الثلاثاء، 8 فبراير 2022

كتاب المنار المنيف في الصحيح والضعيف للإمام ابن القيم

ويكي مصدر 

المنار المنيف في الصحيح والضعيف  للإمام ابن القيم

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الشيخ الإمام العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية الحنبلي الدمشقي تغمده الله تعالى برحمته وأسكنه فسيح جنته 
 ---------------------------
فصل 1

1 سئلت عن حديث صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بغير سواك وكيف يكون هذا التضعيف 2 وكذلك قوله في حديث جويرية لقد قلت بعدك أربع كلمات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن 3 وحديث صيام ثلاثة أيام من كل شهر يقوم مقام صيام الشهر 4 وحديث من دخل السوق فقال لا إله إلا الله الحديث فهذا السؤال اشتمل على أربع مسائل 5 المسألة الأولى تفضيل الصلاة بالسواك على سبعين صلاة بغيره فهذا الحديث قد روي عن عائشة رضي الله عنها عن النبي ﷺ وهو حديث لم يرد في الصحيحين ولا في الكتب الستة ولكن رواه الإمام أحمد وابن خزيمة والحاكم في صحيحهما والبزار في مسنده وقال البيهقي إسناده غير قوي

6 وذلك أن مداره على محمد بن إسحاق عن الزهري ولم يصرح ابن إسحاق بسماعه منه بل قال ذكر الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله ﷺ تفضل الصلاة التي يستاك لها على الصلاة التي لا يستاك لها سبعين ضعفا هكذا رواه الإمام أحمد وابن خزيمة في صحيحه إلا أنه قال إن صح الخبر قال وإنما استثنيت صحة هذا الخبر لأني خائف أن يكون محمد بن إسحاق لم يسمع الحديث من الزهري وإنما دلسه عنه وقد قال عبد الله بن أحمد قال أبي إذا قال ابن إسحاق وذكر فلان فلم يسمعه وقد أخرجه الحاكم في صحيحه وقال هو صحيح على شرط مسلم ولم يصنع الحاكم شيئا فإن مسلما لم يرو في كتابه بهذا الإسناد حديثا واحدا ولا احتج بإبن اسحاق وإنما أخرج له في المتابعات والشواهد وأما أن يكون ذكر ابن إسحاق عن الزهري من شرط مسلم فلا وهذا وأمثاله هو الذي شان كتابه ووضعه وجعل تصحيحه دون تحسين غيره

قال البيهقي هذا الحديث أحد ما يخاف أن يكون من تدليسات محمد بن إسحاق وأنه لم يسمعه من الزهري ورواه البيهقي من طريق معاوية بن يحيى الصدفي عن الزهري ومعاوية هذا ليس بقوي وقال في شعب الإيمان تفرد به معاوية بن يحيى ويقال إن ابن إسحاق أخذه منه قال ويروى نحوه عن عروة وعن عمرة عن عائشة وكلاهما ضعيف 7 ورواه من حديث الواقدي قال حدثنا عبد الله بن أبي يحيى الأسلمي عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي ﷺ قال الركعتان بعد السواك أحب إلى الله من سبعين ركعة قبل السواك ولكن الواقدي لا يحتج به ورواه من حديث حماد بن قيراط قال حدثنا خراج بن فضالة عن عروة بن رويم عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي ﷺ قال صلاة بسواك خير من سبعين صلاة بغير سواك وهذا الإسناد غير قوي فهذا حال هذا الحديث وإن ثبت فله وجه حسن وهو أن الصلاة بالسواك سنة والسواك مرضاة للرب 9 وقد أكد النبي ﷺ شأنه وقال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة 10 وأخبر أنه مطهرة للفم مرضاة للرب

11 وقال ﷺ أكثرت عليكم في السواك رواه البخاري 12 وفي مسند أحمد عن التميمي قال سألت ابن عباس عن السواك فقال ما زال النبي ﷺ يأمرنا به حتى خشينا أن ينزل عليه فيه 13 وفي لفظ أمرت بالسواك حتى خشيت أن ينزل علي به وحي 14 وقال ابن عباس قال رسول الله ﷺ ما لي أراكم تأتوني قلحا استاكوا لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك كما فرضت عليهم الوضوء 15 وقال عشر من الفطرة قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك الحديث فجعل السواك من الفطرة

16 وقال عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر إن رسول الله ﷺ أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا وغير طاهر فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك لكل صلاة 17 وعن علي قال أمرنا بالسواك وقال إن العبد إذا قام يصلي أتاه الملك فقام خلفه يستمع القرآن ويدنو فلا يزال يستمع ويدنو حتى يضع فاه على فيه فلا يقرأ آية إلا كانت في جوف الملك 18 وكان النبي ﷺ من رغبته في السواك يستاك إذا قام من نوم الليل وإذا دخل بيته وإذا صلى

19 واستاك عند موته وهو في السياق 20 وقال سفيان عن محمد بن إسحاق عن أبي جعفر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال كان السواك من أذن النبي ﷺ موضع القلم من أذن الكاتب

21 وفي سنن النسائي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال كان رسول الله صلىالله عليه وسلم يصلي ركعتين ركعتين ثم ينصرف فيستاك وهذا في صلاة الليل 22 ولما بات ابن عباس عند خالته ميمونة قال فقام ﷺ فتوضأ وصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين الحديث وكان يستاك لكل ركعتين

23 وفي جامع الترمذي عن أبي سلمة قال كان زيد بن خالد الجهني يشهد الصلوات في المسجد وسواكه على أذنه موضع القلم من أذن الكاتب لا يقوم إلى الصلاة إلا استن وهو حديث حسن صحيح 24 وفي الموطأ عن ابن شهاب الزهري عن ابن السباق أن رسول الله ﷺ قال عليكم بالسواك 25 وقد روى أبو نعيم من حديث عبد الله بن عمرو بن حلحلة ورافع بن خديج قالا قال رسول الله ﷺ السواك واجب وغسل الجمعة واجب على كل مسلم 26 ويشهد لهذا الحديث ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال غسل يوم الجمعة على كل محتلم وسواك ويمس من الطيب ما قدر عليه وإذا كان هذا شأن السواك وفضله وحصول رضا الرب به وإكثار النبي ﷺ على الأمة فيه ومبالغته فيه حتى عند وفاته وقبض نفسه لكريمه ﷺ لم يمتنع أن تكون الصلاة التي يستاك لها أحب إلى الله من سبعين صلاة وإذا كان ثواب السبعين أكثر فلا يلزم من كثرة الثواب أن يكون العمل الأكثر ثوابا أحب إلى الله تعالى من العمل الذي هو أقل منه بل قد يكون العمل الأقل أحب إلى الله تعالى وإن كان الكثير أكثر ثوابا 27 وهذا كما في المسند عنه ﷺ أنه قال دم عفراء أحب إلى الله من دم سوداوين يعني في الأضحية وكذلك ذبح الشاة الواحدة يوم النحر أحب إلى الله من الصدقة بأضعاف أضعاف ثمنها وإن كثر ثواب الصدقة وكذلك قراءة سورة بتدبر ومعرفة وتفهم وجمع القلب عليها أحب إلى الله تعالى من قراءة ختمة سردا وهذا وإن كثر ثواب هذه القراءة وكذلك صلاة ركعتين يقبل العبد فيهما على الله تعالى بقلبه وجوارحه ويفرغ قلبه كله لله فيهما أحب إلى الله تعالى من مئتي ركعة خالية من ذلك وإن كثر ثوابهما عددا 28 ومن هذا سبق درهم مئة ألف درهم 29 ولهذا قال الصحابة رضي الله عنهم إن اقتصادا في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وبدعة فالعمل اليسير الموافق لمرضاة الرب وسنة رسوله ﷺ أحب إلى الله تعالى من العمل الكثير إذا خلا عن ذلك أو عن بعضه ولهذا قال الله تعالى ^ الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ^ وقال ^ إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا ^ وقال ^ وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ^ فهو سبحانه وتعالى إنما خلق السموات والأرض والموت والحياة وزين الأرض بما عليها ليبلو عبادة أيهم أحسن عملا لا أكثر عملا والعمل الأحسن هو الأخلص والأصوب وهو الموافق لمرضاته ومحبته دون الأكثر الخالي من ذلك فهو سبحانه وتعالى يحب أن يتعبد له بالأرضى له وإن كان قليلا دون الأكثر الذي لا يرضيه والأكثر الذي غيره أرضى له منه ولهذا يكون العملان في الصورة واحدا وبينهما في الفضل بل بين قليل أحدهما وكثير الآخر في الفضل أعظم مما بين السماء والأرض وهذا الفضل يكون بحسب رضا الرب سبحانه بالعمل وقبوله له ومحبته له وفرحه به سبحانه وتعالى كما يفرح بتوبة التائب أعظم فرح ولا ريب أن تلك التوبة الصادقة أفضل وأحب إلى الله تعالى من أعمال كثير من التطوعات وإن زادت في الكثرة على التوبة ولهذا كان القبول مختلفا ومتفاوتا بحسب رضا الرب سبحانه بالعمل

فيا لله كم بعد ما بين الصدقتين في الفضل ومحبة الله وقبوله ورضاة وقد قبل سبحانه هذه وهذه لكن قبول الرضا والمحبة والاعتداد والمباهاة شيء وقبول الثواب والجزاء شيء وأنت تجد هذا في الشاهد في ملك تهدى إليه هدية صغيرة المقدار لكنه يحبها ويرضاها فيظهرها لخواصه وحواشيه ويثني على مهديها في كلمات كهدية كثيرة العدد والقدر جدا لا تقع عنده موقعا ولكن يكون في جودة لا يضيع ثواب مهديها بل يعطيه عليها أضعافها وأضعاف أضعافها فليس قبوله لهذه الهدية مثل قبوله للأولى 30 ولهذا قال ابن عمر أو غيره من الصحابة رضي الله عنهم لو أعلم أن الله يتقبل مني سجدة واحدة لم يكن غائب أحب إلي من الموت إنما يريد به القبول الخاص وإلا فقبول العطاء والجزاء حاصل لأكثر الأعمال والقبول له أنواع قبول رضا ومحبة واعتداد ومباهاة وثناء على العامل به بين الملأ الأعلى وقبول جزاء وثواب وإن لم يقع موقع الأول وقبول إسقاط للعقاب فقط وإن لم يترتب عليه ثواب وجزاء كقبول صلاة من لم يحضر قلبه في شيء منها فإنه ليس له من صلاته إلا ما عقل منها فإنها تسقط الفرض ولا يثاب عليها وكذلك صلاة الآبق وصلاة من أتى عرافا فصدقه فإن البعض قد حقق أن صلاة هؤلاء لا تقبل ومع هذا فلا يؤمرون بالإعادة يعني أن عدم قبول صلاتهم إنما هو في حصول الثواب لا في سقوطها من ذمتهم والأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والمحبة والتعظيم والإجلال وقصد وجه المعبود وحده دون شيء من الحظوظ سواه حتى لتكون صورة العملين واحدة وبينهما في الفضل ما لا يحصيه إلا الله تعالى وتتفاضل أيضا بتجريد المتابعة فبين العملين من الفضل بحسب ما يتفاضلان به في المتابعة فتتفاضل الأعمال بحسب تجريد الإخلاص والمتابعة تفاضلا لا يحصيه إلا الله تعالى وينضاف هذا إلى كون أحد العملين أحب إلى الله في نفسه مثاله الجهاد وبذل النفس لله تعالى هو من أحب الأعمال إلى الله تعالى ويقترن بتجريد الإخلاص والمتابعة وكذلك الصلاة والعلم وقراءة القرآن إذا فضل العلم في نفسه وفضل قصد صاحبه وإخلاصه وتجردت متابعته لم يمتنع أن يكون العمل الواحد أفضل من سبعين بل وسبع مئة من نوعه فتأمل هذا فإنه يزيل عنك إشكالات كثيرة ويطلعك على سر العمل والفضل وأن الله سبحانه وتعالى أحكم الحاكمين يضع فضله مواضعه وهو أعلم بالشاكرين ولا تلتفت إلى ما يقوله من غلظ حجاب قلبه من المتكلمين والمتكلفين إنه يجوز أن يكون العملان متساويين من جميع الوجوه لا تفاضل بينهما ويثيب الله على أحدهما أضعاف أضعاف ما يثيب على الآخر بل يجوز أن يثيب على هذا ويعاقب على هذا مع فرض الإستواء بينهما من كل وجه وهذا قول من ليس له فقه في أسماء الرب وصفاته وأفعاله ولا فقه في شرعه وأمره ولا فقه في أعمال القلوب وحقائق الإيمان بالله وبالله التوفيق إذا عرفت ذلك فلا يمتنع أن تكون الصلاة التي فعلها فاعلها على وجه الكمال حتى أتى بسواكها الذي هو مطهرة لمجاري القرآن وذكر الله ومرضاة للرب واتباع للسنة والحرص على حفظ هذه الحرمة الواحدة التي أكثر النفوس تهملها ولا تلتفت إليها حتى كأنها غير مشروعة ولا محبوبة لكن هذا المصلي اعتدها فحافظ عليها وأتى بها توددا وتحببا إلى الله تعالى واتباعا لسنة رسول الله ﷺ فلا يبعد أن تكون صلاة هذا أحب إلى الله من سبعين صلاة تجردت عن ذلك والله أعلم
فصل 2

31 وأما المسألة الثانية وهي تفضيل سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته على مجرد الذكر بسبحان الله أضعافا مضاعفة فإن ما يقوم بقلب الذاكر حين يقول سبحان الله وبحمده عدد خلقه من معرفته وتنزيهه وتعظيمه من هذا القدر المذكور من العدد أعظم مما يقوم بقلب القائل سبحان الله فقط وهذا يسمى الذكر المضاعف وهو أعظم ثناء من الذكر المفرد فلهذا كان أفضل منه وهذا إنما يظهر في معرفة هذا الذكر وفهمه فإن قول المسبح سبحان الله وبحمده عدد خلقه يتضمن إنشاء وإخبارا عما يستحقه الرب من التسبيح عدد كل مخلوق كان أو هو كائن إلى ما لا نهاية له فتضمن الإخبار عن تنزيهه الرب وتعظيمه والثناء عليه هذا العدد العظيم الذي لا يبلغه العادون ولا يحصيه المحصون وتضمن إنشاء العبد لتسبيح هذا شأنه لا أن ما أتى به العبد من التسبيح هذا قدره وعدده بل أخبر أن ما يستحقة الرب سبحانه وتعالى من التسبيح هو تسبيح يبلغ هذا العدد الذي لو كان في العدد ما يزيد لذكره فإن تجدد المخلوقات لا ينتهي عددا ولا يحصى الحاضر وكذلك قوله ورضا نفسه فهو يتضمن أمرين عظيمين أحدهما أن يكون المراد تسبيحا هو والعظمة والجلال سيان ولرضا نفسه كما أنه في الأول مخبر عن تسبيح مساو لعدد خلقه ولا ريب أن رضا نفس الرب لا نهاية له في العظمة والوصف والتسبيح ثناء عليه سبحانه يتضمن التعظيم والتنزيه فإذا كانت أوصاف كماله ونعوت جلاله لا نهاية لها ولا غاية بل هي أعظم من ذلك وأجل كان الثناء عليه بها كذلك إذ هو تابع لها إخبارا وإنشاء وهذا المعنى ينتظم المعنى الأول من غير عكس وإذا كان إحسانه سبحانه وثوابه وبركته وخيره لا منتهى له وهو من موجبات رضاه وثمرته فكيف بصفة الرضا 32 وفي الأثر إذا باركت لم يكن لبركتي منتهى فكيف بالصفة التي صدرت عنها البركة والرضا يستلزم المحبة والإحسان والجود والبر والعفو والصفح والمغفرة والخلق يستلزم العلم والقدرة والإرادة والحياة والحكمة وكل ذلك داخل في رضا نفسه وصفة خلقه وقوله وزنة عرشه فيه إثبات للعرش وإضافته إلى الرب سبحانه وتعالى وأنه أثقل المخلوقات على الإطلاق إذ لو كان شيء أثقل منه لوزن به التسبيح وهذا يرد على من يقول إن العرش ليس بثقيل ولا خفيف وهذا لم يعرف العرش ولا قدره حق قدره فالتضعيف الأول للعدد والكمية والثاني للصفة والكيفية والثالث للعظم والثقل وليس للمقدار وقوله ومداد كلماته هذا يعم الأقسام الثلاثة ويشملها فإن مداد كلماته سبحانه وتعالى لا نهاية لقدره ولا لصفته ولا لعدده قال تعالى ^ قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدادا ^ وقال تعالى ^ ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم ^ ومعنى هذا أنه لو فرض البحر مدادا وبعده سبعة أبحر تمده كلها مدادا وجميع أشجار الأرض أقلاما وهو ما قام منها على ساق من النبات والأشجار المثمرة وغير المثمرة وتستمد بذلك المداد لفنيت البحار والأقلام وكلمات الرب لا تفنى ولا تنفد فسبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته فأين هذا من وصف من يصفه بأنه ما تكلم ولا يتكلم ولا يقوم به كلام أصلا وقول من وصف كلامه بأنه معنى واحد لا ينقضي ولا يتجزأ ولا له بعض ولا كل ولا هو سور وآيات ولا حروف وكلمات والمقصود أن في هذا التسبيح من صفات الكمال ونعوت الجلال ما يوجب أن يكون أفضل من غيره وأنه لو وزن غيره به لوزنه وزاد عليه وهذا بعض ما في هذه الكلمات من المعرفة بالله والثناء عليه بالتنزيه والتعظيم مع اقترانه بالحمد المتضمن لثلاثة أصول أحدها إثبات صفات الكمال له سبحانه والثناء عليه الثاني محبته والرضا به الثالث فإذا انضاف هذا الحمد إلى التسبيح والتنزيه على أكمل الوجوه وأعظمها قدرا وأكثرها عددا وأجزلها وصفا واستحضر العبد ذلك عند التسبيح وقام بقلبه معناه كان له من المزية والفضل ما ليس لغيره وبالله التوفيق
فصل 3

33 وأما المسألة الثالثة وهي كون صيام ثلاثة أيام من كل شهر تعدل صيام الشهر فقد ذكر في هذا الحديث سببه وهو أن الحسنة بعشر أمثالها فهو يعدل صيام الشهر غير مضاعف لثواب الحسنة بعشر أمثالها فإذا صام ثلاثة أيام من كل شهر وحافظ على ذلك فكأنه صام الدهر كله 34 ونظير هذا قوله ﷺ في الحديث الصحيح من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر فإن الحسنة بعشر أمثالها وفي كونها من شوال سر لطيف وهو أنها تجري مجرى الجهران لرمضان وتقضي ما وقع فيه من التقصير في الصوم فتجري مجرى سنة الصلاة بعدها ومجرى سجدتي السهو ولهذا قال وأتبعه أي ألحقها به وقد استدل بهذا من يستحب أو يجوز صيام الدهر كله ما عدا العيدين وأيام التشريق ولا حجة له بل هو حجة عليه فإنه لا يلزم من تشبيه العمل بالعمل إمكان وقوع المشبه به فضلا عن كونه مشروعا بل ولا ممكنا كما في الحديث الصحيح و لهذا جعل صيام ثلاثة أيام من الشهر وصيام رمضان وإتباعه بست من شوال يعدل صيام ثلاث مئة وستين يوما وذلك حراما غير جائز بالاتفاق فإنه وقع التشبيه في الثواب لا على تقدير كونه مشروعا بل ولا ممكنا كما في الحديث الصحيح وقد سئل عن الجهاد فقال للسائل 35 هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تصوم فلا تفطر وتقوم فلا تفتر قال لا قال ذلك مثل المجاهد والمقصود أنه لا يلزم من تشبيه الشيء بالشيء مساواته له 36 ومثل هذا قوله ﷺ من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى العشاء والفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله وهذا يدل على ما تقدم من تفضيل العمل الواحد على أمثاله وأضعافه من جنسه فإن من صلى العشاء والفجر في جماعة ولم يصل بالليل تعدل صلاته تلك صلاة من قام الليل كله فإن كان هذا الذي قام الليل قد صلى تينك الصلاتين في جماعة أحرز الفضل المحقق والمقدر وإن صلى الصلاتين وحده وقام الليل كان كمن صلاهما في جماعة ونام بمنزله إن صحت صلاة المنفرد

وهذا كما تقدم من أن تفاضل الأعمال ليس بكثرتها وعددها وإنما هو بإكمالها وإتمامها وموافقتها لرضا الرب وشرعه
فصل 4

37 وأما المسألة الرابعة وهي قوله في الحديث من دخل السوق فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة رفع له ألف ألف درجة فهذا الحديث معلول أعله أئمة الحديث قال الترمذي في جامعه حدثنا أحمد بن منيع حدثنا يزيد ابن هارون أخبرنا أزهر بن سنان حدثنا محمد بن واسع قال قدمت مكة فلقيني سالم بن عبد الله بن عمر فحدثني عن أبيه عن جده أن رسول الله ﷺ قال من دخل السوق فقال الحديث قال الترمذي هذا حديث غريب وقد رواه عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير عن سالم ابن عبد الله فذكر الحديث 38 حدثنا بذلك أحمد بن عبدة الضبي حدثنا حماد بن زيد والمعتمد بن سليمان قالا حدثنا عمرو بن دينار وهو قهرمان آل الزبير عن سالم ابن عبد الله بن عمر عن أبيه عن جده أن رسول الله ﷺ قال من دخل السوق وذكر الحديث وفيه وبنى له بيتا في الجنة وقد روي من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر لكنه معلول أيضا قال عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب العلل سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه يحيى بن سليم الطائفي عن عمران بن مسلم عن عبد الله ابن دينار عن ابن عمر عن الني ﷺ قال من دخل في السوق الحديث فقالا لي هذا حديث منكر قال ابن أبي حاتم وهذا الحديث خطأ إنما أراد عمران بن مسلم عن عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير عن سالم عن أبيه فغلط وجعل بدل عمرو عبد الله بن دينار وأسقط سالما من الإسناد حدثنا بذلك محمد بن عمار حدثنا إسحاق بن سليمان عن بكير بن شهاب الدامغاني عن عمران بن مسلم عن عمرو بن دينار عن سالم عن أبيه عن عمر عن النبي ﷺ فذكر الحديث ورواه ابن ماجة في سننه عن بشر بن معاذ الضرير عن حماد بن زيد عن عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير كنيته أبو يحيى الأعور البصري قال يحيى بن معين ليس بشيء وقال النسائي والدارمي ضعيف وقال أبو زرعة واهي الحديث وقال علي بن الجنيد هو شبه المتروك وقال ابن حبان لا يحل كتب حديثه إلا على وجه التعجب كان ينفرد بالموضوعات عن الثقات وقال الدارقطني ضعيف
فصل 5

وسئلت هل يمكن معرفة الحديث الموضوع بضابط من غير أن ينظر في سنده

فهذا سؤال عظيم القدر وإنما يعلم ذلك من تضلع في معرفة السنن الصحيحة واختلطت بلحمه ودمه وصار له فيها ملكة وصار له اختصاص شديد بمعرفة السنن والآثار ومعرفة سيرة رسول الله ﷺ وهديه فيما يأمر به وينهى عنه ويخبر عنه ويدعو إليه ويحبه ويكرهه ويشرعه للأمة بحيث كأنه مخالط للرسول ﷺ كواحد من أصحابه فمثل هذا يعرف من أحوال الرسول ﷺ وهديه وكلامه وما يجوز أن يخبر به وما لا يجوز ما لا يعرفه غيره وهذا شأن كل متبع مع متبوعه فإن للأخص به الحريص على تتبع أقواله وأفعاله من العلم بها والتمييز بين ما يصح أن ينسب إليه وما لا يصح ما ليس لمن لا يكون كذلك وهذا شأن المقلدين مع أئمتهم يعرفون أقوالهم ونصوصهم ومذاهبهم والله أعلم 39 فمن ذلك ما روى جعفر بن جسر عن أبيه عن ثابت عن أنس يرفعه من قال سبحان الله وبحمده غرس الله له ألف ألف نخلة في الجنة أصلها من ذهب وجعفر هذا هو جعفر بن جسر بن فرقد أبو سليمان القصاب البصري قال ابن عدي أحاديثه مناكير وقال الأزدي يتكلمون فيه وأما أبوه فقال يحيى بن معين لا شيء ولا يكتب حديثه وقال النسائي والدارقطني ضعيف وقال ابن حبان خرج من حد العدالة وقال ابن عدي عامة أحاديثه غير محفوظة

40 ومن ذلك ما رواه ابن منده من حديث أحمد بن عبد الله الجويباري الكذاب عن شقيق عن إبراهيم بن أدهم عن يزيد بن أبي زياد عن أويس القرني عن عمر وعلي رضي الله تعالى عنهم عن النبي ﷺ قال من دعا بهذه الأسماء اللهم أنت حي لا تموت وغالب لا تغلب وبصير لا ترتاب وسميع لا تشك وصادق لا تكذب وصمد لا تطعم وعالم لا تعلم إلى أن قال فوالذي بعثني بالحق لو دعي بهذه الدعوات على صفائح الحديد لذابت وعلى ماء جار لسكن ومن دعا عند منامه بها بعث بكل حرف منها سبع مئة ألف ملك يسبحون له ويستغفرون له وتابعه كذاب آخر وهو الحسين بن داود البلخي عن شقيق وروى جملة منه كذاب آخر هو سليمان بن عيسى عن الثوري عن إبراهيم بن أدهم وهذا وأمثاله مما لا يرتاب من له أدنى معرفة بالرسول ﷺ وكلامه أنه موضوع مختلق وإفك مفترى عليه 41 ومن ذلك ما رواه عباس بن الضحاك البلخي كذاب أشر عن عبد الله بن عمر بن الرماح مجهول لا يعرف عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ من كتب بسم الله الرحمن الرحيم ولم يعم الهاء التي في الله تعالى كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة

42 ومن ذلك ما رواه أبو العلاء عن نافع عن ابن عمر يرفعه من كفن ميتا فإن له بكل شعرة تصيب كفنه عشر حسنات وأبو العلاء هذا يروي عن نافع ما ليس من حديثه ولا يجوز الاحتجاج به وهذا الحديث قد رواه الحسن بن سفيان حدثنا أبو الربيع الزهراني حدثنا أحمد بن الحجاج حدثنا أبو العلاء قال الدارقطني يقال إن أبا العلاء هذا الخفاف الكوفي واسمه خالد بن طهمان انتهى وقال يحيى بن معين هو ضعيف خلط قبل موته بعشر سنين وكان قبل ذلك ثقة وكان في تخليطه يحمل ما جاءوا به ويقرؤه انتهى 43 ومن ذلك حديث يرويه محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن ابن عمر عن النبي ﷺ من صام صبيحة يوم الفطر فكأنما صام الدهر كله وهذا حديث باطل موضع على رسول الله ﷺ وابن البيلمان يروي المناكير قال البخاري وأبو حاتم الرازي والنسائي هو منكر الحديث وقال يحيى بن معين ليس بشيء وقال الدارقطني والحميدي ضعيف وقال ابن حبان حدث عن أبيه بنسخة شبيها بمئتي حديث كلها موضوعة لا يجوز الاحتجاج به ولا ذكره إلا على وجه التعجب 44 ومن ذلك حديث من صام يوم عاشوراء كتب الله له عبادة ستين سنة وهذا باطل يرويه حبيب بن أبي حبيب عن إبراهيم الصائغ عن ميمون بن مهران عن ابن عباس وحبيب كان يضع الأحاديث 45 ومن ذلك حديث يرويه زكريا بن دويد الكندي الكذاب الأشر عن حميد الطويل عن أنس عن النبي ﷺ من داوم على صلاة الضحى ولم يقطعها من علة كنت أنا وهو في الجنة في زورق من نور في بحر من نور حتى نزور رب العالمين 46 ومن ذلك حديث يرويه عمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ من صلى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم بينهن بشيء عدلن له عبادة اثنتي عشرة سنة وعمر هذا قال فيه الإمام أحمد ويحيى بن معين والدارقطني ضعيق وقال أحمد أيضا لا يساوي حديثه شيئا وقال البخاري منكر الحديث وضعفه جدا وقال ابن حبان لا يحل ذكره إلا على سبيل القدح فيه فإنه يضع الحديث على مالك وابن أبي ذئب وغيرهما من الثقات 47 ومن ذلك حديث من صلى يوم الأحد أربع ركعات بتسليمة واحدة يقرأ في كل ركعة ^ الحمد ^ و ^ آمن الرسول ^ إلى آخرها كتب الله له ألف حجة وألف عمرة وألف غزوة وبكل ركعة ألف صلاة وجعل بينه وبين النار ألف خندق فقبح الله واضعه ما أجرأه على الله ورسوله 48 ومن ذلك حديث من صلى ليلة الأحد أربع ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة ^ وقل هو الله أحد ^ خمس عشرة مرة أعطاه الله يوم القيامة ثواب من قرأ القرآن عشر مرات وعمل بما في القرآن ويخرج يوم القيامة من قبره ووجهه مثل القمر ليلة البدر ويعطيه الله بكل ركعة ألف مدينة من لؤلؤ في كل مدينة ألف قصر من زبرجد في كل قصر ألف دار من الياقوت في كل دار ألف بيت من المسك في كل بيت ألف سرير ^ واستمر هذا الكذاب الأشر على الألف

49 ومن ذلك حديث من صلى ليلة الإثنين ست ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وعشرين مرة ^ قل هو الله أحد ويستغفر الله بعد ذلك عشر مرات أعطاه الله يوم القيامة ثواب ألف صديق وألف عابد وألف زاهد فقبح الله واضعه ومختلقه على رسول الله ﷺ وهو من عمل الجويباري الخبيث 50 ومن ذلك حديث من صلى يوم الإثنين أربع ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وآية الكرسي مرة وقال هو الله أحد مرة وقل أعوذ برب الفلق مرة كفرت ذنوبه كلها وأعطاه الله قصرا في الجنة من درة بيضاء في جوف القصر سبعة أبيات طول كل بيت ثلاثة آلاف ذراع وعرضه مثل ذلك واستمر هذا الكذاب الخبيث على حديث طويل فيه من هذه المجازفات وهو من عمل الحسين بن إبراهيم كذاب يروي عن محمد بن طاهر ووضع من هذا الضرب أحاديث صلاة يوم الأحد وليلة الأحد وصلاة يوم الاثنين وليلة الاثنين ويوم الثلاثاء وليلة الثلاثاء وهكذا في سائر أيام الأسبوع ولياليه

وهذا باب واسع جدا وإنما ذكرنا منه جزءا يسيرا ليعرف به أن هذه الأحاديث وأمثالها مما فيه هذه المجازفات القبيحة الباردة كلها كذب على رسول الله ﷺ فقد اعتنى بها كثير من الجهال بالحديث من المنتسبين إلى الزهد والفقر وكثير من المنتسبين إلى الفقه 51 والأحاديث الموضوعة عليها ظلمة وركاكة ومجازفات باردة تنادي على وضعها واختلاقها على رسول الله ﷺ مثل حديث من صلى الضحى كذا وكذا ركعة أعطي ثواب سبعين نبيا وكأن هذا الكذاب الخبيث لم يعلم أن غير النبي لو صلى عمر نوح عليه السلام لم يعط ثواب نبي واحد 52 وكقوله من اغتسل يوم الجمعة بنية وحسبة كتب الله له بكل شعرة نورا يوم القيامة ورفع له بكل قطرة درجة في الجنة من الدر والياقوت والزبرجد بين كل درجتين مسيرة مئة عام ومر في حديث طويل قبح الله واضعه وهو من عمل عمر بن صبح الكذاب الخبيث



فصل 6

ونحن ننبه على أمور كلية يعرف بها كون الحديث موضوعا

53 فمنها 1 اشتماله على أمثال هذه المجازفات التي لا يقول مثلها رسول الله ﷺ وهي كثيرة جدا كقوله في الحديث المكذوب من قال لا إله إلا الله خلق الله من تلك الكلمة طائرا له سبعون ألف لسان لكل لسان سبعون ألف لغة يستغفرون الله له ومن فعل كذا وكذا أعطي في الجنة سبعين ألف مدينة في كل مدينة سبعون ألف قصر في كل قصر سبعون ألف حوراء وأمثال هذه المجازفات الباردة التي لا يخلو حال واضعها من أحد أمرين إما أن يكون في غاية الجهل والحمق وإما أن يكون زنديقا قصد التنقيص بالرسول ﷺ بإضافة مثل هذه الكلمات إليه



فصل 7

ومنها 2 تكذيب الحس له كحديث 54 الباذنجان لما أكل له 55 والباذنجان شفاء من كل داء قبح الله واضعهما فإن هذا لو قاله يوحنس أمهر الأطباء لسخر الناس منه ولو أكل الباذنجان للحمى والسوداء الغالبة وكثير من الأمراض لم يزدها إلا شدة ولو أكله فقير ليستغني لم يفده الغنى أو جاهل ليتعلم لم يفده العلم 56 وكذلك حديث إذا عطس الرجل عند الحديث فهو دليل صدقه وهذا وإن صحح بعض الناس سنده فالحس يشهد بوضعه لأنا نشاهد العطاس والكذب يعمل عمله ولو عطس مئة ألف رجل عند حديث يروى عن النبي ﷺ لم يحكم بصحته بالعطاس ولو عطسوا عند شهادة زور لم تصدق 57 وكذلك حديث عليكم بالعدس فإنه مبارك يرقق القلب ويكثر الدمعة قدس فيه سبعون نبيا وقد سئل عبد الله بن المبارك عن هذا الحديث وقيل له إنه يروى عنك فقال وعني أيضا أرفع شيء في العدس أنه شهوة اليهود ولو قدس فيه نبي واحد لكان شفاء من الأدواء فكيف بسبعين نبيا وقد سماه الله تعالى ^ أدنى ^ ونعى على من اختاره على المن والسلوى وجعله قرين الثوم والبصل أفترى أنبياء بني إسرائيل قدسوا فيه لهذه العلة والمضار التي فيه من تهييج السوداء والنفخ والرياح الغليظة وضيق النفس والدم الفاسد وغير ذلك من المضار المحسوسة ويشبه أن يكون هذا الحديث من وضع الذين اختاروه على المن والسلوى أو أشباههم 58 ومن ذلك حديث إن الله خلق السموات والأرض يوم عاشوراء 59 وحديث اشربوا على الطعام تشبعوا فإن الشرب على الطعام يفسده ويمنع من استقراره في المعدة ومن كمال نضجه 60 ومن ذلك حديث أكذب الناس الصباغون والصواغون والحس يرد هذا الحديث فإن الكذب في غيرهم أضعافه فيهم كالرافضة فإنهم أكذب خلق الله والكهان والطرائقيين والمنجمين

وقد تأوله بعضهم على أن المراد بالصباغ الذي يزيد في الحديث ألفاظا تزينه والصواغ الذي يصوغ الحديث ليس له أصل وهذا تكلف بارد لتأويل حديث باطل



فصل 8

61 ومنها 3 سماجة الحديث وكونه مما يسخر منه كحديث لو كان الأرز رجلا لكان حليما ما أكله جائع إلا أشبعه فهذا من السمج البارد الذي يصان عنه كلام العقلاء فضلا عن كلام سيد الأنبياء 62 وحديث الجوز دواء والجبن داء فإذا صار في الجوف صار شفاء فلعن الله واضعه على رسول الله ﷺ 63 وحديث لو يعلم الناس ما في الحلبة اشتروها بوزنها ذهبا 64 وحديث أحضروا موائدكم البقل فإنه مطردة للشيطان 65 وحديث ما من ورقة هندباء إلا وعليها قطرة من ماء الجنة 66 وحديث بئست البقلة الجرجير من أكل منها ليلا بات ونفسه تنازعه ويضرب عرق الجذام في أنفه كلوها نهارا وكفوا عنها ليلا 67 وحديث فضل دهن البنفسج على الأدهان كفضل أهل البيت على سائر الخلق

68 وحديث فضل الكراث على سائر البقول كفضل البر على الحبوب 69 وحديث الكمأة والكرفس طعام إلياس واليسع 70 وحديث إن للقلب فرحة عند أكل اللحم 71 وحديث ما من رمان إلا ويلقح بحبة من رمان الجنة 72 وحديث ربيع أمتي العنب والبطيخ 73 وحديث عليكم بمداومة أكل العنب مع الخبز 74 وحديث عليكم بالملح فإنه شفاء من سبعين داء 75 وحديث من أكل فولة بقشرها أخرج الله منه من الداء مثلها لعن الله واضعه واضعه 76 وحديث لا تسبوا الديك فإنه صديقي ولو يعلم بنو آدم ما في صوته لا شتروا ريشه ولحمه بالذهب 77 وحديث من اتخذ ديكا أبيض لم يقربه شيطان ولا سحر 78 وحديث إن لله ديكا عنقه مطوية تحت العرش ورجلاه في التخوم

79 وبالجملة فكل أحاديث الديك كذب إلا حديثا واحدا إذا سمعتم صياح الديكة فسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكا
فصل 9

ومنها 4 مناقضة الحديث لما جاءت به السنة الصريحة مناقضة بينة فكل حديث يشتمل على فساد أو ظلم أو عبث أو مدح باطل أو ذم حق أو نحو ذلك فرسول الله ﷺ منه بريء 80 ومن هذا الباب أحاديث مدح من اسمه محمد أو أحمد وأن كل من يسمى بهذه الأسماء لا يدخل النار وهذا مناقض لما هو معلوم من دينه ﷺ أن النار لا يجار منها بالأسماء والألقاب وإنما النجاة منها بالإيمان والأعمال الصالحة 81 ومن هذا الباب أحاديث كثيرة علقت النجاة من النار بها وأنها لا تمس من فعل ذلك وغايتها أن تكون من صغار الحسنات والمعلوم من دينه ﷺ خلاف ذلك وأنه إنما ضمن النجاة منها لمن حقق التوحيد
فصل 10

82 ومنها 5 أن يدعى على النبي ﷺ أنه فعل أمرا ظاهرا بمحضر من الصحابة كلهم وأنهم اتفقوا على كتمانه ولم ينقلوه كما يزعم أكذب الطوائف أنه ﷺ أخذ بيد علي بن أبي طالب رضي الله عنه بمحضر من الصحابة كلهم وهم راجعون من حجة الوداع فأقامه بينهم حتى عرفه الجميع ثم قال هذا وصيي وأخي والخليفة من بعدي فأسمعوا له وأطيعوا ثم اتفق الكل على كتمان ذلك وتغييره ومخالفته فلعنة الله على الكاذبين 83 وكذلك روايتهم أن الشمس ردت لعلي بعد العصر والناس يشاهدونها ولا يشتهر هذا أعظم اشتهار ولا يعرفه إلا أسماء بنت عميس



فصل 11

ومنها 6 أن يكون الحديث باطلا في نفسه فيدل بطلانه على أنه ليس من كلام الرسول ﷺ 84 كحديث المجرة التي في السماء من عرق الأفعى التي تحت العرش 85 وحديث إذا غضب الله تعالى أنزل الوحي بالفارسية وإذا رضي أنزله بالعربية 86 وكحديث ست خصال تورث النسيان أكل سؤر الفأر وإلقاء القمل في النار وهي حية والبول في الماء الراكد وقطع القطار ومضغ العلك وأكل التفاح الحامض وحديث الحجامة على القفا تورث النسيان

88 وحديث يا حميراء لا تغتسلي بالماء المشمس فإنه يورث البرص 89 وكل حديث فيه يا حميراء أو ذكر الحميراء فهو كذب مختلق مثل يا حميراء لا تأكلي الطين فإنه يورث كذا وكذا

91 وحديث خذوا شطر دينكم عن الحميراء 92 وحديث من لم يكن له مال يتصدق به فليلعن اليهود والنصارى فإن اللعنة لا تقوم مقام الصدقة أبدا 93 وكحديث آليت على نفسي أن لا يدخل النار من اسمه أحمد ولا محمد 94 وكحديث من ولد له مولود فسماه محمدا تبركا به كان هو والولد في الجنة 95 وكحديث ما من مسلم دنا من زوجته وهو ينوي إن حبلت منه أن يسميه محمدا إلا رزقه الله ولدا ذكرا وفي ذلك جزء كله كذب
فصل 12

ومنها 7 أن يكون كلامه لا يشبه كلام الأنبياء فضلا عن كلام رسول الله ﷺ الذي هو وحي يوحى كما قال الله تعالى ^ وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ^ أي وما نطقه إلا وحي يوحى فيكون الحديث مما لا يشبه الوحي بل لا يشبه كلام الصحابة 96 كحديث ثلاثة تزيد في البصر النظر إلى الخضرة والماء الجاري والوجه الحسن وهذا الكلام مما يجل عنه أبو هريرة وابن عباس بل سعيد بن المسيب والحسن بل أحمد ومالك رحمهم الله 97 وحديث النظر إلى الوجه الحسن يجلو البصر وهذا ونحوه من وضع بعض الزنادقة 98 وحديث عليكم بالوجوه الملاح والحدق السود فإن الله يستحي أن يعذب مليحا بالنار فلعنة الله على واضعه الخبيث 99 وحديث النظر إلى الوجه الجميل عبادة 100 وحديث الزرقة في العين يمن 101 وحديث إن الله طهر قوما من الذنوب بالصلعة في رؤوسهم وإن عليا لأولهم 102 وحديث نبات الشعر في الأنف أمان من الجذام وقد سئل عنه الإمام أحمد بن حنبل فقال ما من ذا شيء 103 وحديث من آتاه الله وجها حسنا واسما حسنا وجعله في موضع غير شائن فهو من صفوة الله في خلقه

104 وكل حديث فيه ذكر حسان الوجوه أو الثناء عليهم أو الأمر بالنظر إليهم أو التماس الحوائج منهم أو أن النار لا تمسهم فكذب مختلق وإفك مفترى 105 وفي الباب أحاديث كثيرة وأقرب شيء في الباب حديث إذا بعثتم إلي بريدا فابعثوه حسن الوجه حسن الاسم وفيه عمر بن راشد قال ابن حبان يضع الحديث وذكر أبو الفرج بن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات
فصل 13

106 ومنها 8 أن يكون في الحديث تاريخ كذا وكذا مثل قوله إذا كان سنة كذا وكذا وقع كيت وكيت وإذا كان شهر كذا وكذا وقع كيت وكيت

107 كقول الكذاب الأشر إذا انكسف القمر في المحرم كان الغلاء والقتال وشغل السلطان وإذا انكسف في صفر كان كذا وكذا واستمر الكذاب في الشهور كلها وأحاديث هذا الباب كلها كذب مفترى
فصل 14

ومنها 9 أن يكون الحديث بوصف الأطباء والطرقية أشبه وأليق كحديث الهريسة تشد الظهر 109 وكحديث أكل السمك يوهن الجسد 110 وحديث الذي شكا إلى النبي ﷺ قلة الولد فأمره أن يأكل البيض والبصل 111 وحديث أتاني جبريل بهريسة فن الجنة فأكلتها فأعطيت قوة أربعين رجلا في الجماع 112 وحديث المؤمن حلو يحب الحلاوة

113 ورواه الكذاب الأشر بلفظ آخر المؤمن حلوي والكافر خمري 114 وحديث كلوا التمر على الريق فإنه يقتل الدود 115 وحديث أطعموا نساءكم في نفاسهن التمر 116 وحديث من لقم أخاه لقمة حلوة صرف الله عنه مرارة الموقف 117 وحديث من أخذ لقمة من مجرى الغائط أو البول فغسلها ثم أكلها غفر له 118 وحديث النفخ في الطعام يذهب البركة 119 وحديث إذا ظنت أذن أحدكم فليصل علي وليقل ذكر الله من ذكرني بخير وكل حديث في طنين الأذن فهو كذب
فصل 15

ومنها 10 أحاديث العقل كلها كذب كقوله لما خلق الله العقل قال له أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر فقال ما خلقت خلقا أكرم علي منك بك آخذ وبك أعطي 121 وحديث لكل شيء معدن ومعدن التقوى قلوب العاقلين 122 وحديث إن الرجل ليكون من أهل الصلاة والجهاد وما يجزى إلا على قدر عقله قال الخطيب حدثنا الصوري قال سمعت الحافظ عبد الغني بن سعيد يقول قال الدارقطني إن كتاب العقل وضعة أربعة أولهم ميسرة بن عبد ربه ثم سرقه منه داود بن المحبر فركبه بأسانيد غير أسانيد ميسرة وسرقه عبد العزيز بن أبي رجاء فركبه بأسانيد أخر ثم سرقه سليمان بن عيسى السجزي فأتى بأسانيد أخر وقال أبو الفتح الأزدي لا يصح في العقل حديث قاله أبو جعفر العقيلي وأبو حاتم بن حبان والله أعلم



فصل 16

123 ومنها 11 الأحاديث التي يذكر فيها الخضر وحياته كلها كذب ولا يصح في حياته حديث واحد 124 كحديث إن رسول الله ﷺ كان في المسجد فسمع كلاما من ورائه فذهبوا ينظرون فإذا هو الخضر 125 وحديث يلتقي الخضر وإلياس كل عام 126 وحديث يجتمع بعرفة جبريل وميكائيل والخضر الحديث المفترى الطويل سئل إبراهيم الحربي عن تعمير الخضر وأنه باق فقال من أحال على غائب لم ينتصف منه وما ألقى هذا بين الناس إلا شيطان 127 وسئل البخاري عن الخضر وإلياس هل هما أحياء فقال كيف يكون هذا وقد قال النبي ﷺ لا يبقى على رأس مئة سنة ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد وسئل عن ذلك كثير غيرهما من الأئمة فقالوا ^ وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون ^

128 وسئل عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال لو كان الخضر حيا لوجب عليه أن يأتي النبي ﷺ ويجاهد بين يديه ويتعلم منه وقد قال النبي ﷺ يوم بدر اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض وكانوا ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلا معروفين بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم فأين كان الخضر حينئذ قال أبو الفرج بن الجوزي والدليل على أن الخضر ليس بباق في الدنيا أربعة أشياء القرآن والسنة وإجماع المحققين من العلماء والمعقول

129 أما القرآن فقوله تعالى ^ وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد ^ فلو دام الخضر كان خالدا

130 وأما السنة فذكر حديث أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مئة سنة منها لا يبقى على ظهر الأرض ممن هو اليوم عليها أحد متفق عليه

131 وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال رسول الله ﷺ قبل موته بقليل ما من نفس منفوسة يأتي عليها مئة سنة وهي يومئذ حية

132 وأما إجماع المحققين من العلماء فقد ذكر عن البخاري وعلي بن موسى الرضا أن الخضر مات وأن البخاري سئل عن حياته فقال وكيف يكون ذلك وقد قال النبي ﷺ أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مئة سنة منها لا يبقى ممن على ظهر الأرض أحد قال وممن قال إن الخضر مات إبراهيم بن إسحاق الحربي وأبو الحسين بن المنادي وهما إمامان وكان ابن المنادي يقبح قول من يقول إنه حي وحكى القاضي أبو يعلى موته عن بعض أصحاب أحمد وذكر عن بعض أهل العلم أنه احتج بأنه لو كان حيا لوجب عليه أن يأتي إلى النبي ﷺ 133 وقال حدثنا أحمد حدثنا شريح بن النعمان حدثنا هشيم أخبرنا مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني فكيف يكون حيا ولا يصلي مع رسول الله ﷺ الجمعة والجماعة

ويجاهد معه ألا ترى أن عيسى عليه السلام إذا نزل إلى الأرض يصلي خلف إمام هذه الأمة ولا يتقدم لئلا يكون ذلك خدشا في نبوة نبينا ﷺ قال أبو الفرج وما أبعد فهم من يثبت وجود الخضر وينسى ما في طي إثباته من الإعراض عن هذه الشريعة أما الدليل من المعقول فمن عشرة أوجه أحدها أن الذي أثبت حياته يقول إنه ولد آدم لصلبه وهذا فاسد لوجهين أحدهما أن يكون عمره الآن ستة آلاف سنة فيما ذكر في كتاب يوحنا المؤرخ ومثل هذا بعيد في العادات أن يقع في حق البشر والثاني أنه لو كان ولده لصلبه أو الرابع من ولد ولده كما زعموا وأنه كان وزير ذي القرنين فإن تلك الخلقة ليست على خلقتنا بل مفرط في الطول والعرض 134 وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ أنه قال خلق الله آدم طوله ستون ذراعا فلم يزل الخلق ينقص بعد وما ذكر أحد ممن رأى الخضر أنه رآه على خلقة عظيمة وهو من أقدم الناس الوجه الثالث أنه لو كان الخضر قبل نوح لركب معه في السفينة ولم ينقل هذا أحد الوجه الرابع أنه قد اتفق العلماء أن نوحا لما نزل من السفينة مات من كان معه ثم مات نسلهم ولم يبق غير نسل نوح والدليل على هذا قوله تعالى ^ وجعلنا ذريته هم الباقين ^ وهذا يبطل قول من قال إنه كان قبل نوح والوجه الخامس أن هذا لو كان صحيحا أن بشرا من بني آدم يعيش من حين يولد إلى آخر الدهر ومولده قبل نوح لكان هذا من أعظم الآيات والعجائب وكان خبره في القرآن مذكورا في غير موضع لأنه من أعظم آيات الربوبية وقد ذكر الله سبحانه وتعالى من أحياه ألف سنة إلا خمسين عاما وجعله آية فكيف بمن أحياه إلى آخر الدهر ولهذا قال بعض أهل العلم ما ألقى هذا بين الناس إلا شيطان والوجه السادس أن القول بحياة الخضر قول على الله بلا علم وذلك حرام بنص القرآن أما المقدمة الثانية فظاهره وأما الأولى فإن حياته لو كانت ثابتة لدل عليها القرآن أو السنة أو إجماع الأمة فهذا كتاب الله تعالى فأين فيه حياة الخضر وهذه سنة رسول الله ﷺ فأين فيها ما يدل على ذلك بوجه وهؤلاء علماء الأمة هل أجمعوا على حياته الوجه السابع أن غاية ما يتمسك به من ذهب إلى حياته حكايات منقولة يخبر الرجل بها أنه رأى الخضر فيا لله العجب هل للخضر علامة يعرفه بها من رآه وكثير من هؤلاء يغتر بقوله أنا الخضر ومعلوم أنه لا يجوز تصديق قائل ذلك بلا برهان من الله فأين للرائي أن المخبر له صادق لا يكذب الوجه الثامن أن الخضر فارق موسى بن عمران كليم الرحمن ولم يصاحبه وقال له ^ هذا فراق بيني وبينك ^ فكيف يرضى لنفسه بمفارقته لمثل موسى ثم يجتمع بجهلة العباد الخارجين عن الشريعة الذين لا يحضرون جمعة ولا جماعة ولا مجلس علم ولا يعرفون من الشريعة شيئا وكل منهم يقول قال الخضر وجاءني الخضر وأوصاني الخضر فيا عجبا له يفارق كليم الله تعالى ويدور على صحبة الجهال ومن لا يعرف كيف يتوضأ ولا كيف يصلي الوجه التاسع أن الأمة مجمعة على أن الذي يقول أنا الخضر لو قال سمعت رسول الله ﷺ يقول كذا وكذا لم يلتفت إلى قوله ولم يحتج به في الدين إلا أن يقال إنه لم يأت إلى رسول الله ﷺ ولا بايعه أو يقول هذا الجاهل إنه لم يرسل إليه وفي هذا من الكفر ما فيه الوجه العاشر أنه لو كان حيا لكان جهاده الكفار ورباطه في سبيل الله ومقامه في الصف ساعة وحضوره الجمعة والجماعة وتعليمه العلم أفضل له بكثير من سياحته بين الوحوش في القفار والفلوات وهل هذا إلا من أعظم الطعن عليه والعيب له
فصل 17

ومنها 12 أن يكون الحديث مما تقوم الشواهد الصحيحة على بطلانه 135 كحديث عوج بن عنق الطويل الذي قصد واضعه الطعن في أخبار الأنبياء فإنهم يجترون على هذه الأخبار فإن في هذا الحديث أن طوله كان ثلاثة آلاف ذراع وثلاث مئة وثلاثة وثلاثين وثلثا وأن نوحا لما خوفه الغرق قال له احملني في قصعتك هذه وأن الطوفان لم يصل إلى كعبه وأنه خاض البحر فوصل إلى حجزته وأنه كان يأخذ الحوت من قرار البحر فيشويه في عين الشمس وأنه قلع صخرة عظيمة على قدر عسكر موسى وأراد أن يرميهم بها فقورها الله في عنقه مثل الطوق وليس العجب من جرأة مثل هذا الكذاب على الله إنما العجب ممن يدخل هذا الحديث في كتب العلم من التفسير وغيره ولا يبين أمره وهذا عندهم ليس من ذرية نوح وقد قال الله تعالى ^ وجعلنا ذريته هم الباقين ^ فأخبر أن كل من بقي على وجه الأرض فهو من ذرية نوح فلو كان لعوج هذا وجود لم يبق بعد نوح 136 وأيضا فإن النبي ﷺ قال خلق الله آدم وطوله في السماء ستون ذراعا فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن وأيضا فإن بين السماء والأرض مسيرة خمس مئة عام وسمكها كذلك وإذا كانت الشمس في السماء الرابعة فبيننا وبينها هذه المسافة العظيمة فكيف يصل إليها من طوله ثلاثة آلاف ذراع حتى يشوي في عينها الحوت ولا ريب أن هذا وأمثاله من وضع زنادقة أهل الكتاب الذين قصدوا السخرية والاستهزاء بالرسل وأتباعهم

137 ومن هذا حديث إن قاف جبل من زبرجدة خضراء تحيط بالدنيا كإحاطة الحائط بالبستان والسماء واضعة أكنافها عليه فزرقتها منه وهذا وأمثاله مما يزيد الفلاسفة وأمثالهم كفرا 138 ومن هذا حديث إن الأرض على صخرة والصخرة على قرن ثور فإذا حرك الثور قرنه تحركت الصخرة فتحركت الأرض وهي الزلزلة والعجب من مسود كتبه بهذه الهذيانات 139 ومن هذا حديث كانت جنية تأتي النبي ﷺ فأبطأت عليه فقال ما أبطأ بك قالت مات لها ميت بالهند فذهبت في تعزيته فرأيت في طريقي إبليس يصلي على صخرة فقلت له ما حملك على أن أضللت بني آدم فقال دعي هذا عنك قلت تصلي وأنت أنت قال يا فارغة إني لأرجو من ربي إذا بر قسمه أن يغفر لي فما رأيت رسول الله ﷺ ضحك مثل ذلك اليوم قال ابن عدي في الكامل حدثنا عبد المؤمن بن أحمد حدثنا منقر ابن الحكم حدثنا ابن لهيعة عن أبيه عن أبي الزبير عن جابر فذكره والله تعالى أعلم بما دس في كتب ابن لهيعة وإلا فهو أعلم بالحديث من أن يروج عليه مثل هذا الهذيان 140 ومن هذا حديث هامة بن الهيم بن لا قيس بن إبليس الحديث الطويل ونحوه 141 وحديث زريب بن برثملا قال ابن الجوزي حديث زريب بن برثملا باطل



فصل 18

142 ومنها 13 مخالفة الحديث صريح القرآن كحديث مقدار الدنيا وأنها سبعة آلاف سنة ونحن في الألف السابعة وهذا من أبين الكذب لأنه لو كان صحيحا لكان كل أحد عالما أنه قد بقي للقيامة من وقتنا هذا مئتان وأحد وخمسون سنة والله تعالى يقول ^ يسألونك عن الساعة أيان مرساها قال إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قال إنما علمها عند الله ^ وقال الله تعالى ^ إن الله عنده علم الساعة ^ 143 وقال النبي ﷺ لا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله

144 وقد جاهر بالكذب بعض من يدعي في زماننا العلم وهو يتشبع بما لم يعط أن رسول الله ﷺ كان يعلم متى تقوم الساعة قيل له فقد قال في حديث جبريل ما المسؤول عنها بأعلم من السائل فحرفه عن موضعه وقال معناه أنا وأنت نعلمها 145 وهذا من أعظم الجهل وأقبح التحريف والنبي ﷺ أعلم بالله من أن يقول لمن كان يظنه أعرابيا أنا وأنت نعلم الساعة إلا أن يقول هذا الجاهل إنه كان يعرف أنه جبريل ورسول الله ﷺ هو الصادق في قوله والذي نفسي بيده ما جاءني في صورة إلا عرفته غير هذه الصورة 146 وفي اللفظ الآخر ما شبه علي غير هذه المرة

147 وفي اللفظ الآخر ردوا على الأعرابي فذهبوا فالتمسوا فلم يجدوا شيئا 148 وإنما علم النبي ﷺ أنه جبريل بعد مدة كما قال عمر فلبثت مليا ثم قال النبي ﷺ يا عمر أتدري من السائل والمحرف يقول علم وقت السؤال أنه جبريل ولم يخبر الصحابة بذلك إلا بعد مدة 149 ثم قوله في الحديث ما المسؤول عنها بأعلم من السائل يعم كل سائل ومسؤول فكل سائل ومسؤول عن هذه الساعة شأنهما كذلك ولكن هؤلاء الغلاة عندهم أن علم رسول الله ﷺ منطبق على علم الله سواء بسواء فكل ما يعلمه الله يعلمه رسول الله ﷺ والله تعالى يقول ^ وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم ^ وهذا في براءة وهو في أواخر براءة وهي من أواخر ما نزل من القرآن هذا والمنافقون جيرانه في المدينة 150 ومن هذا حديث عقد عائشة رضي الله عنها لما أرسل في طلبه فأثاروا الجمل فوجدوه 151 ومن هذا حديث تلقيح النخل وقال ما أرى لو تركتموه يضره شيء فتركوه فجار شيصا فقال أنتم أعلم بدنياكم وقد قال الله تعالى ^ قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ^ وقال ^ ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير ^ ولما جرى لأم المؤمنين عائشة ما جرى ورماها أهل الإفك بما رموها به لم يكن ﷺ يعلم حقيقة الأمر حتى جاءه الوحي من الله ببراءتها وعند هؤلاء الغلاة أنه عليه الصلاة والسلام كان يعلم الحال على حقيقته بلا ريبة واستشار الناس في فراقها ودعا الجارية فسألها وهو يعلم الحال وقال لها إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وهو يعلم علما يقينا أنها لم تلم بذنب ولا ريب أن الحامل لهؤلاء على هذا اللغو إنما هو اعتقادهم أنه يكفر عنهم سيئاتهم ويدخلهم الجنة وكلما غلوا وزادوا غلوا فيه كانوا أقرب إليه وأخص به فهم أعصى الناس لأمره وأشدهم مخالفة لسنته وهؤلاء فيهم شبه ظاهر من النصارى الذين غلوا في المسيح أعظم الغلو وخالفوا شرعه ودينه أعظم المخالفة والمقصود أن هؤلاء يصدقون بالأحاديث المكذوبة الصريحة ويحرفون الأحاديث الصحيحة عن مواضعها لترويج معتقداتهم



فصل 19

153 ويشبه هذا ما وقع فيه الغلط من حديث أبي هريرة خلق الله التربة يوم السبت الحديث وهو في صحيح مسلم ولكن وقع الغلط في رفعه وإنما هو من قول كعب الأحبار كذلك قال إمام أهل الحديث محمد بن إسماعيل البخاري في تاريخه الكبير وقاله غيره من علماء المسلمين أيضا وهو كما قالوا لأن الله أخبر أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وهذا الحديث يقتضي أن مدة التخليق سبعة أيام والله تعالى أعلم
فصل 20

154 ومن ذلك الحديث الذي يروى في الصخرة أنها عرش الله الأدنى تعالى الله عن كذب المفترين 155 ولما سمع عروة بن الزبير هذا قال سبحان الله يقول الله تعالى ^ وسع كرسيه السموات والأرض ^ وتكون الصخرة عرشه الأدنى

156 وكل حديث في الصخرة فهو كذب مفترى والقدم الذي فيها كذب موضوع مما عملته أيدي المزورين الذين يروجون لها ليكثر سواد الزائرين

157 وأرفع شيء في الصخرة أنها كانت قبلة اليهود وهي في المكان كيوم السبت في الزمان أبدل الله بها هذه الأمة المحمدية الكعبة البيت الحرام 158 ولما أراد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يبني المسجد الأقصى استشار الناس هل يجعله أمام الصخرة أو خلفها فقال له كعب يا أمير المؤمنين ابنه خلف الصخرة فقال يا ابن اليهودية خالطتك اليهودية بل أبنيه أمام الصخرة حتى لا يستقبلها المصلون فبناه حيث هو اليوم

159 وقد أكثر الكذابون من الوضع في فضائلها وفضائل بيت المقدس والذي صح في فضله قوله ﷺ لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا وهو في الصحيحين

160 وقوله من حديث أبي ذر وقد سأل رسول الله ﷺ أي مسجد وضع في الأرض أول فقال المسجد الحرام قال ثم أي قال المسجد الأقصى الحديث وهو متفق عليه 161 وحديث عبد الله بن عمرو لما بنى سليمان البيت سأل ربه ثلاث مسائل حكما يصادف حكمه فأعطاه إياه وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه وسأله أن لا يؤم أحد هذا البيت لا يريد إلا الصلاة فيه إلا رجع من خطيئته كيوم ولدته أمه وأنا أرجو أن يكون قد أعطاه ذلك وهو في مسند أحمد وصحيح الحاكم 162 وفي الباب حديث رابع دون هذه الأحاديث رواه ابن ماجة في سننه وهو حديث مضطرب إن الصلاة فيه بخمسين ألف صلاة وهذا محال لأن مسجد رسول الله ﷺ أفضل منه والصلاة فيه تفضل على غيره بألف صلاة

163 وقد روي في بيت المقدس التفضيل بخمس مئة وهو أشبه 164 وصح أنه ﷺ أسري به إليه وأنه صلى فيه وأم المرسلين في تلك الصلاة وربط البراق بحلقة الباب وعرج به منه

165 وصح عنه أن المؤمنين يتحصنون به من يأجوج ومأجوج فهذا مجموع ماصح فيه من الأحاديث ثم افتتح الكذاب الجراب وأكمل الأحاديث المكذوبة فيه وفي الخليل فقبح الله الكاذبين على الله وعلى رسول الله ﷺ والمحرفين للصحيح من كلامه فيالله من للأمة من هاتين الطائفتين
فصل 21

166 ومنها 14 أحاديث صلوات الأيام والليالي كصلاة يوم الأحد وليلة الأحد ويوم الإثنين وليلة الإثنين إلى آخر الأسبوع كل أحاديثها كذب وقد تقدم بعض ذلك 167 وكذلك أحاديث صلاة الرغائب ليلة أول جمعة من رجب كلها كذب مختلق على رسول الله ﷺ 168 وأمثلها ما رواه عبد الرحمن بن منده وهو صدوق عن ابن جهضم وهو واضع الحديث حدثنا علي بن محمد بن سعيد البصري حدثنا أبي حدثنا خلف بن عبد الله الصنعاني عن حميد الطويل عن أنس يرفعه رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي الحديث 169 وفيه لا تغفلوا عن أول جمعة من رجب فإنها ليلة تسميها الملائكة الرغائب وذكر الحديث المكذوب بطوله قال ابن الجوزي اتهموا به ابن جهضم ونسبوه إلى الكذب وسمعت عبد الوهاب الحافظ يقول رجاله مجهولون فتشت عليهم جميع الكتب فما وجدتهم قال بعض الحفاظ بل لعلهم لم يخلقوا

170 وكل حديث في ذكر صوم رجب وصلاة بعض الليالي فيه فهو كذب مفترى كحديث من صلى بعد المغرب أول ليلة من رجب عشرين ركعة جاز على الصراط بلا حساب

171 وحديث من صام يوما من رجب وصلى أربع ركعات يقرأ في أول ركعة مئة مرة آية الكرسي وفي الثانية مئة مرة ^ قل هو الله أحد ^ لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة 172 وحديث من صام من رجب كذا وكذا الجميع كذب مختلق 173 وأقرب ما جاء فيه ما رواه ابن ماجه في سننه أن رسول الله ﷺ نهى عن صيام رجب
فصل 22

174 ومنها 15 أحاديث صلاة ليلة النصف من شعبان 175 كحديث يا علي من صلى ليلة النصف من شعبان مئة ركعة بألف ^ قل هو الله أحد ^ قضى الله له كل حاجة طلبها تلك الليلة وساق جزافات كثيرة وأعطي سبعين ألف حوراء لكل حوراء سبعون ألف غلام وسبعون ألف ولدان إلى أن قال ويشفع والداه كل واحد منهما في سبعين ألفا. والعجب ممن شم رائحة العلم بالسنن أن يغتر بمثل هذا الهذيان ويصليها وهذه الصلاة وضعت في الإسلام بعد الأربع مئة ونشأت من بيت المقدس فوضع لها عدة أحاديث 176 منها من قرأ ليلة النصف من شعبان ألف مرة ^ قل هو الله أحد ^ في مئة ركعة الحديث بطوله وفيه بعث الله إليه مئة ملك يبشرونه 177 وحديث من صلى ليلة النصف من شعبان ثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة ثلاثين مرة ^ قل هو الله أحد ^ شفع في عشرة من أهل بيته قد استوجبوا النار وغير ذلك من الأحاديث التي لا يصح منها شيء
فصل 23

ومنها 16 ركاكة ألفاظ الحديث وسماجتها بحيث يمجها السمع ويدفعها الطبع ويسمج معناها للفطن 178 كحديث أربع لا تشبع من أربع أنثى من ذكر وأرض من مطر وعين من نظر وأذن من خبر

179 وحديث ارحموا عزيز قوم ذل وغني قوم افتقر وعالما يتلاعب به الصبيان 180 وحديث ذم الحاكة والأساكفة والصواغين أو صنعة من الصنائع المباحة كذب على رسول الله ﷺ إذ لا يذم الله ورسوله الصنائع المباحة 181 ومن ذلك حديث من فارق الدنيا وهو سكران دخل القبر سكران وبعث من قبره سكران وأمر به إلى النار سكران إلى جبل يقال له سكران 182 وحديث إن لله ملكا اسمه عمارة على فرس من حجارة الياقوت طوله مد بصره يدور في البلدان ويقف في الأسواق فينادي ألا ليغل كذا وكذا ألا ليرخص كذا وكذا

183 وحديث إن لله ملكا من حجارة يقال له عمارة ينزل على حمار من حجارة كل يوم فيسعر الأسعار ثم يعرج
فصل 24

184 ومنها 17 أحاديث ذم الحبشة والسودان كلها كذب 185 كحديث الزنجي إذا شبع زنى وإذا جاع سرق 186 وحديث إياكم والزنجي فإنه خلق مشوه 187 وحديث دعوني من السودان إنما الأسود لبطنه وفرجه 188 وحديث رأى طعاما فقال لمن هذا قال العباس للحبشة أطعمهم قال لا تفعل إنهم إن جاعوا سرقوا وإن شبعوا زنوا
فصل 25

189 ومنها 18 أحاديث ذم الترك وأحاديث ذم الخصيان وأحاديث ذم المماليك 190 كحديث لو علم الله في الخصيان خيرا لأخرج من أصلابهم ذرية يعبدون الله 191 وحديث شر المال في آخر الزمان المماليك
فصل 26

192 ومنها 19 ما يقترن بالحديث من القرائن التي يعلم بها أنه باطل 193 مثل حديث وضع الجزية عن أهل خيبر وهذا كذب من عدة وجوه أحدها أنه فيه شهادة سعد بن معاذ وسعد قد توفي قبل ذلك في غزوة الخندق ثانيها أن فيه وكتب معاوية بن أبي سفيان هكذا ومعاوية إنما أسلم زمن الفتح وكان من الطلقاء ثالثها أن الجزية لم تكن نزلت حينئذ ولا يعرفها الصحابة ولا العرب وإنما انزلت بعد عام تبوك وحينئذ وضعها النبي ﷺ على نصارى نجران ويهود اليمن ولم تؤخذ من يهود المدينة لأنهم وادعوه قبل نزولها ثم قتل من قتل منهم وأجلى بقيتهم إلى خيبر و إلى الشام وصالحه أهل خيبر قبل فرض الجزية فلما نزلت آية الجزية استقر الأمر على ما كان عليه وابتدأ ضربها على من لم يتقدم له معه صلح فمن هاهنا وقعت الشبهة في أهل خيبر رابعها أن فيه وضع عنهم الكلف والسخر ولم يكن في زمانه كلف ولا سخر ولا مكوس خامسها أنه لم يجعل لهم عهدا لازما بل قال نقركم ما شئنا فكيف يضع عنهم الجزية التي يصير لأهل الذمة بها عهد لازم مؤبد ثم لا يثبت لهم أمانا لازما مؤبدا سادسها أن مثل هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله فكيف يكون قد وقع ولا يكون علمه عند حملة السنة من الصحابة والتابعين وأئمة الحديث وينفرد بعلمه ونقله اليهود سابعها أن أهل خيبر لم يتقدم لهم من الإحسان ما يوجب وضع الجزية عنهم فإنهم حاربوا الله ورسوله وقاتلوه وقاتلوا أصحابه وسلوا السيوف في وجوههم وسموا النبي ﷺ وآووا أعداءه المحاربين له المحرضين على قتاله فمن أين يقع هذا الاعتناء بهم وإسقاط هذا الفرض الذي جعله الله عقوبة لمن لم يدن منهم بدين الإسلام ثامنها أن النبي ﷺ لم يسقطها عن الأبعدين مع عدم معاداتهم له كأهل اليمن وأهل نجران فكيف يضعها عن جيرانه الأدنين مع شدة معاداتهم له وكفرهم وعنادهم ومن المعلوم أنه كلما اشتد كفر الطائفة وتغلظت عداوتهم كانوا أحق بالعقوبة لا بإسقاط الجزية تاسعها أن النبي ﷺ لو أسقط عنهم الجزية كما ذكروا لكانوا من أحسن الكفار حالا ولم يحسن بعد ذلك أن يشترط لهم إخراجهم من أرضهم وبلادهم متى شاء فإن أهل الذمة الذين يقرون بالجزية لا يجوز إخراجهم من أرضهم وديارهم ما داموا ملتزمين لأحكام الذمة فكيف إذا روعي جانبهم بإسقاط الجزية وأعفوا من الصغار الذي يلحقهم بأدائها فأي صغار بعد ذلك أعظم من نفيهم من بلادهم وتشتيتهم في أرض الغربة فكيف يجتمع هذا وهذا عاشرها أن هذا لو كان حقا لما اجتمع أصحاب رسول الله ﷺ والتابعون والفقهاء كلهم على خلافه وليس في الصحابة رجل واحد قال لا تجب الجزية على الخيبرية لا في التابعين ولا في الفقهاء بل قالوا أهل خيبر وغيرهم في الجزية سواء وعرضوا بهذا الكتاب المكذوب وقد صرحوا بأنه كذب كما ذكر ذلك الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والقاضي أبو يعلى وغيرهم وذكر الخطيب البغدادي هذا الكتاب وبين أنه كذب من عدة وجوه وأحضر هذا الكتاب بين يدي شيخ الإسلام وحوله اليهود يزفونه ويجلونه وقد غشي بالحرير والديباج فلما فتحه وتأمله بزق عليه وقال هذا كذب من عدة أوجه وذكرها فقاموا من عنده بالذل والصغار



فصل 27 في ذكر جوامع وضوابط كلية في هذا الباب

194 فمنها أحاديث الحمام بالتخفيف لا يصح منها شيء 195 ومنها حديث كان يعجبه النظر إلى الحمام 196 وحديث كان يحب النظر إلى الخضرة والأترج والحمام الأحمر 197 وحديث شكا رجل إلى رسول الله ﷺ الوحدة فقال له لو اتخذت زوجا من حمام فآنسك وأصبت من فراخه 198 وحديث اتخذوا الحمام المقاصيص فإنها تلهي الجن عن صبيانكم 199 وحديث لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر أو جناح من وضع الكذاب وهب بن وهب البختري

200 وقال زكريا بن يحيى الساجي بلغني أن أبا البختري دخل على الرشيد وهو يطير الحمام فقال هل تحفظ في هذا شيئا فقال حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي ﷺ كان يطير الحمام فقال الرشيد اخرج عني ثم قال لولا أنه رجل من قريش لعزلته يعني من القضاء 201 وهو الذي دخل على المهدي فوجده يلعب بالحمام فروى له لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر أو جناح فلما خرج قال أشهد أن قفاك قفا كذاب على رسول الله ﷺ ثم لم يدع الحمام لتسببهن في كذب هذا على رسول الله ﷺ 202 وأرفع شيء جاء فيها إنه رأى رجلا يتبع حمامة فقال شيطان يتبع شيطانة



فصل 28

203 ومنها أحاديث اتخاذ الدجاج وليس فيها حديث صحيح 204 كحديث الدجاج غنم فقراء أمتي 205 وحديث أمر الأغنياء باتخاذ الغنم وأمر الفقراء باتخاذ الدجاج

206 ومنها أحاديث ذم الأولاد كلها كذب من أولها إلى آخرها 207 كحديث لو يربي أحدكم بعد الستين ومئة جرو كلب خير له من أن يربي ولدا 208 وحديث إذا كان الولد غيظا والمطر قيظا 209 وحديث لا يولد بعد المئة مولود ولله فيه حاجة



فصل 30

210 ومنها أحاديث التواريخ المستقبلة وقد تقدمت الإشارة إليها 211 وهي كل حديث فيه إذا كانت سنة كذا وكذا حل كذا وكذا 212 كحديث يكون في رمضان هدة توقظ النائم وتقعد القائم وتخرج العواتق من خدورها وفي شوال همهمة وفي ذي القعدة تمييز القبائل بعضها إلى بعض وفي ذي الحجة تراق الدماء 213 وحديث يكون صوت في رمضان إذا كانت ليلة النصف منه ليلة الجمعة يصعق له سبعون ألفا ويصم سبعون ألفا 214 وحديث عند رأس مئة يبعث الله ريحا باردة يقبض الله فيها روح كل مؤمن 215 وحديث إذا كانت سنة ثلاثين ومئة كان الغرباء قرآن في جوف ظالم ومصحف في بيت قوم لا يقرأ فيه ورجل صالح بين قوم سوء 216 وحديث إذا كانت سنة خمس وثلاثين ومئة خرجت شياطين حبسهم سليمان بن داود في جزائر البحر فذهب منهم تسعة أعشارهم إلى العراق يجادلونهم بالقرآن وعشر بالشام

217 وحديث إذا كانت سنة خمسين ومئة فخير أولادكم البنات 218 وحديث إذا كانت سنة ستين ومئة كان كذا وكذا 219 وحديث أنا وأصحابي أهل إيمان وعمل إلى أربعين وأهل بر وتقوى إلى الثمانين وأهل تواصل وتراحم إلى العشرين ومئة وأهل تقاطع وتدابر إلى الستين ومئة ثم الهرج الهرج الهرب الهرب 220 وحديث الآيات بعد المئتين 221 وحديث إذا أتت على أمتي ثلاث مئة وثمانون سنة فقد حلت لهم العزبة والترهب على رؤوس الجبال
فصل 31

222 ومنها أحاديث الاكتحال يوم عاشوراء والتزين والتوسعة والصلاة فيه وغير ذلك من فضائل لا يصح منها شيء ولا حديث واحد و لا يثبت عن النبي ﷺ فيه شيء غير أحاديث صيامه وما عداها فباطل 223 وأمثل ما فيها من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته قال الإمام أحمد لا يصح هذا الحديث

224 وأما حديث الاكتحال والادهان والتطيب فمن وضع الكذابين وقابلهم آخرون فاتخذوه يوم تألم وحزن والطائفتان مبتدعتان خارجتان عن السنة وأهل السنة يفعلون فيه ما أمر به النبي ﷺ من الصوم ويجتنبون ما أمر به الشيطان من البدع



فصل 32

225 ومنها ذكر فضائل السور وثواب من قرأ سورة كذا فله أجر كذا من أول القرآن إلى آخره كما ذكر ذلك الثعلبي والواحدي في أول كل سورة والزمخشري في آخرها قال عبد الله بن المبارك أظن الزنادقة وضعوها 226 و الذي صح في أحاديث السور حديث فاتحة الكتاب وأنه لم ينزل في التوراة و لا في الإنجيل ولا في الزبور مثلها

227 وحديث البقرة وآل عمران أنهما الزهراوان 228 وحديث آية الكرسي وأنها سيدة آي القرآن 229 وحديث الآيتين من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه 230 وحديث سورة البقرة لا تقرأ في بيت فيقربه شيطان 231 وحديث العشر آيات من أول سورة الكهف من قرأها عصم من فتنة الدجال 232 وحديث قل هو الله أحد وأنها تعدل ثلث القرآن ولم يصح في فضائل سورة ما صح فيها 233 وحديث المعوذتين وأنه ما تعوذ المتعوذون بمثلهما 234 وقوله ﷺ أنزل علي آيات لم ير مثلهن ثم قرأهما 235 ويلي هذه الأحاديث وهو دونها في الصحة حديث إذا زلزلت تعدل نصف القرآن 236 وحديث قل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن 237 وحديث تبارك الذي بيده الملك هي المنجية من عذاب القبر 238 ثم سائر الأحاديث بعد كقوله من قرأ سورة كذا أعطي ثواب كذا فموضوعه على رسوله ﷺ وقد اعترف بوضعها واضعها وقال قصدت أن أشغل الناس بالقرآن عن غيره وقال بعض جهلاء الوضاعين في هذا النوع نحن نكذب لرسول الله ﷺ ولا نكذب عليه ولم يعلم هذا الجاهل أنه من قال عليه ما لم يقل فقد كذب عليه واستحق الوعيد الشديد



فصل 33

ومما وضعه جهلة المنتسبين إلى السنة في فضائل الصديق رضي الله عنه 239 حديث إن الله يتجلى للناس عامة يوم القيامة ولأبي بكر خاصة 240 وحديث ما صب الله في صدري شيئا إلا صببته في صدر أبي بكر 241 وحديث كان إذا اشتاق إلى الجنة قبل شيبة أبي بكر 242 وحديث أنا وأبو بكر كفرسي رهان 243 وحديث إن الله لما اختار الأرواح اختار روح أبي بكر 244 وحديث عمر كان رسول الله ﷺ وأبو بكر يتحدثان وكنت كالزنجي بينهما 245 وحديث لو حدثتكم بفضائل عمر عمر نوح في قيومه ما فنيت وإن عمر حسنة من حسنات أبي بكر 246 وحديث ما سبقكم أبو بكر بكثرة صوم ولا صلاة إنما سبقكم بشيء وقر في صدره وهذا من كلام أبي بكر بن عياش



فصل 34

247 وأما ما وضعه الرافضة في فضائل علي فأكثر من أن يعد قال الحافظ أبو يعلى الخليلي في كتاب الإرشاد وضعت الرافضة في فضائل علي رضي الله عنه وأهل البيت نحو ثلاث مئة ألف حديث ولا تستبعد هذا فإنك لو تتبعت ما عندهم من ذلك لوجدت الأمر كما قال
فصل 35

248 ومن ذلك ما وضعه بعض جهلة أهل السنة في فضائل معاوية ابن أبي سفيان قال إسحاق بن راهوية لا يصح في فضائل معاوية بن أبي سفيان عن النبي ﷺ شيء قلت ومراده ومراد من قال ذلك من أهل الحديث أنه لم يصح حديث في مناقبه بخصوصه وإلا فما صح عندهم في مناقب الصحابة على العموم ومناقب قريش فمعاوية رضي الله عنه داخل فيه
فصل 36

249 ومن ذلك ما وضعه الكذابون في مناقب أبي حنيفة والشافعي على التنصيص على اسميهما 250 و ما وضعه الكذابون أيضا في ذمهما عن رسول الله ﷺ وما يروى من ذلك كله كذب مختلق
فصل 37

251 ومن ذلك الأحاديث في ذم معاوية 252 وكل حديث في ذمه فهو كذب 253 وكل حديث في ذم عمرو بن العاص فهو كذب 254 وكل حديث في ذم بني أمية فهو كذب 255 وكل حديث في مدح المنصور والسفاح والرشيد فهو كذب 256 وكل حديث في مدح بغداد أو ذمها والبصرة والكوفة ومرو وعسقلان والإسكندرية ونصيبين وأنطاكية فهو كذب 257 وكل حديث في تحريم ولد العباس على النار فهو كذب 258 وكذا كل حديث في ذكر الخلافة في ولد العباس فهو كذب 259 وكل حديث في مدح أهل خراسان الخارجين مع عبد الله بن علي ولد العباس فهو كذب 260 وكل حديث فيه أن مدينة كذا وكذا من مدن الجنة أو من مدن النار فهو كذب 261 وحديث عدد الخلفاء من ولد العباس كذب 262 وكذلك أحاديث ذم الوليد وذم مروان بن الحكم 263 وحديث ذم أبي موسى من أقبح الكذب

264 وحديث نظر رسول الله ﷺ إلى معاوية وعمرو بن العاص فقال اللهم اركسهما في الفتنة ركسا ودعهما إلى النار دعا كذب مختلق



فصل 38

266 وكل حديث فيه أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص فكذب مختلق 267 وقابل من وضعها طائفة أخرى فوضعوا أحاديث على رسول الله ﷺ أنه قال الإيمان يزيد وينقص وهذا كلام صحيح وهو إجماع السلف حكاه الشافعي وغيره ولكن هذا اللفظ كذب على رسول الله ﷺ وهذا مثل إجماع الصحابة والتابعين وجميع أهل السنة وأئمة الفقه على أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق وليست هذه الألفاظ حديثا عن رسول الله ﷺ ومن روى ذلك عنه فقد غلط
فصل 39

268 وكل حديث في التنشيف بعد الوضوء فإنه لا يصح

269 وكذا حديث مسح الرقبة في الوضوء باطل 270 وأحاديث الذكر على أعضاء الوضوء كلها باطل ليس فيها شيء يصح 271 وأقرب ما روي منها أحاديث التسمية على الوضوء وقد قال الإمام أحمد لا يثبت في التسمية على الوضوء حديث انتهى ولكنها أحاديث حسان

272 وكذلك حديث التشهد بعد الفراغ من الوضوء وقول المتوضيء أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين

273 وفي حديث آخر رواه بقي بن مخلد في مسنده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك فهذا الذكر بعده والتسمية قبله هو الذي رواه أهل السنن والمسانيد 274 وأما الحديث الموضوع في الذكر على كل عضو فباطل
فصل 40

275 وكذلك تقدير أقل الحيض بثلاثة أيام وأكثره بعشرة ليس فيها شيء صحيح بل كله باطل 276 وكذلك حديث لا صلاة لمن عليه صلاة قال إبراهيم الحربي سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال لا أعرفه قال الحربي ولا سمعت أنا بهذا في حديث رسول الله ﷺ



فصل 41

277 ومن الأحاديث الباطلة حديث من بشرني بخروج نيسان ضمنت له على الله الجنة 278 وحديث من آذى ذميا فقد آذاني

279 وحديث يوم صومكم يوم فطركم يوم رأس سنتكم 280 وحديث وللسائل حق وإن جاء على فرس قال الإمام أحمد أربعة أحاديث تدور في الأسواق لا أصل لها عن رسول الله ﷺ فذكر هذه الأحاديث الأربعة

281 ومن ذلك حديث لولا كذب السائل ما أفلح من رده قال العقيلي ليس في هذا الباب شيء يثبت عن النبي ﷺ 282 ومن ذلك حديث طلب الخير من الرحماء ومن حسان الوجوه قال العقيلي ليس في هذا الباب شيء يثبت عن النبي ﷺ

283 ومن ذلك أحاديث التحذير من التبرم بحوائج الناس ليس فيها شيء صحيح قال العقيلي وقد روي في هذا الباب أحاديث ليس فيها شيء يثبت 284 وكذلك حديث السخي قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنة والبخيل عكسه قال الدارقطني لهذا الحديث طرق لا يثبت منها شيء بوجه



فصل 42

285 ومن ذلك أحاديث اتخاذ السراري كحديث اتخذوا السراري فإنهن مباركات الأرحام قال العقيلي لا يصح في السراري عن النبي ﷺ شيء 286 ومن هذا أحاديث مدح العزوبة كلها باطل 287 ومن ذلك أحاديث النهي عن قطع السدر قال العقيلي لا يصح في قطع السدر شيء وقال أحمد ليس فيه حديث صحيح

288 ومن ذلك ما تقدمت الإشارة إلى بعضه أحاديث مدح العدس والأرز والباقلاء والباذنجان والرمان والزبيب والهندباء والكراث والبطيخ والجزر والجبن والهريسة وفيها جزء كله كذب من أوله إلى آخره 289 وأقرب ما جاء فيها حديث أفضل طعام الدنيا والآخرة اللحم وقال العقيلي لا يصح في هذا المتن عن النبي ﷺ شيء

290 ومن هذا حديث النهي عن قطع اللحم بالسكين وأنه من صنع الأعاجم قال الإمام أحمد ليس بصحيح وقد كان رسول الله ﷺ يحتز من لحم الشاة ويأكل

291 ومن ذلك أحاديث النهي عن الأكل في السوق كلها باطلة قال العقيلي لا يثبت في هذا الباب شيء عن النبي ﷺ 292 ومن ذلك أحاديث البطيخ وفضله وفيه جزء قال الإمام أحمد لا يصح في فضل البطيخ شيء إلا أن رسول الله ﷺ كان يأكله
فصل 43

293 ومن ذلك أحاديث فضائل الأزهار كحديث فضل النرجس والورد والمرزنجوش والبنفسج والبان وكلها كذب 294 ومن ذلك أحاديث فضائل الديك كلها كذب إلا حديثا واحدا إذا سمعتم صياح الديكة فأسألو الله من فضله وقد تقدم ذلك



فصل 44

295 ومن ذلك أحاديث الحناء وفضله والثناء عليه وفيه جزء لا يصح منه شيء وأجود ما فيه حديث الترمذي أربع من سنن المرسلين السواك والطيب والحناء والنكاح وسمعت شيخنا أبا الحجاج المزي يقول هذا غلط من بعض الرواة وإنما هو الختان بالنون كذلك رواه المحاملي عن شيخه الترمذي قال والظاهر أن اللفظة وقعت في آخر السطر فسقطت منها النون فرواها بعضهم الحناء وبعضهم الحياء وإنما هو الختان

296 وصح حديث الخضاب بالحناء والكتم 297 ومن ذلك أحاديث التختم بالعقيق قال العقيلي لا يثبت في هذا شيء عن النبي ﷺ 298 ومن ذلك حديث النهي أن تقص الرؤيا على النساء قال العقيلي لا يحفظ من وجه يثبت



فصل 45

299 ومن ذلك أحاديث لا يدخل الجنة ولد زنا قال أبو الفرج ابن الجوزي وقد ورد في ذلك أحاديث ليس فيها شيء يصح وهي معارضة بقوله تعالى ^ ولا تزر وازرة وزر أخرى ^ قلت ليست معارضة بها إن صحت فإنه لم يحرم الجنة بفعل والديه بل لأن النطفة الخبيثة لا يتخلق منها طيب في الغالب ولا يدخل الجنة إلا نفس طيبة فإن كانت في هذا الجنس طيبة دخلت الجنة وكان الحديث من العام المخصوص 300 وقد ورد في ذمه أنه شر الثلاثة وهو حديث حسن ومعناه صحيح بهذا الاعتبار فإن شر الأبوين عارض وهذا نطفة خبيثة فشره في أصله وشر الأبوين من فعلهما



فصل 46

301 ومن ذلك حديث ليس لفاسق غيبة قال الدارقطني والخطيب قد روي من طرق وهو باطل 302 ومن ذلك أحاديث النهي عن سب البراغيث قال العقيلي لا يصح في البراغيث عن النبي ﷺ شيء 303 ومن ذلك أحاديث اللعب بالشطرنج إباحة وتحريما كلها كذب على رسول الله ﷺ وإنما يثبت فيه المنع عن الصحابة

304 ومن ذلك حديث لا تقتل المرأة إذا ارتدت قال الدارقطني لا يصح هذا الحديث عن النبي ﷺ 305 ومن ذلك حديث من أهديت إليه هدية وعنده جماعة فهم شركاؤه قال العقيلي لا يصح في هذا الباب شيء وقال البخاري في صحيحه باب من أهدي له هدية وعنده جلساؤه فهو أحق قال ويذكر عن ابن عباس أن جلساءه شركاؤه ولم يصح 306 ومن ذلك حديث أن عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا قال شيخنا لا يصح عن النبي ﷺ

307 ومن ذلك أحاديث الأبدال والأقطاب والأغواث والنقباء والنجباء والأوتاد كلها باطلة على رسول الله ﷺ 308 وأقرب ما فيها لا تسبوا أهل الشام فإن فيهم البدلاء كلما مات رجل منهم أبدل الله مكانه رجلا آخر ذكره أحمد ولا يصح أيضا فإنه منقطع
فصل 47

309 ومن ذلك أحاديث المنع من رفع اليدين في الصلاة عند الركوع والرفع منه كلها باطلة على رسول الله ﷺ لا يصح منها شيء 310 كحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إنما أصلي بكم صلاة رسول الله ﷺ قال فصلى فلم يرفع يديه إلا في أول مرة قال ابن المبارك قد ثبت حديث سالم عن أبيه يعني في الرفع ولم يثبت حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه

311 وكحديثه الآخر صليت مع رسول الله ﷺ وأبي بكر وعمر فلم يرفعوا إلا عند افتتاح الصلاة وهو منقطع لا يصح 312 وحديث يزيد بن أبي زياد عن ابن أبي ليلى عن البراء أن رسول الله ﷺ كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه ثم لا يعود قال الشافعي ذهب بعض الناس إلى تغليط يزيد وقال الإمام أحمد هذا حديث واه وقال يحيى ابن أبي زياد ضعيف الحديث وقال ابن عدي ليس بذاك وضعف هذا الحديث جمهور أهل الحديث وقالوا لا يصح 313 وحديث وكيع عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس وعن نافع عن ابن عمر قالا قال رسول الله ﷺ ترفع الأيدي في سبعة مواطن عند افتتاح الصلاة واستقبال البيت والصفا والمروة والموقفين والجمرتين لا يصح رفعه والصحيح وقفه على ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم 314 وحديث أورده البيهقي في الخلافيات من رواية عبد الله بن عون الخراز حدثنا مالك عن الزهري عن سالم عن ابن عمز أن النبي ﷺ كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ثم لا يعود ومن شم روائح الحديث على بعد شهد بالله أنه موضوع

315 وحديث عباد بن الزبير كان رسول الله ﷺ يرفع يديه في أول الصلاة ثم لم يرفعهما وهو موضوع 316 وحديث وضعه محمد بن عكاشة الكرماني عن أنس رضي الله عنه موقوفا من رفع يديه في الركوع فلا صلاة له قبح الله واضعه
فصل 48

317 ومن ذلك حديث إن الناس يوم القيامة يدعون بأمهاتهم لابآئهم هو باطل والأحاديث الصحيحة بخلافه قال البخاري في صحيحه باب ما يدعى الناس يوم القيامة بآبائهم ثم ذكر حديث ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة بقدر غدرته فيقال هذه غدرة فلان بن فلان وفي الباب أحاديث أخرى غير ذلك
فصل 49

318 ومن ذلك حديث حضر رسول الله ﷺ مجلسا للفقراء ورقص حتى شق قميصه فلعن الله واضعه ما أجرأه على الكذب السمج 319 وحديث لو أحسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه وهو من وضع المشركين عباد الأوثان

320 وحديث اتخذوا مع الفقراء أيادي فإن لهم دولة يوم القيامة وأي دولة 321 وحديث من عشق فعف فكتم فمات فهو شهيد موضوع على رسول الله ﷺ 322 وحديث من أكل مع مغفور له غفر له موضوع أيضا وغاية ما روي فيه أنه منام رآه بعض الناس 323 وحديث من قص أظفاره مخالفا لم ير في عينيه رمدا من أقبح الموضوعات 324 وحديث إذا دعت أحدكم أمه وهو في الصلاة فليجب وإذا دعاه أبوه فلا يجب يرويه عبد العزيز بن أبان القرشي الأموي قال البخاري تركوه وقال ابن معين وغيره كذاب روى أحاديث موضوعة 325 وحديث جابر في التشهد وفي أوله بسم الله التحيات لله يرويه حميد بن الربيع عن أبي عاصم عن ابن جريج عن أبي الزبير عنه قال ابن معين حميد هذا كذاب وقال النسائي ليس بشيء
فصل 50


326 وسئلت عن حديث لا مهدي إلا عيسى ابن مريم فكيف يأتلف هذا مع أحاديث المهدي وخروجه وما وجه الجمع بينهما وهل في المهدي حديث أم لا 327 فأما حديث لا مهدي إلا عيسى ابن مريم فرواه ابن ماجة في سننه عن يونس بن عبد الأعلى عن الشافعي عن محمد بن خالد الجندي عن أبان بن صالح عن الحسن عن أنس بن مالك عن النبي ﷺ وهو مما تفرد به محمد بن خالد قال أبو الحسين محمد بن الحسين الآبري في كتاب مناقب الشافعي محمد بن خالد هذا غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله ﷺ بذكر المهدي وأنه من أهل بيته وأنه يملك سبع سنين وأنه يؤم الأرض عدلا وأن عيسى يخرج فيساعده على قتل الدجال وأنه يؤم هذه الأمة ويصلي عيسى خلفه وقال البيهقي تفرد به محمد بن خالد هذا وقد قال الحاكم أبو عبد الله هو مجهول وقد اختلف عليه في إسناده فروي عنه عن أبان ابن أبي عياش عن الحسن مرسلا عن النبي ﷺ قال فرجع الحديث إلى رواية محمد بن خالد وهو مجهول عن أبان بن أبي عياش وهو متروك عن الحسن عن النبي ﷺ وهو منقطع والأحاديث على خروج المهدي أصح إسنادا 328 قلت كحديث عبد الله بن مسعود عن النبي ﷺ لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلا مني أو من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح قال وفي الباب عن علي وأبي سعيد وأم سلمة و أبي هريرة ثم روى حديث أبي هريرة وقال حسن صحيح انتهى وفي الباب عن حذيفة بن اليمان وأبي أمامة الباهلي وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمرو بن العاص وثوبان وأنس بن مالك وجابر وابن عباس وغيرهم

329 وفي سنن أبي داود عن علي رضي الله عنه انه نظر إلى ابنه الحسن فقال إن ابني هذا سيد كما سماه النبي ﷺ وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم ويشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق يملأ الأرض عدلا 330 وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ المهدي مني أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما يملك سبع سنين رواه أبو داود بإسناد جيد من حديث عمران بن داور العمي القطان عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد وروى الترمذي نحوه من وجه آخر عن أبي الصديق الناجي عنه 331 وروى أبو داود من حديث صالح بن أبي مريم أبي الخليل الضبعي عن صاحب له عن أم سلمة عن النبي ﷺ قال يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من أهل المدينة هاربا إلى مكة فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام ويبعث إليه بعث من الشام فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال الشام وعصائب أهل العراق فيبايعونه ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب فيبعث إليهم بعثا فيظهرون عليهم وذلك بعث كلب والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب فيقسم المال ويعمل في الناس بسنة نبيهم ويلقي الإسلام بجرانه في الأرض فيلبث سبع سنين ثم يتوفى ويصلى عليه المسلمون وفي رواية فيلبث تسع سنين ورواه الإمام أحمد باللفظين ورواه أبو داود من وجه آخر عن قتادة عن أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن أم سلمة نحوه ورواه أبو يعلى الموصلي في مسنده من حديث قتادة عن صالح أبي الخليل عن صاحب له وربما قال صالح عن مجاهد عن أم سلمة والحديث حسن ومثله مما يجوز أن يقال فيه صحيح 332 وقال ابن ماجة في سننه حدثنا حرملة بن يحيى المصري وإبراهيم بن سعيد الجوهري قالا حدثنا أبو صالح عبد الغفار بن داود الحراني حدثنا ابن لهيعة عن أبي زرعة عمرو بن جابر الحضرمي عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي قال قال رسول الله ﷺ يخرج ناس من أهل المشرق فيوطؤون للمهدي يعني سلطانه

333 وذكر أبو نعيم في كتاب المهدي من حديث حذيفة قال قال رسول الله ﷺ لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله فيه رجلا اسمه اسمي وخلقه خلقي يكنى أبا عبد الله ولكن في إسناده العباس بن بكار لا يحتج بحديثه وقد تقدم هذا المتن من حديث ابن مسعود وأبي هريرة وهما صحيحان 334 وقد قالت أم سلمة سمعت رسول الله ﷺ المهدي من عترتي من ولد فاطمة رواه أبو داود وابن ماجة وفي إسناده زياد بن بيان وثقة ابن حبان وقال ابن معين ليس به بأس وقال البخاري في إسناد حديثه نظر 335 وقال أبو نعيم حدثنا خلف بن أحمد بن العباس الرامهرمزي في كتابه حدثنا همام بن أحمد بن أيوب حدثنا طالوت بن عباد حدثنا سويد بن إبراهيم عن محمود بن عمر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه قال قال رسول الله ﷺ ليبعثن الله من عترتي رجلا أفرق الثنايا أجلى الجبهة يملأ الأرض عدلا يفيض المال في زمنه فيضا ولكن طالوت وشيخه ضعيفان والحديث ذكرناه للشواهد

336 وقال يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده حدثنا قيس ابن الربيع عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي يفتح القسطنطينية وجبل الديلم ولو لم يبق إلا يوم طول الله ذلك اليوم حتى يفتحها يحيى بن عبد الحميد وثقه ابن معين وغيره وتكلم فيه أحمد 337 وقال أبو نعيم حدثنا أبو الفرج الأصبهاني حدثنا أحمد بن الحسين حدثنا أبو جعفر بن طارق عن الجيد بن نظيف عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال قال رسول الله ﷺ منا الذي يصلي عيسى ابن مريم خلفه وهذا إسناد لا تقوم به حجة ولكن في صحيح ابن حبان من حديث عطية بن عامر نحوه 338 وقال الحارث بن أبي أسامة في مسنده حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم حدثنا إبراهيم بن عقيل عن أبيه عن وهب بن منبه عن جابر قال قال رسول الله ﷺ ينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم المهدي تعال صل بنا فيقول لا إن بعضهم أمير بعض تكرمة الله لهذه الأمة وهذا إسناد جيد

339 وقال الطبراني حدثنا محمد بن زكريا الهلالي حدثنا العباس ابن بكار حدثنا عبد الله بن زياد عن الأعمش عن زر بن حبيش عن حذيفة قال خطبنا النبي ﷺ فذكر ما هو كائن ثم قال لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلا من ولدي اسمه اسمي ولكن هذا إسناد ضعيف وهذه الأحاديث أربعة أقسام صحاح وحسان وغرائب وموضوعة وقد اختلف الناس في المهدي على أربعة أقوال أحدها أنه المسيح ابن مريم وهو المهدي على الحقيقة واحتج أصحاب هذا بحديث محمد بن خالد الجندي المتقدم وقد بينا حاله وأنه لا يصح ولو صح لم يكن فيه حجة لأن عيسى أعظم مهدي بين يدي رسول الله ﷺ وبين الساعة وقد دلت السنة الصحيحة عن النبي ﷺ على نزوله على المنارة البيضاء شرقي دمشق وحكمه بكتاب الله وقتله اليهود والنصارى ووضعه الجزية وإهلاك أهل الملل في زمانه فيصح أن يقال لا مهدي في الحقيقة سواه وإن كان غيره مهديا كما يقال لا علم إلا ما نفع ولا مال إلا ما وقي وجه صاحبه وكما يصح أن يقال إنما المهدي عيسى ابن مريم يعني المهدي الكامل المعصوم

القول الثاني أنه المهدي الذي ولي من بني العباس وقد انتهى زمانه 340 واحتج أصحاب هذا القول بما رواه أحمد في مسنده حدثنا وكيع عن شريك عن علي بن زيد عن أبي قلابة عن ثوبان قال قال رسول الله ﷺ إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان فائتوها ولو حبوا على الثلج فإنه فيها خليفة الله المهدي وعلي بن زيد قد روى له مسلم متابعة ولكن هوضعيف وله مناكير تفرد بها فلا يحتج بما ينفرد به 341 وروى ابن ماجة من حديث الثوري عن خالد عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان عن النبي ﷺ نحوه وتابعه عبد العزيز بن المختار عن خالد وفي سنن ابن ماجة عن عبد الله بن مسعود قال بينما نحن عند رسول الله ﷺ إذ أقبل فتية من بني هاشم فلما رآهم النبي ﷺ اغرورقت عيناه وتغير لونه فقلت ما نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه قال إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا وإن أهل بيتي سيلقون بلاء وتشريدا وتطريدا حتى يأتي قوم من أهل المشرق ومعهم رايات سود يسألون الحق فلا يعطونه فيقاتلون فينصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي فيملؤها قسطا كما ملئت جورا فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبوا على الثلج وفي إسناده يزيد بن أبي زياد وهو سيء الحفظ اختلط في آخر عمره وكان يقلد الفلوس وهذا والذي قبله لو صح لم يكن فيه دليل على أن المهدي الذي تولى من بني العباس هو المهدي الذي يخرج في آخر الزمان بل هو مهدي من جملة المهديين وعمر بن عبد العزيز كان مهديا بل هو أولى باسم المهدي منه 342 وقد قال رسول الله ﷺ عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي وقد ذهب الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه وغيره إلى أن عمر بن عبد العزيز منهم ولا ريب أنه كان راشدا مهديا ولكن ليس بالمهدي الذي يخرج في آخر الزمان فالمهدي في جانب الخير والرشد كالدجال في جانب الشر والضلال وكما أن بين يدي الدجال الأكبر صاحب الخوارق دجالين كذابين فكذلك بين يدي المهدي الأكبر مهديون راشدون

القول الثالث أنه رجل من أهل بيت النبي ﷺ من ولد الحسن بن علي يخرج في آخر الزمان وقد امتلأت الأرض جورا وظلما فيملأها قسطا وعدلا وأكثر الأحاديث على هذا تدل وفي كونه من ولد الحسن سر لطيف وهو أن الحسن رضي الله تعالى عنه ترك الخلافة لله فجعل الله من ولده من يقوم بالخلافة الحق المتضمن للعدل الذي يملأ الأرض وهذه سنة الله في عباده أنه من ترك لأجله شيئا أعطاه الله أو أعطى ذريته أفضل منه وهذا بخلاف الحسين رضي الله عنه فإنه حرص عليها وقاتل عليها فلم يظفر بها والله أعلم 343 وقد روى أبو نعيم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ يخرج رجل من أهل بيتي يعمل بسنتي وينزل الله له البركة من السماء وتخرج له الأرض بركتها ويملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما ويعمل على هذه الأمة سبع سنين وينزل بيت المقدس 344 وروى أيضا من حديث أبي أمامة قال خطبنا رسول الله ﷺ وذكر الدجال وقال فتنفي المدينة الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص فقالت أم شريك فأين العرب يا رسول الله يومئذ فقال هم يومئذ قليل وجلهم ببيت المقدس وإمامهم المهدي رجل صالح

345 وروى أيضا من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله ﷺ لن تهلك أمة أنا في أولها وعيسى ابن مريم في آخرها والمهدي في وسطها وهذه الأحاديث وإن كان في إسنادها بعض الضعف والغرابة فهي مما يقوي بعضها بعضا ويشد بعضها ببعض فهذه أقوال أهل السنة وأما الرافضة الإمامية فلهم قول رابع وهو أن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري المنتظر من ولد الحسين بن علي لا من ولد الحسن الحاضر في الأمصار الغائب عن الأبصار الذي يورث العصا ويختم الفضا دخل سرداب سامراء طفلا صغيرا من أكثر من خمس مئة سنة فلم تره بعد ذلك عين ولم يحس فيه بخبر ولا أثر وهم ينتظرونه كل يوم يقفون بالخيل على باب السرداب ويصيحون به أن يخرج إليهم أخرج يا مولانا لآحتج يا مولانا ثم يرجعون بالخيبة والحرمان فهذا دأبهم ودأبه ولقد أحسن من قال

ما آن للسرداب أن يلد الذي % كلمتموه بجهلكم ما آنا فعلى عقولكم العفاء فإنكم % ثلثتم العنقاء والغيلانا

ولقد أصبح هؤلاء عارا على بني آدم وضحكة يسخر منها كل عاقل أما مهدي المغاربة محمد بن تومرت فإنه رجل كذاب ظالم متغلب بالباطل ملك بالظلم والتغلب والتحيل فقتل النفوس وأباح حريم المسلمين وسبى ذراريهم وأخذ أموالهم وكان شرا على الملة من الحجاج بن يوسف بكثير وكان يودع بطن الأرض في القبور جماعة من أصحابه أحياء يأمرهم أن يقولوا للناس إنه المهدي الذي بشر به النبي ﷺ ثم يردم عليهم ليلا لئلا يكذبوه بعد ذلك وسمى أصحابه الجهمية الموحدين نفاة صفات الرب وكلامه وعلوه على خلقه واستوائه على عرشه ورؤية المؤمنين له بالأبصار يوم القيامة واستباح قتل من خالفهم من أهل العلم والإيمان وتسمى بالمهدي المعصوم ثم خرج المهدي الملحد عبيد الله بن ميمون القداح وكان جده يهوديا من بيت مجوسي فانتسب بالكذب والزور إلى أهل البيت وادعى أنه المهدي الذي بشر به النبي ﷺ وملك وتغلب إستحقل أمره إلى أن استولت ذريته الملاحدة المنافقون الذين كانوا أعظم الناس عداوة لله ولرسوله على بلاد المغرب ومصر والحجاز والشام واشتدت غربة الإسلام ومحنته ومصيبته بهم وكانوا يدعون الإلهية ويدعون أن للشريعة باطنا يخالف ظاهرها وهم ملوك القرامطة الباطنية أعداء الدين فتستروا بالرفض والانتساب كذبا إلى أهل البيت ودانوا بدين أهل الإلحاد وروجوه ولم يزل أمرهم ظاهرا إلى أن أنقذ الله الأمة منهم ونصر الإسلام بصلاح الدين يوسف ابن أيوب فاستنقذ الملة الإسلامية منهم وأبادهم وعادت مصر دار إسلام بعد أن كانت دار نفاق وإلحاد في زمنهم والمقصود أن هؤلاء لهم مهدي وأتباع ابن تومرت لهم مهدي والرافضة الإثني عشرية لهم مهدي فكل هذه الفرق تدعي في مهديها الظلوم الغشوم والمستحيل المعدوم أنه الإمام المعصوم والمهدي المعلوم الذي بشر به النبي ﷺ وأخبر بخروجه وهي تنتظره كما تنتظر اليهود القائم الذي يخرج في آخر الزمان فتعلو به كلمتهم ويقوم به دينهم وينصرون به على جميع الأمم والنصارى تنتظر المسيح يأتي قبل يوم القيامة فيقيم دين النصرانية ويبطل سائر الأديان وفي عقيدتهم نزع المسيح الذي هو إله حق من إله حق من جوهر أبيه الذي نزل طامينا إلى أن قالوا وهو مستعد للمجيء قبل يوم القيامة فالملل الثلاث تنتظر إماما قائما يقوم في آخر الزمان

346 ومنتظر اليهود الدجال الذي يتبعه من يهود أصبهان سبعون ألفا وفي المسند مرفوعا عن النبي ﷺ أكثر أتباع الدجال اليهود والنساء والنصارى تنتظر المسيح عيسى ابن مريم ولا ريب في نزوله ولكن إذا نزل كسر الصليب وقتل الخنزير وأباد الملل كلها سوى ملة الإسلام 347 وهذا معنى الحديث لا مهدي إلا عيسى ابن مريم والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم مدة ذكر الذاكرين وسهو الغافلين والحمد لله رب العالمين
تصنيفالمنار المنيف في الصحيح والضعيف
===============

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق