مجموع الفتاوى/المجلد الخامس/سئل شيخ الإسلام
ما قول السادة العلماء أئمة الدين في آيات الصفات ابن تيمية
سئل شيخ الإسلام ما قول السادة العلماء أئمة الدين في آيات الصفات
سئل شيخ الإسلام ما قول السادة العلماء أئمة الدين في آيات الصفات
سئل شيخ الإسلام ما قول السادة العلماء أئمة الدين في آيات الصفات
سئل شيخ الإسلام:
العالم الرباني تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية رحمه الله تعالى. ما قول السادة العلماء أئمة الدين في آيات الصفات كقوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [1] وقوله: {إِنَّ رَبَّكُمُ الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ الله رَبُّ الْعَالَمِينَ} [2] وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعا أَوْ كَرْها قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [3] إلى غير ذلك من آيات الصفات وأحاديث الصفات كقوله: ﷺ «إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن» وقوله: «يضع الجبار قدمه في النار» إلى غير ذلك وما قالت العلماء فيه وابسطوا القول في ذلك مأجورين إن شاء الله تعالى.
فأجاب - رضي الله عنه -:
الحمد لله رب العالمين. قولنا فيها ما قاله الله ورسوله ﷺ والسابقون الأولون: من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان؛ وما قاله أئمة الهدى بعد هؤلاء الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم وهذا هو الواجب على جميع الخلق في هذا الباب وغيره؛ فإن الله سبحانه وتعالى بعث محمدا ﷺ بالهدى ودين الحق؛ ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد وشهد له بأنه بعثه داعيا إليه بإذنه وسراجا منيرا وأمره أن يقول: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى الله عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ الله وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [4] . فمن المحال في العقل والدين أن يكون السراج المنير الذي أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور وأنزل معه الكتاب بالحق؛ ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وأمر الناس أن يردوا ما تنازعوا فيه من أمر دينهم إلى ما بعث به من الكتاب والحكمة وهو يدعو إلى الله وإلى سبيله بإذنه على بصيرة وقد أخبر الله بأنه أكمل له ولأمته دينهم وأتم عليهم نعمته - محال مع هذا وغيره: أن يكون قد ترك باب الإيمان بالله والعلم به ملتبسا مشتبها ولم يميز بين ما يجب لله من الأسماء الحسنى والصفات العلى وما يجوز عليه وما يمتنع عليه. فإن معرفة هذا أصل الدين وأساس الهداية وأفضل وأوجب ما اكتسبته القلوب وحصلته النفوس وأدركته العقول فكيف يكون ذلك الكتاب وذلك الرسول وأفضل خلق الله بعد النبيين لم يحكموا هذا الباب اعتقادا وقولا ومن المحال أيضا أن يكون النبي ﷺ قد علم أمته كل شيء حتى الخراءة وقال: «تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك» وقال فيما صح عنه أيضا: «ما بعث الله من نبي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم». وقال أبو ذر: لقد توفي رسول الله ﷺ وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما. وقال: عمر بن الخطاب: «قام فينا رسول الله ﷺ مقاما فذكر بدء الخلق؛ حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه» رواه البخاري. ومحال مع تعلىمهم كل شيء لهم فيه منفعة في الدين - وإن دقت - أن يترك تعلىمهم ما يقولونه بألسنتهم ويعتقدونه في قلوبهم في ربهم ومعبودهم رب العالمين الذي معرفته غاية المعارف وعبادته أشرف المقاصد والوصول إليه غاية المطالب. بل هذا خلاصة الدعوة النبوية وزبدة الرسالة الإلهية فكيف يتوهم من في قلبه أدنى مسكة من إيمان وحكمة أن لا يكون بيان هذا الباب قد وقع من الرسول على غاية التمام ثم إذا كان قد وقع ذلك منه: فمن المحال أن يكون خير أمته وأفضل قرونها قصروا في هذا الباب زائدين فيه أو ناقصين عنه. ثم من المحال أيضا أن تكون القرون الفاضلة - القرن الذي بعث فيه رسول الله ﷺ ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم - كانوا غير عالمين وغير قائلين في هذا الباب بالحق المبين لأن ضد ذلك إما عدم العلم والقول وإما اعتقاد نقيض الحق وقول خلاف الصدق. وكلاهما ممتنع. أما الأول: فلأن من في قلبه أدنى حياة وطلب للعلم أو نهمة في العبادة يكون البحث عن هذا الباب والسؤال عنه ومعرفة الحق فيه أكبر مقاصده وأعظم مطالبه؛ أعني بيان ما ينبغي اعتقاده لا معرفة كيفية الرب وصفاته. وليست النفوس الصحيحة إلى شيء أشوق منها إلى معرفة هذا الأمر. وهذا أمر معلوم بالفطرة الوجدية فكيف يتصور مع قيام هذا المقتضي - الذي هو من أقوى المقتضيات - أن يتخلف عنه مقتضاه في أولئك السادة في مجموع عصورهم هذا لا يكاد يقع في أبلد الخلق وأشدهم إعراضا عن الله وأعظمهم إكبابا على طلب الدنيا والغفلة عن ذكر الله تعالى؛ فكيف يقع في أولئك؟ وأما كونهم كانوا معتقدين فيه غير الحق أو قائليه: فهذا لا يعتقده مسلم ولا عاقل عرف حال القوم. ثم الكلام في هذا الباب عنهم: أكثر من أن يمكن سطره في هذه الفتوى وأضعافها يعرف ذلك من طلبه وتتبعه ولا يجوز أيضا أن يكون الخالفون أعلم من السالفين كما قد يقوله بعض الأغبياء ممن لم يقدر قدر السلف؛ بل ولا عرف الله ورسوله والمؤمنين به حقيقة المعرفة المأمور بها: من أن طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم - وإن كانت هذه العبارة إذا صدرت من بعض العلماء قد يعني بها معنى صحيحا. فإن هؤلاء المبتدعين الذين يفضلون طريقة الخلف من المتفلسفة ومن حذا حذوهم على طريقة السلف: إنما أتوا من حيث ظنوا: أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك بمنزلة الأميين الذين قال الله فيهم: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيّ} [5] وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات. فهذا الظن الفاسد أوجب تلك المقالة التي مضمونها نبذ الإسلام وراء الظهر وقد كذبوا على طريقة السلف وضلوا في تصويب طريقة الخلف؛ فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف في الكذب عليهم. وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة الخلف. وسبب ذلك اعتقادهم أنه ليس في نفس الأمر صفة دلت عليها هذه النصوص بالشبهات الفاسدة التي شاركوا فيها إخوانهم من الكافرين؛ فلما اعتقدوا انتفاء الصفات في نفس الأمر وكان مع ذلك لا بد للنصوص من معنى بقوا مترددين بين الإيمان باللفظ وتفويض المعنى - وهي التي يسمونها طريقة السلف - وبين صرف اللفظ إلى معان بنوع تكلف - وهي التي يسمونها طريقة الخلف - فصار هذا الباطل مركبا من فساد العقل والكفر بالسمع؛ فإن النفي إنما اعتمدوا فيه على أمور عقلية ظنوها بينات وهي شبهات والسمع حرفوا فيه الكلم عن مواضعه. فلما ابتنى أمرهم على هاتين المقدمتين الكفريتين الكاذبتين: كانت النتيجة استجهال السابقين الأولين واستبلاههم واعتقاد أنهم كانوا قوما أميين بمنزلة الصالحين من العامة؛ لم يتبحروا في حقائق العلم بالله ولم يتفطنوا لدقائق العلم الإلهي وأن الخلف الفضلاء حازوا قصب السبق في هذا كله. ثم هذا القول إذا تدبره الإنسان وجده في غاية الجهالة؛ بل في غاية الضلالة. كيف يكون هؤلاء المتأخرون - لا سيما والإشارة بالخلف إلى ضرب من المتكلمين الذين كثر في باب الدين اضطرابهم وغلظ عن معرفة الله حجابهم وأخبر الواقف على نهاية إقدامهم بما انتهى إليه أمرهم حيث يقول :
لعمري لقد طفت المعاهد كلها ** وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعا كف حائر ** على ذقن أو قارعا سن نادم
وأقروا على أنفسهم بما قالوه متمثلين به أو منشئين له فيما صنفوه من كتبهم كقول بعض رؤسائهم.
نهاية إقدام العقول عقال ** وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا ** وحاصل دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ** سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية؛ فما رأيتها تشفي علىلا ولا تروي غليلا ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن. اقرأ في الإثبات: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [1] {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [6] واقرأ في النفي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [7] {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْما} [8] ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي ا ه. ويقول الآخر منهم: لقد خضت البحر الخضم وتركت أهل الإسلام وعلومهم وخضت في الذي نهوني عنه والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لفلان وها أنا أموت على عقيدة أمي ا ه. ويقول الآخر منهم: أكثر الناس شكا عند الموت أصحاب الكلام. ثم هؤلاء المتكلمون المخالفون للسلف إذا حقق عليهم الأمر: لم يوجد عندهم من حقيقة العلم بالله وخالص المعرفة به خبر ولم يقعوا من ذلك على عين ولا أثر كيف يكون هؤلاء المحجوبون المفضلون المنقوصون المسبوقون الحيارى المتهوكون: أعلم بالله وأسمائه وصفاته وأحكم في باب ذاته وآياته من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان من ورثة الأنبياء وخلفاء الرسل وأعلام الهدى ومصابيح الدجى الذين بهم قام الكتاب وبه قاموا وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا الذين وهبهم الله من العلم والحكمة ما برزوا به على سائر أتباع الأنبياء فضلا عن سائر الأمم الذين لا كتاب لهم وأحاطوا من حقائق المعارف وبواطن الحقائق بما لو جمعت حكمة غيرهم إليها لاستحيا من يطلب المقابلة ثم كيف يكون خير قرون الأمة أنقص في العلم والحكمة - لا سيما العلم بالله وأحكام أسمائه وآياته - من هؤلاء الأصاغر بالنسبة إليهم؟ أم كيف يكون أفراخ المتفلسفة وأتباع الهند واليونان وورثة المجوس والمشركين وضلال اليهود والنصارى والصابئين وأشكالهم وأشباههم: أعلم بالله من ورثة الأنبياء وأهل القرآن والإيمان وإنما قدمت هذه المقدمة لأن من استقرت هذه المقدمة عنده عرف طريق الهدى أين هو في هذا الباب وغيره وعلم أن الضلال والتهوك إنما استولى على كثير من المتأخرين بنبذهم كتاب الله وراء ظهورهم وإعراضهم عما بعث الله به محمدا ﷺ من البينات والهدى وتركهم البحث عن طريقة السابقين والتابعين والتماسهم علم معرفة الله ممن لم يعرف الله بإقراره على نفسه وبشهادة الأمة على ذلك وبدلالات كثيرة؛ وليس غرضي واحدا معينا وإنما أصف نوع هؤلاء ونوع هؤلاء. وإذا كان كذلك: فهذا كتاب الله من أوله إلى آخره وسنة رسوله ﷺ من أولها إلى آخرها ثم عامة كلام الصحابة والتابعين ثم كلام سائر الأئمة: مملوء بما هو إما نص وإما ظاهر في أن الله سبحانه وتعالى هو العلى الأعلى وهو فوق كل شيء وهو على كل شيء وإنه فوق العرش وأنه فوق السماء: مثل قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُه} [9] {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [10] {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} [11] {أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} [12] {بَلْ رَفَعَهُ الله إِلَيْهِ} [13] {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [14] {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [15] {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [16] {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [17] في ستة مواضع {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [1] {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ} [18] {أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبا} [19] {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [20] {مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} [21] إلى أمثال ذلك مما لا يكاد يحصى إلا بكلفة. وفي الأحاديث الصحاح والحسان ما لا يحصى إلا بالكلفة مثل قصة معراج الرسول ﷺ إلى ربه ونزول الملائكة من عند الله وصعودها إليه؛ وقوله في الملائكة الذين يتعاقبون فيكم بالليل والنهار: فيخرج الذين باتوا فيكم إلى ربهم فيسألهم وهو أعلم بهم. وفي الصحيح في حديث الخوارج: «ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحا ومساء» وفي حديث الرقية الذي رواه أبو داود وغيره «ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك أمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء اجعل رحمتك في الأرض اغفر لنا حوبنا وخطايانا أنت رب الطيبين أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع» قال رسول الله ﷺ «إذا اشتكى أحد منكم أو اشتكى أخ له فليقل: ربنا الله الذي في السماء» وذكره. وقوله في حديث الأوعال «والعرش فوق ذلك والله فوق عرشه وهو يعلم ما أنتم عليه» رواه أحمد وأبو داود وغيرهما وقوله في الحديث الصحيح للجارية «أين الله؟» قالت في السماء قال: «من أنا؟» قالت: أنت رسول الله قال: «أعتقها فإنها مؤمنة». وقوله في الحديث الصحيح: «إن الله لما خلق الخلق كتب في كتاب موضوع عنده فوق العرش إن رحمتي سبقت غضبي» وقوله في حديث قبض الروح «حتى يعرج بها إلى السماء التي فيها الله تعالى». وقول عبد الله بن رواحة الذي أنشده للنبي ﷺ وأقره عليه:
شهدت بأن وعد الله حق ** وأن النار مثوى الكافرينا
وأن العرش فوق الماء طاف ** وفوق العرش رب العالمينا
وقول أمية بن أبي الصلت الثقفي الذي أنشد للنبي ﷺ هو وغيره من شعره فاستحسنه وقال: آمن شعره وكفر قلبه حيث قال: -
مجدوا الله فهو للمجد أهل ** ربنا في السماء أمسى كبيرا
بالبناء الأعلى الذي سبق النا ** س وسوى فوق السماء سريرا
شرجعا ما يناله بصر العي ** ن ترى دونه الملائك صورا
وقوله في الحديث الذي في المسند: «إن الله حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا». وقوله في الحديث: «يمد يديه إلى السماء يقول يا رب يا رب». إلى أمثال ذلك مما لا يحصيه إلا الله مما هو من أبلغ المتواترات اللفظية والمعنوية التي تورث علما يقينا من أبلغ العلوم الضرورية أن الرسول ﷺ المبلغ عن الله ألقى إلى أمته المدعوين - أن الله سبحانه على العرش وأنه فوق السماء كما فطر الله على ذلك جميع الأمم عربهم وعجمهم في الجاهلية والإسلام؛ إلا من اجتالته الشياطين عن فطرته. ثم عن السلف في ذلك من الأقوال ما لو جمع لبلغ مائين أو ألوفا. ثم ليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله ﷺ ولا عن أحد من سلف الأمة - لا من الصحابة ولا من التابعين لهم بإحسان ولا عن الأئمة الذين أدركوا زمن الأهواء والاختلاف - حرف واحد يخالف ذلك لا نصا ولا ظاهرا. ولم يقل أحد منهم قط إن الله ليس في السماء ولا إنه ليس على العرش ولا إنه بذاته في كل مكان ولا إن جميع الأمكنة بالنسبة إليه سواء ولا إنه لا داخل العالم ولا خارجه ولا إنه لا متصل ولا منفصل ولا إنه لا تجوز الإشارة الحسية إليه بالأصابع ونحوها؛ بل قد ثبت في الصحيح عن جابر بن عبد الله أن «النبي ﷺ لما خطب خطبته العظيمة يوم عرفات في أعظم مجمع حضره الرسول ﷺ جعل يقول: ألا هل بلغت؟ فيقولون: نعم. فيرفع إصبعه إلى السماء ثم ينكبها إليهم ويقول: اللهم اشهد غير مرة» وأمثال ذلك كثيرة. فلئن كان الحق ما يقوله هؤلاء السالبون النافون للصفات الثابتة في الكتاب والسنة؛ من هذه العبارات ونحوها؛ دون ما يفهم من الكتاب والسنة إما نصا وإما ظاهرا فكيف يجوز على الله تعالى ثم على رسوله ﷺ ثم على خير الأمة: أنهم يتكلمون دائما بما هو إما نص وإما ظاهر في خلاف الحق ثم الحق الذي يجب اعتقاده لا يبوحون به قط ولا يدلون عليه لا نصا ولا ظاهرا؛ حتى يجيء أنباط الفرس والروم وفروخ اليهود والنصارى والفلاسفة يبينون للأمة العقيدة الصحيحة التي يجب على كل مكلف أو كل فاضل أن يعتقدها. لئن كان ما يقوله هؤلاء المتكلمون المتكلفون هو الاعتقاد الواجب وهم مع ذلك أحيلوا في معرفته على مجرد عقولهم وأن يدفعوا بما اقتضى قياس عقولهم ما دل عليه الكتاب والسنة نصا أو ظاهرا؛ لقد كان ترك الناس بلا كتاب ولا سنة: أهدى لهم وأنفع على هذا التقدير؛ بل كان وجود الكتاب والسنة ضررا محضا في أصل الدين. فإن حقيقة الأمر على ما يقوله هؤلاء: إنكم يا معشر العباد لا تطلبوا معرفة الله عز وجل وما يستحقه من الصفات نفيا وإثباتا لا من الكتاب ولا من السنة ولا من طريق سلف الأمة. ولكن انظروا أنتم فما وجدتموه مستحقا له من الصفات فصفوه به - سواء كان موجودا في الكتاب والسنة أو لم يكن - وما لم تجدوه مستحقا له في عقولكم فلا تصفوه به. ثم هم ههنا فريقان: أكثرهم يقولون: ما لم تثبته عقولكم فانفوه - ومنهم من يقول: بل توقفوا فيه - وما نفاه قياس عقولكم - الذي أنتم فيه مختلفون ومضطربون اختلافا أكثر من جميع من على وجه الأرض - فانفوه وإليه عند التنازع فارجعوا. فإنه الحق الذي تعبدتكم به؛ وما كان مذكورا في الكتاب والسنة مما يخالف قياسكم هذا أو يثبت ما لم تدركه عقولكم - على طريقة أكثرهم - فاعلموا أني أمتحنكم بتنزيله لا لتأخذوا الهدى منه؛ لكن لتجتهدوا في تخريجه على شواذ اللغة ووحشي الألفاظ وغرائب الكلام. أو أن تسكتوا عنه مفوضين علمه إلى الله مع نفي دلالته على شيء من الصفات؛ هذا حقيقة الأمر على رأي هؤلاء المتكلمين. وهذا الكلام قد رأيته صرح بمعناه طائفة منهم وهو لازم لجماعتهم لزوما لا محيد عنه ومضمونه: أن كتاب الله لا يهتدي به في معرفة الله وأن الرسول معزول عن التعليم والإخبار بصفات من أرسله وأن الناس عند التنازع لا يردون ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول؛ بل إلى مثل ما كانوا عليه في الجاهلية وإلى مثل ما يتحاكم إليه من لا يؤمن بالأنبياء كالبراهمة والفلاسفة - وهم المشركون - والمجوس وبعض الصابئين. وإن كان هذا الرد لا يزيد الأمر إلا شدة؛ ولا يرتفع الخلاف به؛ إذ لكل فريق طواغيت يريدون أن يتحاكموا إليهم وقد أمروا أن يكفروا بهم. وما أشبه حال هؤلاء المتكلمين بقوله سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدا} [22] {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ الله وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودا} [23] {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِالله إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانا وَتَوْفِيقا} [24]. فإن هؤلاء إذا دعوا إلى ما أنزل الله من الكتاب وإلى الرسول - والدعاء إليه بعد وفاته هو الدعاء إلى سنته - أعرضوا عن ذلك وهم يقولون: إنا قصدنا الإحسان علما وعملا بهذه الطريق التي سلكناها والتوفيق بين الدلائل العقلية والنقلية. ثم عامة هذه الشبهات التي يسمونها دلائل: إنما تقلدوا أكثرها عن طاغوت من طواغيت المشركين أو الصابئين أو بعض ورثتهم الذين أمروا أن يكفروا بهم مثل فلان وفلان أو عمن قال كقولهم؛ لتشابه قلوبهم. قال الله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيما} [25] {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ الله النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} [26] الآية. ولازم هذه المقالة: أن لا يكون الكتاب هدى للناس ولا بيانًا ولا شفاء لما في الصدور ولا نورا ولا مردا عند التنازع لأنا نعلم بالاضطرار أن ما يقوله هؤلاء المتكلفون: إنه الحق الذي يجب اعتقاده: لم يدل عليه الكتاب والسنة لا نصا ولا ظاهرا. وإنما غاية المتحذلق أن يستنتج هذا من قوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أَحَدٌ} [27] {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّا} [28]. وبالاضطرار يعلم كل عاقل أن من دل الخلق على أن الله ليس على العرش ولا فوق السموات ونحو ذلك بقوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّا} [28] لقد أبعد النجعة وهو إما ملغز وإما مدلس لم يخاطبهم بلسان عربي مبين. ولازم هذه المقالة: أن يكون ترك الناس بلا رسالة: خيرا لهم في أصل دينهم. لأن مردهم قبل الرسالة وبعدها واحد؛ وإنما الرسالة زادتهم عمى وضلالة. يا سبحان الله كيف لم يقل الرسول يوما من الدهر ولا أحد من سلف الأمة: هذه الآيات والأحاديث لا تعتقدوا ما دلت عليه. ولكن اعتقدوا الذي تقتضيه مقاييسكم أو اعتقدوا كذا وكذا. فإنه الحق وما خالف ظاهره فلا تعتقدوا ظاهره أو انظروا فيها فما وافق قياس عقولكم فاقبلوه وما لا فتوقفوا فيه أو انفوه ؟. ثم رسول الله ﷺ قد أخبر أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة فقد علم ما سيكون. ثم قال: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله». وروي عنه أنه قال في صفة الفرقة الناجية: «هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي». فهلا قال من تمسك بالقرآن أو بدلالة القرآن أو بمفهوم القرآن أو بظاهر القرآن في باب الاعتقادات: فهو ضال؟ وإنما الهدى رجوعكم إلى مقاييس عقولكم وما يحدثه المتكلمون منكم بعد القرون الثلاثة - في هذه المقالة - وإن كان قد نبغ أصلها في أواخر عصر التابعين. ثم أصل هذه المقالة - مقالة التعطيل للصفات - إنما هو مأخوذ عن تلامذة اليهود والمشركين وضلال الصابئين؛ فإن أول من حفظ عنه أنه قال هذه المقالة في الإسلام - أعني أن الله سبحانه وتعالى ليس على العرش حقيقة وأن معنى استوى بمعنى استولى ونحو ذلك - هو الجعد بن درهم وأخذها عنه الجهم بن صفوان؛ وأظهرها فنسبت مقالة الجهمية إليه. وقد قيل إن الجعد أخذ مقالته عن أبان بن سمعان وأخذها أبان عن طالوت بن أخت لبيد بن الأعصم وأخذها طالوت من لبيد بن الأعصم: اليهودي الساحر الذي سحر النبي ﷺ. وكان الجعد بن درهم هذا - فيما قيل - من أهل حران وكان فيهم خلق كثير من الصابئة والفلاسفة - بقايا أهل دين نمرود والكنعانيين الذين صنف بعض المتأخرىن في سحرهم - ونمرود هو ملك الصابئة الكلدانيين المشركين كما أن كسرى ملك الفرس والمجوس وفرعون ملك مصر والنجاشي ملك الحبشة وبطليموس ملك اليونان وقيصر ملك الروم. فهو اسم جنس لا اسم علم. فكانت الصابئة - إلا قليلا منهم - إذ ذاك على الشرك وعلماؤهم هم الفلاسفة وإن كان الصابئ قد لا يكون مشركا؛ بل مؤمنا بالله واليوم الآخر كما قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [29]. وقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [30] . لكن كثيرا منهم أو أكثرهم كانوا كفارا أو مشركين؛ كما أن كثيرًا من اليهود والنصارى بدلوا وحرفوا وصاروا كفارا أو مشركين فأولئك الصابئون - الذين كانوا إذ ذاك - كانوا كفارا أو مشركين وكانوا يعبدون الكواكب ويبنون لها الهياكل. ومذهب النفاة من هؤلاء في الرب: أنه ليس له إلا صفات سلبية أو إضافية أو مركبة منهما وهم الذين بعث إليهم إبراهيم الخليل ﷺ؛ فيكون الجعد قد أخذها عن الصابئة الفلاسفة. وكذلك أبو نصر الفارابي دخل حران وأخذ عن فلاسفة الصابئين تمام فلسفته وأخذها الجهم أيضا - فيما ذكره الإمام أحمد وغيره، لما ناظر السمنية بعض فلاسفة الهند، وهم الذين يجحدون من العلوم ما سوى الحسيات، فهذه أسانيد جهم ترجع إلى اليهود والصابئين والمشركين والفلاسفة الضالون هم إما من الصابئين وإما من المشركين. ثم لما عربت الكتب الرومية واليونانية في حدود المائة الثانية: زاد البلاء؛ مع ما ألقى الشيطان في قلوب الضلال ابتداء من جنس ما ألقاه في قلوب أشباههم. ولما كان في حدود المائة الثالثة: انتشرت هذه المقالة التي كان السلف يسمونها مقالة الجهمية؛ بسبب بشر بن غياث المريسي وطبقته وكلام الأئمة مثل مالك وسفيان بن عيينة وابن المبارك وأبي يوسف والشافعي وأحمد وإسحاق والفضيل بن عياض وبشر الحافي وغيرهم: كثير في ذمهم وتضليلهم. وهذه التأويلات الموجودة اليوم بأيدي الناس - مثل أكثر التأويلات التي ذكرها أبو بكر بن فورك في كتاب التأويلات وذكرها أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي في كتابه الذي سماه تأسيس التقديس ويوجد كثير منها في كلام خلق كثير غير هؤلاء مثل أبي على الجبائي وعبد الجبار بن أحمد الهمداني وأبي الحسين البصري وأبي الوفاء بن عقيل وأبي حامد الغزالي وغيرهم - هي بعينها تأويلات بشر المريسي التي ذكرها في كتابه؛ وإن كان قد يوجد في كلام بعض هؤلاء رد التأويل وإبطاله أيضا ولهم كلام حسن في أشياء. فإنما بينت أن عين تأويلاتهم هي عين تأويلات بشر المريسي ويدل على ذلك كتاب الرد الذي صنفه عثمان بن سعيد الدارمي أحد الأئمة المشاهير في زمان البخاري صنف كتابا سماه: رد عثمان بن سعيد على الكاذب العنيد فيما افترى على الله في التوحيد حكى فيه هذه التأويلات بأعيانها عن بشر المريسي بكلام يقتضي أن المريسي أقعد بها وأعلم بالمنقول والمعقول من هؤلاء المتأخرىن الذين اتصلت إليهم من جهته وجهة غيره ثم رد ذلك عثمان بن سعيد بكلام إذا طالعه العاقل الذكي: علم حقيقة ما كان عليه السلف وتبين له ظهور الحجة لطريقهم وضعف حجة من خالفهم. ثم إذا رأى الأئمة - أئمة الهدى - قد أجمعوا على ذم المريسية وأكثرهم كفروهم أو ضللوهم وعلم أن هذا القول الساري في هؤلاء المتأخرىن هو مذهب المريسي: تبين الهدى لمن يريد الله هدايته ولا حول ولا قوة إلا بالله. والفتوى لا تحتمل البسط في هذا الباب وإنما أشير إشارة إلى مبادئ الأمور والعاقل يسير وينظر. وكلام السلف في هذا الباب موجود في كتب كثيرة لا يمكن أن نذكر ههنا إلا قليلا منه؛ مثل كتاب السنن للالكائي والإبانة لابن بطة والسنة لأبي ذر الهروي والأصول لأبي عمرو الطلمنكي وكلام أبي عمر بن عبد البر والأسماء والصفات للبيهقي وقبل ذلك السنة للطبراني ولأبي الشيخ الأصبهاني ولأبي عبد الله بن منده ولأبي أحمد العسال الأصبهانيين. وقبل ذلك السنة للخلال والتوحيد لابن خزيمة وكلام أبي العباس بن سريج والرد على الجهمية لجماعة: مثل البخاري وشيخه عبد الله بن محمد بن عبد الله الجعفي وقبل ذلك السنة لعبد الله بن أحمد والسنة لأبي بكر بن الأثرم والسنة لحنبل وللمروزي ولأبي داود السجستاني ولابن أبي شيبة والسنة لأبي بكر بن أبي عاصم وكتاب خلق أفعال العباد للبخاري وكتاب الرد على الجهمية لعثمان بن سعيد الدارمي وغيرهم. وكلام أبي العباس عبد العزيز المكي صاحب الحيدة في الرد على الجهمية وكلام نعيم بن حماد الخزاعي وكلام غيرهم وكلام الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ويحيى بن سعيد ويحيى بن يحيى النيسابوري وأمثالهم. وقبل: لعبد الله بن المبارك وأمثاله وأشياء كثيرة. وعندنا من الدلائل السمعية والعقلية ما لا يتسع هذا الموضع لذكره. وأنا أعلم أن المتكلمين النفاة لهم شبهات موجودة ولكن لا يمكن ذكرها في الفتوى فمن نظر فيها وأراد إبانة ما ذكروه من الشبه فإنه يسير. فإذا كان أصل هذه المقالة - مقالة التعطيل والتأويل - مأخوذا عن تلامذة المشركين والصابئين واليهود فكيف تطيب نفس مؤمن - بل نفس عاقل - أن يأخذ سبيل هؤلاء المغضوب عليهم أو الضالين ويدع سبيل الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين؟
هامش
[المائدة: 69]
===================
مجموع الفتاوى لابن تيمية: المجلد الخامس
الأسماء والصفات | سئل شيخ الإسلام ما قول السادة العلماء أئمة الدين في آيات الصفات | فصل في أن وصف الله لا يتجاوز القرآن والسنة | فصل في مخالفات المعتزلة والجهمية والحرورية | جماع الأمر في الأقسام الممكنة في آيات الصفات وأحاديثها | سئل شيخ الإسلام عن علو الله تعالى واستوائه على عرشه | قول ابن عربي في معنى اسمه تعالى العلي | إنكار جماعة على أبي طالب بعض كلامه في الصفات | سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن علو الله على سائر مخلوقاته | فصل في قول المعتزلة والجهمية والحرورية إن الاستواء معناه الاستيلاء والملك والقهر | فصل في إبطال تأويل من تأول الاستواء بمعنى الاستيلاء | فصل في الإخبار بكروية الأرض | قاعدة عظيمة في إثبات علوه تعالى | سئل شيخ الإسلام عن مسألة الإثبات للصفات والجزم بإثبات العلو على العرش | فصل في وجوب إثبات العلو لله تعالى | فصل في معنى الحقيقة | فصل | فصل في الجمع بين علو الرب عز وجل وبين قربه من داعيه وعابديه | فصل في تمام الكلام في القرب | فصل في قرب الرب من قلوب المؤمنين وقرب قلوبهم منه | ما يحصل لصاحب المحبة والذكر والتأله | سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن رجلين اختلفا في الاعتقاد أن الله في السماء | سئل شيخ الإسلام عمن يعتقد الجهة هل هو مبتدع أو كافر أو لا | سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن هذه الأبيات | فصل في مباينة الله لخلقه وعلوه على عرشه | سئل شيخ الإسلام في رجلين تنازعا في حديث النزول أحدهما مثبت والآخر ناف | فصل في معرفة أنا لا نعلم ما غاب عنا إلا بمعرفة ما شهدناه | فصل في علمنا بصفاته تعالى وجهلنا بكيفيتها | سئل عن حديث أخرجه أبو سعيد النقاش في أقوال أهل السنة | فصل في تأول قوم من المنتسبين إلى السنة والحديث حديث النزول | اختلاق كلام على الإمام أحمد يناقض المنقول المتواتر عنه | كفر من زعم أن الرب يقبل التفرق والانقسام | زعم ابن حزم أن العود لم يروه إلا زاذان عن البراء | معنى وسع ربنا كل شيء علما | فصل في معنى أن الله هو العلي الأعلى | فصل في نزاع الناس في معنى حديث النزول | قولان ضعيفان للجهمية ونحوهم
الأسماء والصفات | سئل شيخ الإسلام ما قول السادة العلماء أئمة الدين في آيات الصفات | فصل في أن وصف الله لا يتجاوز القرآن والسنة | فصل في مخالفات المعتزلة والجهمية والحرورية | جماع الأمر في الأقسام الممكنة في آيات الصفات وأحاديثها | سئل شيخ الإسلام عن علو الله تعالى واستوائه على عرشه | قول ابن عربي في معنى اسمه تعالى العلي | إنكار جماعة على أبي طالب بعض كلامه في الصفات | سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن علو الله على سائر مخلوقاته | فصل في قول المعتزلة والجهمية والحرورية إن الاستواء معناه الاستيلاء والملك والقهر | فصل في إبطال تأويل من تأول الاستواء بمعنى الاستيلاء | فصل في الإخبار بكروية الأرض | قاعدة عظيمة في إثبات علوه تعالى | سئل شيخ الإسلام عن مسألة الإثبات للصفات والجزم بإثبات العلو على العرش | فصل في وجوب إثبات العلو لله تعالى | فصل في معنى الحقيقة | فصل | فصل في الجمع بين علو الرب عز وجل وبين قربه من داعيه وعابديه | فصل في تمام الكلام في القرب | فصل في قرب الرب من قلوب المؤمنين وقرب قلوبهم منه | ما يحصل لصاحب المحبة والذكر والتأله | سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن رجلين اختلفا في الاعتقاد أن الله في السماء | سئل شيخ الإسلام عمن يعتقد الجهة هل هو مبتدع أو كافر أو لا | سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن هذه الأبيات | فصل في مباينة الله لخلقه وعلوه على عرشه | سئل شيخ الإسلام في رجلين تنازعا في حديث النزول أحدهما مثبت والآخر ناف | فصل في معرفة أنا لا نعلم ما غاب عنا إلا بمعرفة ما شهدناه | فصل في علمنا بصفاته تعالى وجهلنا بكيفيتها | سئل عن حديث أخرجه أبو سعيد النقاش في أقوال أهل السنة | فصل في تأول قوم من المنتسبين إلى السنة والحديث حديث النزول | اختلاق كلام على الإمام أحمد يناقض المنقول المتواتر عنه | كفر من زعم أن الرب يقبل التفرق والانقسام | زعم ابن حزم أن العود لم يروه إلا زاذان عن البراء | معنى وسع ربنا كل شيء علما | فصل في معنى أن الله هو العلي الأعلى | فصل في نزاع الناس في معنى حديث النزول | قولان ضعيفان للجهمية ونحوهم
تصنيف:
مجموع الفتاوى
========
[طه: 5]
[لأعراف: 54]
[فصلت: 11]
[يوسف: 108]
[البقرة: من الآية 78]
[فاطر: 10]
[الشورى: 11]
[طه: 110]
[فاطر: من الآية10]
[آل عمران: من الآية55]
[الملك: 16]
[الملك: 17]
[النساء: من الآية158]
[المعارج: من الآية4]
[السجدة: من الآية5]
[النحل: من الآية 50]
[لأعراف: من الآية54]
[غافر: من الآية36]
[غافر: من الآية37]
[فصلت: من الآية42]
[الأنعام: من الآية114]
[النساء: 60]
[النساء: 61]
[النساء: 62]
[النساء: 65]
[البقرة: من الآية213]
[الإخلاص: 4]
[مريم: من الآية65]
[البقرة: 62]
مجموع الفتاوى
========
[طه: 5]
[لأعراف: 54]
[فصلت: 11]
[يوسف: 108]
[البقرة: من الآية 78]
[فاطر: 10]
[الشورى: 11]
[طه: 110]
[فاطر: من الآية10]
[آل عمران: من الآية55]
[الملك: 16]
[الملك: 17]
[النساء: من الآية158]
[المعارج: من الآية4]
[السجدة: من الآية5]
[النحل: من الآية 50]
[لأعراف: من الآية54]
[غافر: من الآية36]
[غافر: من الآية37]
[فصلت: من الآية42]
[الأنعام: من الآية114]
[النساء: 60]
[النساء: 61]
[النساء: 62]
[النساء: 65]
[البقرة: من الآية213]
[الإخلاص: 4]
[مريم: من الآية65]
[البقرة: 62]
===================================
مجموع الفتاوى/المجلد الخامس/فصل في أن وصف الله لا يتجاوز القرآن والسنة ابن تيمية
فصل في أن وصف الله لا يتجاوز القرآن والسنة
فصل في أن وصف الله لا يتجاوز القرآن والسنة
فصل في أن وصف الله لا يتجاوز القرآن والسنة
ثم القول الشامل في جميع هذا الباب: أن يوصف الله بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله وبما وصفه به السابقون؛ الأولون لا يتجاوز القرآن والحديث قال الإمام أحمد رضي الله عنه: لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله ﷺ لا يتجاوز القرآن والحديث. ومذهب السلف: أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل ونعلم أن ما وصف الله به من ذلك فهو حق ليس فيه لغز ولا أحاجي؛ بل معناه يعرف من حيث يعرف مقصود المتكلم بكلامه؛ لا سيما إذا كان المتكلم أعلم الخلق بما يقول وأفصح الخلق في بيان العلم وأفصح الخلق في البيان والتعريف والدلالة والإرشاد. وهو سبحانه مع ذلك ليس كمثله شيء لا في نفسه المقدسة المذكورة بأسمائه وصفاته ولا في أفعاله فكما نتيقن أن الله سبحانه له ذات حقيقة وله أفعال حقيقة: فكذلك له صفات حقيقة وهو ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله وكل ما أوجب نقصا أو حدوثا فإن الله منزه عنه حقيقة فإنه سبحانه مستحق للكمال الذي لا غاية فوقه ويمتنع عليه الحدوث لامتناع العدم عليه واستلزام الحدوث سابقة العدم؛ ولافتقار المحدث إلى محدث ولوجوب وجوده بنفسه سبحانه وتعالى. ومذهب السلف بين التعطيل والتمثيل فلا يمثلون صفات الله بصفات خلقه كما لا يمثلون ذاته بذات خلقه ولا ينفون عنه ما وصف به نفسه ووصفه به رسوله. فيعطلوا أسماءه الحسنى وصفاته العلىا ويحرفوا الكلم عن مواضعه ويلحدوا في أسماء الله وآياته. وكل واحد من فريقي التعطيل والتمثيل: فهو جامع بين التعطيل والتمثيل. أما المعطلون فإنهم لم يفهموا من أسماء الله وصفاته إلا ما هو اللائق بالمخلوق ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات؛ فقد جمعوا بين التعطيل والتمثيل مثلوا أولا وعطلوا آخرا وهذا تشبيه وتمثيل منهم للمفهوم من أسمائه وصفاته بالمفهوم من أسماء خلقه وصفاتهم وتعطيل لما يستحقه هو سبحانه من الأسماء والصفات اللائقة بالله سبحانه وتعالى. فإنه إذا قال القائل: لو كان الله فوق العرش للزم إما أن يكون أكبر من العرش أو أصغر أو مساويا وكل ذلك من المحال ونحو ذلك من الكلام: فإنه لم يفهم من كون الله على العرش إلا ما يثبت لأي جسم كان على أي جسم كان وهذا اللازم تابع لهذا المفهوم. إما استواء يليق بجلال الله تعالى ويختص به فلا يلزمه شيء من اللوازم الباطلة التي يجب نفيها كما يلزم من سائر الأجسام وصار هذا مثل قول المثل: إذا كان للعالم صانع فإما أن يكون جوهرا أو عرضا. وكلاهما محال؛ إذ لا يعقل موجود إلا هذان. وقوله: إذا كان مستويا على العرش فهو مماثل لاستواء الإنسان على السرير أو الفلك؛ إذ لا يعلم الاستواء إلا هكذا فإن كليهما مثل وكليهما عطل حقيقة ما وصف الله به نفسه وامتاز الأول بتعطيل كل اسم للاستواء الحقيقي وامتاز الثاني بإثبات استواء هو من خصائص المخلوقين. والقول الفاصل: هو ما عليه الأمة الوسط؛ من أن الله مستو على عرشه استواء يليق بجلاله ويختص به فكما أنه موصوف بأنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير وأنه سميع بصير ونحو ذلك. ولا يجوز أن يثبت للعلم والقدرة خصائص الأعراض التي لعلم المخلوقين وقدرتهم فكذلك هو سبحانه فوق العرش ولا يثبت لفوقيته خصائص فوقية المخلوق على المخلوق ولوازمها. واعلم أنه ليس في العقل الصريح ولا في شيء من النقل الصحيح ما يوجب مخالفة الطريق السلفية أصلا؛ لكن هذا الموضع لا يتسع للجواب عن الشبهات الواردة على الحق فمن كان في قلبه شبهة وأحب حلها فذلك سهل يسير. ثم المخالفون للكتاب والسنة وسلف الأمة - من المتأولين لهذا الباب - في أمر مريج فإن من أنكر الرؤية يزعم أن العقل يحيلها وأنه مضطر فيها إلى التأويل ومن يحيل أن لله علما وقدرة وأن يكون كلامه غير مخلوق ونحو ذلك يقول: إن العقل أحال ذلك فاضطر إلى التأويل؛ بل من ينكر حقيقة حشر الأجساد والأكل والشرب الحقيقي في الجنة: يزعم أن العقل أحال ذلك وأنه مضطر إلى التأويل ومن يزعم أن الله ليس فوق العرش: يزعم أن العقل أحال ذلك وأنه مضطر إلى التأويل. ويكفيك دليلا على فساد قول هؤلاء: إنه ليس لواحد منهم قاعدة مستمرة فيما يحيله العقل بل منهم من يزعم أن العقل جوز وأوجب ما يدعي الآخر أن العقل أحاله. فيا ليت شعري بأي عقل يوزن الكتاب والسنة؟ فرضي الله عن الإمام مالك بن أنس حيث قال: «أوكلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما جاء به جبريل إلى محمد ﷺ لجدل هؤلاء». وكل من هؤلاء مخصوم بما خصم به الآخر وهو من وجوه: - أحدها بيان أن العقل لا تحيل ذلك. والثاني أن النصوص الواردة لا تحتمل التأويل. والثالث أن عامة هذه الأمور قد علم أن الرسول ﷺ جاء بها بالاضطرار كما أنه جاء بالصلوات الخمس وصوم شهر رمضان. فالتأويل الذي يحيلها عن هذا بمنزلة تأويل القرامطة والباطنية في الحج والصلاة والصوم وسائر ما جاءت به النبوات. الرابع: أن يبين أن العقل الصريح يوافق ما جاءت به النصوص؛ وإن كان في النصوص من التفصيل ما يعجز العقل عن درك التفصيل وإنما يعلمه مجملا إلى غير ذلك من الوجوه. على أن الوجوه الأساطين من هؤلاء الفحول: معترفون بأن العقل لا سبيل له إلى اليقين في عامة المطالب الإلهية. وإذا كان هكذا فالواجب تلقي علم ذلك من النبوات على ما هو عليه ومن المعلوم للمؤمنين أن الله تعالى بعث محمدا ﷺ بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا وأنه بين للناس ما أخبرهم به من أمور الإيمان بالله واليوم الآخر. والإيمان بالله واليوم الآخر: يتضمن الإيمان بالمبدأ والمعاد وهو الإيمان بالخلق والبعث كما جمع بينهما في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِالله وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [1] وقال تعالى: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَة} [2] وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [3] وقد بين الله على لسان رسوله ﷺ من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر ما هدى الله به عباده وكشف به مراده. ومعلوم للمؤمنين: أن رسول الله ﷺ أعلم من غيره بذلك وأنصح من غيره للأمة وأفصح من غيره عبارة وبيانا بل هو أعلم الخلق بذلك وأنصح الخلق للأمة وأفصحهم فقد اجتمع في حقه كمال العلم والقدرة والإرادة. ومعلوم أن المتكلم أو الفاعل إذا كمل علمه وقدرته وإرادته: كمل كلامه وفعله وإنما يدخل النقص إما من نقص علمه وإما من عجزه عن بيان علمه وإما لعدم إرادته البيان. والرسول هو الغاية في كمال العلم والغاية في كمال إرادة البلاغ المبين والغاية في قدرته على البلاغ المبين - ومع وجود القدرة التامة والإرادة الجازمة: يجب وجود المراد؛ فعلم قطعا أن ما بينه من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر: حصل به مراده من البيان وما أراده من البيان فهو مطابق لعلمه وعلمه بذلك أكمل العلوم. فكل من ظن أن غير الرسول أعلم بهذا منه أو أكمل بيانا منه أو أحرص على هدي الخلق منه: فهو من الملحدين لا من المؤمنين. والصحابة والتابعون لهم بإحسان ومن سلك سبيلهم في هذا الباب على سبيل الاستقامة. وأما المنحرفون عن طريقهم: فهم ثلاث طوائف: أهل التخييل وأهل التأويل وأهل التجهيل. فأهل التخييل: هم المتفلسفة ومن سلك سبيلهم من متكلم ومتصوف ومتفقه. فإنهم يقولون: إن ما ذكره الرسول من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر إنما هو تخييل للحقائق لينتفع به الجمهور لا أنه بين به الحق ولا هدى به الخلق ولا أوضح به الحقائق. ثم هم على قسمين: منهم من يقول: إن الرسول لم يعلم الحقائق على ما هي عليه. ويقولون: إن من الفلاسفة الإلهية من علمها وكذلك من الأشخاص الذين يسمونهم الأولياء من علمها ويزعمون أن من الفلاسفة والأولياء من هو أعلم بالله واليوم الآخر من المرسلين. وهذه مقالة غلاة الملحدين من الفلاسفة والباطنية: باطنية الشيعة وباطنية الصوفية. ومنهم من يقول: بل الرسول علمها لكن لم يبينها وإنما تكلم بما يناقضها وأراد من الخلق فهم ما يناقضها؛ لأن مصلحة الخلق في هذه الاعتقادات التي لا تطابق الحق. ويقول هؤلاء: يجب على الرسول أن يدعو الناس إلى اعتقاد التجسيم مع أنه باطل وإلى اعتقاد معاد الأبدان مع أنه باطل ويخبرهم بأن أهل الجنة يأكلون ويشربون مع أن ذلك باطل. قالوا: لأنه لا يمكن دعوة الخلق إلا بهذه الطريق التي تتضمن الكذب لمصلحة العباد. فهذا قول هؤلاء في نصوص الإيمان بالله واليوم الآخر. وأما الأعمال فمنهم من يقرها ومنهم من يجريها هذا المجرى. ويقول: إنما يؤمر بها بعض الناس دون بعض ويؤمر بها العامة دون الخاصة فهذه طريقة الباطنية الملاحدة والإسماعيلية ونحوهم. وأما أهل التأويل فيقولون: إن النصوص الواردة في الصفات لم يقصد بها الرسول أن يعتقد الناس الباطل ولكن قصد بها معاني ولم يبين لهم تلك المعاني ولا دلهم عليها؛ ولكن أراد أن ينظروا فيعرفوا الحق بعقولهم ثم يجتهدوا في صرف تلك النصوص عن مدلولها ومقصوده امتحانهم وتكليفهم وإتعاب أذهانهم وعقولهم في أن يصرفوا كلامه عن مدلوله ومقتضاه ويعرف الحق من غير جهته وهذا قول المتكلمة والجهمية والمعتزلة ومن دخل معهم في شيء من ذلك. والذين قصدنا الرد في هذه الفتيا عليهم: هم هؤلاء؛ إذ كان نفور الناس عن الأولىن مشهورا بخلاف هؤلاء فإنهم تظاهروا بنصر السنة في مواضع كثيرة وهم - في الحقيقة - لا للإسلام نصروا ولا للفلاسفة كسروا؛ لكن أولئك الملاحدة ألزموهم في النصوص - نصوص المعاد - نظير ما ادعوه في نصوص الصفات. فقالوا لهم: نحن نعلم بالاضطرار أن الرسل جاءت بمعاد الأبدان وقد علمنا فساد الشبه المانعة منه. وأهل السنة يقولون لهم: ونحن نعلم بالاضطرار أن الرسل جاءت بإثبات الصفات. ونصوص الصفات في الكتب الإلهية: أكثر وأعظم من نصوص المعاد. ويقولون لهم: معلوم أن مشركي العرب وغيرهم كانوا ينكرون المعاد وقد أنكروه على الرسول وناظروه عليه؛ بخلاف الصفات فإنه لم ينكر شيئا منها أحد من العرب. فعلم أن إقرار العقول بالصفات: أعظم من إقرارها بالمعاد وأن إنكار المعاد أعظم من إنكار الصفات فكيف يجوز مع هذا أن يكون ما أخبر به من الصفات ليس كما أخبر به وما أخبر به من المعاد هو على ما أخبر به وأيضا؛ فقد علم أنه ﷺ قد ذم أهل الكتاب على ما حرفوه وبدلوه ومعلوم أن التوراة مملوءة من ذكر الصفات فلو كان هذا مما بدل وحرف لكان إنكار ذلك عليهم أولى فكيف وكانوا إذا ذكروا بين يديه الصفات يضحك تعجبا منهم وتصديقا لها ولم يعبهم قط بما تعيب النفاة أهل الإثبات مثل لفظ التجسيم والتشبيه ونحو ذلك؛ بل عابهم بقولهم: {يَدُ الله مَغْلُولَةٌ} [4] وقولهم: { إِنَّ الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [5] وقولهم: إنه استراح لما خلق السموات والأرض فقال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [6] .
والتوراة مملوءة من الصفات المطابقة للصفات المذكورة في القرآن والحديث، وليس فيها تصريح بالمعاد كما في القرآن. فإذا جاز أن تتأول الصفات التي اتفق عليها الكتابان فتأويل المعاد الذي انفرد به أحدهما أولى، والثاني مما يعلم بالاضطرار من دين الرسول أنه باطل، فالأول أولى بالبطلان.
وأما الصنف الثالث وهم أهل التجهيل فهم كثير من المنتسبين إلى السنة، واتباع السلف، يقولون: إن الرسول ﷺ لم يعرف معاني ما أنزل الله إليه من آيات الصفات، ولا جبريل يعرف معاني الآيات، ولا السابقون الأولون عرفوا ذلك.
وكذلك قولهم في أحاديث الصفات: إن معناها لا يعلمه إلا الله، مع أن الرسول تكلم بها ابتداءً، فعلى قولهم تكلم بكلام لا يعرف معناه.
هؤلاء يظنون أنهم اتبعوا قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله} [7]، فإنه وقف أكثر السلف على قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله} . وهو وقف صحيح، لكن لم يفرقوا بين معنى الكلام وتفسيره، وبين التأويل الذي انفرد الله تعالى بعلمه، وظنوا أن التأويل المذكور في كلام الله تعالى هو التأويل المذكور في كلام المتأخرين، وغلطوا في ذلك. فإن لفظ التأويل يراد به ثلاثة معان:
فالتأويل في اصطلاح كثير من المتأخرين هو: صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدليل يقترن بذلك، فلا يكون معنى اللفظ الموافق لدلالة ظاهره تأويلًا على اصطلاح هؤلاء، وظنوا أن مراد الله تعالى بلفظ التأويل ذلك، وأن للنصوص تأويلًا يخالف مدلولها لا يعلمه إلا الله ولا يعلمه المتأولون.
ثم كثير من هؤلاء يقولون: تجري على ظاهرها، فظاهرها مراد مع قولهم: إن لها تأويلا بهذا المعنى لا يعلمه إلا الله، وهذا تناقض وقع فيه كثير من هؤلاء المنتسبين إلى السنة: من أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم.
والمعنى الثاني: أن التأويل هو: تفسير الكلام سواء وافق ظاهره أو لم يوافقه وهذا هو التأويل في اصطلاح جمهور المفسرين، وغيرهم. وهذا التأويل يعلمه الراسخون في العلم، وهو موافق لوقف من وقف من السلف على قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [8]، كما نقل ذلك عن ابن عباس، ومجاهد، ومحمد بن جعفر بن الزبير، ومحمد بن إسحاق، وابن قتيبة وغيرهم، وكلا القولين حق باعتبار. كما قد بسطناه في موضع آخر؛ ولهذا نقل عن ابن عباس هذا وهذا، وكلاهما حق.
والمعنى الثالث: أن التأويل هو: الحقيقة التي يئول الكلام إليها وإن وافقت ظاهره فتأويل ما أخبر الله به في الجنة من الأكل والشرب واللباس والنكاح وقيام الساعة وغير ذلك هو الحقائق الموجودة أنفسها، لا ما يتصور من معانيها في الأذهان، ويعبر عنه باللسان، وهذا هو التأويل في لغة القرآن، كما قال تعالى عن يوسف أنه قال: {وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} [9]، وقال تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} [10]، وقال تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا} [11].
وهذا التأويل هو الذي لا يعلمه إلا الله.
وتأويل الصفات هو الحقيقة التي انفرد الله تعالى بعلمها، وهو الكيف المجهول الذي قال فيه السلف كمالك وغيره : الاستواء معلوم، والكيف مجهول، فالاستواء معلوم يعلم معناه ويفسر ويترجم بلغة أخرى وهو من التأويل الذي يعلمه الراسخون في العلم، وأما كيفية ذلك الاستواء فهو التأويل الذي لا يعلمه إلا الله تعالى.
وقد روى عن ابن عباس ما ذكره عبد الرزاق وغيره في تفسيرهم عنه أنه قال: تفسير القرآن على أربعة أوجه: تفسير تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله عز وجل فمن ادعى علمه فهو كاذب.
وهذا كما قال تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [12]، وقال النبي ﷺ: «يقول الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عَيْن رأت، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَر على قَلْب بَشَر».
وكذلك عِلْم وقت الساعة ونحو ذلك، فهذا من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله تعالى.
وإن كنا نفهم معاني ما خوطبنا به، ونفهم من الكلام ما قصد إفهامنا إياه، كما قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [13]، وقال: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ } [14] فأمر بتدبر القرآن كله لا بتدبر بعضه.
وقال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن عثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود، وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي ﷺ عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا.
وقال مجاهد: عرضت المصحف على ابن عباس رضي الله عنهما من فاتحته إلى خاتمته، أقف عند كل آية وأسأله عنها.
وقال الشعبي: ما ابتدع أحد بدعة إلا وفي كتاب الله بيانها. وقال مسروق: ماسئل أصحاب محمد عن شيء إلا وعلمه في القرآن، ولكن علمنا قصر عنه.
وهذا باب واسع قد بسط في موضعه.
والمقصود هنا التنبيه على أُصول المقالات الفاسدة التي أوجبت الضلالة في باب العلم والإيمان بما جاء به الرسول ﷺ، وأن من جعل الرسول غير عالم بمعاني القرآن الذي أُنزل إليه، ولا جبريل، جعله غير عالم بالسمعيات، ولم يجعل القرآن هدى ولا بيانًا للناس.
ثم هؤلا ء ينكرون العقليات في هذا الباب بالكلية، فلا يجعلون عند الرسول وأمته في باب معرفة الله عز وجل لا علومًا عقلية ولا سمعية، وهم قد شاركوا الملاحدة في هذه من وجوه متعددة، وهم مخطئون فيما نسبوا إلى الرسول ﷺ، وإلى السلف، من الجهل، كما أخطأ في ذلك أهل التحريف، والتأويلات الفاسدة، وسائر أصناف الملاحدة.
ونحن نذكر من ألفاظ السلف بأعيانها وألفاظ من نقل مذهبهم إلى غير ذلك من الوجوه بحسب ما يحتمله هذا الموضع ما يعلم به مذهبهم.
روى أبو بكر البيهقي في الأسماء والصفات بإسناد صحيح، عن الأوزاعي قال: كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله تعالى ذكره فوق عرشه، ونؤمن بما وردت فيه السنة من صفاته.
وقد حكى الأوزاعي وهو أحد الأئمة الأربعة في عصر تابع التابعين، الذين هم مالك إمام أهل الحجاز، والأوزاعي إمام أهل الشام، والليث إمام أهل مصر والثوري إمام أهل العراق حكى شهرة القول في زمن التابعين بالإيمان بأن الله تعالى فوق العرش، وبصفاته السمعية.
وإنما قال الأوزاعي هذا بعد ظهور مذهب جَهْم المنكر لكون الله فوق عرشه، والنافي لصفاته؛ ليعرف الناس أن مذهب السلف خلاف ذلك.
وروى أبو بكر الخلال في كتاب السنة عن الأوزاعي قال: سئل مكحول والزهري عن تفسير الأحاديث فقالا: أَمِرُّوها كما جاءت.
وروى أيضا عن الوليد بن مسلم قال: سألت مالك بن أنس، وسفيان الثوري، والليث بن سعد والأوزاعي، عن الأخبار التي جاءت في الصفات. فقالوا: أمِرُّوها كما جاءت. وفي رواية: فقالوا: أمِرُّوها كما جاءت بلا كيف.
فقولهم رضي الله عنهم : أمِرُّوها كما جاءت رد على المعطلة، وقولهم: بلا كيف رد على الممثلة. والزهري ومكحول، هما أعلم التابعين في زمانهم، والأربعة الباقون أئمة الدنيا في عصر تابعي التابعين، ومن طبقتهم حماد بن زيد، وحماد بن سلمة وأمثالهما.
وروى أبوالقاسم الأزجي بإسناده عن مطرِّف بن عبد الله، قال: سمعت مالك بن أنس إذا ذكر عنده من يدفع أحاديث الصفات يقول: قال عمر بن عبد العزيز: سَنّ رسول الله ﷺ وولاة الأمر بعده سننًا، الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكمال لطاعة الله، وقوة على دين الله، ليس لأحد من خلق الله تعالى تغييرها، ولا النظر في شيء خالفها، من اهتدى بها فهو مهتد، ومن استنصر بها فهو منصور، ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيرًا.
وروى الخلال بإسناد كلهم أئمة ثقات عن سفيان بن عيينة، قال: سئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [15]، كيف استوى؟ قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ومن الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ المبين، وعلىنا التصديق.
وهذا الكلام مروي عن مالك بن أنس تلميذ ربيعة بن أبي عبد الرحمن من غير وجه.
منها: ما رواه أبو الشيخ الأصبهاني، وأبو بكر البيهقي، عن يحيى بن يحيى، قال: كنا عند مالك بن أنس، فجاء رجل فقال: يا أبا عبد الله، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [16] كيف استوى؟ فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرُّحَضَاء [17] ثم قال: الاستواء غيرمجهول، والكيف غيرمعقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعا، ثم أمر به أن يخرج.
فقول ربيعة ومالك: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، موافق لقول الباقين: أمِرُّوها كما جاءت بلا كيف، فإنما نفوا علم الكيفية، ولم ينفوا حقيقة الصفة.
ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ولما قالوا: أمِرُّوها كما جاءت بلا كيف، فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلوما بل مجهولا بمنزلة حروف المعجم.
وأيضا، فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى، وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا أثبتت الصفات.
وأيضا، فإن من ينفي الصفات الخبرية أو الصفات مطلقًا لا يحتاج إلى أن يقول: بلا كيف، فمن قال: إن الله ليس على العرش، لا يحتاج أن يقول: بلا كيف، فلو كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر لما قالوا: بلا كيف.
وأيضا، فقولهم: أمِرُّوها كما جاءت، يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه، فإنها جاءت ألفاظ دالة على معانٍ، فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال: أمِرُّوا لفظها، مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد، أو أمِرُّوا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة، وحينئذ فلا تكون قد أمرت كما جاءت، ولا يقال حينئذ: بلا كيف؛ إذ نفي الكيف عما ليس بثابت لغو من القول.
وروى الأثرم في السنة، وأبو عبد الله بن بطة في الإبانة، وأبو عمرو الطلمنكي، وغيرهم بإسناد صحيح، عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون وهو أحد أئمة المدينة الثلاثة، الذين هم مالك بن أنس، وابن الماجشون، وابن أبي ذئب وقد سئل عما جحدت به الجهمية: أما بعد، فقد فهمت ما سألت فيما تتابعت الجهمية ومن خلفها، في صفة الرب العظيم، الذي فاقت عظمته الوصف والتدبر، وكَلَّت الألسن عن تفسير صفته، وانحصرت العقول دون معرفة قدرته، وردت عظمته العقول، فلم تجد مساغا فرجعت خاسئة وهي حسيرة. وإنما أُمروا بالنظر والتفكر فيما خلق بالتقدير، وإنما يقال: كيف لمن لم يكن مرة ثم كان، فأما الذي لا يُحَول، ولايزول، ولم يَزَلْ، وليس له مثل، فإنه لا يعلم كيف هو إلا هو. وكيف يعرف قدر من لم يبدأ، ومن لا يموت ولا يبلى؟ وكيف يكون لصفة شيء منه حد أو منتهى، يعرفه عارف أو يحد قدره واصف؟ على أنه الحق المبين لا حق أحق منه، ولا شيء أبين منه. الدليل على عجز العقول عن تحقيق صفته، عجزها عن تحقيق صفة أصغر خلقه لا تكاد تراه صغرًا يجول ويزول، ولا يرى له سمع ولا بصر؛ لما يتقلب به ويحتال من عقله أعضل بك، وأخفي عليك مما ظهر من سمعه وبصره، فتبارك الله أحسن الخالقين، وخالقهم وسيد السادة، وربهم {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [18].
اعرف رحمك الله غناك عن تَكلُّف صفة، ما لم يصف الرب من نفسه بعجزك عن معرفة قدر ما وصف منها؛ إذا لم تعرف قدر ما وصف فما تكلفك علم ما لم يصف؟ هل تستدل بذلك على شيء من طاعته أو تزدجر به عن شيء من معصيته؟
فأما الذي جحد ما وصف الرب من نفسه تعمقًا وتكلفًا فقد {اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ} [19]، فصار يستدل بزعمه على جحد ما وصف الرب وسمى من نفسه بأن قال: لا بد إن كان له كذا من أن يكون له كذا، فعمى عن البين بالخفي، فجحد ما سمى الرب من نفسه لصمت الرب عما لم يسم منها، فلم يزل يملي له الشيطان حتى جحد قول الله عز وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [20] فقال: لا يراه أحد يوم القيامة، فجحد والله أفضل كرامة الله التي أكرم بها أولياءه يوم القيامة من النظر إلى وجهه ونضرته إياهم {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} [21] قد قضى أنهم لا يموتون، فهم بالنظر إليه ينضرون. إلى أن قال: وإنما جحد رؤية الله يوم القيامة إقامة للحجة الضالة المضلة؛ لأنه قد عرف أنه إذا تجلى لهم يوم القيامة رأوا منه ما كانوا به قبل ذلك مؤمنين، وكان له جاحدًا.
وقال المسلمون: يارسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله ﷺ: «هل تُضَارُّون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب؟» قالوا: لا. قال: «فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ » قالوا: لا. قال: «فإنكم ترون ربكم يومئذ كذلك».
وقال رسول الله ﷺ: «لا تمتلئ النار حتى يضع الجبار فيها قدمه، فتقول: قط قط، وينزوي بعضها إلى بعض»، وقال لثابت بن قيس: «لقد ضحك الله مما فعلت بضيفك البارحة»، وقال فيما بلغنا: «إن الله تعالى ليضحك من أزلِكم [22] وقنوطكم وسرعة إجابتكم». فقال له رجل من العرب: إن ربنا ليضحك؟ قال: «نعم». قال: لا نعدم من رب يضحك خيرًا». إلى أشباه هذا مما لا نحصيه.
وقال تعالى: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [23]، {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [24]، وقال تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [25]، وقال تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [26]، وقال تعالى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [27].
فوالله ما دلهم على عظم ما وصفه من نفسه، وما تحيط به قبضته: إلا صغر نظيرها منهم عندهم، إن ذلك الذي ألقى في روعهم، وخلق على معرفة قلوبهم، فما وصف الله من نفسه وسماه على لسان رسوله ﷺ سميناه كما سماه، ولم نتكلف منه صفة ماسواه لا هذا ولا هذا لا نجحد ما وصف ولا نتكلف معرفة ما لم يصف.
اعلم رحمك الله أن العصمة في الدين أن تنتهي في الدين حيث انتهي بك، ولا تجاوز ما قد حد لك، فإن من قوام الدين معرفة المعروف وإنكار المنكر، فما بسطت عليه المعرفة وسكنت إليه الأفئدة، وذكر أصله في الكتاب والسنة، وتوارثت علمه الأمة، فلا تخافن في ذكره وصفته من ربك ما وصف من نفسه عيبًا، ولا تتكلفن بما وصف لك من ذلك قدرًا.
وما أنكرته نفسك ولم تجد ذكره في كتاب ربك، ولا في حديث عن نبيك من ذكر صفة ربك فلا تكلفن علمه بعقلك، ولا تصفه بلسانك، واصمت عنه كما صمت الرب عنه من نفسه؛ فإن تكلفك معرفة مالم يصف من نفسه مثل إنكار ما وصف منها، فكما أعظمت ما جحده الجاحدون مما وصف من نفسه، فكذلك أعظم تكلف ما وصف الواصفون مما لم يصف منها.
فقد والله عَزّ المسلمون، الذين يعرفون المعروف وبهم يعرف، وينكرون المنكر وبإنكارهم ينكر؛ يسمعون ما وصف الله به نفسه من هذا في كتابه، وما بلغهم مثله عن نبيه، فما مرض من ذكر هذا وتسميته قلب مسلم، ولا تكلف صفة قدره ولا تسمية غيره من الرب مؤمن.
وما ذكر عن النبي ﷺ أنه سماه من صفة ربه، فهو بمنزلة ما سمى وما وصف الرب تعالى من نفسه.
والراسخون في العلم الواقفون حيث انتهى علمهم، الواصفون لربهم بما وصف من نفسه، التاركون لما ترك من ذكرها لا ينكرون صفة ما سمى منها جحدًا، ولا يتكلفون وصفه بما لم يسم تعمقًا؛ لأن الحق ترك ما ترك، وتسمية ما سمى {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} [28]. وهب الله لنا ولكم حكمًا، وألحقنا بالصالحين.
وهذا كله كلام ابن الماجشون الإمام، فتدبره، وانظر كيف أثبت الصفات ونفي علم الكيفية موافقا لغيره من الأئمة وكيف أنكر على من نفي الصفات بأنه يلزمهم من إثباتها كذا وكذا، كما تقوله الجهمية : إنه يلزم أن يكون جسما أو عَرَضًا [29] فيكون محدثًا.
وفي كتاب الفقه الأكبر المشهور عند أصحاب أبي حنيفة؛ الذي رووه بالإسناد عن أبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي، قال: سألت أبا حنيفة عن الفقة الأكبر فقال: لا تكفرن أحدًا بذنب، ولا تنف أحدًا به من الإيمان، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولا تتبرأ من أحد من أصحاب رسول الله ﷺ، ولا توالى أحدًا دون أحد، وأن ترد أمر عثمان وعليّ إلى الله عز وجل.
قال أبو حنيفة: الفقه الأكبر في الدين خير من الفقه في العلم، ولأن يفقه الرجل كيف يعبد ربه خير له من أن يجمع العلم الكثير. قال أبو مطيع الحكم بن عبد الله قلت: أخبرني عن أفضل الفقه. قال: تعلم الرجل الإيمان والشرائع والسنن والحدود، واختلاف الأئمة. وذكر مسائل الإيمان، ثم ذكر مسائل القدر، والرد على القدرية بكلام حسن ليس هذا موضعه.
ثم قال: قلت: فما تقول فيمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فيتبعه على ذلك أناس فيخرج على الجماعة، هل ترى ذلك؟ قال: لا. قلت: ولمَ، وقد أمر الله ورسوله بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وهو فريضة واجبة؟ قال: هو كذلك، لكن ما يفسدون أكثر مما يصلحون من سفك الدماء، واستحلال الحرام. قال: وذكر الكلام في قتل الخوارج والبغاة.
إلى أن قال: قال أبوحنيفة عمن قال: لا أعرف ربي في السماء، أم في الأرض: فقد كفر؛ لأن الله يقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [30]، وعرشه فوق سبع سموات.
قلت: فإن قال: إنه على العرش استوى، ولكنه يقول: لا أدري، العرش في السماء أم في الأرض؟ قال: هو كافر؛ لأنه أنكر أن يكون في السماء؛ لأنه تعالى في أعلى عليين، وإنه يدعي من أعلى لا من أسفل وفي لفظ : سألت أبا حنيفة عمن يقول: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض. قال: قد كفر. قال: لأن الله يقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [31]، وعرشه فوق سبع سموات. قال: فإنه يقول: على العرش استوى، ولكن لا يدري، العرش في الأرض أو في السماء. قال: إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر .
ففي هذا الكلام المشهور عن أبي حنيفة عند أصحابه: أنه كفر الواقف الذي يقول: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض! فكيف يكون الجاحد النافي الذي يقول: ليس في السماء، أو ليس في السماء ولا في الأرض؟ واحتج على كفره بقوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، قال: وعرشه فوق سبع سموات.
وبين بهذا أن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} يبين أن الله فوق السموات فوق العرش، وأن الاستواء على العرش دل على أن الله بنفسه فوق العرش.
ثم إنه أردف ذلك بتكفير من قال: إنه على العرش استوى، ولكن توقف في كون العرش في السماء أم في الأرض، قال: لأنه أنكر أنه في السماء؛ لأن الله في أعلى عليين وأنه يدعى من أعلى لا من أسفل.
وهذا تصريح من أبي حنيفة بتكفير من أنكر أن يكون الله في السماء، واحتج على ذلك بأن الله في أعلى عليين، وأنه يدعى من أعلى لا من أسفل، وكل من هاتين الحجتين فطرية عقلية؛ فإن القلوب مفطورة على الإقرار بأن الله في العلو، وعلى أنه يدعى من أعلى لا من أسفل، وقد جاء اللفظ الآخر صريحًا عنه بذلك. فقال: إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر.
وروي هذا اللفظ بإسناد عنه شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري الهروي في كتاب الفاروق، وروى أيضا ابن أبي حاتم: أن هشام بن عبيد الله الرازي صاحب محمد بن الحسن قاضى الرَّي حبس رجلا في التجهم فتاب؛ فجيء به إلى هشام ليطلقه، فقال: الحمد لله على التوبة. فامتحنه هشام، فقال: أتشهد أن الله على عرشه بائن من خلقه؟ فقال: أشهد أن الله على عرشه، ولا أدري ما بائن من خلقه. فقال: ردوه إلى الحبس فإنه لم يتب.
وروى أيضا عن يحيى بن معاذ الرازي أنه قال: إن الله على العرش بائن من الخلق، وقد أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددًا، لا يشك في هذه المقالة إلا جهمي رديء ضليل، وهالك مرتاب، يمزج الله بخلقه، ويخلط منه الذات بالأقذار والأنتان .
وروى أيضا عن ابن المديني لما سئل: ما قول أهل الجماعة؟ قال: يؤمنون بالرؤية والكلام، وأن الله فوق السموات على العرش استوى، فسئل عن قوله: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [32]، فقال: اقرأ ما قبلها: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [33].
وروى أيضا عن أبي عيسى الترمذي قال: هو على العرش كما وصف في كتابه، وعلمه وقدرته وسلطانه في كل مكان.
وروي عن أبي زُرْعَة الرازي: أنه لما سئل عن تفسير قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [34] فقال: تفسيره كما يقرأ، هو على العرش، وعلمه في كل مكان، ومن قال غير هذا فعليه لعنة الله.
وروي أبو القاسم اللالكائي الحافظ، الطبري، صاحب أبي حامد الإسفرائيني، في كتابه المشهور في أصول السنة بإسناده عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة، قال: اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث، التي جاء بها الثقات عن رسول الله ﷺ في صفة الرب عز وجل من غير تفسير، ولا وصف ولا تشبيه، فمن فسر اليوم شيئا منها فقد خرح مما كان عليه النبي ﷺ، وفارق الجماعة؛ فإنهم لم يصفوا، ولم يفسروا، ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة، ثم سكتوا، فمن قال: بقول: جَهْم فقد فارق الجماعة؛ لأنه قد وصفه بصفة لا شيء.
محمد بن الحسن أخذ عن أبي حنيفة ومالك وطبقتهما من العلماء، وقد حكى هذا الإجماع، وأخبر أن الجهمية تصفه بالأمور السلبية غالبًا، أو دائمًا. وقوله: من غير تفسير: أراد به تفسير الجهمية المعطلة، الذين ابتدعوا تفسير الصفات بخلاف ما كان عليه الصحابة والتابعون من الإثبات.
وروى البيهقي وغيره بإسناد صحيح عن أبي عبيد القاسم بن سلام قال: هذه الأحاديث التي يقول فيها: «ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره»، و«أن جهنم لا تمتلئ حتى يضع ربك فيها قدمه»، و«الكرسي موضع القدمين»، وهذه الأحاديث في الرؤية هي عندنا حق، حملها الثقات بعضهم عن بعض، غير أنّا إذا سئلنا عن تفسيرها لا نفسرها، وما أدركنا أحدًا يفسرها.
أبو عبيد: أحد الأئمة الأربعة، الذين هم الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وله من المعرفة بالفقه، واللغة، والتأويل، ما هو أشهر من أن يوصف، وقد كان في الزمان الذي ظهرت فيه الفتن والأهواء، وقد أخبر أنه ما أدرك أحدًا من العلماء يفسرها، أي تفسير الجهمية.
وروى اللالكائي والبيهقي بإسنادهما عن عبد الله بن المبارك؛ أن رجلًا قال له: يا أبا عبد الرحمن، إني أكره الصفة يعني صفة الرب فقال له عبد الله بن المبارك: وأنا أشد الناس كراهية لذلك، ولكن إذا نطق الكتاب بشيء قلنا به، وإذا جاءت الآثار بشيء جسرنا عليه، ونحو هذا.
أراد ابن المبارك: أنا نكره أن نبتدئ بوصف الله من تلقاء أنفسنا حتى يجيء به الكتاب والآثار.
وروى عبد الله بن أحمد وغيره بأسانيد صحاح عن ابن المبارك أنه قيل له: بماذا نعرف ربنا؟ قال: بأنه فوق سمواته على عرشه، بائن من خلقه، ولا نقول كما تقول الجهمية: إنه ههنا في الأرض وهكذا قال الإمام أحمد وغيره.
وروى بإسناد صحيح عن سليمان بن حرب الإمام، سمعت حماد بن زيد، وذكر هؤلاء الجهمية، فقال: إنما يحاولون أن يقولوا: ليس في السماء شيء.
وروى ابن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية عن سعيد بن عامر الضبعي إمام أهل البصرة علمًا ودينًا، من شيوخ الإمام أحمد إنه ذكر عنده الجهمية، فقال: أشر قولًا من اليهود والنصارى، وقد أجمع اليهود والنصارى وأهل الأديان مع المسلمين على أن الله على العرش، وهم قالوا: ليس على شيء.
وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة، إمام الأئمة: من لم يقل: إن الله فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه، وجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه، ثم ألقي على مزبلة، لئلا يتأذى بريحه أهل القبلة ولا أهل الذمة، ذكره عنه الحاكم بإسناد صحيح.
وروى عبد الله بن الإمام أحمد بإسناده عن عباد بن العوام الواسطي إمام أهل واسط من طبقة شيوخ الشافعي وأحمد قال: كلمت بشرًا المريسي وأصحاب بشر، فرأيت آخر كلامهم ينتهي أن يقولوا: ليس في السماء شيء.
وعن عبد الرحمن بن مهدي الإمام المشهور، أنه قال: ليس في أصحاب الأهواء شر من أصحاب جهم، يدورون على أن يقولوا: ليس في السماء شيء، أرى والله ألا يناكحوا، ولا يوارثوا.
وروى عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية عن عبد الرحمن بن مهدي قال: أصحاب جهم يريدون أن يقولوا: إن الله لم يكلم موسى، ويريدون أن يقولوا: ليس في السماء شيء، وأن الله ليس على العرش، أرى أن يستتابوا، فإن تابوا وإلا قتلوا.
وعن الأصمعي قال: قدمت امرأة جهم فنزلت بالدباغين، فقال رجل عندها: الله على عرشه. فقالت: محدود على محدود، فقال الأصمعي: كفرت بهذه المقالة.
وعن عاصم بن علي بن عاصم شيخ أحمد والبخاري وطبقتهما قال: ناظرت جهميًا، فتبين من كلامه ألا يؤمن أن في السماء ربًا .
وروى الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، قال: أخبرنا سُرَيْج بن النعمان قال: سمعت عبد الله بن نافع الصائغ قال: سمعت مالك بن أنس يقول: الله في السماء، وعلمه في كل مكان، لا يخلو من علمه مكان.
وقال الشافعي: خلافة أبي بكر الصديق حق قضاه الله في السماء، وجمع عليه قلوب عباده.
وفي الصحيح عن أنس بن مالك قال: كانت زينب تفتخر على أزواج النبي ﷺ تقول: زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سموات». وهذا مثل قول الشافعي.
وقصة أبي يوسف صاحب أبي حنيفة مشهورة في استتابة بشر المريسي، حتى هرب منه لما أنكر أن يكون الله فوق عرشه قد ذكرها ابن أبي حاتم وغيره.
وقال أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي زمنين، الإمام المشهور من أئمة المالكية، في كتابه الذي صنفه في أصول السنة قال فيه: باب الإيمان بالعرش
قال: ومن قول أهل السنة: إن الله عز وجل خلق العرش واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق، ثم استوى عليه كيف شاء، كما أخبر عن نفسه في قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [35]، وقوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} الآية [36].
فسبحان من بَعُد وقَرُب بعلمه، فسمع النجوى. وذكر حديث أبي رَزِين العقيلي، قلت: يا رسول الله، أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض؟
قال: «في عماء، ما تحته هواء، وما فوقه هواء، ثم خلق عرشه على الماء». قال محمد: العماء: السحاب الكثيف المطبق فيما ذكره الخليل وذكر آثارًا أخر، ثم قال باب الإيمان بالكرسي
قال محمد بن عبد الله: ومن قول أهل السنة: إن الكرسي بين يدي العرش، وأنه موضع القدمين. ثم ذكر حديث أنس الذي فيه التجلي يوم الجمعة في الآخرة، وفيه: «فإذا كان يوم الجمعة هبط من عليين على كرسيه، ثم يحف الكرسي على منابر من ذهب مكللة بالجواهر، ثم يجيء النبيون فيجلسون عليها». وذكر ما ذكره يحيى بن سالم صاحب التفسير المشهور : حدثني العلاء بن هلال، عن عمار الدهني، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «إن الكرسي الذي وسع السموات والأرض لموضع القدمين، ولا يعلم قدر العرش إلا الذي خلقه».
وذكر من حديث أسد بن موسي، ثنا حماد بن سلمة عن زر عن ابن مسعود قال: «ما بين السماء الدنيا والتي تليها مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سماء خمسمائة عام، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي والماء خمسمائة عام، والعرش فوق الماء، والله فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه».
ثم قال في باب الإيمان بالحجب
قال: ومن قول أهل السنة: إن الله بائن من خلقه يحتجب عنهم بالحجب، فتعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا، {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [37]، وذكر آثارًا في الحجب.
ثم قال في: باب الإيمان بالنزول
قال: ومن قول أهل السنة: «إن الله ينزل إلى سماء الدنيا، ويؤمنون بذلك من غير أن يحدوا فيه حدًا، وذكر الحديث من طريق مالك وغيره». إلى أن قال: وأخبرني وهب، عن ابن وضاح، عن الزهري، عن ابن عباد، قال: ومن أدركت من المشائخ: مالك وسفيان، وفُضَيْل بن عياض، وعيسى بن المبارك ووَكِيع، كانوا يقولون: إن النزول حق. قال ابن وَضَّاح: وسألت يوسف بن عَدِيّ عن النزول قال: نعم أومن به، ولا أحِدّ فيه حدًا، وسألت عنه ابن معين، فقال: نعم أُقرُّ به، ولا أحِدّ فيه حدًا .
قال محمد: وهذا الحديث يبين أن الله عز وجل على العرش في السماء دون الأرض، وهو أيضا بَيِّنٌ في كتاب الله، وفي غير حديث عن رسول الله ﷺ. قال تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [38]، وقال تعالى: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} [39]، وقال تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلله الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [40]، وقال تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [41] وقال تعالى: {يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [42] وقال: {بَل رَّفَعَهُ الله إِلَيْهِ} [43].
وذكر من طريق مالك قول النبي ﷺ للجارية: «أين الله؟» قالت: في السماء. قال: «من أنا؟» قالت: أنت رسول الله. قال: «فاعتقها». قال: والأحاديث مثل هذا كثيرة جدًا، فسبحان من علمه بما في السماء كعلمه بما في الأرض، لا إله إلا هو العلى العظيم.
وقال قبل ذلك في الإيمان بصفات الله تعالى وأسمائه قال: واعلم بأن أهل العلم بالله وبما جاءت به أنبياؤه ورسله، يرون الجهل بما لم يخبر به عن نفسه علمًا، والعجز عما لم يدع إليه إيمانًا، وأنهم إنما ينتهون من وصفه بصفاته وأسمائه إلى حيث انتهى في كتابه على لسان نبيه.
وقد قال وهو أصدق القائلين : {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [44]، وقال: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ الله شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [45]، وقال: {وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ} [46]، وقال: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} [47] وقال: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [48]، وقال: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [49]، وقال: {وَقَالَتِ اليهود يَدُ الله مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [50]، وقال: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} الآية [51]، وقال: {قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [52]، وقال: {وَكَلَّمَ الله مُوسَى تَكْلِيمًا} [53].
وقال تعالى: {الله نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية [54]، وقال: {الله لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} الآية [55]، وقال: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [56]، ومثل هذا في القرآن كثير.
فهو تبارك وتعالى نور السموات والأرض، كما أخبرعن نفسه، وله وجه، ونفس، وغير ذلك مما وصف به نفسه، ويسمع، ويرى، ويتكلم، هو الأول لا شيء قبله، والآخر الباقي إلى غير نهاية ولا شيء بعده، والظاهر العالى فوق كل شيء، والباطن، بطن علمه بخلقه فقال: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [57] قيوم حي لا تأخذه سِنَةٌ ولا نوم.
وذكر أحاديث الصفات ثم قال: فهذه صفات ربنا التي وصف بها نفسه في كتابه، ووصفه بها نبيه، وليس في شيء منها تحديد ولا تشبيه، ولا تقدير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [58]. لم تره العيون فتحده كيف هو، ولكن رأته القلوب في حقائق الإيمان ا. ه.
وكلام الأئمة في هذا الباب أطول وأكثر من أن تسع هذه الفتيا عشره، وكذلك كلام الناقلين لمذهبهم، مثل ما ذكره أبو سليمان الخطابي في رسالته المشهورة في الغنية عن الكلام وأهله قال: فأما ما سألت عنه من الصفات، وما جاء منها في الكتاب والسنة، فإن مذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها، ونفي الكيفية والتشبيه عنها، وقد نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله، وحققها قوم من المثبتين فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف، وإنما القصد في سلوك الطريقة المستقيمة بين الأمرين، ودين الله تعالى بين الغالي فيه والجافي والمقصر عنه.
والأصل في هذا: أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، ويحتذى في ذلك حذوه ومثاله. فإذا كان معلومًا أن إثبات الباري سبحانه إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف.
فإذا قلنا: يد وسمع، وبصر وما أشبهها، فإنما هي صفات أثبتها الله لنفسه، ولسنا نقول: إن معنى اليد القوة أو النعمة، ولا معنى السمع والبصر العلم، ولا نقول: إنها جوارح، ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار، التي هي جوارح وأدوات للفعل، ونقول: إن القول إنما وجب بإثبات الصفات؛ لأن التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها؛ لأن الله ليس كمثله شيء، وعلى هذا جرى قول السلف في أحاديث الصفات. هذا كله كلام الخطابي .
وهكذا قاله أبو بكر الخطيب الحافظ في رسالة له، أخبر فيها أن مذهب السلف على ذلك.
وهذا الكلام الذي ذكره الخطابي قد نقل نحوًا منه من العلماء من لا يحصى عددهم، مثل أبي بكر الإسماعيلي، والإمام يحيى بن عمار السجزي، وشيخ الإسلام أبي إسماعيل الهروي صاحب منازل السائرين، وذم الكلام وهو أشهر من أن يوصف، وشيخ الإسلام أبي عثمان الصابوني، وأبي عمر بن عبد البر النمري إمام المغرب، وغيرهم.
وقال أبو نعيم الأصبهاني، صاحب الحلية في عقيدة له، قال في أولها: طريقتنا طريقة المتبعين الكتاب والسنة، وإجماع الأمة قال: فمما اعتقدوه أن الأحاديث التي ثبتت عن النبي ﷺ في العرش واستواء الله يقولون بها، ويثبتونها، من غير تكييف، ولا تمثيل، ولا تشبيه، وأن الله بائن من خلقه والخلق بائنون منه، لا يحل فيهم ولا يمتزج بهم، وهو مستو على عرشه في سمائه، دون أرضه وخلقه.
وقال الحافظ أبو نعيم في كتابه محجة الواثقين، ومدرجة الوامقين تأليفه : وأجمعوا أن الله فوق سمواته، عالٍ على عرشه، مستوٍِ عليه، لا مستولٍِ عليه كما تقول الجهمية أنه بكل مكان، خلافًا لما نزل في كتابه: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء} [59]، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [60]، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [61]، له العرش المستوى عليه، والكرسي الذي وسع السموات والأرض، وهو قوله: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [62] .
وكرسيه جسم، والأرضون السبع والسموات السبع عند الكرسي كحلقة في أرض فلاة، وليس كرسيه علمه كما قالت الجهمية، بل يوضع كرسيه يوم القيامة لفصل القضاء بين خلقه، كما قاله النبي ﷺ، وأنه تعالى وتقدس يجيء يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده والملائكة صفّا صفّا؛ كما قال تعالى: {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [63]، وزاد النبي ﷺ : و«إنه تعالى وتقدس يجيء يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده، فيغفر لمن يشاء من مذنبي الموحدين، ويعذب من يشاء»، كما قال تعالى: {فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء} [64].
هامش
[البقرة: 284]
مجموع الفتاوى لابن تيمية: المجلد الخامس
الأسماء والصفات | سئل شيخ الإسلام ما قول السادة العلماء أئمة الدين في آيات الصفات | فصل في أن وصف الله لا يتجاوز القرآن والسنة | فصل في مخالفات المعتزلة والجهمية والحرورية | جماع الأمر في الأقسام الممكنة في آيات الصفات وأحاديثها | سئل شيخ الإسلام عن علو الله تعالى واستوائه على عرشه | قول ابن عربي في معنى اسمه تعالى العلي | إنكار جماعة على أبي طالب بعض كلامه في الصفات | سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن علو الله على سائر مخلوقاته | فصل في قول المعتزلة والجهمية والحرورية إن الاستواء معناه الاستيلاء والملك والقهر | فصل في إبطال تأويل من تأول الاستواء بمعنى الاستيلاء | فصل في الإخبار بكروية الأرض | قاعدة عظيمة في إثبات علوه تعالى | سئل شيخ الإسلام عن مسألة الإثبات للصفات والجزم بإثبات العلو على العرش | فصل في وجوب إثبات العلو لله تعالى | فصل في معنى الحقيقة | فصل | فصل في الجمع بين علو الرب عز وجل وبين قربه من داعيه وعابديه | فصل في تمام الكلام في القرب | فصل في قرب الرب من قلوب المؤمنين وقرب قلوبهم منه | ما يحصل لصاحب المحبة والذكر والتأله | سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن رجلين اختلفا في الاعتقاد أن الله في السماء | سئل شيخ الإسلام عمن يعتقد الجهة هل هو مبتدع أو كافر أو لا | سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن هذه الأبيات | فصل في مباينة الله لخلقه وعلوه على عرشه | سئل شيخ الإسلام في رجلين تنازعا في حديث النزول أحدهما مثبت والآخر ناف | فصل في معرفة أنا لا نعلم ما غاب عنا إلا بمعرفة ما شهدناه | فصل في علمنا بصفاته تعالى وجهلنا بكيفيتها | سئل عن حديث أخرجه أبو سعيد النقاش في أقوال أهل السنة | فصل في تأول قوم من المنتسبين إلى السنة والحديث حديث النزول | اختلاق كلام على الإمام أحمد يناقض المنقول المتواتر عنه | كفر من زعم أن الرب يقبل التفرق والانقسام | زعم ابن حزم أن العود لم يروه إلا زاذان عن البراء | معنى وسع ربنا كل شيء علما | فصل في معنى أن الله هو العلي الأعلى | فصل في نزاع الناس في معنى حديث النزول | قولان ضعيفان للجهمية ونحوهم
تصنيف:
مجموع الفتاوى
====================
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق