهاده مع رسول الله كيف قويت هذه الشعبة التي أذن الله فاعلها بحربه وحرب رسوله على إبطال محاربة الكفار فأبطل الحراب المكروه الحراب المحبوب كما تبطل محاربة أعدائه التي يحبها محاربته التي يبغضها والله المستعان
فصل في أن ترك الصلاة يحبط الأعمال
المؤلف: ابن قيم الجوزيةفصل في قبول صلاة الليل بالنهار وصلاة النهار بالليل وقضاء الفائتة
========
محتويات
1 فصل في قبول صلاة الليل بالنهار وصلاة النهار بالليل وقضاء الفائتة
1.1 فصل في قضاء الفائتة على الفور أو التراخي
1.2 فصل في هل يصح قضاء الفائتة عمدا أم لا
1.3 فصل في قول ابي بكر الصديق الذي لم يعلم ان احدا من الصحابة أنكره عليه
1.4 فصل في حجج الذين يقولون بقضاء الصلاة المتروكة عمدا
1.5 فصل في حجج المانعين من صحة قضاء الصلاة المتروكة عمدا
1.6 فصل في الكلام عن النسيان وأنواعه
1.7 فصل في الكلام عن متعمد تأخير الصلاة والناسي
1.8 فصل في الفرق بالقياس بين النائم والناسي وبين المتعمد
1.9 فصل في عدم صحة الاحتجاج بتأخير النبي للصلاة يوم الخندق
1.10 فصل في الكلام على صلاة العصر في بني قريظة
1.11 فصل في الفرق بين التأخير في الصلوات القابلة للجمع وغيرها
1.12 فصل في الشبه بين قضاء الصلاة وقضاء الصيام
فصل في قبول صلاة الليل بالنهار وصلاة النهار بالليل وقضاء الفائتة
وأما المسألة الخامسة التي هى قوله هل تقبل صلاة الليل بالنهار وصلاة النهار باليل أم لا فهذه المسألة لها صورتان إحداهما يقبل فيها بالنص والإجماع وهي ما إذا فاتته صلاة النهار بنوم أو نسيان فصلاها بالليل وعكسه كما ثبت في الصحيحين البخاري رقم 597 مسلم رقم 684 من حديث أنس بن مالك عن النبي قال من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها واللفظ لمسلم
وروى مسلم عنه أيضا رقم 684 قال قال رسول الله إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله يقول وأقم الصلواة لذكري 20 سورة طه / الآية 14 وفي صحيح مسلم رقم 680 عن أبي هريرة أن رسول الله حين قفل من غزوة خيبر سار ليلة حتى إذا ادركه الكرى عرس وقال لبلال أكد لنا الليل فصلى بلال ما قدر له ونام رسول الله وأصحابه فلما تقارب الفجر استند بلال إلى راحلته مواجه الفجر فغلبت بلالا عيناه وهو مستند إلى راحلته فلم يستيقظ رسول الله ولا بلال ولاأحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس فكان رسول الله اولهم استيقاظ ففزع رسول الله فقال اي بلال فقال بلال أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال قتادة فاقتادوا رواحلهم شيء ثم توضأ رسول الله وأمر بلالا فأقام الصلاة فصلى بهم الصبح فلما قضى الصلاة قال من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله تعالى قال وأقم الصلواة لذكري 20 سورة طه / الآية 14 وفي الصحيحين البخاري رقم 344 مسلم رقم 682 من حديث عمران بن حصين نحو هذه القصة وفي صحيح مسلم رقم 681 عن أبي قتادة قال ذكروا للنبي نومهم عن الصلاة قال إنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى
وفي مسند الإمام أحمد 1 / 386 و 464 من حديث عبدالله بن مسعود قال أقبل النبي من الحديبية ليلا فنزلنا منزلا دهاسا من الأرض فقال من يكلؤنا فقال بلال أنا قال إذا تنام قال لا فنام حتى طلعت الشمس فالستيقظ فلا وفلان فيهم عمر فقال اهضبوا فاستيقظ النبي فقال افعلوا كما كنتم تفعلون فلما فعلوا قال هكذا فافعلوا لمن نام منكم أو نسي فهذا متفق عليه بين الأئمة واختلفوا في مسألتين لفظية وحكمية فاللفظية هل تسمى هذه الصلاة أداء قضاء فيه نزاع لفظي محض فهي قضاء لما فرض الله عليهم واداء باعتبار الوقت في حق النائم والناسي فإن الوقت في حقهما وقت الذكر والأنتباه فلم يصلها إلا في وقتها الذي أمرنا بإيقاعها فيه وأما ما يذكره الفقهاء في كتبهم من قوله فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها فهذه الزيادة لم أجدها في شيء من كتب الأحاديث ولا اعلم لها إسنادا ولكن قد روى البيهقي السنن 2 / 219 والدارقطني 1 / 423 من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن ابي هريرة أن النبي قال من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها
فصل في قضاء الفائتة على الفور أو التراخي
وأما المسألة الحكمية فهل تجب المبادرة إلى فعلها على الفور حين يستيقظ ويذكر أم يجوز له التأخير فيه قولان أصحهما وجوبها على الفور وهذا قول جمهور الفقهاء منهم إبراهيم النخعي ومحمد بن شهاب الزهري وربيعة ابن أبي عبدالرحمن ويحيى بن سعيد الأنصاري وابو حنيفة ومالك والإمام أحمد وأصحابهم وأكثر العلماء وظاهر مذهب الشافعي أنه على التراخي واحتج من نص على هذا القول بأن النبي لم يصلها في المكان الذي ناموا به بل أمرهم فاقتادوا رواحلهم إلى مكان آخر فصلى فيه وفي حديث أبي قتادة فلما استيقظوا قال اركبوا فركبنا فسرنا حتى ارتفعت الشمس نزل ثم دعا بميضأة فيها ماء فتوضأ ثم أذن بلال بالصلاة فصلى رسول الله ركعيتن ثم صلى الغداة قالوا ولو وجب القضاة على الفور لم يفارق منزله حتى يفعلها قالوا ولا يصح الاعتذار عن هذا بأن ذلك المكان كان فيه شيطان فلم يصلوا فيه فإن حضور الشيطان في المكان لا يكون عذرا في تأخير الواجب قال الشافعي ولو كان وقت الفائتة يضيق لماأخره لأجل الشيطان
فقد صلى وهو يخنق الشيطان راجع البخاري رقم 461 مسلم رقم 541 قال الشافعي فخنقه للشيطان في الصلاة أبلغ من واد فيه شيطان قالوا ولأنها عبادة مؤقتة فإذا فاتت لم يجب قضاؤها على الفور كصوم رمضان بل أولى لأن الأداء متوسع في الصلاة دون الصوم فكانت التوسعة في القضاء أولى وقال أبو اسحاق إبراهيم بن أحمد المروزي الشافعي إن اخرها لعذر قضاها على التراخي للحديث وإن اخرها لغير عذر قضاها على الفور لئلا يثبت بتفريطه ومعصيته رخصة لم تكن واحتج الجمهور بما رواه مسلم في صحيحه رقم 681 من حديث أبي قتادة أنهم ذكروا للنبي نومهم عن الصلاة فقال ليس في النوم تفريط فإذا نسي أحدكم صلاة اونام عنها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك وفي صحيحه أيضا رقم 680 عن أبي هريرة قال قال رسول الله من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله قال وأقم الصلواة لذكري 20 سورة طه / الآية 14 وعند الدارقطني 1 / 423 في هذا الحديث من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها وهذه الألفاظ صريحة في الوجوب على الفور قالوا وما استدللتم به على جواز التأخير فإنما يدل على التأخير اليسير الذي لا يصير صاحبه مهملا معرضا عن القضاء بل يفعله لتكميل
الصلاة من اختيار بقعة على بقعة وانتظار رفقة او جماعة لتكثير اجر الصلاة ونحو ذلك من تأخير يسير لمصلحتها وتكميلها فكيف يؤخذ من هذا التأخير اليسير لمصلحتها جواز تأخير جواز تأخيرها سنين عددا وقد نص الإمام أحمد على ان المسافر إذا نام في منزله عن الصلاة حتى فاتت أنه يستحب له أن ينتقل عنه إلى غيره فيقضيها فيه للخبر مع أن مذهبه وجوب فعلها على الفور وإذا كانت اوامر الله ورسوله المطلقة على الفور فكيف المقيدة ولهذا أوجب الفورية في المقيدة اكثر من نفاها في المطلقة وأما ما تمسكوا به من القياس على قضاء رمضان فجوابه من وجهين أحدهما أن السنة فرقت بين الموضعين فجوزت تأخير قضاء رمضان وأوجبت فعل المنسية عند ذكرها فليس لنا أن نجمع ما فرقت السنة بينهما الثاني أن هذا القياس حجة عليهم فإن تأخير رمضان إنما يجوز إذا لم يأتي رمضان وهم يجوزون تأخير الفائتة وإن اتى عليها اوقات صلوات كثيرة فأين القياس وأما قولهم لو وجب الفور لما جاز التأخير لأجل الشيطان فقد تقدم جوابه وهو ان الموجبين للفور يجوزون التأخير اليسير لمصلحة التكميل وأما نقضهم بخنق النبي للشيطان في صلاته راجع البخاري رقم 461 مسلم رقم 541 فمن أعجب النقض فإن التأخير اليسير للعدول عن مكان الشيطان لا تترك به الصلاة ولا يذهب به وقتها ولا يقطعها المصلي بخلاف من عرض له الشيطان في صلاته فإنه لو تركها
لأجله لكان قد أبطل صلاته وقطعها بعد دخوله فيها ولعله إن تعرض له في الصلاة الثانية فيقطعها فيترك الصلاة بالكلية فأين إحدى المسألتين من الأخرى والله أعلم بالصواب
فصل في هل يصح قضاء الفائتة عمدا أم لا
وأما الصورة الثانية وهي ما إذا ترك الصلاة عمدا حتى خرج وقتها فهي مسألة عظيمة تنازع فيها الناس هل ينفعه القضاء ويقبل منه ام لا ينفعه ولا سبيل له إلى استدراكها ابدا فقال ابو حنيفة والشافعي وأحمد ومالك يجب عليه قضاؤها ولا يذهب القضاء عنه إثم التفويت بل هو مستحق للعقوبة إلى أن يعفو الله عنه وقالت طائفة من السلف والخلف من تعمد تأخير الصلاة عن وقتها من غير عذر يجوز له التأخير فهذا لا سبيل له إلى استدراكها ولايقدر على قضائها ابدا ولا يقبل منه ولا نزاع بينهم أن التوبة النصوح تنفعه ولكن هل من تمام توبته قضاء تلك الفوائت التي تعمد تركها فلا تصح التوبة بدون قضائها أم لا تتوقف التوبة على القضاء فيحافظ عليها في المستقبل ويستكثر من النوافل وقد تعذر عليه استدراك ما مضى هل هذا محل الخلاف ونحن نذكر حجج الفريقين قال الموجبون للقضاء لما امر النبي النائم والناسي بالقضاء
وهما معذوران غير مفرطين فإيجاب القضاء على المفرط العاصي أولى واحرى فلو كانت الصلاة لا تصح إلا في وقتها لم ينفع قضاؤها بعد الوقت في حق النائم والناسي قالوا وقد صلى العصر بعد المغرب يوم الخندق هو وأصحابه راجع البخاري رقم 596 مسلم رقم 631 ومعلوم قطعا أنهم لم يكونوا نائمين ولا ساهين عنها ولو اتفق النسيان لبعضهم لم يتفق للجميع قالوا وكيف يكون المفرط بالتأخر أحسن حالا من المعذور فيخفف عن المفرط ويشدد على المعذور قالوا وإنما أنام الله سبحانه وتعالى رسوله والصحابة ليبين للأمة حكم من فاتته الصلاة وأنها لا تسقط عنه بالتفويت بل يتداركها فيما بعد قالوا وقد أمر النبي من افطر بالجماع في رمضان ان يقضي يوما مكانه أبو داود رقم 2393 ابن ماجة رقم 1671 قالوا ولاقياس يقتضي وجوب القضاء فإن الامر متوجه علىالمكلف بفعل العبادة في وقتها فإذا فرط في الوقت وتركه لم يكن ذلك مسقط بفعل العبادة في وقتها فإذا فرط في الوقت وتركه لم يكن ذلك مسقطا لفعل العبادة عنه قال الآخرون أوامر الرب تبارك وتعالى نوعان نوع مطلق غير مؤقت فهذا يفعل في كل وقت نوع مطلق غير مؤقت بوقت محدود وهو نوعان احدهما ما وقته بقدر فعله كالصيام ما وقته أوسع من فعله كالصلاة
وهذا القسم فعله في وقته شرط في كونه عبادة مأمورا بها فإنه إنما امر به على هذه الصفة فلا تكون عبادة على غيرها قالوا فما أمر الله به في الوقت فتركه المأمور حتى فات وقته لم يمكن فعله بعد الوقت شرعا وإن أمكن حسا بل لا يمكن حسا ايضا فإن إيتانه بعد الوقت امر غير المشروع قالوا ولهذا لا يمكن فعل الجمعة بعد خروج وقتها ولا الوقوف بعرفة بعد وقته قالوا ولا مشروع إلا ما شرعه الله ورسوله وهو سبحانه ما شرع فعل الصلاة والصيام والحج إلا في أوقات مختصة به فإذا فاتت تلك الأوقات لم تكن مشروعة ولم يشرع الله سبحانه فعل الجمعة يوم السبت ولاالوقوف بعرفة في اليوم العاشر ولاالحج في غير اشهره وأما الصلوات الخمس فقد ثبت بالنص والإجماع أن المعذور بالنوم والنسيان وغلبة العقل يصليها إذا زال عذره وكذلك صوم رمضان شرع الله سبحانه قضاءه بعذر المرض والسفر والحيض وكذلك شرع رسوله الجمع بين الصلاتين المشتركتين في الوقت للمعذور بسفر أو مرض او شغل يبيح الجمع فهذه يجوز تأخيرها عن وقتها المختص إلى وقت الأخرى للمعذور ولا يجوز لغيره بالاتفاق بل هو من الكبائر العظام كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر ولكن يجب عليه فعلها وإن اخرها إلى وقت الثانية في هذه الصورة لأنها تفعل في هذا الوقت في الجملة وقد أمر النبي بالصلاة خلف الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها وقيل له ألا نقاتلهم قال لا ما صلوا مسلم رقم
وهم كانوا يؤخرون الظهر خاصة إلى وقت العصر فأمر بالصلاة خلفهم وتكون نافلة للمصلي وأمره أن يصلي الصلاة في وقتها ونهى عن قتالهم قالوا وأما من اخر صلاة النهار فصلاها بالليل أوصلاة الليل فصلاها بالنهار فهذا الذي فعله غير الذي أمر به وغير ما شرعه الله ورسوله فلا يكون صحيحا ولامقبولا قالوا وقد قال رسول الله من ترك صلاة العصر حبط عمله البخاري رقم 553 وقال الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر اهله وماله البخاري رقم 552 مسلم رقم 626 فلو كان يمكنه استدراكها بالليل لم يحبط عمله ولم يكن موتورا من أعماله بمنزلة الموتر من أهله وماله قالوا وقد صح عنه أنه قال من ادرك ركعة من العصر قبل ان تغرب الشمس فقد أدرك العصر البخاري رقم 556 مسلم رقم 608 فكذا من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ولو كان فعلها بعد المغرب وطلوع الشمس صحيحا مطلقا لكان مدركا سواء أدرك ركعة أو اقل من ركعة أو لم يدرك منها شيئا فإنه لم يرد أدرك ركعة صحت صلاته بلا إثم إذ لاخلاف بين الأمة أنه لا يحل له تأخيره إلى ان يضيق وقتها عن كمال فعلها وإنما أراد بالإدراك اصحة والأجزاء وعندكم تصح وتجزيء ولو ادرك منها قدر تكبيرة أو لم يدرك منها شيئا فلا معنى للحديث عندكم البتة
قالوا والله سبحانه قد جعل لكل صلاة وقتا محدود الأول والآخر ولم يأذن في فعلها قبل دخول وقتها ولا بعد خروج وقتها والمفعول قبل الوقت وبعده أمر غير المشروع فلو كان الوقت ليس شرطا في صحتها لكان لا فرق في الصحة بين فعلها قبل الوقت وبعده لأن كلا الصلاتين صلاها في غير وقتها فكيف قبلت من هذا المفرط بالتنفويت ولم تقبل من المفرط بالتعجيل قالوا والصلاة في الوقت واجبة على كل حال حتى أنه يترك جميع الواجبات والشروط لأجل الوقت فإذا عجز عن الوضوء والاستقبال أو طهارة الثوب والبدن وستر العورة أو قراءة الفاتحة او القيام في الوقت وأمكنه ان يصلي بعد الوقت بهذه الأمور فصلاته في الوقت بدونها هي التي شرها الله واوجبها ولم يكن له أن يصلي بعد الوقت مع كمال هذه الشروط والواجبات فعلم أن الوقت مقدم عندالله ورسوله على جميع الواجبات فإذا لم يكن إلا أحد الامرين وجب أن يصلي في الوقت بدون هذه الشروط والواجبات ولو كان له سبيل إلى استدراك الصلاة بعد خروج وقتها لكانت صلاته بعد الوقت مع كمال الشروط والواجبات خيرا من صلاته في الوقت بدونها وأحب إلى الله وهذا باطل بالنص والإجماع قالوا وأيضا فقد توعد الله سبحانه من فوت الصلاة عن وقتها بوعيد التارك لها قال تعالى فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون 107 سورة الماعون / الآيتان 4 و 5 وقد فسر أصحاب رسول الله السهو عنها بأنه تأخيرها عن وقتها كما ثبت ذلك عن سعد ابن أبي وقاص وفيه حديث مرفوع سنن البيهقي 2 / 214 وقال تعالى فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلواة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا 19 سورة
مريم / الآية 59 وقد فسر الصحابة والتابعون إضاعتها بتفويت وقتها راجع صفحة 32 والتحقيق أن اضاعتها تتناول تركها وترك وقتها وترك واجباتها وأركانها وأيضا إن مؤخرها عن وقتها عمدا متعد لحدود الله كمقدمها عن وقتها فما بالها تقبل مع تعدي هذا الحد ولا تقبل مع تعدي الحد الآخر قالوا وأيضا فنقول لمن قال إنه يستدركها بالقضاء أخبرنا عن هذه الصلاة التي تأمر بفعلها هي التي امر الله بها أم هي غيرها قال هي بعينها قيل له فالعامد بتركها حينئذ ليس عاصيا لأنه قد فعل ماأمر الله به بعينه فلا يلحقه الإثم والملامة وهذا باطل قطعا وإن قال ليست هي التي أمر الله بها قيل له فهذا من اعظم حججنا عليك إذ أقررت أن هذه غير مأمور بها ثم نقول أيضا ما تقولون في من تعمد تفويتها حتى خرج وقتها ثم صلاها أطاعه صلاته تلك ام معصية فإن قالوا صلاته طاعة وهو مطيع بها خالفوا الإجماع والقرآن والسنن الثابتة وإن قالوا هي معصية قيل فكيف يتقرب إلى الله بالمعصية وكيف تنوب المعصية عن الطاعة فإن قلتم هو مطيع بفعلها عاص بتأخيرها وهو أنه إذا تقرب بالفعل الذي هو طاعة لا بالتفويت الذي هو معصية قيل لكم الطاعة هي موافقة الأمر وامتثاله على الوجه الذي امر به فأين الله ورسوله ممن تعمد تفويت الصلاة بفعلها بعد خروج وقتها حتى يكون مطيعا له بذلك فلو ثبت ذلك لكان فاصلا للنزاع في المسألة قالوا وأيضا فغير أوقات العبادة لا تقبل تلك العبادة بوجه كما أن الليل لا يقبل الصيام وغير اشهر الحج لا يقبل الحج وغير وقت الجمعة لا
تقبل الجمعة فأي فرق بين من قال ان أفطر النهار وأصوم الليل أو قال أنا أفطر رمضان في هذا الحر الشديد وأصوم مكانه شهرا في الربيع أو قال أنا أؤخر الحج من شهره إلى المحرم أو قال أنا اصلي الجمعة بعد العشاء الآخرة أو اصلي العيدين في وسط الشهر وبين من قال انا أؤخر صلاة النهار إلى الليل وصلاة الليل إلى النهار فهل يمكن أحدا قط أن يفرق بين ذلك قالوا وقد جعل الله سبحانه للعبادات أمكنه وأزمنة وصفات فلا ينوب مكان عن المكان الذي جعله الله مكانا ميقاتا لها كعرفة ومزدلفة ومنى ومواضع الجمار والمبيت والصفا والمروة ولا تنوب صفة من صفاتها التي اوجبها الله عليها عن صفة فكيف ينوب زمان عن زمانها الذي أوجبها الله فيه عنه قالوا وقد دل النص والإجماع على أن من اخر الصلاة عن وقتها عمدا أنها قد فاتته كما قال النبي من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله البخاري رقم 552 مسلم رقم 626 وما فات فلا سبيل إلى إدراكه ألبتة ولو امكن أن يدرك لما سمي فائتا وهذا مما لا شك فيه لغة وعرفا وكذلك هو في الشرع وقد قال النبي لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من يوم عرفة الموطأ 1 / 390 مجمع الزوائد 3 / 255 أفلا تراه جعله فائتا بفوات وقته لما لم يمكن أن يدرك في يوم بعد ذلك اليوم وهذا بخلاف المنسية والتي نام عنها فإنها لا تسمى فائتة ولهذا لم تدخل في قوله الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر اهله وماله البخاري رقم 552 مسلم رقم 626 قالوا والأمة مجمعة على أن من ترك الصلاة عمدا حتى يخرج وقتها
فقد فاتته ولو قبلت منه وصحت بعد الوقت لكان تسميتها فائتة لغوا وباطلا وكيف يفوت ما يدرك قالوا وكما أنه لا سبيل إلى استدراك الوقت الفائت ابدا فلا سبيل إلى استدراك فرضه ووصفه قالوا وهذا معنى قوله في الحديث الذي رواه أحمد المسند 2 / 386 وغيره أبو داود رقم 2396 الترمذي رقم 723 ابن ماجة رقم 1672 من أفطر يوما من رمضان من غير عذر لم يقضه عنه صيام الدهر فأين هذا من قولكم يقضيه عنه صيام يوم من اي شهر اراد قالوا وقد امر الله سبحانه المسلمين حال مواجهة عدوهم أن يصلوا صلاة الخوف فيقصروا من اركانها ويفعلوا فيها الأفعال الكثيرة ويستدبروها فيها القبلة ويسلمون قبل الأمام بل يصلون رجالا وركبانا حتى لو لم يمكنهم إلا الإيماء اتوا بها على دوابهم إلى غير القبلة في وقتها ولو قبلت منهم في غير وقتها وصحت لجاز لهم تأخيرها إلى وقت الأمن وإمكان الإتيان بها وهذا يدل على أنها بعد خروج وقتها لا تكون جائزة ولا مقبولة منهم مع العذر الذي أصابهم في سبيله وجهاد اعدائه فكيف تقبل من صحيح مقيم لا عذر له البتة وهو يسمع داعي الله جهرة فيدعها حتى يخرج وقتها ثم يصليها في غير الوقت وكذلك لم يفسح في تأخيرها عن وقتها للمريض بل امره أن يصلي على جنبه بغير قيام ولا ركوع ولا سجود إذا عجز عن ذلك ولو كانت تقبل منه وتصح في غير وقتها لجاز تأخيرها إلى زمن الصحة فأخبرونا أي كتاب أو سنة أو اثر عن صاحب نطق بأن من اخر الصلاة وفوتها عن وقتها الذي امر الله بإيقاعها فيه عمدا يقبلها الله منه
بعد خروج وقتها وتصح منه وتبرأ ذمته منها ويثاب عليها ثواب من ادى فريضته هذا والله ما لا سبيل لكم إليه البتة حتى تقوم الساعة ونحن نوجد لكم عن اصحاب رسول الله مثل ما قلناه وخلاف قولكم
فصل في قول ابي بكر الصديق الذي لم يعلم ان احدا من الصحابة أنكره عليه
قال عبدالله بن المبارك في الزهد رقم 914 أخبرنا إسماعيل ابن أبي خالد عن زيد ان ابا بكر قال لعمر بن الخطاب إني موصيك بوصية إن حفظتها إن لله حقا بالنهار لا يقبله بالليل وحقا بالليل لا يقبله بالنهار وإنها لا تقبل نافلة حتى تؤدي الفريضة وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم في الدنيا الحق وثقله عليهم وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلا وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل وخفته عليهم وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يخف وإن الله تعالى ذكر أهل الجنة وصالح ما عملوا وتجاوز عن سيئاتهم فإذا ذكرتهم خفت ألا أكون منهم وذكر اهل النار وأعمالهم فإذا ذكرتهم قلت أخشى أن أكون منهم وذكر آية الرحمة وآية العذاب ليكون المؤمن راغبا راهبا فلا يتمنى على الله غير الحق ولا يلقى بيده إلى التهلكة فإن حفظت قولي فلا يكونن غائب أحب اليك من الموت ولا بد لك منه وإن ضيعت وصيتي فلا يكونن غائباحب إليك من الموت ولن تعجزه وقال هناد بن السري الزهد 1 / 496 حدثنا عبده عن إسماعيل ابن ابي خالد عن زبيد اليامي قال لما حضرت أبا بكر الوفاة فذكره
قالوا فهذا أبو بكر قال إن الله لا يقبل عمل النهار بالليل ولا عمل الليل بالنهار ومن يخالفنا بهذه المسألة يقولون بخلاف هذا صريحا وأنه يقبل صلاة العشاء الآخرة وقت الهاجرة ويقبل صلاة العصر نصف النهار قالوا فهذا قول أبي بكر وعمر وابنه عبدالله وسعد ابن ابي وقاص وسلمان الفارسي وعبدالله بن مسعود والقاسم بن محمد ابن أبي بكر وبديل العقيلي ومحمد بن سيرين ومطرف بن عبدالله وعمر بن عبدالعزيز رضي الله عنهم وغيرهم قال شعبة عن يعلى بن عطاء عن عبدالله بن خراش قال رأى ابن عمر رجلا يقرأ في صحيفة قال له يا هذا القاريء إنه لا صلاة لمن لم يصل الصلاة لوقتها فصل ثم أقرأ ما بدا لك قالوا ولا يصح تأويلكم ذلك على أنه لا صلاة كاملة لوجوه أن النفي يقتضي نفي حقيقة المسمى والمسمى هنا هو الترتيب وحقيقة منتفية هذه حقيقة اللفظ فما الموجب للخروج عنها الثاني إنكم إذا أردتم بنفي الكمال الكمال المستحب فهذا باطل فإن الحقيقة الشرعية لا تنتفي لنفي مستحب فيها وإنما تنتفي لنفي ركن من أركانها وجزء من اجزائها وهكذا كل نفي ورد على حقيقة شرعية كقوله لا إيمان لمن لا أمانة له مسند أحمد ولا صلاة لمن لا وضوء له مسند أحمد 2 / 418 أبو داود رقم 101 ابن ماجة رقم 399 ولا عمل لمن لا نية له ابن ابي الدنيا الإخلاص والنية
رقم 59 ولا صيام لمن لا يبيت الصيام من الليل أبو داود رقم 2454 النسائي رقم 2331 الترمذي رقم 730 ابن ماجه رقم 1700 ولا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب البخاري رقم 756 مسلم رقم 394 ولو انتفت لانتفاء بعض مستحباتها فما من عبادة إلا وفوقها من جنسها ما هوه احب إلى الله منها وقد ساعدتمونا على أن الوقت من واجباتها فإن انتفت بنفي واجب فيها لم تكن صحيحة ولا مقبولة الثالث إنه إذا لم يكن نفي حقيقة المسمى فنفي صحته والاعتداد به اقرب إلى نفيه من كماله المستحب وقال محمد بن المثنى حدثنا عبدالأعلى حدثنا سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة قال ذكر لنا أن عبدالله بن مسعود كان يقول إن للصلاة وقتا كوقت الحج المصنف لعبد الرزاق رقم 3747 فصلوا الصلاة لميقاتها المحلى 2 / 372 فهذا عبدالله قد صرح بأن وقت الصلاة كوقت الحج فإذا كان الحج لا يفعل في غير وقته فما بال الصلاة تجزيء في غير وقتها وقال عبدالرزاق المصنف رقم 2234 1 / 587 عن معمر عن بديل العقيلي قال بلغني أن العبد إذا صلى الصلاة لوقتها صعدت ولها نور ساطع في السماء وقالت حفظتني حفظك الله وإذا صلاها لغير وقتها طويت كما يطوى الثوب الخلق فيضرب بها وجهه
فصل في حجج الذين يقولون بقضاء الصلاة المتروكة عمدا
قال الذين يعتدون بها بعد الوقت ويبرئون بها الذمة واللفظ لأبي عمر ابن عبدالبر فإنه انتصر لهذه المسألة اتم انتصار ونحن نذكر كلامه بعينه قال في الاستذكار في باب النوم عن الصلاة قرأت على عبدالوارث أن قاسما حدثهم حدثنا أحمد بن زهير حدثنا ابن الاصبهاني حدثنا عبيدة بن حميد عن يزيد بن أبي زياد عن تميم بن سلمة عن مسروق عن ابن عباس قال كان رسول الله في سفر فعرسوا من آخر الليل فلم يستيقظوا حتى طلعت الشمس فأمر بلالا فأذن ثم صلى ركعتين قال ابن عباس فما يسرني بها الدنيا وما فيها يعني الرخصة مسند أحمد 1 / 259 ومجمع الزوائد 1 / 321 قال أبو عمر ذلك عندي والله اعلم لأنه كان سببا إلى أن أعلم أصحابه المبلغين عنه إلى سائر أمته بأن مراد الله عن عباده في الصلاة وإن كانت مؤقته أن من لم يصلها في وقتها يقضيها أبدا متى ذكرها ناسيا كان لها او نائما عنه او متعمدا لتركها ألا ترى ألا حديث مالك في هذا الباب عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله قال من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها الموطأ 1 / 13 والنسيان في لسان العرب يكون للترك عمدا او يكون ضد الذكر قال الله تعالى نسوا الله فنسيهم 9 سورة التوبة الآية 67 اي تركوا طاعة الله والإيمان بما جاء به رسول الله
فتركهم الله من رحمته وهذا لا خلاف فيه ولا يجهله من له اقل علم بتأويل القرآن فإن قيل فلم خص النائم والناسي بالذكر في قوله في غير هذا الحديث من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها الموطأ 1 / 13 قيل خص النائم والناسي ليرتفع التوهم والظن فيهما لرفع القلم في سقوط التأثيم عنهما بالنوم والنسيان فأبان رسول الله أن سقوط الاثم عنهما غير مسقط لما لزمهما من فرض الصلاة وأنها واجبة عليهما عند الذكر لها يقضيها كل واحد منهما بعد خروج وقتها إذا ذكرها ولم يحتج إلى ذكر العامد معهما لأن العلة المتوهمة في الناسي والنائم ليست فيه ولا عذر له في ترك فرض قد وجب عليه من صلاته إذا كان ذاكرا له وسوى الله سبحانه وتعالى في حكمها على لسان رسوله بين حكم الصلاة المؤقتة والصيام الؤقت في شهر رمضان بل كل واحد منهما يقضى بعد خروج وقته فنص على النائم والناسي في الصلاة كما وصفنا ونص على المريض والمسافر في الصوم وأجمعت الامة ونقلت الكافة فيمن لم يصم شهر رمضان عامدا وهو مؤمن بفرضه وإنما تركه أشرا وبطرا ثم تاب منه بعد ذلك أن عليه قضاءه وكذلك من ترك الصلاة عامدا فالعامد والناسي في القضاء للصلاة والصيام سواء وإن اختلفا في الاثم كالجاني على الاموال المتلف لها عامدا وناسيا سواء إلا في الاثم وكان الحكم في هذا النوع بخلاف رمي الجمار في الحج الذي لا يقضى في غير وقته لعامد ولا ناس لوجوب الدم فيما ينوب عنها وبخلاف الضحايا أيضا لأن الضحايا ليست بواجبة فرضا والصلاة والصيام كلاهما فرض واجب ودين ثابت يؤدي ابدا , ان خرج الوقت المؤجل لهما قال رسول الله دين الله احق ان يقضى البخاري رقم 1953 مسلم رقم 1148 وإذا
كان النائم والناسي للصلاة وهما معذوران يقضيانها بعد خروج وقتها كان المتعمد لتركها الآثم في فعله ذلك وإن أبي لا يسقط عنه فرض الصلاة وأن يحكم عليه بالأتيان بها لأن التوبة من عصيانه في عمد تركها هي أداؤها وإقامتها مع الندم على ما سلف من تركه لها في وقتها وقد شذ بعض أهل الظاهر اي ابن حزم واقدم على خلاف جمهور علماء المسلمين وسبيل المؤمنين فقال ليس على المتعمد لترك الصلاة في وقتها أن يأتي بها في غير وقتها لأنه غير نائم ولا ناس وإنما قال رسول الله من نام عن صلاته أو نسيها فليصلها إذا ذكرها الموطأ 1 / 13 قال والمتعمد غير الناسي والنائم المحلى 2 / 235 قال وقياسه عليهما غير جائز عندنا كما أن من قتل الصيد لا يجزيه عندنا فخالف في المسألتين جمهور العلماء وظن أنه يستتر في ذلك برواية شاذة جاءت عن بعض التابعين شذ فيها عن جماعة من علماء المسلمين وهو محجوج بهم مأمور باتباعهم فخالف هذا الظاهري طريق النظر والاعتبار وشذ عن جماعة علماء الأمصار ولم يأت فيما ذهب إليه من ذلك بدليل يصح في العقول ومن الدليل على أن الصلاة تصلى وتقضي بعد خروج وقتها كالصيام سواء وإن كان إجماع الامة الذين أمر من شذ عنهم بالرجوع إليهم وترك الخروج عن سبيلهم يغني عن الدليل في ذلك قول النبي من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ومن أدرك ركعة من الصبح قبل ان تطلع الشمس فقد أدرك الصبح البخاري رقم 556 مسلم رقم 608
ولم يستثن متعمدا من ناس ونقلت الكافة عنه أن من ادرك ركعة من صلاة العصر قبل الغروب صلى تمام صلاة العصر بعد الغروب البخاري رقم 556 وذلك بعد خروج الوقت عند الجميع ولا فرق بين عمل صلاة العصر كلها لمن تعمد او نسي او فرط وبين عمل بعضها في نظر ولا اعتبار ودليل آخر وهو أن رسول الله لم يصل هو ولا أصحابه يوم الخندق صلاة الظهر والعصر حتى غربت الشمس لشغله بما نصبه المشركون من الحرب ولم يكن يومئذ نائما ولا ناسيا ولا كانت بين المسلمين والكافرين يومئذ حرب قائمة ملتحمة وصلى الظهر والعصر بالليل ودليل آخر ايضا وهو أن رسول الله قال بالمدينة لأصحابه يوم انصرافه من الخندق لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة البخاري رقم 946 ومسلم رقم 1770 فخرجوا مبادرين وصلى بعضهم العصردون بني قريظة خوفا من خروج وقتها المعهود ولم يصلها بعضهم إلا في بني قريظة بعد غروب الشمس لقوله لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة فلم يعنف رسول الله أحدا من الطائفتين وكلهم غير ناس ولا نائم وقد اخر بعضهم الصلاة حتى خرج وقتها ثم صلاها وقد علم رسول الله ذلك فلم يقل لهمإن الصلاة لم تصل في وقتها ولا تقضى بعد خروج وقتها ودليل آخر وهو قوله سيكون بعدي امراء يؤخرون الصوات عن ميقاتها قالوا انفصليها معهم قال نعم حدثنا عبدالوراث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي حدثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود حدثنا
سفيان الثوري عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي المثنى الحمصي قال اتى الي عن امرأة عبادة بن الصامت عن عبادة بن الصامت قال كنا عند النبي فقال إنه سيجيء بعدي امراء تشغلهم اشياء حتى لا يصلوا الصلاة لميقاتها قالوا نصليها معهم يا رسول الله قال نعم مسند أحمد 3 / 314 قال ابو عمر ابو مثنى الحمصي هو الاملوكي ثقة وفي هذا الحديث أن رسول الله اباح الصلاة بعد خروج ميقاتها ولم يقل إن الصلاة لا تصلى إلا في وقتها والأحاديث في تأخير الأمراء الصلاة حتى يخرج وقتها كثيرة جدا وقد كان الامراء من بني امية واكثرهم يصلون الجمعة عند الغروب وقد قال إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى وقد اعلمهم أن وقت الظهر في الحضر ما لم يدخل وقت العصر وروي ذلك عنه من وجوه صحاح قد ذكرت بعضها في صدر الكتاب يعني الإستذكار في المواقيت وحدثنا عبدالله بن محمد بن راشد حدثنا حمزة بن محمد بن علي حدثنا أحمد بن شعيب النسوي حدثنا سويد بن نضر حدثنا عبدالله يعني ابن المبارك عن سليمان بن مغيرة عن ثابت بن عبدالله بن رباح عن ابي قتادة أن رسول الله قال ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى مسلم رقم 681 الترمذي رقم 117 ابو داود رقم 437 فقد سمى رسول الله من فعل هذا مفرطا والمفرط ليس بمعذور
وليس كالنائم والناسي عند الجميع من جهة العذر وقد اجاز رسول الله صلاته على ما كان عليه من تفريطه وقد روي في حديث أبي قتادة هذا ان رسول الله قال وإذا كان الغد فليصلها لميقاتها مسلم رقم 681 وهذا ابعد وأوضح في اداء المفرط للصلاة عند الذكر وبعد الذكر وحديث أبي قتادة هذا صحيح الأسناد إلا ان هذا المعنى قد عارضه حديث عمران بن الحصين في نوم رسول الله في صلاة الصبح بسفره وفيه قالوا يا رسول الله ألا نصليها لميقاتها من الغد قال لا إن الله لا ينهاكم عن الربا ثم يقبله منكم مسند أحمد 4 / 441 وروى من حديث أبي هريرة عن النبي مثله وقد ذكرنا الأسانيد بذلك كله في التمهيد وقد روى عبدالرحمن بن علقمة الثقفي وهو مذكور في الصحابة قال قدم وفد ثقيف على رسول الله فجعلوا يسألونه فلم يصل يومئذ الظهر إلا مع العصر وأقل ما في هذا أنه اخرها عن وقتها الذي كان يصليها فيه لشغل اشتغل به وعبد الرحمن بن علقمة من ثقات التابعين وكبارهم وقد أجمع العلماء على ان من ترك الصلاة عامدا حتى يخرج وقتها عاص لله وذكر بعضهم أنها كبيرة من الكبائر وأجمعوا على ان على العاصي ان يتوب من ذنبه بالندم عليه واعتقاد ترك العود إليه قال الله تعالى وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون 24 سورة
النور / الآية 31 ومن لزمه حق الله أو لعباده لزمه الخروج منه وقد شبه رسول الله حق الله تعالى بحقوق الآدميين وقال دين الله أحق أن يقضي البخاري رقم 1953 مسلم رقم 1148 والعجب من هذا الظاهري في نقضه أصله بجهله وحبه لشذوذه وأصل أصحابه فيما وجب من الفرائض بإجماع أنه لا يسقط إلا بإجماع مثله أو سنة ثابتة لا ينازع في قبولها والصلوات المكتوبات واجبات بإجماع ثم جاء من الاختلاف شذوذ خارج عن اقوال علماء الأمصار فاتبعه دون سنة رويت في ذلك واسقط به الفريضة المجمع على وجوبها ونقض اصله ونسي نفسه ثم ذكر أن مذهب داود وأصحابه وجوب قضاء الصلاة إذا فوتها عمدا ثم قال فهذا قول داود وهو وجه أهل الظاهر وما أرى هذا الظاهري إلا وقد خرج عن جماعة العلماء من السلف والخلف وخالف جميع فرق الفقهاء وشذ عنهم ولا يكون إماما في العلم من اخذ بالشاذ من العلم وقد أوهم في كتابه أن له سلفا من الصحابة والتابعين تجاهلا منه فذكر عن ابن مسعود ومسروق وعمر بن عبدالعزيز في قوله أضاعوا الصلواة 19 سورة مريم / الآية 59 أن ذلك عن مواقيتها ولو تركوها لكانوا بتركها كفارا وهو لا يقول بتكفير تارك الصلاة عمدا إذا إذا أبى إقامتها ولا بقتله إذا كان مقرا بها فقد خالفهم فكيف يحتج بهم على انه معلوم أن من قضى الصلاة فقد تاب من تضييعها قال تعالى وإني لغفار لمن تاب وءامن وعمل صلحا ثم اهتدى 20 سورة طه / الآية 82 ولا تصح لمضيع الصلاة توبة إلا بأدائها كما لا تصح التوبة من دين
الآدمي إلا بأدائه ومن قضى صلاة فرط فيها فقد تاب وعمل صالحا والله لا يضيع أجر من احسن عملا وذكر عن سلمان أنه قال الصلاة مكيال فمن وفاه وفي له ومن طففه قد علمتم ما قاله الله في المطففين وهذا لا حجة فيه لأن الظاهر من معناه أن المطفف قد يكون من لم يكمل صلاته بركوعها وسجودها وحدودها وإن صلاها في وقتها وذكر عن ابن عمر أنه قال لا صلاة لمن لم يصل الصلاة لوقتها وكذا نقول لا صلاة له كاملة الأجزاء كما جاء لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد سنن البيهقي 3 / 111 و 174 ولا إيمان لمن لا امانة له مسند أحمد 3 / 135 ومن قضى الصلاة فقد صلاها وتاب من نسي عمله بتركها وكل ما ذكر في هذا المعنى فغير صحيح ولا له في شيء منه حجة لأن ظاهره خلاف ما تأوله
فصل في حجج المانعين من صحة قضاء الصلاة المتروكة عمدا
قال المانعون من صحتها بعد الوقت وقبولها لقد ارعدتم وابرقتم ولم تنصفونا في حكاية قولنا على وجهه ولافي نقلنا مذاهب السلف ولا في حججنا فإنا لم نقل قط ولا احد من اهل الاسلام إنها سقطت من ذمته بخروج وقتها وإنها لم تبق واجبة عليه حتى تجلبوا علينا بما أجلبتم وتشنعوا علينا بما شنعتم بل قولنا وقول من حكينا قوله من الصحابة والتابعين اشد على مؤخر الصلاة ومفوتها من قولكم فإنه قد تحتمت
عقوبته وباء بإثم لا سبيل له إلى استدراكه إلا بتوبة يحدثها وعمل يستأنفه وقد ذكر من الادلة ما لاسبيل لكم إلى رده فإن وجدتم السبيل إلىالرد فأهلا بالعلم أين كان ومع من كان فليس القصد إلا طاعة الله وطاعة رسوله ومعرفة ما جاء به ونحن نبين ما في كلامكم من مقبول ومردود فأما قولكم إن سرور ابن عباس بتلك الصلاة التي صلاها بعد طلوع الشمس لأنه كان سببا إلى ان اعلم رسول الله أصحابه المبلغين عنه إلى سائر أمته بأن مراد الله من عباده في الصلاة وإن كانت مؤقتة ان من لم يصلها في وقتها يقضيها ابدا ناسيا كان لها او نائما او متعمدا لتركها فهذا ظن محض منكم أن ابن عباس اراده ومعلوم ان كلامه لا يدل على ذلك بوجه من وجوه الدلالة ولا هو يشعر به ولعل ابن عباس إنما سر بها ذلك السرور العظيم لكونه صلاها مع رسول الله وأصحابه وفعل مثل ما فعلوا وحصل له سهمان من الاجر كما حصل للصحابة وخص تلك الصلاة بذلك تنبيها للسامع أنها مع كونها ضحى قد فعلت بعد طلوع الشمس فلا يظن أنها ناقصة وأنها لأاجر فيها فما يسرني بها الدنيا وما فيها وليس ما فهمتموه عن ابن عباس اولى من هذا الفهم ولعله أراد أن ذلك من رحمة الله بالأمة ليقتدي به من نام عن الصلاة ولم يفرط بتأخيرها فمن اين يدل كلامه هذا على أن سروره بتلك الصلاة لأنها تدل على ان من لم يصل وأخر صلاة الليل إلى النهار عمدا وصلاة النهار إلى الليل أنها تصح منه وتقبل وتبرأ بها ذمته وإن فهم هذا من كلام ابن عباس لمن اعجب العجب فأخبرونا كيف وقع لكم هذا الفهم من كلامه وبأي طريق فهمتموه
فصل في الكلام عن النسيان وأنواعه
وأما قولكم إن النسيان في لغة العرب هو الترك كقوله نسوا الله فنسيهم 9 سورة التوبة / الآية 67 الخ فنعم لعمر الله إن النسيان في القرآن على وجهين نسيان ترك ونسيان سهو ولكن حمل الحديث على نسيان الترك عمدا باطل لاربعة اوجه أحدها أنه قال فليصلها إذا ذكرها الموطأ 1 / 13 وهذا صريح في ان النسيان في الحديث نسيان سهولا نسيان عمد وإلا كان قوله إذا ذكرها كلاما لا فائدة فيه فالنسيان إذا قوبل بالذكر لم يكن إلا نسيان سهو كقوله واذكر ربك إذا نسيت 18 سورة الكهف / الآية 24 وقوله إذا نسيت فذكروني البخاري رقم 1933 مسلم رقم 1155 الثاني أنه قال فكفارتها ان يصليها إذا ذكرها ومعلوم أن من تركها عمدا لا يكفر عنه فعلها بعد الوقت إثم التفويت هذا مما لاخلاف فيه بين الامة ولا يجوز نسبته إلى رسول الله إذ يبقى معنى الحديث من ترك الصلاة عمدا حتى خرج وقتها فكفارة إثمه صلاتها بعد الوقت وشناعة هذا القول أعظم من شناعتكم علينا القول بأنها لا تنفعه ولا تقبل منه فأين هذا من قولكم الثالث أنه قابل الناسي في الحديث بالنائم وهذه المقابلة تقتضي أنه الساهي كما يقول جملة أهل الشرع النائم والناسي غير مؤاخذين الرابع أن الناسي في كلام الشارع إذا علق به الاحكام لم يكن مراده
إلا الساهي وهذا مطرد في جميع كلامه كقوله من اكل او شرب ناسيا فليتم صومه فإنما أطعمه الله مسلم رقم 572
فصل في الكلام عن متعمد تأخير الصلاة والناسي
وأما قولكم وسوى الله سبحانه في حكمهما اي حكم العامد والناسي على لسان رسوله بين حكم الصلاة المؤقتة والصيام المؤقت في شهر رمضان بأن كل واحد منهما يقضى بعد خروج وقته فنص علىالنائم والساهي في الصلاة كما وصفنا ونص على المريض والمسافر في الصوم واجتمعت الأمة ونقلت الكافة فيمن لم يصم شهر رمضان عامدا وهو مؤمن بفرضه وإنم تركه اشرا وبطرا ثم تاب منه أن عليه قضاءه إلى آخره فجوابه من وجوه أحدها قولكم إن الله سبحانه وتعالى سوى بينهما اي بين العامد والناسي فكلام باطل على إطلاقه فما سوى الله سبحانه بين عامد وناس أصلا وكلامنا في هذا العامد العاصي الآثم المفرط غاية التفريط فأين سوى الله سبحانه بين حكمهما في صلاة أو صيام وقولكم فنص على النائم والناسي في الصلاة كما وصفنا قد تقدم ان النسيان المذكور في الصلاة لا يصح حمله على العمد بوجه وأن الذي نص عليه في الحديث هو نسيان السهو الذي هو نظير النوم فلا تعرض فيه للعامد وأما نصه على المريض والمسافر في الصوم فهما وإن أفطرا عامدين
فلا يمكن أخذ حكم تارك الصلاة عمدا من حمكها وما سوى الله ولا رسوله بين تارك الصلاة عمدا او اشرا حتى يخرج وقتها وبين تارك الصوم لمرض او سفر حتى يؤخذ حكم احدهما من الآخر فمؤخر الصوم في المرض والسفر كمؤخر الصلاة لنوم أو نسيان وهذان هما اللذان سوى الله ورسوله بين حكمهما نص الله على حكم المريض والمسافر في الصوم المعذورين ونص رسول الله على حكم النائم والناسي في الصلاة المعذورين فقد استوى حكمهما في الصوم والصلاة ولكن اين استوى حكم العامد المفرط الآثم والمريض والمسافر والنائم والناسي المعذورين يوضحه أن الفطر بالمرض قد يكون واجبا بحيث يحرم عليه الصوم والفطر في السفر إما واجب عند طائفة من السلف والخلف أو أنه افضل من الصوم عند غيرهم أو هما سواء أو الصوم أفضل منه لمن لا يشق عليه عند آخرين وعلى كل تقدير فإلحاق تارك الصلاة والصوم عمدا وعدوانا به من أفسد الإلحاق وأبطل القياس وهذا مما لا خفاء به عند كل عالم وقولكم إن الأمة اجتمعت والكافة نقلت أن من لم يصم شهر رمضان عامدا أشرا او بطرا ثم تاب منه فعليه قضاؤه فيقال لكم أوجدونا عشرة من اصحاب رسول الله فن دونهم صرح بذلك ولن تجدوا إليه سبيلا وقد انكر الأئمة كالإمام أحمد والشافعي وغيرهما دعوى هذه الإجماعات التي حاصلها عدم العلم بالخلاف لا العلم بعدم الخلاف فإن هذا مما لا سبيل إليه إلا فيما علم بالضرورة أن الرسول جاء به وأما ما قامت الأدلة الشرعية عليه فلا يجوز لأحد ان ينفي حكمه لعدم علمه بمن قال به فإن الدليل يجب اتباع مدلوله وعدم العلم بمن قال به لا يصح أن يكون معارضا بوجه ما فهذا طريق جميع الأئمة المقتدى بهم
قال الأمام أحمد في رواية ابنه عبدالله من ادعى الإجماع فهو كاذب لعل الناس اختلفوا هذه دعوى بشر المريسي والأصم ولكن يقول لا نعلم للناس اختلافا إذا لم يبلغه وقال في رواية المروزي كيف يجوز للرجل أن يقول أجمعوا إذا سمعتهم يقولون أجمعوا فاتهمهم لو قال إني لا اعلم مخالفا كان أسلم وقال في رواية أبي طالب هذا كذب ما اعلمه أن الناس مجمعون ولكن يقول ما اعلم فيه اختلافا فهو احسن من قوله اجمع الناس وقال في رواية ابي الحارث لا ينبغي لأحد أن يدعي الإجماع لعل الناس اختلفوا وقال الشافعي في أثناء مناظرته لمحمد بن الحسن لايكون لأحد أن يقول أجمعوا حتى يعلم إجماعهم في البلدان ولا يقبل على اقاويل من نأت داره منهم ولا قربت إلا خبر الجماعة عن الجماعة فقال لي تضيق هذا جدا قلت له وهو مع ضيقه غير موجود وقال في موضع آخر وقد بين ضعف دعوى الاجماع وطالب من يناظره بمطالبات عجز عنها فقال له المناظر فهل من إجماع قلت نعم الحمد لله كثيرا في كل الفرائض التي لا يسع جهلها وذلك الإجماع هو الذي إذا قلت اجمع الناس لم تجد احدا يقول لك ليس هذا بإجماع فهذه الطريق التي يصدق بها من ادعى الإجماع فيها وقال بعد كلام طويل حكاه في مناظرته أو ما كفاك عيب الإجماع أنه لم يرو عن احد بعد رسول الله دعوى الإجماع إلا فيما لم يختلف
فيه احد إلى ان كان اهل زمانك هذا قال له المناظر فقد ادعاه بعضكم قلت افحمدت ما ادعى منه قال لا قلت فكيف صرت إلى ان تدخل فيما زعمت في اكثر ما عبت الاستدلال من طريق عن الأجماع وهو ترك ادعاء الإجماع فلا تحسن النظر لنفسك إذاقلت هذا إجماع فتجد حولك من يقول لك معاذ الله أن يكون هذا إجماعا وقال الشافعي في رسالته ما لا يعلم فيه خلاف فليس إجماعا فهذا كلام أئمة اهل العلم في دعوى الإجماع كما ترى فلنرجع إلى المقصود فنقول من قال من أصحاب رسول الله إن من ترك الصلاة عمدا لغير عذر حتى خرج وقتها أنها تنفعه بعد الوقت وتقبل وتبرأ ذمته فالله يعلم أنا لم نظفر على صاحب واحد منهم قال ذلك وقد نقلنا عن الصحابة والتابعين ما تقدم حكايته وقد صرح الحسن بما قلناه فقال محمد بن نصر المروزي في كتابه في الصلاة رقم 1078 حدثنا إسحاق حدثنا النضر عن الاشعت عن الحسن قال إذا ترك الرجل صلاة واحدة متعمدا فإنه لا يقضيها قال محمد وقول الحسن هذا يحتمل معنيين أحدهما انه كان يكفره بترك الصلاة متعمدا فلذلك لم يرد عليه القضاء لأن الكافر لا يؤمر بقضاء ما ترك من الفرائض في كفره والثاني أنه لم يكفره بتركها وأنه ذهب إلى أن الله تعالى إنما فرض ان يأتي بالصلاة في وقت معلوم فإذا تركها حتى ذهب وقتها فقد لزمته المعصية لتركه الفرض في الوقت المأمور بإتيانه فيه فإذا اتى به بعد ذلك فإنما أتى به في وقت لم يؤمر بإتيانه فيه فلا ينفعه أن يأتي بغير المأمور
به عن المأمور به وهذا قول غير مستنكر في النظر لولا أن العلماء قد أجمعت على خلافه قال ومن ذهب إلى هذا قال في الناسي للصلاة حتى يذهب وقتها وفي النائم ايضا لو لم يأت الخبر عن النبي أنه قال من نام عن صلاة او نسيها فليصلها إذا استيقظ راجع البخاري رقم 597 مسلم رقم 684 وذكر أنه نام عن صلاة الغداة فقضاها بعد ذهاب الوقت لما وجب عليه في النظر قضاؤها أيضا فلما جاء الخبر عن النبي بذلك وجب علي قضاؤها وبطل حظ النظر فقد نقل محمد الخلاف صريحا وظن أن الأمة أجمعت على خلافه وهذا يحتمل م6عنيين أحدهما أنه يرى أن الإجماع ينعقد بعد الخلاف والثاني أنه لايرى خلاف الواحد قادحا في الإجماع وفي المسألتين نزاع معروف وأما قوله إن القياس يقتضي ان لا يقتضي النائم والناسي لولا الخبر فليس كما زعمتم لأن وقت النائم والناسي هو وقت ذكره وانتباهه لا وقت له غير ذلك كما تقدم والله أعلم وأما قولكم إن الكافة نقلت والأمة اجمعت ان من لم يصم شهر رمضان اشرا وبطرا ان عليه قضاءه فأين النقل بذلك إذا جاء عن أصحاب رسول الله وقد روى عنه اهل السنن ابو داود رقم 2396 الترمذي رقم 723 ابن ماجه رقم 1672 والامام أحمد في مسنده 2 / 386 من حديث ابي هريرة من افطر يوما من رمضان من غير عذر
لم يقضه عنه صيام الدهر وإن صامه فهذه الرواية المعروفة فأين الرواية عنه او عن أصحابه من افطر رمضان او بعضعه اجزأ عنه ان يصوم مثله وأما قولكم إن الصلاة والصيام دين ثابت يؤدي ابدا وإن خرج الوقت المؤجل لما لقول رسول الله دين الله احق ان يقضي البخاري رقم 1953 مسلم رقم 1148 فنقول هذا الدليل مبني على مقدمتين إحداهما إن الصلاة والصيام دين ثابت في ذمة من تركهما عمدا والمقدمة الثانية أن هذا الدين قابل للأداء فيجب أداؤه فأما المقدمة الأولى فلا نزاع فيها ولانعلم أن أحدا من اهل العلم قال بسقوطها من ذمته بالتأخير ولعلكم توهمتم علينا أنا نقلو بذلك وأخذتم في الشناعة علينا وفي التشغيب ونحن لم نقل ذلك ولا أحد من أهل الإسلام وأما المقدمة الثانية ففيها وقع النزاع وأنتم لم تقيموا عليها دليلا فادعاؤكم لها هو دعوى محل النزاع بعينه جعلتموه مقدمة من مقدمات الدليل وأثبتم الحكم بنفسه فمنازعوكم يقولون لم يبق للمكلف طريق إلى استدراك هذا الفائت وإن الله تعالى لا يقبل أداء هذا الحق إلافي وقته وعلى صفته التي شرعه عليها وقد أقاموا على ذلك من الأدلة ما قد سمعتم فما الدليل على أن هذا الحق قابل للأداء في غير وقته المحدود له شرعا وأنه يكون عبادة بعد خروج وقته وأما قوله اقضوا الله فالله أحق بالقضاء البخاري رقم
وقوله دين الله أحق أن يقضى البخاري رقم 1953 مسلم رقم 1148 فهذا إنما قاله في حق المعذور لا المفرط ونحن نقول في مثل هذا الدين يقبل القضاء وأيضا فهذا إنما قاله رسول الله في النذر المطلق الذي ليس له وقت محدود الطرفين ففي الصحيحين من حديث ابن عباس ان امرأة قالت يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها قال أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه أكان يؤدي ذلك عنها قالت نعم قال فصومي عن أمك البخاري رقم 1953 مسلم رقم 1148 وفي رواية أن امرأة ركبت البحر فنذرت إن نجاها الله أن تصوم شهرا فأنجاها الله سبحانه وتعالى فلم تصم حتى ماتت فجاءت قرابة لها إلى رسول الله فذكرت ذلك فقال صومي عنها رواه أهل السنن أ و داود رقم 3308 النسائي رقم 3816 وكذلك جاء منه الأمر بقضاء هذا الدين في الحج الذي لا يفوت وقته إلا بنفاد العمر ففي المسند 4 / 5 والسنن النسائي رقم 3635 من حديث عبدالله بن الزبير قال جاء رجل من خثعم إلى رسول الله فقال إن ابي أدركه الإسلام وهو شيخ لا يستطيع ركوب رحل والحج مكتوب عليه أفأحج عنه قال أنت اكبر ولده قال نعم قال أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته عنه أكان ذلك يجزيء عنه قال نعم قال فحج عنه وعن ابن عباس ان امرأة من جهينة جاءت إلى النبي فقالت إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها قال نعم حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته اقضوا الله فالله أحق
بالوفاء متفق على صحته البخاري رقم 6699 وراجع مسلم رقم 1334 و 1335 وعن ابن عباس أيضا قال أتى النبي رجل فقال إن أبي مات وعليه حجة الإسلام افأحج عنه قال أرأيت لو ان اباك ترك دينا عليه فقضيته أكان يجزيء عنه قال نعم قال فحج عن ابيك رواه الدار قطني 2 / 260 ونحن نقول في مثل هذا الدين القابل للأداء دين الله أحق أن يقضى فالقضاء المذكور في هذه الأحاديث ليس بقضاء عبادة مؤقتة محدودة الطرفين وقد جاهر بمعصيته الله سبحانه وتعالى بتفويتها بطرا وعدوانا فهذا الدين مستحقه لا يعتد به ولا يقبله إلا على صفته التي شرعه عليها ولهذا لو قضاه على غير تلك الصفة لم تنفعه
فصل في الفرق بالقياس بين النائم والناسي وبين المتعمد
قولكم وإذا كان النائم والناسي للصلاة وهما معذوران يقضيانها بعد خروج وقتها كان المتعمد لتركها اولى فجوابه من وجوه أحدها المعارضة بما هو اصح منه او مثله وهو ان يقال لا يلزم من صحة القضاء بعد الوقت من المعذور المطيع لله ورسوله الذي لم يكن منه تفريط في فعل ما أمر به وقبوله منه صحته وقبوله منه متعد لحدود الله
مضيع لأمره تارك لحقه عمدا وعدوانا فقياس هذا على هذا في صحه العبادة وقبولها منه وبراء الذمة بها من افسد القياس الوجه الثاني إن المعذور بنوم أو نسيان لم يصل الصلاة في غير وقتها بل في نفس وقتها الذي وقته الله له فإن الوقت في حق هذا حين يستيقظ ويذكر كما قال من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها رواه البيهقي السنن 2 / 219 والدارقطني 1 / 423 وقد تقدم فالوقت وقتان وقت اختيار ووقت عذر فوقت المعذور بنوم او سهو هو وقت ذكره واستيقاظه فهذا لم يصل الصلاة إلا في وقتها فكيف يقاس عليه من صلاها في غير وقتها عمدا وعدوانا الثالث إن الشريعة قد فرقت في مواردها ومصادرها بين العامد والناسي ويبن المعذور وغيره وهما مما لا خفاء به فإلحاق أحد النوعين بالآخر غير جائز الرابع إنا لم نسقطها عن العامد المفرط ونأمر بها المعذور حتى يكون ما ذكرتم حجة علينا بل ألزمانا بها المفرط المتعدي على وجه لا سبيل له إلى استدراكها تغليظا عليه وجوزنا قضاءها للمعذور غير المفرط وأما استدلالكم بقول من ادرك ركعة من العصر قبل ان تغرب الشمس فقد ادرك العصر البخاري رقم 579 مسلم رقم 608 فما أصحه من حديث وما أراه على مقتضى قولكم فإنكم تقولون هو مدرك العصر ولو لم يدرك من وقتها شيئا البتة بمعنى إنه مدرك لفعلها صحيحة منه مبرئة لذمته فلو كانت تصح بعد خروج وقتها وتقبل منه لم يتعلق من مبرئة لذمته فلو كانت تصح بعد خروج وقتها وتقبل منه لم يتعلق إدراكها بركعة ومعلوم أن النبي لم يرد أن من ادرك ركعة من العصر صحت صلاته بلا إثم بل هو آثم بتعمد ذلك اتفاقا فإنه امر أن يوقع
جميعها في وقتها فعلم أن هذا الإدراك لا يرفع الإثم بل هو مدرك آثم فلو كانت تصح بعد الغروب لم يكن فرق بين ان يدرك ركعة من الوقت أولا يدرك شيئا منه شيئا فإن قلتم إذا أخرها إلى بعد الغروب كان أعظم اثرا قيل لكم النبي لم يفرق بينإدراك الركعة وعدمها في كثرة الإثم وخفته وإنما فرق بينهما في الإدراك وعدمه ولا ريب أن المفوت لمجموعها في وقت أعظم من المفوت لأكثرها والمفوت لأكثرها فيه اعظم من المفوت لركعة منها فنحن نسألكم ونقول ما هذا الإدراك الحاصل بركعة أهذا إدراك يرفع الإثم فهذا لا يقوله4 أحد أو إدراك يقتضي الصحة فلا فرق فيه بين ان يفوتها بالكلية أو يفوتها إلا ركعة منها
فصل في عدم صحة الاحتجاج بتأخير النبي للصلاة يوم الخندق
وأما احتجاجكم بتأخير النبي لها يوم الخندق من غير نوم ولا نسيان ثم قضاها فيقال يالله العجب لو اتينا نحن بمثل هذا لقامت قيامتكم واقمتم قيامتنا بالتشنيع علينا فكيف تحتجون على تفويت صاحبه عاص لله آثم متعد لحدود مستوجب لعقابه بتفويت صدر من اطوع الخلق لله وارضاهم له واتبعهم لأمره وهو مطيع لله في ذلك التأخير متبع مرضاته فيه وذلك التأخير منه صلوات الله وسلام عليه إما ان يكون نسيانا منه او يكون أخرها عمدا وعلى التقديرين فلا حجة لكم فيه
بوجه فإنه إن كان نسيانا فنحن وسائر الأمة نقول بموجبه وأن الناسي يصليها متى ذكرها وإن كان عامدا فهو تأخير لها من وقت إلى وقت أذن فيه كتأخير المسافر والمعذور الظهر إلى وقت العصر والمغرب إلى وقت العشاء وقد اختلف الناس فيمن أدركته الصلاة وهو مشغول بقتال العدو على ثلاثة اقوال أحدها أنه يصلي حال القتال على حسب حاله ولا يؤخر الصلاة قالوا والتأخير يوم الخندق منسوخ وهذا هو مذهب الإمام الشافعي والإمام مالك والإمام أحمد في المشهور عنه من مذهبه الثاني أنها تؤخر كما أخر النبي يوم الخندق وهذا مذهب ابي حنيفة والأولون يجيبون على هذا بأنه كان قبل أن تشرع صلاة الخوف فلما شرعت صلاة الخوف لم يؤخرها بعد ذلك في غزاة واحدة والحنيفة تجيب عن ذلك بأن صلاة الخوف إنما شرعت على تلك الوجوه ما لم يلتحم القتال فإنهم يمكنهم أن يصلوا صلاة الخوف كما امر الله سبحانه بأن يقوموا صفين صفا يصلون وصفا يحرسون وأما حال الالتحام فلا يمكن ذلك فالتأخير وقع حال الاشتغال بالقتال وصلاة الخوف شرعت حال المواجهة قبل الاشتغال بالقتال وهذا له موضع وهذا في القول كما ترى وقالت طائفة ثالثة يخير بين تقديمها والصلاة على حسب حاله وبين تأخيرها حتى يتمكن من فعلها وهذا مذهب جماعة من الشاميين وهو إحدى الروايتين عن الامام أحمد لأن الصحابة فعلوا هذا وهذا في قصة بني قريظة كما سنذكرها بعد هذا إن شاء الله تعالى
وعلى الأقوال الثلاثة فلا حجة للعاصي المفرط المعتدي الذي قد باء بعقوبة الله وإثم التفويت في ذلك بوجه من الوجوه وبالله التوفيق
فصل في الكلام على صلاة العصر في بني قريظة
وبهذا خرج الجواب عن استدلالكم بتأخير الصحابة العصر إلى بعد غروب الشمس عمدا حين قال النبي لا يصلين احد العصر إلا في بني قريظة البخاري رقم 946 مسلم رقم 1770 فأدركت طائفة الصلاة في الطريق فقالوا لم يرد منا تأخيرها فصلوها في الطريق وابت طائفة اخرى ان تصليها إلا في بني قريظة فصلوها بعد العشاء فما عنف رسول الله واحدة من الطائفتين فإن الذين اخروها كانوا مطيعين لرسول الله معتقدين وجوب ذلك التأخير وأن وقتها الذي امروا به حيث ادركهم في بني قريظة فكيف يقاس العاصي المتعدي لحدود الله على المطيع له الممتثل لامره فهذا من ابطل قياس في العالم وافسده وبالله التوفيق وقد فضلت طائفة من العلماء الذين أخروها إلى بني قريظة على الذين صلوها في الطريق قالوا لأنهم امتثلوا أمر رسول الله على الحقيقة والآخرون تأولوا فصلوها في الطريق
فصل في الفرق بين التأخير في الصلوات القابلة للجمع وغيرها
وأما استدراكم بأمر النبي أن تصلي نافلة مع الامراء الذين كانوا يضيعون الصلاة عن وقتها ويصلونها في غير الوقت فلا حجة فيه لأنهم لم يكونوا يؤخرون صلاة النهار إلى الليل ولا صلاة الليل إلى النهار بل كانوا يؤخرون صلاة الظهر إلى وقت العصر وربما كانوا يؤخرون العصر إلى وقت الأصفرار ونحن نقول إنه متى أخر إحدى صلاتي الجمع إلى وقت الأخرى صلاها في وقت الثانية وإن كان غير معذور وكذلك إذا أخر العصر إلى الاصفرار بل إلى ان يبقى منها قدر ركعة فإنه يصليها بالنص وقد جمع النبي بالمدينة من غير خوف ولامطر أراد أن لا يحرج أمته مسلم رقم 705 الموطأ 1 / 144 فهذا التأخير لا يمنع صحة الصلاة وأما قولكم قد اجاز رسول الله صلاة من اخر الظهر إلى وقت العصر مع تفريطه في خروج وقت الظهر فجوابه إن الوقت مشترك بين الصلاتين في الجملة وقد جمع رسول الله بالمدينة من غير خوف ولا مرض وهذا لا ينازع فيه ولكن هل أجاز رسول الله صلاة الصبح في وقت الضحى من غير نوم لا نسيان وأما قولكم وقد روي من حديث أبي قتادة أن رسول الله قال فيمن نام عن صلاة الصبح وإذا كان الغد فليصلها لميقاتها مسلم رقم
إن هذا أوضح في اداء المفرط للصلاة عند الذكر وبعد الذكر وهو حديث صحيح الإسناد فيا لله العجب أين في هذا الحديث ما يدل بوجه من وجوه الدلالة نصها أو ظاهرها أو إيمائها على ان العاصي المتعدي لحدود الله بتفويت الصلاة عن وقتها تصح منه بعد الوقت وتبرأ ذمته منها وهو اهل ان تقبل منه وكأنكم فهمتم من قوله فإذا كان الغد فليصلها لميقاتها امره بتأخيرها إلى الغد وهذا باطل قطعا لم يرده رسول الله والحديث صريح في إبطاله فإنه امره ان يصليها إذا استيقظ او ذكرها ثم روي في تمام الحديث هذه الزيادة وهي قوله فإذا كان من الغد فليصلها لميقاتها وقد اختلف الناس في صحة هذه الزيادة ومعناها فقال بعض الحفاظ هذه الزيادة وهم من عبدالله بن رباح الذي روى الحديث عن ابي قتادة او من احد الرواة وقد روي عن البخاري أنه قال لا يتابع في قوله فليصل إذا ذكرها لوقتها من الغد وقد روى الإمام أحمد في مسنده 4 / 441 عن عمران بن حصين قال سرت مع رسول الله فلما كان من آخر الليل عرسنا فلم نستيقظ حتى الحقتنا الشمس فجعل الرجل يقوم دهشا إلى طهوره فأمرهم النبي أن يسكنوا ثم ارتحل فسرنا حتى إذا ارتفعت الشمس توضأ ثم أمر بلالا فأذن ثم صلى الركعتين قبل الفجر ثم اقام فصلينا فقالوا يا رسول الله ألا نعيدها في وقتها من الغد قال اينهاكم ربكم تبارك وتعالى عن الربا ويقبله منكم قال الحافظ ابو عبدالله محمد بن عبدالواحد المقدسي وفي هذا دليل على ما قال البخاري لأن عمران بن الحصين كان حاضرا ولم يذكر ما قال عبدالله بن رباح عن أبي قتادة راجع المغني 2 / 348
وعندي أنه لا تعارض بين الحديثين ولم يأمر رسول الله بإعادتها من الغد وإنما الذي أمر به فعل الثانية في وقتها وأن الوقت لم يسقط بالنوم والنسيان بل عاد إلى ما كان عليه والله اعلم قوله وقد روى عبد الرحمن بن علقمة الثقفي قال قدم وفد ثقيف على رسول الله فجعلوا يسألونه فلم يصل يومئذ الظهر إلا مع العصر إلى آخره وقد تقدم جواب هذا وأمثاله مرارا وأن هذا التأخير كان طاعة لله تعالى وقربه وغايته أنه جمع بين الصلاتين لشغل مهم من امور المسلمين فكيف يصح إلحاق تأخير المتعدي لحدود الله به ولقد ضعفت مسألة تنصر بمثل هذا قوله وليس ترك الصلاة حتى يخرج وقتها عمدا مذكورا عند الجمهور في الكبائر فيقال يا لله العجب وهل تقبل هذا المسألة نزاعا وهل ذلك إلا من أعظم الكبائر وقد جعل رسول الله تفويت صلاة العصر محبطا للعمل فأي كبيرة تقوى على إحباط العمل سوى تفويت الصلاة وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر ولم يخالفه صحابي واحد في ذلك بل الآثار الثابتة الصحابة كلها توافق ذلك هذا والجامع بين الصلاتين قد صلاهما في وقت إحداهما للعذر فماذا نقول فيمن صلى الصبح في وقت الضحى عمدا وعدوانا والعصر نصف الليل من غير عذر
وقد صرح الصديق أن الله لا يقبل هذه الصلاة ولم يخالف الصديق صحابي واحد وقد توعد الله سبحانه بالويل والغي لمن سها عن صلاته واضاعها وقد قال الصحابة وهم اعلم الامة بتفسير الآية إن ذلك تأخيرها عن وقتها كما تقدم حكايته ويا لله العجب اي كبيرة اكبر من كبيرة تحبط العمل وتجعل الرجل بمنزلة من قد وتر اهله وماله وإذا لم يكن تأخير صلاة النهار إلى الليل وتأخير صلاة الليل إلى النهار من غير عذر من الكبائر لم يكن فطر شهر رمضان من غير عذر وصوم شوال بدله من الكبائر ونحن نقول بل ذلك أكبر من كل كبيرة بعد الشرك بالله ولأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك به خير له من ان يؤخر صلاة النهار إلى الليل وصلاة الليل إلى النهار عدوانا عمدا بلاعذر وقد روى هشام بن عروة عن ابيه عن سليمان بن يسار عن المسور بن مخرمة أنه دخل مع ابن عباس على عمر حين طعن فقال ابن عباس يا أمير المؤمنين الصلاة فقال أجل أصلي إنه لا حظ في الإسلام لمن اضاع الصلاة سنن الدار قطني 2 / 52 وتعظيم قدر الصلاة رقم 925 وقال اسماعيل بن علية عن ايوب عن محمد بن سيرين قال نبئت أن ابا بكر وعمر كانا يعلمان الناس الإسلام تعبد الله ولاتشرك به شيئا وتقيم الصلاة التي افترض الله بمواقيتها فإن في تفريطها الهلكة تعظيم قدر الصلاة رقم 932 وقال محمد بن نصر المروزي وسمعت إسحاق يقول صح عن
رسول الله ان تارك الصلاة كافر وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي إلى يومنا هذا أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر وذهاب الوقت ان يؤخر الظهر إلى غروب الشمس والمغرب إلى طلوع الفجر وإنما جعل آخر أوقات الصلاة بما ذكرنا لأن النبي جمع بين الصلاتين بعرفة والمزدلفة وفي السفر فصلى إحداهما في وقت الأخرى فلما جعل النبي الأولى منهما وقتا للأخرى في حال والأخرى وقتا للأولى في حال صار وقتاهما وقتا واحدا في حال العذر كما امرت الحائض إذا طهرت قبل غروب الشمس أن تصلي الظهر والعصر وإذا طهرت آخر الليل أن تصلي المغرب والعشاء تعظيم قدر الصلاة رقم 990 وإذا كان صلاة الذي يؤخر العصر حتى تصير الشمس بين قرني الشيطان صلاة المنافق بنص رسول الله مسلم رقم 622 فما يقول بأبي هو وأمي صلوات الله عليه وسلامه لمن يصليها بعد العشاء وقد قال تعالى إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم سورة النساء / الآية 31 فإذا اجتنب الرجل كبائر المنهيات واستمر على صلاة الصبح في وقت الضحى والعصر بعد العشاء كان على قولكم مغفورا له غير آثم البتة وهذا لا يقول أحد قوله والعجب من هذا الظاهري كيف نقض أصله فإنه يقول ما وجب بإجماع فإنه لا يسقط إلا بالإجماع
فيقال غاية هذا أن منازعكم تناقض فلا يكون تناقضه مصححا لقولكم وإن اردتم بذلك الاستدلال بالاستصحاب وأن الصلاة كانت في ذمته بإجماع فلا تسقط إلا بإجماع وهو مفقود قيل لكم ومن ذا الذي قال بسقوطها من ذمته بالتأخير وأن ذمته قد برئت منها فمن قال بهذا فقوله أظهر بطلانا من ان نحتاج إلى دليل عليه والذي يقول منازعوكم إنها قد استقرت في ذمته على وجه لا سبيل له إلى ادائها واستدراكها إلا بعود ذلك الوقت بعينة وهذا محال ثم نعارض هذا الإجماع بإجماع مثله أو اقوى منه فنقول أجمع المسلمون على انه عاص متعد مفرط بإضاعة الوقت فلا يرتفع هذا الاجماع إلا بإجماع مثله ولم يجمعوا أنه يرتفع عنه الإثم والعدوان بالفعل بعد الوقت بل لعل هذا لم يقله أحد فهذا ما يتعلق بالحجاج من الجانبين وليس لنا غرض فيما وراء ذلك وقد بان من هو أسعد بالكتاب والسنة واقوال السلف في هذه المسالة والله المستعان
فصل في الشبه بين قضاء الصلاة وقضاء الصيام
فإن قيل فقد أمر النبي المفطر متعمدا في نهار رمضان بالقضاء في موضعين أحدهما المجامع والثاني المستقيء ففي السنن أبو داود رقم 2393 من حديث أبي هريرة قال جاء رجل إلى النبي قد جامع أهله في رمضان فذكر الحديث وقال فيه
فأتى فأتى بعذق فيه تمر قدر خمسة عشر صاعا وفيه قال كله انت واهل بيتك وصم يوما واستغفر الله تعالى وعند ابن ماجة رقم 1671 وصم يوما مكانه وفي السنن أبو داود رقم 2380 الترمذي رقم 720 ابن ماجة رقم 1676 والمسند 2 / 498 من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ومن استقاء فليقض قيل الحديثان معلولان لا يثبتان أما قصة المجامع في رمضان فقد رواها أصحاب الحديث ولم يذكر أحد منهم هذه الزيادة والذي ذكرها لا تقوم به الحجة فإنها من رواية عبدالجبار بن عمر الإيلي وقد ضعفه الأئمة قال يحيى بن معين ليس بشيء ولا يكتب حديثه وقال مرة ضعيف وكذلك قال ابو زرعة والسعدي اي ابن سعد والنسائي وقال البخاري ليس بالقوي عنده مناكير وقال ابن عدي عامة ما يرويه يخالف فيه والضعف بين على رواياته ورواه ائمة اصحاب ابن شهاب عنه كمالك وغيره فلم يذكروا قوله صم يوما مكانه ورواه أبو مروان العثماني عن إبراهيم بن سعد عن الليث عن ابن شهاب عن حميد عن ابي هريرة أن النبي قال له في هذه القصة اقض يوما مكانه
وكذا روي عن الدراوردي عن إبراهيم بن سعد عن الليث قال البيهقي وإبراهيم عنده الحديث عن الزهري بلا هذه الكلمة وقد رواه حجاج بن أرطاة عن إبراهيم بن علي كذا مر عن ابن المسيب وعن الزهري عن حميد عن ابي هريرة ورواه حجاج عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده وقال فيه عمرو وأمره أن يقضي يوما مكانه وقد رواه هشام بن سعد عن الزهري عن ابي سلمة عن ابي هريرة وقال فيه وصم يوما مكانه واستغفر الله فخالف هشام الناس في روايته عن ابي سلمة والحديث لحميد عن ابي هريرة ورواه ابن أبي اويس قال حدثني أبي ان ابن شهاب اخبره عن حميد ان أبا هريرة حدثه أن رسول الله أمر الذي يفطر في رمضان أن يصوم يوما مكانه ولكن هذا يخالف رواية أصحاب ابن شهاب فإنهم لم يذكروا هذه الزيادة وقال الشافعي أخبرنا مالك عن عطاء الخراساني عن ابن المسيب قال اتى اعرابي إلى رسول الله فذكر الحديث وقال في أخره فصم يوما مكان ما أصبت وهذا مرسل ولكنه من مراسيل بن المسيب ورواه داود ابن أبي هند عن عطاء فلم يذكر قوله وصم يوما مكانه وعطاء كذبه ابن المسيب وقال ابن حبان كان رديء الحفظ يخطيء ولا يعلم فبطل الاحتجاج به
وأما حديث المستقيء عمدا فهو حديث أبي هريرة عن النبي قال من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ومن استقاء فعليه القضاء فقال الترمذي رقم 720 هذا حديث حسن غريب وقال قال محمد يعني البخاري لا اراه محفوظا وقال أبو داود رقم 2380 سمعت أحمد ابن حنبل يقول ليس من ذا شيء وقال الترمذي في كتاب العلل حدثنا علي بن حجر حدثنا عيسى بن يونس عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن ابي هريرة أن النبي قال من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عمدا فليقض قال الترمذي سألت أبا عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فلم يعرفه إلا من حديث عيسى بن يونس عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن ابي هريرة قال ما أراه محفوظا قال وقد روى يحيى ابن أبي كثير عن عمر بن الحكم أن ابا هريرة كان لا يرى القيء يفطر الصائم وبتقدير صحة الحديث فلا حجة فيه إذ المراد به المعذور الذي اعتقد أنه يجوز له الاستقياء او المريض الذي احتاج أن يستقيء فاستقاء فإن الاستقياء في العادة لا يكون وإلا فلا يقصد العاقل أن يستقيء من غير حاجة فيكون المستقيء متداويا بالاستقياء كما لو تداوى بشرب دواء وهذا يقبل منه القضاء او يؤمر به اتفاقا وقد اختلف الفقهاء في المجامع في نهار رمضان إذا كفر هل يجب
أن يقضي يوما مكان الذي أفطره على ثلاثة اقوال وهي الشافعي أحدها يجب والثاني لا يجب والثالث إن كفر بالعتق أو الإطعام وجب عليه الصيام وإن كفر بالصوم لم يجب عليه قضاء ذلك اليوم
فصل في قبول صلاة الليل بالنهار وصلاة النهار بالليل وقضاء الفائتة
المؤلف: ابن قيم الجوزيةفصل في حكم صلاة الجماعة
========
فصل في حكم صلاة الجماعة
وأما المسألة السادسة وهي هل تصح صلاة من صلى وحده وهو يقدر على الصلاة جماعة أم لا فهذه المسألة مبينة على اصلين احدهما أن صلاة الجماعة فرض ام سنة وإذا قلنا هي فرض فهل هي شرط لصحة الصلاة ام تصح بدونها مع عصيان تاركها فهاتان مسالتان أما المسألة الأولى فاختلف الفقهاء فيها فقال بوجوبها عطاء ابن أبي رباح والحسن البصري وابو عمر الأوزاعي وأبو ثور والإمام أحمد في ظاهر مذهبه ونص عليه الشافعي في مختصر المزني 1 / 109 فقال وأما الجماعة فلا ارخص في تركها إلا من عذر وقال ابن المنذر في كتاب الاوسط ذكر حضور الجماعة على العميان وإن بعدت منازلهم عن المسجد ويدل على ذلك أن شهود الجماعة فرض لا ندب
ثم ذكر حديث ابن ام مكتوم أنه قال يا رسول الله إن بيني وبين المسجد نخلا وشجرا فهل يسعني أن اصلي في بيتي قال تسمع الإقامة قال نعم قال فأتها المسند 3 / 423 ابو داود رقم 552 و 553 وابن ماجة رقم 792 قال ابن المنذر ذكر تخويف النفاق على تارك شهود العشاء والصبح في جماعة ثم قال في أثناء الباب فدلت الأخبار التي ذكرت على وجوب فرض الجماعة على من لا عذر له فمما دل عليه قوله لابن ام مكتوم وهو ضرير لا اجد لك رخصة أبو داود رقم 552 فإذا كان الأعمى لا رخصة له فالبصير أولى أن لا تكون له رخصة قال وفي اهتمامه بأن يحرق على قوم تخلفوا عن الصلاة بيوتهم راجع البخاري رقم 644 مسلم رقم 651 أبين البيان على وجوب فرض الجماعة إذ غير جائز أن يتهدد رسول الله من تخلف عن ندب وعما ليس بفرض مسلم رقم 655 قال ويؤيده حديث أبي هريرة أن رجلا خرج من المسجد بعدما أذن المؤذن فقال أما هذا فقد عصى أبا القاسم ولو كان المرء مخيرا في ترك الجماعة وإتيانها لم يجز أن يعصي من تخلف عما لا يجب عليه أن يحضره وإنما لما امر الله جل ذكره بالجماعة في حال الخوف دل على ان ذلك في حال الأمن اوجب والاخبار المذكورة في ابواب الرخصة في التخلف عن الجماعة لاصحاب الاعذار تدل على فرض الجماعة على من لا عذر له ولو كان
حال العذر وغير حال العذر سواء لم يكن للترخيص في التخلف عنها في ابواب العذر معنى ودل على تأكيد فرض الجماعة قوله من يسمع النداء فلم يجب فلا صلاة له ابو داود رقم 551 وابن ماجة رقم 793 ثم ساق الحديث في ذلك ثم قال وقال الشافعي ذكر الله الاذان بالصلاة فقال وإذا ناديتم إلى الصلواة 5 سورة المائدة / الآية 58 وقال تعالى إذا نودي للصلواة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله 62 سورة الجمعة / الآية 9 وسن رسول الله الأذان للصلوات المكتوبات فأشبه ما وصفت أن لا يحل أن تصلي كل مكتوبة إلا في جماعة حتى لا يخلو جماعة مقيمون أو مسافرون من ان يصلي بهم صلاة جماعة فلا ارخص لمن قدر على صلاة الجماعة في ترك إتيانها إلا من عذر وإن تخلف أحد فصلاها منفردا لم تكن عليه إعادتها صلاها قبل الإمام أو بعده إلا صلاة الجمعة فإن من صلاها ظهرا قبل صلاة الإمام كان عليه إعادتها لأن اتيانها فرض هذا كله لفظ ابن المنذر وقالت الحنفية والمالكية هي سنة مؤكدة ولكنهم يؤثمون تارك السنن المؤكدة ويصححون الصلاة بدونه والخلاف بينهم وبين من قال أنها واجبة لفظي وكذلك صرح بعضهم بالوجوب قال الموجبون قال الله تعالى وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلواة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك 4 سورة النساء / الآية 102 ووجه الاستدلال بالآية من وجوه
أحدها أمره سبحانه لهم بالصلاة في الجماعة ثم أعاد هذا الأمر سبحانه مرة ثانية في حق الطائفة الثانية بقول ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك 4 سورة النساء / الآية 102 وفي هذت دليل على أن الجماعة فرض على الأعيان إذ لم يسقطها سبحانه عن الطائفة الثانية بفعل الأولى ولو كانت الجماعة سنة لكان اولى الاعذار بسقوطها عذر الخوف ولو كانت فرض كفاية لسقطت بفعل الطائفة الأولى ففي الآية دليل على وجوبها على الاعيان فهذه على ثلاثة اوجه امره بها اولا ثم امره بها ثانيا وأنه لم يرخص لهم في تركها حال الخوف الدليل الثاني قوله تعالى يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة ابصرهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سلمون 68 سورة القلم / الآيتان 42 و 43 ووجه الاستدلال بها انه سبحانه عاقبهم يوم القيامة بأن حال بينهم وبين السجود لما دعاهم إلى السجود في الدنيا فأبوا أن يجيبوا الداعي إذا ثبت هذا فإجابة الداعي هي إتيان المسجد بحضور الجماعة لا فعلها في بيته وحده فهكذا فسر النبي الإجابة فروى مسلم في صحيحه رقم 653 عن ابي هريرة قال اتى النبي رجل اعمى فقال يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله أن يرخص له فرخص له فلما ولى دعاه فقال هل تسمع النداء قال نعم قال فأجب فلم يجعل مجيبا له بصلاته في بيته إذا سمع النداء فدل على أن الإجابة المأمور بها هي إتيان المسجد للجماعة ويدل عليه حديث ابن ام مكتوم قال يا رسول الله إن المدينة كثيرة الهوام والسباع فقال رسول الله تسمع حي على الصلاة حي على
الفلاح قال نعم قال فحيهلا رواه ابو داود رقم 553 والإمام أحمد 3 / 423 وحيهلا اسم فعل امر معناه اقبل واجب وهو صريح في ان إجابة هذاالامر بحضور الجماعة وان المتخلف عنها لم يجبه وقد قال غير واحد من السلف في قوله تعالى وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سلمون 68سورة القلم / الآية 43 قال هو قول المؤذن حي على الصلاة حي على الفلاح الدر المنثور 8 / 56 فهذا الدليل مبني على مقدمتين إحداهما أن هذه الإجابة واجبة والثانية لا تحصل إلا بحضور الصلاة في الجماعة وهذا هو الذي فهمه أعلم الأمة وأفقههم من الإجابة وهم الصحابة رضي الله عنهم فقال ابن المنذر في كتاب الأوسط روينا عن ابن مسعود وابي موسى انهما قالا من سمع النداء ثم لم يجب فإنه لا تجاوز صلاته رأسه إلا من عذر مجمع الزوائد 2 / 42 قال وروي عن عائشة أنها قالت من سمع النداء فلم يجب لم يرد خيرا ولم يرد به سنن البيهقي 3 / 57 وعن ابي هريرة انه قال ان تمتليء أذنا ابن آدم رصاصا مذابا خير له من ان يسمع المنادي ثم لا يجيبه فهذا وغيره يدل أن الإجابة عند الصحابة هي حضور الجماعة وأن المتخلف عنها غير مجيب فيكون عاصيا الدليل الثالث قوله تعالى وأقيموا الصلواة وءاتوا الزكوة واركعوا مع الركعين 2 سورة البقرة / الآية 43 ووجه الاستدلال بالآية أنه
سبحانه امرهم بالركوع وهو الصلاة وعبر عنها بالركوع لأنه من اركانها والصلاة يعبر عنها بأركانها وواجباتها كما سماها الله سجودا وقرآنا وتسبيحا فلا بد لقوله مع الركعين 2 سورة البقرة / الآية 43 من فائدة اخرى وليست إلا فعلها مع جماعة المصلين والمعية تفيد ذلك إذا ثبت هذا الأمر المقيد بصفة أو حال لا يكون المأمور ممتثلا إلا بالإتيان به على تلك الصفة والحال فإن قيل فهذا ينتقص بقوله تعالى يمريم اقتني لربك واسجدي واركعي مع الركعين 3 سورة آل عمران / الآية 43 والمرأة لا يجب عليها حضور الجماعة قيل الآية لم تدل على تناول الأمر بذلك لكل امرأة بل مريم بخصوصها امرت بذلك بخلاف قوله وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكوة واركعوا مع الراكعين 2 سورة البقرة / الآية 43 ومريم كانت لها خاصة لم تكن لغيرها من النساء فإن امها نذرتها ان تكون محررة لله ولعبادته ولزوم المسجد وكانت لا تفارقه فأمرت ان تركع مه اهله ولما اصطفاها الله وطهرها على نساء العالمين امرها من طاعته بأمر اختصها به على سائر النساء قال تعالى وإذ قالت الملئكة يمريم إن الله اصطفك وطهرك واصطفك على نساء العلمين يمريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الركعين 3 سورة آل عمران / الآيتان 42 و 43 فإن قيل كونهم مأمورين أن يركعوا مع الراكعين لا يدل على وجوب الركوع معهم حال ركوعهم بل يدل على الإتيان بمثل ما فعلوا كقوله تعالى يايها الذين ءامنوا اتقوا الله وكونوا مع الصدقين 9 سورة التوبة / الآية 119 فالمعية تقضي المشاركة في الفعل ولاتستلزم المقارنة فيه قيل حقيقة المعية مصاحبة ما بعدها لما قبلها وهذه المصاحبة تفيد زائدا على المشاركة ولا سيما في الصلاة
فإنه إذا قيل صل مع الجماعة أو صليت مع الجماعة لا يفهم منه إلا اجتماعهم على الصلاة الدليل الرابع ما ثبت في الصحيحين البخاري رقم 644 مسلم رقم 651 وهذا لفظ البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله قال والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم اخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقا سمينا او مرماتين حسنتين لشهد العشاء وعن ابي هريرة ان رسول الله قال إن اثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا يصلي بالناس ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار متفق على صحته البخاري رقم 657 مسلم رقم 651 واللفظ لمسلم وللإمام أحمد المسند 2 / 367 عنه لولا ما في البيوت من النساء والذرية أقمت صلاة العشاء وامرت فتياني يحرقون ما في البيوت بالنار قال المسقطون لوجوبها هذا ما لا يدل على وجوب صلاة الجماعة لوجوه
أحدها أن هذا الوعيد إنما جاء في المتخلفين عن الجمعة بدليل ما راه مسلم في صحيحه رقم 652 من حديث عبدالله بن مسعود أن النبي قال لقوم يتخلفون عن الجمعة لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم الثاني أن هذا كان جائزا لما كانت العقوبات المالية جائزة ثم نسخ بما نسخ العقوبات المالية الثالث أنه هم ولم يفعل ولو كان التحريق جائزا لكان واجبا فإن العقوبة لا تكون مستوية الطرفين بل إما واجبة أو محرمة فلما لم يفعل ذلك دل على عدم الجواز قالوا والحديث يدل على سقوط فرض الجماعة لأنه هم بالتخلف عنها وهو لا يهم بترك واجب قالوا وأيضا فالنبي إنما هم بإحراق بيوتهم عليهم لنفاقهم لا لتخلفهم عن حضور الجماعة قال الموجبون ليس فيما ذكرتم ما يسقط دلالة الحديث أما قولكم إن الوعيد إنما هو في حق تارك الجمعة فنعم هو في حق تارك الجمعة وتارك الجماعة فحديث أبي هريرة صريح في أنه في حق تارك الجماعة وذلك بين في اول الحديث وآخره وحديث ابن مسعود في ان ذلك لتارك الجمعة أيضا فلا تنافي بين الحديثين وأما قولكم إنه منسوخ فما أصعب هذه الدعوى وأصعب إثباتها فأين شروط النسخ من وجود معارض مقاوم متأخر ولن تجدوا أنتم ولا أحد من اهل الأرض سبيلا إلى إثبات ذلك بمجرد الدعوى وقد اتخذ كثيرا من
الناس دعوى النسخ والإجماع سلما إلى ابطال كثير من السنن الثابتة عن رسول الله وهذا ليس بهين ولا تترك لرسول الله سنة صحيحة ابدا بدعوى الإجماع ولا دعوى النسخ إلى أن يوجد ناسخ صحيح صريح متأخر نقلته الأئمة وحفظته إذ محال على الأمة ان تضيع الناسخ الذي يلزمها حفظه وتحفظ المنسوخ الذي قد بطل العمل به ولم يبق من الدين وكثير من المولدة المتعصبين إذا رأوا حديثا يخالف مذهبهم يتلقونه بالتأويل وحمله على خلاف ظاهره ما وجدوا إليه سبيلا فإذا جاءهم من ذلك ما يغلبهم فزعوا إلى دعوى الاجماع على خلافه فإن رأوا من الخلاف مالا يمكنهم من دعوى الإجماع فزعوا إلى القول بأنه منسوخ وليست هذه طريق أئمة الإسلام بل ائمة الإسلام كلهم على خلاف هذا الطريق وأنهم إذا وجدوا لرسول الله سنة صحيحة صريحة لم يبطلوها بتأويل ولا دعوى إجماع ولانسخ والشافعي وأحمد من اعظم الناس إنكارا لذلك وبالله التوفيق وإنما لم يفعل النبي ما هم به للمانع الذي اخبر أنه منعه منه وهو اشتمال البيوت على من لا تجب عليه الجماعة من النساء والذرية فلو احرقها عليهم لتعدت العقوبة إلى من لا يجب عليه وهذا لا يجوز كما إذا وجب الحد على حامل فإنه لا يقام عليها حتى تضع لئلا تسري العقوبة إلى الحمل ورسول الله لا يهم بما لا يجوز فعله ابدا وقد أجاب عنه بعض اهل العلم بجواب آخر وهو ان القوم كانوا أخوف لرسول الله م8ن ان يسمعوه يقول هذه المقالة ثم يصرون على التخلف عن الجماعة وأما قولكم إن الحديث يدل على عدم وجوب الجماعة لكونه هم بتركها فمما لا يلتفت إليه ولا يظن برسول الله أنه يهم بعقوبة طائفة من
المسلمين بالنار وإحراق بيوتهم لتركهم سنة لم يوجبها الله عليهم ولا رسوله وهو لم يخبر أنه كان يصلي وحده بل كان يصلي جماعة هو واعوانه الذين ذهبوا معه إلى تلك البيوت وايضا فلو صلاها وحده لكان هناك واجبان واجب الجماعة وواجب عقوبة العصاة وجهادهم فترك أدنى الواجبين لأعلاهما كحال يف صلاة الخوف قولكم إنما هم بعقوبتهم على نفاقهم لا على تخلفهم عن الجماعة فهذا يستلزم محظرون الغاء ما اعتبره رسول الله وعلق الحكم به من التخلف عن الجماعة والثاني اعتبار ما الغاه فإنه لم يكن يعاقب المنافقين على نفاقهم بل كان يقبل منهم علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله الدليل الخامس ما رواه مسلم في صحيحه رقم 653 أن رجلا اعمى قال يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المجسد فسأل رسول الله أن يرخص له فرخص له فلما ولى دعاه فقال هل تسمع النداء قال نعم قال فأجب وهذا الرجل هو ابن ام مكتوم واختلف في اسمه فقيل عبدالله وقيل عمرو وفي مسند الإمام أحمد 3 / 423 وسنن أبي داود رقم 552 , 553 عن عمرو ابن ام مكتوم قال قلت يا رسول الله أنا ضرير شاسع الدار ولي قائد لا يلائمني فهل لي رخصة ان اصلي في بيتي قال تسمع النداء قال نعم قال ما أجد لك رخصة قا المسقطون لوجوبها هذا امر استحباب لا امر إيجاب وقوله لا أجد لك رخصة أي إن اردت فضيلة الجماعة
قالوا وهذا منسوخ قال الموجبون الأمر مطلق للوجوب فكيف إذا صرح صاحب الشرع بأنه لا رخصة للعبد في التخلف عنه لضرير شاسع الدار لا يلائمه قائده فلو كان العبد مخيرا بين ان يصلي وحده أو جماعة لكان اولى الناس بهذا التخيير مثل الأعمى ابو بكر ابن المنذر ذكر حضور الجماعة علىالعميان وإن بعدت منازلهم عن المسجد ويدل ذلك على أن شهود الجماعة فرض لاندب وإذا قال لابنأم مكتوم وهو ضرير لا أجد لك رخصة فالبصير أولى ان لا تكون له رخصة السادس ما رواه أبو داود رقم 551 وأبو حاتم ابن حبان في صحيحه رقم 2064 عن ابن عباس قال قال رسول الله من سمع النداء فلم يمنعه من اتباعه عذر قالوا وما العذر قال خوف او مرض لم تقبل منه الصلاة التي صلاها قال المسقطون للوجوب هذا حديث فيه علتان إحدهما أنه من رواية معارك العبدي وهو ضعيف عندهم الثانية إنما يعرف عن ابن عباس موقوفا عليه قال الموجبون قد قال قاسم بن اصبغ في كتابه حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ان النبي قال من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر وحسبك بهذا الإسناد صحة سنن ا لبيهقي 3 / 57
ورواه ابن المنذر حدثنا علي بن عبدالعزيز حدثنا عمرو بن عوف حدثنا هشيم ن شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا راجع صحيح ابن حبان رقم 2064 قالوا ومعارك العبدي قد روى عنه ابو اسحاق السبيعي على جلالته ولو قدر انه لم يصح رفعه فقد صح عن ابن عباس بلا شك وهو قول صاحب لم يخالفه صاحب السابع ما رواه مسلم في صحيحه رقم 654 عن عبدالله بن مسعود قال من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادي بهن فإنهن من سنن الهدى وأن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنكم لو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو انكم تركتم سنة نبيكم لضللتم وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف وفي لفظ وقال إن رسول الله علمنا سنن الهدى وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه فوجه الدلالة أنه جعل التخلف عن الجماعة من علامات المنافقين المعلوم نفاقهم وعلامات النفاق لا تكون بترك مستحب ولا بفعل مكروه ومن استقر علامات النفاق في السنة وجدها إما ترك فريضة أو فعل محرم وقد اكد هذا المعنى بقوله من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث يناجي بهن وسمى تاركها المصلي في بيته متخلفا
تاركا للسنة التي هي طريقة رسول الله التي كان عليها وشريعته التي شرعها لأمته وليس المراد بها السنة التي من شاء فعلها ومن شاء تركها فإن تركها لا يكون ضلالا ولا من علامات النفاق كترك الضحى وقيام الليل وصوم الأثنين والخميس الدليل الثامن ما رواه مسلم في صحيحه رقم 672 من حديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم احدهم وأحقهم بالإمامة اقرؤهم ووجه الاستدلال به أنه امر بالجماعة وأمره على الوجوب التاسع أنه أمر من صلى وحده خلف الصف أن يعيد الصلاة رواه الإمام أحمد مسند 3 / 228 وأهل السنن ابو داود رقم 682 الترمذي رقم 230 و 231 ابن ماجه رقم 1004 وابو حاتم ابن حبان في صحيحه رقم 1198 و 1199 وحسنه الترمذي وعن علي بن شيبان قال خرجنا حتى قدمنا على النبي فبايعناه وصلينا خلفه قال ثم صلينا وراءه صلاة اخرى فقضى الصلاة فرأى رجلا فردا خلف الصف فوقف عيه حتى انصرف وقال استقبل صلاتك لا صلاة للذي خلف الصف رواه الإمام احمد المسند 4 / 23 وابن حبان رقم 2202 وفي رواية الإمام أحمد صليت خلف النبي فرأى رجلا يصلي فردا خلف الصف فوقف نبي الله الرجل حتى انصرف فقال له استقبل صلاتك فلا صلاة لمنفرد خلف الصف قال ابن المنذر وثبت هذا الحديث أحمد وإسحاق
فوجه الدلالة أنه ابطل صلاة المنفرد عن الصف وهو في جماعة وأمره بإعاة صلاته مع أنه لم ينفرد إلا في المكان خاصة فصلاة المنفرد عن الجماعة والمكان أولى بالبطلان يوضحه أن غاية هذا الفذ ان يكون منفردا ولو صحت صلاة المنفرد لما حكم رسول الله بنفيها فأمر من صلى كذلك أن يعيد صلاته قال المسقطون للوجوب لايمكنكم الاستدلال بهذا الحديث إلا بعد إثبات بطلان صلاة الفذ خلف الصف وهذا قول شاذ مخالف لجمهور أهل العلم وقد دل على صحتها إجماع الناس على صحة صلاة المرأة وحدها خلف الصف وقد صلى رسول الله خلف جبريل فروى جابر بن عبدالله أن النبي أتاه جبريل يعلمه مواقيت الصلاة فتقدم جبريل ورسول الله خلفه والناس خلف رسول الله فصلى الظهر حين زالت الشمس وأتاه حين كان الظل مثل شخصه فصنع كما صنع فتقدم جبريل ورسول الله خلفه والناس خلف رسول الله رواه النسائي رقم 513 فقد صلى رسول الله خلف جبريل مقتد يأبه قالوا وقد احرم ابو بكرة فذا خلف الصف ثم مشى حتى دخل الصف ولم يأمره النبي بالإعادة البخاري رقم 783 قالوا وقد احرم ابن عباس البخاري رقم 699 مسلم رقم 763 عن يساره فأخذ بيده فأداره عن يمينه فأدراه عن يمينه ولم يأمره النبي مسلم باستقبال الصلاة بل صحح إحرامه فذا فهذا في النفل وحديث جابر مسلم رقم 3010 في الفرض أنه قام عن يسار رسول الله فأخذ بيده فأقامه عن يمينه
قال الموجبون العجب من معارضة الأحاديث الصحيحة الصريحة بمثل ذلك فإنه لا تعارض بين الأحاديث بوجه من الوجوه وأما قولكم إن هذا قول شاذ فلعمر الله ليس شاذا ومعه رسول الله وسنته الصحيحة والصريحة ولو تركها من تركها فلا يكون ترك السنن لخفائها على من تركها أو لنوع تأيل مسوغا لتركها لغيره وكيف يقدم ترك التارك لهذه السنة عليها هذا وقد قال بهذه السنة جماعة من اكابر التابعين منهم سعيد بن جبير وطاوس وإبراهيم النخعي ومن دونهم كالحكم وحماد وابن ابي ليلى والحسن بن صالح ووكيع وقال بها الأوزاعي حكاه الطحاوي عنه وإسحاق بن راهويه والامام أحمد وابو بكر ابن المنذر ومحمد بن اسحاق بن خزيمة فأين الشذوذ وهؤلاء القائلون وهذه السنة وأما معارضتكم بموقف المرأة فمن أفسد المعارضات لان ذلك هو موقف المرأة المشروع لها حتى لو وقفت في صف الرجال أفسدت صلاة من يليها عند ابي حنيفة واحد القولين في مذهب أحمد فإن قيل لو وقفت فذة خلف صف النساء صحت صلاتها قيل ليس كذلك بل إذا انفردت المرأة عن صف النساء لم تصح صلاتها كالرجل الفذ خلف الرجال ذكر ذلك القاضي ابو يعلى في تعليقه لعموم قوله لا صلاة لفرد خلف الصف مسند أحمد خرج من هذا ما إذا كانت وحدها خلف الرجال للحديث الصحيح بقي فيما عداه على هذا العموم قصة صلاته صلوات الله وسلامه عليه خلف جبريل وحده والصحابة خلفه فقد أجيب عنها بأنها كانت في اول الامر حين علمه
مواقيت الصلاة وقصة امره الذي صلى خلف الصف فذا بالإعادة متأخرة بعد ذلك وهذا جواب صحيح وعندي فيه جواب آخر وهو ان النبي كان هو إمام المسلمين فكان بين أيديهم وكان هو المؤتم بجبريل وحده وكان تقدم جبريل عليه السلام ابلغ في حصول التعليم من ان يكون إلى حانبه كما ان النبي صلى بهم على المنبر ليأتموا وليتعلموا صلاته وكان ذلك لأجل التعليم لم يدخب في نهيه الإمام به إذا ام الناس ان يقوم في مقتم ارفع منهم راجع ابو داود رقم 597 , 598 وأما قصة ابي بكرة فليس فيها انه رفع رأسه من الركوع قبل دخوله في الصف وإنما يمكن التمسك بها لو ثبت ذلك ولا سبيل إليه وقد اختلفت الرواية عن الإمام أحمد فيمن ركع دون الصف ثم مشى راكعا حتى دخل فيه بعد ان رفع الإمام رأسه من الركوع وعنه في ذلك ثلاث روايات تصح مطلقا وحجة هذه الرواية أن النبي لم يأمر ابا بكرة بالإعادة ولا استفصله هل ادركه قبل رفع رأسه من الركوع ام لا ولو اختلف الحال لاستفصله سعيد بن منصور في سننه الموطأ 1 / 165 سنن البيهقي 2 / 90 و 3 / 106 عن زيد بن ثابت أنه كان يركع قبل أن يدخل في الصف ثم يمشي راكعا ويعتد بها وصل الصف ام لم يصل والرواية الثانية انها لا تصح نص عليها في رواية إبراهيم بن الحارث ومحمد بن الحكم وفرق بينه وبين من ادرك الركوع في الصف لأنه لم
يدرك في الصف ما يدرك به الركعة فأشبه ما لو أدركه وقد سجد وهذه الرواية أصح عند أكثر أصحابه والرواية الثالثة إن كان عالما بالنهي لم تصح صلاته وإلا صحت لقصة أي بكرة وقول النبي لا تعد والنهي يقتضي الفساد ولكن ترك في الجاهل به حيث لم يأمره بالإعادة وكان هذه حال أبي بكرة وأما قصة ابن عباس وجابر في ترك أمرهها بابتداء الصلاة وقد أحرما فذين فهذه اولا ليس فيه أنهما قد دخلا في الصلاة وإنما فيه أنهما وقفا عن يساره فادارهما عند اول وقوفهما ولو قدر أنهما احرما كذك فمن أحرم فذا صح إحرامه بالصلاة ودخوله فيها وإنما الاعتبار بالركوع وحده وإلا فمن وقف معه آخر قبل الركوع صحت صلاته ولو اعتبرنا إحرام المأمومين جميعا لم ينعقد تحريم أحد حتى يتفق هو ومن إلى جانبه في ابتداء التكبير وانتهائه وهذا من أعظم الحرج والمشقة ولهذا لم يعتبره أحد أصلا والله أعلم الدليل العاشر ما رواه أبو داود في سننه رقم 547 والإمام أحمد في مسنده 5 / 196 من حديث أبي الدرداء قال قال رسول الله ما ثلاثة في قرية لا يؤذن ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية فوجه الاستدلال منه أنه أخبر باستحواذ الشيطان عليهم بترك الجماعة التي شعارها الأذن وإقامة الصلاة ولو كانت الجماعة ندبا يخير الرجل بين فعلها وتركها لما استحوذ الشيطان على تاركها وتارك شعارها الدليل الحادي عشر ما رواه في صحيحة رقم 655 من حديث أبي الشعثاء المحاربي قال كنا قعودا في المسجد فأذن المؤذن
فقام رجل من المسجد يمشي فأتبعه أبو هريرة بصرة حتى خرج من المسجد فقال أبو هريرة أما هذا فقد عصى أبا القاسم ﷺ وفي رواية سمعت أبا هريرة وقد رأى رجلا يجتاز في المسجد خارجا بعد الأذان فقال أما هذا فقد عصى أبا القاسم ووجه الاستدلال به أنه جعله عاصيا لرسول الله بخروجه بعد الأذان لتركه الصلاة جماعة ومن يقول الجماعة ندب يقول لا يعصي الله ولا رسوله من خرج بعد الأذان وصلى وحده وقد احتج ابن المنذر في كتابه على وجوب الجماعة بهذا الحديث وقال لو كان المرء مخيرا في ترك الجماعة وإتيانها لم يجزأ أن يعصي من تخلف عما لا يجب عليه أن يحضره والذي يقول صلاة الجماعة ندب إن شاء فعلها وإن شاء تركها يجوز للرجل أن يخرج من المسجد وقد أخذ المؤذن في إقامة الصلاة بل يجوز له ان يجلس فلا يصلي مع الإمام والجماعة فإذا صلوا قام فصلى وحده ولو رأى رسول الله وأصحابه من يفعل هذا لأنكروا عليه غاية الإنكار بل قد أنكر ما هو دون هذا وهو على من لا يصلي مع الجماعة اكتفاء بصلاته في رحله وقال ما لك لا تصلي معنا الست برجل مسلم مسند أحمد 4 / 34 النسائي رقم 857 وأمر بالصلاة في الجماعة لمن صلى ثم أتى مسجد الجماعة فقال إذا صليتما في رحاللكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة الترمذي رقم 219 النسائي رقم 858 مسند أحمد 4 / 160
الدليل الثاني عشر إجماع الصحابة رضي الله عنهم ونحن نذكر نصوصهم قد تقدم قول ابن مسعود ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق مسلم رقم 654 وقال الإمام أحمد حدثنا وكيع حدثنا سليمان بن المغيرة عن ابي موسى الهلالي عن ابن مسعود قال من سمع المنادي فلم يجب من غير عذر فلا صلاة له المحلى 4 / 195 وقال أحمد أيضا حدثنا وكيع حدثنا مسعر عن ابي الحصين عن ابي بردة عن أبي موسى الاشعري قال من سمع المنادي فلم يجب بغير عذر فلا صلاة له المحلى 2 \ 42 مستدرك الحاكم 1 \ 246 وقال أحمد حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي حيان التيمي عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد قيل ومن جار المسجد قال من سمع المنادي سنن البيهقي 3 / 57 و 174 وقال سعيد بن منصور حدثنا هشيم أخبرنا منصور عن الحسن بن علي قال من سمع النداء فلم يأته لم تجاوز صلاته رأسه إلا من عذر وقال عبدالرزاق 1 / 498 عن انس عن ابي إسحاق عن الحارث عن علي قال من سمع النداء من جيران المسجد وهو صحيح من غير عذر فلا صلاة له
وقال وكيع عن عبد الرحمن بن حصين عن أبي نجيح المكي عن أبي هريرة قال أن تمتليء أذنابن آدم رصاصا مذابا خير له من ان يسمع المنادي ثم لا يجيبه المحلى 4 / 195 وقال الإمام أحمد حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن عدي بن ثابت عن عائشة ام المؤمنين رضي الله عنها قالت من سمع المنادي فلم يجب عن غير عذر لم يجد خيرا ولم يرد به سنن البيهقي 3 / 57 قال وكيع حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عابس قال من سمع النداء ثم لم يجب من غير عذر فلا صلاة له صحيح ابن حبان رقم 2064 وقال عبدالرزاق 5 / 245 عن ليث عن مجاهد قال سأل رجل ابن عباس فقال رجل يصوم النهار ويقوم الليل لا يشهد جمعة ولا جماعة فقال ابن عباس هو في النار ثم جاء الغد فسأله عن ذلك فقال هو في النار قال واختلف إليه قريبا من شهر يسأله عن ذلك ويقول ابن عباس هو في النار فهذه نصوص الصحابة كما تراها صحة وشهرة وانتشارا ولم يجيء عن صحابي واحد خلاف ذلك وكل من هذه الآثار دليل مستقل في المسألة لو كان وحدة فكيف إذا تعاضدت وتضافرت وبالله التوفيق
فصل في حكم صلاة الجماعة
المؤلف: ابن قيم الجوزيةفصل في هل الجماعة شرط في صحة الصلاة أم لا
========
فصل في هل الجماعة شرط في صحة الصلاة أم لا
وأما المسالة السابعة وهي هل الجماعة شرط في صحة الصلاة أم لا فاختلف الموجبون لها في ذلك على قولين أحدهماأنها فرض يأثم تاركها وتبرأ ذمته بصلاته وحده وهذا قول أكثر المتأخرين من اصحاب أحمد ونص عليه أحمد في رواية حنبل فقال إجابة الداعي إلى الصلاة فرض ولو أن رجلا قال هي عندي سنة أصليها في بيتي مثل الوتر وغيره لكان خلاف الحديث وصلاته جائزة وعنه رواية ثانية ذكرها أبو الحسن الزعفراني في كتاب الإقناع أنها شرط للصحة فلا تصح صلاة من صلى وحده وحكاه القاضي عن بعض الاصحاب واختاره أبو الوفاء ابن عقيل وأبو الحسن التميمي وهو قول داود وأصحابه قال ابن حزم المحلى 4 / 196 وهوقول جميع اصحابنا ونحن نذكر حجج الفريقين قال المشترطون كل دليل ذكرناه في الوجوب يدل على انها شرط فإنها إذا كانت واجبة فتركها المكلف لم يفعل ماأمر به فبقي في عهدة الأمر قالوا ولو صحت الصلاة بدونها لما قال أصحاب رسول الله إنه لا صلاة له ولو صحت لما قال النبي من سمع المنادي ثم لم يجبه لم تقبل منه الصلاة التي صلى
فلما وقف القبول عليها دل على اشتراطها كما أنه لما وقف القبول على الوضو من الحدث دل على اشتراطه ونفي القبول إما ان يكون لفوات ركن او شرط ولا ينتقض هذا بنفي القبول عن صلاة العبد الآبق وشارب الخمر أربعين يوما لأن امتناع القبول هناك لارتكاب ارم محرم قارن الصلاة فأبطل أجرها قالوا ولو صحت صلاة المنفرد لما قال ابن عباس إنه في النار قالوا لو صحت صلاته أيضا لما كانت واجبة وأنه إنما يصح عبادة من ادى ما أمر به وقد ذكرنا من أدلة الوجوب ما فيه كفاية قال المصححون لها وهم ثلاثة أقسام قسم يجعلها سنة إذا شاء فعلها وإن شاء تركها وقسم يجعلها فرض كفاية إذا قام بها طائفة سقطت عمن عداهم يقول هي فرض على الأعيان وتصح بدونها وقد ثبت في الصحيحين البخاري رقم 645 مسلم رقم 650 من حديث ابن عمر قال قال رسول الله صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة وفيهما البخاري رقم 647 مسلم رقم 649 عن ابي هريرة عن النبي صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وسوقه خمسة وعشرين ضعفا وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعت لها بها درجة
وحطت عنه بها خطيئة فإذا صلى لم نزل الملائكة تصلي عليه ما دام في وصلاة ما لم يحدث اللهم صل عليه اللهم ارحمه ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة قالوا فلو كانت صلاة المنفرد باطلة لم يفاضل بينها وبين صلاة الجماعة إذ لا مفاضلة بين الصحيح والباطل قالوا وفي صحيح مسلم رقم 656 من حديث عثمان بن عفان أن النبي قال من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله قالوا فشبه فعلها في جماعة بما ليس بواجب والحكم في المشبه كهو في المشبه به أو دونه في التأكيد قالوا وقد روى يزيد بن الأسود قال شهدت مع النبي حجته فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف فلما قضى صلاته انحرف فإذا هو برجلين في آخر القوم لم يصليا قال علي بهما فجيء بهما ترعد فرائصهما قال ما منعكما أن تصليا معنا فقالا يا رسول الله قد صلينا في رحالنا قال فلا تفعلوا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة رواه أهل السنن النسائي رقم 858 أبو داود رقم 575 الترمذي رقم 219 وعند أبي داود إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك مع الأمام فليصلها معه فإنها له نافلة قالوا ولولا صحة الأولى لم تكن الثانية نافلة وعن محجن بن الأدرع قال اتيت النبي فحضرت الصلاة فصلى يعني ولم أصل فقال لي ألا صليت قلت يا رسول الله قد
صليت في الرحل ثم أتيتك قال فإذا جئت فصل معهم واجعلها نافلة رواه الإمام أحمد المسند 4 / 34 وفي الباب عن ابي هريرة وعن ابي ذر وعبادة وعبدالله بن عمر ولفظ حديث ابن عمر عن سليمان مولى ميمونة قال اتيت على ابن عمر وهو بالبلاط والقوم يصلون في المسجد فقلت ما يمنعك أن تصلي مع الناس قال إني سمعت رسول الله يقول لا تصلوا صلاة في يوم مرتين رواه أبو داود رقم 579 والنسائي رقم 860
فصل في ادلة الموجبين الجماعة لصحة الصلاة
قال الموجبون التفضيل لا يستلزم براءة الذمة من كل وجه سواء كان مطلقا أو مقيدا فإن التفضيل يحصل مع مناقضة المفضل للمفضل عليه من كل وجه كقوله تعالى اصحب الجنة يومئذ خير مستقرا واحسن مقيلا 25 الفرقان / الآية 24 وقوله تعالى قل أذلك خير أم جنة الخلد 25 سورة الفرقان / الآية 15 وهو كثير فكون صلاة الفذ جزءا واحدا من سبعة وعشرين جزءا من صلاة الجميع لا يستلزم إسقاط فرض الجماعة ولزوم كونها ندبا بوجه من الوجوه وغايتها ان يتأدى الواجب بهما وبينهما من الفضل ما بينهما فإن الرجلين يكون مقامهما في الصف واحدا وبين صلاتهما في الفضل كما بين السماء والأرض وفي السنن أبو داود رقم 796 عنه إن العبد ليصلي
الصلاة ولم يكتب له من الأجر إلا نصفها ثلثها ربعها خمسها حتى بلغ عشرها فإذا عقل اثنان يصليان فرضهما صلاة احدهما افضل من صلاة الآخر بعشرة اجزاء وهما فرضان فهكذا يعقل مثله في صلاة الفذ وصلاة الجماعة وأبلغ من هذا قوله ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها اتحاف السادة المتقين 3 / 112 و 4 / 123 فإذا لم يعقل في صلاته إلا في جزء واحد كان له من الاجر بقدر ذلك الجزء وإن برئتى ذمته من الصلاة فهكذا المصلي وحده له جزء واحد من الأجر وإن برئت الذمة ومثل هذه الصلاة لا يسميها الشارع صحيحة وإن اصطلح الفقهاء على تسميتها صلاة فإن الصحيح المطلق ما تربت عليه اثره وحصل به مقصودة وهذه قد فات معظم أثرها ولم يحصل منها جل مقصودها فهي ابعد شيء من الصحة واحسن أحوالها أن ترفع عنه العقاب وإن حصلت شيئا من الثواب فهو جزء وما هذا إلا على قول من لا يجعلها شرطا للصحة وأما من جعلها شرطا لا تصح بدونه فجوابه إن التفضيل إنما هو بين صلاتين صحيحتين وصلاة الرجل وحده إنما تكون صحيحة للعذر وأما بدون العذر فلا صلاة له كما قال الصحابة رضي الله عنهم وهؤلاء لو أجابوا بهذا لرد عليهم منازعوهم إن المعذور يكمل له أجره فأجابوا على ذلك بأنه لا يستحق بالفعل إلا جزءا واحدا وأما التكميل فليس من جهة الفعل بل بالنية إذا كان من عادته ان يصلي جماعة فمرض او حبس أو سافر وتعذرت عليه الجماعة والله يعلم أن من نيته أن لو
قدر على الجماعة لما تركها فهذا يكمل له أجره مع أن صلاة الجماعة افضل من صلاته من حيث العملين قالوا ويتعين هذا ولا بد فإن النصوص قد صرحت بأنه لا صلاة لمن سمع النداء ثم صلى وحده فدل على ان من له جزء من سبعة وعشرين جزءا هو المعذور الذي له صلاة قالوا والله تعالى يفضل القادر على العاجز وإن لم يؤاخذه فذلك فضله يؤتيه من يشاء وفي صحيح البخاري رقم 1115 عن عمران بن حصين وكان مبسورا قال سألت رسول الله عن صلاة الرجل وهو قاعد فقل من صلى قائما فهو افضل ومن صلى قاعدا فله نصف اجر القائم ومن صلى نائما فله نصف اجر القاعد فهذا إنما هو في المعذور وإلا فغير المعذور ليس له من الأجر شيء إذا كانت الصلاة فرضا وإن كانت نفلا لم يجز له التطوع على جنب فإنه لم يفعله رسول الله يوما من الدهر ولا أحد من الصحابة البتة مع شدة حرصهم على أنواع العبادة وفعل كل خير ولهذا جمهور الأمة يمنع منه ولا تجوز الصلاة على جنب إلا لمن لم يستطع القعود كما قال النبي لعمران صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب البخاري رقم 1117 وعمران بن حصين هو راوي الحديثين وهو الذي سأل عنهما النبي
فصل في مناقشة أدلة منكري فرضية الجماعة
استدلالكم بحديث عثمان بن عفان من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل مسلم رقم 656 فمن افسد الاستدلال واظهر ما في نقضه عليكم قوله من صام رمضان واتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر مسلم رقم 1164 الترمذي رقم 759 ابو داود رقم 2433 ابن ماجه رقم 1716 وصيام الدهر غير واجب وقد شبه به الواجب بل الصحيح أن صيام الدهر كله مكروه فقد شبه به الصوم الواجب فغير ممتنع تشبيه الواجب بالمستحب في مضاعفة الأجر على الواجب القليل حتى يبلغ ثوابه ثواب المستحب الكثير وأما استدلالكم بحديث يزيد بن الأسود ومحجن بن الأدرع وأبي ذر وعبادة فليس في حديث واحد منهم أن الرجل كان قد صلى وحده منفردا مع قدرته على الجماعة البتة ولو اخبر النبي لما اقره على ذلك وانكرعليه وكذلك ابن عمر لم يقل صليت وحدي وأنا اقدر على الجماعة نقول إنه لم يصل من ترك الجماعة وهو يقدر عليها ونقول كما قال أصحاب رسول الله إنه لا صلاة له فحيث يثبت لهؤلاء صلاة فلا بد من احد الأمرين أن يكونوا صلوا جماعة مع غير هذه الجماعة أويكونوا معذورين وقت الصلاة ومن صلى وحده لعذر ثم زال عذره في الوقت لم يجب عليه إعادة الصلاة كما لو صلى بالتيمم ثم وجد الماء في
الوقت او صلى قاعدا لمرض ثم بريء في الوقت او صلى عريانا ثم وجد السترة في الوقت وقد دلت احكام الشريعة على ان صلاة الجماعة فرض على كل واحد وذلك من وجوه أحدها ان الجمع لأجل المطر جائز وليس جوازه إلا محافظة على الجماعة وإلا فمن الممكن ان يصلي كل واحد في بيته منفردا ولو كانت الجماعة ندبا لما جاز ترك الواجب وتقديم الصلاة في وقتها لأجل ندب محض أن المريض إذا لم يستطع القيام في الجماعة وأطاق القيام إذا صلى وحده صلى جماعة وترك القيام ومحال أن يترك ركنا من اركان الصلاة لمندوب محض أن الجماعة حال الخوف يفارقون الإمام ويعملون العمل الكثير في الصلاة ويجعلون الإمام منفردا في وسط الصلاة كل ذلك لأجل تحصيل الجماعة وكان من الممكن أن يصلوا وحدانا بدون هذه الأمور ومحال ان يرتكب ذلك وغيره لأجل امر مندوب إن شاء فعله وإن شاء لم يفعله وبالله التوفيق
فصل في هل الجماعة شرط في صحة الصلاة أم لا
المؤلف: ابن قيم الجوزيةفصل في هل يتعين المسجد لصلاة الجماعة أم لا
======
فصل في هل يتعين المسجد لصلاة الجماعة أم لا
المسألة الثامنة وهي هل له فعلها في بتيه أم يتعين المسجد فهذه المسألة فيها قولان للعلماء وهما روايتان عن الإمام أحمد احدهما له فعلها في بيته وبذلك قالت الحنفية والمالكية وهو احد الوجهين للشافعية ليس له فعلها في البيت إلا من عذر وفي المسألة قول ثالث فعلها في المسجد فرض كفاية وهو الوجه الثاني لأصحاب الشافعي القول الأول حديث الرجلين اللذين صليا في رحالهما فإن النبي ندبهما إلى فعلها في المسجد ولم ينكر عليهما فعلها في رحالهما وكذلك حديث محجن بن الأدرع وحديث عبدالله بن عمر وقد تقدمت هذه الاحاديث وفي الصحيحن البخاري رقم 380 مسلم رقم 659 عن انس بن مالك قال كان النبي أحسن الناس خلقا فربما حضرت الصلاة وهو في بيتنا فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس وينضح ثم يقوم ونقوم خلفه فيصلي بنا وفي الصحيحين البخاري رقم 689 مسلم رقم 411 عنه أيضا قال سقط النبي عن فرس فجحش شقة الايمن فدخلنا عليه
نعوده فحضرت الصلاة فصلى قاعدا البخاري رقم 689 مسلم رقم 411 و في الصحيحن البخاري رقم 3425 مسلم رقم 520 ايضا عن ابي ذر قال سألت النبي اي مسجد وضع في الارض اول قال المسجد الحرام ثم المسجد الاقصى ثم حيثما أدركتك الصلاة فصل فإنه مسجد وصح عنه جعلت لي كل أرض طيبة مسجدا وطهورا البخاري رقم 335 مسلم رقم 521 ووجه الرواية الثانية ما تقدم من الأحاديث الدالة على وجوب الجماعة فإنها صريحة في إتيان المساجد وفي مسند الإمام أحمد 3 / 423 عن ابن ام مكتوم أن رسول الله اتى المسجد فرأى في القوم4 رقة فقال إني لأهم أن اجعل للناس إماما ثم اخرج فلا اقدر على انسان يتخلف عن الصلاة في بيته إلا احرقته عليه وفي لفظ لأبي داود رقم 553 ثم آتى قوما يصلون في بيوتهم ليست بهم علة فأحرق عليهم بيوتهم و قال له ابن ام مكتوم وهورجل اعمى هل تجد لي رخصة ان اصلي في بيتي قال لا أجد لك رخصة ابو داود رقم 552 وقال ابن مسعود لو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم مسلم رقم 654 وعن جابر بن عبدالله قال فقد النبي قوما في صلاة فقال ما
خالفكم عن الصلاة فقالوا الماء كان بيننا فقال لا صلاة لجار المسجد إلا في السمجد رواه الدار قطني السنن 3 / 111 و 174 وقد تقدم هذا المعنى عن علي ابن ابي طالب وغيره من الصحابة فإن خالف وصلى في بيته جماعة من غير عذر ففي صحة صلاته قولان / 111 و 174 على نفي الكمال جمعا بينهما والرواية الأولى اختيار اصحابنا وان حضور المسجد لا يجب وهي عندي بعيدة جدا إن حملت على ظاهرها فإن الصلاة في المسجد من اكبر شعائر الدين وعلاماته وفي تركها بالكلية او في المفاسد ومحو آثار الصلاة بحيث تفضي إلى فتور همم اكثر الخلق عن اصل فعلها ولهذا قال عبدالله بن مسعود لو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم قال وإنما معنى هذه الرواية والله اعلم أن فعلها في البيت جائز لآحاد الناس إذا كانت تقام في المساجد فيكون فعلها في المسجد فرض كفاية على هذه الرواية وعلى الآخرى فرض عين قال ويدل على ذلك جواز الجمع بين الصلاتين للأمطار ولو كان
الواجب فعل الجماعة فقط دون الفعل في المسجد لما جاز الجمع لذلك لأن اكثر الناس قادرون على الجماعة في البيوت فإن الإنسان غالبا لا يخلو أن تكون عنده زوجة او ولد او غلام او صديق او نحوهم فيمكنه الصلاة جماعة فلا يجوز ترك الشرط وهو الوقت من اجل السنة فلما جاز الجمع علم ان الجماعة في المساجد فرض إما على الكفاية وإما على الاعيان هذا كلامه ومن تأمل السنة حق التأمل تبين له ان فعلها في المساجد فرض على الأعيان إلا لعارض يجوز معه ترك الجمعة والجماعة فترك حضور المسجد لغير عذر كترك أصل الجماعة لغير عذر وبهذا تتفق جميع الأحاديث والآثار مات رسول الله وبلغ اهل مكة موته خطبهم سهيل بن عمرو وكان عتاب بنأسيد عاملة على مكة قد توارى خوفا من اهل مكة فأخرجه سهيل وثبت اهل مكة على الأسلام فخطبهم بعد ذلك عتاب وقال يا اهل مكة والله لا يبلغني أن احدا منكم تخلف عن الصلاة في المسجد في الجماعة إلا ضربت عنقه وشكر لهاصحاب رسول الله هذا الصنيع وزاده رفعة في اعينهم فالذي ندين الله به انه لا يجوز لاحد التخلف عن الجماعة في المسجد إلا من عذر والله اعلم بالصواب
فصل في هل يتعين المسجد لصلاة الجماعة أم لا
المؤلف: ابن قيم الجوزيةفصل في حكم من نقر الصلاة ولم يتم ركوعها ولا سجودها
=======
فصل في حكم من نقر الصلاة ولم يتم ركوعها ولا سجودها
وأما المسألة التاسعة وهي حكم من نقر الصلاة ولم يتم ركوعها ولا سجودها المسألة قد شفى فيها رسول الله وكفى وكذلك اصحابه من بعده فلا معدل لناصح نفسه عما جاءت به السنة في ذلك ونحن نسوق مذهب رسول الله وأصحابه في ذلك بألفاظه فعن ابي هريرة ان النبي دخل المسجد فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على النبي فرد عليه السلام فقال ارجع فصل فإنك لم تصل ثلاثا فقال والذي بعثك بالحق ما احسن غيره فعلمني قال إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها متفق على صحته البخاري رقم 6251 مسلم رقم 397 وهذا لفظ البخاري وفيه دليل على تعين التكبير للدخول في الصلاة وأن غيره لا يقوم مقامه كما يتعين الوضوء واستقبال القبلة وعلى وجوب القراءة وتقييدعا بما تيسر ولا ينفي تعين الفاتحة بدليل آخر فإن الذي قال هذا الذي قال كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج مسلم رقم 395 وهو الذي قال لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب البخاري
مسلم رقم 394 ولا تضرب سننه بعضها ببعض وفي دليل على وجوب الطمأنينة وأن من تركها لم يفعل ما امر به فيبقى مطالبا بالأمر وتأمل امره بالطمأنينة في الركوع والاعتدال في الرفع منه فإنه لا يكفي مجرد الطمأنينة في ركن الرفع حتى تعتدل قائما قلنا فيجمع بين الطمأنينة والاعتدال خلافا لمن قال إذا ركع ثم سجد من ركوعه ولم يرفع رأسه صحت صلاته فلم يكتف من شرع الصلاة بمجرد الرفع حتى يأتي به كاملا بحيث يكون معتدلا فيه ولا ينفي هذا وجوب التسبيح في الركوع والسجود والتسميع والتحميد في الرفع بدليل آخر فإن الذي قال هذا وأمر به هو الذي امر بالتسبيح في الركوع فقال لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم قال اجعلوها في ركوعهم وأمر بالتحميد في الرفع فقال إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد الترمذي رقم 267 فهو الذي امرنا بالركوع وبالطمأنينة فيه وبالتسبيح والتحميد وقال في الرفع من السجود ثم ارفع حتى تطمئن جالسا وفي لفظ حتى تعتدل جالسا فلم يكتف بمجرد الرفع كحد السيف حتى تحصل الطمأنينة والاعتدال ففيه امر بالرفع والطمأنينة فيه والاعتدال يمكن التمسك بما لم يذكر في هذا الحديث على اسقاط وجوبه عند أحد من الأئمة فإن الشافعي يوجب الفاتحة والتشهد الأخير والصلاة على النبي ولم يذكر فيه
وابو حنيفة يوجب الجلوس مقدار التشهد والخروج من الصلاة بالمنافي ولم يذكر ذلك فيه ومالك يوجب التشهد والسلام ولم يذكر ذلك فيه وأحمد يوجب التسبيح في الركوع والسجود والتسميع والتحميد وقول رب اغفر لي ولم يذكر في الحديث فلا يمكن لاحد ان يسقط كل ما لم يذكر فيه فإن قيل فرسول الله قد اقره على تلك الصلاة مرتين ولو كانت باطلة لم يقره عليها فإنه لا يقر على باطل قيل كيف يكون قد اقره وهو يقول له ارجع فصل فإنك لم تصل فأمره ونفى عنه مسمى الصلاة التي شرعها واي إنكار ابلغ من هذا فإن قيل فهو لم ينكر عليه في نفس الصلاة قيل نعم لما في ذلك من التنفير له وعدم تمكنه من التعليم كما ينبغي كما اقر الذي بال في المسجد على إكمال بوله حتى قضاها ثم علمه وهذا من رفقة وكمال تعليمه ولطفه صلوات الله وسلامه عليه فإن قيل فهلا قال له في نفس الصلاة اقطعها قيل لم يقل للبائل اقطع بولك وهذا أولى نعم لو أقره على تلك الصلاة ولم يأمره بإعادتها ولم ينف عنه الصلاة الشرعية كان فيه متمسك لكم فإن قيل قوله لم تصل اي لم تصل صلاة كاملة وإنما الممتنع أن تكون له صلاة صحيحة قد اخل ببعض مستحباتها ثم يقول له ارجع فصل فإنك لم تصل هذا في غاية البطلان
وعن رفاعة بن رافع ان رسول الله بينما هو جالس في المسجد يوما ونحن معه إذ جاء رجل كالبدوي فصلى فأخف صلاته ثم انصرف فسلم على النبي فقال فقال وعليك فارجع فصل فإنك لم تصل ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا كل ذلك يأتي النبي فيسلم على النبي فيقول النبي وعليك فارجع فصل فإنك لم تصل فخاف الناس وكبر عليهم ان يكون من اخف صلاته لم يصل فقال الرجل في آخر ذلك فأرني وعلمني فإنما أنا بشر اصيب وأخطيء فقال اجل إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما امر الله ثم تشهد واقم فإن كان معك قرآن فاقرأ وإلا فاحمد الله وكبره وهلله ثم اركع فاطمئن راكعا ثم اعتدل قائما ثم اسجد فاعتدل ساجدا ثم اجلس فاطمئن جالسا ثم قم فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك وإن انتقصت منه شيئا انتقصت من صلاتك قال فكان هذا اهون عليهم من الاول أنه من انتقص من هذا شيئا انتقص من صلاته ولم تنقص كلها رواه الإمام أحمد المسند 4 / 340 وأهل السنن الترمذي رقم 302 ابو داود رقم 858 النسائي رقم 1053 وفي رواية أبي داود رقم 861 وتقرأ بما شئت من القرآن ثم تقول الله اكبر وعنده فإن كان معك قرآن فاقرأ به وفي رواية لأحمد المسند 4 / 340 إذا اردت ان تصلي فتوضأ فاحسن وضوءك ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ بأم القرآن ثم اقرأ بما شئت فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك وامدد ظهرك ومكن لركوعك فإذا رفعت رأسك فاقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصليها فإذا سجدت فمكن لسوجودك فإذا رفعت فاعتمد على فخذك اليسرى ثم اصنع ذلك في كل ركعة وسجدة
فإذا ضممت قوله في هذا الحديث توضأ كما امر الله إلى قوله في الصفا والمروة ابدؤوا بما بدأ الله به مسلم رقم 1218 أفاد وجوب الوضوء على الترتيب الذي ذكره الله سبحانه وقوله في الحديث اقرأ بأم القرآن ثم اقرا بما شئت تقيد لمطلق قوله اقرأ بما تيسر معك من القرآن وهذا معنى قوله في الحديث وتقرأ بما شئت من القرآن وقال فإن كان معك قرآن وإلا فاحمد الله وكبره وهلله فألفاظ الحديث يبين بعضها بعضا وهي تبين مراده فلا يجوز ان يتعلق بلفظ منها ويترك بقيتها وقوله ثم تقول الله اكبر فيه تعيين هذا اللفظ دون غيره وهو التكبير المعهود في قوله تحريمها التكبير مسند أحمد 1 / 123 و 129 أبو داود رقم 461 الترمذي رقم 3 ابن ماجة رقم 275 وقوله فإذا رفعت رأسك فأقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها صريح في وجوب الرفع والاعتدال منه والطمأنينة فيه وعن ابي مسعود البدري قال قال رسول الله لا تجزيء صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود رواه الإمام أحمد المسند 4 / 119 واهل السنن الترمذي رقم 265 أبو داود رقم 855 النسائي رقم 1027 ابن ماجه رقم 870 وقال الترمذي حديث حسن صحيح وهذا نص صريح في أن الرفع من الركوع وبين السجود الاعتدال فيه والطمأنينة فيه ركن لا تصح الصلاة إلا به
وعن علي بن شيبان قال خرجنا حتى قدمنا على رسول الله فبايعناه وصلينا خلفه فلمح بمؤخر عينيه رجلا لا يقيم صلاته يعني صلبه في الركوع والسجود فلما قضى النبي قال يا معشر المسلمين لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الركوع والسجود رواه الإمام أحمد المسند 4 / 23 وابن ماجه رقم 871 وقوله لا صلاة يعني تجزية بدليل قوله لا تجزيء صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود ولفظ أحمد في هذا الحديث لاينظر الله إلى رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده وعن ابي هريرة أن رسول الله قال لا ينظر الله إلى صلاة رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده رواه الإمام أحمد المسند 2 / 525 وفي سنن البيهقي السنن الكبرى 2 / 88 عن جابر بن عبدالله قال قال رسول الله لا تجزيء صلاةلا يقيم الرجل فيها صلبة في الركوع والسجود وقد نهى النبي عن نقر المصلي صلاته وأخبر أنها صلاة المنافقين وفي المسند 3 / 428 والسنن النسائي رقم 1112 أبو داود رقم 862 ابن ماجه رقم 1429 من حديث عبدالرحمن بن شبل قال نهى رسول الله عن نقرة الغراب وافتراش السبع وعن توطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير فتضمن الحديث النهي في الصلاة عن التشبه بالحيوانات بالغراب في النقرة وبالسبع بافتراشه ذراعية في السجود وبالبعير في لزومه مكانا معينا من المسجد يتوطنه كما يتوطن البعير
وفي حديث آخر نهى عن عن التفات كالتفات الثعلب وإقعاء كإقعاء الكلب ورفع الأيدي كأذناب الخيل مسند أحمد 2 / 311 فهذه ست حيوانات نهى عن التشبه بها وأما ما وصفه من صلاة النقار بأنها صلاة المنافقين ففي صحيح مسلم رقم 622 عن علاء بن عبدالرحمن أنه دخل على انس بن مالك في داره بالبصرة حين انصرف من الظهر قال فلما دخلنا عليه قال أصليتما العصر فقلنا إنما انصرفنا الساعة من الظهر قال تقدموا فصلوا العصر فقمنا فصلينا فلما انصرفنا قال سمعت رسول الله يقول تلك صلاة المنافقين يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها اربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا وقد تقدم قول ابن مسعود ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها يريد الجماعة إلا منافق معلوم النفاق مسلم رقم 654 وقد قال تعالى إن المنفقين يخادعون الله وهو خدعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا 4 سورة النساء / الآية 142 فهذه ست صفات في الصلاةمن علامات النفاق الكسل عند القيام إليها ومراءاة الناس في فعلها وتأخيرها ونقرها وقلة ذكر الله فيها والتخلف عن جماعتها وعن ابي عبدالله الأشعري قال صلى رسول الله بأصحابه ثم جلس في طائفة منهم فدخل رجل منهم فقام يصلي فجعل يركع وينقر في سجوده ورسول الله ينظر إليه فقال ترون هذا لو مات مات على
غير ملة محمد ينقر صداقه كما ينقر الغراب الدم إنما مثل الذي يصلي ولا يركع وينقر في سجوده كالجائع لا يأكل إلا تمرة او تمرتين فما يغنيان عنه فأسبغوا الوضوء وويل للاعقاب من النار فأتموا الركوع والسجود وقال ابو صالح فقلت لأبي عبدالله الأشعري من حدثك بهذا الحديث قال امراء الأجناد خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة ويزيد ابن ابي سفيان كل هؤلاء سمعه من رسول الله رواه ابو بكر ابن خزيمة في صحيحه 1 / 332 فأخبر ان نقار الصلاة لو مات مات على غير الإسلام وفي صحيح البخاري رقم 791 عن زيد بن وهب قال رأى حذيفة رجلا لا يتم الركوع ولا السجود قال ما صليت لو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمدا ولو أخبر أن صلاة النقار صحت لما اخرجه عن فطرة الإسلام بالنقر جعل رسول الله لص الصلاة وسارقها شرا من لص الأموال وسارقها ففي المسند 5 / 210 من حديث ابي قتادة قال قال رسول الله اسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته قالوا يا رسول الله كيف يسرق صلاته قال لا يتم ركوعها ولا سجودها أو قال لا يقيم صلبه في الركوع والسجود فصرح بأنه اسوأ حالا من سارق الاموال ولا ريب أن لص الدين شر من لص الدنيا وفي المسند مصنف عبدالرزاق 2 / 373 رقم 375 سنن البيهقي 2 / 291 من حديث سالم ابن ابي الجعد عن سلمان هو الفارسي قال قال رسول الله الصلاة مكيال فمن وفى وفي له ومن طفف فقد علمتم ما قاله الله في المطففين
قال مالك وكان يقال في كل شيء وفاء وتطفيف فإذا توعد الله سبحانه بالويل للمطففين في الاموال فما الظن بالمطففين في الصلاة وقد ذكر ابو جعفر العقيلي في الضعفاء الكبير 1 / 121 عن الاحوص بن حكيم عن خالد بن معدان عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله إذا توضأ العبد فأحسن وضوءه ثم قام إلى الصلاة فأتم ركوعها وسجودها والقراءة فيها قالت له الصلاة حفظك الله كما حفظتني ثم يصعد بها إلى السماء ولها ضوء ونور وفتحت لها أبواب السماء حتى تنتهي إلى الله تبارك وتعالى فتشفع لصاحبها وإذا ضيع وضوءها وركوعها وسجودها والقراءة فيها قالت له الصلاة ضيعك الله كما ضيعتني ثم يصعد بها إلى السماء فتغلقت دونها أبواب السماء ثم تلف كما يلف الثوب الخلق ثم يضرب بها وجه صاحبها وقال الإمام أحمد في رواية مهنا بن يحيى الشامي طبقات الحنابلة 1 / 364 جاء الحديث إذا توضأ فأحسن الصلاة ثم ذكره تعليقا
فصل في حكم من نقر الصلاة ولم يتم ركوعها ولا سجودها
المؤلف: ابن قيم الجوزيةفصل في مقدار صلاة رسول الله
=========
محتويات
1 فصل في مقدار صلاة رسول الله
1.1 فصل في قدر قيامه للقراءة
1.2 فصل في أدلة القائلين بتطويل الصلاة
1.3 فصل في الرفع من الركوع
1.4 فصل في السجود
1.5 فصل في الصلاة على النبي وآله
1.6 فصل في ختام الصلاة بالتسليم
1.7 فصل في الرد على ادلة المخففين
1.8 فصل في التعمق والتنطع والتشديد المنهي عنه
1.9 فصل في صفة صلاة النبي
1.10 فصل في صفة الركوع
1.11 فصل في صفة الاعتدال من الركوع
1.12 فصل في صفة الهوى إلى السجود
1.13 فصل في صفة السجود
1.14 فصل في صفة القيام من السجود والتشهد
1.15 فصل في صفة القنوت
1.16 فصل في القنوت بعدالركوع
1.17 فصل في الصلاة على النبي في التشهد الأخير والدعاء قبل السلام
1.18 فصل في التسليم
1.19 فصل في التسبيح بعد التسليم
1.20 فصل في رواتب الصلاة
فصل في مقدار صلاة رسول الله
وأما المسألة العاشرة وهي مقدار صلاة رسول الله فهي من اجل المسائل وأهمها وحاجة الناس إلى معرفتها اعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب وقد ضيعها الناس من عهد انس بن مالك رضي الله عنه ففي صحيح البخاري رقم 530 من حديث الزهري قال دخلت
على انس بن مالك بدمشق وهو يبكي فقلت له ما يبكيك فقال لا اعرف شيئا مما ادركت إلا هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيعت وقال موسى بن اسماعيل حدثنا مهدي عن غيلان عن انس قال ما اعرف شيئا مما كان على عهد رسول الله قيل فالصلاة قال اليس قد ضيعتم ما ضيعتم فيها أخرجه البخاري رقم 529 عن موسى وأنس رضي الله عنه تأخر حتى شاهد من إضاعة اركان الصلاة واوقاتها وتسبيحها في الركوع والسجود وإتمام تكبيرات الانتقال فيها ما انكره واخبر ان هدي رسول الله كان بخلافه كما ستقف عليه مفصلا إن شاء الله ففي الصحيحن البخاري رقم 706 مسلم رقم 469 من حديث انس رضي الله عنه قال كان رسول الله يوجز الصلاة ويكملها وفي الصحيحين البخاري رقم 708 مسلم رقم 469 عنه ايضا قال ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة النبي زاد البخاري وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن تفتن امه فوصف صلاته بالإيجاز والتمام والإيجاز هو الذي كان يفعله لا الإيجاز الذي كان يظنه من لم يقف على مقدار صلاته فإن الإيجاز امر نسبي إضافي راجع إلى السنة لا إلى شهوة الإمام ومن خلفه فلما كان يقرأ في الفجر بالستين إلى المئة كان هذا الإيجاز بالنسبة إلى ست مئة إلى الف ولما قرأ في المغرب بالأعراف كان هذا الإيجاز بالنسبة إلى البقرة
ويدل على هذا ان انسا نفسه قال في الحديث الذي رواه ابو داود رقم 888 والنسائي رقم 1135 من حديث عبدالله بن إبراهيم بن كيسان حدثني ابي عن وهب بن مانوس سمعت سعيد بن جبير يقول سمعت انس بن مالك يقول ما صليت وراء احد بعد رسول الله أشبه صلاة برسول الله من هذا الفتى يعني عمر بن عبدالعزيز فحزرنا في ركوعه عشر تسبيحات وفي سجوده عشر تسبيحات وانس ايضا هو القائل في الحديث المتفق عليه البخاري رقم 821 مسلم رقم 472 إني لا ألو أن اصلى بكم كما كان رسول الله يصلي بنا قال ثابت كان انس يصنع شيئا لا اراكم تصنعونه كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائما حتى يقول القائل قد نسي وإذا رفع رأس من السجدة مكث حتى يقول القائل قد نسي وأنس هو القائل هذا وهو القائل ما صليت وراء إمام قط اخف صلاة ولا أتم من صلاة النبي البخاري رقم 708 وحديثه لا يكذب بعضه بعضا ومما يبين ما ذكرناه ما رواه ابو داود في سننه رقم 853 من حديث حماد بن سلمة اخبرنا ثابت وحميد عن انس بن مالك قال ما صليت خلف رجل اوجز صلاة من رسول الله في تمام وكان رسول الله إذا قال سمع الله لمن حمده قام حتى نقول قد اوهم ثم يكبر ثم يسجد وكان يقعد بين السجدتين حتى نقول قد اوهم هذا سياق حديثه فجمع انس رضي الله عنه في هذا الحديث الصحيح بين الإخبار بإيجازه الصلاة وإتمامها وبين فيه ان من إتمامها الذي أخبر به إطاعة الاعتدالين حتى يظن الظان أنه قد اوهم أو نسي من شدة
الطول فجمع بين الامرين في الحديث وهو القائل ما رأيت أوجز من صلاة رسول الله ولا أتم فيشبه ان يكون الإيجاز عاد إلى القيام والإتمام إلى الركوع والسجود والاعتدالين بينهما لأن القيام لا يكاد يفعل إلا تاما فلا يحتاج إلى الوصف بالإتمام بخلاف الركوع والسجود والاعتدالين وسر ذلك أنه بإيحاز القيام وإطالة الركوع والسجود والأعتدالين تصير الصلاة تامة لاعتدالها وتقاربها فيصدق قوله ما رأيت اوجز ولااتم من صلاة رسول الله وهذا هو الذي كان يعتمده صلوات الله عليه وسلامه في صلاته فإنه كان يعدلها حيث يعتدل قيامها وركوعها وسجودها واتدالها ففي الصحيحين البخاري رقم 820 مسلم رقم 471 عن البراء بن عازب قال رمقت الصلاة مع محمد فوجدت قيامه فركعته فاعتداله بعد ركوعه فسجدته فجلسته بين السجدتين مسجداته فجلسته بين التسليم والانصراف قريبا من السواء وفي لفظ لهما البخاري رقم 801 مسلم رقم 471 كانت صلاة رسول الله قيامه وركوعه وإذا رفع رأسه من الركوع وسجوده وما بين السجدتين قريبا من السواء ولا يناقض هذا ما رواه البخاري رقم 792 في هذا الحديث كان ركوع النبي وسجوده وما بين السجدتين وإذا رفع رأسه ما خلا القيام والقعود قريبا من السواء فإن البراء هو القائل هذا وهذا فإنه في السياق الأول ادخل في ذلك قيام القراءة وجلوس التشهد وليس مراده انهما بقدر ركوعه وسجوده وإلا
ناقض السياق الاول والثاني وإنما المراد ان طولهما كان مناسبا لطول الركوع والسجود والاعتدالين بحيث لا يظهر التفاوت الشديد في طول هذا وقصر هذا كما يفعله كثير ممن لا علم عنده بالسنة يطيل القيام جدا ويخفف الركوع والسجود وكثير ما يفعلون هذا في التراويح وهذا هو الذي انكره انس بقوله ما صليت وراء إمام قط اخف صلاة ولا اتم من صلاة رسول الله فإن كثيرا من الأمراء في زمانه كان يطيل القيام جدا فيثقل على المأمومين ويخفف الركوع والسجود والاعتدالين فلا يكمل الصلاة فالامران اللذان وصف بهما انس رسول الله هما اللذان كان الامراء يخالفونهما وصار ذلك اعني تقصير الاعتدالين شعارا حتى استحبه بعض الفقهاء وكره إطالتهما ولهذا قال ثابت وكان انس يصنع شيئا لا اراكم تصنعونه كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائما حتى يقول القائل قد نسي فهذا الذي فعله انس هو الذي كان رسول الله يفعله وإن كرهه من كرهه فسنة رسول الله أولى واحق بالاتباع وقول البراء في السياق الآخر ما خلا القيام والقعود بيان ان ركن القراءة والتشهد اطول من غيرهما وقد ظن طائفة أن مراده بذلك قيام الاعتدال من الركوع وقعود الفصل بين السجدتين وجعلوا الاستثناء عائدا إلى تقصيرهما وبنوا على ذلك ان السنة تقصيرهما وابطل من غلا منهم الصلاة بتطويلهما وهذا غلط فإن لفظ الحديث وسياقه يبطل هؤلاء فإن لفظ البراء كان ركوعه وسجوده وما بين السجدتين وإذا رفع رأسه وما خلا القيام والقعود قريبا من السواء فكيف يقول وإذا رفع رأسه من الركوع ما خلا رفع رأسه من الركوع هذا باطل قطعا وأما فعل النبي فقد تقدم حديث أنس أنه صلى بهم صلاة
النبي فكان يقوم بعد الركوع حتى يقول القائل قد نسي وكان يقول بعد رفع رأسه من الركوع 4سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الارض وملء ما شئت من شيء بعد اهل الثناء والمجد احق ما قال العبد وكلنا لك عبد اللهم لا مانع لما اعطيت ولامعطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد رواه مسلم رقم 477 و 476 من حديث ابي سعيد ورواه من حديث ابن ابي اوفى وزادفيه بعد قوله من شيء بعد اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الابيض من الدنس وكذلك كان هديه في صلاة الليل يركع قريبا من قيامه ويرفع رأسه بقدر ركوعه ويسجد بقدر ذلك ويمكث بين السجدتين بقدر ذلك وكذلك فعل في صلاة الكسوف اطال ركن الاعتدال قريبا من القراءة البخاري رقم 1056 مسلم رقم 901 فهذا هديه الذي كأنك تشاهده وهو يفعله وهكذا فعل الخلفاء الراشدون من بعد قال زيد بن اسلم كان عمر يخفف القيام والقعود ويتم الركوع والسجود فأحاديث انس رضي الله عنه كلها تدل على ان النبي كان يطيل الركوع والسجود و الاعتدالين زيادة على ما يفعله اكثر الائمة بل كلهم إلاالنادر فانس انكر تطويل القيام على ما كان رسول الله يفعله وقال كانت صلاة رسول الله متقاربة يقرب بعضها من بعض وهذا موافق لرواية البراء بن عازب انها كانت قريبا من السواء فأحاديث الصحابة في هذا الباب يصدق بعضها بعضا
فصل في قدر قيامه للقراءة
قدر قيامه للقراءة فقال ابو برزة الاسلمي كان النبي يصلي الصبح فينصرف الرجل فيعرف جليسه وكان يقرأ في الركعتين او احداهما ما بين الستين إلى المئة متفق على صحته البخاري رقم 771 مسلم رقم 647 وفي صحيح مسلم رقم 455 عن عبدالله بن السائب قال صلى بنا رسول الله الصبح بمكة فاستفتح سورة المؤمنين حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر عيسى اخذت النبي سعلة فركع وفي صحيح مسلم رقم 457 عن قطبة بن مالك انه سمع النبي يقرأ في الفجر والنخل باسقات لها طلع نضيد 50 سورة ق / الآية 10 وربما قال ق صحيح مسلم أيضا رقم 458 عن جابر بن سمرة ان النبي كان يقرأ في الفجر ب ق والقرآن المجيد 50 سورة ق / الآية 1 وكانت صلاته بعد تخفيفا وكانت صلاته بعد تخفيفا اي بعد صلاة الصبح اخف من قراءتها ولم يرد أنه كان بعد ذلك يخفف قراءة الفجر عن ق يدل عليه ما رواه مسلم في صحيحه رقم 459 من حديث شعبة عن سماك عن جابر بن سمرة قال كان النبي يقرأ في الظهر ب واليل
إذا يغشى 92 سورة الليل / الآية 1 وفي العصر بنحو ذلك وفي الصبح اطول من ذلك وفي صحيح مسلم رقم 458 عن زهير عن سماك بن حرب قال سألت جابر بن سمرة عن صلاة النبي فقال كان يخفف الصلاة ولا يصلي صلاة هؤلاء قال وأنبأني ان رسول الله كان يقرأ في الفجر ب ق والقرآن المجيد ونحوها فاخبر ان هذا كان تخفيفه وهذا مما يبين ان قوله وكانت صلاته بعد تخفيفا اي بعد الفجر فإنه جمع بين وصف صلاة رسول الله بالتخفيف وبين قراءته فيها ب 50 سورة ق ونحوها وقد ثبت في الصحيح البخاري رقم 1619 عن أم سلمة أنها سمعت النبي يقرأ في الفجر ب 52 سورة الطور قريب من 50 سورة ق وفي الصحيح البخاري رقم 763 مسلم رقم 462 عن ابن عباس انه قال إن ام الفضل سمعته وهو يقرأ 76 سورة والمرسلت عرفا فقالت يابني لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة فإنها لآخر ما سمعت من النبي يقرأ بها في المغرب فقد اخبرت ام الفضل ان ذلك آخر ما سمعته يقرأ بها في المغرب وام الفضل لم تكن من المهاجرين بل هي من المستضعفين كما قال ابن عباس كنت أنا وأمي من المستضعفين الذين عذر الله البخاري رقم 4587 و 4588 فهذا السماع كان متأخرا بعد فتح مكة قطعا
وفي صحيح البخاري رقم 764 ان مروان بن الحكم قال لزيد بن ثابت مالك تقرأ في المغرب بقصار المفصل وقد سمعت رسول الله يقرأ فيها بطولي الطوليين وسأل ابن مليكة ابو داود رقم 812 احد رواته ما طولي الطوليين فقال من قبل نفسه المائدة والاعراف على صحة تفسيره حديث عائشة ام المؤمنين رضي الله عنها ان رسول الله قرأ في صلاة المغرب بسورة الاعراف فرقها في الركعتين رواه النسائي رقم 991 وروى النسائي ايضا رقم 988 من حديث ابن مسعود ان رسول الله قرأ في المغرب ب44 سورة الدخان وفي الصحيحين البخاري رقم 765 مسلم رقم 463 عن جبير بن مطعم قال سمعت رسول الله يقرأ ب 52 سورة الطور في المغرب فأما العشاء فقال البراء بن عازب سمعت رسول الله يقرأ في العشاء 95 سورة والتين والزيتون وما سمعت احدا أحسن صوتا منه متفق عليه البخاري رقم 769 مسلم رقم 464 وفي الصحيحن ايضا البخاري رقم 766 مسلم رقم 578 عن ابي رافع قال صليت مع ابي هريرة العتمة فقرأ 84 سورة إذا السماء انشقت فسجد فقلت له فقال سجدت بها خلف ابي القاسم فلا ازال اسجد بها حتى القاه وفي المسند 5 / 355 والترمذي رقم 309 من حديث بريدة قال كان رسول الله يقرأ في العشاء الآخرة ب 91 سورة والشمس وضحها ونحوها من السور قال الترمذي حديث حسن
لمعاذ في صلاة العشاء الآخرة اقرأ ب 91 سورة والشمس وضحها و 87 سورة سبح اسم ربك الأعلى و 96 سورة اقرأ باسم ربك و 92 سورة والليل إذا يغشى متفق عليه البخاري رقم 705 مسلم رقم 465 وأما الظهر والعصر ففي صحيح مسلم رقم 454 من حديث ابي سعيد الخدري قال كانت صلاة الظهر تقام فينطلق احدنا إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يأتي اهله فيتوضأ ثم يرجع إلى المسجد ورسول الله في الركعة الاولى وعن ابي قتادة رضي الله عنه قال كان رسول الله يصلي بنا فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ويسمعنا الآية احيانا وكان يطول الركعة الأولى من الظهر ويقصر الثانية ويقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب متفق عليه البخاري رقم 776 مسلم رقم 451 ولفظه لمسلم وفي رواية البخاري رقم 779 وكان يطول الاولى من صلاة الصبح ويقصر في الثانية وفي رواية لأبي داود رقم 800 قال فظننا أنه يريد ان يدرك الناس الركعة الاولى وفي مسند الامام احمد 4 / 356 عن عبدالله ابن ابي اوفى ان النبي كان يقوم في الركعة الاولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم قال سعدابن ابي وقاص لعمر اما انا فأمد في الاوليين واخفف في
الأخريين وما آلو ما اقتديت به من صلاة رسول الله فقال له عمر ذلك ظني فيك رواه البخاري رقم 755 ومسلم رقم 453 وقال ابو سعيد الخدري كنا نحزر قيام رسول الله في الظهر والعصر فحزرنا قيامه في الركعتين الاوليين من الظهر قدر 32 سورة الم تنزيل السجدة وحزرنا قيامه في الأخريين قدر النصف من ذلك وحرزنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على النصف من وفي رواية بدل قومه 32 سورة تنزيل السجدة قدر ثلاثين آية وفي الآخريين قدر خمس عشرة آية وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر خمس عشرة وفي الأخريين قدر نصف ذلك هذه الالفاظ كلها في صحيح مسلم رقم 452 وقد احتج به من استحب قراءة السورة بعد الفاتحة في الأخريين وهو ظاهر الدلالة لو لم يجيء حديث ابي قتادة المتفق على صحته أنه كان يقرأ في الاوليين بفاتحة الكتاب وسورتين وفي الأخريين بفاتحة الكتاب فذكر السورتين في الركعتين الاوليين واقتصاره على الفاتحة في الاخريين يدل على اختصاص كل ركعتين بما ذكر من قراءتهما وحديثسعد يحتمل لما قال أبو قتادة ولما قال أبو سعيد وحديث ابي سعيد ليس صريحا في قراءة السوره في الاخريين فإنما هو حزر وتخمين وقال ابو جابر بن سمرة كان النبي يقرأ في الظهر 912 سورة واليل إذا يغشى وفي العصر نحو ذلك وفي الصبح اطول من ذلك رواه مسلم رقم 459 وعنه ان النبي كان يقرأ في الظهر 87 سورة سبح اسم ربك الأعلى وفي الصبح بأطول من ذلك رواه مسلم ايضا رقم 460
وعنه ان رسول الله كان يقرأ في الظهر والعصر 85 سورة والسماء ذات البروج و 86 سورة 6 والسماء والطارق ونحوهما من السور رواه احمد 5 / 103 واهل السنن ابو داود رقم 805 النسائي رقم 979 الترمذي رقم 307 سنن النسائي رقم 971 عن البراء قال كان رسول الله يصلي بنا الظهر فنسمع منه الآية بعد الآية من سورة لقمان والذاريات وفي السنن ابو داود رقم 807 من حديث ابن عمر ان رسول الله سجد في صلاة الظهر ثم قام فركع فرأينا أنه قرأ 32 سورة تنزيل السجدة وفيه دليل على انه لا يكره قراءة السجدة في صلاة السر وأن الامام إذا قرأها سجد ولا يخير المأمومون بين اتباعه وتركه بل يجب عليهم متابعته وقال انس صليت مع النبي صلاة الظهر فقرأ لنا بهاتين السورتين في الركعتين 87 سورة سبح اسم ربك الاعلى و 88 سورة هل اتك حديث الغشية رواه النسائي رقم 972 والصحابة رضي الله عنهم أنكروا على من كان يبالغ في تطويل القيام وعلى من كان يخفف الاركان ولا سيما ركني الاعتدال وعلى من كان لا يتم التكبير وعلى من كان يؤخر الصلاة إلى آخر وقتها وعلى من كان يتخلف عن جماعتها واخبروا عن صلاة رسول الله التي ما زال يصليها حتى مات ولم يذكر أحد منهم اصلا انه نقص من صلاته في آخر حياته ولا ان تلك الصلاة التي كان يصليها منسوخة بل استمر خلفاؤه الراشدون على منهاجه في الصلاة كما استمروا على منهاجه في غيرها
فصلى الصديق صلاة الصبح فقرأ فيها بالبقرة كلها فلما انصرف منها قالوا يا خليفة رسول الله كادت الشمس تطلع قال لو طلعت لم تجدنا غافلين الموطأ 1 / 82 وكان عمر يصلي الصبح بالنحل ويونس وهود ويوسف ونحوها من السور الموطأ 1 / 82 قال المخففون إنكم وإن تمسكتم بالسنة في التطويل فنحن اسعد بها منكم في الإيجاز والتخفيف لكثرة الاحاديث بذلك وصحتها وامر النبي بالإيجاز والتخفيف وشدة غضبه على المطولين وموعظته لهم وتسميتهم منفرين فعن ابي مسعود ان رجلا قال والله يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الغداة من اجل فلان مما يطيل بنا فما رأيت رسول الله في موضع اشد غضبا منه يومئذ ثم قال ايها الناس ان منكم منفرين فإيكم ما صلى الناس فليتجوز فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة رواه البخاري رقم 704 ومسلم رقم 466 وفي رواية للبخاري فإن فيهم الكبير والضعيف وذا الحاجة وعن أبي هريرة أن النبي قال إذا أم أحدكم فليخفف فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض وإذا صلى وحده فليصل كيف شاء راواه البخاري رقم 703 ومسلم رقم 467 واللفظ لمسلم عثمان ابن أبي العاص الثقفي أن رسول الله قال له أم قومكم قال قلت يا رسول الله إني أجد في نفسي شيئا قال ادنه
فأجلسني بين يديه ثم وضع كفه في صدري بين ثديي ثم قال تحول فوضعها في ظهري بين كتفي ثم قال أم قومك فمن ام قوما فليخفف فإن فيهم الكبير وإن فيهم المريض وإن فيهم الضعيف وإن فيهم ذا الحاجة فإذا صلى أحدكم وحده فليصل كيف شاء رواه مسلم رقم 468 وفي رواية إذا اممت قوما فأخف بهم الصلاة وقال أنس بن مالك كان النبي يوجز الصلاة ويكلمها وفي لفظ يوجز ويتم متفق عليه البخاري رقم 706 مسلم رقم 469 وقال أنس أيضا ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من صلاة رسول الله وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن تفتن أمة متفق عليه البخاري رقم 708 مسلم رقم 469 وعن عثمان ابن أبي العاص أنه قال يا رسول الله اجعلني إمام قومي قال أنت إمامهم فاقتد بأضعفهم واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا رواه الإمام أحمد 4 \ 216 وأهل السنن أبو داود رقم 531 والنسائي رقم 672 ورواه أبو داود رقم 885 في سننه من حديث الجريري عن السعدي عن أبيه أو عمه قال رمقت النبي في صلاته فكان يتمكن في ركوعه وسجوده قدر ما يقول سبحان الله وبحمده ثلاثا ورواه أحمد أيضا في مسنده 5 \ 6
وروى أبو داود رقم 4904 في سننه من حديث ابن وهب أخبرني سعيد بن عبد الرحمن ابن ابي العمياء أن سهل ابن أبي أمامة حدثه أنه دخل هو وأبوه على أنس بن مالك بالمدينة فقال إن رسول الله كان يقول لا تشددوا على انفسكم فيشدد عليكم فإن قوما شددوا على أنفسهم فتلك بقاياهم في الصوامع والداريات ورهبانيته ابتدعوها ما كتبنها عليهم 57 سورة الحديد \ الآية 27 هذا الذي في رواية اللؤلؤي عن أبي داود ابن داسة عنه أنه دخل وأبوه على أنس بن مالك بالمدينة في زمن عمر بن عبدالعزيز وهو أمير المدينة فإذا هو يصلي صلاة خفيفة كأنها صلاة مسافر أو قريبا منها فلما سلم قال يرحمك الله أرأيت هذه الصلاة هي المكتوبة او شيء تنفلت به قال إنها المكتوبة وإنها لصلاة رسول الله كان يقول لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم فإن قوما شددوا على انفسهم فشدد عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والدايار ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم 57 سورة الحديد / الآية 27 ثم غدا من الغد فقال ألا تركب لننظر ونعتبر قال نعم فركبوا جميعا فإذا بديار باد اهلها وانقضوا وفنوا خاوية على عروشها قال أتعرف هذه الديار قال ما أعرفني بها وبأهلها هؤلاء أهل ديار أهلكم البغي والحسد إن الحسد يطفيء نور الحسد واللسان والفرج يصدق ذلك أو يكذبه فأما سهل ابن ابي امامة فقد وثقه يحيى بن معين وغيره وروى له مسلم وأما ابن أبي العمياء من أهل بيت المقدس وهو إن جهلت حاله
فقد رواه ابو داود وسكت عنه وهذا يدل على ان الذي أنكره انس من تغيير الصلاة هو شدة تطويل الأئمة لها وإلا تناقضت احاديث أنس ولهذا جمع بين الإيجاز والإتمام وقوله ما صليت وراء إمام أخف صلاة ولا أتم من رسول الله ظاهر في إنكاره التطويل وقد جاء هذا مفسرا عن انس نفسه فروى النسائي رقم 981 من حديث العطاف بن خالد عن زيد بن اسلم قال دخلنا على انس بن مالك فقال أصليتم فقلنا نعم قال يا جارية هلمي لي وضوءا ما صليت وراء إمام قط أشبه بصلاة رسول الله من إمامكم هذا قال زيد وكان عمر بن عبدالعزيز يتم الركوع والسجود ويخفف القيام والقعود وهو حديث صحيح وقد صرح به عمران بن الحصين لما صلى خلف علي بالبصرة قال عمران لقد ذكرني هذا صلاة رسول الله البخاري رقم 826 وكانت صلاة النبي معتدلة كان يخفف القيام والقعود ويطيل الركوع والسجود وهو حديث صحيح راجع البخاري رقم 826 مسلم رقم 393 وفي الصحيحين البخاري رقم 705 مسلم رقم 465 عن جابر بن عبدالله ان النبي قال لمعاذ لما طول بقومه في العشاء الآخرة أفتان انت او قال افاتن انت ثلاث مرات فلولا صليت ب87 سورة سبح اسم ربك الأعلى 91 سورة والشمس وضحها 92 سورة والليل إذا يغشى فإنه يصلي وراءك الكبير والصغير والضعيف وذو الحاجة معاذ بن عبدالله الجهني أن رجلا من جهينة أخبره أنه سمع
رسول الله يقرأفي الصبح 99 سورة زلزلت الارض في الركعتين كلتيهما فلا ادري سها رسول الله ام قرأ ذلك عمدا رواه أبو داود رقم 816 وفي صحيح مسلم رقم 456 عن عمرو بن حريث أنه سمع النبي يقرأ في الفجر 92 سورة واليل إذا يغشى وعن عقبة بن عامر قال كنت أقود برسول الله ناقته فقال لي ألا أعلمك سورتين لم يقرأ بمثلهما قلت بلى فلعمني 114 سورة قل اعوذ برب الناس و113 سورة اعوذ برب الفلق فلم يرني أعجب بهما نزل الصبح قرأ بهما ثم قال كيف رأيت يا عقبة أبو داود رقم 1462 النسائي 8 \ 252 ر وفي رواية ألا أعلمك خير سورتين قرئنا قلت بلى قال 113 سورة أعوذ برب الفلق و141 سورة اعوذ برب الناس فلما نزل صلى بهما الغداة قال كيف ترى يا عقبة رواه الإمام أحمد 4 \ 150 153 أبو داود رقم 1462 النسائي 8 / 252 وفي رواية ألا اعلمك خير سورتين قرئتا قلت بلى قال 113 سورة قل أعوذ برب الفلق و 114 سورة اعوذ برب الفلق فلما نزل صلى بهما الغداة قال كيف ترى يا عقبة رواه الإمام احمد 4 / 153 - 150 وأبو داود رقم 1462 وفي مسند الإمام أحمد 4 / 264 وسنن النسائي رقم 1305 من حديث عمار بن ياسر أنه صلى صلاة فأوجز فيها فأنكروا عليه فقال ألم أتم الركوع والسجود قالوا بلى قال اما اني دعوت فيها بدعاء كان رسول الله يدعو به اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق احيني ما علمت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة وكلمة الحق في الغضب والرضا والقصد في الفقر والغنى ولذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك وأعوذ بك من ضراء مضرة ومن فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين
قالوا فأين هذه من الأحاديث التطويل صحة وكثرة وصراحة وحينئذ فيتعين حملها على انها في اول الاسلام لما كان في المصلين قله فلما كثروا واتسعت رقعة الاسلام شرع التخفيف وامر به لانه ادعى إلى القبول ومحبة العبادة فيدخل فيها برغبة ويخرج منها باشتياق ويندر بها الوسواس فإنها متى طالت استولى الوسواس فيها على المصلي فلا يفي ثواب إطالته بنقصان أجره قالوا وكيف يقاس على رسول الله غيره من الائمة من محبة الصحابة له والقيام خلفه لسماع صوته بالقرآن غضا كما أنزل وشدة رغبة القوم في الدين وإقبال قلوبهم على الله وتفريغها له في العبادة ولهذا قال إن منكم منفرين ولم يكونوا ينفرون من طول صلاته فالذي كان يحصل للصحابة خلفه في الصلاة كان يحملهم على ان يروا صلاته وإن طالت خفيفة على قلوبهم وأبدانهمم فإن الإمام محمل المأمومين بقلبه وخشوعه وصوته وحاله فإذا عرى من ذلك كله كان كلا على المأمومين وثقلا عليهم فليخفف من ثقله عليهم ما أمكنه لئلا يبغضهم الصلاة وقد ذم رسول الله الخوارج لشدة تنطعهم في الدين وتشددهم في العبادة بقوله يحقر احدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم البخاري رقم 3610 مسلم رقم 1064 الرفق واهله واخبر عن محبة الله له وأنه يعطي عليه ما لا يعطي علىالعنف وقال لن يشاد الدين احدا إلا غلبة البخاري رقم 39 وقال إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق مسند أحمد 3 / 199 فالدين كله في الاقتصاد في السبيل والسنة والله تعالى يحب ما
دوام عليه العبد من الأعمال والصلاة القصد هي التي يمكن المداومة عليها دون المتجاوزة في الطول
فصل في أدلة القائلين بتطويل الصلاة
قال المكملون للصلاة اهلا وسهلا بكل ما جاء عن رسول الله فعلى الرأس والعينين وهل ندندن إلا حول الاقتداء به ومتابعة هديه وسنته ولا نضرب سنته بعضها ببعض ولانأخذ منها ما سهل ونترك منها ما شق علينا لكسل وضعف عزيمة واشتغال بديمنا قد ملأت القلوب وملكت الجوارح وقرت بها العيون بدل قرتها بالصلاة فصارت احاديث الرخصة في حقها شبهة صادفت شهوة وفتورا في العزم وقلة رغبة في بذل الجهد في النصحية في الخدمة واستسهلت في حق الله تعالى وجعلت كرمه وغناه من اعظم شبهاتها في التفريط فيه وإضاعته وفعله بالهوينا تحلة القسم ولهجت بقولها ما استقصى كريم حقه قط وبقولها حق الله مبني على المسامحة والمساهلة والعفو وحق العباد مبني على الشح والضيق والاستقصاء فقامت في خدمة المخلوقين كأنها على الفرش الوثيرة والمراكب الهينة وقامت في حق خدمة ربها وفاطرها كأنها على الجمر المحرق تعطيه الفضلة من قواها وزمانها وتستوفي لأنفسها كمال الحظ ولم تحفظ من السنة إلا افتان انت يا معاذ البخاري رقم 705 مسلم رقم 465 وأيها الناس إن منكم منفرين البخاري رقم 704 مسلم رقم 466 ووضع الحديث على غير موضعه ولم تتأمل ما قبله وما بعده ومن لم تكن قرة عينه في الصلاة ونعيمه وسروره ولذته
فيها وحياة قلبه وانشراح صدره فإنه لا يناسبه إلا هذا الحديث وأمثاله بل لا يناسبه إلا صلا2ة السراق والنقارين فنقرة الغراب أولى به من استفراغ وسعه في خدمة رب الارباب وحديث أفتان انت يامعاذ البخاري رقم 705 مسلم رقم 465 الذي لم يفهمه أولى به من ح4ديث كانت صلاة الظهر تقام فينطلق أحدنا إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يأتي أهله فيتوضأ ثم يدرك رسول الله في الركعة الأولى مسلم رقم 454 وحديث صلاته الصبح بالمعوذتين ابو داود رقم 1462 وكان هذا في السفر اولى به من حديث صلاته في الحضر بمئة آية إلى مئتين وحديث صلاته المغرب 112 سورة قل هو الله أحد و 109 سورة قل يأيها الكافرون الذي انفرد ابن ماجة رقم 833 برواية أولى به من الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه إن رسول الله قرأ فيها بطولي الطوليين وهي الأعراف البخاري رقم 764 أبو داود رقم 812 فهو يميل من السنة إلى ما يناسبه ويأخذ منها بما يوافقه ويتلطف لمن خشن في تأويل ما يخالفه ودفعه بالتي هي أحسن ونحن نبرأ إلى الله من سلوك هذه الطريقة ونسأله ان يعافبنا مما ابتلى به أربابها بل ندين الله بكل ما صح عن رسوله ولا نجعل بعضه لنا وبعضه علينا فنقر ما لنا على ظاهره ونتأول ما علينا على خلاف ظاهره بل الكل لنا لا نفرق بين شيء من سننه بل نتلقاها كلها بالقبول ونقابله بالسمع والطاعة ونتبعها أين توجهت ركائبها وننزل معها اين نزلت مضاربها فليس الشأن في الاخذ ببعض سنة رسول الله وترك بعضها بل الشأن في الأخذ بجملتها وتنزيل كل شيء منها منزلته ووضعه بموضعه وبالله التوفيق الإيجاز والتخفيف المأمور به والتطويل المنهي
عنه لا يمكن ان يرجع فيه إلى عادة طائفة وأهل بلد واهل مذهب ولا إلى شهوة المأمومين ورضاهم ولا إلى اجتهاد الأئمة الذين يصلون بالناس ورأيهم في ذلك فإن ذلك لا ينضنبط وتضطرب فيه الآراء والإرادات اعظم اضطراب ويفسد وضع الصلاة ويصير مقدارها تبها لشهوة الناس ومثل هذا لا تأتي به شريعة بل المرجع في ذلك والتحاكم إلى ما كان يفعله من شرع الصلاة للأمة وجاءهم بها من عند الله وعلمعم حقوقها وحدودها وهيآتها وأركانها وكان يصلي وراءه الضعيف والكبير والصغير وذو الحاجة ولم يكن بالمدينة إمام غير صلوات الله وسلامه عليه فالذي كان يفعله صلوات الله عليه وسلامه وما أريد ان اخالفكم إلى ما أنهكم عنه 11 سورة هود / الآية 88 وقد سئل بعض أصحاب رسول الله فقال ما لك في ذلك من خير فأعاها عليه فقال كانت صلاة الظهر تقام فينطلق أحدنا إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يأتي أهله فيتوضأ ثم يرجع إلى المسجد ورسول الله في الركعة الأولى مما يطولها رواه مسلم في الصحيح رقم 454 وهذا يدل على ان الذي أنكره ابو سعيد وانس وعمران بن الحصين والبراء بن عازب إنما هو حذف الصلاة والاختصار فيها والاقتصار على بعض ما كان رسول الله يفعله ولهذا لما صلى بهم أنس قال إني لا الو أن أصلس بكم صلاة رسول الله قال ثابت فكان انس يصنع شيئا لا اراكم تصنعونه كان إذا انتصب قائما يقوم 2حتى يقول القائل قد اوهم وإذا جلس بين السجدتين مكث حتى يقول القائل قد اوهم ابو داود رقم 853 فهذا مما انكره انس على الائمة حيث كانوا يقصرون
هذين الركنين كما انكر عليهم تقصير الركوع والسجود واخبر ان اشبههم صلاة برسول الله عمر بن عبدالعزيز فحزروا تسبيحه في الركوع والسجود عشرا عشرا ومن المعلوم أنه لم يكن يسبحها هذا مسرعا من غير تدبر فحالهم اجل من ذلك وقد بلى انس بمن وهمه في ذلك كما بلى بمن وهمه في روايته ترك رسول الله في صلاته الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم وقالوا كان صغيرا يصلي وراء الصفوف فلم يكن يسمع جهرة بها وكما بلى بمن وهمه في إحرام رسول الله بالحج والعمرة معا وقالوا كان بعيدا منه لا يسمع إحرامه حتى قال لهم ما تعدونني إلا صبيا كنت تحت بطن ناقة رسول الله فسمعته يهل بهما جميعا وقدم رسول الله المدينة ولأنس عشر سنين فخدمه واختص به وكان يعد من اهل بيته وكان غلاما كيسا فطنا وتوفي رسول الله وهو رجل كامل له عشرون سنة ومع هذا كله فيغلط على رسول الله في قراءته وقدر صلاه وكيفية إحرامه ويستمر غلطة على خلفائه الراشدين من بعده ويستمر على صلاته في مؤخر المسجد حيث لا يسمع قراءة احد منهم وقد اتفق الصحابة على ان صلاة رسول الله كانت معتدلة فكان ركوعه ورفعه منه وسجوده ورفعه منه مناسبا لقيامه فإذا كان يقرأ في الفجر بمئة آية إلى ستين آية فلا بد ان يكون ركوعه وسجوده مناسبا لذلك ولهذا قال البراء ابن عازب إن ذلك كله كان قريبا من السواء
وقال عمران بن حصين كانت صلاة رسول الله معتدلة وكذلك قيامه بالليل وصلاة الكسوف وقال عبدالله بن عمر إن كان رسول الله ليأمرنا بالتخفيف وإن كان ليؤمنا بالصافات رواه الإمام أحمد المسند 2 / 26 والنسائي رقم 836 فهذا امره وهذا فعله المفسر له لا ما يظن الغالط المخطيء انه كان يأمرهم بالتخفيف ويفعل هو خلاف ما امر به وقد امر صلاة الله وسلامه عله الائمة ان يصلوا بالناس كما كان يصلي بهم ففي الصحيحين البخاري رقم 7246 مسلم رقم 674 عن مالك بن الحويرث قال أتينا رسول الله ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده عشرين ليلة وكان رسول الله رحيما رفيقا فظن انا قد اشتقنا اهلنا فسألنا عمن تركنا من اهلنا فأخبرناه فقال ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم فليصلوا صلاة كذا في مين وصلاة كذا في حين كذا وإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم احدكم وليؤمكم اكبركم وصلوا كما رأيتموني اصلي والسياق للبخاري فهذا خطاب للأئمة قطعا وإن لم يختص بهم فإذا امرهم ان يصلوا بصلاته وامرهم بالتخفيف علم بالضرورة أن الذي كان يفعله هو الذي امر به يوضح ذلك أنه ما من فعل في الغالب إلا وقد يسمى خفيفا بالنسبة إلى ما هو أطول منه ويسمى طويلا بالنسبة الى ماهو اخف منه فلا حد له في اللغة يرجع فيه إليه وليس من الافعال العرفية التي يرجع فيها إلى العرف
كالحرز والقبض وإحياء الموات والعبادات يرحع إلى الشارع في مقاديرها وصفاتها وهيآتها كما يرجع إليه في أصلها فلو جاز الرجوع في ذلك إلى عرف الناس وعوائدهم في مسمى التخفيف والإيجاز لاختلفت أوضاع الصلاة ومقاديرها اختلافا متباينا لا ينضبط ولهذا لما فهم بعض من نكس الله قلبه أن التخفيف المأمور به هو ما يمكن من التخفيف اعتقد ان الصلاة كلما خفت واوجزت كانت افضل فصار كثير منهم يمر فيها مر السهم ولا يزيد على الله أكبر في الركوع والسجود بسرعة ويكاد سجوده يسبق ركوعه وركوعه يكاد يسبق قراءته وربما ظن الاقتصار على تسبيحه واحدة أفضل من ثلاث عن بعض هؤلاء انه رأى غلاما له يطمئن في صلاته فضربه وقال لو بعثك السلطان في شغل أكنت تبطيء في شغله مثل هذا الأبطاء وهذا كله تلاعب بالصلاة وتعطيل لها وخداع من الشيطان وخلاف لأمر الله ورسوله حيث قال تعالى واقيموا الصلاة 2 سورة البقرة / الآية 43 و 6 سورة الأنعام / الآية 72 فأمرنا بإقامتها وهو الإتيان بها قائمة تامة القيام والركوع والسجود والأذكار وقد علق الله سبحانه الفلاح بخشوع المصلى في صلاته فمن خشوع الصلاة لم يكن من أهل الفلاح ويستحيل حصول الخشوع مع العجلة والنقر قطعا بل لا يحصل الخشوع قط إلا مع الطمأنينة وكلما زاد طمأنينة ازداد خشوعا وكلما قل خشوعة اشتدت عجلته حتى تصير حركة يديه بمنزلة العبث الذي لا يصحبه خشوع ولا اقبال علىالعبودية ولا معرفة حقيقة العبودية والله سبحانه قد قال واقيموا الصلاة 2 سورة البقرة / الآية 43 وقال الذين يقيمون الصلوة 2 سورة المائدة / الآية 55 وقال واقم الصلاة 11 سورة هود / الآية 114 وقال فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة 4 سورة
النساء / الآية 103 وقال والمقيمين الصلاة 4 سورة السناء / الآية 162 وقال ابراهيم عليه السلام رب اجعلني مقيم الصلاة 14سورة إبراهيم / الآية 40 وقال لموسى فاعبدني واقم الصلاة لذكري 20 سورة طه / الآية 14 فلن تكاد تجد ذكر الصلاة في موضع من التنزيل إلا مقرونا بإقامتها فالمصلون في الناس قليل ومقيم الصلاة منهم اقل القليل كما قال عمر رضي الله عنه الحاج قليل والركب كثير فالعاملون يعملون الأعمال المأمور بها على الترويج تحلة القسم ويقولون يكفينا أدنى ما يقع عليه الاسم وليتنا نأتي به ولو علم هؤلاء ان الملائكة تصعد بصلاتهم فتعرضها على ال جل جلاله بمنزلة الهدايا التي يتقرب بها الناس إلى ملوكهم وكبرائهم فليس من عمد إلى افضل ما يقدر عليه فيزينه ويحسنه ما استطاع ثم يتقرب به إلى من يرجوه ويخافه قمت يعمد إلى اسقط ما عنده واهونه عليه فيستريح منه ويبعثه إلى من لا يقع عنده بموقع وليس من كانت الصلاة ربيعا لقلبه وحياة له وراحة وقرة لعينه وجلاء لحزنه وذهابا لهمه وغمه ومفزعا له إليه في نوائبه ونوازله كمن هي سحت لقلبه وقيد لجوارحه وتكليف له وثقل عليه فهي كبيرة على هذا وقرة عين وراحة لذلك وقال تعالى واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون انهم ملقوا ربهم وأنهم إليه راجعون 2 سورة البقرة / الآيتان 45 و 46 فإنما كبرت على غير هؤلاء لخلو قلوبهم من محبة الله تعالى وتكبيره وتعظيمه والخشوع له وقلة رغبتهم فيه فإن حضور العبد في الصلاة
وخشوعه فيها وتكميله لها واستفراغه وسعة في إقامتها وإتمامها على قدر رغبته في الله قال الامام احمد في رواية مهنا بن يحيى إنما حظهم من الاسلام على قدر حظهم من الصلاة ورغبتهم في الاسلام على قدر رغبتهم في الصلاة فاعرف نفسك يا عبدالله واحذر ان تلقى الله تعالى ولا قدر للاسلام عندك فإن قدر الإسلام في قلبك كقدر الصلاة في قلبك طبقات الحنابلة 1 / 354 وليس حظ القلب العامر بمحبة الله وخشيته والرغبة فيه وإجلاله وتعظيمه من الصلاة كحظ القلب الخالي الخراب من ذلك فإذا وقف الاثنان بين يدي الله في الصلاة وقف هذا بقلب مخبت خاشع له قريب منه سليم من معارضان السوء قد امتلأت ارجاؤه بالهيبة وسطع فيه نور الايمان وكشف عنه حجاب النفس ودخان الشهوات فيرتع في رياض معاني القرآن وخالط قلبه بشاشة الإيمان بحقائق الاسماء والصفات وعلوها وجمالها وكمالها الاعظم وتفرد الرب سبحانه بنعوت جلاله وصفات كماله فاجتمع همه على الله وقرت عينه به واحسن بقربه من الله قربا لا نظير له ففرغ قلبه له واقبل عليه بكليته وهذا الاقبال منه بين اقبالين من ربه فإنه سبحانه اقبل عليه اولا فانجذب قلبه إليه بإقباله فلما اقبل على ربه حظي منه بإقبال آخر اتم من الأول أسرار الصلاة وها هنا عجيبة من عجائب الاسماء والصفات تحصل لمن تفقه قلبه في
معاني القرآن وخالط بشاشة الإيمان بها قلبه بحيث يرى لكل اسم وصفة موضعا من صلاته ومحلا منها فإنه إذا انتصب قائما بين يدي الرب تبارك وتعالة شاهد بقلبه قيوميته وإذا قال الله اكبر شاهد كبرياءه وإذا قال سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك شاهد بقلبه ربا منزها عن كل عيب سالما من كل نقص محمودا بكل حمد فحمده يتضمن وصفه بكل كمال وذلك يستلزم براءته من كل نقص تبارك اسمه فلا يذكر على قليل إلا كثرة وعلى خير إلا أنماه وبارك فيه ولا على آفة إلا أذهبها ولا على شيطان إلا رده خاسئا داحرا وكمال الاسم من كمال مسماه فإذا كان شأن اسمه الذي لا يضر معه شيء في الأرض ولا في السماء فشأن المسمى اعلى واجل وتعالى جده اي ارتفعت عظمته وجلت فوق كل عظمة وعلا شأنه على كل شأن وقهر سلطانه على كل سلطان فتعالى جده أن يكون معه شريك في ملكه وربوبيته أو في الهيته او في افعاله او في صفاته كما قال مؤمن الجن وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا 72 سورة الجن / الآية 3 فكم من هذه الكلمات من تجل لحقائق الأسماء والصفات على قلب العارف بها غير المعطل لحقائقها وإذا قال اعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقد اوى إلى ركنه الشديد واعتصم بحوله وقوته من عدوه الذي يريد ان يقطعه عن ربه ويبعده عن قربه ليكون اسوأ حالا
أسرار الفاتحة فإذا قال الحمد لله رب العالمين 1 سورة الفاتحة / الآية 2 وقف هنيهة يسيرة ينتظر جواب ربه له بقوله حمدني عبدي فإذا قال الرحمن الرحيم 1 سورة الفاتحة / الآية 3 انتظر الجواب بقوله اثنى علي عبدي فإذا قال ملك يوم الدين 1 سورة الفاتحة / الآية 4 انتظر جوابه يمجدني عبدي فيا لذة قلبه وقرة عينه وسرور نفسه بقول ربه عبدي ثلاث مرات فوالله لولا ما على القلوب من دخان الشهوات وغيم النفوس لاستطيرت فرحا وسرورا بقول ربها وفاطرها ومعبودها حمدني عبدني واثنى علي عبدي ومجدني عبدي ثم يكون لقلبه مجال من شهود هذه الأسماء الثلاثة التي هي اصول الاسماء الحسنى وهي الله والرب الرحمن فشاهد قلبه من ذكر اسم الله تبارك وتعالى إلها معبودا موجودا مخوفا لا يستحق العبادة غيره ولا تنبغي إلا له قد عنت له الوجوه وخضعت له الموجودات وخشعت له الأصوات تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده 17 سورة الإسراء / الآية 44 وله من في السموات والارض كل له قانتون 30 سورة الروم / الآية 26 وكذلك خلق السموات والارض وما بينهما وخلق الجن والانس والطير والوحش والجنة والنار وكذلك ارسل الرسل وانزل الكتب وشرع الشرائع والزم العباد الامر والنهي وشاهد من ذكر اسمه رب العلمين 1 سورة الفاتحة / الآية 2 قيوما قام بنفسه وقام به كل شيء فهو قائم على كل نفس بخيرها وشرها قد استوى على عرشه وتفرد بتدبير ملكه فالتدبير كله بيديه ومصير الامور كلها إليه فمراسيم التدبيرات نازلة من عنده على ايدي
ملائكته بالعطاء والمنع والخفض والرفع والاحياء والاماتة والتوبة والعزل والقبض والبسط وكشف الكروب وإغاثة الملهوفين وإجابة المضطرين يسئله من في السموات والارض كل يوم هو في شأن 55 سورة الرحمن / الآية 29 لا مانع لما اعطى ولا معطي لما منع ولا معقب لحكمه ولا راد لأمره ولا مبدل لكلماته تعرج الملائكة والروح إليه وتعرض الاعمال اول النهار وآخره عليه فيقدر المقادير ويوقت المواقيت ثم يسوق المقادير إلى مواقيتها قائما بتدبير ذلك كله وحفظه ومصالحه يشهد عند ذكر اسم الرحمن 1 سورة الفاتحة / الآية 3 جل جلاله ربا محسنا إلى خلقه بأنواع الاحسان متحببا إليهم بصنوف النعم وسع كل شيء رحمة وعلما واوسع كل مخلوق نعمة وفضلا فوسعت رحمته كل شيء ووسعت نعمته كل حي فبلغت رحمته حيث بلغ علمه فاستوى على عرشه برحمته وخلق خلقه برحمته وأنزل كتبه برحمته وأرسل رسله برحمته وشرع شرائعه برحمته وخلق الجنة برحمته والنار ايضا برحمته فإنها سوطه الذي يسوق به عباده المؤمنين إلى جنته ويطهر بها ادران الموحدين من اهل معصيته وسجنه الذي يسجن فيه اعداءه من خليقته فتأمل ما في امره ونهيه ووصاياه ومواعيظه من الرحمة البالغة والنعمة السابغة وما في حشوها من الرحمة والنعمة فالرحمة هي السبب المتصل منه بعبادة كما ان العبودية هي السبب المتصل منهم به فمنهم إليه العبودية ومنه إليهم الرحمة ومن اخص مشاهد هذا الاسم شهود المصلي نصيبه من الرحمة الذي اقامه بها بين يدي ربه واهله لعبوديته ومناجاته واعطاه ومنع غيره واقبل بقلبه واعرض بقلب غيره وذلك من رحمته به فإذا قال مالك يوم الدين 1 سورة الفاتحة / الآية 4
فهنا شهد المجد الذي لا يليق بسوى الملك الحق المبين فيشهد ملكا قاهرا قد دانت له الخليفة وعنت له الوجوه وذلت لعظمته الجبابرة وخضع لعزته كل عزيز فيشهد بقلبه ملكا على عرش السماء مهيمنا لعزته تعنو الوجوه وتسجد وإذا لم تعطل حقيقة صفة الملك اطلعته على شهود حقائق الاسماء والصفات التي تعطيلها تعطيل لملكه وجحد له فإن الملك الحق التام الملك لا يكون إلا حيا قيوما سميعا بصيرا مدبرا قادرا متكلما آمرا ناهيا مستويا على سرير مملكته يرسل إلى اقاصي مملكته بأوامره فيرضى على من يستحق الرضا ويثيبه ويكرمه ويدنيه ويغضب على من يستحق الغضب ويعاقبه ويهينه ويقصيه فيعذب من يشاء ويرحم من يشاء ويعطى من يشاء ويقرب من يشاء ويقضى من يشاء له دار عذاب وهي النار وله دار سعادة عظيمة وهي الجنة فمن ابطل شيئا من ذلك او جحده وانكر حقيقته فقد قدح في ملكه سبحانه وتعالى ونفى عنه كماله وتمامهوكذلك من أنكر عموم قضائه وقدره فقد أنكر عموم ملكه وكماله فيشهد المصلي مجد الرب تعالى في قوله ملك يوم الدين 1 سورة الفاتحة / الآية 4 فإذا قال اياك نعبد وإياك نستعين 1 سورة الفاتحة / الآية 5 ففيها سر الخلق والامر والدنيا والآخرة وهي متضمنة لأجل الغايات وافضل الوسائل فأجل الوسائل فأجل الغايات عبوديته وافضل الوسائل إعانته فلا معبود يستحق العبادة إلا هو ولا معين على عبادته غيره فعبادته اعلى الغايات وإعانته اجل الوسائل وقد انزل الله سبحانه وتعالى مئة كتاب واربعة كتب جمع معانيها في اربعة وهي التوراة والانجيل والقرآن والزبور معانيها في القرآن وجمع معانيه في المفصل
وجمع معانيه في الفاتحة وجمع معانيها في إياك نعبد وإياك نستعين 1 سورة الفاتحة / الآية 5 وقد اشتملت هذه الكلمة على نوعي التوحيد وهما توحيد الربوبية وتوحيد الالهية وتضمنت التعبد باسم الرب واسم الله فهو يعبد بألوهيته ويستعان بربوبيته ويهديإلى الصراط المستقيم برحمته فكان اول السورة ذكر اسمه الله والرب والرحمن تطابقا لاجل الطالب من عبادته وإعانته وهدايته وهو المنفرد بإعطاء ذلك كله لا يعين على عبادته سواه ولا يهدي سواه ثم يشهد الداعي بقوله اهدنا الصراط المستقيم 1 سورة الفاتحة / الآية 6 شدة فاقته وضرورته إلى هذه المسألة التي ليس هو الى شيء اشد فاقة وحاجة منه إليهاالبتة فإنه محتاج اليه في كل نفس وطرفة عين وهذا المطلوب من هذا الدعاء لا يتم إلا بالهدية إلى الطريق الموصل إليه سبحانه والهداية فيه وهي هداية التفصيل وخلق القدرة على الفعل وإرادته وتكوينه وتوقيعه لإيقاعه له على الوجه الرمضي المحبوب للرب سبحانه وتعالى وحفظه عليه من مفسداته حال فعله وبعد فعله ولما كان العبد مفتقرا في كل حال إلى هذه الهداية في جميع ما يأتيه ويذره من امور قد اتاها على غير الهداية فهو يحتاج إلى التوبة منها وامور هدي إلى اصلها دون تفصيلها اوهدي إليها من وجه دون وجه فهو يحتاج إلى إتمام الهداية فيها ليزداد هدى وامور هو يحتاج إلى ان يحصل له من الهداية فيها بالمستقبل مثل ما حصل له في الماضي وامور هو خال عن اعتقاد فيها فهو يحتاج إلى الهداية فيها وامور لم يفعلها فهو يحتاج إلى فعلها على وجه الهداية وامور قد هدي إلى الاعتقاد الحق والعمل الصواب فيها فهو محتاج إلى الثبات عليها إلى غير ذلك من انواع
الهدايات فرض الله سبحانه عليه ان يسأله هذه الهداية في افضل احواله مرات متعددة في اليوم والليلة ثم بين ان أهل هذه الهداية هم المختصون بنعمتة دون المغضوب عليهم وهم الذين عرفوا الحق ولم يتبعوه ودون الضالين وهم الذين عبدوا الله بغير علم فالطائفتان اشتركتا في القول في خلقه وامره واسمائه وصفاته بغير علم فسبيل المنعم عليه مغايرة لسبيل اهل الباطل كلها علما وعملا فرغ من هذا الثناء والدعاء والتوحيد شرع له ان يطبع على ذلك بطابع من التأمين يكون كالخاتم له وافق فيه ملائكة السماء وهذا التأمين من زينة الصلاة كرفع اليدين الذي هو زينة الصلاة واتباع للسنة وتعظيم امر الله وعبودية اليدين وشعار الانتقال من ركن إلى ركن ثم يأخذ في مناجاة ربه بكلامه واستماعه من الامام بالانصات وحضور القلب وشهوده وأفضل اذكار الصلاة ذكر القيام واحسن هيئة المصلي هيئة القيام فخصت بالحمد والثناء والمجد وتلاوة كلام الرب جل جلاله ولهذا نهى عن قراءة القرآن في الركوع والسجود لأنهما حالتا ذل وخضوع وتطامن وانخفاض ولهذا شرع فيهما من الذكر ما يناسب هيئتهما فشرع للراكع ان يذكر عظمة ربه في حال انخفاضه هو وتطامنه وخضوعه وأنه سبحانه يوصف بوصف عظمته عما يضاد كبرياءه وجلاله وعظمته فأفضل ما يقول الراكع على الاطلاق سبحان ربي العظيم فإن الله سبحانه امر العباد بذلك وعين المبلغ عنه السفير بينه وبين عباده هذا المحل لهذا الذكر لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم 56 سورة
الواقعة / الآية 96 قال اجعلوها في ركوعكم ابو داود رقم 869 وابطل كثير من اهل العلم صلاة من تركها عمدا واوجب سجود السهو على من سها عنها وهذا مذهب الامام أحمد ومن وافقه من ائمة الحديث والسنةوالامر بذلك لا يقصر عن الامر بالصلاة عليه في التشهد الاخير ووجوبه لا يقصر عن وجوب مباشرة المصلي بالجبهة واليدين وبالجملة فسر الركوع تعظيم الرب جل جلاله بالقلب والقالب والقول ولهذا قال النبي أما الركوع فعظموا فيه الرب مسلم رقم 479
فصل في الرفع من الركوع
يرفع رأسه عائدا إلى اكمل حديثه وجعل شعار هذا الركن حمد الله الثناء عليه وتحميده فافتتح هذا الشعار بقول المصلي سمع الله لمن حمده اي سمع سمع قبول وإجابة ثم شفع بقوله ربنا ولك الحمد ملء السموات والارض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء ولا يهمل امر هذه الواو في قوله ربنا ولك الحمد فإنه قد ندب الامر بها في الصحيحين البخاري رقم 734 مسلم رقم 392 وهي تجعل الكلام في تقدير جملتين قائمتين بأنفسهما فإن قوله ربنا متضمن في المعنى انت الرب والملك القيوم الذي بيديه ازمة الامور وإليه مرجعها فعطف على هذا المعنى المفهوم من قوله ربنا قوله ولك الحمد فتضمن ذلك معنى قول الموحد له الملك وله الحمد
ثم أخبر عن شأن هذا الحمد وعظمته قدرا وصفة فقال ملء السموات وملء الارض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء اي قدر ملء العالم العلوي والسفلي والفضاء الذي بينهما فهذا الحمد قد ملأ الخلق الموجود وهو يملأ ما يخلقه الرب تبارك وتعالى بعد ذلك ما يشاؤه فحمده قد ملأ كل موجود وملأ ما سيوجد فهذا احسن التقديرين وقيل ما شئت من شيء وراء العالم فيكون قوله بعد للزمان على الأول والمكان على الثاني اتبع ذلك بقوله اهل الثناء والمجد فعاد الامر بعد الركعة إلى ما افتتح به الصلاة قبل الركعة من الحمد والثناء والمجد ثم اتبع ذلك بقوله احق ما قال العبد تقريرا لحمده وتمجيده والثناء عليه وان ذلك احق ما نطق به العبد ثم اتبع ذلك بالاعتراف بالعبودية وان ذلك حكم عام لجميع العبيد ثم عقب ذلك بقوله لا مانع لما اعطيت ولامعطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد وكان يقول ذلك بعد انقضاء الصلاة ايضا فيقوله في هذين الموضعين اعترافا بتوحيده وان النعم كلها منه وهذا يتضمن امورا احدها انه المنفرد بالعطاء والمنع الثاني انه إذا اعطى لم يطق احد منع من اعطاه وإذا منع لم يطق احد إعطاء من منعه الثالث أنه لاينفع عنده ولا يخلص من عذابه ولا يدني من كرامته جدود بني آدم وحظوظهم من الملك والرئاسة والغنى وطيب العيش وغير ذلك إنما ينفعهم عنده التقريب إليه بطاعته وإيثار مرضاته
ثم ختم ذلك بقوله اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد كما افتتح به الركعة في اول الاستفتاح كما كان يختم الصلاة بالاستغفار وكان الاستغار في اول الصلاة ووسطها آخرها فاشتمل هذا الركن على افضل الاذكار وانفع الدعاء من حمده وتمجيده والثناء عليه والاعتراف له بالعبودية والتوحيد والتنصل إليه من الذنوب والخطايا فهو ذكر مقصود في ركن مقصود ليس بدون الركوع والسجود
فصل في السجود
ثم يكبر ويخر لله ساجدا غير رافع يديه لأن اليدين تنحطان للسجود كما ينحط الوجه فهما ينحطان لعبوديتهما فأغنى ذلك عن رفعهما ولذلك لم يشرع رفعهما عند رفع الرأس من السجود لأنهما يرفعان معه كما يوضعان معه وشرع السجود على اكمل الهيئة وابلغها في العبودية واعمها لسائر الاعضاء بحيث يأخذ كل جزء من البدن بحظه من العبودية والسجود سر الصلاة وركنها الاعظم وخاتمة الركعة وما قبله من الاركان كالمقدمات له فهو شبه طواف الزيارة في الحج فإنه مقصود الحج ومحل الدخول على الله وزيارته وما قبله كالمقدمات له ولهذا اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد مسلم رقم 482 وافضل الاحوال له حال يكون فيها اقرب إلى الله ولهذا كان الدعاء في هذا المحل اقرب إلى الإجابة خلق الله سبحانه العبد من الارض كان جديرا بأن لا يخرج عن
أصله بل يرجع إليه إذا تقاضاه الطبع والنفس بالخروج عنه فإن العبد لو ترك لطبعه ودواعي نفسه لتكبر واشر وخرج عن اصله الذي خلق منه ولوثب على حق ربه من الكبرياء والعظمة فنازعه أياهما وامر بالسجود خضوعا لعظمة ربه وفاطره وخشوعا له وتذللابين يديه وانكسارا له فيكون هذا الخشوع والخضوع والتذلل ردا له إلى حكم العبودية ويتدارك ما حصل له من الهفوة والغفلة والاعراض الذي خرج به عن اصله فتمثل له حقيقة التراب الذي خلق منه وهو يضع اشرف شيء منه واعلاه وهو الوجه وقد صار اعلاه اسفله خضوعا بين يدي ربه الاعلى وخشوعا له وتذللا لعظمته واستكانة لعزته وهذا غاية خشوع الظاهر فإن الله سبحانه خلقه من الارض التي هي مذللة للوطء بالاقدم واستعمله فيها ورده إليها ووعده بالاخراج منها فهي امه وابوه واصله وفصله فضمته حيا على ظهرها وميتا في بطنها وجعلت له طهرا ومسجدا فأمر بالسجود إذ هو غاية خشوع الظاهر وأجمع العبودية لسائر الاعضاء فيعفر وجهه في التراب استكانة وتواضعا وخضوعا وإلقاء باليدين وقال مسروق لسعيد بن جبير ما بقي شيء يرغب فيه إلا ان نعفر وجوهنا في التراب له وكان النبي لا يتقي الارض بوجهه قصدا بل إذا اتفق له ذلك فعله ولذلك سجد في الماء والطين البخاري رقم 813 مسلم رقم 1167 ولهذا كان من كمال السجود الواجب أنه يسجد على الاعضاء السبعة الوجه واليدين والركبتين واطراف القدمين فهذا فرض امر الله به
رسول وبلغه الرسول لأمته ومن كماله الواجب او المستحب مباشرة مصلاه بأديم وجهه واعتماده على الارض بحيث ينالها ثقل رأسه وارتفاع اسافله على اعاليه فهذا من تمام السجود ومن كماله ان يكون على هيئة يأخذ فيها كل عضو من البدن بحظه من الخضوع فيقل بطنه عن فخذيه وفخديه عن ساقيه ويجافي عضديه عن جنبيه ولا يفرشهما على الارض ليستقل كل عضو منه بالعبودية ولذلك إذا رأى الشيطان ابن آدم ساجدا لله اعتزل ناحية يبكي ويقول يا ويله امر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وامرت بالسجود فعصيت فلي النار مسلم رقم 81 ولذلك اثنى الله سبحانه على الذين يخرون ! سجدا عند سماع كلامه وذم من لا يقع ساجدا عنده ولذلك كان قول من اوجبه قويا في الدليل ولما علمت السحرة صدق موسى وكذب فرعون خروا سجدا لربهم فكانت تلك السجدة اول سعادتهم وغفران ما افنوا فيه اعمارهم من السحر ولذلك اخبر سبحانه عن سجود جميع المخلوقات له فقال تعالى ولله يسجد ما في السموات وما في الارض من دابة والملئكة وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون 16 سورة النحل / الآيتان 49 و 50 فأخبر عن إيمانهم بعلوه وفرقيته وخضوعهم له بالسجود تعظيما وإجلالا تعالى الم تر ان الله يسجد له من السموات ومن في الارض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء 22 سورة الحج / الآية 18 فالذي حق عليه العذاب هو الذي لا يسجد به سبحانه وهو الذي اهانه
بترك السجود له واخبر انه لا مكرم له وقد هان على ربه حيث لم يسجد له وقال تعالى ولله يسجد من في السموات والارض طوعا وكرها وظللهم في الغدو والآصال 13 سورة الرعد / الآية 15 ولما كانت العبودية غاية كمال الانسان وقربه من الله بحسب نصيبه من عبوديته وكانت الصلاة جامعة لمتفرق العبودية متضمنة لاقسامها كانت افضل اعمال العبد ومنزلتها من الاسلام بمنزلة عمود الفسطاط منه وكان السجود افضل اركانها الفعلية وسرها الذي شرعت لأجله وكان تكرره في الصلاة اكثر من تكرر سائر الاركان وجعله خاتمة الركعة وغايتها وشرع فعله بعد الركوع فإن الركوع توطئة له ومقدمة بين يديه وشرع فيه من الثناء على الله ما يناسبه وهو قول العبد سبحان ربي الاعلى فهذا افضل ما يقال فيه ولم يرد عن النبي أمره في السجود بغيره حيث قال اجعلوها في سجودكم ومن تركه عمدا فصلاته باطلة عند كثير من العلماء منهم الامام احمد وغيره لأنه لم يفعل ما امر به وكان وصف الرب بالعلو في هذه الحال في غاية المناسبة لحال الساجد الذي قد انحط إلى السفل على وجهه فذكر علو ربه في حال سقوطه وهو كما ذكر عظمته في حال خضوعه في ركوعه ونزه ربه عما لايليق به مما يضاد عظمته وعلوه ثم لما شرع السجود بوصف التكرار لم يكن بد من الفصل بين السجدتين ففصل بينهما بركن مقصود شرع فيه من الدعاء ما يليق به ويناسبه وهو سؤال العبد المغفرة والرحمة والهداية والعافية والرزق فإن
هذه تتضمن جلب خير الدنيا والآخرة ودفع شر الدنيا والآخرة فالرحمة تحصل الخير والمغفرة تقي الشر والهداية توصل إلى هذا وهذا والرزق إعطاء ما به قوام البدن من الطعام والشراب وما به قوام الروح والقلب من العلم والايمان وجعل جلوس الفصل محلا لهذا الدعاء لما تقدمه من رحمة الله والثناء عليه والخضوع له فكان هذا وسيلة للداعي ومقدمة بين يدي حاجته فهذا الركن مقصود الدعاء فيه فهو ركن وضع للرغبة وطلب العفو والمغفرة والرحمة فإن العبد لما أتى بالقيام والحمد والثناء والمجد ثم اتى بالخضوع وتنزيه الرب وتعظيمه ثم عاد إلى الحمد والثناء ثم كمل ذلك بغاية التذلل والخضوع والاستكانة بقي سؤال حاجته واعتذاره وتنصله فشرع له ان يتمثل في الخدمة فيقعد فعل العبد الذليل جاثيا على ركبتيه كهيئة المقلي نفسه بين يدي سيده راغبا راهبا معتذرا إليه مستعديا إليه على نفسه الامارة بالسوء ثم شرع له تكرير هذه العبودية مرة بعد مرة إلى إتمام الاربع كما شرع له تكرير الذكر مرة بعد مرة لانه ابلغ في حصول المقصود وادعى إلى الاستكانة والخضوع فلما أكمل ركوع الصلاة وسجودها وقراءتها وتسبيحها وتكبيرها شرع له ان يجلس في آخر صلاته جلسة المتخشع المتذلل المستكين جاثيا على ركبتيه ويأتي في هذه الجلسة باكمل التحيات وافضلها عوضا عن تحية المخلوق للمخلوق إذا واجهه او دخل عليه فإن الناس يحيون ملوكهم واكابرهم بأنواع التحيات التي يحيون بها قلوبهم فبعضهم يقول انعم صباحا وبعضهم يقول لك البقاء والنعمة وبعضهم يقول اطال الله بقاءك وبعضهم يقول تعيش الف عام وبعضهم يسجد
للملوك وبعضهم يسلم فتحياتهم بينهم تتضمن ما بحبه المحيى من الاقوال والافعال والمشركون يحيون اصنامهم قال الحسن كان أهل الجاهلية يتمسحون بأصنامهم ويقولون لك الحياة الدائمة فلما جاء الاسلام امروا ان يجعلوا اطيب تلك التحيات وازكاها وافضلها لله فالتحية هي تحية من العبد للحي الذي لا يموت وهوسبحانه اولى بتلك التحيات من كل ما سواه فإنها تتضمن الحياة والبقاء والدوام ولا يستحق احد هذه التحيات إلا الحي الباقي الذي لا يموت ولا يزول ملكه وكذلك قوله والصلوات فإنه لا يستحق احد الصلاة إلا الله تعالى والصلاة لغيره من اعظم الكفر والشرك به وكذلك قوله والطيبات هي صفة الموصوف المحذوف اي الطيبات من الكلمات والافعال والصفات والاسماء لله وحده فهو طيب وافعاله طيبة وصفاته أطيب شيء واسماؤه أطيب الاسماء واسمه الطيب ولا يصدر عنه إلا طيب ولا يصعد إليه إلا طيب ولا يقرب منه إلا طيب وإليه يصعد الكلم الطيب وفعله طيب والعمل الطيب يعرج إليه فالطيبات كلها له ومضافة إليه وصادرة عنه ومنتهية إليه قال النبي إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا مسلم رقم 1015 وفي حديث رقية المريض الذي رواه أبو داود رقم 3892 وغيره أنت رب الطيبين ولا يجاوره من عبادة إلا الطيبون كما يقال لأهل الجنة سلم عليكم طبتم فادخلوها خالدين 39 سورة الزمر / الآية
وقد حكم سبحانه شرعه وقدره ان الطيبات للطيبين فإذا كان هو سبحانه الطيب على الاطلاق فالكلمات الطيبات والافعال الطيبات والصفات الطيبات والاسماء الطيبات كلها له سبحانه لا يستحقها أحد سواه بل ما طاب شيء قط إلا بطيبته سبحانه فطيب كل ما سواه من آثار طيبته ولا تصلح هذه التحية الطيبة إلا له ولما كان السلام من انواع التحية وكان المسلم داعيا لمن يحييه وكان الله سبحانه هو الذي يطلب منه السلام لعباده الذين اختصهم بعبوديته وارتضاهم لنفسه وشرع ان يبدأ بأكرمهم عليه واحبهم إليه واقربهم منه منزلة في هذه التحية بالشهادتين اللتين هما مفتاح الاسلام فشرع أن يكون خاتمة الصلاة فدخل فيها بالتكبير والحمد والثناء والتمجيد وتوحيد الربوبية والالهية وختمها بشهادة ان لا إله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله وشرعت هذه التحية في وسط الصلاة إذا زادت على ركعتين تشبيها لها بجلسة الفصل بين السجدتين وفيها مع الفصل راحة للمصلي لاستقباله الركعتين الآخرتين بنشاط وقوة بخلاف ماإذا والى بين الركعات ولهذا كان الافضل في النفل مثنى مثنى وإن تطوع باربع جلس في وسطهن
فصل في الصلاة على النبي وآله
وجعلت كلمات التحيات في آخر الصلاة بمنزلة خطبة الحاجة امامها فإن المصلي إذا فرغ من صلاته جلس جلسة الراغب الراهب يستعطى من ربه ما لا غنى به عنه فشرع له امام استعطائه كلمات التحيات مقدمة بين يدي سؤاله ثم يتبعها بالصلاة على من نالت امته هذه النعمة على
يده وسعادته فكأن المصلي توسل إلى الله سبحانه بعبودتيه ثم بالثناء عليه والشهادة له بالوحدانية ولرسوله بالرسالة ثم الصلاة على رسوله ثم قيل له تخير من الدعاء أحبه إليك فذاك الحق الذي عليك وهذا الحق الذي لك وشرعت الصلاة على آله مع الصلاة عليه تكميلا لقرة عينه بإكرام آله والصلاة عليهم وان يصلي عليه وعلى آله كما صلي على ابيه إبراهيم وآله والانبياء كلهم بعد إبراهيم من آله ولذلك كان المطلوب لرسول الله صلاة مثل الصلاة على إبراهيم وعلى جميع الانبياء بعده وآله المؤمنين فلهذا كانت هذه الصلاة أكمل ما يصلي على رسول الله بها وافضل فإذا اتى بها المصلي امر ان يستعيذ بالله من مجامع الشر كله فإن الشر إما عذاب الآخرة وإما سببه فليس الشر إلا العذاب وأسبابه والعذاب نوعان عذاب في البرزخ وعذاب في الآخرة واسبابه الفتنة وهي نوعان كبرى وصغرى فتنة الدجال وفتنة الممات والصغرى فتنة الحياة التي يمكن تداركها بالتوبة بخلاف فتنة الممات وفتنة الدجال فإن المفتون فيهما لا يتدارك شرع له من الدعاء ما يختاره من مصالح دنياه وآخرته والدعاء في هذا المحل قبل السلام افضل من الدعاء بعد السلام وانفع للداعي وهكذا كانت عامة ادعية النبي كلها كانت في الصلاة من اولها إلى آخرها فكان يدعو في الاستفتاح انواعا من الدعاء وفي الركوع وبعد رفع رأسه منه وفي السجود وبين السجدتين وفي التشهد قبل التسليم وعلم
الصديق دعاء يدعوا به في صلاته وعلم الحسن بن علي دعاء يدعو به في قنوت الوتر وكان إذا دعا لقوم أو على قوم جعله في الصلاة بعد الركوع ومن ذلك ان المصلي قبل سلامه في محل المناجاة والقربة بين يدي ربه فسؤاله في هذا الحال اقرب إلى الإجابة من سؤاله بعد انصرافه من بين يديه وقد سئل النبي اي الدعاء اسمع فقال جوف الليل وادبار الصلوات المكتوبة الترمذي رقم 3494 ودبر الصلاة جزؤها الاخير كدبر الحيوان ودبر الحائط وقد يراد بدبرها ما بعد انقضائها بقرينة تدل عليه كقوله تسبحون الله وتحمدونه وتكبرونه دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين البخاري رقم 843 مسلم رقم 595 فهنا دبرها بعد الفراغ منها وهذا نظير انقضاء الأجل فإنه يراد به ولما يفرغ ويراد به فراغها وانتهاؤها
فصل في ختام الصلاة بالتسليم
ثم ختمت بالتسليم وجعل تحليلا لها يخرج به المصلي منها كما يخرج بتحليل الحج منه وجعل هذا التحليل دعاء الأمام لمن وراءه بالسلامة التي هي اصل الخير واساسه فشرع لمن وراءه ان يتحلل بمثل ما تحلل به الامام وفي ذلك دعاء له وللمصلين معه بالسلام ثم شرع ذلك لكل مصل وإن كان منفردا فلا احسن من هذا التحليل للصلاة وكما أنه لا احسن من كون التكبير تحريما لها فتحريمها تكبير الرب تعالى والجامع لإثبات كل كمال له وتنزيه عن كل نقص وعيب وإفراده وتخصيصه بذلك وتعظيمه وإجلاله
فالتكبير يتضمن تفاصيل افعال الصلاة واقوالها وهيآتها فالصلاة من اولها إلى آخرها تفصيل لمضمون الله اكبر واي تحريم احسن من هذا التحريم المتضمن للإخلاص والتوحيد وهذا التحليل المتضمن الاحسان إلى اخوانه المؤمنين فافتتحت بالاخلاص وختمت بالاحسان
فصل في الرد على ادلة المخففين
قال المكملون للصلاة فالصلاة وضعت على هذا النحو وهذا الترتيب لا يمكن ان يحصل ما ذكرناه من مقاصدها التي هي جزء يسير من قدرها وحقيقتها إلا مع الاكمال والإتمام والتمهل الذي كان رسول الله يفعله ومحال حصول ما ذكرناه مع النقر والتخفيف الذي يرجع إلى شهوة الامام والمأمومين ومن اراد ان يصلي هذه الصلاة الخاصة فلا بد له من مزيد تطويل واما الصلاة الحرجية فلا تتوقف على ذلك استدلالكم باحاديث الامر بالايجاز فقد بينا ان الإيجاز هو الذي كان يفعله وعليه دوام حتى قبضة الله إليه فلا يجوز غير هذا البتة واما قراءته في الفجر بالمعوذتين فهذا إنما كان في السفر كما هو مصرح به في الحديث والمسافر قد أبيح له أو أوجب عليه قصر الصلاة لمشقة السفر فأبيح له تخفيف أركانها فهلا عملتم بقراءته في الحضر بمئة آية في الفجر ظإما قراءته صلاة الله عليه وسلامه بسورة التكوير في الفجر فإن كان في السفر فلا حجة لكم فيه وإن كان في الحضر فالذي يحكى عنه ذلك
روى عنه أنه كان يقرأ فيها بالستين إلى المئة وب 50 سورة ق ونحوها فإنه كان يدخل في الصلاة وهو يريد إطالتها فيخففها لعارض من بكاء صبي وغيره وأما حديث تسبيحه في الركوع والسجود ثلاثا فلا يثبت والاحاديث الصحيحة بخلافه وهذا السعدي مجهول لا تعرف عينه ولا حاله وقد قال انس إن عمر بن عبدالعزيز كان اشبه الناس صلاة برسول الله وكان مقدار ركوعه وسجوده عشر تسبيحات وانس اعلم بذلك من السعدي عن ابيه او عمه لو ثبت فأين علم من صلى مع النبي عشر سنين كوامل إلى علم من لم يصل معه إلا بتلك الصلاة الواحدة او صلوات يسيرة فإن عم هذا السعدي أو اباه ليس من مشاهير الصحابة المداومين الملازمة لرسول الله كملازمه انس والبراء بن عازب وابي سعيد الخدري وعبدالله بن عمر وزيد بن ثابت وغيرهم ممن ذكر صفة صلاته وقدرها وكيف يقوم بعد الركوع حتى يقولوا قد نسي ويسبح فيه ثلاث تسبيحات فيجعل القيام منه بقدرة اضعافا مضاعفة وكذلك جلوسه بين السجدتين حتى يقولوا قد اوهم ولا ريب ان ركوعه وسجوده كان نحوا من قيامه بعد الركوع وجلوسه بين السجدتين حتى تكرهوا إطالتها ويغلو من يغلو منكم في بطل الصلاة بإطالتها وقد شهد البراء بن عازب ان ركوعه وسجوده كان نحوا من قيامه ومحال ان يكون مقدار ذلك ثلاث تسبيحات ولعله خفف مرة لعارض فشهده عم السعدي او ابوه فاخبر به وقد حكم النبي أن طول صلاة الرجل من فقهه وهذا الحكم اولى من الحكم له بقلة الفقه فحكم رسول الله هو الحكم الحق وما خالفه فهو الحكم الباطل الجائز
فروى مسلم في صحيحه رقم 869 من حديث عمار بن ياسر قال قال رسول الله إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة عن فقهه فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة والمئنة العلامة وعند سراق الصلاة ان العجلة فيها من علامات الفقه فكلما سرق ركوعها وسجودها واركانها كان ذلك علامة فضيلته وفقهه وفي صحيح بن حبان رقم 1129 وسنن النسائي رقم 1414 عن عبدالله ابن ابي اوفى قال كان رسول الله يكثر الذكر ويقل اللغو ويطيل الصلاة ويقصر الخطبة ولا يأنف المشي مع الارملة والمسكين فيقضى له الحاجة فهذا فعله وذاك قوله في مثل صلاة الجمعة التي يجتمع لها الناس وكان يقرأ فيها سورة الجمعة والمنافقين كاملتين مسلم رقم 877 ولم يقتصر على الثلاث الآيات من آخرهما في جمعة واحدة أصلا فعطل كثيرا من الناس سنته فاقتصر على آخرهما ولم يقرأ بهما كاملتين اضلا وكذلك كان يقرأ في فجر يوم الجمعة 32 سورة الم تنزيل السجدة و 76 سورة هل اتى على الانسان كاملتين في الركعتين مع قراءته المترسلة على مهله وتأن البخاري رقم 891 مسلم رقم 880 فعطل كثير من الائمة ذلك واقتصروا على هذه وهذه وعلى إحدى السورتين في الركعتين ومن يقرأ بهما كاملتين فكثير منهم يقرأ بهما بسرعة وهذا مكروه للإمام وكل هذا فرار من هديه فإن جاءهم حديث صحيح خالف ما الفوه واعتادوه قالوا هذا منسوخ او خلاف الاجماع والعيار على ذلك عندهم مخالفة اقوالهم
ولو كانت احاديث التطويل منسوخة لكان اصحاب رسول الله اعلم بذلك ولما احتجوا بها علىمن لم يعمل بها ولاعمل بها اعلم الامة به وهم الخلفاء الراشدون فهذا صديق الامة وشيخ الاسلام صلى الصبح فقرأ البقرة من اولها إلى آخرها وخلفه الكبير والصغير وذو الحاجة فقالوا له يا خليفة رسول الله كادت الشمس تطلع فقال لو طلعت الشمس لم تجدنا غافلين الموطأ1 \ 82 ومضى على منهاجه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب وكان يقرأ في الفجر بالنحل ويوسف وبهود ويونس وبني اسرائيل سورة الإسراء ونحوها من السور الموطأ 1 \ 28 وقد تقدم حديث عبدالله بن عمر كان رسول الله يأمر بالتخفيف ويؤمنا بالصافات فالذي فعله هو الذي أمر به وقد تقدم حكاية الذكر والدعاء الذي كان يقوله في ركن الإعتدال من الركوع وأنه كان يطيله حتى يقول من خلفه قد أوهم وتقدم حديث أبي سعيد في دخوله في صلاة الظهر فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ويأتي أهله فيتوضأ ثم يأتي المسجد فيدركه في الركعة الأولى فيالله العجب للذي حرم الإقتداء به في ذلك أو جعله مكروها ونحن نقول كلا والذي بعثه بالحق إن الاقتداء به في ذلك مرضاة الله ورسوله وإن تركها من تركها وأما حديث سعيد بن عبدالرحمن ابن أبي العمياء أبو داود رقم 4904 ودخول سهيل ابن أبي أمامة على أنس بن مالك فإذا هو
يصلي صلاة خفيفة كأنها صلاة مسافر فقال إنها لصلاة رسول الله فهذا مما تفرد به ابن أبي العمياء وهو شبه المجهول والأحاديث الصحيحة عن انس كلها تخالفه كيف يقول أنس هذا وهو القائل إن أشبه من رأى صلاة برسول الله عمر بن عبدالعزيز وكان يسبح عشرا عشرا وهو الذي كان يرفع رأسه من الركوع حتى يقال قد نسي وكذلك ما بين السجدتين ويقول ما آلو أن اصلي لكم صلاة رسول الله وهو الذي يبكي على إضاعتهم الصلاة ويكفي في رد حديث ابن أبي العمياء ما تقدم من الأحاديث الصحيحة الصريحة التي لا مطعن في سندها ولا شبهة في دلالتها فلو صح حديث ابن ابي العمياء وهو بعيد عن الصحة لوجب حمله على ان تلك صلاة رسول الله للسنة الراتبة كسنة الفجر والمغرب والعشاء وتحية المسجد ونحوها لا أن تلك صلاته التي كان يصليها بأصحابه دائما وهذا مما يقطع ببطلانه وترده سائر الأحاديث الصحيحة الصريحة ولا ريب أن رسول الله كان يخفف سنة الفجر حتى تقول عائشة أم المؤمنين هل قرأ فيها بأم القرآن البخاري رقم 1165 مسلم رقم 724 وكان يخفف الصلاة في السفر حتى كان ربما قرأ في الفجر بالمعوذتين مسند أحمد 4 / 153 - 150 أبو داود رقم 1462 وكان يخفف إذا سمع بكاء الصبي البخاري رقم 708 مسلم رقم 469 فالسنة التخفيف حيث خفف والتطويل حيث أطال والتوسط غالبا فالذي انكره انس هو التشديد الذي لا يخفف صاحبه على نفسه مع حاجته إلى التخفيف ولا ريب أن هذا خلاف سنته وهديه وأما حديث معاذ وقوله أفتان أنت يا معاذ فلم يتعلق السراق منه إلا بهذه الكلمة ولم يتأملوا اول الحديث وآخره فاسمع قصة معاذ
فعن جابر بن عبداله قال اقبل رجل بناضحين وقد جنح الليل فوافق معاذ يصلي فترك ناضحيه واقبل إلى معاذ فقرأ سورة البقرة أو النساء فانطلق الرجل وبلغه ان معاذا نال منه فأتى رسول الله يشكوا إليه معاذا فقال النبي افتان انت او قال افاتن انت ثلاث مرات فلولا صليت ب 87 سورة سبح اسم ربك الاعلى 91 سورة والشمس وضحها والليل إذا يغشى فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف لاوذو الحاجة رواه البخاري ومسلم ولفظه للبخاري وفي مسند الإمام أحمد من حديث أنس بن مالك قال كان معاذ بن جبل يؤم قومه فدخل حرام وهو يريد أن يسقي نخلة فدخل المسجد مع القوم افلما رأى معاذا طول تجوز في صلاته ولحق بنخلة يسقيه فلما قضى معاذ الصلاة قيل له ذلك فقال إنه لمنافق أيعجل عن الصلاة من أجل سقي نخلة قال فجاء حرام النبي ومعاذ عنده فقال يا بنى الله إني أردت أن أسقي نخلا لي فدخلت المسجد لأصلي مع القوم فلما طول تجوزت في صلاتي ولحقت بنخلي أسقيه فزعم أني منافق النبي على معاذ فقال أفتان أنت لا تطول بهم اقرأ سبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحها ونحوها وعن معاذ بن رفاعة الانصاري عن سليم من بني سلمة انه اتى رسول الله فقال يا رسول الله إن معاذ بن جبل يأتينا بعدما ننام ونكون في اعمالنا بالنهار فينادي بالصلاة فنخرج إليه فيطول علينا فقال
رسول الله يا معاذ بن جبل لا تكن فتانا إما أن تصلي معي وإما أن تخفف على قومك ثم قال يا سليم ما معك من القرآن قال إني أسأل الله الجنة أو قال أسأل الجنة واعوذ به من النار والله ما احسن دندنتك ولا دندنة معاذ فقال رسول الله وهل تصير دندنتي ودندنة معاذ إلا أن نسأل الله الجنة ونعوذ به من النار قال سليم سترون غدا إذا التقى القوم إن شاء الله قال والناس يتجهزون إلى احد فخرج فكان في الشهداء رحمه الله رواه الامام2 أحمد المسند 5 / 74 فإن قال فقد روى الامام أحمد المسند 5 / 355 من حديث بريدة أن معاذ بن جبل بن جبل صلى بأصحابه صلاة العشاء فقرأ فهيا 54 سورة اقتربت الساعة فقام رجل قبل أن يفرغ فصلى وذهب فقال له معاذ قولا شديدا فأتى الرجل النبي فاعتذر إليه فقال إني كنت اعمل في نخلي وخفت على الماء فقال رسول الله صل ب 91 سورة والشمس وضحها ونحوها من السور فقد أجيب عن هذا بأن قصة معاذ تكررت وهذا جواب في غاية البعد عن الصواب فإن معاذا كان أفقه في دين الله من ان ينهاه رسول الله ثم يعود له وأجود من هذا الجواب ان يكون قرأ في الركعة الاولى ب 2 سورة البقرة وفي الركعة الثانية 54 سورة اقتربت الساعة فسمعه من صلى معه من الركعة الاولى فقال صلى ب 2 سورة البقرة وبعضهم سمع قراءته في الثانية فقال صلى ب 54 سورة اقتربت الساعة والذي في الصحيحن أنه قرأ سورة البقرة وشك بعض الرواة فقال البقرة والنساء وقصة قراءته ب 54 سورة اقتربت لم تذكر في الصحيح
والذي في الصحيح أولى بالصحة منها وقد حفظ الحديث جابر فقال كان معاذ يصلي مع النبي العشاء ثم اتى قومه فأمهم فافتتح سورة البقرة وذكر القصة فهذا جابر اخبر أنه فعل ذلك مرة وأنه قرأ بالبقرة ولم يشك وهذا الحديث متفق على صحته أخرجاه في الصحيحن البخاري رقم 705 مسلم رقم 465 والله أعلم
فصل في التعمق والتنطع والتشديد المنهي عنه
وقد ظهر بهذا أن التعمق والتنطع والتشديد الذي نهى عنه رسول الله هو المخالف لهديه وهدي أصحابه وما كانوا عليه وان موافقته فيما فعله هو وخلفاؤه من بعده هو محض المتابعة وإن اباها وجهلها من جهلها فالتعمق والتنطع مخالفة ما جاء به وتجاوزه والغلو فيه ومقابلة إضاعته والتفريط فيه والتقصير عنه وهما خطأ وضلالة وانحراف عن الصراط المستقيم والمنهج القويم ودين الله تعالى بين الغالي فيه والجافي عنه وقد قال علي ابن ابي طالب كرم الله وجهه خير الناس النمط الاوسط الذي يرجع إليهم الغالي ويلحق بهم التالي ذكره ابن المبارك عن محمد بن طلحة عن علي وقال ابن عائشة ما امر الله عباده بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان فإما إلى غلة وإما إلى تقصير
وقال بعض السلف دين الله بين الغالي فيه والجافي عنه وقد مدح تعالى اهل التوسط بين الطرفين المنحرفين في غير موضع من كتابه فقال تعالى والذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقترفوا وكان بين ذلك قواما 25 سورة الفرقان / الآية 67 وقال تعالى ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا 17 سورة الإسراء / الآية 29 وقال وءات ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا 17 سورة الإسراء / الآية 26 فمنع ذي القربى والمسكين وابن السبيل حقهم انحراف في جانب الامساك والتبذير انحراف في جانب البذل ورضاء الله فيما بينهما ولهذا كانت هذه الامة اوسط الامم وقبلتها اوسط القبل بين القبلتين المنحرفتين والوسط دائما محمي الاطراف اما الاطراف فالخلل إليها أسرع كما قال الشاعر كانت هي الوسط المحمي فاكتنفت ... بها الحوادث حتى اصبحت طرفا فقد اتفق شرع الرب تعالى وقدره على أن خيار الامور اوساطها وأما قولهم إن محبة الصحابة لرسول الله ولصوته وقراءته يحملهم على احتمال إطالته فلا يجدون بها مشقة فلعمر الله إن الامر كما ذكروا بل حبهم له يحملهم على بذل نفوسهم واموالهم بين يديه وعلى وقاية نفسه الكريمة بنفوسهم فكانوا يتقدمون إلى الموت بين يديه تقدم المحب إلى رضاء محبوبه ولعمر الله هذا شأن اتباعه من بعده إلى يوم القيامة لا تأخذهم في متابعة سنته لومة لائم ولا يثنيهم عنها عذل عاذل فهم يحتملون في متابعته والاهتداء بهديه لوم اللائمين وطعن الطاعنين ومعاداة الجاهلين الذي رضوا من سنته بآراء الرجال بدلا وتمسكوا بها فلا يبغون عنها حولا وعرضوا عليها نصوص السنة والقرآن عرض الجيوش على
السلطان فما وافقها قبوله وما خالفها تلطفوا في رده بأنواع التأويل فمرة يقولون هذا متروك الظاهر ومرة يقولون لا يعلم له قائل ومرة يقولون هو منسوخ ومرة يقولون متبوعنا اعلم به منا وما خالفه إلا وقد صح عنده ما يقتضي مخالفته فأتباعه في مجاهده هذه الفرق دائبون وعلى متابعة سنته دائرون فإن كان قد غاب عن اعينهم شخصه الكريم فقد شاهدوا ببصائرهم ما كان عليه الهدي المستقيم
فصل في صفة صلاة النبي
فهاك سياق صلاته من حين استقباله القبلة وقوله الله اكبر إلى حين سلامه كأنك تشاهده عيانا ثم اختر لنفسك بعد ما شئت قيامه وقراءته كان رسول الله إذا قام إلى الصلاة واستقبل القبلة ووقف في مصلاة رفع يديه إلى فروع أذنيه مسلم رقم 391 واستقبل بأصابعه القبلة ونشرها وقال الله اكبر ولم يكن يقول قبل ذلك نويت أن أصلي كذا وكذا مستقبل القبلة اربع ركعات فريضة الوقت اداء الله تعالى اماما ولا كلمة واحدة من ذلك في مجموع صلاته من اولها إلى آخرها فقد نقل عنه اصحابه حركاته وسكناته وهيئاته حتى اضطراب لحيته في الصلاة حتى إنه حمل بنت ابنه مرة في الصلاة فنقلوا ولم يهملوه فكيف يتفق ملؤهم من اولهم إلى آخرهم على ترك نقل هذا المهم الذي هو
شعار الدخول في الصلاة ولعمر الله لو ثبت عنه من هذا كلمة واحدة لكنا اول من اقتدى به فيها وبادر إليها ثم كان يمسك شماله بيمينه فيضعها عليها فوق المفصل ثم يضعها على صدره ثم يقول سبحانك اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد البخاري رقم 744 مسلم رقم 598 وكان يقول أحيانا وجهت وجهي للذي فطر السماوات والارض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك امرت وأنا أول المسلمين 6 سورة الانعام / الآيتان 162 و 163 اللهم انت الملك لا إله إلا انت وانا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا لا يغفر الذنوب إلا انت واهدني لأحسن الاخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك إنا بك وإليك تباركت وتعاليت استغفرك واتوب إليك مسلم رقم 771 ولكن هذا إنما حفظ عنه في صلاة الليل كان يقول الله اكبر كبيرا الله اكبر كبيرا والحمد لله كثيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة واصيلا
وربما كان يقول الله اكبر الله اكبر لا إله الا انت لا إله إلا انت سبحان الله وبحمده سبحان الله وبحمده ثم يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وربما قال اعوذ بالله من الشيطان الرجيم من نفخة ونفثه وهمزه ابو داود رقم 764 وربما قال اللهم إن اعوذ بك من الشيطان الرجيم وهمزه ونفخه ونفثه ابو داود رقم 764 ثم يقرأ فاتحة الكتاب البخاري رقم 743 مسلم رقم 394 فإن كانت الصلاة جهرية اسمعهم القراءة ولم يسمعهم بسم الله الرحمن الرحيم فربه اعلم هل كان يقرؤها ام لا وكان يقطع قراءته آية آية ثم يقف على رب العالمين ثم يبتديء الرحمن الرحيم ويقف ثم يبتديء ملك يوم الدين على ترسل وتمهل وترتيل يمد الرحمن ويمد الرحيم وكان يقرأ ملك يوم الدين بالالف يعني لا يقرأ ملك وهي قراءة وإذا ختم السورة قال آمين يجهر بها ويمد بها صوته الترمذي رقم 248 وابو داود رقم 932 ويجهر بها من خلفه حتى يرتج المسجد سنن الشافعي 1 \ 67 واختلفت الرواية عنه هل كان يسكت بين الفاتحة وقراءة السورة ام كانت سكتة بعد القراءة كلها فقال يونس عن الحسن عن سمرة حفظت سكتتين سكتة إذا كبر
الإمام حتى يقرأ وسكتة إذا فرغ من فاتحة الكتاب وسكتة عند الركوع وصدقه أبي بن كعب على ذلك ابو داود رقم 777 يونس اشعث الحمراني عن الحسن فقال سكتة إذا استفتح وسكتة إذا فرغ من القراءة كلها ابو داود رقم 778 وخالفهما قتادة فقال عن الحسن إن سمرة بن جندب وعمران بن الحصين تذاكرا فحدث سمرة أنه حفظ عن رسول الله سكتتين سكتة إذا كبر وسكتة إذا فرغ من قراءة غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقط فحفظ ذلك سمرة وأنكر عليه عمران بن حصين فكتبا في ذلك إلى أبي كعب فكان في كتابه أن سمرة قد حفظ ابو داود رقم 779 وقال قتادة ايضا عن الحسن عن سمرة سكتتان حفظتها عن رسول الله إذا دخل في الصلاة وإذا فرغ من القراءة ثم قال بعد وإذا قال غير المغضوب عليهم ولاالضالين ابو داود رقم 780 فقد اتفقت الاحاديث أنهما سكتتان فقط إحداهما سكتة الافتتاح والثانية ومختلف فيها فالذي قال إنها بعد قراءة الفاتحة هو قتادة وقد اختلف عليه سمرة فمرة قال ذلك ومرة قال بعد الفراغ من القراءة ولم يختلف على يونس واشعث أنها بعد فراغه من القراءة كلها وهذا ارجح الروايتين والله اعلم وبالجملة فلم ينقل عنه بإسناد صحيح ولا ضعيف أنه كان يسكت بعد قراءة الفاتحة حتى يقرأها من خلفه وليس في سكوته في هذا
المحل إلا هذا الحديث المختلف فيه كما رأيت ولو كان يسكت هنا سكتة طويلة يدرك فيها قراءة الفاتحة لما اختفى ذلك على الصحابة ولكان معرفتهم به ونقلهم اهم من سكتة الافتتاح يقرأ بعد ذلك سورة طويلة تارة وقصيرة تارة ومتوسطة تارة كما تقدم ذكر الأحاديث به لم يكن يبتديء من وسط السورة ولا من آخرها وإنما كان يقرأ من أولها فتارة يكملها وهو اغلب احواله وتارة يقتصر على بعضها ويكملها في الركعة الثانية ولم ينقل احد عنه انه قرأ بآية من سورة أو بآخرها إلا في سنة الفجر فإنه كان يقرأ فيها بهاتين الآيتين قولوا ءامنا بالله وما انزل إلينا 2 سورة البقرة / الآية 136 قل يأهل الكتاب الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم 3 سورة آل عمران / الآية 64 الآية وكان يقرأ بالسورة في الركعة وتارة يعيدها في الركعة الثانية وتارة يقرأ سورتين في الركعة أما الاول فكقول عائشة إنه قرأ في المغرب بالاعراف فرقها في الركعتين النسائي رقم 991 وأما الثاني فقراءته في الصبح 99 سورة إذا زلزلت في الركعتين كلتيهما ابو داود رقم 816 والحديثان في السنن الثالث فكقول ابن مسعود ولقد عرفت النظائر التي كان رسول الله يقرن بينهما فذكر عشرين سورة من المفصل سورتين في ركعة وهذا في الصحيحين رقم 775 مسلم رقم 722
وكان يمد قراءة الفجر ويطيلها اكثر من سائر الصلوات واقصر ما حفظ عنه انه كان يقرأ بها فيها على الحضر سورة ق ونحوها مسلم رقم 458 وكان يجهر بالقراءة في الفجر والاوليين من المغرب والعشاء ويسر فيما سوى ذلك وربما كان يسمعهم الآية في قراءة السر احيانا وكان يقرأ في فجر يوم الجمعة سورة الم تنزيل السجدة و هل أتى كاملتين ولم يقتصر على إحداهما ولا على بعض هذه وبعض هذه فقط وكان يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة و المنافقون كاملتين ولم يقتصر على اواخرهما وربما كان يقرأ بسورة الأعلى و الغاشية وكان يقرأ في العيدين بسورة ق و اقتربت الساعة ولم يقتصر على اواخرهما وكان يقرأ في صلاة السر سورة فيها السجدة احيانا فيسجد للسجدة ويسجد معه من خلفه وكان يقرأ في الظهر قدر الم تنزيل السجدة مسلم 452 ونحو ثلاثين آية مسلم رقم 452 ومرة كان يقرأ فيها ب سبح اسم ربك الأعلى مسلم رقم 460 و والليل إذا يغشى مسلم رقم 459 و والسماء ذات البروج و والسماء والطارق ونحوها من السور أبو داود رقم 805 ومرة ب لقمان و الذاريان النسائي رقم 971 وكان يقوم في الركعة الاولى منها حتى لا يسمع وقع قدم مسند احمد 4 / 356
وكذلك كان يطيل الركعة الأولى من كل صلاة على الثانية قرائتة في العصر في الركعتين الاوليين في كل ركعة قدر خمس عشرة آية مسلم رقم 452 وكان يقرأ في المغرب بالاعراف تارة النسائي رقم 991 وبالطور تارة البخاري رقم 765 ومسلم رقم 464 والمرسلات تارة البخاري رقم 763 مسلم رقم 463 وبالدخان تارة النسائي رقم 988 وروي عنه أنه قرأ فيها ب قل يا ايها الكافرون و قل هو الله احد تفرد به ابن ماجه رقم 833 ولعل أحد رواته وهم من قراءته بهما في سنة المغرب فكان يقرأ بهما في سنة المغرب فقال كان يقرأ بهما في المغرب او سقطت كلمة سنة من النسخة والله اعلم وكان يقرأ في عشاء الآخرة ب والتين والزيتون البخاري رقم 767 مسلم رقم 464 وسورة إذا السماء انشقت ويسجد فيها جميع من خلفه البخاري رقم 766 مسلم رقم 578 وب الشمس وضحاها ونحو ذلك من السور مسند أحمد 5 / 355 الترمذي رقم 309 النسائي رقم 999 وكان إذا فرغ من القراءة سكت هنيهة ليرجع إليه نفسه
فصل في صفة الركوع
ثم كان يرفع يديه إلى ان يحاذي بهما فروع اذنيه كما رفعهما في الاستفتاح مسلم رقم 391 ابو داود رقم 745 صح عنه ذلك
كما صح التكبير للركوع بل الذين رووا عنه رفع اليدين ههنا اكثر من الذين رووا عنه التكبير ثم يقول الله اكبر ويخر راكعا ويضع يديه على ركبتيه فيمكنهما من ركبتيه وفرج بين اصابعه وجافى مرفقيه عن جنبيه ثم اعتدل وجعل رأسه حيال ظهره فلم يرفع رأسه ولم يصوبه وهصر ظهره اي مدة ولم يجمعه ثم قال سبحان ربي العظيم ابو داود رقم 886 وروى عنه انه كان يقول سبحان ربي العظيم وبحمده قال ابو داود رقم 870 واخاف ان لا تكون هذه الزيادة محفوظة وربما مكث قدر ما يقول القائل عشر مرات وربما مكث فوق ذلك ودون وربما قال سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي البخاري رقم 794 مسلم رقم 484 وربما قال سبوح قدوس رب الملائكة والروح مسلم رقم 487 وربما قال اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك اسلمت وعليك توكلت انت ربي خشع قلبي وسمعي وبصري ودمي ولحمي وعظمي وعصبي لله رب العالمين مسلم رقم 771 النسائي رقم 1051 وربما كان يقول سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة النسائي رقم 1049 وكان ركوعه مناسبا لقيامه في التطويل والتخفيف وهذا بين في سائر الأحاديث
فصل في صفة الاعتدال من الركوع
ثم كان يرفع رأسه قائلا سمع الله لمن حمده مسلم رقم 476 ويرفع يديه كما يرفعهما عند الركوع البخاري رقم 735 فإذا اعتدل قائما قال ربنا لك الحمد وربما قال اللهم ربنا ولك الحمد ملء السموات وملءالارض وملء ما شئت منم شيء بعد اهل الثناء والمجد احق ما قال العبد وكلنا لك عبد اللهم لا مانع لما اعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد مسلم رقم 477 وربما زاد على ذلك اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الابيض من الوسخ مسلم رقم 476 وكان يطيل هذا الركن ختى يقول القائل قد نسي وكان يقول في صلاة الليل فيه لربي الحمد لربي الحمد ابو داود رقم 874
فصل في صفة الهوى إلى السجود
ثم يكبر ويخر ساجدا ولا يرفع يديه وكان يضع ركبتيه قبل يديه هكذا قال عنه وائل بن حجر ابو داود رقم 838 الترمذي رقم 268 وانس بن مالك الدارقطني 1 / 345 الحاكم 1 / 226
وقال عنه ابن عمر إنه كان يضع يديه قبل ركبتيه الحاكم 2 / 226 ابن خزيمة رقم 627 واختلف على ابي هريرة ففي السنن ابو داود رقم 840 النسائي رقم 1090 1091 الترمذي رقم 269 عن النبي إذا سجد احدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه وروى عنه المقبري عن النبي إذا سجد احدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه البيهقي 2 / 100 فأبو هريرة قد تعارضت الرواية عنه وحديث وائل وابن عمر قد تعارضا فرجحت طائفة حديث ابن عمر ورجحت طائفة حديث وائل بن حجر وسلكت طائفة مسلك النسخ وقالت كان الامر الاول وضع اليدين قبل الركبتين ثم نسخ بوضع الركبتين اولا وهذه طريقة ابن خزيمة في ذكر الدلائل على الامر بوضع اليدين عند السجود منسوخ فإن وضع الركبتين قبل اليدين ناسخ ثم روى من طريق إسماعيل بن إبراهيم عن يحيى بن سلمة بن كهيل عن ابيه عن سلمة عن مصعب بن سعد قال كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا بوضع الركبتين قبل اليدين ابن خزيمة رقم 628 وهذا لو ثبت لكان فيه الشفاء لكن يحيى بن سلمة بم كهيل قال البخاري عنده مناكير وقال ابن معين ليس بشيء لا يكتب حديثه وقال النسائي متروك الحديث وهذه القصة وهم فيها يحيى او غيره وإنما المعروف عن مصعب بن سعد عن ابيه نسخ التطبيق في الركوع بوضع
اليدين على الركبتين فلم يحفظ هذا الراوي وقال المنسوخ وضع اليدين قبل الركبتين قال السابقون باليدين قد صح حديث ابن عمر فإنه من رواية عبيدالله عن نافع عنه قال ابن ابي داود وهو قول اهل الحديث قالوا وهم اعلم بهذا من غيرهم فإنه نقل محض قالوا وهذه سنة رواها اهل المدينة وهم اعلم بها من غيرهم ابن ابي داود ولهم فيها إسنادان أحدهما محمد بن عبدالله بن حسن عن ابي الزناد عن الاعرج عن ابي هريرة الدراوردي عن عبيدالله عن نافع عن ابن عمر قالوا وحديث وائل بن حجر له طريقان وهما معلومان في احدهما شريك تفرد به قال الدارقطني وليس بالقوي فيما يتفرد به والطريق الثاني من رواية عبدالجبار بن وائل عن ابيه ولم يسمع من ابيه قال السابقون بالركبتين حديث وائل بن حجر اثبت من حديث ابي هريرة وابن عمر قال البخاري حديث ابي الزناد عن الاعرج عن ابي هريرة لا يتابع عليه فيه محمد بن عبدالله بن الحسن قال ولا ادري سمع من ابي الزناد أم لا
وقال الخطابي حديث وائل بن حجر اثبت منه قال وزعم بعض العلماء انه منسوخ ولهذا لم يحسنه الترمذي وحكم بغرابته وحسن حديث وائل قالوا وقد قال في حديث هريرة ابي لا يبرك كما يبرك البعير والبعير إذا برك بدأ بيديه قبل ركبتيه وهذا النهي لا يمانع قوله وليضع يديه قبل ركبتيه بل ينافيه ويدل على ان هذه الزيادة غير محفوظة ولعل لفظها انقلب على بعض الرواة قالوا ويدل على ترجيح هذا امران آخران احدها ما رواه ابو داود رقم 992 من حديث ابن عمر ان رسول الله نهى ان يعتمد الرجل على يديه في الصلاة وفي لفظ نهى ان يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة ولا ريب انه إذا وضع يديه قبل ركبتيه اعتمد عليهما فيكون قد اوقع جزءا من الصلاة معتمدا على يديه بالارض وايضا فهذا الاعتماد بالسجود نظير الاعتماد في الرفع منه سواء فإذا نهى عن ذلك كان نظيره كذلك ان المصلي في انحطاطه ينحط منه إلى الارض الاقرب إليها اولا ثم الذي من فوقه ثم الذي من فوقه حتى ينتهي إلى اعلى ما فيه وهو وجهه فإذا رفع رأسه من السجود ارتفع أعلى ما فيه اولا ثم الذي دونه حتى يكون آخر ما يرتفع منه ركبتاه والله اعلم
فصل في صفة السجود
ثم كان يسجد على جبهته وانفه ويديه وركبتيه واطراف قدميه البخار رقم 812 مسلم رقم 490 ويستقبل بأصابع يديه ورجليه القبلة وكان يعتمد على اليتي كفيه ويرفع مرفقيه ويجافي عضديه عن جنبيه حتى يبدو بياض إبطيه ويرفع بطنه عن فخذيه وفخديه عن ساقيه ويعتدل في سجوده ويمكن وجهه من الارض مباشرا به للمصلي غير ساجد على كور العمامة قال ابو حميد الساعدي وعشرة من الصحابة يسمعون كلامه كان رسول الله إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائما ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه فإذا اراد ان يركع رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم قال الله اكبر فرفع ثم اعتدل فلم يصوب رأسه ولم يقنعه ووضع يديه على ركبتيه وقال سمع الله لمن حمده ثم رفع واعتدل حتى رجع كل عضو في موضعه معتدلا ثم هوى ساجدا وقال الله اكبر ثم جافى وفتح عضديه عن بطنه وفتح اصابع رجليه ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها واعتدل حتى يرجع كل عظم موضعه معتدلا ثم هوى ساجدا وقال الله اكبر ثم ثنى رجله وقعد عليها حتى يرجع كل عضو إلى موضعه ثم نهض فصنع في الركعة الثانية مثل ذلك حتى إذا قام من السجدتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما صنع حين افتتح
الصلاة ثم صنع كذلك حتى إذا كانت الركعة التي تنقضي فيها الصلاة أخر رجله اليسرى وقعد على شقه متوركا ثم سلم البخاري رقم 827 و 828 ابو داود رقم 733 الترمذي رقم 304 وكان يقول في سجوده سبحان ربي الاعلى ابو داود رقم 869 ابن ماجة رقم 887 الدارمي 1 / 299 وروي أنه كان يزيد عليها وبحمده أبو داود رقم 870 وربما قال اللهم إني لك سجدت وبك آمنت ولك اسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصورة وشق سمعه وبصورة تبارك الله احسن الخالقين مسلم رقم 771 وكان يقول ايضا سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي البخاري رقم 817 مسلم رقم 484 وكان يقول سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا انت مسلم رقم 485 وكان يقول سبوح قدوس رب الملائكة والروح مسلم رقم 485 وكان يقول اللهم اغفر لي ذنبي كله دقة وجلة واوله وآخره وعلانيته وسره مسلم رقم 484 وكان يقول اللهم إني اعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك واعوذ بك منك لا احصي ثناء عليك انت كما على اثنيت نفسك مسلم رقم 486 وكان يجعل سجوده مناسبا لقيامه ثم يرفع رأسه قائلا الله اكبر غير رافع يديه ثم يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى
ويضع يديه على فخذيه ثم يقول اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني وفي لفظ وعافني بدل واجبرني هذا حديث ابن عباس وقال حذيفة كان يقول بين السجدتين رب اغفر لي والحديثان في السنن ابو داود رقم 850 الترمذي رقم 284 ابن ماجة رقم 898 وكان يطيل هذه الجلسة حتى يقول القائل قد اوهم او قد نسي
فصل في صفة القيام من السجود والتشهد
ثم يكبر ويسجد غير رافع يديه ويصنع في الثانية مثل ما صنع في الأولى ثم يرفع رأسه مكبرا وينهض على صدور قدميه معتمدا على ركبتيه وفخذيه وقال مالك بن الحويرث كان رسول الله إذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا البخاري رقم 823 فهذه تسمى جلسة الاستراحة لا ريب أنه فعلها ولكن هل فعلها على أنها من سنن الصلاة وهيئاتها كالتجافي وغيره أو لحاجته إليه لما اسن واخذه اللحم وهذا الثاني أظهر لوجهين ان فيه جمعا بينه ويبن حديث وائل بن حجر ابو داود رقم 838 وابي هريرة الترمذي رقم 288 أنه كان ينهض على صدور قدميه
الثاني أن الصحابة الذين كانوا احرص الناس على مشاهدة افعاله وهيئات صلاته كانوا ينهضون على صدور اقدامهم فكان عبدالله بن مسعود يقوم على صدور قدميه في الصلاة ولايجلس رواه البيهقي السنن الكبرى 2 / 125 عنه ورواه عن ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وابي سعيد الخدري من رواية عطية العوفي عنهم وهو صحيح عن ابن مسعود ولم يكن يرفع يديه في هذا القيام وكان إذا استتم قائما أخذ القراءة ولم يسكت وافتتح قراءته بالحمد لله رب العالمين فإذا جلس في التشهد الأول مفترشا كما يجلس بين السجدتين ويضع يده اليسرى على ركبته اليسرى واليمنى على فخذه اليمنى وأشار باصبعه السبابة ووضع إبهامه على اصبعه الوسطى كهيئة الحلقة وجعل بصرة إلى موضع إشارته وكان يرفع اصبعه السبابة ويحنيها قليلا يوحد بها ربه تعالى وذكر ابو داود من حديث ابن عباس عنه أنه قال هكذا الاخلاص يشير بأصبعه التي تلي الإبهام وهكذا الدعاء فرفع يديه مدا حذو منكبيه وهكذا الابتهال فرفع يديه مدا وقد روي موقوفا ثم كان يقول التحيات لله والصلوات الطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله البخاري رقم 831 مسلم رقم 402 وكان يعلمه أصحابه كما يعلمهم القرآن ايضا يقول التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله مسلم رقم 403 هذا تشهد ابن عباس والاول تشهد ابن مسعود
وهو اكمل لأن تشهد ابن مسعود يتضمن جملا متغايرة وتشهد ابن عباس جملة واحدة وايضا فإنه في الصحيحين وفيه زيادة الواو وكان يعلمهم إياه كما يعلمهم القرآن وروى ابن عمر عنه التحيات لله الصلوات الطيبات ابو داود رقم 971 وفيه انواع اخر كلها جائزة وكان يخفف هذه الجلسة حتى كأنه جالس على الرضف ابو داود رقم 995 وهي الحجارة المحماة ثم يكبر وينهض فيصلي الثالثة والرابعة ويخففهما عن الاوليين وكان يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب وربما زاد عليها احيانا
فصل في صفة القنوت
دعاء القنوت وكان إذا قنت لقوم أو على قوم يجعل قنوته في الركعة الأخيرة بعد رفع رأسه من الركوع وكان اكثر ما يفعل ذلك في صلاة الصبح وقال حميد عن انس قنت رسول الله شهرا بعد الركوع في صلاة يدعو على رعل وذكوان البخاري رقم 1003 ومسلم رقم 677
وقال ابن سيرين قلت لانس قنت رسول الله في صلاة الصبح قال نعم بعد الركوع يسيرا وقال ابن سيرين عن انس قنت رسول الله شهرا بعد الركوع في صلاة الفجر يدعو على عصبة متفق على هذه الاحاديث البخاري رقم 1001 مسلم رقم 677 فهؤلاء اعلم الناس بأنس قد حكوا عنه ان قنوته كان بعد الركوع وحميد هو الذي روى عن انس انه سئل عن القنوت فقال كنا نقنت قبل الركوع وبعده ابن ماجه رقم 1183 والمراد بهذا القنوت طول القيام وقد اخبر ابو هريرة مثل ما اخبر به انس سواء انه قنت بعد الركوع لما قال سمع الله لمن حمده قال قبل ان يسجد اللهم نج عياش ابن ابي ربيعة والوليد بن الوليد وسلمة بن هشام والمستضعفين من المؤمنين متفق عليه البخاري رقم 4560 مسلم رقم 675 وقال ابن عمر أنه سمع رسول الله إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر يقول اللهم العن فلانا وفلانا بعد ما يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد البخاري رقم 4559 فقد اتفقت الاحاديث انه قنت بعد الركوع وانه قنت لعارض ثم تركه ثم قال انس القنوت في المغرب والفجر رواه البخاري رقم 1004 وقال البراء كان رسول الله يقنت في صلاة الفجر والمغرب رواه مسلم رقم 678 وقنت ابو هريرة في الركعة الأخيرة من الظهر والعشاء الآخرة وصلاة
الصبح بعدما يقول سمع الله لمن حمده يدعو للمؤمنين ويلعن الكفار وقال لأقربن بكم صلاة رسول الله ذكره البخاري رقم 797 وقال أحمد وصلاة العصر مكان صلاة العشاء وقال ابن عباس قنت رسول الله شهرا متتابعا في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح في دبر كل صلاة إذا قال سمع الله لمن حمده من الركعة الأخيرة يدعو على حي من بني سليم ويؤمن من خلفه ذكره أحمد المسند 1 / 301 وابو داود رقم 1443 وقد اتفقت الاحاديث كما ترى على أنه في الركعة الاخيرة بعد الركوع وأنه عارض لا راتب وفي صحيح مسلم رقم 677 عن انس قنت يدعو على إحياء من أحياء العرب ثم تركه وعند الامام احمد 3 / 191 قنت شهرا ثم تركه وقال ابو مالك الاشجعي قلت لأبي يا ابت إنك قد صليت خلف رسول الله وأبي بكر عمر وعثمان وعلي بالكوفة ههنا قريبا خمس سنين اكانوا يقنتون قال اي بني إنه محدث قال الترمذي رقم 402 هذا حديث صحيح ورواه النسائي رقم 1080 ولفظه صليت خلف رسول الله فلم يقنت وصليت خلف ابي بكر فلم يقنت وصليت خلف عمر فلم يقنت وصليت خلف عثمان فلم يقنت وصليت خلف علي فلم يقنت ثم قال يا بني بدعة فمن كره القنوت في الفجر احتج بهذه الاحاديث وبقول انس ثم تركه
قالوا فهو منسوخ ومن استحبه قبل الركوع فحجته الآثار عن الصحابة والتابعين بذلك قال ابو داود الطيالسي حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن أبي رجاء عن ابي مغفل أنه قنت في الفجر الركوع وقال مالك عن هشام بن عروة عن ابيه أنه كان يقنت في الفجر قبل الركوع قال مالك عن هشام بن عروة عن ابيه انه كان يقنت قبل الركوع اصبع بن الفرج والحارث بن مسكين وابن ابي العمر حدثنا عبدالرحمن بن القاسم قال سئل مالك عن القنوت في الصبح اي ذلك اعجبت إليك قال الذي ادركت الناس عليه وهوامر الناس القديم القنوت قبل الركوع قلت اي ذلك تأخذ في خاصة نفسك قال القنوت قبل الركوع قلت فالقنوت في الوتر قال ليس فيه قنوت
فصل في القنوت بعدالركوع
ومن استحبه بعد الركوع فذهب إلى الاحاديث التي صرحت بأنه بعد الركوع وهي صحاح كلها قال الأثرم قلت لأبي عبدالله يقول أحد في حديث أنس إن النبي قنت قبل الركوع غير عاصم الأحول قال ما عملت أحدا يقوله غيره خالف عاصما قلت هشام عن قتادة عن أنس ان النبي قنت
بعد الركوع والتميمي عن ابي مجلز عن انس ان النبي قنت بعد الركوع وايوب عن محمد قال سألت أنسا وحنظلة السدوسي عن انس اربعة وجوه قيل لأبي عبدالله وسائر الأحاديث أليس إنما هي بعد الركوع قال بلى كلها خفاف اين كانت وابو هريرة قلت لأبي عبدالله فلم ترخص إذا في القنوت قبل الركوع وإنما صحت الأحاديث بعد الركوع فقال القنوت في الفجر بعد الركوع وفي الوتر نختاره بعد الركوع ومن قنت قبل الركوع فلا بأس لفعل أصحاب رسول الله واختلافهم فيه فأما في الفجر فبعد الركوع والذي فعله رسول الله هو القنوت في النوازل فأما في الفجر فبعد الركوع والذي فعله رسول الله هو القنوت في النوازل ثم تركه ففعله سنة وتركه سنة وعلى هذا دلت جميع الاحاديث وبه تتفق السنة وقال عبدالله بن احمد سألت أبي عن القنوت في اي صلاة قال في الوتر بعد الركوع فإن قنت رجلي في الفجر اتباع ما روي عن النبي أنه قنت دعاء للمستضعفين فلا بأس فإن قنت رجل بالناس يدعو لهم ويستنصر الله تعالى فلا بأس وقال إسحاق الحربي سمعت ابا ثور يقول لأبي عبدالله أحمد ابن حنبل ما تقول في القنوت في الفجر فقال أبو عبدالله إنما يكون القنوت في النوازل فقال له ابو ثور اي نوازل اكثر من هذه النوازل التي نحن فيها قال فإذا كان كذلك فالقنوت وقال الأثرم سألت ابا عبدالله عن القنوت في الفجر فقال نعم في الأمر يحدث كما قنت النبي يدعو على قوم قلت له ويرفع صوته قال نعم ويؤمن من خلفه كذلك فعل النبي
قال وسمعت ابا عبدالله يقول القنوت في الفجر بعد الركوع وسمعته قال لما سئل عن القنوت في الفجر فقال إذا نزل بالمسلمين امر قنت الإمام وامن من خلفه ثم قال مثل ما نزل بالناس من هذا الكافر يعني بابك الخرمي الخارجي وقال عبدوس بن مالك العطار سألت ابا عبداله احمد ابن حنبل فقلت إني رجل غريب من اهل البصرة وإن قوما قد اختلفوا عندنا في اشياء واحب ان اعلم رأيك فيما اختلفوا فيه قال سل عما احببت قلت فإن بالبصرة قوما يقنتون كيف ترى في الصلاة خلف من يقنت فقال قد كان المسلمون يصلون خلف من يقنت وخلف من لا يقنت فإن زاد في القنوت حرفا أو دعا بمثل إنا نستعينك او عذابك الجد او نحفد فإن كنت في الصلاة فاقطعها
فصل في الصلاة على النبي في التشهد الأخير والدعاء قبل السلام
وشرع لامته ان يصلوا عليه في التشهد الأخير فيقولوا اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد البخاري رقم 3370 مسلم رقم 406 وأمرهم ان يتعوذوا بالله من عذاب النار وعذاب القبر ومن فتنة
المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال البخاري رقم 1377 مسلم رقم 588 وعلم الصديق أن يدعو في صلاته اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم البخاري رقم 834 مسلم رقم 2705 وكان من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما اسررت وما اعلنت وما اسرفت وما انت اعلم به مني انت القمدم وانت المؤخر لا إله لا أنت مسلم رقم 771
فصل في التسليم
ثم كان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله ابو داود رقم 996 الترمذي رقم 295 وروى ذلك خمسة عشر صحابيا وكان إذ اسلم قال استغفر الله ثلاثا اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام مسلم رقم 591 لا إله الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما اعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد البخاري رقم 844 مسلم رقم 593 لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون مسلم رقم 594
فصل في التسبيح بعد التسليم
وشرع لأمته التسبيح والتحميد عقيب كل صلاة أبو داود رقم 1523 وروى عنه النسائي عمل اليوم والليلة رقم 100 من حديث ابي امامة أنه قال من قرأ آية الكرسي عقيب كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت
فصل في رواتب الصلاة
وكان يصلي قبل الظهر اربعا وبعدها ركعتين دائما الترمذي رقم 424 ولما شغل عنهما يوما صلاهما بعد العصر الترمذي رقم 184 وندب إلى اربع بعدها فقال من حافظ على اربع ركعات قبل الظهر وأربع ركعات بعدها حرمه الله على النار قال الترمذي رقم حديث صحيح 428 ولم ينقل عنه أنه كان يصلي قبل العصر حديث صحيح وفي السنن
أبو داود رقم 1269 النسائي رقم 874 و 875 الترمذي رقم 430 عنه انه قال رحم الله امرا صلى قبل العصر اربعا وكان يصلي بعد المغرب ركعتين وبعد العشاء ركعتين وقبل الصبح ركعتين البخاري رقم 1180 مسلم رقم 729 فهذه اثنتا عشرة ركعة سننا راتبة والفرائض سبع عشرة ركعة وكان يصلي من الليل عشر ركعات وربما صلى اثنتي عشرة ركعة ويوتر بواحدة البخاري رقم 1138 1139 مسلم رقم 738 فهذه اربعون ركعة ورده دائما الفرائض وسننها وقيام الليل والوتر ولم يكن من سننه الدعاء بعد الصبح والعصر وإنما كان من هديه الدعاء في الصلاة وقبل السلام منها كما تقدم والله أعلم تم الكتاب ولله الحمد
فصل في مقدار صلاة رسول الله
المؤلف: ابن قيم الجوزية ← 
=======

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق