الأحد، 13 فبراير 2022

ابن تيمية الكلم الطيب ابن تيمية/الرد على المنطقيين/الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان/أولياء الرحمن وأولياء الشيطان/


الكلم الطيب  ابن تيمية

نزل نسخة مطبوعة
محتويات

1 الحض على ذكر الله
2 فضل الذكر
3 فضل التحميد والتهليل والتسبيح
4 في ذكر الله تعالى طرفي النهار
5 فيما يقال عند المنام
6 فيما يقوله من يفزع ويقلق في منامه
7 فيما يصنع من رأى رؤيا
8 في فضل العبادة بالليل
9 في تتمة ما يقول إذا استيقظ
10 في دخول المنزل
11 في دخول المسجد والخروج منه
12 في الأذان ومن يسمعه
13 في استفتاح الصلاة
14 في دعاء الركوع والقيام منه والسجود والجلوس بين السجدتين
15 في الدعاء في الصلاة وبعد التشهد
16 في الاستخارة
17 في الكرب والهم والحزن
18 في لقاء العدو وذي السلطان
19 في الشيطان يعرض لابن آدم
20 في التسليم للقضاء من غير عجز ولا تفريط
21 فيما ينعم به على الإنسان
22 فيما يصاب به المؤمن صغير وكبير
23 في الدين
24 في الرقى
25 في دخول المقابر
26 في الاستسقاء
27 في الريح
28 في الرعد
29 في نزول الغيث
30 في رؤية الهلال
31 في الصوم والإفطار
32 في السفر
33 في ركوب الدابة
34 في ركوب البحر
35 في الدابة الصعبة
36 في القرية أم البلدة إذا أراد دخولها
37 في المنزل ينزله
38 في الطعام والشراب
39 في الضيف ونحوه
40 في السلام
41 في العطاس والتثاؤب
42 في النكاح
43 في الولادة
44 في صياح الديك والنهيق والنباح
45 في الحريق
46 في المجلس
47 في الغضب
48 في رؤية أهل البلاء
49 في دخول السوق
50 في النظر في المرآة
51 في الحجامة
52 في الأذن إذا طنت
53 في الرجل إذا خدرت
54 في الدابة إذا تعست
55 فيمن أهدى هدية ودعي له
56 فيمن أميط عنه الأذى
57 في رؤية باكورة الثمر
58 في الشيء يعجبه ويخاف عليه العين
59 في الفأل والطيرة
60 في الحمام

الحض على ذكر الله
اللهم صل على أشرف خلقك محمد ولله الحمد وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم} (الأحزاب 70 - 71) وقال تعالى { إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح } (فاطر 10) وقال تعالى { فاذكروني أذكركم واشكروا لي } (البقرة 152) وقال تعالى { اذكروا الله ذكرا كثيرا } (الأحزاب 41) وقال تعالى { والذاكرين الله كثيرا والذاكرات } (الأحزاب 35) وقال تعالى { الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم } (آل عمران 190) وقال تعالى { إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا } (لأنفال 44) وقال تعالى { فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا } (البقرة 200) وقال تعالى { لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله } وقال تعالى { رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة } (المنافقون 9) وقال تعالى { واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين } (الأعراف 205)
فضل الذكر
عن أبي الدرداء رضي الله عنه [قال رسول الله ﷺ: ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: ذكر الله] خرجه الترمذي وابن ماجه وقال الحاكم صحيح الإسناد
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: [قال النبي ﷺ: سبق المفردون قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيرا والذاكرات] خرجه مسلم
وذكر عبد الله بن بسر أن [رجلا قال: يا رسول الله إن شرائع الايمان قد كثرت علي فأخبرني بشيء أتثبت به قال: لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله تعالى] رواه الترمذي وقال: حديث حسن
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: [مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت] أخرجه البخاري
وعن أبي هريرة رضي الله عنه [عن رسول الله ﷺ قال: من قعد مقعدا لم يذكر الله تعالى فيه كانت عليه من الله تعالى ترة ومن اضطجع مضجعا لا يذكر الله تعالى فيه كانت عليه من الله ترة] أي نقص وتبعة وحسرة خرجه أبو داود
فضل التحميد والتهليل والتسبيح
في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه [أن رسول الله ﷺ قال: من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنه ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه]
وقال [من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر]
وفيهما أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال [قال رسول الله ﷺ: كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم]
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: [قال رسول الله ﷺ: لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس] خرجه مسلم
وقال سمرة بن جندب رضي الله عنه: [قال رسول الله ﷺ: أحب الكلام إلى الله تعالى أربع لا يضرك بأيهن بدأت سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر] خرجه مسلم
وخرج أيضا [عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله ﷺ فقال: أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة قال: يسبح مائة تسبيحة فتكتب له ألف حسنة أو تحط عنه ألف خطيئة]
وفيه أيضا [عن جويرية أم المؤمنين رضي الله عنها أن النبي ﷺ خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال: ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟ قالت: نعم فقال النبي ﷺ: لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله عدد خلقه سبحان الله رضى نفسه سبحان الله زنة عرشه سبحان الله مداد كلماته]
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه [أنه دخل مع رسول الله ﷺ على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به فقال: ألا أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل؟ فقال: سبحان الله عدد ما خلق في السماء وسبحان الله عدد ما بين ذلك وسبحان الله عدد ما هو خالق والله أكبر مثل ذلك والحمد لله مثل ذلك ولا إله إلا الله مثل ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك] خرجه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن [أعرابيا جاء إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله علمني كلمات أقولهن قال: قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له الله أكبر كيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم قال: فهؤلاء لربي فما لي؟ قال: قل: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني فلما ولى الأعرابي قال النبي ﷺ: لقد ملأ يديه من الخير] خرجه مسلم
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: [قال النبي ﷺ: لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال: يا محمد أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان وأن غراسها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر] قال الترمذي: حديث حسن
[وقال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: قال لي النبي ﷺ: ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ فقلت: بلى يا رسول الله قال: قل لا حول ولا قوة إلا بالله] متفق عليه
في ذكر الله تعالى طرفي النهار
 
قال الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا * وسبحوه بكرة وأصيلا } (الأحزاب: 41) - الأصيل: ما بين العصر والمغرب - 
 
 وقال تعالى: { واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين } (الأعراف: 205) { وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار } (غافر: 55) وقال تعالى { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب } (ق: 39) { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه } (الأنعام: 52) { فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا } (مريم: 11) { ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم } (الطور: 49) { فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون } (الروم: 17) { وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات } (هود: 114) 
 
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: [قال النبي ﷺ: من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه] خرجه مسلم
وخرج أيضا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: [كان نبي الله ﷺ إذا أمسى قال: أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير رب أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر رب أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر وإذا أصبح قال ذلك أيضا: أصبحنا وأصبح الملك لله] 
 
[وقال عبد الله بن خبيب خرجنا في ليلة مطر وظلمة شديدة نطلب النبي ﷺ ليصلي لنا فأدركناه فقال: قل فلم أقل شيئا ثم قال: قل فلم أقل شيئا قال: قل قلت: يا رسول الله ما أقول؟ قال: قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات يكفيك من كل شيء] خرجه ابو داودوالنسائيوالترمذي وقال: حديث حسن صحيح 
 
وذكر أبو هريرة [عن النبي ﷺ أنه كان يعلم أصحابه يقول: إذا أصبح أحدكم فليقل: اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور وإذا أمسى فليقل: اللهم بك أمسينا وبك أصبحنا وبك نحيا وبك نموت وإليك المصير] قال الترمذي: حديث حسن صحيح
وعن شداد بن أوس رضي الله عنه [عن النبي ﷺ قال: سيد الاستغفار: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت من قالها حين يمسي فمات من ليلته دخل الجنة ومن قالها حين يصبح فمات من يومه دخل الجنة] خرجه البخاري
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: [إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال يا رسول الله علمني شيئا أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت قال: اللهم عالم الغيب والشهادة فاطر السموات والأرض رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه - وفي رواية: وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم - قله إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك] قال الترمذي: حديث حسن صحيح
وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: [قال رسول الله ﷺ: ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم يضره شيء] قال الترمذي: حديث حسن صحيح
وعن ثوبان وغيره [أن رسول الله ﷺ قال: من قال حين يمسي: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد ﷺ نبيا كان حقا على الله أن يرضيه] قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه [أن رسول الله ﷺ قال: من قال حين يصبح أو يمسي: اللهم إني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك أعتق الله ربعه من النار ومن قالها مرتين أعتق الله نصفه من النار ومن قالها ثلاثا أعتق الله ثلاثة أرباعه من النار فإن قالها أربعا أعتقه الله من النار] قال الترمذي: حديث حسن
وعن عبد الله بن غنام رضي الله عنه [أن رسول الله ﷺ قال: من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة (أو بأحد من خلقك) فمنك وحدك لا شريك لك لك الحمد ولك الشكر فقد أدى شكر يومه ومن قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته] خرجه أبو داود
وقال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: [لم يكن النبي ﷺ يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة اللهم أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي] قال وكيع: يعني الخسف خرجه ابو داود والنسائي وابن ماجه وقال الحاكم: صحيح الإسناد
وعن طلق بن حبيب قال: [جاء رجل إلى أبي الدرداء فقال: يا أبا الدرداء قد احترق بيتك فقال ما احترق لم يكن الله ليفعل ذلك بكلمات سمعتهن من رسول الله ﷺ من قالها أول نهاره لم تصبه مصيبة حتى يمسي ومن قالها آخر النهار لم تصبه مصيبة حتى يصبح: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أعلم أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة أنت آخذ ناصيتي إن ربي على صراط مستقيم]
فيما يقال عند المنام
قال حذيفة رضي الله عنه: [كان رسول الله ﷺ إذا أراد أن ينام قال: باسمك اللهم أموت وأحيا وإذا استيقظ من منامه قال: الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور] متفق عليه
وعن عائشة رضي الله عنها [أن النبي ﷺ: كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما { قل هو الله أحد } و{ قل أعوذ برب الفلق } و{ قل أعوذ برب الناس } ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات] متفق عليه
وعن أبي هريرة رضي الله عنه [أنه أتاه آت يحثو من الصدقة - وكان قد جعله النبي ﷺ عليها - ليلة بعد ليلة فلما كان في الليلة الثالثة قال: لأرفعنك إلى رسول الله ﷺ قال دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بهن - وكانوا أحرص شيء على الخير - فقال إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي: { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } حتى تختمها لأنه لا يزال عليك من الله حق ولا يقربك شيطان حتى تصبح فقال: صدقك وهو كذوب (ذاك شيطان)] خرجه البخاري
و [عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في كل ليلة كفتاه] متفق عليه
وقال علي رضي الله عنه ما كنت أرى أحدا يعقل ينام قبل أن يقرأ الآيات الثلاث من آخر سورة البقرة
وعن أبي هريرة رضي الله عنه [أن رسول الله ﷺ قال: إذا قام أحدكم عن فراشه ثم رجع إليه فلينفضه بصنفة إزاره ثلاث مرات فإنه لا يدري ما خلفه عليه بعده وإذا اضطجع فليقل: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه فإن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين] متفق عليه في لفظ: [إذا استيقظ أحدكم فليقل: الحمد لله الذي عافاني في جسدي ورد علي روحي وأذن لي بذكره]
وعن علي رضي الله عنه [أن فاطمة رضي الله عنها أتت النبي ﷺ تسأله خادما فلم تجده ووجدت عائشة فأخبرتها قال علي: فجاءنا النبي ﷺ وقد أخذنا مضاجعنا فقال: ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم إذا أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين وكبرا أربعا وثلاثين فإنه خير لكما من خادم
قال علي: ما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله ﷺ قيل له: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين] متفق عليه
وقد بلغنا أنه من حافظ على هؤلاء الكلمات لم يأخذه إعياء فيما يعانيه من شغل ونحوه
وعن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها [أن النبي ﷺ كان إذا أراد أن يرقد وضع يده اليمنى تحت خده ثم يقول: اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك ثلاث مرات] - خرجه أبو داود وقال الترمذي حديث حسن صحيح
ورواه من طريق حذيفة رضي الله عنه
وعن أنس رضي الله عنه [أن النبي ﷺ كان إذا أوى إلى فراشه قال: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي] خرجه مسلم
[وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أمر رجلا إذا أخذ مضجعه أن يقول: اللهم أنت خلقت نفسي وأنت تتوفاها لك مماتها ومحياها إن أحييتها فاحفظها وإن أمتها فاغفر لها اللهم إني أسألك العافية قال ابن عمر سمعته من رسول الله ﷺ] خرجه مسلم
وعن أبي سعيد الخدري قال: [قال رسول الله ﷺ: من قال حين يأوي إلى فراشه: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلاهو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات غفر الله ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر وإن كانت عدد رمل عالج وإن كانت عدد أيام الدنيا]
قال الترمذي: حديث حسن غريب
وعن أبي هريرة رضي الله عنه [عن النبي ﷺ كان يقول إذا أوى إلى فراشه: اللهم رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين وأغننا من الفقر] خرجه مسلم
[وقال البراء بن عازب رضي الله عنه: قال لي رسول الله ﷺ: إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضجع على شقك الأيمن وقل: اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت فإن مت من ليلتك مت على الفطرة واجعلهن آخر ما تقول] متفق عليه
فيما يقوله المستيقظ من نومه ليلا
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه [عن النبي ﷺ قال: من تعار من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم قال: اللهم اغفر لي أو دعا أستجيب له فإن توضأ وصلى قبلت صلاته] خرجه البخاري
و [عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: من أوى إلى فراشه طاهرا وذكر الله تعالى حتى يدركه النعاس لم ينقلب ساعة من الليل يسأل الله شيئا من خير الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه] خرجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب
و [عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ كان إذا استيقظ من الليل قال: لا إله إلا أنت سبحانك اللهم أستغفرك لذنبي وأسألك رحمتك اللهم زدني علما ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة أنك أنت الوهاب] خرجه أبو داود
و [عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: إذا استيقظ أحدكم فليقل: الحمد لله الذي رد علي روحي وعافاني في جسدي]
ويذكر [عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أمرنا أن نستغفر بالليل سبعين استغفاره]
فيما يقوله من يفزع ويقلق في منامه
عن بريدة قال: [شكا خالد بن الوليد إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله ما أنام الليل من الأرق فقال النبي ﷺ: إذا أويت إلى فراشك فقل: اللهم رب السموات السبع وما أظلت ورب الأرضين السبع وما أقلت ورب الشياطين وما أضلت كن لي جارا من شر خلقك كلهم جميعا أن يفرط أحد منهم علي وأن يبغي علي عز جارك وجل ثناؤك ولا غله غيرك ولا إله إلا أنت] خرجه الترمذي
[وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله ﷺ كان يعلمهم من الفزع كلمات: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون وكان عبد الله بن عمر ويعلمهن من عقل من نبيه ومن لم يعقل فأعقله عليه] خرجه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن
فيما يصنع من رأى رؤيا
[قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: سمعت أبا قتادة بن ربعي يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: الرؤيا من الله والحلم من الشيطان فإذا رأى أحدكم شيئا يكرهه فلينفث عن يساره ثلاث مرات إذا استيقظ وليتعوذ بالله من شرها فإنها لن تضره إن شاء الله قال أبو سلمة: إن كنت لأرى الرؤيا هي أثقل علي من الجبل فلما سمعت بهذا الحديث فما كنت أباليها وفي رواية: قال: إن كنت أرى الرؤيا تهمني حتى سمعت أبا قتادة يقول: وأنا كنت أرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت رسول الله ﷺ يقول: الرؤيا الصالحة من الله فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب وإن رأى ما يكره فلا يحدث به ولينفث عن يساره (ثلاثا) وليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم من شر ما رأى فإنها لن تضره] متفق عليه
وخرج مسلم عن جابر رضي الله عنه [عن رسول الله ﷺ قال: قال إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثا وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثا وليتحول عن جنبه الذي كان عليه]
51 - ويذكر [عن النبي ﷺ أن رجلا قص عليه رؤيا فقال: خيرا رأيت وخيرا يكون وفي رواية خير تلقاه وشر توقاه وخير لنا وشر على أعدائنا والحمد لله رب العالمين]
في فضل العبادة بالليل
قال الله تعالى: { يا أيها المزمل * قم الليل إلا قليلا } إلى قوله: { ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا } (المزمل: 1 - 5) وقال تعالى: { ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } (الإسراء: 79) { ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا } (الدهر: 26)
وفي (الصحيحين) عن أبي هريرة رضي الله عنه [عن النبي ﷺ قال: ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجب له ومن يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له]
وعن عمرو بن عبسة أنه [سمع النبي ﷺ يقول: أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن] قال الترمذي: حديث حسن وصحيح
[وقال جابر: سمعت النبي ﷺ يقول: إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله عز وجل خيرا من أمور الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة] خرجه مسلم وقال الله تعالى: { والمستغفرين بالأسحار } (آل عمران 17)
ويذكر عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أمرنا أن نستغفر بالليل سبعين استغفارة
في تتمة ما يقول إذا استيقظ
عن أبي هريرة رضي الله عنه [عن النبي ﷺ قال: إذا استيقظ أحدكم فليقل: الحمد لله الذي رد علي روحي وعافاني في جسدي وأذن لي بذكره] حديث صحيح
وعنه أيضا [قال رسول الله ﷺ ما من رجل ينتبه من نومه فيقول: الحمد لله خلق النوم واليقظة الحمد لله الذي بعثني سالما سويا أشهد أن الله يحي الموتى وهو على كل شيء قدير - إلا قال: صدق عبدي]
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: [قال رسول الله ﷺ: من قال - يعني إذا خرج من بيته ـ: (بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله تعالى يقال له كفيت ووقيت وهديت وتنحى عنه الشيطان فيقول لشيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي ؟] خرجه أبو داود النسائي والترمذي وقال حديث حسن صحيح
وقالت أم سلمه رضي الله عنها: [ما خرج رسول الله ﷺ من بيتي (قط) إلا رفع طرفه إلى السماء فقال: اللهم إني أعوذ بك أن أضِلَّ أو أُضَلَّ أو أَزِلَّ أو أُزَلَّ أو أظلِمَ أو أُظلَمَ أو أجهَلَ أو يُجهَلَ عَلَي] خرجه الأربعة وقال الترمذي: حسن صحيح
في دخول المنزل
قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: [سمعت النبي ﷺ يقول: إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: لا مبيت لكم ولاعشاء وإذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت وإذا لم يذكر الله تعالى عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء] خرجه مسلم
وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: [قال رسول الله ﷺ: إذا ولج الرجل بيته فليقل: اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج بسم الله ولجنا بسم الله خرجنا وعلى الله ربنا توكلنا ثم ليسلم على أهله] خرجه أبو داود
[وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: قال لي رسول الله ﷺ (يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك] قال الترمذي: حديث حسن صحيح
في دخول المسجد والخروج منه
يذكر [عن أنس رضي الله عنه وغيره أن رسول الله ﷺ كان إذا دخل المسجد قال: بسم الله اللهم صل على محمد وإذا خرج قال: بسم الله اللهم صل على محمد]
و [عن أبي حميد أو أبي اسيد رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي ﷺ: وليقل اللهم أفتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك] حديث صحيح وقد خرجه مسلم بنحوه
و [عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي ﷺ أنه كان إذا دخل المسجد قال: (أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم) قال: فإذا قال ذلك قال الشيطان: حفظ مني سائر اليوم] خرجه أبو داود
في الأذان ومن يسمعه
قال أبو هريرة رضي الله عنه [قال رسول الله ﷺ: لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا]
وعنه أيضا [أن رسول الله ﷺ قال: إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع التأذين فإذا قضي التأذين أقبل فإذا ثوب بالصلاة أدبر فإذا قضي التثويب أقبل حتى يخطو بين المرء ونفسه فيقول: أذكر كذا أذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل ما يدري كم صلى] متفق عليهما
وقال أبو سعيد: [سمعت رسول الله ﷺ يقول لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولاشيء إلا شهد له يوم القيامة] خرجه البخاري
وقال أبو سعيد رضي الله عنه: [قال رسول الله ﷺ: إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن] متفق عليه
وخرج مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما [أنه سمع النبي ﷺ يقول: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لاتنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة]
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه [قال رسول الله ﷺ إذا قال المؤذن: الله اكبر الله اكبر فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله قال: أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال: أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال: حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: الله أكبر الله أكبر قال: الله أكبر الله أكبر ثم قال: لا إله إلا الله قال: لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة] خرجه مسلم
وخرج البخاري عن جابر [أن رسول الله ﷺ قال من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمد الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة]
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما [أن رجلا قال: يا رسول الله إن المؤذنين يفضلوننا فقال رسول الله ﷺ: قل كما يقولون فإذا انتهيت فسل تعطه] خرجه أبو داود
وقال أنس رضي الله عنه: [قال رسول الله ﷺ لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة قالوا: فماذا نقول يارسول الله؟ قال: سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة] قال الترمذي: حديث حسن صحيح
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: [قال رسول الله ﷺ ثنتان لا تردان أوقلما تردان -: الدعاء عند النداء وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضا] خرجه أبو داود
[وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: علمني رسول الله ﷺ أن أقول عند أذان المغرب: اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك وحضور صلواتك فاغفر لي] خرجه أبو داود والترمذي
[وعن بعض أصحاب النبي ﷺ أن بلالا أخذ في الإقامة فلما أن قال: قد قامت الصلاة قال النبي ﷺ أقامها الله وأدامها] خرجه أبو داود
في استفتاح الصلاة
قال أبو هريرة رضي الله عنه: [كان رسول الله ﷺ إذا استفتح الصلاة سكت هنيهة قبل أن يقرأ فقلت: يا رسول الله بأبي وأمي أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم نقني من اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد] متفق عليه
[وعن جبير بن مطعم أنه رأى رسول الله ﷺ يصلي صلاة قال: الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا (ثلاثا) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من نفخه ونفثه: الشعر وهمزه: الموتة] خرجه أبو داود
وعن عائشة رضي الله عنها وأبي سعيد وغيرهما: [أن النبي كان إذا افتتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك] خرجه الأربعة
وخرج مسلم عن عمر رضي الله عنه أنه كبر ثم استفتح به
وقال علي رضي الله عنه [كان رسول الله ﷺ إذا قام إلى الصلاة قال: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي جميعا إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها إلا أنت لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك]
إعلم أن مذهب أهل الحق من المحدثين والفقهاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء المسلمين: أن جميع الكائنات خيرها وشرها نفعها وضرها كلها من الله تعالى وبإرادته وتقديره فلا بد من تأويل الحديث فذكر العلماء فيه أجوبة أحدها وهو أشهرها قاله النضر بن شميل والأئمة بعده - إن معناه والشر لا يتقرب (به) إليك
والثاني: لا يصعد إليك إنما يصعد الكلم الطيب
والثالث: لا يضاف إليك أدبا فلا يقال يا خالق الشر وإن كان خالقه كما لا يقال: يا خالق الخنازير وإن كان خالقها
والرابع: ليس شرا بالنسبة إلى حكمتك فإنك لا تخلق شيئا عبثا)
أنا بك وإليك تباركت وتعاليت استغفرك وأتوب إليك خرجه مسلم ويقال أن هذا كان في صلاة الليل
ومما جاء في صلاة الليل حديث عائشة رضي الله عنها قالت: [كان رسول الله ﷺ يفتتح صلاته إذا قام من الليل: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم] خرجه مسلم
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [كان رسول الله ﷺ يقول إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل: اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت قيام السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهم (ولك الحمد) أنت الحق ووعدك الحق وقولك الحق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد حق والساعة حق اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت إلهي لا إله إلا أنت] متفق عليه
في دعاء الركوع والقيام منه والسجود والجلوس بين السجدتين
عن حذيفة رضي الله عنه أنه سمع النبي ﷺ يقول إذا ركع: سبحان ربي العظيم ثلاث مرات وإذا سجد قال: سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات] خرجه الأربعة
[وفي حديث علي رضي الله عنه عن صلاة رسول الله ﷺ وإذا ركع يقول في ركوعه: اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وإذا رفع رأسه من الركوع يقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد وإذا سجد يقول في سجوده: اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين] خرجه مسلم
وقالت عائشة رضي الله عنها: [كان رسول الله ﷺ يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن] متفق عليه
تريد قوله تعالى: { فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا }
وقالت عائشة رضي الله عنها: [كان رسول الله ﷺ يقول في ركوعه وسجوده سبوح قدوس رب الملائكة والروح] خرجه مسلم
وخرج أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [قال رسول الله ﷺ: ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم]
[وقال عوف بن مالك: قمت مع رسول الله ﷺ ليلة فقام فقرأ سورة البقرة لا يمر بآية رحمه إلا وقف وسأل ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوذ قال: ثم ركع بقدر قيامه يقول في ركوعه: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة ثم قال في سجوده مثل ذلك] خرجه أبو داود والنسائي
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: [كان رسول الله ﷺ يقول: سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع ثم يقول وهو قائم: ربنا ولك الحمد وفي لفظ صحيح: ربنا لك الحمد والمتفق عليه في لفظ (الصحيحين ربنا ولك الحمد و: اللهم ربنا لك الحمد]
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: [كان رسول الله ﷺ إذا رفع رأسه من الركوع قال: اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد] خرجه مسلم
[وقال رفاعة بن رافع: كنا يوما نصلي وراء النبي ﷺ فلما رفع رأسه من الركعة قال: سمع الله لمن حمده فقال رجل وراءه: ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه فلما انصرف قال: من المتكلم؟ قال: أنا قال: رأيت بضعة وثلاثين ملكا يتدبرونها أيهم يكتبها أول] خرجه البخاري
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: [أن رسول الله ﷺ قال: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء]
وعنه: [أن رسول الله ﷺ كان يقول في سجوده: اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيه وسره]
[وقالت عائشة رضي الله عنها: فقدت النبي ﷺ ذات ليله من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك] خرجهن مسلم
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [كان رسول الله ﷺ يقول بين السجدتين: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وعافني وارزقني]
وفي حديث حذيفة رضي الله عنه [أن رسول الله ﷺ كان يقول بين السجدتين رب اغفر لي] خرجهما أبوداود وغيره
في الدعاء في الصلاة وبعد التشهد
قال أبو هريرة رضي الله عنه: [قال رسول الله ﷺ: إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر المسيح الدجال]
وعن عائشة رضي الله عنها [أن رسول الله ﷺ كان يدعو في الصلاة: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال واعوذ بك من فتنة المحيا والممات اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم؟ فقال: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف]
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما [أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله علية وسلم: علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم] متفق عليهن
وفي حديث علي رضي الله عنه عن صفة صلاة رسول الله ﷺ أنه كان يقول من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: [اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت] خرجه مسلم
وفي سنن أبي داود [أن النبي ﷺ قال لرجل: كيف تقول في الصلاة؟ قال: أتشهد وأقول: اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار وأما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ فقال النبي ﷺ: حولها ندندن]
وعن شداد بن أوس رضي الله عنه [أن رسول الله ﷺ كان يقول في صلاته: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك وأسألك قلبا سليما ولسانا صادقا وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم وأستغفرك لما تعلم إنك أنت علام الغيوب] خرجه الترمذي والنسائي
وعن عطاء بن السائب عن أبيه قال: [صلى بنا عمار بن ياسر رضي الله عنه صلاة فأوجز فقال له بعض القوم: لقد خففت ـ أو أوجزت ـ الصلاة فقال: أما على ذلك لقد دعوت فيها بدعوات سمعتهن من رسول الله ﷺ فلما قام تبعه رجل من القوم فسأله عن الدعاء فقال: اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب وأسألك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيما لا ينفذ وأسألك قرة عين لاتنقطع وأسألك الرضى بعد القضاء وأسألك برد العيش بعد الموت وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين] خرجه النسائي
قال ثوبان رضي الله عنه: [كان رسول الله ﷺ إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثا وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام] خرجه مسلم
وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: [أن رسول الله ﷺ كان إذا فرغ من الصلاة قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد] متفق عليه
وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أنه كان يقول دبر كل صلاة حين يسلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون] وقال ابن الزبير رضي الله عنهما: [كان رسول الله ﷺ يهلل بهن دبر كل صلاة] خرجه مسلم
وعن أبي هريرة رضي الله عنه [أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله ﷺ فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العلا والنعيم المقيم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضل من أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون فقال: ألا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم قالوا: بلى يا رسول الله قال: تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين قال أبو صالح: يقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر حتى يكون منهن كلهن ثلاثا وثلاثين] متفق عليه
وعنه أيضا [عن رسول الله ﷺ قال: من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وحمد الله ثلاثا وثلاثين وكبر الله ثلاثا وثلاثين وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر] خرجه مسلم
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما [عن النبي ﷺ قال: خصلتان أو خلتان لا يحافظ عليهما عبد مسلم إلا دخل الجنة وهما يسير ومن يعمل بهما قليل: يسبح الله في دبر كل صلاة عشرا ويحمده عشرا ويكبره عشرا وذلك خمسون ومائه باللسان وألف وخمسمائة في الميزان ويكبر أربعا وثلاثين إذا أخذ مضجعه ويحمد ثلاثا وثلاثين ويسبح ثلاثا وثلاثين فذلك مائة باللسان وألف في الميزان قال: فلقد رأيت رسول الله ﷺ يعقدها بيده قالوا: يارسول الله كيف هما يسير ومن يعمل بهما قليل قال: يأتي أحدكم ـ يعني الشيطان في منامه ـ فينومه قبل أن يقول ويأتيه في صلاته فيذكره حاجته قبل أن يقولها] خرجه أبو داود والترمذي والنسائي
وخرجوا [عن عقبة بن عامر قال: أمرني رسول الله ﷺ أن أقرأ المعوذات دبر كل صلاة]
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: [قيل لرسول الله ﷺ أي الدعاء أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر ودبر كل الصلوات المكتوبات] قال الترمذي: حديث حسن
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه [أن رسول الله ﷺ أخذ بيده وقال: يامعاذ إني والله لأحبك فلا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك] خرجه أبو داود والنسائي
في الاستخارة
قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: [كان رسول الله ﷺ يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر ـ وتسميه باسمه ـ خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري وعاجله وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري وعاجله وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به] خرجه البخاري بنحوه
وذكر عن أنس رضي الله عنه قال: [قال رسول الله ﷺ يا أنس إذا هممت بأمر فاستخر ربك فيه سبع مرات ثم انظر إلى الذي سبق إلى قلبك فإن الخير فيه وما ندم من استخار الخالق وشاور المخلوقين وتثبت في أمره فقد قال الله تعالى: { وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله }] آل عمران: 159 قال قتادة: ما تشاور قوم يبتغون وجه الله إلاهدوا لأرشد أمرهم
في الكرب والهم والحزن
عن ابن عباس رضي الله عنهما [أن رسول الله ﷺ كان يقول عند الكرب لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم] متفق عليه وعن أنس رضي الله عنه: [عن النبي ﷺ: أنه كان إذا حزبه أمر قال: يا حي يا قيوم برحمتك استغيث]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه [أن النبي ﷺ كان إذ أهمه الأمر رفع رأسه إلى السماء فقال: سبحان الله العظيم وإذا اجتهد في الدعاء قال: يا حي يا قيوم] خرجهما الترمذي
وعن أبي بكرة رضي الله عنه [أن رسول الله ﷺ قال دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت]
[وعن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله ﷺ: ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب ـ أو في الكرب ـ الله الله ربي لا أشرك به شيئا] وفي رواية أنها [تقال سبع مرات] خرجهما أبو داود وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: [قال رسول الله ﷺ دعوة ذي النون إذا دعا بها وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ـ لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له] خرجه الترمذي وفي رواية: [إني لأعلم كلمة لا يقولها مكروب إلا فرج الله عنه كلمة أخي يونس عليه السلام]
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه [عن النبي ﷺ قال: ما أصاب عبدا هم ولاحزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي ـ إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجا] خرجه أحمد في مسنده وابن حيان في صحيحه
في لقاء العدو وذي السلطان
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه [أن النبي ﷺ كان إذا خاف قوما قال: اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم] خرجه أبو داود والنسائي
ويذكر [عن النبي ﷺ أنه كان يقول عند لقاء العدو اللهم أنت عضدي وأنت نصيري بك أجول وبك أصول وبك أقاتل]
و [عنه ﷺ أنه كان في غزوة فقال: يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين قال أنس: فلقد رأيت الرجال تصرع تضر بها الملائكة من بين يديها ومن خلفها]
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: [قال رسول الله ﷺ: إذا خفت سلطانا أو غيره فقل: لا إله إلا الله الحكيم الكريم سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم لا إله إلا أنت عز جارك وجل ثناؤك ولا إله غيرك]
وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: { حسبنا الله ونعم الوكيل } (آل عمران: 173) قالها إبراهيم حين ألقي في النار وقالها محمد حين قال له الناس: { إن الناس قد جمعوا لكم } (آل عمران: 173)
في الشيطان يعرض لابن آدم
قال الله تعالى: { وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين * وأعوذ بك رب أن يحضرون } (المؤمنون 98 ـ 99)
وفي حديث أبي سعيد وغيره [عن النبي ﷺ أنه كان يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه لقول الله تعالى: { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم } (فصلت: 36)]
والأذان يطرد الشيطان :
[قال النبي ﷺ: إذا أذن بالصلاة أدبر وله ضراط فإذا قضي الندء أقبل فإذا ثوب بالصلاة أدبر ـ يعني أقيمت الصلاة ـ فإذا قضي تثويب أقبل]
وقال سهيل بن أبي صالح: أرسلني أبي إلى بني حارثة ومعي غلام لنا أوصاحب لنا فناداه مناد من حائط باسمه فأشرف الذي معي على الحائط فلم ير شيئا فذكرت ذلك لأبي فقال: لوشعرت أنك تلقى هذا لم أرسلك ولكن إذا سمعت صوتا فناد بالصلاة فإني سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يحدث [عن النبي ﷺ أنه قال: إن الشيطان إذا نودي بالصلاة أدبر] خرجه مسيلم
وعن زيد بن أسلم أنه ولي معادن فذكروا كثرة الجن بها فأمرهم أن يؤذنوا كل وقت ويكثروا من فلم يكونوا يرون بعد ذلك شيئا
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه [قام رسول الله ﷺ يصلي فسمعناه يقول: أعوذ بالله منك ثم قال ألعنك بلعنة الله ثلاثا وبسط يده كأنه يتناول شيئا فلما فرغ من الصلاة قلنا له: يا رسول الله سمعناك تقول في الصلاة شيئا لم نسمعك تقوله قبل ذلك ورأيناك بسطت يدك قال: إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي فقلت: أعوذ بالله منك ثلاث مرات ثم قلت: ألعنك بلعنة الله التامة ثلاث مرات فلم يستأخر ثم أردت أخذه والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة] خرجه مسلم
[وقال عثمان بن أبي العاص قلت: يا رسول الله إن الشيطان حال بيني وبين صلاتي وبين قراءتي يلبسها علي؟ فقال ﷺ: ذاك شيطان يقال له: خنزب فإذا أحسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا ففعلت ذلك فأذهبه الله عني] خرجه مسلم
وقال أبو زميل: قلت لابن عباس رضي الله عنهما: ما شيء أجده في نفسي ـ يعني شيئا من شك ـ فقال لي: إذا وجدت في نفسك شيئا فقل: هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم خرجه أبو داود
في التسليم للقضاء من غير عجز ولا تفريط
قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير } (آل عمران: 156)
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: [قال رسول الله ﷺ: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله عز وجل ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان] خرجه مسلم
وعن عوف بن مالك رضي الله عنه [أن النبي ﷺ قضى بين رجلين فقال: المقضي عليه لما أدبر: حسبي الله ونعم الوكيل فقال النبي ﷺ: إن الله يلوم على العجز ولكن عليك بالكيس فإذا غلبك أمر فقل: حسبي الله ونعم الوكيل] خرجه أبو داود
فيما ينعم به على الإنسان
قال الله تعالى في قصة الرجلين: { ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله } (الكهف: 39)
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: [قال رسول الله ﷺ: ما أنعم الله على عبد نعمة في أهل ومال وولد فقال ما شاء الله لا قوة إلا بالله فيرى فيها آفة دون الموت]
و [عن النبي ﷺ أنه كان إذا رأى ما ما يسره قال: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وإذا رأى ما يسوؤه قال: الحمد لله على كل حال]
فيما يصاب به المؤمن صغير وكبير
قال الله تعالى: { الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون } (البقرة: 156 - 157)
ويذكر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: [قال رسول الله ﷺ: ليسترجع أحدكم في كل شيء حتى في شسع نعله فإنها من المصائب]
وقالت أم سلمة رضي الله عنها: [سمعت رسول الله ﷺ يقول: ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا أجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها قالت: فلما توفي أبو سلمة: قلت كما أمرني رسول الله ﷺ فأخلف الله لي خيرا منه رسول الله ﷺ] خرجه مسلم
وقالت: [دخل رسول الله ﷺ على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال: إن الروح إذا قبض تبعه البصر فضج ناس من أهله فقال: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون ثم قال: اللهم اغفر لأبي سلمه وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يارب العالمين وافسح له في قبره ونور له فيه] خرجه مسلم
في الدين
[عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن مكاتبا جاءه فقال: إني عجزت عن كتابة فأعني قال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله ﷺ لو كان عليك مثل جبل دينا أداه الله عنك؟ قل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك واغنني بفضلك عمن سواك] قال الترمذي: حديث حسن
في الرقى
قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: [انطلق نفر من أصحاب النبي ﷺ في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شيء فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شيء لا ينفعه فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال بعضهم: والله إني لأرقي ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا فصالحوهم على قطيع من الغنم فانطلق يتفل عليه ويقرأ: { الحمد لله رب العالمين } فكأنما نشط من عقال فانطلق يمشي وما به قلبه قال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه فقال بعضهم: اقسموا فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله ﷺ فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا فقدموا على رسول الله ﷺ فذكروا له فقال: وما يدريك أنها رقيه؟ ثم قال قد أصبتم أقسموا واضربوا لي معكم سهما فضحك النبي ﷺ] متفق عليه
وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: [كان رسول الله ﷺ يعوذ الحسن والحسين رضي الله عنهما: أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ويقول: إن أباكما كان يعوذ بها اسماعيل واسحاق] خرجه البخاري
وعن عائشة رضي الله عنها [أن النبي ﷺ كان إذا اشتكى الإنسان الشيء منه أو كان به قرح أو جرح قال النبي ﷺ بأصبعه هكذا ووضع سفيان بن عيينة إصبعه بالأرض ثم رفعها وقال: بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا]
وعنها [أن النبي ﷺ كان يعوذ بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول: اللهم رب الناس أذهب البأس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما] متفق عليهما
و [عن عثمان بن أبي العاص أنه شكا إلى رسول الله ﷺ وجعا يجده فبي جسده منذ أسلم فقال رسول الله ﷺ: ضع يدك على الذي يؤلم جسدك وقل: بسم الله ثلاثا وقل سبع مرات: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر] خرجه مسلم
وعن ابن عباس رضي الله عنهما [عن النبي ﷺ قال: من عاد مريضا لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرات: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عافاه الله] خرجه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن
في دخول المقابر
قال بريدة رضي الله عنه: [كان رسول الله ﷺ يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية] خرجه مسلم
في الاستسقاء
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: [أتت النبي ﷺ بواك (وهي جمع باكية) فقال النبي ﷺ: اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مربعا نافعا غير ضار عاجلا غير آجل فأطبقت عليهم السماء]
وعن عائشة رضي الله عنها قالت [شكا الناس إلى رسول الله ﷺ قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يوما يخرجون فيه فخرج رسول الله ﷺ حين بذا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد الله عز وجل ثم قال: إنكم شكوتم جدب دياركم واستخار المطر عن إيان زمانه عنكم وقد أمركم الله سبحانه أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم ثم قال: الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين لا إله إلا الله يفعل ما يريد اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إلى حين ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض ابطيه ثم حول إلى الناس ظهره وقلب أو حول رداءة وهو رافع يديه ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين فأنشأ الله عز وجل سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله تعالى فلم يأت مسجده حتى سالت السيول فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك حتى بجت نواجذه فقال: أشهد أن الله على كل شيء قدير وأني عبد الله ورسوله] خرجهما أبو داود
في الريح
قال أبو هريرة رضي الله عنه: [سمعت رسول الله ﷺ يقول: الريح من روح الله تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب فإذا رأيتموها فلا تسبوها واسألوا الله خيرها واستعيذوا بالله من شرها] خرجه أبو داود وابن ماجه
وقالت عائشة رضي الله عنها: [كان النبي ﷺ إذا عصفت الريح قال اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر مافيها وشر ما أرسلت به] خرجه مسلم
وعن عائشة رضي الله عنها [أن النبي ﷺ كان إذا رأى ناشئا في أفق السماء ترك العمل وإن كان في صلاة ثم يقول اللهم إني أعوذ بك من شرها فإن مطر قال: اللهم صيبا هنيئا] خرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه
في الرعد
كان عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته
وعن كعب أنه قال: من قال ذلك ثلاثا عوفي من ذلك الرعد
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما [أن النبي ﷺ كان إذا سمع صوت الرعد والصواعق يقول: اللهم لا تقبلنا بغضبك ولاتهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك] خرجه الترمذي
في نزول الغيث
قال زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه: [صلى بنا رسول الله ﷺ الصبح بالحديبيه في أثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب] متفق عليه
قال أنس رضي الله عنه: [دخل رجل المسجد يوم الجمعة ورسول الله ﷺ قائم يخطب فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا فرفع رسول الله ﷺ يديه ثم قال: اللهم أغثنا اللهم أغثنا قال أنس والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة وما بيننا وبين سلع من بنيان ولا دار فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت فلا والله ما رأينا الشمس سبتا ثن دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله ﷺ قائم يخطب فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله عنا فرفع النبي ﷺ يديه ثم قال: اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر فانقلعت وخرجنا نمشي في الشمس] متفق عليه
في رؤية الهلال
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: [كان رسول الله ﷺ إذا رأى الهلال قال: الله أكبر اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما تحب وترضى ربنا وربك الله] خرجه الدارمي وخرجه الترمذي أخصر منه من حديث طلحة
في الصوم والإفطار
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: [قال رسول الله ﷺ: ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر والإمام العادل ودعوة المظلوم] قال الترمذي: حديث حسن
[وقال ابن أبي مليكة عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن للصائم عند فطره لدعوة لا ترد قال ابن أبي مليكة سمعت عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما إذا أفطر يقول: اللهم إني أسألك برحتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي] خرجه ابن ماجه
ويذكر [عن النبي ﷺ أنه كان إذا أفطر قال: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت]
ومن وجه آخر: اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبل منا إنك أنت السميع العليم
في السفر
يذكر [عن رسول الله ﷺ إنه قال: ما خلف رجل عند أهله أفضل من ركعتين يركعهما عندهم حين يريد السفر] أخرجه الطبراني
وعن أبي هريرة رضي الله عنه [عن النبي ﷺ قال: من أراد أن يسافر فليقل لمن يخلف: أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه]
وعن ابن عمر رضي الله عنهما [عن رسول الله ﷺ قال: إن الله إذا استودع شيئا حفظه] خرجه أحمد وغيره
وقال سالم كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول للرجل إذا أراد سفرا: أدن مني أودعك كما [كان رسول الله ﷺ يودعنا فيقول: أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك ومن وجه آخر كان - يعني النبي ﷺ - إذا ودع رجلا أخذ بيده فلا يدعها حتى يكون الرجل هو الذي يدع يد النبي ﷺ وذكره] قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: [جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله إني أريد سفرا زودني فقال: زودك الله التقوى قال: ويسر لك الخير حيثما كنت] قال الترمذي: حديث حسن (غريب)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه [أن رجلا قال يا رسول الله إني أريد أن أسافر فأوصني قال: عليك بتقوى الله والتكبير على كل شرف فلما ولي الرجل قال: اللهم اطو له البعد وهون عليه السفر] قال الترمذي حديث حسن
في ركوب الدابة
[قال: علي بن ربيعة: شهدت علي بن أبي طالب رضي الله عنه أتى بدابة ليركبها فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله فلما استوى على ظهرها قال: الحمد لله ثم قال: { سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون } (الزخرف: 13) ثم قال: الحمد لله - ثلاث مرات - ثم قال: الله أكبر - ثلاث مرات - ثم قال: سبحانك - اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ثم ضحك فقيل: يا أمير المؤمنين من أي شيء ضحكت؟ قال: إني رأيت النبي ﷺ فعل كما فعلت ثم ضحك فقلت: يا رسول الله من أي شيء ضحكت قال: إن ربك سبحانه وتعالى يعجب من عبده إذا قال: رب اغفر لي ذنوبي يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري] خرجه أبو داود والنسائي والترمذي وقال حديث حسن صحيح
وخرج مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما [أن النبي كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر كبر ثلاثا ثم قال: { سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون } (الزخرف: 13) اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل
وإذا رجع قالهن وزاد فيهن آبيون تائبون عابدون لربنا حامدون]
في وجه آخر: [كان رسول الله ﷺ وأصحابه إذا علوا الثنايا كبروا وإذا هبطوا سبحوا] وهو في الصحيح
في ركوب البحر
يذكر عن الحسين بن علي رضي الله عنهما قال: [قال رسول الله ﷺ: أمان لأمتي من الغرق إذا ركبوا أن يقولوا: { بسم الله مجريها ومرساها إن ربي لغفور رحيم } (هود: 41) { وما قدروا الله حق قدره } (الأنعام: 91)]
في الدابة الصعبة
قال يونس بن عبيد رحمه الله: ما من رجل يكون على دابة صعبة فيقول في أذنها: { أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون } (آل عمران: 83) إلا وقفت بإذن الله تعالى وقد فعلنا ذلك فكان كذلك بإذن الله تعالى
في الدابة تنفلت
عن ابن مسعود رضي الله عنه [عن النبي ﷺ إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله احبسوا فإن لله عز وجل في الأرض حاضرا سيحبسه]
في القرية أم البلدة إذا أراد دخولها
عن صهيب رضي الله عنه [أن النبي ﷺ لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها: اللهم رب السموات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما ذرين أسألك خير هذه القرية وخير ما فيها وأعوذ بك من شرها شر ما فيها] خرجه النسائي وغيره
في المنزل ينزله
عن خولة بنت حكيم رضي الله عنها قالت: [سمعت رسول الله ﷺ يقول: من نزل منزلا ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك] خرجه مسلم
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: [كان رسول الله ﷺ إذا سافر فأقبل الليل قال: يا أرض ربي وربك الله أعو1 بالله من شرك وشر ما فيك وسر ما خلق فيك وشرما يدب عليك أعوذ بالله من أسد وأسود ومن الحية والعقرب ومن ساكن البلد ومن والد وما ولد] خرجه أبو داود
في الطعام والشراب
قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون } (البقرة: 172)
[قال عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه: قال لي رسول الله ﷺ: يا بني سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك] متفق عليه
وقالت عائشة رضي الله عنها [قال رسول الله ﷺ: إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى في أوله فإن نسي أن يذكر الله تعالى في أوله فليقل: بسم الله أوله وآخره] قال الترمذي: حديث حسن صحيح
وعن أمية بن مخشي رضي الله عنه قال: [كان رسول الله ﷺ جالسا ورجل يأكل فلم يسم الله تعالى حتى لم يبق من طعامه إلا لقمة فلما رفعها إلى فيه قال: بسم الله أوله وآخره فضحك النبي ﷺ ثم قال: ما زال الشيطان يأكل معه فلما ذكر اسم الله استقاء ما في بطنه] خرجه أبو داود والنسائي
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: [ما عاب رسول الله ﷺ طعاما قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه] متفق عليه
وعن وحشي [أن أصحاب رسول الله ﷺ قالوا: يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع قال: فلعلكم تفترقون قالوا: نعم قال ﷺ: فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه] خرجه أبو داود وابن ماجه
وقال أنس رضي الله عنه: [قال رسول الله ﷺ: إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها] خرجه مسلم
وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه قال: [قال رسول الله ﷺ: من أكل طعاما فقال: الحمد لله أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه] قال الترمذي: حديث حسن
وعن أبي سعيد رضي الله عنه [أن النبي ﷺ كان إذا فرغ من طعامه قال: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا من المسلمين] خرجه أبو داود والترمذي
و [عن رجل خدم النبي ﷺ أنه كان يسمع النبي ﷺ إذا قرب إليه طعاما يقول: بسم الله وإذا فرغ من طعامه قال: اللهم أطعمت وأسقيت وأغنيت وأقنيت وهديت وأحييت فلك الحمد على ما أعطيت] خرجه النسائي وغيره
وخرج البخاري عن أبي أمامة رضي الله عنه [أن النبي ﷺ كان إذا رفع مائدته قال: الحمد لله كثيرا طيبا مباركا فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا]
في الضيف ونحوه
[ذكر عبد الله بن يسر رضي الله عنه قال: نزل رسول الله ﷺ على أبي قال: فقربنا إليه طعاما ووطبة فأكل منها ثم أتي بتمر فكان يأكله ويلقي النوى بين إصبعيه ويجمع السبابة والوسطى ثم أتي بشراب فشربه ثم ناوله الذي عن يمينه قال: فقال: أبي وأخذ بلجام دابته: ادع الله لنا فقال: اللهم بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم] خرجه مسلم
وعن أنس رضي الله عنه [أن النبي ﷺ جاء إلى سعد بن عبادة رضي الله عنه فجاء بخبز وزيت فأكل ثم قال النبي ﷺ: أفكر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة] خرجه أبو داود وغيره
وخرج أيضا [عن جابر رضي الله عنه قال: صنع أبو الهيثم بن التيهان للنبي ﷺ طعاما فدعا النبي ﷺ وأصحابه فلما فرغوا قال: أثيبوا أخاكم قالوا: يا رسول الله وما إثابته؟ قال: إن الرجل إذا دخل بيته فأكل طعامه وشرب شرابه فدعوا له فذلك إثابته]
في السلام
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه [أن رجلا سأل النبي ﷺ: أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف] متفق عليه
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: [قال رسول الله ﷺ لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم] خرجه مسلم
وقال عمار بن ياسر رضي الله عنه: ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الانصاف من نفسك وبذل السلام للعالم والإنفاق من الإقتار
وقال عمران بن حصين: [جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: السلام عليكم فرد فقال: السلام عليكم ورحمة الله فرد عليه فجلس فقال: عشرون ثم جاء آخر فقال ثلاثون] قال: الترمذي حديث حسن
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: [قال رسول الله ﷺ: إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام] قال الترمذي: حديث حسن
وخرج أبو داود عن علي رضي الله عنه [عن النبي ﷺ قال: يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم]
أنس رضي الله عنه: [مر النبي ﷺ على صبية يلعبون فسلم عليهم] حديث صحيح
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: [قال رسول الله ﷺ اذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم فإن بدا له أن يجلس فليجلس ثم إذا قام فليسلم فليست الأولى بأحق من الآخرة] قال الترمذي: حديث حسن
في العطاس والتثاؤب
قال أبو هريرة رضي الله عنه [عن النبي ﷺ قال: إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا عطس أحدكم وحمد الله كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول: يرحمك الله وأما التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان]
وقال أيضا [عن النبي ﷺ قال: إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله فإذا قال له: يرحمك الله فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم] خرجهما البخاري
وفي لفظ أبي داود: [الحمد لله على كل حال]
وقال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: [سمعت رسول الله ﷺ يقول: إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه فإن لم يحمد الله فلا تشمتوه] خرجه مسلم
في النكاح
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [علمنا رسول الله ﷺ خطبة الحاجة: الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله ألا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله] وفي رواية زيادة: [أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } (النساء: 1) { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } (آل عمران: 102) { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما } (الأحزاب: 70 - 71)] خرجه الأربعة وقال الترمذي: حديث حسن
وعن أبي هريرة رضي الله عنه [أن النبي ﷺ كان إذا رفأ الانسان إذا تزوج قال: بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير] قال الترمذي: حديث حسن صحيح
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده [عن النبي ﷺ قال: إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادما فليقل: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه ـ وإذا اشترى بعيرا فليأخذ بذورة سنامه وليقل مثل ذلك] خرجه أبو داود وابن ماجه
وقال ابن عباس رضي الله عنهما [عن النبي ﷺ قال: لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ـ فقضي بينهما ولد لم يضره شيطان أبدا] متفق عليه
في الولادة
[يذكر أن فاطمة رضي الله عنها لما دنا ولادها أمر رسول الله ﷺ أم سلمة وزينب بنت جحش أن يأتيا فيقرأ عندها آية الكرسي و{ إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض } إلى آخر الآية (الأعراف: 54) و(يونس: 3): ويعوذاها بالمعوذتين]
[وقال أبو رافع رضي الله عنه: رأيت رسول الله ﷺ أذن في الحسن بن علي حين ولدته فاطمة رضي الله عنها بالصلاة] قال الترمذي حديث حسن صحيح
ويذكر عن الحسين بن علي رضي الله عنهما قال: [قال رسول الله ﷺ: من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى لم تضره أم الصبيان]
وقالت عائشة رضي الله عنها: [كان رسول الله ﷺ يؤتى بالصبيان فيدعو لهم بالبركة ويحنكهم] خرجه أبو داود
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده [عن النبي ﷺ: أنه أمر بتسمية المولود يوم سابعه ووضع الأذى عنه والعق] قال الترمذي: حديث حسن
وقد [سمى النبي ﷺ ابنه إبراهيم وإبراهيم بن أبي موسى وعبد الله بن أبي طلحة والمنذر بن أبي أسيد قريبا من ولادتهم]
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: [قال رسول الله ﷺ: إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم] ذكره أبو داود
وذكر مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: [قال رسول الله ﷺ: إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن]
وعن أبي وهب الجشمي قال: [قال رسول الله ﷺ: يسموا بأسماء الأنبياء وأحب الأسماء إلى الله تعالى عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها حارث وهمام وأقبحها حرب ومرة] خرجه أبو داود والنسائي
[وقد غير النبي ﷺ الأسماء المكروهة إلى أسماء حسنة فكانت زينب تسمى: برة فقيل تزكي نفسها فسماها زينب وكان يكره أن يقال: خرج من عند برة وقال لرجل: ما اسمك؟ قال: حزن قال: بل أنت سهل وغير اسم عاصية فسماها جميلة وقال لرجل: ما اسمك؟ قال: أصرم قال: بل أنت زرعة وسمى حربا: سلما وسمى المضطجع: المنبعث وأرضا يقال لها: عفرة سماها: خضرة وشعب الضلالة سماها شعب الهدى وبنو الزنية سماهم: بنو الرشدة]
في صياح الديك والنهيق والنباح
ذكر أبو هريرة رضي الله عنه [عن النبي ﷺ قال: إذا سمعتم نهاق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطانا وإذا سمعتم صياح الديكة فسلوا الله من فضله فإنها رأت ملكا] متفق عليه
وعن جابر رضي الله عنه قال: [قال رسول الله ﷺ: إذا سمعتم نباح الكلاب ونهيق الحمير بالليل فتعوذوا بالله منهن فإنهن يرون ما لا ترون] خرجه أبو داود
في الحريق
يذكر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: [قال رسول الله ﷺ: إذا رأيتم الحريق فكبروا فإن التكبير يطفئه]
في المجلس
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: [قال رسول الله ﷺ من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا كفر الله له ما كان في مجلسه ذلك] قال الترمذي: حديث حسن صحيح
وفي حديث آخر: أنه إذا كان في مجلس خير كان كالطابع له وإن كان مجلس تخليط كان كفارة له
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: [قال رسول الله ﷺ: ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله تعالى فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة] خرجه أبو داود وغيره
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: [قلما كان رسول الله ﷺ يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤ لاء الدعوات لأصحابه: اللهم اقسم لنا من حشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولاتجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا] قال الترمذي: حديث حسن
في الغضب
قال الله تعالى: { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم } فصلت: 36
[وقال سليمان بن صرد: كنت جالسا مع رسول الله ﷺ ورجلان يستبان وأحدهما قد احمر وجهه وانتفخت أوداجه فقال رسول الله ﷺ: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذهب عنه ما يجد] متفق عليه
وعن عطية بن عروة قال: [قال رسول الله ﷺ: إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من نار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ] ذكره أبو داود
في رؤية أهل البلاء
عن أبي هريرة رضي الله عنه [عن النبي ﷺ قال: من رأى مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا لم يصبه ذلك البلاء] قال الترمذي: حديث حسن
في دخول السوق
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه [أن رسول الله ﷺ قال: من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة] خرجه الترمذي
وعن بريدة رضي الله عنه قال: [كان رسول الله ﷺ إذا خرج إلى السوق قال: بسم الله اللهم إني أسألك من خير هذه السوق وخير ما فيها وأعوذ بك من شرها وشر مافيها اللهم إني أعوذ بك أن أصيب فيها يمينا فاحرة أو صفقة خاسرة] إسناد هذا أمثل من الأول
في النظر في المرآة
يذكر عن أنس رضي الله عنه قال: [كان رسول الله ﷺ إذا نظر وجهه في المرآة قال: الحمد لله الذي سوى خلقي فعدله وكرم صورة وجهي فحسنها وجعلني من المسلمين]
وعن علي رضي الله عنه [أن النبي ﷺ كان إذا نظر وجهه في المرآة قال: الحمد لله اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي]
في الحجامة
عن علي رضي الله عنه قال: [قال رسول الله ﷺ: من قرأ آية الكرسي عند الحجامة كانت منفعة حجامتة]
في الأذن إذا طنت
عن أبي رافع رضي الله عنه قال: [قال رسول الله صلى عليه وسلم إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني وليصل علي وليقل: ذكر الله بخير من ذكرني]
في الرجل إذا خدرت
عن الهيثم بن حنش قال: كنا عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فخدرت رجله فقال له رجل: اذكر أحب الناس إليك فقال: يا محمد فكأنما نشط من عقال
وعن مجاهد قال: خدرت رجل رجل عند ابن عباس رضي الله عنهما فقال له ابن عباس اذكر أحب الناس إليك فقال: محمد ﷺ فذهب خدره
في الدابة إذا تعست
[عن أبي المليح عن رجل قال: كنت رديف النبي ﷺ فعثرت دابته فقلت: تعس الشيطان فقال: لا تقل: تعس الشيطان فإنك إذا قلت ذلك تعاظم حتى يكون مثل البيت ويقول: بقوتي ولكن قل: باسم الله فإنك إذا قلت ذلك تصاغر حتى يكون مثل الذباب]
فيمن أهدى هدية ودعي له
[عن عائشة رضي الله عنها قالت: أهديت لرسول الله ﷺ شاة قال: اقسميها فكانت عائشة إذا رجعت الخادم تقول: ما قالوا؟ تقول الخادم: قالوا: بارك الله فيكم فتقول عائشة: وفيهم بارك الله نرد عليهم مثل ما قالوا ويبقى أجرنا لنا] وقد بلغنا عنها في الصدقة نحو ذلك
فيمن أميط عنه الأذى
[عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنه تناول من لحية رسول الله ﷺ أذى فقال له رسول الله ﷺ: مسح الله عنك يا أبا أيوب ما تكره وفي وجه آخر: لايكن بك السوء يا أبا أيوب]
وعن عمر رضي الله عنه أنه أخذ من لحية رجل أو رأسه شيئا فقال الرجل: صرف الله عنك السوء فقال عمر رضي الله عنه: صرف الله عنا السوء منذ أسلمنا ولكن إذا أخذ عنك شيء فقل: أخذت يداك خيرا
في رؤية باكورة الثمر
قال أبو هريرة رضي الله عنه: [كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاؤوا به إلى رسول الله ﷺ فإذا أخذه رسول الله ﷺ قال: اللهم بارك لنا في ثمرنا وبارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في صاعنا وبارك لنا في مدنا ثم يعطيه أصغر من يحضر من الولدان] خرجه مسلم
في الشيء يعجبه ويخاف عليه العين
قال الله تعالى { ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله } (الكهف: 39)
[وقال النبي ﷺ: العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين] حديث صحيح
ويذكر [عن النبي ﷺ قال: إذا رأى أحدكم ما يعجبه في نفسه أو ماله فليبرك عليه فإن العين حق]
ويذكر [عن النبي ﷺ قال: من رأى منكم شيئا فأعجبه فليقل: ما شاء الله لا قوة إلا بالله]
ويذكر [عن النبي ﷺ قال: أنه كان إذا خاف أن يصيب شيئا بعينه قال: اللهم بارك فيه ولا تصره]
وقال أبو سعيد رضي الله عنه: [كان رسول الله ﷺ يتعوذ من الجان وعين الانسان حتى نزلت المعوذتان فلما نزلتا أخذهما وترك ما سواهما] قال الترمذي: حديث حسن
في الفأل والطيرة
[قال النبي ﷺ: لا عدوى ولا طيرة وأصدقها الفأل قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الحسنة يسمعها الرجل]
[وكان رسول الله ﷺ يعجبه الفأل]
مثل ما كان في سفر الهجرة فلقيهم رجل فقال: ما اسمك؟ قال بريدة قال: برد أمرنا
وقال: رأيت في منامي كأني في دار عقبة بن رافع وأتينا من رطب ابن طاب فأولت الرفعة لنا في الدنيا والعاقبة لنا في الآخرة وأن ديننا قد طاب
وأما الطيرة ف [قال معاوية بن الحكم رضي الله عنه: قلت يا رسول الله منا رجال يتطيرون قال: ذلك شيء تجدونه في صدوركم فلا يصدنكم] هذه الأحاديث في الصحاح
و [عن عروة بن عامر قال: سئل رسول الله ﷺ عن الطيرة فقال: أصدقها الفأل ولا تردوا مسلما وإذا رأيتم شيئا تكرهونه فقولوا: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يذهب بالسيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بالله]
في الحمام
[عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا وموقوفا - وهو شبه - قال: نعم البيت الحمام يدخله المسلم إذا دخله سأل الله الجنة واستعاذه من النار]
تصنيف:
الكلم الطيب
============
الرد على المنطقيين 
الرد على المنطقيين
المؤلف: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني المتوفى 728 هـ
/1//2///4//5//6//7//8//9//10//11//12//13//14//15//16//17//18//19
===== 
 ويكي مصدر *
الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان
الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان
ابن تيمية
[[::تصنيف:الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان:مطبوع| ]]

نزل نسخة مطبوعة
أولياء الرحمن وأولياء الشيطان
محتويات

1 الخطبة التي كان يفتتح بها المؤلف كتبه
2 لله أولياء وللشيطان أولياء
3 فصل في صفات أولياء الله
4 الإيمان والتقوى
5 الحب في الله والبغض في الله
6 موالاة الطاعات
7 أفضل أولياء الله
8 أفضل أولي العزم
9 ادعاء مشركي العرب أنهم أهل الله
10 حديث: وليي الله وصالح المؤمنين
11 لا طريق غير طريق الإسلام
12 حال أهل الصفة
13 كذب كل حديث يروى عن النبي في عدة الأولياء
14 هل يكون لله ولي من النصارى واليهود
15 ما لابد منه في الإيمان
16 الأركان الخمسة
17 محمد ﷺ خاتم النبيين
18 الإيمان بجملة ما جاء
19 الإيمان بوساطته في التبليغ
20 أولياء من جنس الكهان والسحرة
21 خصال المنافقين أربع من أمر الجاهلية
22 فصل
23 خوف أصحاب النبي ﷺ من النفاق
24 أولياء الله طبقتان: سابقون مقربون وأصحاب يمين
25 الجزاء من جنس العمل
26 الأنبياء منهم عبد رسول ومنهم نبي ملك
27 فصل
28 أمة محمد ﷺ وارثة الكتاب
29 القول في عذاب أهل الكبائر
30 أصل الإيمان - فصل
31 الإيمان المجمل والمفصل
32 لا يكون أحد من الكفار والمنافقين وليا - فصل
33 المجنون والمكاشفات
34 لا ولاية لمن لا يؤدي الفرائض
35 بدعة التميز باللباس والحلاقة
36 التحقيق في اسم الصوفية
37 الناس معادن وتفاضلهم بالتقوى
38 لفظ الفقر شرعا
39 لا أصل لحديث: رجعنا من الجهاد الأصغر
40 جهاد الكفار من أعظم الجهاد
41 أفضل الإيمان
42 حق الله على عباده
43 ليس في السنة إفراط ولا تفريط
44 هل يعصم الأولياء
45 الدعاء بالآية: ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا
46 أجر المجتهد
47 وجوب اتباع ما بعث الله رسوله
48 أحاديث في فضائل عمر رضي الله عنه
49 حديث اني رسول الله ولست أعصيه
50 قتال مانعي الزكاة
51 مرتبة الصديق ومرتبة المحدث
52 لا ولاية لمن خالف الكتاب والسنة
53 الأنبياء وحدهم يطاعون في كل ما يأمرون به
54 معنى: اتقوا الله حق تقاته
55 كيف يكفر أدعياء الولاية
56 أقوال لأبي سليمان الداراني والجنيد
57 غلط الناس في اتباع من خالف السنة والكتاب
58 مشابهتم للنصارى
59 ميثاق الله على الأنبياء للايمان بمحمد ﷺ
60 الاغترار بالمكاشفات والتصرفات الخارقة للعادة
61 معنى الكرامة
62 علامات أولياء الشيطان
63 المؤمن يفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان
64 لكل نبي شرعة ومنهاج
65 الإسلام دين الأنبياء
66 دين واحد وشرائع منوعة
67 الأنبياء أفضل من الأولياء بالاتفاق - فصل
68 أفضل الناس بعد الأنبياء أبو بكر
69 خير القرون
70 أفضل السابقين الأولين
71 الكلام على خاتم الأولياء
72 مزاعم ابن عربي
73 احتياج شريعة عيسى عليه السلام إلى النبوات السابقة
74 إيمان الأولياء بين الباطن والظاهر
75 لا مثيل لولاية محمد ﷺ على الاطلاق
76 ادعاؤهم بوحدة معدن الأنبياء والأولياء
77 فساد تلفيق ابن سينا في الأمور الإلهية
78 خصائص النبوة عند ابن سينا وغيره من المتفلسفة
79 نقد آراء ابن سينا
80 كذب الحديث الذي ذكروه في العقل ونقضه لغة وشرعا
81 التحقيق في المخلوق والمحدث والقديم الأزلي
82 صفات الملائكة في القرآن
83 نفي صفة الخيال عن جبريل
84 الكشف عن غاية المتصوفة من الفلاسفة من أفكار أصول الإيمان ومجد الخالق
85 نقد فكرتي الحلول ووحدة الوجود
86 كيف تتلبسهم الشياطين فيظنونها ملائكة
87 كذاب ثقيف ومبيرها
88 تفنيد مزاعم ابن عربي
89 احواله الشيطانية
90 مدحه الكفار
91 عقيدته في القديم والمحدث
92 زعمهم أن القرآن شرك لأنه خالف الفصوص
93 نقد فكرة وحدة الوجود
94 القول في تعطيلهم الخالق القول في تعميم الألوهية
95 القول في طلبهم ترك العقل والشرع
96 تقديمهم الأولياء على الأنبياء وقولهم بعدم انقطاع النبوة
97 القول في المعصية
98 القول في قصيدة نظم السلوك وتوهم ابن الفارض الالوهية
99 معية الله بعلمه لا بذاته وهي عامة وخاصة
100 القول في الصفات ليس كمثله شيء
101 الله تعالى خالق كل شيء ومليكه
102 الشرك أعظم الذنوب - أوامر الله ونواهيه
103 دعاء النبي لله واستغفاره
104 عدم الإصرار على الذنب من محبة الله للعبد
105 جعل القدر حجة لأهل الذنوب من الشرك
106 حديث: احتج آدم وموسى تخريج الحديث وشرحه
107 الأمر بالصبر عند المصائب
108 الرضى بحكم الله أعلى مرتبة من الصبر
109 أهل البغي عند الطاعة قدريون وعند المعصية جبريون
110 سيد الاستغفار
111 حديث: يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي
112 الفرق بين الحقيقة الكونية والحقيقة الدينية
113 أفضل القضاة
114 مدلول لفظ الشرع والشريعة
115 الاحتجاج بقصة موسى مع الخضر ودفعه من وجهين
116 الإرادة الكونية
117 الأمر
118 الاذن القضاء
119 البعث الإرسال الجعل
120 التحريم الكلمات
121 تعريف أولياء الله المتقين واعدائه
122 مجامع الفرق بين الولايتين
123 من كتاب الله
124 من المعقول الشرعي
125 كيف تحصل كرامات أولياء الله
126 كرامات النبي ﷺ
127 كرامات الصحابة والتابعين
128 بعض الأحوال الشيطانية
129 آية الكرسي تطرد الشياطين
130 فروق بين كرامات الأولياء والأحوال الشيطانية
131 أحوال شيطانية أخرى
132 اتخاذ القبور مساجد
133 حال أصنام الجاهلية
134 مغارات الشياطين
135 أقسام الناس في خوارق العادات
136 ما يقوي الأحوال الشيطانية من السماع والمكاء والتصدية
137 سماع الكف والدف
138 غاية الكرامة لزوم الاستقامة
139 انخداع صاحب الخوارق الشيطانية بحاله
140 الإيمان والتقوى سبب كرامات الأنبياء
141 رسالة محمد ﷺ للناس كافة
142 إيمان نفر من الجن
143 من استعاذ بالجن
144 دخول كفار الجن النار
145 كفر من استعاذ بالجن
146 من يسجد للشمس والقمر
147 الاستغاثة بالشيوخ
148 الحيل الشيطانية

 
 
 الخطبة التي كان يفتتح بها المؤلف كتبه
الحمد لله نستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا أرسله بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا فهدى به من الضلالة وبصر به من العمى وأرشد به من الغي وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا وفرق به بين الحق والباطل والهدى والضلال والرشاد والغي والمؤمنين والكفار والسعداء أهل الجنة والأشقياء أهل النار وبين أولياء الله وأعداء الله فمن شهد له محمد ﷺ بأنه من أولياء الله فهو من أولياء الرحمن ومن شهد له بأنه من أعداء الله فهو من أعداء الله وأولياء الشياطين
لله أولياء وللشيطان أولياء
وقد بين سبحانه وتعالى في كتابه وسنة رسوله ﷺ أن لله أولياء من الناس وللشيطان أولياء ففرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان فقال تعالى: { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم } وقال تعالى: { الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } وقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين * فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين * ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين * يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم * إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون } وقال تعالى: { هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا }
وذكر أولياء الشيطان فقال تعالى: { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم * إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون } وقال تعالى: { الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا } وقال تعالى: { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا } وقال تعالى: { ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا } وقال تعالى: { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم * إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين } وقال تعالى: { إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون * وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا } إلى قوله { إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون } وقال تعالى: { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم } وقال الخليل عليه السلام: { يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا } وقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة } الآيات إلى قوله { إنك أنت العزيز الحكيم }
صفات أولياء الله
فصل في صفات أولياء الله
وإذا عرف أن الناس فيهم أولياء الرحمن وأولياء الشيطان فيجب أن يفرق بين هؤلاء وهؤلاء كما فرق الله ورسوله بينهما فأولياء الله هم المؤمنون المتقون كما قال تعالى: { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون }
الإيمان والتقوى
وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: [ يقول الله تعالى: من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة - أو فقد آذنته بالحرب - وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ] - وفي رواية فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي - [ ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولابد له منه ] وهذا أصح حديث يروى في الأولياء فبين النبي ﷺ أنه من عادى وليا لله فقد بارز الله في المحاربة
الحب في الله والبغض في الله
وفي حديث آخر: [ وإني لأثأر لأوليائي كما يثأر الليث الحرب ] أي: آخذ ثأرهم ممن عاداهم كما يأخذ الليث الحرب ثأره وهذا لأن أولياء الله هم الذين آمنوا به ووالوه فأحبوا ما يحب وأبغضوا ما يبغض ورضوا بما يرضى وسخطوا بما يسخط وأمروا بما يأمر ونهوا عما نهى وأعطوا لمن يحب أن يعطى ومنعوا من يحب أن يمنع كما في الترمذي وغيره عن النبي ﷺ أنه قال: [ أوثق عرى الإيمان: الحب في الله والبغض في الله ] وفي حديث آخر رواه أبو داود وقال: [ من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان ]
موالاة الطاعات
والولاية: ضد العداوة وأصل الولاية: المحبة والقرب وأصل العداوة: البغض والبعد وقد قيل أن الولي سمي وليا من موالاته للطاعات أي متابعته لها والأول أصح والولي: القريب يقال: هذا يلي هذا أي يقرب منه ومنه قوله ﷺ: [ ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر ] أي لأقرب رجل إلى الميت ووكده بلفظ الذكر ليبين أنه حكم يختص بالذكور ولا يشترك فيه الذكور والإناث كما قال في الزكاة: [ فابن لبون ذكر ]
فإذا كان ولي الله هو الموافق المتابع له فيما يحبه ويرضاه ويبغضه ويسخطه ويأمر به وينهى عنه كان المعادي لوليه معاديا له كما قال تعالى: { لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة } فمن عادى أولياء الله فقد عاداه ومن عاداه فقد حاربه فلهذا قال: [ ومن عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ]
أفضل أولياء الله
وأفضل أولياء الله هم أنبياؤه وأفضل أنبيائه هم المرسلون منهم وأفضل المرسلين أولو العزم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد ﷺ قال تعالى: { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه } وقال تعالى: { وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا * ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما }
أفضل أولي العزم
وأفضل أولي العزم: محمد ﷺ خاتم النبيين وإمام المتقين وسيد ولد آدم وإمام الأنبياء إذا اجتمعوا وخطيبهم إذا وفدوا صاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون وصاحب لواء الحمد وصاحب الحوض المورود وشفيع الخلائق يوم القيامة وصاحب الوسيلة والفضيلة الذي بعثه الله بأفضل كتبه وشرع له أفضل شرائع دينه وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس وجمع له ولأمته من الفضائل والمحاسن ما فرقه فيمن قبلهم وهم آخر الأمم خلقا وأول الأمم بعثا كما قال ﷺ في الحديث الصحيح: [ نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه - يعني يوم الجمعة - فهدانا الله له: الناس لنا تبع فيه غدا لليهود وبعد للنصارى ]
وقال ﷺ: [ أنا أول من تنشق عنه الأرض ] وقال صلىالله عليه وسلم: [ آتي باب الجنة فأستفتح فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: أنا محمد فيقول: بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك ]
وفضائله ﷺ وفضائل أمته كثيرة ومن حين بعثه الله جعله الفارق بين أوليائه وبين أعدائه: فلا يكون وليا لله إلا من آمن به وبما جاء به واتبعه باطنا وظاهرا ومن ادعى محبة الله وولايته وهو لم يتبعه فليس من أولياء الله بل من خالفه كان من أعداء الله وأولياء الشيطان قال تعالى: { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } قال الحسن البصري رحمه الله: ادعى قوم أنهم يحبون الله فأنزل الله هذه الآية محنة لهم وقد بين الله فيها أن من اتبع الرسول فإن الله يحبه ومن ادعى محبة الله ولم يتبع الرسول ﷺ فليس من أولياء الله: وأن كان كثير من الناس يظنون في أنفسهم أو في غيرهم أنهم من أولياء الله ولا يكونون من أولياء الله فاليهود والنصارى يدعون أنهم أولياء لله ( وأنه لا يدخل الجنة إلا من كان منهم بل يدعون أنهم أبناؤه ) وأحباؤه قال تعالى: { قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق } الآية وقال تعالى: { وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم } إلى قوله: { ولا هم يحزنون }
ادعاء مشركي العرب أنهم أهل الله
وكان مشركو العرب يدعون أنهم أهل الله لسكناهم مكة ومجاورتهم البيت وكانوا يستكبرون به على غيرهم كما قال تعالى: { قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون * مستكبرين به سامرا تهجرون } وقال تعالى: { وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك } إلى قوله: { وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون } فبين سبحانه أن المشركين ليسوا أولياءه ولا أولياء بيته إنما أولياؤه المتقون
حديث: وليي الله وصالح المؤمنين
وثبت في الصحيحين عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول جهارا من غير سر: [ إن آل فلان ليسوا لي بأولياء - يعني طائفة من أقاربه - إنما وليي الله وصالح المؤمنين ] وهذا موافق لقوله تعالى: { فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين } الآية وصالح المؤمنين: هو من كان صالحا من المؤمنين وهم المؤمنون المتقون أولياء الله ودخل في ذلك أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر أهل بيعة الرضوان الذين بايعوا تحت الشجرة وكانوا ألفا وأربعمائة وكلهم في الجنة كما ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: [ لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة ] ومثل هذا الحديث الآخر: إن أوليائي المتقون أيا كانوا وحيث كانوا 
 
 
لا طريق غير طريق الإسلام
كما أن من الكفار من يدعي أنه ولي الله وليس وليا لله بل عدو له فكذلك من المنافقين الذين يظهرون الاسلام يقرون في الظاهر بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنه مرسل إلى جميع الأنس بل إلى الثقلين: الأنس والجن ويعتقدون في الباطن ما يناقض ذلك مثل أن لا يقروا في الباطن بأنه رسول الله وإنما كان ملكا مطاعا ساس الناس برأيه من جنس غيره من الملوك أو يقولون: إنه رسول الله إلى الأميين دون أهل الكتاب كما يقوله كثير من اليهود والنصارى أو أنه مرسل إلى عامة الخلق وأن لله أولياء خاصة لم يرسل إليهم ولا يحتاجون إليه بل لهم طريق إلى الله من غير جهته كما كان الخضر مع موسى أو أنهم يأخذون عن الله كل مايحتاجون إليه وينتفعون به من غير واسطة أو أنه مرسل بالشرائع الظاهرة وهم موافقون له فيها وأما الحقائق الباطنة فلم يرسل بها أولم يكن يعرفها أو هم أعرف بها منه أو يعرفونها مثل ما يعرفها من غير طريقته 
 
 
حال أهل الصفة
وقد يقول بعض هؤلاء: إن أهل الصفة كانوا مستغنين عنه ولم يرسل إليهم ومنهم من يقول: إن الله أوحى إلى أهل الصفة في الباطن ما أوحى إليه ليلة المعراج فصار أهل الصفة بمنزلته وهؤلاء من فرط جهلهم لا يعلمون أن الإسراء كان بمكة كما قال تعالى: { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله } وأن الصفة لم تكن إلا بالمدينة وكانت صفة في شمالي مسجده ﷺ ينزل بها الغرباء الذين ليس لهم أهل وأصحاب ينزلون عندهم فإن المؤمنين كانوا يهاجرون إلى النبي ﷺ إلى المدينة فمن أمكنه أن ينزل في مكان نزل به ومن تعذر ذلك عليه نزل في المسجد إلى أن يتيسر له مكان ينتقل إليه
ولم يكن أهل الصفة ناسا بأعيانهم يلازمون الصفة بل كانوا يقلون تارة ويكثرون أخرى ويقيم الرجل بها زمانا ثم ينتقل منها والذين ينزلون بها من جنس سائر المسلمين ليس لهم مزية في علم ولا دين بل فيهم من ارتد عن الاسلام وقتله النبي ﷺ كالعرنيين الذين اجتووا المدينة أي: استوخموها فأمرهم النبي ﷺ بلقاح - أي إبل لها لبن - وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها فلما صحوا قتلوا الراعي واستاقوا الذود فأرسل النبي ﷺ في طلبهم فأتى بهم فأمر بقطع أيديهم وأرجلهم وسمرت أعينهم وتركهم في الحرة يستسقون فلا يسقون
وحديثهم في الصحيحين من حديث أنس وفيه أنهم نزلوا الصفة فكان ينزلها مثل هؤلاء ونزلها من خيار المسلمين سعد بن أبي وقاص وهو أفضل من نزل بالصفة ثم انتقل عنها ونزلها أبو هريرة وغيره وقد جمع أبو عبد الرحمن السلمي تاريخ من نزل الصفة 
 
 
وأما الأنصار فلم يكونوا من أهل الصفة وكذلك أكابر المهاجرين - كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن ابن عوف وأبي عبيدة ( بن الجراح ) وغيرهم - لم يكونوا من أهل الصفة 
 
 
كذب كل حديث يروى عن النبي في عدة الأولياء
وقد روي أنه كان بها غلام للمغيرة بن شعبة وأن النبي ﷺ قال: هذا واحد من السبعة وهذا الحديث كذب باتفاق أهل العلم وإن كان قد رواه أبو نعيم في الحلية وكذا كل حديث يروى عن النبي ﷺ في عدة الأولياء والأبدال والنقباء والنجباء والأوتاد والأقطاب مثل أربعة أو سبعة أو اثني عشر أو أربعين أو سبعين أو ثلاثمائة أو ثلاثمائة وثلاثة عشر أو القطب الواحد فليس في ذلك شيء صحيح عن النبي ﷺ ولم ينطق السلف بشيء من هذه الألفاظ إلا بلفظ الأبدال 
 
 
وروي فيهم حديث أنهم أربعون رجلا وأنهم بالشام وهو في المسند من حديث علي كرم الله وجهه وهو حديث منقطع ليس بثابت ومعلوم أن عليا ومن معه من الصحابة كانوا أفضل من معاوية ومن معه بالشام فلا يكون أفضل الناس في عسكر معاوية دون عسكر علي 
 
 
وقد أخرجا في الصحيحين عن أبي سعيد عن النبي ﷺ أنه قال: [ تمرق مارقة من الدين على حين فرقة من المسلمين يقتلهم أولى الطائفتين بالحق ] وهؤلاء المارقون هم الخوارج الحرورية الذين مرقوا لما حصلت الفرقة بين المسلمين في خلافة علي فقتلهم علي ابن أبي طالب وأصحابه فدل هذا الحديث الصحيح على أن علي ابن أبي طالب أولى بالحق من معاوية وأصحابه وكيف يكون الأبدال في أدنى العسكرين دون أعلاهما 
 
 
وكذلك ما يرويه بعضهم عن النبي ﷺ أنه أنشد منشد :
( قد لسعت حية الهوى كبدي ... فلا طبيب لها ولا راقي ( إلا الحبيب الذي شغفت به ... فعنده رقيتي وترياقي وأن النبي ﷺ تواجد حتى سقطت البردة عن منكبه فإنه كذب باتفاق أهل العلم بالحديث وأكذب منه مايرويه بعضهم أنه مزق ثوبه وأن جبريل أخذ قطعة منه فعلقها على العرش فهذا وأمثاله مما يعرف أهل العلم والمعرفة برسول الله ﷺ أنه من أظهر الأحاديث كذبا عليه
وكذلك ما يروونه عن عمر رضي الله عنه أنه قال: كان النبي ﷺ وأبو بكر يتحدثان وكنت بينهما كالزنجي وهو كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث 
 
 
هل يكون لله ولي من النصارى واليهود
والمقصود هنا أن فيمن يقر برسالته العامة في الظاهر ومن يعتقد في الباطن ما يناقض ذلك فيكون منافقا وهو يدعي في نفسه وأمثاله أنهم أولياء الله مع كفرهم في الباطن بما جاء به رسول الله ﷺ إما عنادا أو جهلا كما أن كثيرا من النصارى واليهود يعتقدون أنهم أولياء الله وأن محمدا رسول الله لكن يقولون: إنما أرسل إلى غير أهل الكتاب وإنه لا يجب علينا اتباعه لأنه أرسل إلينا رسلا قبله فهؤلاء كلهم كفار مع أنهم يعتقدون في طائفتهم أنهم أولياء الله وإنما أولياء الله الذين وصفهم الله تعالى بولايته بقوله: { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون }
ما لابد منه في الإيمان
ولابد في الايمان من أن يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ويؤمن بكل رسول أرسله الله وكل كتاب أنزله الله كما قال تعالى: { قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون * فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم }
الأركان الخمسة
وقال تعالى: { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير * لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين }
محمد ﷺ خاتم النبيين
وقال في أول السورة: { الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون * والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون * أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون } فلا بد في الايمان من أن تؤمن أن محمدا ﷺ خاتم النبيين لا نبي بعده وأن الله أرسله إلى جميع الثقلين: الجن والانس
الإيمان بجملة ما جاء
فكل من لم يؤمن بما جاء به فليس بمؤمن فضلا عن أن يكون من أولياء الله المتقين ومن آمن ببعض ماجاء به وكفر ببعض فهو كافر ليس بمؤمن كما قال الله تعالى: { إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا * أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا * والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما }
الإيمان بوساطته في التبليغ
ومن الايمان به: الايمان بأنه هو الواسطة بين الله وبين خلقه في تبليغ أمره ونهيه ووعده ووعيده وحلاله وحرامه فالحلال ما أحله الله ورسوله والحرام ما حرمه الله ورسوله والدين ما شرعه الله ورسوله ﷺ فمن اعتقد أن لأحد من الأولياء طريقا إلى الله من غير متابعة محمد ﷺ فهو كافر من أولياء الشيطان
وأما خلق الله تعالى للخلق ورزقه إياهم وإجابتهم لدعائهم وهدايته لقلوبهم ونصرهم على أعدائهم وغير ذلك من جلب المنافع ودفع المضار فهذا لله وحده يفعله بما يشاء من الأسباب لا يدخل في مثل هذا وساطة الرسل
أولياء من جنس الكهان والسحرة
ثم لو بلغ الرجل في الزهد والعبادة والعلم ما بلغ ولم يؤمن بجميع ما جاء به محمد ﷺ فليس بمؤمن ولا ولي لله تعالى كالأحبار والرهبان من علماء اليهود والنصارى وعبادهم وكذلك المنتسبين إلى العلم والعبادة من المشركين مشركي العرب والترك والهند وغيرهم ممن كان من حكماء الهند والترك وله علم أو زهد وعبادة في دينه وليس مؤمنا بجميع ما جاء به محمد فهو كافر عدو لله وإن ظن طائفة أنه ولي لله كما كان حكماء الفرس من المجوس كفارا مجوسا وكذلك حكماء اليونان مثل أرسطو وأمثاله كانوا مشركين يعبدون الأصنام والكواكب وكان أرسطو قبل المسيح عليه السلام بثلاثمائة سنة وكان وزيرا للاسكندر بن فيلبس المقدوني وهو الذي تؤرخ له تواريخ الروم واليونان وتؤرخ به اليهود والنصارى وليس هذا هو ذا القرنين الذي ذكره الله في كتابه كما يظن بعض الناس أن أرسطوا كان وزيرا لذي القرنين لما رأوا أن ذاك اسمه الاسكندر وهذا قد يسمى بالاسكندر ظنوا أن هذا ذاك كما يظنه ابن سينا وطائفة معه
وليس الأمر كذلك بل هذا الاسكندر المشرك - الذي قد كان أرسطو وزيره - متأخر عن ذاك ولم يبن هذا السد ولا وصل إلى بلاد يأجوج ومأجوج وهذا الاسكندر الذي كان أرسطو من وزرائه يؤرخ له تاريخ الروم المعروف
وفي أصناف المشركين من مشركي العرب ومشركي العرب ومشركي الهند واليونان وغيرهم من له اجتهاد في العلم والزهد والعبادة ولكن ليس بمتبع للرسل ولا مؤمن بما جاؤوا به ولا يصدقهم فيما أخبروا به ولا يطيعهم فيما أمروا فهؤلاء ليسوا بمؤمنين ولا أولياء الله وهؤلاء تقترن بهم الشياطين وتنزل عليهم فيكاشفون الناس ببعض الأمور ولهم تصرفات خارقة من جنس السحر وهم من جنس الكهان والسحرة الذي تنزل عليهم الشيطان قال تعالى: { هل أنبئكم على من تنزل الشياطين * تنزل على كل أفاك أثيم * يلقون السمع وأكثرهم كاذبون } وهؤلاء جميعهم الذين ينتسبون إلى المكاشفات وخوارق العادات إذا لم يكونوا متبعين للرسل فلا بد أن يكذبوا وتكذيبهم شياطينهم ولا بد أن يكون في أعمالهم ماهو إثم وفجور مثل نوع من الشرك أو الظلم أو الفواحش أو الغلو أو البدع في العبادة
ولهذا تنزلت عليهم الشياطين واقترنت بهم فصاروا من أولياء الشيطان لا من أولياء الرحمن قال تعالى: { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين } وذكر الرحمن هو الذكر الذي بعث به رسول الله ﷺ مثل القرآن فمن لم يؤمن بالقرآن ويصدق خبره ويعتقد وجوب أمره فقد أعرض عنه فيقيض له الشيطان فيقترن به
قال تعالى: { وهذا ذكر مبارك أنزلناه } وقال تعالى: { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى } فدل ذلك على أن ذكره هو آياته التي أنزلها ولهذا لو ذكر الرجل الله سبحانه وتعالى دائما ليلا ونهارا مع غاية الزهد وعبده مجتهدا في عبادته ولم يكن متبعا لذكره الذي أنزله - وهو القرآن - كان من أولياء الشيطان ولو طار في الهواء أو مشى على الماء فإن الشيطان يحمله في الهواء وهذا مبسوط في غير هذا الموضع
خصال المنافقين أربع من أمر الجاهلية
فصل
ومن الناس من يكون فيه إيمان وفيه شعبة من نفاق كما جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ أنه قال: [ أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان وإذا عاهد غدر ]
وفي الصحيحين أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: [ الايمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة أعلاها قول: لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الايمان ] فبين النبي ﷺ أن من كان فيه خصلة من هذه الخصال ففيه خصلة من النفاق حتى يدعها
و [ قد ثبت في الصحيحين أنه قال لأبي ذر وهو من خيار المؤمنين: إنك امرؤ فيك جاهلية فقال: يا رسول الله ! أعلى كبر سني؟ قال: ( نعم ) ]
وثبت في الصحيح عنه أنه قال: [ أربع في أمتي من أمر الجاهلية: الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والنياحة على الميت والاستسقاء بالنجوم ]
وفي الصحيحين [ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان ]
وفي صحيح مسلم: [ وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم ]
خوف أصحاب النبي ﷺ من النفاق
وذكر البخاري عن ابن أبي مليكة أنه قال: أدركت ثلاثين من أصحاب محمد ﷺ كلهم يخاف النفاق على نفسه وقد قال الله تعالى: { وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين * وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان } فقد جعل هؤلاء إلى الكفر أقرب منهم للإيمان فعلم أنهم مخلطون وكفرهم أقوى وغيرهم يكون مخلطا وإيمانه أقوى
وإذا كان أولياء الله هم المؤمنون المتقون فبحسب إيمان العبد وتقواه تكون ولايته لله تعالى فمن كن أكمل إيمانا وتقوى كان أكمل ولاية لله فالناس متفاضلون في ولاية الله عز وجل بحسب تفاضلهم في الايمان والتقوى وكذلك يتفاضلون في عداوة الله بحسب تفاضلهم في الكفر والنفاق قال الله تعالى: { وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون * وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون } وقال تعالى: { إنما النسيء زيادة في الكفر } وقال تعالى: { والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم } وقال تعالى في المنافقين { في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا } فبين سبحانه وتعالى: أن الشخص الواحد قد يكون فيه قسط من ولاية الله بحسب إيمانه وقد يكون فيه قسط من عداوة الله بحسب كفره ونفاقه
وقال تعالى: { ويزداد الذين آمنوا إيمانا } وقال تعالى: { ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم }
أولياء الله طبقتان: سابقون مقربون وأصحاب يمين
فصل وأولياء الله على طبقتين: سابقون مقربون وأصحاب يمين مقتصدون وذكرهم الله في عدة مواضع من كتابه العزيز في أول سورة ( الواقعة ) وآخرها وفي سورة ( الانسان ) و( المطففين ) وفي سورة ( فاطر ) فإنه سبحانه وتعالى ذكر في ( الواقعة ) القيامة الكبرى في أولها وذكر القيامة الصغرى في آخرها فقال في أولها: { إذا وقعت الواقعة * ليس لوقعتها كاذبة * خافضة رافعة * إذا رجت الأرض رجا * وبست الجبال بسا * فكانت هباء منبثا * وكنتم أزواجا ثلاثة * فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة * وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة * والسابقون السابقون * أولئك المقربون * في جنات النعيم * ثلة من الأولين * وقليل من الآخرين }
فهذا تقسيم الناس إذا قامت القيامة الكبرى التي يجمع الله فيها الأولين والآخرين كما وصف الله سبحانه ذلك في كتابه في غير موضع ثم قال تعالى في آخر السورة: { فلولا } أي فهلا { إذا بلغت الحلقوم * وأنتم حينئذ تنظرون * ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون * فلولا إن كنتم غير مدينين * ترجعونها إن كنتم صادقين * فأما إن كان من المقربين * فروح وريحان وجنة نعيم * وأما إن كان من أصحاب اليمين * فسلام لك من أصحاب اليمين * وأما إن كان من المكذبين الضالين * فنزل من حميم * وتصلية جحيم * إن هذا لهو حق اليقين * فسبح باسم ربك العظيم }
وقال تعالى في سورة الإنسان: { إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا * إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا * إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا * عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا * يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا * ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا * إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا * إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا * فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا * وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا } الآيات
وكذلك ذكر في سورة المطففين فقال: { كلا إن كتاب الفجار لفي سجين * وما أدراك ما سجين * كتاب مرقوم * ويل يومئذ للمكذبين * الذين يكذبون بيوم الدين * وما يكذب به إلا كل معتد أثيم * إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين * كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون * كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون * ثم إنهم لصالوا الجحيم * ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون * كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين * وما أدراك ما عليون * كتاب مرقوم * يشهده المقربون * إن الأبرار لفي نعيم * على الأرائك ينظرون * تعرف في وجوههم نضرة النعيم * يسقون من رحيق مختوم * ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون * ومزاجه من تسنيم * عينا يشرب بها المقربون }
وعن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من السلف قالوا: يمزج لأصحاب اليمين مزجا ويشرب بها المقربون صرفا وهو كما قالوا: فإنه تعالى قال: { يشرب بها } ولم يقل يشرب منها لأنه ضمن قوله: يشرب معنى يروى فإن الشارب قد يشرب ولا يروى فإذا قيل: يشربون منها لم يدل على الري فإذا قيل: يشربون بها كان المعنى يروون بها فالمقربون يروون بها فلا يحتاجون معها إلى ما دونها فلهذا يشربون منها صرفا بخلاف أصحاب اليمين فإنها مزجت لهم مزجا وهو كما قال تعالى في سورة الانسان: { كان مزاجها كافورا * عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا }
الجزاء من جنس العمل
فعباد الله هم المقربون المذكورون في تلك السورة وهذا لأن الجزاء من جنس العمل في الخير والشر كما قال النبي ﷺ: [ من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والأخرة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله به طريقا إلى الجنة وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ] رواه مسلم في صحيحه وقال ﷺ: [ الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ] قال الترمذي: حديث صحيح
وفي الحديث الآخر الصحيح الذي في السنن يقول الله تعالى: [ أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته ] وقال: [ ومن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله ] ومثل هذا كثير
وأولياء الله تعالى على نوعين: مقربون وأصحاب يمين كما تقدم وقد ذكر النبي ﷺ عمل القسمين في حديث الأولياء فقال: يقول الله تعالى: [ من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه ولايزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ]
فالأبرار أصحاب اليمين هم المتقربون إليه بالفرائض يفعلون ما أوجب الله عليهم ويتركون ما حرم الله عليهم ولا يكلفون أنفسهم بالمندوبات ولا الكف عن فضول المباحات
وأما السابقون المقربون فتقربوا إليه بالنوافل بعد الفرائض ففعلوا الواجبات والمستحبات وتركوا المحرمات والمكروهات فلما تقربوا إليه بجميع مايقدرون عليه من محبوباتهم أحبهم الرب حبا تاما كما قال تعالى: [ ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ] يعني الحب المطلق كقوله تعالى: { اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين } أي أنعم عليهم الانعام المطلق التام المذكور في قوله تعالى: { ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا }
فهؤلاء المقربون صارت المباحات في حقهم طاعات يتقربون بها إلى الله عز وجل فكانت أعمالهم كلها عبادات لله فشربوا صرفا كما عملوا له صرفا والمقتصدون كان في أعمالهم ما فعلوه لنفوسهم فلا يعاقبون عليه ولا يثابون عليه فلم يشربوا صرفا بل مزج لهم من شراب المقربين بحسب ما مزجوه في الدنيا
الأنبياء منهم عبد رسول ومنهم نبي ملك
ونظير هذا انقسام الأنبياء عليهم السلام إلى عبد رسول ونبي ملك وقد خير الله سبحانه محمدا ﷺ وبين أن يكون عبدا رسولا وبين أن يكون نبيا ملكا فاختار أن يكون عبدا رسولا فالنبي الملك مثل داود وسليمان ونحوهما عليهم الصلاة والسلام قال الله تعالى في قصة سليمان الذي قال: { رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب * فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب * والشياطين كل بناء وغواص * وآخرين مقرنين في الأصفاد * هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب } أي: أعط من شئت واحرم من شئت لا حساب عليك فالنبي الملك يفعل ما فرض الله عليه ويترك ما حرم الله عليه ويتصرف في الولاية والمال بما يحبه ويختار من غير إثم عليه
وأما العبد الرسول فلا يعطي أحدا إلا بأمر ربه ولا يعطي من يشاء ويحرم من يشاء بل يعطي من أمره ربه باعطائه ويولي من أمره ربه بتوليته فأعماله كلها عبادات لله تعالى كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: [ إني والله لا أعطي أحدا ولاأمنع أحدا إنما أنا قاسم أضع حيث أمرت ] ولهذا يضيف الله الأموال الشرعية إلى الله والرسول كقوله تعالى: { قل الأنفال لله والرسول } وقوله تعالى: { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول } وقوله تعالى: { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول }
ولهذا كان أظهر أقوال العلماء أن هذه الأموال تصرف فيما يحبه الله ورسوله بحسب اجتهاد ولي الأمر كما هو مذهب مالك وغيره من السلف ويذكر هذا رواية عن أحمد وقد قيل في الخمس: إنه يقسم على خمسة كقول الشافعي وأحمد في المعروف عنه وقيل: على ثلاثة كقول أبي حنيفة رحمه الله
والمقصود هنا أن العبد الرسول هو أفضل من النبي الملك كما أن إبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا عليهم الصلاة والسلام أفضل من يوسف وداود وسليمان عليهم السلام كما أن المقربين السابقين أفضل من الأبرار أصحاب اليمين الذين ليسوا مقربين سابقين فمن أدى ما أوجب الله عليه وفعل من المباحات مايحبه فهو من هؤلاء ومن كان إنما يفعل ما يحبه الله ويرضاه ويقصد أن يستعين بما أبيح له على ما أمره الله فهو من أولئك
فصل
وقد ذكر الله تعالى أولياءه المقتصدين والسابقين في سورة ( فاطر ) في قوله تعالى: { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير * جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير * وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور * الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب } لكن هذه الاصناف الثلاثة في هذه الآية هم أمة محمد ﷺ خاصة كما قال تعالى: { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير }
أمة محمد ﷺ وارثة الكتاب
وأمة محمد ﷺ هم الذين أورثوا الكتاب بعد الأمم المتقدمة وليس ذلك مختصا بحفاظ القرآن بل كل من آمن بالقرآن فهو من هؤلاء وقسمهم إلى ظالم لنفسه ومقتصد وسابق بخلاف الآيات التي في ( الواقعة ) ( والمطففين ) ( والانفطار ) فإنه دخل فيها جميع الأمم المتقدمة كافرهم ومؤمنهم وهذا التقسيم لأمة محمد ﷺ فالظالم لنفسه: أصحاب الذنوب المصرون عليها والمقتصد: المؤدي للفرائض المجتنب للمحارم والسابق للخيرات: هو المؤدي للفرائض والنوافل كما في تلك الآيات ومن تاب من ذنبه أي ذنب كان توبة صحيحة لم يخرج بذلك عن السابقين والمقتصدين كما في قوله تعالى: { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين * الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين * والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون * أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين }
وقوله: { جنات عدن يدخلونها } مما يستدل به أهل السنة على أنه لا يخلد في النار أحد من أهل التوحيد
القول في عذاب أهل الكبائر
وأما دخول كثير من أهل الكبائر النار فهذا مما توارت به السنن عن النبي ﷺ كما تواترت بخروجهم من النار وشفاعة نبينا محمد ﷺ في أهل الكبائر وإخراج من يخرج من النار بشفاعة نبينا ﷺ وشفاعة غيره فمن قال: إن أهل الكبائر مخلدون في النار وتأول الآية على أن السابقين هم الذين يدخلونها وأن المقتصد أو الظالم لنفسه لا يدخلها كما تأوله ( من تأوله ) من المعتزلة فهو مقابل بتأويل المرجئة الذين لا يقطعون بدخول أحد من أهل الكبائر النار ويزعمون أن أهل الكبائر قد يدخل جميعهم الجنة من غير عذاب وكلاهما مخالف للسنة المتواترة عن النبي ﷺ ولإجماع سلف الأمة وأئمتها
وقد دل على فساد قول الطائفتين قول الله تعالى في آيتين من كتابه وهو قوله تعالى: { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } فأخبر تعالى أنه لا يغفر الشرك وأخبر أنه يغفر ما دونه لمن يشاء ولا يجوز أن يراد بذلك التائب كما يقوله من يقوله من المعتزلة لأن الشرك يغفره الله لمن تاب وما دون الشرك يغفره الله أيضا للتائب فلا تعلق بالمشيئة وهذا لما ذكر المغفرة للتائبين قال تعالى: { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم } فهنا عمم المغفرة وأطلقها فإن الله يغفر للعبد أي ذنب تاب منه فمن تاب من الشرك غفر الله له ومن تاب من الكبائر غفر الله له وأي ذنب تاب العبد منه غفر الله له
ففي آية التوبة عمم وأطلق وفي تلك الآية خصص وعلق فخص الشرك بأنه لا يغفره وعلق ما سواه على المشيئة ومن الشرك التعطيل للحالتين وهذا يدل على فساد قول من يجزم بالمغفرة لكل مذنب ونبه بالشرك على ما هو أعظم منه كتعطيل الخالق أويجوز أن لا يعذب بذنب فأنه لو كان كذلك لما ذكر أنه يغفر للبعض دون البعض ولو كان كل ظالم لنفسه مغفورا له بلا توبة ولا حسنات ماحية لم يعلق ذلك بالمشيئة
وقوله تعالى: { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } دليل على أنه يغفر للبعض دون البعض فبطل النفي والعفو العام
أصل الإيمان - فصل
وإذا كان أولياء الله عز وجل هم المؤمنين المتقين والناس يتفاضلون في الأيمان والتقوى فهم متفاضلون في ولاية الله بحسب ذلك كما أنهم لما كانوا متفاضلين في الكفر والنفاق كانوا متفاضلين في عداوة الله بحسب ذلك
وأصل الإيمان والتقوى: الايمان برسل الله وجماع ذلك: الايمان بخاتم الرسل محمد ﷺ فالايمان به يتضمن الايمان بجميع كتب الله ورسله وأصل الكفر والنفاق هو الكفر بالرسل وبما جاؤوا به فإن هذا هو الكفر الذي يستحق صاحبه العذاب في الآخرة فإن الله تعالى أخبر في كتابه أنه لا يعذب أحدا إلا بعد بلوغ الرسالة قال الله تعالى: { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } وقال تعالى: { إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا * ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما * رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } وقال تعالى عن أهل النار: { كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير * قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير }
فأخبر أنه كلما ألقي في النار فوج أقروا بأنهم جاءهم النذير فكذبوه فدل ذلك على أنه لا يلقى فيها فوج إلا من كذب النذير وقال تعالى في خطابه لابليس: { لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين } فأخبر أنه يملؤها بإبليس ومن اتبعه فإذا ملئت بهم لم يدخلها غيرهم فعلم أنه لا يدخل النار إلا من تبع الشيطان وهذا يدل على أنه لا يدخلها من لا ذنب له فإنه ممن لم يتبع الشيطان ولم يكن مذنبا وما تقدم يدل على أنه لا يدخلها إلا من قامت عليه الحجة بالرسل
الإيمان المجمل والمفصل
ومن الناس من يؤمن بالرسل إيمانا ( عاما ) مجملا وأما الايمان المفصل فيكون قد بلغه كثير مما جاءت به الرسل ولم يبلغه بعض ذلك فيؤمن بما بلغه عن الرسل وما لم يبلغه لم يعرفه ولو بلغه لآمن به ولكن آمن بما جاءت به الرسل إيمانا مجملا فهذا إذا عمل بما علم أن أمره به مع إيمانه وتقواه فهو من أولياء الله تعالى له من ولاية الله بحسب إيمانه وتقواه وما لم تقم عليه الحجة به فإن الله تعالى لم يكلفه معرفته والايمان المفصل به فلا يعذبه على تركه لكن يفوته من كمال ولاية الله بحسب ما فاته من ذلك فمن علم بما جاء به الرسول وآمن به إيمانا مفصلا وعمل به فهو أكمل إيمانا وولاية لله ممن لم يعلم ذلك مفصلا ولم يعمل به وكلاهما ولي الله تعالى والجنة درجات متفاضلة تفاضلا عظيما وأولياء الله المؤمنون المتقون في تلك الدرجات بحسب إيمانهم وتقواهم قال الله تبارك وتعالى: { من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا * كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا * انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا } فبين الله سبحانه وتعالى أنه يمد من يريد الدنيا ومن يريد الآخرة من عطائه وأن عطاءه ما كان محظورا من بر ولا فاجر ثم قال تعالى: { انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا } فبين الله سبحانه أن أهل الاخرة يتفاضلون فيها أكثر مما يتفاضل الناس في الدنيا وأن درجاتها أكبر من درجات الدنيا وقد بين تفاضل أنبيائه عليهم السلام كتفاضل سائر عباده المؤمنين فقال تعالى: { تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس } وقال تعالى: { ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا }
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: [ المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل: لوأني فعلت لكان كذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان ]
وفي الصحيحين عن أبي هريرة وعمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي ﷺ أنه قال: [: إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر ] وقد قال الله تعالى: { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى } وقال تعالى: { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما * درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما } وقال تعالى: { أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين * الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون * يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم * خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم } وقال تعالى: { أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب } وقال تعالى: { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير }
لا يكون أحد من الكفار والمنافقين وليا - فصل
وإذا كان العبد لا يكون وليا لله إلا إذا كان مؤمنا تقيا لقوله تعالى: { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون }
وفي صحيح البخاري الحديث المشهور وقد تقدم يقول الله تبارك وتعالى فيه: [ ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ] ولا يكون مؤمنا تقيا حتى يتقرب إلىبالفرائض فيكون من الأبرار أهل اليمين ثم بعد ذلك لا يزال يتقرب بالنوافل حتى يكون من السابقين المقربين فمعلوم أن أحدا من الكفار والمنافقين لا يكون وليا لله وكذلك من لا يصح إيمانه وعباداته وإن قدر أنه لا إثم عليه مثل أطفال الكفار ومن لم تبلغه الدعوة وإن قيل: أنهم لا يعذبون حتى يرسل إليهم فلا يكونون من أولياء الله إلا إذا كانوا من المؤمنين المتقين فمن ( لم ) يتقرب إلى الله لا بفعل الحسنات ولا بترك السيئات لم يكن من أولياء الله
المجنون والمكاشفات
وكذلك المجانين والأطفال فإن النبي ﷺ قال: [ يرفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق وعن الصبي حتى يحتلم وعن النائم حتى يستيقظ ]
وهذا الحديث قد رواه أهل السنن من حديث علي وعائشة رضي الله عنهما واتفق أهل المعرفة على تلقيه بالقبول لكن الصبي المميز تصح عباداته ويثاب عليها عند جمهور العلماء وأما المجنون الذي رفع عنه القلم فلا يصح شيء من عباداته باتفاق العلماء ولا يصح منه إيمان ولا كفر ولا صلاة ولا غير ذلك من العبادات ولا يصلح هو عند عامة العقلاء لأمور الدنيا كالتجارة والصناعة فلا يصلح أن يكون بزازا ولا عطارا ولا حدادا ولا نجارا ولا تصح عقوده باتفاق العلماء فلا يصح بيعه ولا شراؤه ولا نكاحه ولا طلاقه ولا إقراره ولا شهادته ولا غير ذلك من أقواله بل أقواله كلها لغو لا يتعلق بها حكم شرعي ولا ثواب ولا عقاب بخلاف الصبي المميز فإن له أقوالا معتبرة في مواضع بالنص والإجماع وفي مواضع فيها نزاع
لا ولاية لمن لا يؤدي الفرائض
وإذا كان المجنون لا يصح منه الإيمان ولا التقوى ولا التقرب إلى الله بالفرائض والنوافل وامتنع أن يكون وليا لله فلا يجوز لأحد أن يعتقد أنه ولي لله لا سيما أن تكون حجته على ذلك إما مكاشفة سمعها منه أو نوع من تصرف مثل أن يراه قد أشار إلى أحد فمات أو صرع فإنه قد علم أن الكفار والمنافقين من المشركين وأهل الكتاب لهم مكاشفات وتصرفات شيطانية كالكهان والسحرة وعباد المشركين وأهل الكتاب فلا يجوز لأحد أن يستدل بمجرد ذلك على كون الشخص وليا لله وإن لم يعلم منه ما يناقض ولاية الله فكيف إذا علم منه ما يناقض ولاية الله مثل أن يعلم أنه لا يعتقد وجوب اتباع النبي ﷺ باطنا وظاهرا بل يعتقد أنه يتبع الشرع الظاهر دون الحقيقة الباطنة أويعتقد أن لأولياء الله طريقا إلى الله غير طريق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو يقول: إن الأنبياء ضيقوا الطريق أو هم قدوة على العامة أنه ولي لله ولكن إن كان له حالة في إفاقته كان فيها مؤمنا بالله متقيا كان له من ولاية الله بحسب ذلك وإن كان له حال إفاقته فيه كفر أو نفاق أو كان كافرا أو منافقا ثم طرأ عليه الجنون فهذا فيه من الكفر والنفاق ما يعاقب عليه وجنونه لا يحبط عنه ما يحصل منه حال إفاقته من كفر أو نفاق
بدعة التميز باللباس والحلاقة
وليس لأولياء الله شيء يتميزون به عن الناس في الظاهر من الأمور المباحات فلا يتميزون بلباس دون لباس إذا كان كلاهما مباحا ولا بحلق شعر أو تقصيره أو ظفره إذا كان مباحا كما قيل: كم من صديق في قباء وكم من زنديق في عباء بل يوجد في جميع أصناف أمة محمد ﷺ إذا لم يكونوا من أهل البدع الظاهرة والفجور فيوجدون في أهل القرآن وأهل العلم ويوجد في أهل الجهاد والسيف ويوجدون في التجار والصناع والزراع
وقد ذكر الله أصناف أمة محمد ﷺ في قوله تعالى: { إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرؤوا ما تيسر منه }
التحقيق في اسم الصوفية
وكان السلف يسمون أهل الدين والعلم: ( القراء ) فيدخل فيهم العلماء والنساك ثم حدث بعد ذلك اسم الصوفية والفقراء واسم الصوفية: هو نسبة إلى لباس الصوف هذا هو الصحيح
وقد قيل: إنه نسبة إلى صفوة الفقهاء وقيل: إلى صوفة ( بن مر ) ابن أد بن طابخة قبيلة من العرب كانوا يعرفون بالنسك وقيل إلى أهل الصفة وقيل: إلى ( أهل ) الصفاء وقيل: إلى الصفوة وقيل: إلى الصف المقدم بين يدي الله تعالى وهذه أقوال ضعيفة فإنه لو كان كذلك لقيل: صفي أو صفائي أو صفوي أو صفي ولم يقل: صوفي وصار اسم الفقراء يعنى به أهل السلوك وهذا عرف حادث وقد تنازع الناس: أيهما أفضل مسمى الصوفي أو مسمى الفقير؟ ويتنازعون أيضا أيهما أفضل الغني الشاكر أو الفقير الصابر؟
الناس معادن وتفاضلهم بالتقوى
وهذه المسألة فيها نزاع قديم بين الجنيد وبين أبي العباس بن عطاء وقد روي عن أحمد بن حنبل فيها روايتان والصواب في هذا كله ما قاله الله تبارك وتعالى حيث قال: { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم }
وفي الصحيح [ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه سئل: أي الناس أفضل؟ قال: ( أتقاهم ) قيل له: ليس عن هذا نسألك فقال: يوسف نبي الله ابن يعقوب نبي الله ابن اسحاق نبي الله ابن إبراهيم خليل الله فقيل له: ليس عن هذا نسألك فقال: عن معادن العرب تسألوني؟ الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام إذا فقهوا ]
فدل الكتاب والسنة أن أكرم الناس عند الله أتقاهم
وفي السنن عن النبي ﷺ أنه قال: [ لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأسود على أبيض ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى كلكم لآدم وآدم من تراب ]
وعنه أيضا ﷺ أنه قال: [ إن الله تعالى أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء الناس رجلان: مؤمن تقي وفاجر شقي ] فمن كان من هذه الأصناف اتقى لله فهو أكرم عند الله وإذا استويا في التقوى استويا في الدرجة
لفظ الفقر شرعا
ولفظ الفقر في الشرع يراد به الفقر من المال ويراد به فقر المخلوق إلى خالقه كا قال تعالى: { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } وقال تعالى: { يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله } وقد مدح الله تعالى في القرآن صنفين من الفقراء: أهل الصدقات وأهل الفيء
فقال في الصنف الأول: { للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا }
وقال في الصنف الثاني وهم أفضل الصنفين: { للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون }
وهذه صفة المهاجرين الذين هجروا السيئات وجاهدوا أعداء الله باطنا وظاهرا كما قال النبي ﷺ: [ المؤمن من أمنه الناس علىدمائهم وأموالهم ] و[ المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ] [ والمجاهد من جاهد نفسه في ذات الله ]
لا أصل لحديث: رجعنا من الجهاد الأصغر
وأما الحديث الذي يرويه بعضهم أنه قال في غزوة تبوك: رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر فلا أصل له ولم يروه أحد من أهل المعرفة بأقوال النبي ﷺ وأفعاله
جهاد الكفار من أعظم الجهاد
وجهاد الكفار من أعظم الأعمال بل هو أفضل ما تطوع به الإنسان قال الله تعالى: { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما }
أفضل الإيمان
وقال تعالى: { أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين * الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون * يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم * خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم }
وثبت في صحيح مسلم وغيره عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: كنت عند النبي ﷺ فقال رجل: ما أبالي ألا أعمل عملا بعد الاسلام إلا أن أسقي الحاج وقال آخر: ما أبالي أن أعمل عملا بعد الاسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام وقال علي ابن أبي طالب: الجهاد في سبيل الله أفضل مما ذكرتما فقال عمر: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر الرسول ﷺ ولكن إذا قضيت الصلاة سألته فسأله فأنزل الله تعالى هذه الآية
وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قلت: يارسول الله أي الأعمال أفضل عند الله عز وجل؟ قال: [ الصلاة على وقتها ] قلت: ثم أي؟ قال: [ بر الوالدين ] قلت: ثم أي؟ قال: [ الجهاد قي سبيل الله ] قال: حدثني بهن رسول الله ﷺ ولو استزدته لزادني
وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه أنه سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: [ إيمان بالله وجهاد في سبيله ] قيل: ثم ماذا؟ قال: [ حج مبرور ]
وفي الصحيحين أن رجلا قال لرسول الله ﷺ: يا رسول الله ! أخبرني بعمل يعدل الجهاد في سبيل الله قال: [ لا تستطيعه أولا تطيقه ] قال فأخبرني به قال: [ هل تستطيع إذا خرجت مجاهدا أن تصوم ولا تفطر وتقوم ولا تفتر؟ ]
حق الله على عباده
وفي السنن [ عن معاذ رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه وصاه لما بعثه إلى اليمن فقال: يامعاذ اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن ] وقال: [ يا معاذ إني لأحبك فلا تدع أن تقول في دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ] وقال له وهو رديفه: [ يا معاذ أتدري ما حق الله على عباده؟ قلت: الله ورسوله أعلم قال: حقه عليهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ قلت: الله ورسوله أعلم قال: حقهم عليه ألا يعذبهم ]
وقال أيضا لمعاذ: [ رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله ] وقال: [ يا معاذ ألا أخبرك بأبواب البر؟ الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وقيام الرجل في جوف الليل ثم قرأ: { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون * فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون } ثم قال: يا معاذ ألا أخبرك بما هو أملك لك من ذلك؟ فقال: امسك عليك لسانك هذا فأخذ بلسانه قال: يا رسول الله وإنا لمؤخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ]
ليس في السنة إفراط ولا تفريط
وتفسير هذا ما ثبت في الصحيحين عنه ﷺ أنه قال: [ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ] فالتكلم بالخير خير من السكوت عنه والصمت عن الشر خير من التكلم به فأما الصمت الدائم فبدعة منهي عنها وكذلك الامتناع عن أكل الخبز واللحم وشرب الماء فذلك من البدع المذمومة أيضا كما ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ رأى رجلا قائما في الشمس فقال: ما هذا؟ فقالوا: أبوإسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم فقال النبي ﷺ: [ مروه فليجلس وليستظل وليتكلم وليتم صومه ]
وثبت في الصحيحين عن أنس أن رجالا سألوا عن عبادة رسول الله ﷺ فكأنهم تقالوها فقالوا: وأينا مثل رسول الله ﷺ؟ ثم قال أحدهم: أما أنا فأصوم ولا أفطر وقال الآخر: أما أنا فأقوم ولا أنام وقال الآخر: أما أنا فلا آكل اللحم وقال الاخر: أما أنا فلا أتزوج النساء فقال رسول الله ﷺ: [ ما بال رجال يقول أحدهم: كذا وكذا ولكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وآكل اللحم وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ] أي سلك غيرها ظانا أن غيرها خير منها فمن كان كذلك فهو بريء من الله ورسوله وقال تعالى: { ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه } بل يجب على كل مسلم أن يعتقد أن خير الكلام كلام الله وخير الهدى هدي محمد ﷺ كما ثبت عنه في الصحيح أنه كان يخطب بذلك كل يوم جمعة
هل يعصم الأولياء
فصل وليس من شرط ولي الله أن يكون معصوما لا يغلط ولا يخطئ بل يجوز أن يخفي عليه بعض علم الشريعة ويجوز أن يشتبه عليه بعض أمور الدين حتى يحسب بعض الأمور مما أمر الله به ومما نهى الله عنه ويجوز أن يظن في بعض الخوارق أنها من كرامات أولياء الله تعالى وتكون من الشيطان لبسها عليه لنقص درجته ولا يعرف أنها من الشيطان وإن لم يخرج بذلك عن ولاية الله تعالى فإن الله سبحانه وتعالى تجاوز لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه
الدعاء بالآية: ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا
فقال تعالى: { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير * لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين }
وقد ثبت في الصحيح أن الله سبحانه استجاب هذا الدعاء وقال: [ قد فعلت ]
ففي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [ لما نزلت هذه الآية: { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير } قال: دخل قلوبهم منها شيء لم يدخلها قبل ذلك شيء أشد منه فقال النبي ﷺ: قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا قال: فألقى الله الايمان في قلوبهم فأنزل الله تعالى: { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } إلى قوله { أو أخطأنا } قال الله: قد فعلت { ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا } قال: قد فعلت { ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين } قال: قد فعلت وقد قال تعالى: { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } ]
أجر المجتهد
وثبت في الصحيحين عن النبي ﷺ من حديث أبي هريرة وعمرو بن العاص رضي الله عنهما مرفوعا أنه قال: [ إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وأن أخطأ فله أجر ] فلم يؤثم المجتهد المخطئ بل جعل له أجرا على اجتهاده وجعل خطأه مغفورا له ولكن المجتهد المصيب له أجران فهو أفضل منه ولهذا لما كان ولي الله يجوز أن يغلط ولم يجب على الناس الايمان بجميع ما يقوله من هو ولي لله إلا أن يكون نبيا
لا يجوز لولي الاعتماد على ما يلقى في قلبه
بل ولا يجوز لولي الله أن يعتمد على ما يلقى إليه في قلبه إلا أن يكون موافقا وعلى ما يقع له مما يراه إلهاما ومحادثة وخطابا من الحق بل يجب عليه أن يعرض ذلك جميعه على ماجاء به محمد فإن وافقه قبله وإن خالفه لم يقبله وإن لم يعلم أموافق هو أم مخالف توقف فيه
والناس في هذا الباب ثلاثة أصناف: طرفان ووسط فمنهم من من إذا اعتقد في شخص أنه ولي لله وافقه في كل ما يظن أنه حدثه به قلبه عن ربه وسلم إليه جميع ما يفعله ومنهم من إذا رآه قد قال او فعل ما ليس بموافق للشرع أخرجه عن ولاية الله بالكلية وإن كان مجتهدا مخطئا وخيار الأمور أوساطها وهو أن لا يجعل معصوما ولا مأثوما إذا كان مجتهدا مخطئا فلا يتبع في كل ما يقوله ولا يحكم عليه بالكفر والفسق مع اجتهاده
وجوب اتباع ما بعث الله رسوله
والواجب على الناس اتباع ما بعث الله به رسوله وأما إذا خالف قول بعض الفقهاء ووافق قول آخرين لم يكن لأحد أن يلزمه بقول المخالف ويقول: هذا خالف الشرع
أحاديث في فضائل عمر رضي الله عنه
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: [ قد كان في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي أحد فعمر منهم ] وروى الترمذي وغيره عن النبي ﷺ أنه قال: [ لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر ]
وفي حديث آخر: [ إن الله ضرب الحق على لسان عمر وقلبه ] وفيه: [ لو كان نبي بعدي لكان عمر ] وكان علي ابن أبي طالب رضي الله عنه يقول: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر ثبت هذا عنه من رواية الشعبي وقال ابن عمر: ما كان عمر يقول في شيء: إني لأراه كذا إلا كان كما يقول وعن قيس بن طارق قال: كنا نتحدث أن عمر ينطق على لسانه ملك وكان عمر يقول: اقتربوامن أفواه المطيعين واسمعوا منهم ما يقولون فإنه تتجلى لهم أمور صادقة وهذه الامور الصادقة التي أخبر بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه انها تتجلى للمطيعين هي الأمور التي يكشفها الله عز وجل لهم فقد ثبت أن لأولياء الله مخاطبات ومكاشفات وأفضل هؤلاء في هذه الأمة بعد أبي بكر عمر بن الخطاب رضي الله عنهما فإن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر
وقد ثبت في الصحيح تعيين عمر بأنه محدث في هذه الأمة فأي محدث ومخاطب فرض في أمة محمد ﷺ فعمر أفضل منه ومع هذا فكان عمر رضي الله عنه يفعل ما هو الواجب عليه فيعرض ما يقع له على ما جاء به الرسول ﷺ فتارة يوافقه فيكون ذلك من فضائل عمر كما نزل القرآن بموافقته غير مرة وتارة يخالفه فيرجع عمر عن ذلك كما رجع يوم الحديبية لما كان قد رأى محاربة المشركين والحديث معروف في البخاري وغيره فإن النبي ﷺ قد اعتمر سنة ست من الهجرة ومعه المسلمون نحو ألف وأربعمائة وهم الذين بايعوه تحت الشجرة وكان قد صالح المشركين بعد مراجعة جرت بينه وبينهم على أن يرجع في ذلك العام ويعتمر من العام القابل وشرط لهم شروطا فيها نوع غضاضة على المسلمين في الظاهر فشق ذلك على كثير من المسلمين وكان الله ورسوله أعلم وأحكم بما في ذلك من المصلحة
حديث اني رسول الله ولست أعصيه
وكان عمر فيمن كره ذلك حتى قال النبي ﷺ: يا رسول الله ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: [ بلى ] قال: أفليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: [ بلى ] قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ فقال له النبي ﷺ: [ إني رسول الله وهو ناصري ولست أعصيه ] ثم قال: أفلم تكن تحدثنا أنا نأتي البيت ونطوف به قال: [ بلى ] قال: [ أقلت لك: إنك تأتيه العام؟ ] قال: لا قال: [ إنك آتيه ومطوف به ]
فذهب عمر إلى أبي بكر رضي الله عنهما فقال له مثل ما قال للنبي ﷺ ورد عليه أبو بكر مثل جواب النبي ﷺ ولم يكن أبو بكر يسمع جواب النبي ﷺ فكان أبو بكر رضي الله عنه أكمل موافقة لله وللنبي ﷺ من عمر وعمر رضي الله عنه رجع عن ذلك وقال فعملت لذلك أعمالا
وكذلك لما مات النبي صلى الله عليه أنكر عمر موته أولا فلما قال أبو بكر: إنه مات رجع عمر عن ذلك
قتال مانعي الزكاة
وكذلك في قتال مانعي الزكاة قال عمر لأبي بكر: كيف نقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله وسلم: [ أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله ألا الله وأني رسول الله فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها ] فقال له أبو بكر رضي الله عنه: ألم يقل: [ إلا بحقها ] فإن الزكاة من حقها والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى اللله عليه وسلم لقتلتهم على منعها قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعلمت أنه الحق
مرتبة الصديق ومرتبة المحدث
ولهذا نظائر تبين تقدم أبي بكر على عمر مع أن عمر رضي الله عنه محدث فإن مرتبة الصديق فوق مرتبة المحدث لأن الصديق يتلقى عن الرسول المعصوم كل ما يقوله ويفعله والمحدث يأخذ عن قلبه أشياء وقلبه ليس بمعصوم فيحتاج أن يعرضه على ما جاء به النبي المعصوم
لا ولاية لمن خالف الكتاب والسنة
ولهذا كان عمر رضي الله عنه يشاور الصحابة رضي الله عنهم ويناظرهم ويرجع إليهم في بعض الأمور وينازعونه في أشياء فيحتج عليهم ويحتجون عليه بالكتاب والسنة ويقرهم على منازعته ولا يقول لهم: أنا محدث ملهم مخاطب فينبغي لكم أن تقبلوا مني ولا تعارضوني فأي أحد ادعى أو ادعى له أصحابه أنه ولي لله وأنه مخاطب يجب على أتباعه ان يقبلوا منه كل ما يقوله ولا يعارضوه ويسلموا له حاله من غير اعتبار بالكتاب والسنة فهو وهم مخطئون ومثل هذا أضل الناس فعمر بن الخطاب رضي الله عنه أفضل منه وهو أمير المؤمنين وكان المسلمون ينازعونه ويعرضون ما يقوله - وهو وهم - على الكتاب والسنة وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله ﷺ
الأنبياء وحدهم يطاعون في كل ما يأمرون به
وهذا من الفروق بين الأنبياء وغيرهم فإن الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه يجب لهم الايمان بجميع ما يخبرون به عن الله عز وجل وتجب طاعتهم فيما يأمرون به بخلاف الأولياء فإنهم لا تجب طاعتهم في كل ما يأمرون به ولا الايمان بجميع ما يخبرون به بل يعرض أمرهم وخبرهم على الكتاب والسنة فما وافق الكتاب والسنة وجب قبوله وما خالف الكتاب والسنة كان مردودا وإن كان صاحبه من أولياء الله وكان مجتهدا معذورا فيما قاله له أجر على اجتهاده ولكنه إذا خالف الكتاب والسنة كان مخطئا وكان من الخطأ المغفور إذا كان صاحبه قد اتقى الله ما استطاع فإن الله تعالى يقول: { فاتقوا الله ما استطعتم }
معنى: اتقوا الله حق تقاته
وهذا تفسير قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته }
قال ابن مسعود وغيره: حق تقاته: أن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر أي بحسب استطاعتكم فإن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها كما قال تعالى: { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } وقال تعالى: { والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون } وقال تعالى: { وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها }
كيف يكفر أدعياء الولاية
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى الايمان بما جاءت به الأنبياء في غير موضع كقوله تعالى: { قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون } وقال تعالى: { الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون * والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون * أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون } وقال تعالى: { ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون }
وهذا الذي ذكرته من أن أولياء الله يجب عليهم الاعتصام بالكتاب والسنة وأنه ليس فيهم معصوم يسوغ له أو لغيره اتباع ما يقع في قلبه من غير اعتبار بالكتاب والسنة هو مما اتفق عليه أولياء الله عز وجل ومن خالف في هذا فليس من أولياء الله سبحانه الذين أمر الله باتباعهم بل إما ان يكون كافرا وإما ان يكون مفرطا في الجهل
أقوال لأبي سليمان الداراني والجنيد
وهذا كثير في كلام المشايخ كقول الشيخ أبي سليمان الداراني: انه ليقع في قلبي النكتة من نكت القوم فلا أقبلها إلا بشاهدين: الكتاب والسنة
وقال أبو القاسم الجنيد رحمه الله عليه: علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة فمن لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث لا يصلح له أن يتكلم في علمنا أو قال: لا يقتدى به
وقال أبو عثمان النيسابوري: من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة ومن أمر الهوى على نفسه قولا وفعلا نطق بالبدعة لأن الله تعالى يقول في كلامه القديم: { وإن تطيعوه تهتدوا }
وقال أبو عمر بن نجيد: كل وجد لا يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل
غلط الناس في اتباع من خالف السنة والكتاب
وكثير من الناس يغلط في هذا الموضع فيظن في شخص أنه ولي لله ويظن أن ولي الله يقبل منه كل ما يقوله ويسلم إليه كل ما يقوله ويسلم إليه كل مايفعله وإن خالف الكتاب والسنة فيوافق ذلك الشخص له ويخالف ما بعث الله به رسوله الذي فرض الله على جميع الخلق تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر وجعله الفارق بين أوليائه واعدائه وبين أهل الجنة وأهل النار وبين السعداء والأشقياء فمن اتبعه كان من أولياء الله المتقين وجنده المفلحين وعباده الصالحين ومن لم يتبعه كان من أعداء الله الخاسرين المجرمين فتجره مخالفة الرسول وموافقة ذلك الشخص أولا إلى البدعة والضلال وآخر إلى الكفر والنفاق ويكون له نصيب من قوله تعالى: { ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا * يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا * لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا } وقوله تعالى: { يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا * وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا * ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا }
مشابهتم للنصارى
وقوله تعالى: { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب * إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب * وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار }
وهؤلاء مشابهون للنصارى الذين قال الله تعالى فيهم: { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون }
وفي المسند وصححه الترمذي عن عدي بن حاتم في تفسيره هذه الاية لما سأل النبي ﷺ عنها فقال: ما عبدوهم فقال النبي ﷺ [ احلو عليهم الحرام وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم وكانت هذه عبادتهم إياهم ] ولهذا قيل في مثل هؤلاء: إنما حرموا الوصول بتضييع الأصول فإن أصل الأصول تحقيق الايمان بما جاء به الرسول ﷺ فلا بد من الايمان بأن محمدا رسول الله ﷺ إلى جميع الخلق إنسهم وجنهم عربهم وعجمهم علمائهم وعبادهم ملوكهم وسوقتهم وأنه لاطريق إلى الله عز وجل لأحد من الخلق إلا بمتابعته باطنا وظاهرا حتى لو أدركه موسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء لوجب عليهم اتباعه كا قال تعالى: { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين * فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون }
ميثاق الله على الأنبياء للايمان بمحمد ﷺ
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وأمره أن يأخذ على أمته الميثاق لئن بعث محمد وهن أحياء ليؤمنن به ولينصرنه وقد قال تعالى: { ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا * وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا * فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا * أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا * وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما * فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما }
الاغترار بالمكاشفات والتصرفات الخارقة للعادة
وكل من خالف شيئا مما جاء به الرسول مقلدا في ذلك لمن يظن أنه ولي لله فإنه بنى أمره على أنه ولي الله وان ولي الله لا يخالف في شيء ولو كان هذا الرجل من أكبر أولياء الله كأكابر الصحابة والتابعين لهم بإحسان لم يقبل منه ما خالف الكتاب والسنة فكيف إذا لم يكن كذلك؟ ! وتجد كثيرا من هؤلاء عمدتهم في اعتقاد كونه وليا لله أنه قد صدر عنه مكاشفة في بعض الأمور أو بعض التصرفات الخارقة للعادة مثل أن يشير إلى شخص فيموت أويطير في الهواء إلى مكة أو غيرها أو يمشي على الماء أحيانا أو يملأ إبريقا من الهواء أو ينفق بعض الأوقات من الغيب أو يختفي أحيانا عن أعين الناس أو أن بعض الناس استغاث به وهو غائب أو ميت فرآه قد جاءه فقضى حاجته او يخبر الناس بما سرق لهم أو بحال غائب لهم أو مريض أو نحو ذلك من الأمور وليس في شيء من هذه الأمور ما يدل على أن صاحبها ولي الله بل قد اتفق أولياء الله على أن الرجل لو طار في الهواء أو مشى على الماء لم يعتر به حتى ينظر متابعته لرسول الله ﷺ وموافقته لأمره ونهيه
معنى الكرامة
وكرامات أولياء الله تعالى أعظم من هذه الأمور وهذه الأمور الخارقة للعادة وإن كان قد يكون صاحبها وليا لله فقد يكون عدوا لله فإن هذه الخوارق تكون لكثير من الكفار والمشركين وأهل الكتاب والمنافقين وتكون لأهل البدع وتكون من الشياطين فلا يجوز أن يظن أن كل من كان له شيء من هذه الأمور أنه ولي لله بل يعتبر أولياء الله بصفاتهم وأفعالهم وأحوالهم التي دل عليها الكتاب والسنة ويعرفون بنور الايمان والقرآن وبحقائق الايمان الباطنة وشرائع الاسلام الظاهرة
مثال ذلك أن الأمور المذكورة وأمثالها قد توجد في أشخاص ويكون أحدهم لا يتوضأ ولا يصلي الصلوات المكتوبة بل يكون ملابسا للنجاسات معاشرا للكلاب يأوي إلى الحمامات والقمامين والمقابر والمزابل رائحته خبيثة لا يتطهر الطهارة الشرعية ولا يتنظف وقد قال النبي ﷺ: [ لا تدخل الملائكة بيتا فيه جنب ولا كلب ] وقال عن هذه الأخلية: [ إن هذه الحشوش محتضرة ] أي يحضرها الشيطان وقال: [ من أكل من هاتين الشجرتين الخبيثتين فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ]
وقال: [ إن الله طيت لا يقبل إلا طيبا ] وقال: [ إن الله نظيف يحب النظافة ] وقال: [ خمس من الفواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية والفأرة والحدأة والكلب العقور ]
وفي رواية: [ الحية والعقرب ] وأمر صلوات الله وسلامه عليه بقتل الكلاب وقال: [ من أقتنى كلبا لا يغني عنه زرعا ولا ضرعا نقص من عمله كل يوم قيراط ] وقال: [ لا تصحب الملائكة رفقة معه كلب ] وقال: [ إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات إحداهن بالتراب ]
وقال تعالى: { ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون * الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون }
علامات أولياء الشيطان
فإذا كان الشخص مباشرا للنجاسات والخبائث التي يحبها الشيطان أو يأوي إلى الحمامات والحشوش التي تحضرها الشياطين أو يأكل الحيات والعقارب والزنابير وآذان الكلاب التي هي خبائث وفواسق أو يشرب البول ونحوه من النجاسات التي يحبها الشيطان أو يدعو غير الله فيستغيث بالمخلوقات ويتوجه إليها أو يسجد إلى ناحية شيخه ولا يخلص الدين لرب العالمين أو يلابس الكلاب أو النيران أو يأوي إلى المزابل والمواضع النجسة أو يأوي إلى المقابر ولا سيما إلى مقابر الكفار من اليهود والنصارى أو المشركين أو يكره سماع القرآن وينفر عنه ويقدم عليه سماع الأغاني والأشعار ويؤثر سماع مزامير الشيطان على سماع كلام الرحمن فهذه علامات اولياء الشيطان لا علامات أولياء الرحمن
قال ابن مسعود رضي الله عنه: لا يسأل أحدكم عن نفسه إلا القرآن فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله وإن كان يبعض القرآن فهو يبغض الله ورسوله
وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله عز وجل
وقال ابن مسعود: الذكر ينبت الايمان في القلب كما ينبت الماء البقل والغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل وإن كان الرجل خبيرا بحقائق الايمان الباطنة فارقا بين الأحوال الرحمانية والأحوال الشيطانية فيكون قد قذف الله في قلبه من نوره كما قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم } وقال تعالى: { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا } فهذا من المؤمنين الذين جاء فيهم الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ قال: [ اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ] قال الترمذي حديث حسن
المؤمن يفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان
وقد تقدم الحديث الصحيح الذي في البخاري وغيره قال فيه: [ لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ( فبي يسمع وبي بيصر وبي يبطش وبي يمشي ) ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ( ولا بد له منه ) ]
فإذا كان العبد من هؤلاء فرق بين حال أولياء الرحمن وحال أولياء الشيطان كما يفرق الصيرفي بين الدرهم الجيد والدرهم الزيف وكما يفرق من يعرف الخيل بين الفرس الجيد والفرس الرديء وكما يفرق من يعرف الفروسية بين الشجاع والجبان وكما أنه يجب الفرق بين النبي الصادق وبين المتنبي الكذاب فيفرق بين محمد الصادق الأمين رسول رب العالمين وموسى والمسيح وغيرهم وبين مسيلمة الكذاب والأسود العنسي وطلحة الأسدي والحارث الدمشقي وباباه الرومي وغيرهم من الكذابين وكذلك يفرق بين أولياء الله المتقين وأولياء الشيطان الضالين
لكل نبي شرعة ومنهاج
فصل والحقيقة حقيقة الدين دين رب العالمين: هي ما اتفق عليها الأنبياء والمرسلون وإن كان لكل منهم شرعة ومنهاج فالشرعة: هي الشريعة قال الله تعالى: { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } وقال تعالى: { ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون * إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين } والمنهاج: هو الطريق قال تعالى: { وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا * لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا }
فالشرعة بنزله الشريعة للنهر والمنهاج هو الطريق الذي سلك فيه والغاية المقصودة هي حقيقة الدين وهي عبادة الله وحده لا شريك له وهي حقيقة دين الاسلام وهي أن يستسلم العبد لله رب العالمين لا يستسلم لغيره فمن استسلم لغيره كان مشركا والله { لا يغفر أن يشرك به } ومن لم يستسلم لله بل استكبر عن عبادته كان ممن قال الله فيه: { إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين }
الإسلام دين الأنبياء
ودين الاسلام هو دين الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين وقوله تعالى: { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه } عام في كل زمان ومكان
فنوح وإبراهيم ويعقوب والأسباط وموسى وعيسى والحواريون كلهم دينهم الاسلام الذي هو عبادة الله وحده لا شريك له قال الله تعالى عن نوح: { يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم } إلى قوله: { وأمرت أن أكون من المسلمين } وقال تعالى: { ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين * إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين * ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون } وقال تعالى: { وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين }
وقال السحرة: { ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين }
وقال يوسف عليه السلام: { توفني مسلما وألحقني بالصالحين }
وقالت بلقيس: { أسلمت مع سليمان لله رب العالمين } وقال تعالى: { يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار } وقال الحواريون: { آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون }
دين واحد وشرائع منوعة
فدين الأنبياء واحد وإن تنوعت شرائعهم كما في الصحيحين عن النبي ﷺ قال: [ إنا معشر الأنبياء ديننا واحد ] قال تعالى: { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه } وقال تعالى: { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم * وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون * فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون }
الأنبياء أفضل من الأولياء بالاتفاق - فصل
وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أولياء الله تعالى على أن الأنبياء أفضل من الأولياء الذين ليسوا بأنبياء وقد رتب الله عباده السعداء المنعم عليهم أربع مراتب فقال تعالى: { ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا }
أفضل الناس بعد الأنبياء أبو بكر
وفي الحديث: [ ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر ] وأفضل الأمم أمة محمد ﷺ قال تعالى: { كنتم خير أمة أخرجت للناس } وقال تعالى: { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا } وقال النبي ﷺ في الحديث الذي في المسند: [ أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله ]
خير القرون
وأفضل أمة محمد ﷺ القرن الأول
وقد ثبت عن النبي ﷺ من غير وجه أنه قال: [ خير القرون القرن الذي بعثت فيه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ] وهذا ثابت في الصحيحين من غير وجه
أفضل السابقين الأولين
وفي الصحيحين أيضا عنه صلى الله عليه وسم انه قال: [ لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا مابلغ مد أحدهم ولا نصيفه ]
والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار أفضل من سائر الصحابة
قال تعالى: { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى } وقال تعالى: { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه } والسابقون الأولون: الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا والمراد بالفتح: صلح الحديبية فإنه كان من أول فتح مكة وفيه أنزل الله تعالى: { إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } فقالوا: يا رسول الله أو فتح هو؟ قال: [ نعم ]
وأفضل السابقين الأولين الخلفاء الأربعة وأفضلهم أبو بكر ثم عمر وهذا هو المعروف عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة الأمة وجماهيرها وقد دلت على ذلك دلائل بسطناها في منهاج أهل السنة النبوية في نقض كلام أهل الشيعة والقدرية
وبالجملة اتفقت طوائف السنة والشيعة على أن أفضل هذه الأمة بعد نبيها واحد من الخلفاء ولا يكون من بعد الصحابة أفضل من الصحابة وأفضل أولياء الله تعالى أعظمهم معرفة بما جاء به الرسول واتباعا له كالصحابة الذين هم أكمل الأمة في معرفة دينه واتباعه وأبو بكر الصديق أكمل معرفة بما جاء به وعملا به فهو أفضل أولياء الله إذاكانت أمة محمد ﷺ أفضل الأمم وأفضلها أصحاب محمد ﷺ وأفضلهم أبو بكر رضي الله عنه
الكلام على خاتم الأولياء
وقد ظن طائفة غالطة أن خاتم الأولياء أفضل الأولياء قياسا على خاتم الأنبياء ولم يتكلم أحد من المشايخ المتقدمين بخاتم الأولياء إلا محمد بن علي الحكيم الترمذي فإنه صنف مصنفا غلط فيه في مواضع ثم صار طائفة من المتأخرين يزعم كل واحد منهم أنه خاتم الأولياء ومنهم من يدعي أن خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء من جهة العلم بالله وأن الأنبياء يستفيدون العلم بالله من جهته
مزاعم ابن عربي
كما زعم ذلك ابن عربي صاحب كتاب الفتوحات المكية وكتاب الفصوص فخالف الشرع والعقل مع مخالفة جميع أنبياء الله تعالى وأولياءه كما يقال لمن قال: فخر عليهم السقف من تحتهم: لا عقل ولا قرآن
وذلك أن الأنبياء أفضل في زمان من أولياء هذه الأمة والأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام أفضل من الأولياء فكيف الأنبياء كلهم؟ ! والأولياء إنما يستفيدون معرفة الله ممن يأتي بعدهم ويدعي أنه خاتم الأولياء وليس آخر الأولياء أفضلهم كما أن آخر الأنبياء أفضلهم فإن فضل محمد ﷺ ثبت بالنصوص الدالة على ذلك كقوله ﷺ: [ أنا سيد آدم ولا فخر ] وقوله: [ آتي باب الجنة فأستفتح فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد فيقول: بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك ]
احتياج شريعة عيسى عليه السلام إلى النبوات السابقة
وليلة المعراج رفع الله درجته فوق الأنبياء كلهم فكان احقهم بقوله تعالى: { تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات } إلى غير ذلك من الدلائل كل منهم يأتيه الوحي من الله لا سيما محمد ﷺ لم يكن في نبوته محتاجا إلى غيره فلم تحتج شريعته إلى سابق ولا إلى لاحق بخلاف المسيح احالهم في أكثر الشريعة على التوراة وجاء المسيح فكملها ولهذا كان النصارى محتاجين إلى النبوات المتقدمة على المسيح كالتوراة والزبور وتمام الأربع وعشرين نبوة وكان الأمم قبلنا محتاجين إلى محدثين بخلاف أمة محمد ﷺ فإن الله أغناهم به فلم يحتاجوا معه إلى نبي ولا إلى محدث بل جمع له من الفضائل والمعارف والأعمال الصالحة ما فرقه في غيره من الأنبياء فكان ما فضله الله بما به أنزله إليه وأرسله إليه لا بتوسط بشر
وهذا بخلاف الأولياء فإن كل من بلغه رسالة محمد ﷺ لا يكون وليا لله إلا باتباع محمد ﷺ وكل ما حصل له من الهدى ودين الحق هو بتوسط محمد ﷺ وكذلك من بلغه رسالة رسول إليه لا يكون وليا لله إلا إذا اتبع ذلك الرسول الذي أرسل إليه
هل للولي طريق لا يحتاج فيه إلى محمد ﷺ
ومن ادعى أن من الأولياء بالذين بلغتهم رسالة محمد ﷺ من له طريق إلى الله لا يحتاج فيه إلى محمد فهذا كافر ملحد وإذا قال: أنا محتاج إلى محمد في علم الظاهر دون علم الباطن أو في علم الشريعة دون علم الحقيقة فهو شر من اليهود والنصارى الذين قالوا: إن محمدا رسول إلى الأميين دون أهل الكتاب فإن أولئك آمنوا ببعض وكفروا ببعض فكانوا كفار بذلك
إيمان الأولياء بين الباطن والظاهر
وكذلك هذا الذي يقول: إن محمدا بعث بعلم الظاهر دون علم الباطن آمن ببعض ما جاء به وكفر ببعض فهو كافر وهو أكفر من أولئك لأن علم الباطن الذي هو علم إيمان القلوب ومعارفها وأحوالها هو علم بحقائق الايمان الباطنة وهذا أشرف من العلم بمجرد أعمال الاسلام الظاهرة
كفر من يدعي ان محمدا ﷺ علم من الأمور ظاهرها وان الأولياء علموا باطنها
فإذا ادعى المدعي أن محمدا ﷺ إنما علم هذه الأمور الظاهرة دون حقائق الايمان وأنه لا يأخذ هذه الحقائق عن الكتاب والسنة فقد ادعى أن بعض الذي آمن به مما جاء به الرسول دون البعض الآخر وهذا شر ممن يقول: أومن ببعض وأكفر ببعض ولا يدعي أن هذا البعض الذي آمن به أدنى القسمين
لا مثيل لولاية محمد ﷺ على الاطلاق
وهؤلاء الملاحدة يدعون أن الولاية أفضل من النبوة ويلبسون على الناس فيقولون: ولايته أفضل من نبوته وينشدون :
مقام النبوة في برزخ ... فويق الرسول ودون الولي
ويقولون: نحن شاركناه في ولايته التي هي أعظم من رسالته وهذا من أعظم ضلالهم فإن ولاية محمد لم يماثله فيها أحد لا إبراهيم ولا موسى فضلا عن أن يماثله فيها هؤلاء الملحدون
وكل رسول نبي ولي فالرسول نبي ولي ورسالته متضمنة لنبوته ونبوته متضمنة لولايته وإذا قدروا مجرد إنباء الله إياه بدون ولايته لله فهذا تقدير ممتنع فإنه حال إنبائه إياه ممتنع أن يكون إلا وليا لله ولا تكون مجردة عن ولايته ولو قدرت مجردة لم يكن أحد مماثلا للرسول في ولايته
ادعاؤهم بوحدة معدن الأنبياء والأولياء
وهؤلاء قد يقولون كما يقول صاحب الفصوص ابن عربي: إنهم يأخذون من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إلى الرسول وذلك أنهم اعتقدوا عقيدة المتفلسفة ثم أخرجوها في قالب المكاشفة وذلك أن المتفلسفة الذين قالوا: إن الأفلاك قديمة أزلية لها علة تتشبه بها كما يقوله أرسطو وأتباعه: أولها موجب بذاته كما يقوله متأخروهم كابن سينا وأمثاله ولايقولون: إنها لرب خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ولا خلق الأشياء بمشيئته وقدرته ولا يعلم الجزيئات بل إما أن ينكروا علمه مطلقا كقول أرسطو أو يقولوا: إنما يعلم في الأمور المتغيرة كلياتها كما يقول ابن سينا وحقيقة هذا القول إنكار علمه بها فان كل موجود في الخارج فهو معين جزئي الافلاك كل معين منها جزئي وكذلك جميع الأعيان وصفاتها وأفعالها فمن لم يعلم إلا الكليات لم يعلم شيئا من الموجودات والكليات إنما توجد كليات في الأذهان لا في الأعيان
والكلام على هؤلاء مبسوط في موضع آخر في رد تعارض العقل والنقل وغيره فإن كفر هؤلاء أعظم من كفر اليهود والنصارى بل ومشركي العرب فإن جميع هؤلاء يقولون: إن الله خلق السماوات والأرض وإنه خلق المخلوقات بمشيئته وقدرته
و أرسطو ونحو من المتفلسفة واليونان كانوا يعبدون الكواكب والأصنام وهم لا يعرفون الملائكة والانبياء وليس في كتب أرسطو ذكر شيء من ذلك وإنما غالب علوم القوم الأمور الطبيعية
فساد تلفيق ابن سينا في الأمور الإلهية
وأما الأمور الإلهية فكل منهم فيها قليل الصواب كثير الخطأ واليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل اعلم بالهيئات منهم بكثير ولكن متأخروهم كابن سينا ( غيره ) أرادوا أن يلفقوا بين كلام أولئك وبين ما جاءت به الرسل فأخذوا أشياء من أصول الجهمية والمعتزلة وركبوا مذهبا قد يعتزى إليه متفلسفة اهل الملل وفيه من الفساد والتناقض ما قد نبهنا على بعضه في غير هذا الموضع
وهؤلاء لما رأوا أمر الرسل كموسى وعيسى ومحمد ﷺ قد بهر العالم واعترفوا بالناموس الذي بعث به محمد ﷺ أعظم ناموس طرق العالم ووجدوا الأنبياء قد ذكروا الملائكة والجن أرادوا ان يجمعوا بين ذلك وبين أقوال سلفهم اليونان الذين أبعد الخلق عن معرفة الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وأولئك قد أثبتوا عقولا عشرة يسمونها: المجردات والمفارقات
وأصل ذلك مأخوذ من مفارقة النفس للبدن وسموا تلك: المفارقات لمفارقتها المادة وتجردها عنها وأثبتوا الأفلاك لكل فلك نفسا وأكثرهم جعلوها أعراضا وبعضهم جعلوها جواهر
خصائص النبوة عند ابن سينا وغيره من المتفلسفة
وهذه المجردات التي أثبتوها ترحع عند التحقيق إلى أمور موجودة في الأذهان لا في الأعيان ( كما أثبت أصحاب فيثاغورس أعدادا مجردة و) كما أثبت أصحاب أفلاطون الأمثال الافلاطونية المجردة أثبتوا هيولى مجردة عن الصورة ومدة وخلاء مجردين وقد اعترف حذاقهم بأن ذلك إنما يتحقق في الأذهان لا في الأعيان فلما أراد هؤلاء المتأخرون منهم كابن سينا أن يثبت أمر النبوات على أصولهم الفاسدة زعموا أن النبوة لها خصائص ثلاثة من اتصف بها فهو نبي :
أن تكون له قوة علمية يسمونها القوة القدسية ينال بها العلم بلا تعلم
وأن يكون له قوة تخيلية تخيل له ما يعقل في نفسه بحيث يرى في نفسه صورا أو يسمع في نفسه أصواتا كما يراه النائم ويسمعه ولا يكون لها وجود في الخارج وزعموا أن تلك الصور هي ملائكة الله وتلك الأصوات هي كلام الله تعالى
وأن يكون له قوة فعالة يؤثر بها في هيولى العالم وجعلوا معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء وخوارق السحرة هي ( من ) قوى الأنفس فأقروا من ذلك بما يوافق أصولهم من قلب العصا حية دون انشقاق القمر ونحو ذلك فإنهم ينكرون وجود هذا
نقد آراء ابن سينا
وقد بسطنا الكلام على هؤلاء في مواضع وبينا أن كلامهم هذا أفسد الكلام وأن هذا الذي جعلوه من خصائص النبي يحصل ما هو أعظم منه لآحاد العامة ولأتباع الأنبياء وأن الملائكة التي أخبرت بها الرسل أحياء ناطقون أعظم مخلوقات الله وهم كثيرون كما قال تعالى: { وما يعلم جنود ربك إلا هو } وليسوا عشرة ولسوا أعراضا لا سيما وهؤلاء يزعمون أن الصادر الأول هو العقل الأول وعنه صدر كل ما دونه والعقل الفعال العاشر رب كل ما تحت فلك القمر
كذب الحديث الذي ذكروه في العقل ونقضه لغة وشرعا
وهذا كله يعلم فساده بالاضطرار من دين الرسل فليس أحج من الملائكة مبدع لكل ما سوى الله وهؤلاء يزعمون أن العقل المذكور في حديث يروى: [ إن أول ما خلق الله العقل فقال له: أقبل فأقبل فقال له: أدبر فأدبر فقال: وعزتي ما خلقت خلقا أكرم علي منك فبك آخذ وبك أعطي ولك الثواب وعليك العقاب ] ويسمونه أيضا القلم لما روي [ إن أول ما خلق الله القلم ] الحديث رواه الترمذي
والحديث الذي ذكروه في العقل كذب موضوع عند أهل المعرفة بالحديث كما ذكر ذلك أبو حاتم البستي والدارقطني وابن الجوزي وغيرهم وليس في شيء من دواوين الحديث التي يعتمد عليها ومع هذا فلفظه لو كان ثابتا حجة عليهم فإن لفظة [ أول ما خلق الله تعالى العقل ] قال: - ويروى - [ لما خلق الله العقل قال له ] فمعنى الحديث: أنه خاطبه في أول أوقات خلقه وليس معناه أنه أول المخلوقات ( وأول ) منصوب على الظرف كما في اللفظ الآخر ( لما ) وتمام الحديث [ ما خلقت خلقا أكرم علي منك ] فهذا يقتضي أنه خلق قبل غيره ثم قال: [ فبك آخذ وبك أعطي ولك الثواب وعليك العقاب ] فذكر اربعة أنواع من الأعراض وعندهم ان جميع جواهر العالم العلوي والسفلي صدر عن ذلك العقل فأين هذا من هذا؟
وسبب غلطهم أن لفظ العقل في لغة المسلمين ليس هو لفظ العقل في لغة هؤلاء اليونان فإن العقل في لغة المسلمين مصدر عقل يعقل عقلا كما في القرآن { وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير } { إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون } { أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها } ويراد بالعقل الغريزة التي جعلها الله تعالى في الإنسان يعقل بها
وأما أولئك فالعقل عندهم جوهر قائم بنفسه كالعاقل وليس هذا مطابقا للغة الرسل والقرآن وعالم الخلق عندهم كما يذكره أبو حامد عالم الأجسام: العقل والنفوس فيسميها عالم الأمر وقد يسمي ( العقل ) عالم الجبروت ( والنفوس عالم الملكوت ) و( الأجسام ) عالم الملك ويظن من لم يعرف لغه الرسل ولم يعرف معنى الكتاب والسنة أن ما في الكتاب والسنة من ذكر الملك والملكوت والجبروت موافق لهذا وليس الأمر كذلك
التحقيق في المخلوق والمحدث والقديم الأزلي
وهؤلاء يلبسون على المسلمين تلبيسا كثيرا كإطلاقهم أن الفلك محدث أي معلول مع أنه قديم عندهم والمحدث لا يكون إلا مسبوقا بالعدم ليس في لغة العرب ولا في لغة أحد أنه يسمى القديم الأزلي: محدثا والله قد أخبر أنه خالق كل شيء وكل مخلوق فهو محدث وكل محدث كائن بعد أن لم يكن لكن ناظرهم أهل الكلام من الجهمية والمعتزلة مناظرة قاصرة لم يعرفوا بها ما أخبر به الرسول ولا أحكموا فيها قضايا العقول فلا للاسلام نصروا ولا للأعداء كسروا وشاركوا أولئك في بعض قضاياهم الفاسدة ونازعوهم في بعض المعقولات الصحيحة فصار قصور هؤلاء في العلوم السمعية والعقلية من أسباب قوة ضلال أولئك كما قد بسط في غير هذا الموضع ما بناه ابن عربي على فساد الفلاسفة من وهم وما اجترحه من خلط في أمر النبوة
وهؤلاء المتفلسفة قد يجعلون جبريل هو الخيال الذي يتشكل في نفس النبي ﷺ والخيال تابع للعقل فجاء الملاحدة الذين شاركوا هؤلاء الملاحدة المتفلسفة وزعموا أنهم أولياء الله وأن أولياء الله أفضل من أنبياء الله وأنهم يأخذون عن الله بلا واسطة كابن عربي صاحب الفتوحات والفصوص فقال: إنه يأخذ من المعدن الذي أخذ منه الملك الذي يوحي به إلى الرسول والمعدن عنده هو العقل والملك هو الخيال والخيال تابع للعقل وهو بزعمه يأخذ عن الذي هو أصل الخيال والرسول يأخذ عن الخيال فلهذا صار عند نفسه فوق النبي ولو كان خاصة النبي ما ذكروه ولم يكن هو من جنسة فضلا عن أن يكون فوقه فكيف وما ذكروه يحصل لآحاد المؤمنين؟ ! والنبوة أمر وراء ذلك فإن ابن عربي وأمثاله وإن ادعوا أنهم من الصوفية فهم من صوفية الملاحدة الفلاسفة ليسوا من صوفية أهل العلم فضلا عن أن يكونوا من مشايخ أهل الكتاب والسنة كالفضيل بن عياض وإبراهيم بن أدهم وأبي سليمان الداراني ومعروف الكرخي والجنيد ابن محمد وسهل بن عبد الله التستري وأمثالهم رضوان الله عليهم أجمعين
صفات الملائكة في القرآن
والله سبحانه وتعالى قد وصف الملائكة في كتابه بصفات تباين قول هؤلاء كقوله تعالى: { وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون * يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون * ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين } وقال تعالى: { وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى } وقال تعالى: { قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير * ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له } وقال تعالى: { وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون * يسبحون الليل والنهار لا يفترون }
نفي صفة الخيال عن جبريل
وقد أخبر أن الملائكة جاءت إبراهيم عليه السلام في صورة البشر وأن الملك تمثل لمريم بشرا سويا وكان جبريل عليه السلام يأتي النبي ﷺ في صورة دحية الكلبي وفي صورة أعرابي ويراه الناس كذلك
وقد وصف الله تعالى جبريل عليه السلام بأنه ذو قوة { عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين } وأن محمدا ﷺ { رآه بالأفق المبين } ووصفه بأنه { شديد القوى * ذو مرة فاستوى * وهو بالأفق الأعلى * ثم دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى * فأوحى إلى عبده ما أوحى * ما كذب الفؤاد ما رأى * أفتمارونه على ما يرى * ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى * إذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى * لقد رأى من آيات ربه الكبرى }
وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها عن النبي ﷺ أنه لم ير جبريل في صورته التي خلق عليها غير مرتين يعني المرة الأولى بالأفق الأعلى والنزلة الأخرى عند سدرة المنتهى ووصف جبريل عليه السلام في موضع آخر بأن الروح الأمين وأنه روح القدس إلى غير ذلك من الصفات التي تبين أنه من أعظم مخلوقات الله تعالى الأحياء والعقلاء وأنه جوهر قائم بنفسه ليس خيالا في نفس النبي كما زعم هؤلاء الملاحدة المتفلسفة والمدعون ولاية الله وأنهم أعلم من الأنبياء
الكشف عن غاية المتصوفة من الفلاسفة من أفكار أصول الإيمان ومجد الخالق
وغاية حقيقة هؤلاء إنكار أصول الأيمان بأن يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وحقيقة أمرهم جحد الخالق فإنهم جعلوا وجود المخلوق هو وجود الخالق
نقد فكرتي الحلول ووحدة الوجود
وقالوا: الوجود واحد ولم يميزوا بين الواحد بالعين والواحد بالنوع فإن الموجودات تشترك في مسمى الوجود كما تشترك الأناسي في مسمى الانسان والحيوانات في مسمى الحيوان ولكن هذا المشترك الكلي لا يكون مشتركا كليا إلا في الذهن وإلا فالحيوانية القائمة بهذا الانسان ليست هي الحيوانية القائمة بالفرس ووجود السماوات ليس هو بعينه وجود الانسان فوجود الخالق جل جلاله ليس هو كوجود مخلوقاته
وحقيقة قولهم قول فرعون الذي عطل الصانع فإنه لم يكن منكرا هذا الموجود والمشهود لكن زعم أنه موجود بنفسه لا صانع له وهؤلاء وافقوه في ذلك لكن زعموا بأنه هو الله فكانوا أضل منه وإن كان قوله هذا هو أظهر فسادا منهم ولهذا جعلوا عباد الاصنام ما عبدوا إلا الله وقالوا: لما كان فرعون في منصب التحكم صاحب السيف - وإن جاز في العرف الناموس - لذلك قال: أنا ربكم الأعلى - أي وأن كان الكل أربابا بنسبة ما فأنا الأعلى منكم بما أعطيته في الظاهر من الحكم فيكم
قالوا: ولما علمت السحرة صدق فرعون فيما قاله أقروا له بذلك وقالوا: { اقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة } قالوا: فصح قول فرعون: { أنا ربكم الأعلى }
وكان فرعون عين الحق ثم أنكروا حقيقة اليوم الآخر فجعلوا أهل النار يتنعمون كما يتنعم أهل الجنة فصاروا كافرين بالله واليوم الآخر وبملائكته وكتبه ورسله مع دعواهم أنهم خلاصة خاصة الخاصة من أهل ولاية الله وأنهم أفضل من الأنبياء وأن الأنبياء إنما يعرفون الله من مشكاتهم
وليس هذا موضع بسط إلحاد هؤلاء ولكن لما كان الكلام في أولياء الله والفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان وكان هؤلاء من أعظم الناس ادعاء لولاية الله وهم أعظم الناس ولاية للشيطان نبهنا على ذلك ولهذا عامة كلامهم إنما هو في الحالات الشيطانية ويقولون ما قاله صاحب الفتوحات ( باب أرض الحقيقة ) ويقولون: هي أرض الخيال
فتعرف بأن الحقيقة التي يتكلم فيها هي خيال ومحل تصرف الشيطان فإن الشيطان يخيل للأنسان الأمور بخلاف ما هي
كيف تتلبسهم الشياطين فيظنونها ملائكة
قال تعالى: { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين * وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون * حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين * ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون } وقال تعالى: { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا } إلى قوله: { يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا } وقال تعالى: { وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم } وقال تعالى: { وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب }
وقد روي عن النبي ﷺ في الحديث الصحيح: أنه رأى جبريل يزع الملائكة والشياطين إذا رأت ملائكة الله التي يؤيد بها عباده هربت منهم والله يؤيد عباده المؤمنين بملائكته
قال تعالى: { إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا } وقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها } وقال تعالى: { إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها } وقال تعالى: { إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين * بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين }
كذاب ثقيف ومبيرها
وهؤلاء تأتيهم أرواح تخاطبهم وتتمثل لهم وهي جن وشياطين فيظنونها ملائكة كالأرواح التي تخاطب من يعبد الكواكب والأصنام
وكان من أول ما ظهر من هؤلاء في الاسلام: المختار ابن أبي عبيدالذي أخبر به النبي ﷺ في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه عن النبي ﷺ أنه قال: [ سيكون في ثقيف كذاب ومبير ] وكان الكذاب: المختار ابن أبي عبيد والمبير: الحجاج بن يوسف فقيل لابن عمر وابن عباس إن المختار يزعم أنه ينزل إليه فقالا: صدق قال تعالى: { هل أنبئكم على من تنزل الشياطين * تنزل على كل أفاك أثيم }
وقال الآخر: وقيل له: إن المختار يزعم أنه يوحي إليه فقال: قال الله تعالى: { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم }
تفنيد مزاعم ابن عربي
وهذه الأرواح الشيطانية هي الروح الذي يزعم صاحب الفتوحات أنه ألقى إليه ذلك الكتاب ولهذا يذكر أنواعا من الخلوات بطعام معين وشيء معين وهذه مما تتفتح لصاحبها اتصالا بالجن والشياطين فيظنون ذلك من كرامات الأولياء
احواله الشيطانية
وإنما هو من الأحوال الشيطانية وأعرف من هؤلاء عددا ومنهم من كان يحمل في الهواء إلى مكان بعيد ويعود ومنهم من كان يؤتى بمال مسروق تسرقه الشياطين وتأتيه به ومنهم من كاتت تدله على السرقات بجعل يحصل له من الناس أو لعطاء يعطونه إذا دلهم على سرقاتهم ونحوذلك
ولما كانت أحوال هؤلاء شيطانية كانوا مناقضين للرسل صلوات الله تعالى وسلامه عليهم كما يوجد في كلام صاحب الفتوحات المكية والفصوص
مدحه الكفار
وأشباه ذلك يمدح الكفار مصل قوم نوح وهود وفرعون وغيرهم وينتقص الأنبياء كنوح وإبراهيم وموسى وهارون ويذم شيوخ المسلمين المحمودين عند المسلمين كالجنيد بن محمد وسهل بن عبد الله التستري وأمثالهما ويمدح المذمومين عند المسلمين كالحلاج ونحوه كما ذكره في تجلياته الخيالية الشيطانية
عقيدته في القديم والمحدث
فإن الجنيد - قدس الله روحه - كان من أئمة الهدى فسئل عن التوحيد فقال: التوحيد إفراد الحدوث عن القدم فبين أن التوحيد أن تميز بين القديم والمحدث وبين الخالق والمخلوق
وصاحب الفصوص أنكر هذا وقال في مخاطبته الخيالية الشيطانية له: يا جنيد ! هل يميز بين المحدث والقديم إلا من يكون غيرهما؟ فخطأ الجنيد في قوله: إفراد الحدوث عن القدم لأن قوله هو: إن وجود المحدث هو عين وجود القديم كما قاله في فصوصه: ومن أسمائه الحسنى: ( العلي ) على من؟ وما ثم إلا هو وعن ماذا؟ وما هو إلا هو فعلوه لنفسه وهو عين الموجودات فالمسمى محدثات هي العلية لذاتها وليست إلا هو إلى أن قال :
هو عين ما بطن وهو عين ماظهر وما ثم من يراه غيره وما ثم من ينطق عنه سواه وهو المسمى أبو سعيد الخراز وغير ذلك من الأسماء المحدثات
فيقال لهذا الملحد: ليس من شرط المميز بين الشيئين بالعلم والقول أن يكون ثالثا غيرهما فإن كل واحد من الناس يميز بين نفسه وغيره وليس هو ثالثا فالعبد يعرف أنه عبد ويميز بين نفسه وبين خالقه والخالق جل جلاله يميز بين نفسه وبين مخلوقاته ويعلم أنه ربهم وأنهم عباده كما نطق بذلك القرآن غير غير موضع والاستشهاد بالقرآن عند المؤمنين الذين يقرون به باطنا وظاهرا
زعمهم أن القرآن شرك لأنه خالف الفصوص
وأما هؤلاء الملاحدة فيزعمون ما كان يزعمه التلمساني منهم وهو أحذقهم في اتحادهم - لما قرىء عليه الفصوص فقيل له القرآن يخالف فصوصكم فقال: القرآن كله شرك وإنما التوحيد في كلامنا فقيل له: فإذا كان الوجود واحدا فلم كانت الزوجة حلالا والأخت حراما؟ فقال: الكل عندنا حلال ولكن هؤلاء المحجوبون قالوا: حرام فقلنا: حرام عليكم
نقد فكرة وحدة الوجود
وهذا مع كفره العظيم متناقض ظاهر فإن الوجود إذا كان واحدا فمن المحجوب ومن الحاجب؟ ولهذا قال بعض شيوخهم لمريده: من قال لك: إن في الكون سوى الله فقد كذب فقال له مريده: فمن هو الذي يكذب؟ قالوا لآخر: هذه مظاهر فقال لهم: المظاهر غير المظاهر أم هي؟ فإن كانت غيرها فقد قلتم بالنسبة وإن كانت إياها فلا فرق
وقد بسطنا الكلام على كشف أسرار هؤلاء في موضع آخر وبينا حقيقة قول كل واحد منهم وإن صاحب الفصوص يقول: المعدوم شيء ووجود الحق فاض عليهما فيفرق بين الوجود والثبوت
والمعتزلة الذين قالوا: المعدوم شيء ثابت في الخارج مع ضلالهم خير منه فإن أولئك قالوا: إن الرب خلق لهذه الأشياء الثابتة في العدم وجودا ليس هو وجود الرب وهذا زعم أن عين وجود الرب فاض عليه فليس عنده وجود مخلوق مباين لوجود الخالق وصاحبه الدرالقونوي يفرق بين المطلق والمعين لأنه كان أقرب إلى الفلسفة فلم يقر بأن المعدوم شيء لكن جعل الحق هو الوجود المطلق وصنف مفتاح غيب الجمع والوجود
القول في تعطيلهم الخالق القول في تعميم الألوهية
وهذا القول أدخل في تعطيل الخالق وعدمه فإن المطلق بشرط الأطلاق وهو الكلي العقلي لا يكون إلا في الأذهان لا في الأعيان والمطلق لا بشرط وهو الكلي الطبيعي وإن قيل: إنه موجود في الخارج فلا يوجد إلى معينا وهو جزء من المعين عند من يقول بثبوته في الخارج فيلزم أن يكون وجود الرب إما منتفيا في الخارج وإما أن يكون جزءا من وجود المخلوقات وإما أن يكون عين وجود المخلوقات وله يخلق الجزء الكل أم يخلق الشيء نفسه؟ أم العدم يخلق الوجود؟ أو يكون بعض الشيء خالقا لجميعه؟
وهؤلاء يفرون من لفظ الحلول لأنه يقتضي حالا ومحلا ومن لفظ الاتحاد لأنه يقتضي شيئين اتحد أحدهما بالآخر وعندهم الوجود واحد ويقولون: النصارى إنما كفروا لما خصصوا المسيح بأنه هو الله ولو عمموا لما كفروا
وكذلك يقولون في عباد الأصنام: إنما أخطأوا لما عبدوا بعض الظاهر دون بعض فلو عبدوا الجميع لما أخطأوا عندهم والعارف المحقق عندهم لا يضره عبادة الأصنام
القول في طلبهم ترك العقل والشرع
وهذا ما فيه من الكفر العظيم ففيه ما يلزمهم دائما من التناقض لأنه يقال لهم: فمن المخطىء؟ لكنهم يقولون: إن الرب هو الموصوف بجميع النقائص التبي يوصف بها المخلوق ويقولون: إن المخلوقات يوصف بجميع الكمالات التي يوصف بها الخالق ويقولون ما قاله صاحب الفصوص: فالعلي لنفسه هو الذي يكون له الكمال الذي يستوعب به جميع النعوت الوجودية والنسب العدمية سواء كانت محمودة عرفا أو عقلا أو شرعا أو مذمومة عرفا وعقلا وشرعا وليس ذلك إلا لمسمى الله خاصة وهم مع كفرهم هذا لا يندفع عنهم التناقض فإنه معلوم بالحس والعقل أن هذا ليس هو ذاك وهؤلاء يقولون ماكان يقوله التلمساني إنه ثبت عندنا في الكشف ما يناقض صريح العقل ويقولون من أراد التحقيق - يعني تحقيقهم - فيترك العقل والشرع
وقد قلت لمن خاطبته منهم: ومعلوم أن كشف الأنبياء أعظم وأتم من كشف غيرهم وخبرهم أصدق من خبر غيرهم والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم يخبرون بما تعجز عقول الناس عن معرفته لا بما يعرف الناس بعقولهم أنه ممتنع فيخبرون بمجازات العقول لا بمحالات العقول ويمتنع أن يكون في أخبار الرسول ما يناقض صريح العقول ويمتنع أن يتعارض دليلان قطعيان سواء كانا عقليين أو سمعيين أو كان أحدهما عقليا والآخر سمعيا فكيف بمن ادعى كشفا يناقض صريح الشرع والعقل؟
وهؤلاء قد لا يتعمدون الكذب لكم يخيل لهم أشياء تكون في نفوسهم ويظنونها في الخارج وأشياء يرونها تكون موجودة في الخارج لكن يظنونها من كرامات الصالحين وتكون من تلبيسات الشياطين
تقديمهم الأولياء على الأنبياء وقولهم بعدم انقطاع النبوة
وهؤلاء الذين يقولون بالوحدة قد يقدمون الأولياء على الأنبياء ويذكرون أن النبوة لم تنقطع
القول في المعصية
كما يذكر عن ابن سبعين وغيره ويجعلون المراتب ثلاثة: يقولون: العبد يشهد أولا طاعة ومعصية ثم طاعة بلا معصية ثم لا طاعة ولا معصية والشهود الأول هو الشهود الصحيح وهو الفرق بين الطاعات والمعاصي وأما الشهود الثاني فيريدون به شهود القدر كما أن بعض هؤلاء يقول: أنا كافر برب يعصى وهذا يزعم أن المعصية: مخالفة الإرادة التي هي المشيئة والخلق كلهم داخلون تحت حكم المشيئة ويقول شاعرهم :
أصبحت منفعلا لما تختاره ... مني ففعلي كله طاعات
ومعلوم أن هذا خلاف ما أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه فإن المعصية التي يستحق صاحبها الذم والعقاب مخالفة أمر الله ورسوله كما قال تعالى: { تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم * ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين } وسنذكر الفرق بين الإرادة الكونية والدينية والأمر الكوني والديني وكانت هذه المسألة قد اشتبهت على طائفة من الصوفية فبينها الجنيد رحمه الله لهم فمن اتبع الجنيد فيها كان على السداد ومن خالفه ضل لأنهم تكلموا بأن الأمور كلها بمشيئة الله وقدرته وفي شهود هذا التوحيد وهذا يسمونه الجمع الأول فبين لهم الجنيد أنه لا بد من شهود الفرق الثاني وهو أنه مع شهود كون الأشياء كلها مشتركة في مشيئة الله وقدرته وخلقه يجب الفرق بين ما يأمر به ويحبه ويرضاه وبين ما ينهى عنه ويكره ويسخطه ويفرق بين أوليائه وأعدائه كما قال تعالى: { أفنجعل المسلمين كالمجرمين * ما لكم كيف تحكمون } وقال تعالى: { أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار } وقال تعالى: { أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون } وقال تعالى: { وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلا ما تتذكرون }
ولهذا كان مذهب سلف الأمة وأئمتها أن الله خالق كل شيء وربه ومليكه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن لا رب غيره وهو مع ذلك أمر بالطاعة ونهى عن المعصية وهو لايحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر ولا يأمر بالفحشاء وإن كانت واقعة بمشيئته فهو لا يحبها ولا يرضاها بل يبغضها ويذم أهلها ويعاقبهم
وأما المرتبة الثالثة: أن لا يشهد طاعة ولا معصية فإنه يرى أن الوجود واحد وعندهم أن هذا غاية التحقيق والولاية لله وهو في الحقيقة غاية الالحاد في أسماء الله وآياته وغاية العداوة لله فإن صاحب هذا المشهد يتخذ اليهود والنصارى وسائر الكفار أولياء وقد قال تعالى: { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } ولا يتبرأ من الشرك والأوثان فيخرج عن ملة إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه قال الله تعالى: { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده } وقال الخليل عليه السلام لقومه المشركين: { أفرأيتم ما كنتم تعبدون * أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنهم عدو لي إلا رب العالمين }
القول في قصيدة نظم السلوك وتوهم ابن الفارض الالوهية
وقال تعالى: { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه } وهؤلاء قد صنف بعضهم كتبا وقصائد على مذهبه مثل قصيدة ابن الفارض المسماة: بنظم السلوك يقول فيها :
لها صلواتي في المقام أقيمها ... وأشهد فيها أنها لي صلت
كلانا مصل واحد ساجد إلى ... حقيقته بالجمع في كل سجدة
وما كان لي صلى ولم تكن ... صلاتي لغيري في أدا كل ركعة
إلى أن قال :
ما زلت إياها وإياي لم تزل ... ولا فرق بل ذاتي لذاتي صلت
إلي رسولا كنت مني مرسلا ... وذاتي بآياتي علي استدلت
فإن دعيت كنت المجيب وإن أكن ... منادى أجابت من دعاني ولبت
إلى أمثال هذا الكلام ولهذا كان هذا القائل عند الموت ينشد ويقول :
إن كان منزلتي في الحب عندكم ... ما قد لقيت فقد ضيعت أيامي
أمنية ظفرت نفسي بها زمنا ... واليوم أحسبها أضغاث أحلام
فإنه كان يظن أنه هو الله فلما حضرت ملائكة الله لقبض روحه تبين بطلان ما كان يظنه وقال الله تعالى: { سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم } فجميع ما في السماوات والأرض يسبح لله ليس هو الله ثم قال تعالى: { له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير * هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم }
وفي صحيح مسلم [ عن النبي صلىالله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه: اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى منزل التوراة والانجيل والقرآن أعوذ بك من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عني الدين وأغنني من الفقر ]
ثم قال تعالى: { هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير } فذكر أن السماوات والأرض وفي موضع آخر: { وما بينهما } مخلوق مسبح له وأخبر سبحانه أنه يعلم كل شيء
معية الله بعلمه لا بذاته وهي عامة وخاصة
وأما قوله: { وهو معكم } فلفظ { مع } لا تقتضي في لغة العرب أن يكون أحد الشيئين مختلطا بالآخر كقوله تعالى: { اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } وقوله تعالى: { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار } وقوله تعالى: { والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم } ولفظ { مع } جاءت في القرآن عامة وخاصة فالعامة في هذه الآية وفي آية المجادلة: { ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم } فافتتح الكلام بالعلم وختمه بالعلم ولهذا قال ابن عباس والضحاك وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل: هو معهم بعلمه
وأما المعية الخاصة ففي قوله تعالى: { إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } وقوله تعالى لموسى: { إنني معكما أسمع وأرى } وقال تعالى: { إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا } يعني النبي ﷺ وأبا بكر رضي الله عنه فهو مع موسى وهارون دون فرعون ومع محمد وصاحبه دون أبي جهل وغيره من أعدائه ومع الذين اتقوا والذين هم محسنون دون الظالمين المعتدين
فلو كان معنى المعية أنه بذاته في كل مكان تناقض الخبر الخاص والخبر العام بل المعنى أنه مع هؤلاء بنصره وتأييده دون أولئك وقوله تعالى: { وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله } أي هو إله من في السماوات وإله من في الأرض كما قال تعالى: { وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم } وكذلك قوله تعالى: { وهو الله في السماوات وفي الأرض } كما فسره أئمة العلم كـ الإمام أحمد وغيره: أنه المعبود في السماوات والأرض
القول في الصفات ليس كمثله شيء
وأجمع سلف الأمة وأئمتها على أن الرب تعالى بائن من مخلوقاته يوصف بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله ﷺ من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل يوصف بصفات الكمال دون صفات النقص ويعلم أنه ليس كمثله شيء ولا كقوله في شيء من صفات الكمال كما قال الله تعالى: { قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد } وقال ابن عباس: الصمد: العليم الذي كمل في علمه والعظيم الذي كمل في عظمته القدير الكامل في قدرته الحكيم الكامل في حكمته السيد الكامل في سؤدده
وقال ابن مسعود وغيره: هو الذي لا جوف له والأحد: الذي لا نظير له فاسمه ( الصمد ) يتضمن اتصافه بصفات الكمال ونفي النقائص عنه واسمه ( الأحد ) يتضمن اتصافه أنه لا مثل له
وقد بسطنا الكلام على تفسير ذلك في هذه السورة وفي كونها تعدل ثلث القرآن
الله تعالى خالق كل شيء ومليكه
وكثير من الناس تشتبه عليهم الحقائق الأمرية الدينية الايمانية بالحقائق الخلقية القدرية الكونية فإن الله سبحانه وتعالى له الخلق والأمر كما قال تعالى: { إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين } فهو سبحانه خالق كل شيء وربه ومليكه لا خالق غيره ولا رب سواه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن فكل ما في الوجود من حركة وسكون فبقضائه وقدره ومشيئته وقدرته وخلقه وهو سبحانه أمر بطاعته وطاعة رسله ونهى عن معصيته ومعصية رسله أمر بالتوحيد والاخلاص
الشرك أعظم الذنوب - أوامر الله ونواهيه
ونهى عن الاشراك بالله فأعظم الحسنات التوحيد وأعظم السيئات الشرك قال الله تعالى: { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } وقال تعالى: { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله }
وفي الصحيحين [ عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله ! أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قلت: ثم أي؟ قال: أن تزني بحليلة جارك ] فأنزل الله تصديق ذلك: { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا * إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما }
وأمر سبحانه بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغي وأخبر أنه يحب المتقين ويحب المحسنين ويحب المقسطين ويحب التوابين ويحب المتطهرين ويحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص وهو يكره ما نهى عنه كما قال في سورة ( سبحان ): { كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها }
وقد نهى عن الشرك وعقوق الوالدين وأمر بإيتاء ذي القربى الحقوق ونهى عن التبذير وعن التقتير وأن يجعل يده مغلولة إلى عنقه وأن يبسطها كل البسط ونهى عن قتل النفس بغير الحق وعن الزنا وعن قربان مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن إلى أن قال: { كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها }
دعاء النبي لله واستغفاره
وهو سبحانه لا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر والعبد مأمور أن يتوب إلى الله تعالى دائما قال الله تعالى: { وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون }
وفي صحيح البخاري عن النبي ﷺ أنه قال: [ أيها الناس توبوا إلى ربكم فوالذي نفسي بيده إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة ]
وفي صحيح مسلم عنه ﷺ أنه قال: [ إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة ]
وفي السنن عن ابن عمر قال: [ كنا نعد لرسول الله ﷺ في المجلس الواحد يقول: رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم مائة مرة ] أو قال: [ أكثر من مائة مرة ]
وقد أمر الله سبحانه عباده أن يختموا الأعمال الصالحات بالاستغفار [ فكان النبي ﷺ إذا سلم من الصلاة يستغفر ثلاثا ويقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ]
كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عنه وقد قال تعالى: { والمستغفرين بالأسحار } فأمرهم أن يقوموا بالليل ويستغفروا بالأسحار
وكذلك ختم سورة ( المزمل ) وهي سورة قيام الليل بقوله تعالى: { واستغفروا الله إن الله غفور رحيم }
وكذلك قال في ( الحج ): { فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين * ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم }
بل أنزل سبحانه وتعالى في آخر الأمر لما غزا النبي ﷺ غزوة تبوك وهي آخر غزواته: { لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم * وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم } وهي من آخر ما نزل من القرآن
وقد قيل: إن آخر سورة نزلت قوله تعالى: { إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا } فأمره الله تعالى أن يختم عمله بالتسبيح والاستغفار
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنه ﷺ [ كان يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي - يتأول القرآن ]
وفي الصحيحين عنه ﷺ أنه [ كان يقول: اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسرت وما أعلنت لا إله إلا أنت ]
وفي الصحيحين أن أبا بكر رضي الله عنه قال: [ يا رسول الله علمني دعاء أدعوا به في صلاتي قال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ]
وفي السنن عن أبي بكر رضي الله عنه قال: [ يا رسول الله ! علمني دعاء أدعوا به إذا أصبحت وإذا أمسيت فقال: قل: اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم قله إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا إخذت مضجعك ]
عدم الإصرار على الذنب من محبة الله للعبد
فليس لأحد أن يظن استغناءه عن التوبة إلى الله والاستغفار من الذنوب بل كل أحد محتاج إلى ذلك دائما قال الله تبارك وتعالى: { وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا * ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما }
فالإنسان ظالم جاهل وغاية المؤمنين والمؤمنات التوبة وقد أخبر الله تعالى في كتابه بتوبته عباده الصالحين ومغفرته لهم
وثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: [ لن يدخل الجنة أحد بعمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ] وهذا لا ينافي قوله: { كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية } فإن الرسول ﷺ نفى باء المقابلة والمعادلة والقرآن أثبت باء السبب
وقول من قال: إذا أحب الله عبدا لم تضره الذنوب معناه أنه إذا أحب عبدا ألهمه التوبة والأستغفار فلم يصر على الذنوب ومن ظن أن الذنوب لا تضر من أصر عليها فهو ضال مخالف للكتاب والسنة وإجماع السلف والأئمة بل من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره
وإنما عباده الممدوحون هم المذكورون في قوله: { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين * الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين * والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون }
جعل القدر حجة لأهل الذنوب من الشرك
ومن ظن أن القدر حجة لأهل الذنوب فهو من جنس المشركين الذين قال الله تعالى عنهم: { سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء } قال الله تعالى ردا عليهم: { كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون * قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين }
ولو كان القدر حجة لأحد لم يعذب الله المكذبين للرسل كقوم نوح وعاد وثمود والمؤتفكات وقوم فرعون ولم يأمر بإقامة الحدود على المعتدين ولا يحتج أحد بالقدر إلا إذا كان متبعا لهواه بغير هدى من الله ومن رأى القدر حجة لأهل الذنوب يرفع عنهم الذم والعقاب فعليه أن لا يذم أحدا ولا يعاقبه إذا اعتدى عليه بل يستوي عنده ما يوجب اللذة وما يوجب الألم فلا يفرق بين من يفعل معه خيرا وبين من يفعل معه شرا وهذا ممتنع طبعا وعقلا وشرعا وقد قال تعالى: { أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار } وقال تعالى: { أفنجعل المسلمين كالمجرمين } وقال تعالى: { أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون } وقال تعالى: { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون } وقال تعالى: { أيحسب الإنسان أن يترك سدى } أي مهملا لا يؤمر ولا ينهى
حديث: احتج آدم وموسى تخريج الحديث وشرحه
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: [ احتج آدم وموسى قال موسى: يا آدم ! أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ فقال له آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه وكتب لك التوراة بيده؟ فبكم وجدت مكتوبا علي قبل أن أخلق: { وعصى آدم ربه فغوى }؟ قال: بأربعين سنة؟ قال: فلم تلومني على أمر قدره الله علي قبل أن أخلق بأربعين سنة؟ قال: فحج آدم موسى ] أي غلبه بالحجة
وهذا الحديث ضلت فيه طائفتان: طائفة كذبت له لما ظنوا أنه يقتضي رفع الذم والعقاب عمن عصى الله لأجل القدر وطائفة شر من هؤلاء جعلوه حجة وقد يقولون القدر حجة لأهل الحقيقة الذين شهدوه أو الذين لا يرون أن لهم فعلا ومن الناس من قال: إنما حج آدم موسى لأنه أبوه أو لأنه قد تاب أو لأن الذنب كان في شريعة واللوم في أخرى أو لأن هذا يكون في الدنيا دون الأخرى وكل هذا باطل
الأمر بالصبر عند المصائب
ولكن وجه الحديث أن موسى عليه السلام لم يلم أباه إلا لأجل المصيبة التي لحقتهم من أجل أكله من الشجرة فقال له: لما أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ لم يلمه لمجرد كونه أذنب ذنبا وتاب منه فإن موسى يعلم أن التائب من الذنب لا يلام وقد تاب منه أيضا ولو كان آدم يعتقد رفع الملام عنه لأجل القدر لم يقل: { ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين }
والمؤمن مأمور عند المصائب أن يصبر ويسلم وعند الذنوب أن يستغفر ويتوب قال الله تعالى: { فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك } فأمره بالصبر على المصائب والاستغفار من المعائب
وقال تعالى: { ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه } قال ابن مسعود: هو الرجل تصيبه المصيبة يعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم
فالمؤمنون إذا أصابتهم مصيبة مثل المرض والفقر والذل صبروا لحكم الله وإن كان ذلك بسبب ذنب غيرهم كمن أنفق أبوه ماله في المعاصي فافتقر أولاده لذلك فعليهم أن يصبروا لما أصابهم وإذا لاموا الأب لحظوظهم ذكر لهم القدر
الرضى بحكم الله أعلى مرتبة من الصبر
والصبر واجب باتفاق العلماء وأعلى من ذلك الرضى بحكم الله والرضى قد قيل: إنه واجب وقيل: هو مستحب وهو الصحيح وأعلى من ذلك أن يشكر الله على المصيبة لما يرى من إنعام الله عليه بها جعلها سببا لتكفير خطاياه ورفع درجته وإنابته إلى الله وتضرعه إليه وإخلاصه له في التوكل عليه ورجائه دون المخلوقين
أهل البغي عند الطاعة قدريون وعند المعصية جبريون
وأما أهل البغي والضلال فتجدهم يحتجون بالقدر إذا أذنبوا واتبعوا أهواءهم ويضيفون الحسنات إلى أنفسهم إذا أنعم عليهم بها كما قال بعض العلماء: أنت عند الطاعة قدري وعند المعصية جبري أي مذهب وافق هواك تمذهبت به
وأهل الهدى والرشاد إذا فعلوا حسنة شهدوا أنعام الله عليهم بها وأنه هو الذي أنعم عليهم وجعلهم مسلمين وجعلهم يقيمون الصلاة وألهمهم التقوى وأنه لا حول ولا قوة إلا به فزال عنهم بشهود القدر العجب والمن والأذى وإذا فعلوا سيئة استغفروا الله وتابوا إليه منها
سيد الاستغفار
ففي صحيح البخاري عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله ﷺ: [ سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأن عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فأنه لا يغفر الذنوب إلا أنت من قالها إذا أصبح موقنا بها فمات من ليلته دخل الجنة ]
حديث: يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي
وفي الحديث الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي ﷺ [ فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا يا عبادي إنكم تخطؤون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا ولا أبالي فاستغفروا أغفر لكم يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم
يا عبادي كلكم عار ألا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي كلكم ضال إلا من هيدته فاستهدوني أهدكم يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص البحر إذا غمس فيه المخيط غمسة واحدة يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ]
فأمر سبحانه بحمد الله على ما يجده العبد من خير وأنه إذا وجد شرا فلا يلومن إلا نفسه
الفرق بين الحقيقة الكونية والحقيقة الدينية
وكثير من الناس يتكلم بلسان الحقيقة ولا يفرق بين الحقيقة الكونية القدرية المتعلقة بخلقه ومشيئته وبين الحقيقة الدينية الأمرية المتعلقة برضاه ومحبته ولا يفرق بين من يقوم بالحقيقة الدينية موافقا لما أمر الله به على ألسن رسله ولا يفرق بين من يقوم بوجده وذوقه غير معتبر ذلك بالكتاب والسنة كما أن لفظ الشريعة يتكلم به كثير من الناس ولا يفرق بين الشرع المنزل من عند الله تعالى وهو الكتاب والسنة الذي بعث الله به رسوله فإن هذا الشرع ليس لأحد من الخلق الخروج عنه ولا يخرج عنه إلا كافر وبين الشرع الذي هو حكم الحاكم فالحاكم تارة يصيب وتارة يخطىء هذا إذا كان عالما عادلا
أفضل القضاة
وإلا ففي السنن عن النبي ﷺ أنه قال: [ القضاة ثلاثة: قاضيان في النار وقاض في الجنة رجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار ورجل علم الحق فقضى بغيره فهو في النار ]
وأفضل القضاء العالمين العادلين سيد ولد آدم محمد ﷺ فقد ثبت عنه في الصحيحين أنه قال: [ إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض وإنما أقضي بنحو مما أسمع فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإ ما أقطع به قطعة من النار ]
فقد أخبر سيد الخلق أنه إذا قضى بشيء مما سمعه وكان في الباطن يخلاف ذلك لم يجز للمقضي له أن يأخذ ما قضي به له وأنه إنما يقطع له به قطعة من النار
وهذا متفق عليه بين العلماء في الأملاك المطلقة إذا حكم الحاكم بما ظنه حجة شرعية كالبينة والاقرار وكان الباطن بخلاف الظاهر لم يجز للمقضي له أن يأخذ ما قضي به له بالاتفاق وإن حكم في العقود والفسوخ بمثل ذلك فأكثر العلماء يقول: إن الأمر كذلك وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وفرق أبو حنيفة رضي الله عنه بين النوعين
مدلول لفظ الشرع والشريعة
فلفظ الشرع والشريعة إذا أريد به الكتاب والسنة لم يكن لأحد من أولياء الله ولا لغيرهم أن يخرج عنه ومن ظن أن لأحد من أولياء الله طريقا إلى الله غير متابعة محمد ﷺ باطنا وظاهرا فلم بتابعه باطنا وظاهرا فهو كافر
الاحتجاج بقصة موسى مع الخضر ودفعه من وجهين
ومن احتج في ذلك بقصة موسى مع الخضر كان غالطا من وجهين: أحدهما: أن موسى لم يكن مبعوثا إلى الخضر ولا كان على الخضر اتباعه فإن موسى كان مبعوثا إلى بني إسرائيل وأما محمد ﷺ فرسالته عامة لجميع الثقلين: الجن والأنس ولو أدركه من هو أفضل من الخضر كإبراهيم وموسى وعيسى وجب عليهم اتباعه فكيف بالخضر سواء كان نبيا أو وليا؟ ! ولهذا قال الخضر لموسى: ( أنا على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه ) وليس لأحد من الثقلين الذين بلغتهم رسالة محمد ﷺ أن يقول مثل هذا
الثاني: أن ما فعله الخضر لم يكن مخالفا لشريعة موسى عليه السلام وموسى لم يكن علم الأسباب التي تبيح ذلك فلما بينها له وافقه على ذلك فإن خرق السفينة ثم ترقيعها لمصلحة أهلها خوفا من الظالم أن يأخذها إحسان إليهم وذلك جائز وقتل الصائل جائز وإن كان صغيرا ومن كان تكفيره لأبويه لا يندفع إلا بقتله جاء قتله
قال ابن عباس رضي الله عنهما لنجدة الحروري لما سأله عن قتل الغلمان قال له: إن كنت علمت منهم ما علمه الخضر من ذلك الغلام فاقتلهم وإلا فلا تقتلهم رواه البخاري
وأما الإحسان إلى اليتيم بلا عوض والصبر على الجوع فهذا من صالح الأعمال فلم يكن في ذلك شيء مخالفا شرع الله
وأما إذا أريد بالشرع حكم الحاكم فقد يكون ظالما وقد يكون عادلا وقد يكون صوابا وقد يكون خطأ وقد يراد بالشرع قول أئمة الفقه كأبي حنيفة والثوري ومالك بن أنس والأوزاعي والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق وداود وغيرهم فهؤلاء أقوالهم يحتج لها بالكتاب والسنة وإذا قلد غيره حيث يجوز ذلك كان جائزا أي ليس اتباع أحدهم واجبا على جميع الأمة كاتباع الرسول ﷺ ولا يحرم تقليد أحدهم كما يحرم اتباع من يتكلم بغير علم
وأما إن أضاف أحد إلى الشريعة ما ليس منها من أحاديث مفتراه أو تأول النصوص بخلاف مراد الله ونحو ذلك فهذا من نوع التبديل فيجب الفرق بين الشرع المنزل والشرع المؤول والشرع المبدل كما يفرق بين الحقيقة الكونية والحقيقة الدينية الأمرية وبين ما يستدل عليها بالكتاب والسنة وبين ما يكتفي فيها بذوق صاحبها ووجده
الإرادة الكونية
وقد ذكر الله في كتابه: الفرق بين الإرادة والأمر والقضاء والإذن والتحريم والبعث والإرسال والكلام والجعل وبين الكوني الذي خلقه وقدره وقضاه وإن كان لم يأمر به ولا يحبه ولا يثيب أصحابه ولا يجعلهم من أوليائه المتقين وبين الديني الذي أمر به وشرعه وأثاب فاعليه وأكرمهم وجعلهم من أوليائه المتقين وحزبه المفلحين وجنده الغالبين وهذا من أعظم الفروق التي يفرق بها بين أولياء الله وأعدائه فمن استعمله الرب سبحانه وتعالى فيما يحبه ويرضاه ومات على ذلك كان من أوليائه ومن كان عمله فيما يبغضه الرب ويكرهه ومات على ذلك كان من أعدائه
فالإرادة الكونية هي مشيئته لما خلقه وجميع المخلوقات داخلة في مشيئته وإرادته الكونية والارادة الدينية هي المتضمنة لمحبته ورضاه المتناولة لما أمر به وجعله شرعا ودينا
وهذه مختصة بالإيمان والعمل الصالح قال الله تعالى: { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء }
وقال نوح عليه السلام لقومه: { ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم } وقال تعالى: { وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال } وقال تعالى في الثانية: { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } وقال في آية الطهارة: { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون } ولما ذكر ما أحله وما حرمه من النكاح قال: { يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم * والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما * يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا }
الأمر
وقال لما ذكر ما أمر به أزواج النبي ﷺ وما نهاهن عنه: { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } والمعنى أنه أمركم بما يذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا فمن أطاع أمره كان مطهرا قد أذهب عنه الرجس بخلاف من عصاه
وأما الأمر فقال في الأمر الكوني: { إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } وقال تعالى: { وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر } وقال تعالى: { أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس }
وأما الأمر الديني فال تعالى: { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون } وقال تعالى: { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا }
الاذن القضاء
وأما الإذن فقال في الكوني لما ذكر السحر: { وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله } أي بمشيئته وقدرته وإلا فالسحر لم يبحه الله عز وجل
وقال في الإذن الديني: { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } وقال تعالى: { إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * وداعيا إلى الله بإذنه } وقال تعالى: { وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله } وقال تعالى: { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله } وأما القضاء فقال في الكوني: { فقضاهن سبع سماوات في يومين } وقال سبحانه: { إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون }
وقال في الديني: { وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه } أي أمر وليس المراد به: قدر ذلك فإنه قد عبد غيره كما أخبر في غير موضع كقوله تعالى: { ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله }
وقال الخليل عليه السلام لقومه: { أفرأيتم ما كنتم تعبدون * أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنهم عدو لي إلا رب العالمين } وقال تعالى: { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء } وقال تعالى: { قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد * ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد * لكم دينكم ولي دين } وهذه كلمة تقتضي براءته من دينهم ولا تقتضي رضاه بذلك كما قال تعالى في الآية الأخرى: { وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون }
ومن ظن من الملاحدة أن هذا رضى منه بدين الكفار فهو من أكذب الناس وأكفرهم كمن ظن أن قوله: { وقضى ربك } بمعنى قدر وأن الله سبحانه ما قضى بشيء إلا وقع وجعل عباد الأصنام ما عبدوا إلا الله فإن هذا من أعظم الناس كفرا بالكتب
البعث الإرسال الجعل
وأما لفظ البعث فقال تعالى في البعث الكوني: { فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا }
وقال في البعث الديني: { هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة } وقال تعالى: { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت }
وأما لفظ الإرسال فقال في الإرسال الكوني: { ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا } وقال تعالى: { وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته }
وقال في الديني: { إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا } وقال تعالى: { إنا أرسلنا نوحا إلى قومه } وقال تعالى: { إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا } وقال تعالى: { الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس }
وأما لفظ الجعل فقال في الكوني { وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار }
وقال في الديني: { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } وقال تعالى: { ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام }
التحريم الكلمات
وأما لفظ التحريم فقال في الكوني: { وحرمنا عليه المراضع من قبل } وقال تعالى: { فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض }
وقال في الديني: { حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به } وقال تعالى: { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت } الآية
وأما لفظ الكلمات فقال في الكلمات الكونية: { وصدقت بكلمات ربها وكتبه }
وثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه [ كان يقول: أعوذ بكلمات الله التامة كلها من شر ما خلق ومن غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون ] وقال ﷺ: [ من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك ] وكان يقول: [ أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر ومن شر ما ذرأ في الأرض ومن شر ما يخرج منها ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يارحمن ]
وكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر هي التي كون بها الكائنات فلا يخرج بر ولا فاجر عن تكوينه ومشيئته وقدرته وأما كلماته الدينية وهي كتبه المنزلة وما فيها من أمره ونهيه فأطاعها الأبرار وعصاها الفجار
تعريف أولياء الله المتقين واعدائه
وأولياء الله المتقون هم المطيعون لكلماته الدينية وجعله الديني وإذنه الديني وإرادته الدينية
وأما كلماته الكونية التي لا يجاوزها بر ولا فاجر فإنه يدخل تحتها جميع الخلق حتى إبليس وجنوده وجميع الكفار وسائر من يدخل النار فالخلق وإن اجتمعوا في شمول الخلق والمشيئة والقدرة والقدر لهم فقد افترقوا في الأمر والنهي والمحبة والرضى والغضب
وأولياء الله المتقون هم الذين فعلوا المأمور وتركوا المحظور وصبروا على المقدور فأحبهم وأحبوه ورضي عنهم ورضوا عنه
وأعداؤه أولياء الشياطين وإن كانوا تحت قدرته فهو يبغضهم ويغضب عليهم ويلعنهم ويعادلهم
مجامع الفرق بين الولايتين
وبسط هذه الجمل له موضع آخر وإنما كتبت هنا تنبيها على مجامع الفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان وجمع الفرق بينهما اعتبارهم بموافقة رسول الله ﷺ فإنه هو الذي فرق الله تعالى به بين أوليائه السعداء وأعدائه الأشقياء وبين أوليائه أهل الجنة وأعدائه أهل النار وبين أوليائه أهل الهدى والرشاد وبين أعدائه أهل الغي والضلال والفساد وأعدائه حزب الشيطان وأوليائه الذين كتب في قولبهم الإيمان وأيدهم بروح منه قال تعالى: { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله } الآية وقال تعالى: { إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان }
وقال في أعدائه: { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم } وقال: { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا } وقال: { هل أنبئكم على من تنزل الشياطين * تنزل على كل أفاك أثيم * يلقون السمع وأكثرهم كاذبون * والشعراء يتبعهم الغاوون * ألم تر أنهم في كل واد يهيمون * وأنهم يقولون ما لا يفعلون * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون }
من كتاب الله
وقال تعالى: { فلا أقسم بما تبصرون * وما لا تبصرون * إنه لقول رسول كريم * وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون * ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون * تنزيل من رب العالمين * ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين * وإنه لتذكرة للمتقين * وإنا لنعلم أن منكم مكذبين * وإنه لحسرة على الكافرين * وإنه لحق اليقين * فسبح باسم ربك العظيم } وقال تعالى: { فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون } إلى قوله: { إن كانوا صادقين }
فنزه سبحانه وتعالى نبينا محمدا ﷺ عمن تقترن به الشياطين من الكهان والشعراء والمجانين وبين أن الذي جاءه بالقرآن ملك كريم اصطفاه وقال تعالى: { الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس } وقال تعالى: { وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين } وقال تعالى: { قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله } الاية وقال تعالى: { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } إلى قوله: { وبشرى للمسلمين } فسماه الروح الأمين وسماه روح القدس وقال تعالى: { فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس } يعني الكواكب التي تكون في السماء خانسة أي مختفية قبل طلوعها فإذا ظهرت رآها الناس جارية في السماء فإذا غربت ذهبت إلى كناسها الذي يحجبها { والليل إذا عسعس } أي إذا أدبر وأقبل الصبح { والصبح إذا تنفس } أي أقبل { إنه لقول رسول كريم } وهو جبريل عليه السلام { ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين } أي مطاع في السماء أمين ثم قال: { وما صاحبكم بمجنون } أي صاحبكم الذي من الله عليكم به إذ بعثه إليكم رسولا من جنسكم يصحبكم إذ كنتم لا تطيقون أن تروا الملائكة كما قال تعالى: { وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون * ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا } الآية وقال تعالى: { ولقد رآه بالأفق المبين } أي رأى جبريل عليه السلام { وما هو على الغيب بضنين } أي بمتهم وفي القراءة الأخرى { بضنين } أي ببخيل يكتم العلم ولا يبذله الإ بجعل كما يفعل من يكتم العلم إلا بالعوض { وما هو بقول شيطان رجيم } فنزه جبريل عليه السلام عن أن يكون شيطانا كما نزه محمدا ﷺ عن أن يكون شاعرا أو كاهنا
من المعقول الشرعي
فأولياء الله المتقدون بمحمد صلىالله عليه وسلم فيفعلون ما أمر به وينتهون عما عنه زجر ويقتدون به فيما بين لهم أن يتبعوه فيه فيؤيدهم بملائكته وروح منه ويقذف الله في قلوبهم من أنواره ولهم الكرامات التي يكرم الله بها أولياءه المتقين وخيار أولياء الله كراماتهم لحجة في الدين أو لحاجة بالمسلمين كما كانت معجزات نبيهم ﷺ كذلك
كيف تحصل كرامات أولياء الله
وكرامات أولياء الله إنما حصلت ببركة اتباع رسوله ﷺ فهي في الحقيقة تدخل في معجزات الرسول ﷺ
كرامات النبي ﷺ
مثل انشقاق القمر وتسبيح الحصا في كفه وإتيان الشجر إليه وحنين الجذع إليه وإخباره ليلة المعراج بصفة بيت المقدس وإخباره بما كان وما يكون وإتيانه بالكتاب العزيز وتكثير الطعام والشراب مرات كثيرة كما أشبع في الخندق العسكر من قدر طعام وهو لم ينقص في حديث أم سليم المشهور وروى العسكر في غزوة خيبر من مزادة ماء ولم تنقص وملأ أوعية العسكر عام تبوك من طعام قليل ولم ينقص وهم نحو ثلاثين ألفا ونبع الماء من بين أصابعه مرات متعددة حتىكفى الناس الذين كانوا معه كما كانوا في غزوة الحديبية نحو ألف وأربعمائة أو خمسمائة ورده لعين أبي قتادة حين سالت على خده فرجعت أحسن عينيه ولما أرسل محمد بن مسلمة لقتل كعب بن الأشرف فوقع وانكسرت رجله فمسحها فبرأت وأطعم من شواء مائة وثلاثين رجلا كلا منهم حز له قطعة وجعل منها قصعتين فأكلوا منهما جميعهم ثم فضل فضله وقضى ( دين ) عبدالله أبي جابر لليهودي وهو ثلاثون وسقا
قال جابر: فأمر صاحب الدين أن يأخذ التمر جميعه بالذي كان له فلم يقبل فمشى فيها رسول الله ﷺ ثم قال لجابر: جد له فوفاه الثلاثين وسقا وفضل سبعة عشر وسقا ومثل هذا كثير قد جمعت نحو ألف معجزة
كرامات الصحابة والتابعين
وكرامات الصحابة والتابعين بعدهم وسائر الصالحين كثيرة جدا مثل ما كان أسيد بن حضير يقرأ سورة الكهف فنزل من السماء مثل الظلة فيها أمثال السرج وهي الملائكة نزلت لقرائته وكانت الملائكة تسلم على عمران بن حصين وكان سلمان وأبو الدرداء يأكلان في صحفة فسبحت الصحفة أو سبح ما فيها و[ عباد بن بشر وأسيد بن حضير خرجا من عند رسول الله ﷺ في ليلة مظلمة فأضاء لهما نور مثل طرف السوط فلما افترقا افترق الضوء معهما ] رواه البخاري وغيره
وقصة الصديق في الصحيحين [ لما ذهب بثلاثة أضياف معه إلى بيته وجعل لا يأكل لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها فشبعوا وصارت أكثر مما هي قبل ذلك فنظر إليها أبو بكر وامرأته فإذا هي أكثر مماكانت فرفعها إلى رسول الله ﷺ وجاء إليه أقوام كثيرون فأكلوا منها وشبعوا ]
وخبيب بن عدي كان أسيرا عند المشركين بمكة شرفها الله تعالى وكان يؤتى بعنب يأكله وليس بمكة عنبة
وعامر بن فهيرة قتل شهيدا فالتمسوا جسده فلم يقدروا عليه وكان لما كان قتل رفع فرآه عامر بن الطفيل وقد رفع وقال عروة: فيرون الملائكة رفعته
وخرجت أم أيمن مهاجرة وليس معها زاد ولا ماء فكادت تموت من العطش فلما كان وقت الفطر وكانت صائمة سمعت حسا على رأسها فرفعته فإذا دلو معلق فشربت منه حتى رويت وما عطشت بقية عمرها
[وسفينة مولى رسول الله ﷺ أخبر الأسد بأنه رسول رسول الله ﷺ فمشى معه الأسد حتى أوصله مقصده ]
والبراء بن مالك كان إذا أقسم على الله تعالى أبر قسمه وكان الحرب إذا اشتدت على المسلمين في الجهاد يقولون: يا براء ! أقسم على ربك فيقول: يا رب ! أقسمت عليك لما منحتنا أكتافهم فيهزم العدو فلما كان يوم القادسية قال: أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وجعلتني أول شهيد فمنحوا أكتافهم وقتل البراء شهيدا وخالد بن الوليد حاصر حصنا منيعا فقالوا: لا نسلم حتى تشرب السم فشربه فلم يضره
وسعد بن أبي وقاص كان مستجاب الدعوة ما دعا قط إلا استجيب له وهو الذي هزم جنود كسرى وفتح العراق
وعمر بن الخطاب لما أرسل جيشا أمر عليهم رجلا يسمى سارية فبينما عمر يخطب فجعل يصيح على المنبر: يا سارية ! الجبل يا سارية الجبل الجبل فقدم رسول الجيش فسأله فقال يا أمير المؤمنين ! لقيننا عدونا فهزمونا فإذا بصائح: يا سارية الجبل يا سارية الجبل فأسندنا ظهورنا بالجبل فهزمهم الله
ولما عذبت الزنيرة على الاسلام في الله فأبت إلا الإسلام وذهب بصرها قال المشركون: أصاب بصرها اللات والعزى قالت: كلا والله فرد الله عليها بصرها
ودعا سعيد بن زيد على أروى بنت الحكم فأعمى بصرها لما كذبت عليه فقال: اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها واقتلها في أرضها فعميت ووقعت في حفرة من أرضها فماتت
والعلاء بن الحضرمي كان عامل رسول الله ﷺ على البحرين وكان يقول في دعائه: يا عليم يا حليم يا علي يا عظيم فيستجاب له ودعا الله بأن يسقوا ويتوضؤوا لما عدموا الماء والإسقاء لما بعدهم فأجيب ودعا الله لما اعترضهم البحر ولم يقدروا على المرور بخيولهم فمروا كلهم على الماء ما ابتلت سروج خيولهم ودعا الله أن لا يروا جسده إذا مات فلم يجدوه في اللحد وجرى مثل ذلك لأبي مسلم الخولاني الذي ألقي في النار فإنه مشى هو ومن معه من المعسكر على دجلة وهي ترمي بالخشب من مدها ثم التفت إلى أصحابه فقال: تفقدون من متاعكم شيئا حتى أدعو الله عز وجل فيه؟ فقال بعضهم: فقدت مخلاة فقال: اتبعني فتبعته فوجدها قد تعلقت بشيء فأخذها وطلبه الأسود العنسي لما ادعى النبوة فقال له: أتشهد أني رسول الله؟ قال: ما أسمع قال: أتشهد أن محمد رسول الله؟ قال: نعم فأمر بنار فألقي فيها فوجدوه قائما يصلي فيها وقد صارت عليه بردا وسلاما
وقدم المدينة بعد موت النبي ﷺ فأجلسه عمر بينه وبين أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أرى من أمة محمد ﷺ من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل الله ووضعت له جاريته السم في طعامه فلم يضره وخببت امرأة عليه زوجته فدعا عليها فعميت وجاءت وتابت فدعا لها فرد الله عليها بصرها
وكان عمر بن عبد قيس يأخذ عطاءه ألفي درهم في كمه ومايلقاه سائل في طريقه ألا أعطاه بغير عدد ثم يجيء إلى بيته فلا يتغير عددها ولا وزنها ومر بقافلة قد حبسهم الأسد فجاء حتى مس بثيابه الأسد ثم وضع رجله على عنقه وقال: إنما أنت كلب من كلاب الرحمن وإني أستحيي من الله أن أخاف شيئا غيره ومرت القافلة ودعا الله تعالى أن يهون عليه الطهور في الشتاء فكان يؤتى بالماء له بخار ودعا ربه أن يمنع قلبه من الشيطان وهو في الصلاة فلم يقدر عليه
وتغيب الحسن البصري عن الحجاج فدخلوا عليه ست مرات فدعا الله عز وجل فلم يروه ودعا على بعض الخوارج - كان يؤذيهم - فخر ميتا
وصلة بن أشيم مات فرسه وهو في الغزو فقال: اللهم لا تجعل لمخلوق علي منة ودعا الله عز وجل فأحيا له فرسه فلما وصل إلى بيته قال: يا بني خذ سرج الفرس فانه عارية وأخذ سرجه فمات الفرس وجاع مرة بالأهواز فدعا الله عز وجل استطعمه فوقعت خلفه دوخلة رطب في ثوب حرير فأكل التمر وبقي الثوب عند زوجته زمانا وجاءه الأسد وهو يصلي في غيضه بالليل فلما سلم قال له: اطلب الرزق من غير هذا الموضع فولى الأسد وله زئير
وكان سعيد ين المسيب في أيام الحرة يسمع الأذان من قبر رسول الله ﷺ في أوقات الصلوات وكان المسجد قد خلا فلم يبقى غيره
ورجل من النخع كان له حمار فمات في الطريق فقال له أصحابه: هلم نتوزع متاعك على رحالنا فقال لهم: أمهلوني هنيهة ثم توضأ فأحسن الوضوء وصلى ركعتين ودعا الله تعالى فأحيا له حماره فحمل عليه متاعه
ولما مات أويس القرني وجدوا في ثيابه أكفانا لم تكن معه قبل ووجدوا له قبرا محفورا فيه لحد في صخرة فدفنوه فيه وكفنوه في تلك الأثواب
وكان عمرو بن عقبة بن فرقد يصلي يوما في شدة الحر فأظلته غمامة وكان السبع يحميه وهو يرعى ركاب أصحابه لأنه كان يشترط على أصحابه في الغزو أنه يخدمهم
وكان مطرف بن الشخير إذا دخل بيته سبحت معه آنيته وكان هو وصاحب له يسيران في ظلمة فأضاء لهما طرف السوط
ولما مات الأحنف بن قيس وقعت قلنسوة رجل في قبره فأهوى ليأخذها فوجد القبر قد فسح فيه مد البصر
وكان إبراهيم التميمي يقيم الشهر والشهرين لا يأكل شيئا وخرج يمتار لأهله طعاما فلم يقدر عليه فمر بسهلة حمراء فأخذ منها ثم رجع إلى أهله ففتحها فإذا هي حنطة حمراء فكان إذا زرع منها تخرج السنبلة من أصلها إلى فرعها حبا متراكبا
وكان عتبة الغلام سأل ربه ثلاث خصال: صوتا حسنا ودمعا غزيرا وطعاما من غير تكلف فكان إذا قرأ بكى وأبكى ودموعه جارية دهره وكان يأوي إلى منزله فيصيب فيه قوته ولا يدري من أين يأتيه
وكان عبد الواحد بن زيد أصابه الفالج فسأل ربه أن يطلق له أعضاءه وقت الوضوء فكانت وقت الوضوء تطلق له أعضاءه ثم تعود بعدها
وهذا باب واسع ( و) قد بسط الكلام على كرامات الأولياء في غير هذا الموضع
وأما ما نعرفه نحن عيانا ونعرفه في هذا الزمان فكثير ومما ينبغي أن يعرف أن الكرامات قد تكون بحسب حاجة الرجل فإذا احتاج إليها الضعيف الايمان أو المحتاج أتاه منها ما يقوي إيمانه ويسد حاجته ويكون من هو أكمل ولاية لله منه مستغنيا عن ذلك فلا يأتيه مثل ذلك لعلو درجته وغناه عنها لنقص ولايته ولهذا كانت هذه الأمور في التابعين أكثر منها في الصحابة بخلاف من يجري على يديه الخوارق لهدي الخلق ولحاجتهم فهؤلاء أعظم درجة
بعض الأحوال الشيطانية
وهذا بخلاف الأحوال الشيطانية مثل حال عبد الله بن صياد الذي ظهر في زمن النبي ﷺ وكان قد ظن بعض الصحابة أنه الدجال وتوقف النبي ﷺ في أمره حتى تبين له فيما بعد أنه ليس هو الدجال لكنه كان من جنس الكهان قال له النبي ﷺ: [ قد خبأت لك خبأ قال: الدخ الدخ وقد كان خبأ له سورة الدخان فقال له النبي ﷺ: إخسأ فلن تعدو قدرك ] يعني إنما أنت من إخوان الكهان والكهان كان يكون لأحدهم القرين من الشياطين يخبره بكثير من المغيبات بما يسترقه من السمع وكانوا يخلطون الصدق بالكذب كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره أن النبي ﷺ قال: [ إن الملائكة تنزل في العنان - وهو السحاب - فتذكر الأمر قضي في السماء فتسترق الشياطين السمع فتوحيه إلى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم ]
وفي الحديث الذي رواه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [ بينما النبي ﷺ في نفر من الأنصار إذ رمي بنجم فاستنار فقال النبي ﷺ: ماكنتم تقولون لمثل هذا في الجاهلية إذا رأيتموه؟ قالوا: كنا نقول: يموت عظيم أو يولد عظيم قال رسول الله ﷺ: فإنه لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته ولكن ربنا تبارك وتعالى إذا قضى أمرا سبح حملة العرش ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم ثم الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء ثم يسأل أهل السماء السابعة حملة العرش: ماذا قال ربنا؟ فيخبرونهم ثم يستخير أهل كل سماء حتى يبلغ الخبر أهل السماء الدنيا وتخطف الشياطين السمع فيرمون فيقذفونه إلى أوليائهم فما جاؤوا به على وجهه فهو حق ولكنهم يزيدون ]
وفي رواية قال معمر: قلت للزهري: أكان يرمى بها في الجاهلية؟ قال: نعم ولكنها غلظت حين بعث النبي ﷺ
والأسود العنسي الذي ادعى النبوة كان له من الشياطين من يخبره ببعض الأمور المغيبة فلما قاتله المسلمون كانوا يخافون من الشياطين أن يخبروه بما يقولون فيه حتى أعانتهم عليه امرأته لما تبين لها كفره فقتلوه
وكذلك مسيلمة الكذاب كان معه من الشياطين من يخبره بالمغيبات ويعينه على بعض الأمور
وأمثال هؤلاء كثيرون مثل الحارث الدمشقي الذي خرج بالشام زمن عبد الملك بن مروان وادعى النبوة وكانت الشياطين تخرج رجليه من القيد وتمنع السلاح أن ينفذ فيه وتسبح الرخامة إذا مسحها بيده وكان يرى الناس رجالا وركبانا على خيل في الهواء ويقول: هي الملائكة وإنما كانوا جنا ولما أمسكه المسلمون ليقتلوه طعنه الطاعن بالرمح فلم ينفذ فيه فقال له عبد الملك: إنك لم تسم الله فسمى الله فطعنه فقتله
آية الكرسي تطرد الشياطين
وهكذا أهل الأحوال الشيطانية تنصرف عنهم شياطينهم إذا ذكر عندهم ما يطردها مثل آية الكرسي فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ في حديث أبي هريرة رضي الله عنه [ لما وكله النبي ﷺ بحفظ زكاة الفطر فيقول له النبي ﷺ: ما فعل أسيرك البارحة؟ فيقول: زعم أنه لا يعود فيقول: كذبك وأنه سيعود فلما كان في المرة الثالثة قال: دعني حتى أعلمك ما ينفعك: إذا أويت إلى فراشك فأقرأ آية الكرسي: { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } إلى آخرها فإنه لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فلما أخبر النبي ﷺ قال: صدقك وهو كذوب وأخبره أنه شيطان ]
ولهذا إذا قرأها الإنسان عند الأحوال الشيطانية بصدق أبطلتها مثل من يدخل النار بحال شيطاني أو يحضر سماع المكاء والتصدية فتنزل عليه الشياطين وتتكلم على لسانه كلاما لا يعلم وربما لا يفقه
وربما كاشف بعض الحاضرين بما في قلبه وربما تكلم بألسنة مختلفة كما يتكلم الجني على لسان المصروع والانسان الذي حصل له الحال لا يدري بذلك بمنزلة المصروع الذي يتخبطه الشيطان من المس ولبسه وتكلم على لسانه فإذا أفاق لم يشعر بشيء مما قال
ولهذا قد يضرب المصروع ( ضربا كثيرا حتى قد يقتل مثله الإنسي أو يمرضه لو كان هو المضروب ) وذلك الضرب لا يؤثر في الإنسي ويخبر إذا أفاق أنه لم يشعر بشيء لأن الضرب كان على الجني الذي لبسه
ومن هؤلاء من يأتيه الشيطان بأطعمة وفواكه وحلوى وغير ذلك مما لا يكون في ذلك الموضع ومنهم من يطير به الجني إلى مكة أو بيت المقدس أو غيرهما ومنهم من يحملهم عشية عرفة ثم يعيده من ليلته فلا يحج حجا شرعيا بل يذهب بثيابه ولا يحرم إذا حاذى الميقات ولا يلبي ولا يقف بمزدلفة ولا يطوف بالبيت ولا يسعى بين الصفا والمروة ولا يرمي الجمار بل يقف بعرفة بثيابه ثم يرجع من ليلته وهذا ليس بحج ( مشروع باتفاق المسلمين بل هو كمن يأتي الجمعة ويصلي بغير وضوء وإلى غير القبلة ومن هؤلاء المحمولين من حمل مرة إلى عرفات ورجع فرأى في النوم ملائكة يكتبون الحجاج ) فقال: ألا تكتبوني؟ فقالوا: لست من الحجاج يعني لم تحج حجا شرعيا
فروق بين كرامات الأولياء والأحوال الشيطانية
وبين كرامات الأولياء وبين ما يشبهها من الأحوال الشيطانية فروق متعددة: منها أن كرامات الأولياء سببها الايمان والتقوى والأحوال الشيطانية سببها ما نهى الله عنه ورسوله
وقد قال تعالى: { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } فالقول على الله بغير علم والشرك والظلم والفواحش قد حرمها الله تعالى ورسوله فلا تكون سببا لكرامة الله تعالى بالكرامات عليها فإذا كانت لا تحصل بالصلاة والذكر وقراءة القرآن بل تحصل بما يحبه الشيطان وبالأمور التي فيها شرك كالاستغاثة بالمخلوقات أو كانت مما يستعان بها على ظلم الخلق وفعل الفواحش
أحوال شيطانية أخرى
فهي من الأحوال الشيطانية لا من الكرامات الرحمانية
ومن هؤلاء من إذا حضر سماع المكاء والتصدية يتنزل عليه شيطانه حتى يحمله في الهواء ويخرجه من تلك الدار فإذا حضر رجل من أولياء الله تعالى طرد شيطانه فيسقط كما جرى هذا لغير واحد
ومن هؤلاء من يستغيث بمخلوق إما حي أو ميت سواء كان ذلك المخلوق مسلما أو نصرانيا أو مشركا فيتصور الشيطان بصورة ذلك المستغاث به ويقضي بعض حاجة ذلك المستغيث فيظن أنه ذلك الشخص أو هو ملك تصور على صورته وإنما هو شيطان أضله لما أشرك بالله كما كانت الشياطين تدخل في الأصنام وتكلم المشركين
ومن هؤلاء من يتصور له الشيطان ويقول له: أنا الخضر وربما أخبره ببعض الأمور وأعانه على بعض مطالبه كما قد جرى ذلك لغير واحد من المسلمين واليهود والنصارى وكثير من الكفار بأرض المشرق والمغرب يموت لهم الميت فيأتي الشيطان بعد موته على صورته وهم يعتقدون أنه ذلك الميت ويقضي الديون ويرد الودائع ويفعل أشياء تتعلق بالميت ويدخل إلى زوجته ويذهب وربما يكونون قد أحرقوا ميتهم بالنار كما تصنع كفار الهند فيظنون أنه عاش بعد موته ومن هؤلاء شيخ كان بمصر أوصى خادمه فقال: إذا أنا مت فلا تدع أحدا يغسلني فأن أجيء وأغسل نفسي فلما مات رأى خادمه شخصا في صورته فاعتقد أنه هو دخل وغسل نفسه فلما قضى ذلك الداخل غسله أي غسل الميت غاب وكان ذلك شيطانا وكان قد أضل الميت وقال: إنك بعد الموت تجيء فتغسل نفسك فلما مات جاء أيضا في صورته ليغوي الأحياء كما أغوى الميت قبل ذلك
ومنهم من يرى عرشا في الهواء وفوقه نور ويسمع من يخاطبه ويقول: أنا ربك فإن كان من أهل المعرفة علم أنه شيطان فزجروه واستعاذ بالله منه فيزول
ومنهم من يرى أشخاصا في اليقظة يدعي أحدهم أنه نبي أو صديق أو شيخ من الصالحين وقد جرى هذا لغير واحد ( وهؤلاء منهم من يرى ذلك عند قبر الذي يزوره فيرى القبر قد انشق وخرج إليه صورة فيعتقدها الميت وإنما هو جني تصور بتلك الصورة ومنهم من يرى فارسا قد خرج من قبره أو دخل في قبره ويكون ذلك شيطانا وكل من قال: أنه رأى نبيا بعين رأسه فما رأى إلا خيالا ومنهم من يرى في منامه أن بعض الأكابر إما الصديق رضي الله عنه أوغيره قد قص شعره أوحلقه أو ألبسه طاقيته أو ثوبه فيصبح وعلى رأسه طاقية وشعره محلوق أو مقصر إنما الجن قد حلقوا شعره أو قصروه وهذه الأحوال الشيطانية تحصل لمن خرج عن الكتاب والسنة وهم درجات والجن الذين يقترنون بهم من جنسهم وعلى مذهبهم والجن فيهم الكافر والفاسق والمخطىء فإن كان الإنسي كافرا أو فاسقا أو جاهلا دخلوا معه في الكفر والفسوق والضلال وقد يعاونونه إذا وافقهم على ما يختارونه من الكفر مثل الإقسام عليهم بأسماء من يعظمونه من الجن وغيرهم ومثل أن يكتب أسماء الله أو بعض كلامه بالنجاسة أويقلب فاتحة الكتاب أو سورة الإخلاص أو آية الكرسي أو غيرهن ويكتبهن بنجاسة فيغورون له الماء وينقلونه بسبب ما يرضيهم به من الكفر وقد يأتونه بمن يهواه من امرأة أو صبي إما في الهواء وإما مدفوعا ملجأ إليه إلى أمثال هذه الأمور التي يطول وصفها والإيمان بها إيمان بالجبت والطاغوت والجبت: السحر والطاغوت: الشياطين والأصنام وإن كان الرجل مطيعا لله ورسوله باطنا وظاهرا لم يمكنهم الدخول معه في ذلك أو مسالمته
ولهذا لما كانت عبادة المسلمين المشروعة في المساجد التي هي بيوت الله كان عمار المساجد أبعد عن الأحوال الشيطانية وكان أهل الشرك والبدع يعظمون القبور ومشاهد الموتى فيدعون الميت أو يدعون به أو يعتقدون أن الدعاء عنده مستجاب - أقرب إلى الأحوال الشيطانية
اتخاذ القبور مساجد
فإنه ثبت في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: [ لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ]
وثبت في صحيح مسلم عنه أنه [ قال قبل أن يموت بخمس ليال: إن أمن الناس علي في صحبته وذات يده أبو بكر ولو كنت متخذا خليلا من أهل الأرض لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن صاحبكم خليل الله لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر أن من كان قبلكم يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك ]
وفي الصحيحين عنه [ أنه ذكر له في مرضه كنيسة بأرض الحبشة وذكروا من حسنها وتصاوير فيها فقال: إن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصورا فيها تلك التصاوير أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة ]
وفي المسند وصحيح أبي حاتم عنه ﷺ قال: [ أن من شرار الخلق من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين اتخذوا القبور مساجد ]
وفي الصحيح عنه ﷺ أنه قال: [ لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها ]
وفي الموطأ عنه ﷺ أنه قال: [ الله لا تجعل قبري وثنا يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ]
وفي السنن عنه ﷺ أنه قال: [ لا تتخذوا قبري عيدا وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني ]
وقال ﷺ: [ ما من رجل يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام ]
وقال ﷺ: [ إن الله وكل بقبري ملائكة يبلغوني عن أمتي السلام ]
وقال ﷺ: [ أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة وليلة الجمعة فإن صلاتكم معروضة علي قالوا: يا رسول ! كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ - يقولون: بليت - فقال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء ]
وقد قال الله تعالى في كتابه عن المشركين من قوم نوح عليه السلام: { وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا } قال ابن عباس وغيره من السلف: هؤلاء قوم كانوا صالحين من قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم فعبدوهم فكان هذا مبدأ عبادة الأوثان
فنهى النبي ﷺ عن اتخاذ القبور مساجد ليسد باب الشرك كما نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها لأن المشركين يسجدون للشمس حينئذ والشيطان يقارنها وقت الطلوع ووقت الغروب فتكون في الصلاة حينئذ مشابهة لصلاة المشركين فسد هذا الباب
والشيطان يضل بني آدم بحسب قدرته فمن عبد الشمس والقمر والكواكب ودعاها كما يفعل أهل دعوة الكواكب فإنه ينزل عليه شيطان يخاطبه ويحدثه ببعض الأمور ويسمون ذلك روحانية الكواكب وهو شيطان والشيطان وإن أعان الانسان على بعض مقاصده فإنه يضره اضعاف ما ينفعه وعاقبة من أطاعه إلى شر إلا أن يتوب الله عليه
حال أصنام الجاهلية
وكذلك عباد الأصنام قد تخاطبهم الشياطين وكذلك من استغاث بميت أو غائب وكذلك من دعا الميت أو دعا به أو ظن أن الدعاء عند قبره أفضل منه في البيوت والمساجد ويروون حديثا هو كذب باتفاق أهل المعرفة وهو: إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور
وإنما هذا وضع من فتح باب الشرك
ويوجد لأهل البدع وأهل الشرك المتشبهين بهم من عباد الأصنام والنصارى والضلال من المسلمين أحوال عند المشاهد يظنونها كرامات وهي من الشياطين مثل أن يضعوا سراويل عند القبر فيجدونه قد انعقد أو يوضع عنده مصروع فيرون شيطانه قد فارقه يفعل الشيطان هذا ليضلهم وإذا قرأت آية الكرسي هناك بصدق بطل هذا فإن التوحيد يطرد الشيطان ولهذا حمل بعضهم في الهواء فقال: لا إله إلا الله فسقط ومثل أن يرى أحدهم أن القبر قد انشق وخرج منه إنسان فيظنه الميت وهو شيطان
وهذا باب واسع لا يتسع له هذا الموضع
مغارات الشياطين
ولما كان هذا الانقطاع إلى المغارات والبوادي من البدع التي لم يشرعها الله ولا رسوله صارت الشياطين كثيرا ما تأوي المغارات والجبال مثل مغارة الدم التي بجبل قاسيون وجبل لبنان الذي بساحل الشام وجبل الفتح بأسوان بمصر وجبال بالروم وخراسان وجبال بالجزيرة وغير ذلك وجبل اللكام وجبل الأحيش وجبل سولان قرب أردبيل وجبل شهنك عند تبريز وجبل ماشكو عند أتشوان وجبل نهاوند وغير ذلك من الجبال التي يظن بعض الناس أن بها رجالا من الصالحين من الإنس ويسمونهم: رجال الغيب وإنما هناك رجال من الجن فالجن رجال كما أن الإنس رجال قال تعالى: { وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا }
ومن هؤلاء من يظهر بصورة شعراني جلده يشبه جلد الماعز فيظن من لا يعرفه أنه إنسي وإنما هو جني ويقال: بكل جبل من هذه الجبال الأربعون الأبدال وهؤلاء الذين يظنون أنهم الأبدال هم جن بهذه الجبال كما يعرف ذلك بطرق متعددة
وهذا باب لا يتسع هذا الموضع لبسطه وذكر ما نعرفه من ذلك فإنا قد رأينا وسمعنا من ذلك ما يطول وصفه في هذا المختصر الذي كتب لمن سأل أن نذكر له من الكلام على أولياء الله تعالى ما يعرف به جمل ذلك
أقسام الناس في خوارق العادات
والناس في خوارق العادات على ثلاثة أقسام: قسم يكذب وجود ذلك لغير الأنبياء وربما صدق به مجملا وكذب ما يذكر له عن كثير من الناس لكونه عنده ليس من الأولياء ومنهم من يظن أن كل ما كان له نوع من خرق العادة كان وليا لله وكلا الأمرين خطأ ولهذا تجد أن هؤلاء يذكرون أن للمشركين وأهل الكتاب نصراء يعينونهم على قتال المسلمين وأنهم من أولياء الله وأولئك يكذبون أن يكون معهم من له خرق عادة والصواب القول الثالث وهو أن معهم من ينصرهم من جنسهم لا من أولياء الله عز وجل كما قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم }
وهؤلاء العباد والزهاد الذين ليسوا من أولياء الله المتقين المتبعين للكتاب والسنة تقترن بهم الشياطين فيكون لأحدهم من الخوارق ما يناسب حاله لكن خوارق هؤلاء يعارض بعضها بعضا وإذا حصل من له تمكن من أولياء الله تعالى أبطلها عليهم ولابد أن يكون في أحدهم من الكذب جهلا أو عمدا ومن الاثم ما يناسب حال الشياطين المقترنة بهم ليفرق الله بذلك بين أوليائه المتقين وبين المتشبهين بهم من أولياء الشياطين قال الله تعالى: { هل أنبئكم على من تنزل الشياطين * تنزل على كل أفاك أثيم } والأفاك: الكذاب والأثيم: الفاجر
ما يقوي الأحوال الشيطانية من السماع والمكاء والتصدية
ومن أعظم ما يقوي الأحوال الشيطانية سماع الغناء والملاهي وهو سماع المشركين قال الله تعالى: { وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية }
قال ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم وغيرهما من السلف: التصدية: التصفيق باليد والمكاء: مثل الصفير فكان المشركون يتخذون هذا عبادة
سماع النبي للقرآن ومدح الله لهذا النوع من السماع
أما النبي ﷺ وأصحابه فعبادتهم ما أمر الله به من الصلاة والقراءة والذكر ونحو ذلك والاجتماعات الشرعية ولم يجتمع النبي ﷺ وأصحابه على استماع غناء قط لا بكف ولا بدف ولا تواجد ولا سقطت بردته بل كل ذلك كذب باتفاق أهل العلم بحديثه
وكان أصحاب النبي ﷺ إذا اجتمعوا أمروا واحدا منهم أن يقرأ والباقون يستمعون وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لأبي موسى الأشعري: ذكرنا ربنا فيقرأ وهم يستمعون و[ مر النبي صلى الله بأبي موسى الأشعري وهو يقرأ فقال له: مررت بك البارحة وأنت تقرأ فجعلت أستمع لقراءتك فقال: لو علمت أنك تستمع لحبرته لك تحبيرا ] أي لحسنته لك تحسينا كما قال النبي ﷺ: [ زينوا القرآن بأصواتكم ] وقال ﷺ: [ لله أشد أذنا - أي استماعا - إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى
قينته ] وقال ﷺ لابن مسعود: [ إقرأ علي القرآن فقال: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ فقال: إني أحب أن أسمعه من غيري فقرأت عليه سورة ( النساء ) حتى انتهيت إلى هذه الآية: { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا } قال: حسبك فإذا عيناه تذرفان من البكاء ]
ومثل هذا السماع هو سماع النبيين وأتباعهم كما ذكر الله ذلك في القرآن فقال: { أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا }
وقال في أهل المعرفة: { وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق }
ومدح سبحانه أهل هذا السماع بما يحصل لهم من زيادة الإيمان واقشعرار الجلد ودمع العين فقال تعالى: { الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله } وقال تعالى: { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون * الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون * أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم }
سماع الكف والدف
وأما السماع المحدث سماع الكف والدف والقصب فلم تكن الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر الأكابر من أئمة الدين يجعلون هذا طريقا إلى الله تبارك وتعالى ولا يعدونه من القرب والطاعات بل يعدونه من البدع المذمومة حتى قال الشافعي: خلفت ببغداد شيئا أحدثته الزنادقة يسمونه التغبير يصدون به الناس عن القرآن وأولياء الله العارفون يعرفون ذلك ويعلمون أن للشيطان فيه نصبيا وافرا ولهذا تاب منه خيار من حضره منهم
ومن كان أبعد عن المعرفة وعن كمال ولاية الله كان نصيب الشيطان فيه أكثر وهو بمنزلة الخمر ( بل هو ) يؤثر في النفوس اعظم من تأثير الخمر ولهذا إذا قويت سكرة أهله نزلت عليهم الشياطين وتكلمت على ألسنة بعضهم وحملت بعضهم في الهواء وقد تحصل عداوة بينهم كما تحصل بين شراب الخمر فتكون شياطين أحدهم أقوى من شياطين الآخر فيقتلونه
غاية الكرامة لزوم الاستقامة
ويظن الجهال أن هذا من كرامات أولياء الله المتقين وإنما هذا مبعد لصاحبه عن الله وهو من أحوال الشياطين فإن قتل المسلم لا يحل إلا بما أحله الله فكيف يكون قتل المعصوم مما يكرم الله به أولياءه؟ ! وانما غاية الكرامة لزوم الاستقامة فلم يكرم الله عبدا بمثل أن يعينه على ما يحبه ويرضاه ويزيده مما يقربه اليه ويرفع به درجته وذلك أن الخوارق منها ما هو من جنس العلم كالمكاشفات ومنها ما هو من جنس القدرة والملك كالتصرفات الخارقة للعادات ومنها ما هو من جنس الغنى من جنس ما يعطاه الناس في الظاهر من العلم والسلطان والمال والغنى
انخداع صاحب الخوارق الشيطانية بحاله
وجميع ما يؤتيه الله لعبده من هذه الأمور إن استعان به على ما يحبه ويرضاه ويقربه إليه ويرفع درجته ويأمره الله به ورسوله ازداد بذلك رفعة وقربا إلى الله ورسوله وعلت درجته وإن استعان به على ما نهى الله عنه ورسوله كالشرك والظلم والفواحش استحق بذلك الذم والعقاب فإن لم يتداركه الله تعالى بتوبة أو حسنات ماحية وإلا كان كأمثاله من المذنبين ولهذا كثيرا ما يعاقب أصحاب الخوارق تارة بسلبها كما يعزل الملك عن ملكه ويسلب العالم علمه وتارة بسلب التطوعات فينقل من الولاية الخاصة إلى العامة وتارة ينزل إلى درجة الفساق وتارة يرتد عن الاسلام وهذا يكون فيمن له خوارق شيطانية فإن كثيرا من هؤلاء يرتد عن الاسلام وكثيرا منهم لا يعرف أن هذه شيطانية بل يظنها من كرامات أولياء الله ويظن من يظن منهم أن الله عز وجل إذا أعطى عبدا خرق عادة لم يحاسبه على ذلك كمن يظن أن الله إذا أعطى عبدا ملكا ومالا وتصرفا لم يحاسبه عليه ومنهم من يستعين بالخوارق على أمور مباحة لا مأمور بها ولا منهي عنها فهذا يكون من عموم الأولياء وهم الأبرار المقتصدون وأما السابقون المقربون فأعلى من هؤلاء كما أن العبد الرسول أعلى من النبي الملك
ولما كانت الخوارق كثيرا ما ينقص بها درجة الرجل كان كثير من الصالحين يتوب من مثل ذلك ويستغفر الله تعالى كما يتوب من الذنوب كالزنا والسرقة وتعرض على بعضهم فيسأل الله زوالها وكلهم يأمر المريد السالك أن لا يقف عندها ولا يجعلها همته ولا يتبجح بها مع ظنهم أنها كرامات فكيف إذا كانت بالحقيقة من الشياطين تغويهم بها؟ ! فإني أعرف من تخاطبه النباتات بما فيها من المنافع وإنما يخاطبه الشيطان الذي دخل فيها وأعرف من يخاطبهم الحجر والشجر وتقول: هنيئا لك يا ولي الله فيقرأ آية الكرسي فيذهب ذلك وأعرف من يقصد صيد الطير فتخاطبه العصافير وغيرها وتقول: خذني حتى يأكلني الفقراء ويكون الشيطان قد دخل فيها كما يدخل في الإنس ويخاطبه بذلك ومنهم من يكوني في البيت وهو مغلق فيرى نفسه خارجه وهو لم يفتح وبالعكس وكذلك في أبواب المدينة وتكون الجن قد أدخلته وأخرجته بسرعة أو تريه أنوارا وتحضر عنده من يطلبه ويكون ذلك من الشياطين يتصورون بصورة صاحبه فإذا قرأ آية الكرسي مرة بعد مرة ذهب ذلك كله
وأعرف من يخاطبه مخاطب ويقول له: أنا من أمر الله ويعده بأنه المهدي الذي بشر به النبي ﷺ ويظهر له الخوارق مثل أن يخطر بقلبه تصرف في الطير والجراد في الهواء فإذا خطر بقلبه ذهاب الطير أو الجراد يمينا وشمالا ذهب حيث أراد وإذا خطر بقلبه قيام بعض المواشي أو نومه أو ذهابه حصل له ما أراد من غير حركة منه في الظاهر وتحمله إلى مكة وتأتي به وتأتي بأشخاص في صورة جميلة وتقول له هذه الملائكة الكروبيون أرادوا زيارتك فيقول في نفسه: كيف تصوروا بصورة المردان فيرفع رأسه فيجدهم بلحى ويقول له: علامة أنك أنت المهدي أنك تنبت في جسدك شامة فتنبت ويراها وغير ذلك وكله من مكر الشيطان
وهذا باب واسع لو ذكرت ما أعرف منه لاحتاج إلى مجلد كبير وقد قال تعالى: { فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن * وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن } قال الله تبارك وتعالى: { كلا } ولفظ ( كلا ) فيها زجر وتنبيه زجر عن مثل هذا القول وتنبيه على ما يخبر به ويأمر به بعده وذلك أنه ليس كل ما حصل له نعم دنيوية تعد كرامة يكون الله عز وجل مكرما له لها ولا كل من قدر عليه ذلك يكون مهينا له بذلك بل هو سبحانه يبتلي عبده بالسراء والضراء فقد يعطي النعم الدنيوية لمن لا يحبه ولا هو كريم عنده ليستدرجه بذلك وقد يحمي منها من يحبه ويواليه لئلا ينقص بذلك مرتبته عنده أو يقع بسببها فيما يكرهه منه
الإيمان والتقوى سبب كرامات الأنبياء
وأيضا كرامات الأولياء لا بد أن يكون سببها الإيمان والتقوى فما كان سببه الكفر والفسوق والعصيان فهو من خوارق أعداء الله لا من كرامات أولياء الله فمن كانت خوارقه لا تحصل بالصلاة والقراءة والذكر وقيام الليل والدعاء وإنما تحصل عند الشرك مثل دعاء الميت والغائب أو بالفسق والعصيان وأكل المحرمات كالحيات والزنابير والخنافس والدم وغيره من النجاسات ومثل الغناء والرقص لا سيما مع النسوة الأجانب والمردان وحالة خوارقه تنقص عند سماع القرآن وتقوى عند سماع مزامير الشيطان فيرقص ليلا طويلا فإذا جاءت الصلاة صلى قاعدا أو ينقر الصلاة نقر الديك وهو يبغض سماع القرآن وينفر عنه ويتكلفه ليس له فيه محبة ولا ذوق ولا لذة عند وجده ويحب سماع المكاء والتصدية ويجد عنده مواجيد فهذه أحوال شيطانية وهو ممن يتناوله قوله تعالى: { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين }
فالقرآن هو ذكر الرحمن قال تعالى: { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى } يعني تركت العمل بها
قال ابن عباس رضي الله عنهما: تكفل الله لمن قرأ كتابه وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشفى في الآخرة ثم قرأ هذه الآية
رسالة محمد ﷺ للناس كافة
ومما يجب أن يعلم أن الله بعث محمدا ﷺ إلى جميع الانس والجن فلم يبقى إنسي ولا جني إلا وجب عليه الإيمان بمحمد ﷺ واتباعه فعليه أن يصدقه فيما أخبر ويطيعه فيما أمر ومن قامت عليه الحجة برسالته فلم يؤمن به فهو كافر سواء كان إنسيا أو جنيا
ومحمد ﷺ مبعوث إلى الثقلين باتفاق المسلمين وقد استمعت الجن للقرآن وولوا إلى قومهم منذرين لما كان النبي ﷺ يصلي بأصحابه ببطن نخلة لما رجع من الطائف وأخبره الله بذلك في القرآن بقوله: { وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين * قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم * يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم * ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين }
إيمان نفر من الجن
وأنزل الله تعالى بعد ذلك: { قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا * وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا * وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا * وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا * وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا } أي السفينه منا في أظهر قولي العلماء
من استعاذ بالجن
وقال غير واحد من السلف: كان الرجل من الإنس إذا نزل بالوادي قال: أعوذ بعظيم هذا الوادي من شر سفهاء قومه فلما استغاثت الإنس بالجن ازدادت الجن طغيانا وكفرا كما قال تعالى: { وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا * وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا * وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا } وكانت الشياطين ترمى بالشهب قبل أن ينزل القرآن لكن كانوا أحيانا يسترقون السمع قبل أن يصل الشهاب إلى أحدهم فلما بعث محمد ﷺ ملئت السماء حرسا شديدا وشهبا وصارت الشهب مرصدة لهم قبل أن يسمعوا كما قالوا: { وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا } وقال تعالى في الآية الأخرى: { وما تنزلت به الشياطين * وما ينبغي لهم وما يستطيعون * إنهم عن السمع لمعزولون } قالوا: { وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا * وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا } أي على مذاهب شتى كما قال العلماء: منهم المسلم والمشرك واليهود والنصراني والسني والبدعي { وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا } أخبروه أنهم لا يعجزونه لا إن أقاموا في الأرض ولا إن هربوا منه: { وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا * وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون } أي الظالمون
يقال: أقسط إذا عدل وقسط: إذا جار وظلم { فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا * وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا * وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا * لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا * وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا * وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا * قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا * قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا * قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا } أي ملجأ ومعاذا { إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا * حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا }
ثم [ لما سمعت الجن القرآن أتوا إلى النبي ﷺ وآمنوا به وهم جن نصيبين كما ثبت ذلك في الصحيح من حديث ابن مسعود وروي أنه قرأ عليهم سورة الرحمن وكان إذا قال: { فبأي آلاء ربكما تكذبان } قالوا: ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد ]
[ ولما اجتمعوا بالنبي ﷺ سألوه بالزاد لهم ولدوبهم فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه تجدونه أوفر ما يكون لحما وكل بعرة علف لدوبكم ] قال النبي ﷺ: [ فلا تستنجوا بهما فإنهما زاد إخوانكم من الجن ] وهذا النهي ثابت عنه من وجوه متعددة وبذلك احتج العلماء على النهي عن الاستنجاء بذلك وقالوا: فإذا منع من الاستنجاء بما للجن ولدوابهم فما أعد للإنس ولدوبهم من الطعام والعلف أولى وأحرى
ومحمد ﷺ أرسل إلى جميع الإنس والجن وهذا أعظم قدرا عند الله تعالى من كون الجن سخروا لسليمان عليه السلام فإنهم سخروا له يتصرف فيهم بحكم الملك ومحمد ﷺ أرسل إليهم يأمرهم بما أمر الله به ورسوله لأنه عبد الله ورسوله ومنزلة العبد فوق منزلة النبي الملك
دخول كفار الجن النار
وكفار الجن يدخلون النار بالنص والإجماع وأما مؤمنوهم فجمهور العلماء على أنهم يدخلون الجنة وجمهور العلماء على أن الرسل من الإنس ولم يبعث من الجن رسول لكن منهم النذر وهذه المسائل لبسطها موضع آخر
والمقصود هنا أن الجن مع الإنس على أحوال: فمن كان من الإنس يأمر الجن بما أمر الله به ورسوله من عبادة الله وحده وطاعة نبيه ويأمر الإنس بذلك فهذا من أفضل أولياء الله تعالى وهو في ذلك من خلفاء الرسول ﷺ ونوابه ومن كان يستعمل الجن في أمور مباحة له فهو كمن استعمل الإنس في أمور مباحة له وهذا كان يأمرهم بما يجب عليهم وينهاهم عما حرم عليهم ويستعملهم في مباحات له فيكون بمنزلة الملوك الذين يفعلون مثل ذلك
هذا إذا قدر أنه من أولياء الله تعالى فغايته أن يكون في عموم اولياء الله تعالى مثل النبي الملك مع العبد الرسول كسليمان ويوسف مع إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين
كفر من استعاذ بالجن
ومن كان يستعمل الجن فيما ينهى الله عنه ورسوله إما في الشرك وإما في قتل معصوم الدم أو في العدوان عليهم بغير القتل كتمريضه وإنسائه العلم وغير ذلك وإما في فاحشة كجلب من يطلب منه الفاحشة فهذا قد استعان بهم على الإثم والعدوان ثم إن استعان بهم على الكفر فهو كافر وإن استعان بهم على المعاصي فهو عاص إما فاسق وإما مذنب غير فاسق
وإن لم يكن تام العلم بالشريعة فاستعان بهم فيما يظن أنه من الكرامات مثل أن يستعين بهم على الحج أو أن يطيروا به عند السماع البدعي أو أن يحملوه إلى عرفات ولا يحج الحج الشرعي الذي أمر الله به ورسوله وأن يحملوه من مدينة إلى مدينة ونحو ذلك فهذا مغرور قد مكروا به
وكثير من هؤلاء قد لا يعرف أن ذلك من الجن بل قد سمع أن أولياء الله لهم كرامات خوارق للعادات وليس عندهم من حقائق الإيمان ومعرفة القرآن ما يفرق به بين الكرامات الرحمانية وبين التلبيسات الشيطانية فيمكرون به بحسب اعتقاده فإن كان مشركا يعبد الكواكب والأوثان أوهموه أنه ينتفع بتلك العبادة ويكون قصده الاستشفاع والتوسل ممن صور ذلك الصنم على صورته من ملك أو نبي أوشيخ صالح فيظن أنه يعبد ذلك النبي أو الصالح وتكون عبادته في الحقيقة للشيطان قال الله تعالى: { ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون * قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون }
من يسجد للشمس والقمر
ولهذا كان الذين يسجدون للشمس والقمر والكواكب يقصدون السجود لها فيقارنها الشيطان عند سجودهم ليكون سجودهم له ولهذا يتمثل الشيطان بصورة من يستغيث به المشركون فإن كان نصرانيا واستغاث بجرجس أو غيره جاء الشيطان في صورة جرجس أو من يستغيث به
الاستغاثة بالشيوخ
وإن كان منتسبا إلى الإسلام واستغاث بشيخ يحسن الظن به من شيوخ المسلمين جاء في صورة ذلك الشيخ وإن كان من مشركي الهند جاء في صورة من يعظمه ذلك المشرك
ثم إن الشيخ المستغاث به إن كان ممن له خبرة بالشريعة لم يعرفه الشيطان أنه تمثل لأصحابه المستغيثين به وإن كان الشيخ ممن لا خبرة له أخبره بأقولهم ونقل أقوالهم له فيظن أولئك أن الشيخ سمع اصواتهم من البعد وأجابهم من البعد وأجابهم وإنما هو يتوسط الشيطان
ولقد أخبر بعض الشيوخ الذين كان قد جرى لهم مثل هذا بصورة مكاشفة ومخاطبة فقال: يريني الجن شيئا براقا مثل الماء والزجاج ويمثلون له فيه ما يطلب منه الإخبار به قال: فأخبر الناس به ويوصلون إلي كلام من استغاث بي من أصحابي فأجيبة فيوصلون جوابي إليه
الحيل الشيطانية
وكان كثير من الشيوخ الذين حصل لهم كثير من هذه الخوارق إذا كذب بها من لم يعرفها وقال: إنكم تفعلون هذا بطريق الحيلة كما يدخل النار بحجر الطلق وقشور النارنج ودهن الضفادع وغير ذلك من الحيل الطبيعة - يتعجب هؤلاء المشايخ ويقولون: نحن والله لا نعرف شيئا من هذه الحيل فلما ذكر لهم الخبير: إنكم لصادقون في ذلك ولكن هذه الأحوال شيطانية أقروا بذلك وتاب منهم من تاب الله عليه لما تبين لهم الحق وتبين لهم من وجوه أنها من الشيطان ورأوا أنها من الشياطين لما رأوا أنها تحصل بمثل البدع المذمومة في الشرع وعند المعاصي لله فلا تحصل عندما يحبه الله ورسوله من العبادات الشرعية فعلموا أنها حينئذ من مخارق الشيطان لأوليائه لا من كرامات الرحمن لأوليائه
تصنيف:
الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان
=====
سئل شيخ الإسلام عن مسألة الإثبات للصفات والجزم بإثبات العلو على العرش
سئل شيخ الإسلام عن مسألة الإثبات للصفات والجزم بإثبات العلو على العرش
سئل شيخ الإسلام فريد الزمان بحر العلوم تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية رَحمَهُ الله عن رجلين تباحثا في مسألة الإثبات للصفات، والجزم بإثبات العلو على العرش.
فقال أحدهما: لا يجب على أحد معرفة هذا، ولا البحث عنه، بل يكره له، كما قال الإمام مالك للسائل: وما أراك إلا رجل سوء. وإنما يجب عليه أن يعرف ويعتقد أن الله تعالى واحد في ملكه، وهو رب كل شيء وخالقه ومليكه، بل ومن تكلم في شيء من هذا فهو مجسم حشوي.
فهل هذا القائل لهذا الكلام مصيب أم مخطئ؟ فإذا كان مخطئًا فما الدليل على أنه يجب على الناس أن يعتقدوا إثبات الصفات والعلو على العرش الذي هو أعلى المخلوقات ويعرفوه؟ وما معنى التجسيم والحشو؟
أفتونا وابسطوا القول بسطًا شافيًا يزيل الشبهات في هذا مثابين مأجورين إن شاء الله تعالى.
فأجاب:
الحمد لله رب العالمين، يجب على الخلق الإقرار بما جاء به النبي ﷺ، فما جاء به القرآن العزيز أو السنة المعلومة وجب على الخلق الإقرار به جملة، وتفصيلًا عند العلم بالتفصيل؛ فلا يكون الرجل مؤمنًا حتى يقر بما جاء به النبي ﷺ، وهو تحقيق شهادة لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله.
فمن شهد أنه رسول الله شهد أنه صادق فيما يخبر به عن الله تعالى فإن هذا حقيقة الشهادة بالرسالة ؛إذ الكاذب ليس برسول فيما يكذبه، وقد قال الله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [1].
وبالجملة، فهذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام، لا يحتاج إلى تقريره هنا، وهو الإقرار بما جاء به النبيﷺ، وهو ما جاء به من القرآن والسنة، كما قال الله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} [2]، وقال تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} [3].
وقال تعالى: {وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ} [4]، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ الله} [5]، وقال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [6]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ} [7].
ومما جاء به الرسول رضاه عن السابقين الأولين؛ وعمن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ كما قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} [8].
ومما جاء به الرسول إخباره بأنه تعالى قد أكمل الدين بقوله سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [9].
ومما جاء به الرسول أمر الله له بالبلاغ المبين، كما قال تعالى: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [10]، وقال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [11]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [12].
ومعلوم أنه قد بلغ الرسالة كما أمر ولم يكتم منها شيئا؛ فإن كتمان ما أنزله الله إليه يناقض موجب الرسالة؛ كما أن الكذب يناقض موجب الرسالة.
ومن المعلوم من دين المسلمين أنه معصوم من الكتمان لشيء من الرسالة، كما أنه معصوم من الكذب فيها. والأمة تشهد له بأنه بلغ الرسالة كما أمره الله، وبين ما أنزل إليه من ربه، وقد أخبر الله بأنه قد أكمل الدين، وإنما كمل بما بلغه؛ إذ الدين لم يعرف إلا بتبليغه، فعلم أنه بلغ جميع الدين الذي شرعه الله لعباده كما قال ﷺ: «تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك».
وقال: «ما تركت من شيء يقربكم إلى الجنة إلا وقد حدثتكم به، وما من شيء يبعدكم عن النار إلا وقد حدثتكم به». وقال أبو ذر: لقد توفي رسول الله ﷺ وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علمًا.
إذا تبين هذا، فقد وجب على كل مسلم تصديقه فيما أخبر به عن الله تعالى من أسماء الله وصفاته، مما جاء في القرآن وفي السنة الثابتة عنه، كما كان عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه.
فإن هؤلاء هم الذين تلقوا عنه القرآن والسنة، وكانوا يتلقون عنه ما في ذلك من العلم والعمل، كما قال أبو عبد الرحمن السلمي: لقد حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن، كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما، أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي ﷺ عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا.
وقد قام عبد الله بن عمر وهو من أصاغر الصحابة في تعلم البقرة ثماني سنين، وإنما ذلك لأجل الفهم والمعرفة. وهذا معلوم من وجوه:
أحدها: أن العادة المطردة التي جبل الله عليها بني آدم، توجب اعتناءهم بالقرآن المنزل عليهم لفظًا ومعنى، بل أن يكون اعتناؤهم بالمعنى أوكد، فإنه قد علم أنه من قرأ كتابًا في الطب أو الحساب، أو النحو أو الفقه أو غير ذلك، فإنه لا بد أن يكون راغبًا في فهمه، وتصور معانيه، فكيف بمن قرؤوا كتاب الله تعالى المنزل إليهم، الذي به هداهم الله، وبه عرفهم الحق والباطل، والخير والشر، والهدى والضلال، والرشاد والغي؟
فمن المعلوم أن رغبتهم في فهمه وتصور معانيه أعظم الرغبات، بل إذا سمع المتعلم من العالم حديثًا فإنه يرغب في فهمه، فكيف بمن يسمعون كلام الله من المبلغ عنه.
بل ومن المعلوم أن رغبة الرسولﷺ في تعريفهم معاني القرآن أعظم من رغبته في تعريفهم حروفه، فإن معرفة الحروف بدون المعاني لا تحصل المقصود؛ إذ اللفظ إنما يراد للمعنى.
الوجه الثاني: أن الله سبحانه وتعالى قد حضهم على تدبره وتعقله واتباعه في غير موضع، كما قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [13].
وقال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [14]، وقال تعالى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ} [15]، وقال تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [16].
فإذا كان قد حض الكفار والمنافقين على تدبره، علم أن معانيه مما يمكن الكفار والمنافقين فهمها ومعرفتها، فكيف لا يكون ذلك ممكنًا للمؤمنين، وهذا يبين أن معانيه كانت معروفة بينة لهم.
الوجه الثالث: أنه قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [17]، وقال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [18]، فبين أنه أنزله عربيًا لأن يعقلوا، والعقل لا يكون إلا مع العلم بمعانيه.
الوجه الرابع: إنه ذم من لا يفهمه فقال تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا} [19]. وقال تعالى: {فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [20]، فلو كان المؤمنون لا يفقهونه أيضا لكانوا مشاركين للكفار والمنافقين فيما ذمهم الله تعالى به.
الوجه الخامس: أنه ذم من لم يكن حظه من السماع إلا سماع الصوت دون فهم المعنى واتباعه، فقال تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} [21]، وقال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [22]، وقال تعالى: {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ الله عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ} [23] وأمثال ذلك.
وهؤلاء المنافقون سمعوا صوت الرسول ﷺ ولم يفهموا وقالوا: ماذا قال آنفا؟ أي الساعة، وهذا كلام من لم يفقه قوله، فقال تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ الله عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ} [24]
فمن جعل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والتابعين لهم بإحسان، غير عالمين بمعاني القرآن، جعلهم بمنزلة الكفار والمنافقين فيما ذمهم الله تعالى عليه.
الوجه السادس: أن الصحابة رضي الله عنهم فسروا للتابعين القرآن، كما قال مجاهد: عرضت المصحف على ابن عباس من أوله إلى آخره، أقف عند كل آية منه وأسأله عنها.
ولهذا قال سفيان الثوري: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به. وكان ابن مسعود يقول: لو أعلم أحدًا أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لأتيته. وكل واحد من أصحاب ابن مسعود وابن عباس نقل عنه من التفسير ما لا يحصيه إلا الله. والنقول بذلك عن الصحابة والتابعين ثابتة معروفة عند أهل العلم بها.
فإن قال قائل: قد اختلفوا في تفسير القرآن اختلافًا كثيرًا، ولو كان ذلك معلومًا عندهم عن الرسول ﷺ لم يختلفوا فيه.
فيقال: الاختلاف الثابت عن الصحابة، بل وعن أئمة التابعين في القرآن، أكثره لا يخرج عن وجوه:
أحدها: أن يعبر كل منهم عن معنى الاسم بعبارة غير عبارة صاحبه، فالمسمى واحد، وكل اسم يدل على معنى لا يدل عليه الاسم الآخر، مع أن كلاهما حق، بمنزلة تسمية الله تعالى بأسمائه الحسنى، وتسمية الرسول ﷺ بأسمائه، وتسمية القرآن العزيز بأسمائه، فقال تعالى: {قُلِ ادْعُواْ الله أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} [25].
فإذا قيل: الرحمن الرحيم، الملك القدوس السلام، فهي كلها أسماء لمسمى واحد سبحانه وتعالى وإن كان كل اسم يدل على نعت لله تعالى لا يدل عليه الاسم الآخر.
ومثال هذا التفسير كلام العلماء في تفسير الصراط المستقيم فهذا يقول: هو الإسلام، وهذا يقول: هو القرآن، أي: اتباع القرآن، وهذا يقول: السنة والجماعة، وهذا يقول: طريق العبودية، وهذا يقول: طاعة الله ورسوله.
ومعلوم أن الصراط يوصف بهذه الصفات كلها، ويسمى بهذه الأسماء كلها، ولكن كل واحد منهم دل المخاطب على النعت الذي به يعرف الصراط، وينتفع بمعرفة ذلك النعت.
الوجه الثاني: أن يذكر كل منهم من تفسير الاسم بعض أنواعه أو أعيانه على سبيل التمثيل للمخاطب، لا على سبيل الحصر والإحاطة، كما لو سأل أعجمي عن معنى لفظ الخبز فأرى رغيفًا وقيل: هذا هو، فذاك مثال للخبز وإشارة إلى جنسه، لا إلى ذلك الرغيف خاصة.
ومن هذا ما جاء عنهم في قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ الله ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [26].
فالقول الجامع: أن الظالم لنفسه: هو المفرط بترك مأمور أو فعل محظور، والمقتصد: القائم بأداء الواجبات وترك المحرمات، والسابق بالخيرات: بمنزلة المقرب الذي يتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض حتى يحبه الحق.
ثم إن كلا منهم يذكر نوعًا من هذا. فإذا قال القائل: الظالم: المؤخر للصلاة عن وقتها، والمقتصد: المصلي لها في وقتها، والسابق: المصلي لها في أول وقتها حيث يكون التقديم أفضل.
وقال آخر: الظالم لنفسه: هو البخيل الذي لا يصل رحمه ولا يؤدي زكاة ماله، والمقتصد: القائم بما يجب عليه من الزكاة وصلة الرحم وقرى الضيف والإعطاء في النائبة، والسابق: الفاعل المستحب بعد الواجب كما فعل الصدِّيق الأكبر حين جاء بماله كله، ولم يكن مع هذا يأخذ من أحد شيئا.
وقال آخر: الظالم لنفسه: الذي يصوم عن الطعام، لا عن الآثام، والمقتصد: الذي يصوم عن الطعام والآثام، والسابق: الذي يصوم عن كل ما لا يقربه إلى الله تعالى وأمثال ذلك لم تكن هذه الأقوال متنافية بل كل ذكر نوعًا مما تناولته الآية.
الوجه الثالث: أن يذكر أحدهم لنزول الآية سببًا ويذكر الآخر سببًا آخر لا ينافي الأول ومن الممكن نزولها لأجل السببين جميعًا، أو نزولها مرتين؛ مرة لهذا، ومرة لهذا.
وأما ما صح عن السلف أنهم اختلفوا فيه اختلاف تناقض، فهذا قليل بالنسبة إلى ما لم يختلفوا فيه، كما أن تنازعهم في بعض مسائل السنة كبعض مسائل الصلاة والزكاة، والصيام والحج، والفرائض والطلاق ونحو ذلك لا يمنع أن يكون أصل هذه السنن مأخوذًا عن النبي ﷺ؛ وجملها منقولة عنه بالتواتر.
وقد تبين أن الله تعالى أنزل عليه الكتاب والحكمة، وأمر أزواج نبيه ﷺ أن يذكرن ما يتلى في بيوتهن من آيات الله والحكمة.
وقد قال غير واحد من السلف: إن الحكمة هي السنة؛ وقد قال ﷺ: «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه».
فما ثبت عنه من السنة فعلينا اتباعه، سواء قيل: إنه في القرآن، ولم نفهمه نحن، أو قيل: ليس في القرآن، كما أن ما اتفق عليه السابقون الأولون، والذين اتبعوهم بإحسان، فعلينا أن نتبعهم فيه، سواء قيل: إنه كان منصوصًا في السنة ولم يبلغنا ذلك، أو قيل: إنه مما استنبطوه واستخرجوه باجتهادهم من الكتاب والسنة.
هامش
[فاطر: 32]
[الحاقة: 44 46]
[آل عمران: 164]
[البقرة: 151]
[البقرة: 231]
[النساء: 64]
[النساء: 65]
[النساء: 95]
[التوبة: 100]
[المائدة: 3]
[العنكبوت: 18]
[النحل: 44]
[المائدة: 67]
[ص: 29]
[محمد: 24]
[المؤمنون: 68]
[النساء: 28]
[يوسف: 2]
[الزخرف: 3]
[الإسراء: 45، 46]
[النساء: 87]
[البقرة: 171]
[الفرقان: 44]
[محمد: 16]
[محمد: 16]
[الإسراء: 110] 
 =====================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق