مكتبة العلوم الشاملة

false EN-GB X-NONE AR-SA ath"/>

مكتبة العلوم الشاملة

https://sluntt.blogspot.com/

 

الاثنين، 7 فبراير 2022

كتاب المناظر لابن الهيثم

صفحات تصنيف «كتاب المناظر»

الصفحات 10 التالية مصنّفة بهذا التصنيف، من إجمالي 10.
كتاب المناظر
كتاب المناظر/الفصل الأول صدر المقالة
كتاب المناظر/المقالة الأولى
كتاب المناظر/المقالة الأولى/الفصل الأول
كتاب المناظر/المقالة الأولى/الفصل الرابع
كتاب المناظر/المقالة الأولى/الفصل السادس
كتاب المناظر/المقالة الأولى/تابع الفصل الثالث
كتاب المناظر/المقالة الأولى/تابع الفصل السادس
كتاب المناظر/المقالة الثالثة أغلاط البصر فيما يدركه على استقامة وعللها
كتاب المناظر/المقالة الثانية تفصيل المعاني التي يدركها البصر وعللها وكيفية إدراكها

====
كتاب المناظر/الفصل الأول صدر المقالة
كتاب المناظر لابن الهيثم
قد تبين في المقالة الأولى كيف يكون الإبصار بالجملة وهو كيفية إحساس البصر لصورة الضوء واللون اللذين في المبصر مرتبة على ما هي عليه في سطح المبصر. والبصر يدرك من المبصرات معاني كثيرة من المعاني التي تكون في المبصرات غير الضوء واللون.

وأيضاً فإنه قد تبين في المقالة الأولى أن الإبصار إنما يكون من سموت خطوط الشعاع. وخطوط الشعاع تختلف أحوالها وتختلف أحوال الصور التي ترد عليها إلى البصر. وأيضاً فإن إدراك البصر للمبصرات ليس يكون في جميع الأوقات ولجميع المبصرات وعلى جميع الأحوال على صفة واحدة بل تختلف كيفية إحساس البصر بالمبصرات وتختلف كيفية إحساس البصر بالمبصر الواحد من البعد الواحد ومن الوضع الواحد بحسب قصد الناظر وتعمله لإدراك المبصر وتعمده لتمييز المعاني التي فيه.

ونحن نبين في هذه المقالة اختلاف أحوال خطوط الشعاع ونميز خواصها ونفصل أيضاً جميع المعاني التي يدركها البصر ونبين كيف يدرك البصر كل واحد منها ونميز كيفية إدراك ابصر للمبصرات ونبين اختلاف إدراك البصر لها. 
==========
كتاب المناظر/المقالة الأولى/الفصل الأول
< كتاب المناظر‏ 
كتاب المناظر
المؤلف: ابن الهيثم
إن المتقدمين من أهل النظر قد أمعنوا البحث عن كيفية إحساس البصر وأعملوا فيه أفكارهم وبذلوا فيه اجتهادهم وانتهوا منه إلى الحد الذي وصل النظر إليه ووقفوا منه على ما وقفهم البحث والتمييز عليه.

ومع هذه الحال فآرائهم في حقيقة الإبصار مختلفة ومذاهبهم في هيئة الإحساس غير متفقة فالحيرة متوجهة واليقين متعذر والمطلوب غير موثوق بالوصول إليه.

فالحقائق غامضة والغايات خفية والشبهات كثيرة والأفهام كدرة والمقاييس مختلفة والمقدمات ملتقطة من الحواس والحواس التي هي العدد غير مأمونة الغلط.

فطريق النظر معفى الأثر والباحث المجتهد غير معصوم من الزلل فلذلك تكثر الحيرة عند المباحث اللطيفة وتتشتت الآراء وتفترق الظنون وتختلف النتائج ويتعذر اليقين.

وفي هذا البحث عن هذا المعنى مع غموضه وصعوبة الطريق إلى معرفة حقيقته مركب من العلوم الطبيعية والعلوم التعليمية.

أما تعلقه بالعلم الطبيعي فلأن الإبصار أحد الحواس والحواس سموت خطوط مستقيمة أطرافها مجتمعة عند مركز البصر وإن كل شعاع يدرك به مبصر من المبصرات فشكل جملته شكل مخروط رأسه وقاعدته سطح المبصر.

وهذان المعنيان أعني رأي أصحاب الطبيعة ورأي أصحاب التعاليم متضادان متباعدان إذا أخذا على ظاهرهما. ثم مع ذلك فأصحاب التعاليم مختلفون في هيئة هذا الشعاع وهيئة حدوثه. فبعضهم يرى أن مخروط الشعاع جسم مصمت متصل ملتئم.

وبعضهم يرى أن الشعاع خطوط مستقيمة هي أجسام دقائق أطرافها مجتمعة عند مركز البصر وتمتد متفرقة حتى تنتهي إلى المبصر وإن ما وافق أطراف هذه الخطوط من سطح المبصر أدركه البصر وما حصل بين أطراف خطوط الشعاع من أجزاء المبصر لم يدركه البصر ولذلك تخفى عن البصر الأجزاء التي في غاية الصغر والمسام التي في غاية الدقة التي تكون في سطوح المبصرات.

ثم إن طائفة ممن يعتقد أن مخروط الشعاع مصمت ملتئم ترى أن الشعاع يخرج من البصر على خط واحد مستقيم إلى أن ينتهي إلى المبصر ثم يتحرك على سطح المبصر حركة في غاية السرعة في الطول والعرض لا يدركها الحس لسرعتها فيحدث بتلك الحركة مخروط المصمت.

وطائفة ترى أن الأمر بخلاف ذلك وان البصر إذا فتح أجفانه قبالة المبصر حدث المخروط في الحال دفعة واحدة بغير زمان محسوس.

ورأى طائفة من جميع هؤلاء أن الشعاع الذي يكون به الإبصار هو قوة نورية تنبعث من البصر وتنتهي إلى المبصر وبتلك القوة يكون الإحساس.

ورأى طائفة أن الهواء إذا اتصل بالبصر قبل منه كيفية فقط فيصير الهواء في الحال بتلك الكيفية شعاعاً يدرك به البصر المبصرات.

ولكل طائفة من هذه الطوائف مقاييس واستدلالاات وطرق أدتهم إلى اعتقادهم وشهادات إلا أن الغاية التي عليها استقر رأي جميع من بحث عن كيفية إحساس البصر تنقسم بالجملة إلى المذهبين المتضادين اللذين قدمنا ذكرهما.

وكل مذهبين مختلفين إما أن يكون أحدهما صادقاً والآخر كاذباً وإما أن يكونا جميعاً كاذبين والحق غيرهما جميعاً وإما أن يكونا جميعاً يؤديان إلى معنى واحد هو الحقيقة ويكون كل واحد من الفريقين القائلين بذينك المذهبين قد قصر في البحث فلم يقدر على الوصول إلى الغاية فوقف دون الغاية ووصل أحدهما إلى الغاية وقصر الآخر عنها فعرض الخلاف في ظاهر المذهبين وتكون غايتهما عند استقصاء البحث واحدة.

وقد يعرض الخلاف أيضاً في المعنى المبحوث عنه من جهة اختلاف طرق المباحث وإذا حقق البحث وأنعم النظر ظهر الاتفاق واستقر الخلاف.

ولما كان ذلك كذلك وكانت حقيقة هذا المعنى مع اطراد الخلاف بين أهل النظر المتحققين بالبحث عنه على طول الدهر ملتبسة وكيفية الإبصار غير متيقنة رأينا أن نصرف الاهتمام إلى هذا المعنى بغاية الإمكان ونخلص العناية به ونتأمله ونوقع الجد في البحث عن حقيقته ونستأنف النظر في مبادئه ومقدماته ونبتدئ في البحث باستقراء الموجودات وتصفح أحوال المبصرات ونميز خواص الجزئيات ونلتقط بالاستقراء ما يخص البصر في حال الإبصار وما هو مطرد لا يتغير وظاهر لا يشتبه من كيفية الإحساس ثم نرقى في البحث والمقاييس على التدريج والترتيب مع انتقاد المقدمات والتحفظ في النتائج ونجعل غرضنا في جميع ما نستقرئه ونتصفحه استعمال العدل لا اتباع الهوى ونتحرى في سائر ما نميزه وننتقده طلب الحق لا الميل مع الآراء فلعلنا ننتهي بهذا الطريق إلى الحق الذي به يثلج الصدر ونصل بالتدريج والتلطف إلى الغاية التي عندها يقع اليقين ونظفر مع النقد والتحفظ بالحقيقة التي يزول معها الخلاف وتنحسم بها مواد الشبهات.

وما نحن مع جميع ذلك برآء مما هو في طبيعة الإنسان من كدر البشرية ولكنا نجتهد بقدر ما هو لنا من القوة الإنسانية ومن الله نستمد المعونة في جميع الأمور.

ونحن نقسم هذا الكتاب سبع مقالات: ونبين في المقالة الأولى كيفية الإبصار بالجملة ونبين في المقالة الثانية تفصيل المعاني التي يدركها البصر وعللها وكيفية إدراكها ونبين في المقالة الثالثة أغلاط البصر فيما يدركه على استقامة وعللها ونبين في المقالة الرابعة كيفية أدراك البصر بالانعكاس عن الأجسام الصقيلة ونبين بالمقالة الخامسة مواضع الخيالات وهي الصور التي ترى في الأجسام الصقيلة ونبين في المقالة السادسة أغلاط البصر فيما يدركه بالانعكاس وعللها ونبين في المقالة السابعة كيفية إدراك البصر بالانعطاف من وراء الأجسام المشفة المخالفة الشفيف لشفيف الهواء ونختم الكتاب عند آخر هذه المقالة.

وقد كنا ألفنا مقالة في علم المناظر سلكنا في كثير من مقاييسها طرقاً إقناعية فلما توجهت لنا البراهين المحققة على جميع المعاني المبصرة استأنفنا تأليف هذا الكتاب.

فمن وقع إليه المقالة التي ذكرناها فليعلم أنها مستغنى عنها بحصول المعاني التي فيها في مضمون هذا الكتاب.

===========
كتاب المناظر/المقالة الأولى/الفصل الثاني

< كتاب المناظر‏  
كتاب المناظر  ابن الهيثم
نجد البصر ليس يدرك شيئاً من المبصرات إلا إذا كان بينهما بعد ما. فإن المبصر إذا كان ملتصقاً بسطح البصر فليس يدركه البصر وإن كان من المبصرات التي يصح أن يدركها البصر.

ونجد البصر ليس يدرك شيئاً من المبصرات التي تكون معه في هواء واحد ويكون إدراكه لها لا بالانعكاس إلا إذا كان مقابلاً للبصر وكان بين كل نقطة من سطحه الذي يدركه البصر وبين سطح البصر خط مستقيم متوهم أو خطوط مستقيمة متوهمة ولم يتوسط بين سطح البصر وبين المبصر جسم كثيف يقطع جميع الخطوط المستقيمة التي توهم بين سطح البصر وبين سطح المبصر الذي يدركه البصر.

ونجد كل مبصر يدركه البصر ويكون معه في هواء واحد ويكون إدراكه له بالانعكاس متى قطعت جميع الخطوط المستقيمة التي تتوهم بين سطح البصر وبين سطحه الذي يدركه البصر بجسم كثيف استتر ذلك البصر عن البصر وخفي عنه ولم يدركه وإن كان بين البصر وبينه في هذه الحال هواء متصل لا يتخلله شيء من الأجسام الكثيفة إذا كان اتصاله على غير استقامة ومتى قطع الساتر جميع الخطط المستقيمة التي بين جزء من سطح المبصر وبين سطح البصر حتى لا يبقى بين ذلك الجزء من المبصر وبين شيء من الجزء من سطح البصر الذي منه يكون الإبصار خط مستقيم إلا وقد قطعه ذلك الساتر استتر من المبصر ذلك الجزء فقط الذي قطع الساتر جميع الخطوط المستقيمة التي بينه وبين موضع الإبصار من سطح البصر.

وإذا استقرئت جميع المبصرات في جميع الأوقات واعتبرت وحررت وجدت على الصفة التي ذكرناها مطردة ولا تتغير. فيدل ذلك على أن كل مبصر يدركه البصر ويكون معه في هواء واحد وإذا كان إدراكه له لا بالانعكاس فإن بين كل نقطة من سطح المبصر وبين نقطة ما من سطح البصر أو أكثر من نقطة خطاً مستقيماً أو خطوطاً مستقيمة لا يقطعها شيء من الأجسام الكثيفة.

فأما كيف يعتبر هذا المعنى اعتباراً محرراً فإن اعتباره ممكن مستهل بالمساطر والأنابيب. فإذا شاء معتبر أن يعتبر ذلك ويحرره فليتخذ مسطرة في غاية الصحة والاستقامة موازياً لخطي نهايتها ويتخذ أنبوباً أسطوانياً أجوف طوله في غاية الاستقامة واستدارته في غاية ما يمكن من الصحة ودائرتا طرفيه متوازيتان.

ولتكن متانته متشابهة وليكن مقتدر السعة وليس بأوسع من محجر العين وليخط في سطحه الظاهر خطاً مستقيماً يمتد من محيط إحدى قاعدتيه إلى النقطة المقابلة لها من الناحية الأخرى. وليكن هذا الأنبوب أقصر من طول المسطرة بمقدار يسير وليقسم الخط الذي في وسط المسطرة بثلثة أقسام وليكن الأوسط من الأقسام مساوياً لطول الخط الذي في سطح الأنبوب ويكون القسمان الباقيان اللذان عن جنبتيه بأي قدر كان.

ثم يلصق الأنبوب بسطح المسطرة ويطبق الخط الذي في سطحه على القسم الأوسط من الخط الذي في وسط سطح لمسطرة ويتحرى أن ينطبق نهايتا طرفيه على النقطتين اللتين فصلتا الخط الأوسط ويلصق الأنبوب بسطح المسطرة على هذه الصفة إلصاقاً ملتحماً وثيقاً ل ينحل ولا يتغير. فإذا أحكمت هذه الآلة وأراد المعتبر أن يعتبر بها إدراك البصر للمبصرات فليعين على مبصر من المبصرات وليلصق طرف هذه المسطرة بالجفن الأسفل من إحدى عينيه ويلصق الطرف الآخر بسطح المبصر ويستر العين الأخرى وينظر في هذه الحال في ثقب الأنبوب: فإنه يرى من المبصر الجزء المقابل لثقب الأنبوب الذي عند طرف المسطرة.

وإذا ستر الأنبوب بجسم كثيف استتر ذلك الجزء من المبصر الذي كان يراه من ثقب الأنبوب. ثم إذا رفع الساتر أدرك ذلك الجزء كما كان يدركه في الأول. وإن ستر بالجسم الكثيف بعض ثقب الأنبوب الذي هو والبصر الساتر على سمت مستقيم وهذه الاستقامة تتحرر بالمسطرة وباستقامة الأنبوب.

فإن ذلك الجزء الذي يستتر من الجزء المبصر إذا ستر بعض ثقب الأنبوب يكون أبداً هو والبصر والجزء المستتر من ثقب الأنبوب على خط مواز للخط المستقيم الذي يمتد في سطح المسطرة ومواز لطول الأنبوب. ثم إذا رفع الساتر عاد إدراك البصر لذلك الجزء من المبصر كذلك دائماً لا يختلف ولا ينتقض. وإذا نظر الناظر إلى المبصر من ثقب الأنبوب وخفي الجزء الذي كان يدركه البصر من سطح المبصر فإن بين ذلك الجزء من المبصر في تلك الحال وبين سطح البصر هواء متصلاً لا يتخلله شيء من الأجسام الكثيفة ومسافات لا نهاية لها غير مستقيمة.

إذ بين طرف الأنبوب وبين البصر فضاء منكشف وكذلك بين المبصر وبين الطرف الآخر من الأنبوب إلا أن الهواء المتصل الذي بين البصر وبين المبصر في تلك الحال ليس هو متصلاً على استقامة بل هو اتصالاً على غير استقامة ولم ينقطع في تلك الحال من الخطوط التي يمكن أن نتوهم بين البصر وبين ذلك الجزء من المبصر إلا الخطوط المستقيمة فقط. فلو كان ممكناً أن يدرك البصر المبصر الذي هو معه في هواء واحد على غير سمت الاستقامة لقد كان يدرك الجزء من المبصر المقابل لثقب الأنبوب بعد سد ثقب الأنبوب.

لكن يوجد ما هذه صفته من المبصرات إذا اعتبر وتؤمل على هذه الصفة التي حددناها فليس يدركه البصر عند سد الأنبوب. فيجب من هذا الاعتبار وجوباً تسقط معه الشبهات أن البصر ليس يدرك شيئاً من المبصرات التي تكون معه في هواء واحد ويكون إدراكه لا بالانعكاس إلا على سموت الخطوط المستقيمة فقط التي تتوهم ممتدة بين سطحه وبين سطح البصر.

وأيضاً فإنا نجد البصر ليس يدرك شيئاً من المبصرات إلا إذا كان في المبصر ضوء ما إما من ذاته أو مشرق عليه من غيره. ومتى كان المبصر مظلماً لا ضوء فيه بوجه من الوجوه لم يدركه البصر ولم يحس به. ونجد البصر إذا كان في مكان مظلم فقد يدرك المبصرات إذا كانت مقابلة له وكانت مضيئة بأي ضوء كان وكان الهواء الذي بينه وبينها متصلاً لا يتخلله شيء من الأجسام الكثيفة. فإذا كان المبصر في مكان مظلم ولم يكن فيه شيء من الضوء وكان البصر في مكان مضيء فليس يدرك البصر ذلك المبصر ولا يحس به. ونجد هذه الحال مطردة لا تختلف ولا تتغير.

فدل ذلك على أن المبصر إذا كان فيه ضوء ما وكان من المبصرات التي يصح أن يدركها البصر وكان الضوء الذي بالمبصر إلى الحد الذي يصح أن يحس به البصر فإن البصر يدرك ذلك المبصر كان الهواء المحيط بالبصر مضيئاً بغير الضوء الذي في المبصر أو لم يكن مضيئاً بغير ذلك الضوء. ونجد البصر ليس يدرك شيئاً من المبصرات إلا إذا كان حجمه مقتدراً وأريد بالحجم مساحة المبصر جسماً كان أو سطحاً أو خطاً وليس يدرك من المبصرات ما كان بغاية الصغر. ويوجد من الأجسام الصغار بالاستدلال ما لا يدركه البصر بوجه من الوجوه.

فإن إنسان عين البعوضة وما جرى مجراه في الصغر ليس يدركه البصر بوجه من الوجوه وهو مع ذلك جسم موجود. وأصغر المقادير التي يمكن أن يدركها البصر تكون بحسب قوة البصر أيضاً وضعفه فإن من الأجسام الصغار ما يدركها بعض الناس ويحس بها وتخفى عن أبصار كثير من الناس ولا يدركونها بوجه من الوجوه إن كانت أبصارهم ليست في غاية القوة. وإذا اعتبرت جميع المبصرات وأصغر من المبصرات وجدت ليست في غاية الصغر بل يوجد كل مبصر وإن كان في غاية الصغر فقد يمكن أن يكون في الأجسام الموجودة ما هو أصغر منه ولا يحس به البصر. فدل ذلك على أن البصر ليس يدرك شيئاً من المبصرات إلا إذا كان حجمه مقتدراً أو كان في مبصر مقتدر الحجم كاللون والشكل وما أشبه ذلك فإن أصغر المقادير التي يدركها البصر يكون بحسب قوة ذلك البصر.

وأيضاً فإنا نجد البصر ليس يدرك شيئاً من المبصرات إلا إذا كان كثيفاً أو كان فيه بعض الكثافة. فإن الجسم إذا كان غاية الشفيف كالهواء اللطيف فلبس يدركه البصر ويدرك ما وراءه. فليس بجس البصر بالجسم المشف إلا إذا كان أغلظ من الهواء من الهواء المتوسط بينه وبين البصر. وكل جسم كثيف فله لون أو ما يجري مجرى اللون كأضواء الكواكب وصور الأجسام النيرة. وكذلك كل جسم مشف فيه بعض الكثافة فليس يخلوا من اللون.

وأيضاً فإنا نجد البصر إذا كان يدرك مبصراً من المبصرات ثم بعد عنه بعداً شديداً خفي ذلك عن البصر فلم يدركه. ونجد المبصر إذا بعد عن البصر بعداً شديداً حتى ينتهي إلى حد يخفي عن البصر فلا يدركه البصر فقد يمكن للبصر أن يدرك من ذلك البعد بعينه إذا لم يكن في غاية التفاوت مبصراً غير ذلك المبصر إذا كان أعظم جثة من المبصر الخفي. فدل ذلك على أن الأبعاد التي يصح أن يدرك منها المبصر والأبعاد التي يخفى منها المبصر إنما تكون بحسب عظم المبصر.

ونجد الأبعاد التي يصح أن يدرك منها البصر المبصرات تكون بحسب الأضواء التي في المبصرات وما كان من المبصرات أشد إضاءة فقد يدركه البصر من بعد قد تخفى من مثله المبصرات المساوية لذلك المبصر في العظم إذا كانت الأضواء التي فيها أضعف من الضوء الذي في ذلك المبصر. وذلك أنه إذا كان في موضع من المواضع نار مشتعلة وكان حواليها أشخاص وأجسام مساو كل واحد منها لجملة النار في العظم أو ليست بمتفاوتة العظم وأشرق عليها ضوء تلك النار ثم قصد تلك النار قاصد من بعد شديد في سواد الليل فإن ذلك القاصد يرى النار قبل أن يرى شيئاً مما حواليها من الأشخاص والأجسام التي هي مساوية لها في العظم وأعظم منها ومضيئة بضوء تلك النار. ثم إذا قرب ذلك الإنسان من النار ظهرت له الأشخاص التي حول النار وما قرب منها ويظهر ما كان من تلك الأشخاص قريباً من النار والضوء الذي عليه قوي قبل أن يظهر ما كان بعيداً من النار والضوء الذي عليه ضعيف ثم إذا وصل إليها ظهر له جميع ما حول النار وبالقرب منها من المبصرات.

وكذلك إذا اعتبرت المبصرات المتباعدة في ضوء النهار يوجد الذي عليه ضوء الشمس والأضواء القوية تظهر من الأبعاد التي تخفى منها المبصرات المساوية لها في العظم وفي اللون التي تكون في الظل والأضواء التي عليها ضعيفة. فيلزم من ذلك أن تكون الأبعاد التي منها يصح أن يدرك البصر المبصرات والأبعاد التي تخفى منها المبصرات إنما تكون بحسب الأضواء التي في المبصرات. ونجد أيضاً الأجسام الساطعة البياض والمشرقة الألوان قد تظهر من الأبعاد التي قد تخفى من مثلها الأجسام الكدرة والترابية والمنكسفة مع تساويها في الحجم وفي الضوء وفي جميع الأحوال ما سوى اللون.

وذلك أن السفن المقلعة في البحر إذا كانت على بعد شديد فإن أقلاعها تظهر من البعد كالنجوم إذا كانت قلوعها بيضاء ويدرك البصر بياضها ولا يدرك مع ذلك السفن ولا شيئاً مما فيها مما ليس بساطع البياض ما دامت على مسافة بعيدة ثم إذا قربت من البصر وكذلك إذا كانت أشخاص على سطح الأرض وكانت متساوية الأقدار أو ليست أقدارها متفاوتة الاختلاف وكانت مختلفة الألوان وكان بعضها بيضاً ساطعة البياض وكان بعضها ذا ألوا مشرقة وبعضها ترابية أو منكسف الألوان وكان الضوء المشرق عليها واحداً ثم قصدها قاصد من بعد شديد فإنه يرى البيض منها الساطعة البياض قبل أن يرى شيئاً من الأشخاص الباقية.

ثم إذا قرب ظهرت الأشخاص المشرقة الألوان قبل أن تظهر الترابية والمنكسفة الألوان. ثم كلما قرب ظهرت له الباقية إلى أن يظهر له جميعها ويحس بها معاً. فيلزم من ذلك أن تكون الأبعاد التي يصح أن يدرك منها البصر المبصرات والأبعاد التي تخفى منها المبصرات إنما تكون بحسب ألوان المبصرات.

ونجد أيضاً الأبعاد التي يصح أن يدرك من مثلها مبصر من المبصرات والأبعاد التي يخفى من مثلها مبصر من المبصرات إنما تكون بحسب قوة البصر. فإن الحديد البصر قد يدرك مبصراً من المبصرات من بعد قد يخفى منه ذلك المبصر بعينه في تلك الحال بعينها عن الضعيف البصر. فيلزم من جميع ما ذكرناه واستقريناه من أحوال أبعاد المبصرات أن تكون الأبعاد التي يصح أن يدرك من مثلها مبصر من المبصرات والأبعاد التي يخفى من مثلها مبصر من المبصرات إنما تكون بحسب ذلك المبصر بعينه وبحسب أحواله وبحسب المعاني التي فيه وبحسب البصر أيضاً الذي يدركه بعينه في قوته وضعفه.

فقد تبين من جميع ما ذكرناه مما يوجد بالاستقراء والاعتبار ويوجد مطرداً لا يختلف ولا ينتقض أن البصر ليس يدرك شيئاً من المبصرات التي تكون معه في هواء واحد ويكون إدراكه له لا بالانعكاس إلا إذا اجتمعت للمبصر المعاني التي ذكرناها وهي أن يكون بينه وبين البصر بعد ما بحسب ذلك المبصر ويكون مقابلاً للبصر أعني أن يكون بين كل نقطة من سطحه الذي يدركه البصر وبين نقطة ما من سطح البصر خط مستقيم متوهم ويكون فيه ضوء ما إما من ذاته أو من غيره ويكون حجمه مقتدراً بالإضافة إلى قوة إحساس البصر ويكون الهواء الذي بينه وبين سطح البصر أو الجسم الذي بينه وبين سطح البصر مشفاً متصل الشفيف لا يتخلله شيء من الأجسام الكثيفة ويكون كثيفاً أو فيه بعض الكثافة أعني أن لا يكون فيه شفيف أو يكون مشفاً وشفيفه أغلظ من شفيف الهواء المبسوط بينه وبين سطح البصر أو الجسم المشف المتوسط بينه وبين سطح البصر وليس يكون الكثيف إلا ذا لون أو ما يجري مجرى اللون وكذلك المشف الذي فيه بع الغلظ.

فهذه المعاني هي التي لا يتم الإبصار إلا بعد اجتماعها للمبصر. وإذا اجتمعت هذه المعاني للمبصر وكان البصر سليماً من الآفات فإنه يدرك ذلك المبصر وإذا عدم البصر واحداً من هذه المعاني إذن هي خواص البصر التي بها وباجتماعها يتم الإبصار. وقد يظهر أيضاً بالاستقراء أن كل مبصر يدركه البصر ثم يبعد عنه حتى ينتهي إلى الحد الذي يخفى عن البصر فإن بين البعد الذي يخفى منه ذلك المبصر وبين سطح البصر أبعاداً كثيرة مختلفة لا تنحصر ولا تتعين يدرك البصر من كل واحد منها ذلك المبصر إدراكاً صحيحاً ويدرك جميع أجزائه ويدرك جميع ما فيه من المعاني التي يصح أن يدركها البصر وإذا أدرك البصر المبصر على بعد من هذه الأبعاد إدراكاً صحيحاً ثم تباعد عنه على تدريج وترتيب خفيت أجزاءه الصغار والمعاني اللطيفة إن كانت فيه كالنقوش والوشوم والغضون والنقط قبل أن تخفى جملته ويخفى ما صغر من هذه المعاني ودق قبل أن يخفى ما هو اعظم وأغلظ.

وتوجد الأبعاد التي تخفى منها الأجزاء الصغار وتلتبس المعاني اللطيفة وتشتبه كثيرة غير معنية ولا محصورة. ويوجد أيضاً المبصر إذا تمادى في التباعد على التدريج والترتيب تصاغرت جملته عند البصر قبل أن يخفى جميعه على البصر ولا يحس به ولا بشيء منه وإن ازداد بعد ذلك تباعداً لم يدركه البصر. ويوجد أيضاً المبصر إذا قرب من البصر قرباً شديداً وقبل أن يلتصق بسطح البصر فإنه تعظم جثته عند البصر وتشتبه صورته وتلتبس المعاني اللطيفة التي تكون فيه فلا يمكن البصر تمييزها وتحققها. وكلما قرب من سطح البصر بعد هذه الحال قرباً أكثر كان التباسه أشد حتى إذا التصق بسطح البصر بطل إحساس البصر به ولم يدرك منه إلا ستره فقط.

وإذا كان جميع ذلك كذلك فالبعد إذن الذي منه يدرك البصر المبصر إدراكاً صحيحاً ليس هو بعداً واحداً معيناً والبعد الذي تشتبه منه صورة المبصر وتخفى أجزاؤه الصغار وتخفى المعاني اللطيفة التي تكون فيه وتشتبه وتلتبس ليس هو بعداً واحداً معيناً. فلنسم جميع البعاد التي يدرك منها البصر المبصر ويدرك جميع أجزائه ويدرك جميع ما فيه من المعاني التي يصح أن يدركها البصر ويكون إدراكه له وللمعاني التي فيه إدراكاً لا يكون بينه وبين حقيقة المبصر وبين حقيقة المعاني التي فيه تفاوت محسوس بالإضافة إلى حقيقته ولا تخالف صورته التي تحصل في الحس صورته الحقيقية خلافاً يمكن أن يظهر فيه تفاوت محسوس عند التأمل أبعاداً معتدلة وإن كانت كثيرة وذات عرض.

ولنسم الأبعاد التي يخفى منها المبصر والأبعاد التي تخفى منها أجزاء المبصر التي لها نسبة محسوسة إلى جملة المبصر والأبعاد التي تخفى منها المعاني اللطيفة التي تكون في المبصر التي قد تظهر من الأبعاد المعتدلة والأبعاد أيضاً التي تلتبس منها هذه المعاني وتشتبه الأبعاد الخارجة عن الاعتدال ما كان منها مسرفاً في البعد عن وإذ قد تبين أن البصر ليس يدرك شيئاً من المبصرات إلا إذا كان فيه ضوء ما من ذاته وإما من غيره وكان كثير من الأجسام المبصرة قد يظهر ضوؤها على الأجسام المقابلة لها ويظهر ضوؤها على البصر عند إدراك البصر لها فقد وجب أن نبحث عن خواص الأضواء وعن كيفية إشراق الأضواء ونبحث أيضاً عما يعرض بين البصر والضوء ثم نجمع بين ذلك وبين ما يخص البصر ونتلطف في القياس ونتوصل إلى النتيجة 
كتاب المناظر/المقالة الأولى/الفصل الثالث 
كتاب المناظر لابن الهيثم
وعن كيفية إشراق الأضواء نجد كل جسم مضيء من ذاته فإن ضوءه شرق على كل جسم مقابل له إذا لم يكن بينهما جسم كثيف غير مشف يستر أحدهما عن الأخر. وذلك أن الشمس إذا كانت مقابلة لجسم من الأجسام الأرضية ولم يستره عنها ساتر فإن ضوءها يشرق على ذلك الجسم ويظهر للبصر ويشرق ضوءها في الوقت الواحد على كل موضع يقابلها في ذلك الوقت من جميع نواحي الأرض. وكذلك القمر.

وكذلك النار إذا كانت مقابلة لجسم من الأجسام الكثيفة ولم يكن بينهما ساتر كثيف ولم يكن البعد الذي بينهما متفاوتاً فإن ضوء النار يشرق على ذلك الجسم وتظهر صورته للبصر ويوجد ضوء الجذوة من النار في الوقت الواحد يشرق على جميع الأجسام التي حول تلك النار من جميع جهاتها وعلى جميع ما يكون فوقها وتحتها من الأجسام الكثيفة إذا لم يسترها عنها ساتر ولم تكن أبعادها متفاوتة صغرت الجذوة من النار أو عظمت إذا كان ضوؤها يظهر للحس على ما يقابلها من الأجسام الكثيفة. ونجد إشراق جميع الأضواء إنما يكون على سموت خطوط مستقيمة ولا يشرق الضوء من جسم من الجسام المضيئة إلا على السموت المستقيمة فقط إذا كان الهواء أو الجسم المشف الذي بين الجسم المضيء وبين الجسم الذي يظهر عليه الضوء متصلاً متشابه الشفيف.

وإذا اعتبرت هذه الحال أبداً وجدت مطردة لا تختلف ولا تتغير وذلك يظهر للحس ظهوراً بيناً إذا تفقدت الأضواء التي تدخل من الثقب والخروق والأبواب إلى البيوت المغدرة. أما ضوء الشمس فإنه إذا دخل من ثقب إلى بيت مظلم وكان الهواء الذي في البيت كدراً بغبار أو دخان فإن الضوء يظهر ممتداً على استقامة من الثقب الذي يدخل منه الضوء إلى الموضع الذي ينتهي إليه ذلك الضوء من أرض البيت أو جدرانه. فإن كان الهواء الذي في البيت صافياً نقياً ولم يظهر فيه امتداد الضوء وأراد معتبر أن يعتبر المسافة التي يمتد فيها الضوء فإنه إذا اخذ جسماً كثيفاً وتحرى المسافة المستقيمة التي بين الثقب وبين الموضع الذي فيه الضوء من ارض البيت أو جدرانه فقطعها بالجسم الكثيف وجد الضوء يظهر على ذلك الجسم الكثيف ويبطل من الموضع الذي كان يظهر فيه من أرض البيت أو جدرانه.

فإذا تعمد أي موضع شاء من المسافة المستقيمة التي بين الثقب وبين الموضع الذي يظهر عليه الضوء فقطعها بالجسم الكثيف فإن الضوء يظهر على ذلك الجسم الكثيف ويبطل من الموضع الذي كان يظهر فيه. واستقامة هذه المسافة يمكن أن تعتبر بعود مستقيم. فتدل هذه الحال على أن الضوء الذي دخل من الثقب ممتد على سمت المسافة المستقيمة التي بين الثقب وبين الموضع الذي انتهى إليه الضوء.

وإذا اعتبر المعتبر أي مسافة شاء من المسافات المنعرجة والمنحنية والمقوسة التي بين الثقب وبين الموضع الذي يظهر فيه الضوء فقطعها بالجسم لم يظهر فيها شيء من ذلك الضوء. وكذلك الثقوب الدقاق التي تكون في الأجسام الكثيفة إذا أشرق عليها ضوء الشمس فإن الضوء ينفذ من تلك الثقوب الدقاق ويمتد على سموت مستقيمة.

وإذا اعتبرت المسافة المستقيمة التي بين الثقب الدقيق وبين الموضع الذي يظهر فيه الضوء النافذ من ذلك الثقب وجد الضوء ممتداً في تلك المسافة المستقيمة وإن كان الثقب في غاية الدقة. وإن اعتمد معتمد جسماً كثيفاً فثقب فيه ثقباً دقيقاً وقابل به جرم الشمس وجد الضوء ينفذ فيه ويمتد على سمت مستقيم. وإن اعتبر المسافة التي يمتد عليها الضوء الذي بهذه الصفة وقاسها بمسطرة وجدها في غاية الاستقامة. فيتبين من جميع ذلك أن ضوء الشمس ليس يمتد إلا على المسافات المستقيمة.

وكذلك ضوء القمر إذا اعتبر وجد على هذه الصفة. وكذلك ضوء الكواكب: فإن الكواكب الكبار كالزهرة والمشتري إذا كان في قربه الأقرب والمريخ أيضاً إذا كان في قربه الأقرب وكالشعرى فإن الكوكب من هذه الكواكب إذا كان مقابلاً لثقب يفضي إلى بيت مظلم في ليل غير مقمر فإن ضوءه يظهر في ذلك البيت ويوجد مقابلاً للثقب. وإذا جعل الناظر بصره عند ذلك الضوء ونظر إلى الثقب رأى الكوكب في تلك الحال مقابلاً له. فإذا راعى الكوكب زماناً مقتدراً حتى يتحرك الكوكب مسافة محسوسة وجد ضوءه الذي في البيت قد انتقل عن موضعه وصار في مقابلة الكوكب على السمت المستقيم.

وكلما تحرك الكوكب تحرك ذلك الضوء ويوجد أبداً الضوء والثقب والكوكب على سمت الاستقامة. ثم إذا اعتبر المعتبر ضوء الكوكب الذي يظهر في الموضع المقابل للثقب على الوجه الذي قدمناه بجسم كثيف فقطع المسافة المستقيمة التي بين الموضع الذي يظهر فيه الضوء وبين الثقب الذي يدخل منه الضوء في أي المواضع شاء منها ظهر الضوء على الجسم الكثيف وبطل من الموضع الذي كان يظهر فيه.

وكذلك النار إذا كانت مقابلة لبيت يفضي إلى بيت مظلم ظهر ضوء النار في البيت مقابلاً للثقب وإن اعتبرت المسافة المستقيمة التي بين الضوء وبين الثقب على الوجه الذي ذكرناه وجد ضوء النار يمر بكل موضع منها. وقد يمكن أن يقاس ضوء النار بعود مستقيم أيضاً إذا كانت المسافة التي ين النار وبين الثقب قريبة وكانت المسافة التي بين الثقب وبين الموضع الذي يظهر فيه الضوء أيضاً قريبة. فإنه إذا دوخل عمود مستقيم في الثقب الذي دخل منه ضوء النار وجعل طرفه عند الضوء الظاهر وجد الطرف الآخر عند النار أو مسامتاً لها على استقامة وتوجد النار والثقب والضوء الظاهر في البيت الداخل من الثقب أبداً على خط مستقيم.

وقد يظهر هذا المعنى أيضاً في جميع الأضواء من الظلال. فإن الأشخاص المنتصبة الكثيفة إذا أشرق عليها الضوء وظهرت أظلالها على الأرض وعلى ما يقابلها من الأجسام الكثيفة توجد الأظلال أبداً ممتدة على استقامة وتوجد المواضع التي استظلت هي المواضع التي قطعت الأشخاص المظلة المسافات المستقيمة التي بينها وبين الجرم المضيء الذي انقطع ضوئه عن تلك المواضع. فيظهر مما ذكرناه أن إشراق الأضواء من الأجسام المضيئة من ذواتها إنما يكون على سموت خطوط مستقيمة فقط.

وأيضاً فإننا نجد كل جسم مضيء من ذاته فإن الضوء يشرق من كل جزء منه ونجد الضوء الذي يشرق من جميع الجسم المضيء أقوى من الضوء الذي يشرق من بعضه ونجد الضوء الذي يشرق من جزء أعظم يكون أقوى وأبين من الضوء الذي يشرق من جزء أصغر. أما الشمس فإنها أول طلوعها من الأفق إما يطلع منها أولاً جزء يسير من محيطها ومع ذلك فإن ضوء ذلك الجزء يشرق على كل ما يقابله من الجدران والأشخاص ووجه الأرض ومركز الشمس في تلك الحال مستتر تحت الأفق وغير ظاهر لما على وجه الأرض. ثم كلما زاد الجزء الظاهر زاد الضوء وقوي إلى أن يرتفع مركز الشمس ولا يزال الضوء يتزايد إلى أن يظهر جميع جرم الشمس.

وكذلك إذا غربت الشمس: فإنه ما دام جزء منها ظاهراً فوق الأفق فإن ضوء ذلك الجزء من الشمس يكون مشرفاً على وجه الأرض مع خفاء مركز الشمس وأكثر جرم الشمس عن المواضع التي يشرق عليها ضوء ذلك الجزء من الشمس. وفي هذه الحال أعني إشراق الضوء من محيط جرم الشمس وهي في جميع الآفاق. ومع ذلك فإن الجزء الذي هو أقل جزء يطلع من الشمس في أفق ممن الآفاق هو غير الجزء الذي هو أول جزء يطلع من الشمس في أفق غير ذلك الأفق من أجل حركة الشمس التي تخصها. فالآفاق المختلفة تكون الأجزاء من الشمس التي تطلع فيها في أول طلوع الشمس مختلفة وخاصة في الأيام المختلفة.

وكذلك الأجزاء التي هي آخر ما يغرب من الشمس. وبالجملة فإن كل موضع من الأرض يظهر فيه جزء الشمس من محيطها ومن غير المحيط فإن الضوء يشرق من ذلك الجزء على ذلك الموضع. فمن هذا الاعتبار يتبين أن كل جزء من جرم الشمس يشرق منه ضوء على كل جسم يقابل ذلك الجزء مع استتار مركز الشمس وبقية جرم الشمس عن ذلك وأيضاً فإن الشمس إذا انكسفت ولم يستغرق الكسوف جميعها وبقي منها جزء ظاهر فإن الضوء يشرق من الجزء الظاهر الباقي على كل موضع يقابله في وقت الكسوف من الأرض. فإن روعيت الشمس في وقت كسوف يستغرق معظمها ويتجاوز مركزها فإنه يوجد الجزء المنكسف يعظم والجزء الباقي يتصاغر. ومع ذلك فأي مقدار بقي منها فإن الضوء يشرق منه على وجه الأرض ويظهر الضوء على كل موضع مقابل لذلك الجزء وعلى كل موضع مقابل لبعض ذلك الجزء أيضاً. وإن اعتبر ضوء الشمس في وقت الكسوف وجد إشراقه أبداً على سموت مستقيمة كمثل إشراق ضوئها قبل الكسوف ويوجد ضوء الشمس الذي يظهر على الأرض في وقت الكسوف أضعف من ضوئها قبل الكسوف وكلما عظم الجزء المنكسف وصغر الجزء الباقي ضعف الضوء الذي يظهر على الأرض. والجزء الذي يبقى من الشمس في وقت الكسوف إذا استغرق الكسوف معظمها إنما هو جزء من محيطها. وجميع محيط الشمس متشابه الحال. فيتبين من هذا الاعتبار أن ضوء الشمس يخرج من جميع جرم الشمس ومن كل موضع من الشمس لا من موضع مخصوص.

ويتبين أيضاً من هذا الاعتبار أن السموت المستقيمة التي عليها يمتد ضوء الشمس ليس جميعها ممتداً من مركز الشمس بل كل جزء من جرم الشمس يخرج الضوء منه على كل سمت مستقيم يصح أن يتوهم ممتداً من ذلك الجزء. وذلك أن الكسوف إذا استغرق معظم الشمس بالقياس إلى موضع من الأرض فإن مركز الشمس في ذلك الوقت مستتر عن ذلك الموضع فتنقطع الخطوط المستقيمة التي بين مركز الشمس وبين ذلك الموضع. ومع هذه الحال فإن الضوء يشرق من بقية الشمس على ذلك الموضع. فلو كان ضوء الشمس ليس يخرج إلا على السموت المستقيمة الممتدة على المركز لما كان يظهر الضوء في وقت الكسوف على المواضع من الأرض التي يستتر عنها المركز.

وأيضاً فإن المواضع من الأرض التي تكون الشمس في وقت الكسوف مائلة عن سمت الرؤوس أهلها إلى جهة الجزء الباقي الظاهر فإن الضوء الذي يشرق على هذه المواضع في هذه الحال من الجزء الباقي من الشمس إنما يكون إشراقه إلى الجهة التي فيها مركز الشمس وعلى الخطوط المستقيمة التي لا يصح أن تمر بمركز الشمس ويشرق الضوء مع ذلك في هذا الوقت على كل موضع يظهر فيه جزء من جرم الشمس ولا يستغرق الكسوف بالقياس إليه جميع جرم الشمس. فليس إشراق ضوء الشمس على السموت المستقيمة الممتدة من مركز الشمس فقط بل على جميع السموت التي يصح أن تمتد من كل جزء منها على الاستقامة. وأيضاً فإن ضوء الشمس الذي ينفذ من الثقوب يوجد أبداً منخرطاً وكلما بعد الضوء عن الثقب اتسع. ويظهر ذلك ظهوراً بيناً في الثقوب الدقاق. فإن الثقب الدقيق إذا نفذ فيه ضوء الشمس وظهر الضوء على موضع متباعد عن الثقب فإن الضوء الذي بهذه الصفة يوجد منخرطاً ويكون الموضع الذي يظهر فيه الضوء أوسع من الثقب أضعافاً متضاعفة. وكلما كانت المسافة التي بين الثقب وبين الموضع الذي يظهر عليه الضوء أبعد كان الضوء أوسع. وإن قطعت المسافة المستقيمة التي بين الثقب وبين الضوء الظاهر بجسم كثيف وجد الضوء على ذلك الجسم الكثيف ويوجد الضوء الذي يظهر على الجسم الكثيف أضيق من الضوء الذي ظهر في الموضع الأول. وكلما قرب هذا الجسم من الثقب وجد الضوء الذي يظهر عليه أضيق. وكلما بوعد هذا الجسم عن الثقب وجد الضوء الذي يظهر عليه أوسع. فيتبين من انخراط الضوء الذي يخرج من الثقوب الدقاق أن ضوء الشمس يمتد من كل جزء منها لا من جزء مخصوص.

ويتبين منه أيضاً أن الضوء يمتد على خطوط مستقيمة فقط. وذلك أنه لو كان الضوء يمتد من مركز الشمس أو من نقطة مخصوصة منها لكان الضوء الذي يمتد من تلك النقطة وعلى الخطوط التي تخرج من تلك النقطة إلى الثقب الضيق إذا نفذ من الثقب انخرط انخراطاً غير محسوس لأن انخراطه كان يكون بحسب ما يقتضيه قطر الثقب وبحسب بعد الشمس عن الثقب وبعدها عن الموضع الذي يظهر عليه الضوء. ولا فرق بين هذين البعدين في الحس بالإضافة إلى بعد الشمس بالقياس إلى الحس. فكان يكون الضوء الذي يخرج من الثقب الدقيق إذا ظهر على وجه الأرض أو على موضع من المواضع مساوياً لمقدار الثقب وخاصة إذا كان الثقب أسطوانياً ولكان الثقب الأسطواني الضيق إذا نفذ منه ضوء الشمس ثم غير تغييراً يسيراً حتى يصير الخط المستقيم الممتد في طوله إلى جرم الشمس لا يلقي تلك النقطة من الشمس كان يبطل الضوء الذي ينفذ من الثقب ولا ينفذ في الثقب شيء من الضوء. ولو كان الضوء يمتد على غير السموت المستقيمة لكان إذا نفذ من الثقوب الدقاق امتد على غير السموت المستقيمة.

فانخراط الضوء النافذ من الثقوب الدقاق دليل ظاهر على الضوء يخرج من جميع جرم الشمس إلى الثقب وأن خروجه على خطوط مستقيمة فلذلك إذا نفذ م الثقب انخرط واتسع وكان انخراطه على خطوط مستقيمة لأن الضوء إذا خرج من جميع جرم الشمس إلى الثقب الضيق كان منخرطاً فإذا نفذ في الثقب وامتد حدث منه مخروط آخر مقابل للمخروط الأول لأن الضوء يخرج على خطوط مستقيمة. فيتبين من جميع ما شرحناه أن ضوء الشمس يشرق من كل جزء من جرم الشمس في كل جهة تقابل ذلك الجزء على استقامة.

فأما القمر فإن حاله أظهر. وذلك أن الهلال في الليلة الثانية من الشهر وما يليها قد يظهر ضوؤه على وجه الأرض وخاصة إذا كان مقابلاً لموضع مظلم فإن ضوؤه يظهر في الموضع المظلم ويوجد مع ذلك ناقصاً ضعيفاً ثم يزيد ضوؤه في كل ليلة مع زيادة مقداره إلى أن يمتلئ ويوجد ضوؤه عند امتلائه أقوى من جميع أضوائه في ليالي نقصانه. وأيضاً فإن القمر يوجد حاله في الطلوع والغروب في أوقات امتلائه كمثل حال الشمس وكذلك حاله في الكسوف إذا تجاوز الكسوف مركزه ولم يستغرق جميعه. وإذا اعتبر ضوء القمر النافذ من الثقوب الدقاق أيضاً في أوقات امتلائه جد منخرطاً وكلما بعد عن الثقب اتسع. فيتبين من انخراط الضوء أن ضوء القمر يشرق من كل جزء من أجزاء القمر لا من جزء منه مخصوص وان امتداد ضوء القمر إنما هو على السموت المستقيمة فقط.

وكذلك النار أيضاً يوجد فيها هذا المعنى بعينه. وذلك أن النار إذا بعضت بأن يبعض موضوعها الحامل لها فإن كل جزء منها يشرق منه ضوء ويوجد ضوء كل جزء منها اضعف من ضوء جملتها ويوجد ضوء ما صغر من أجزائها أضعف من ضوء ما عظم من أجزائها. وقد يمكن أن تعتبر أجزاء النار من غير أن تبعض أيضاً. فإذا أراد المعتبر أن يعتبر ذلك فليتخذ صفيحة من نحاس وليكن فيها سعة وليثقب فيها ثقباً مقتداً مستديراً ثم يداخل في هذا الثقب أنبوباً أسطوانياً صحيح الاستقامة معتدل الاستدارة ذا طول مقتدر ولتكن سعة الثقب بمقدار سعة الأنبوب وليكن ثقب الأنبوب ليس بأغلظ من غلظ الميل. ويداخل الأنبوب في ثقب الصفيحة حتى يستوي طرفه مع سطح الصفيحة ولتثبت هذه الصفيحة على جسم مرتفع عن الأرض ولتكن قائمة على حرفها ثم يقدم إلى هذه الصفيحة في ظلمة الليل نار وليكن سراجاً ذا فتيلة غليظة نيرة فيقابل بها الثقب وتقرب النار من الثقب إلى أن تصير في غاية القرب منه ولا يبقى بينها وبين الثقب مسافة لها قدر فستظل الجهة التي فيها الأنبوب بظل الصفيحة ولا يترك في الموضع ضوء سوى النار التي تعتبر وليكن ذلك في موضع لا تخترقه الريح ثم يقابل طرف الأنبوب بجسم كثيف: فإن ضوء النار يظهر على ذلك الجسم.

وليس هناك ضوء إلا الضوء الذي ينفذ في الأنبوب وليس ينفذ في الأنبوب ضوء إلا ضوء الجزء من النار المقابل لثقب الأنبوب المساوي مساحته لمساحة ثقب الأنبوب فقط إذا كان الضوء ليس يخرج إلا على خطوط مستقيمة وليس بين الضوء الذي يظهر على الجسم المقابل لطرف الأنبوب وبين شيء من أجزاء النار خطوط مستقيمة لا يقطعها جسم كثيف إلا الجزء المقابل لطرف الأنبوب فقط لأن الخطوط المستقيمة التي بينه وبين الضوء الظاهر تمتد في داخل الأنبوب ولا يقطعها شيء من الأجسام الكثيفة. فأما الأجزاء الباقية من جرم النار فإن الضوء يخرج منها إلى الطرف الذي يليها فقط من ثقب الأنبوب. فإن دخل منها شيء في طرف الأنبوب فإنه ينقطع بحائط الأنبوب فيبطل ولا ينفذ في طول ثقب الأنبوب وليس ينفذ في ثقب الأنبوب في تلك الحال إلا ضوء الجزء ثم يحرك المعتبر النار رفيقاً حتى يقابل الثقب جزءاً من النار غير ذلك الجزء ويتأمل الجسم المقابل لطرف الأنبوب الذي كان يظهر عليه الضوء. فإنه يجد الضوء أيضاً يظهر على ذلك الجسم. ثم إذا حرك جرم النار في جميع الجهات ورفعه وحطه حتى يقابل الثقب جزءاً من النار غير ذلك الجزء ويتأمل الجسم المقابل لطرف الأنبوب الذي كان يظهر عليه الضوء: فإنه يجد الضوء أيضاً يظهر على ذلك الجسم. ثم إذا حرك جرم النار في جميع الجهات ورفعه وحطه حتى يقابل الثقب كل جزء من النار جزءاً بعد جزء وجد الضوء في جميع الأحوال يظهر على الجسم المقابل للأنبوب ويجد هذا الضوء أضعف من ضوء جملة النار الذي يظهر على الأجسام المنكشفة لجميع جرم النار التي بعدها عن النار كبعد الموضع الذي يظهر فيه الضوء النافذ من الأنبوب عن النار. وإن ضيق المعتبر الثقب بأن يداخل في الأنبوب جسماً دقيقاً مستقيماً يسد بعضه والصقه بسطح داخل الأنبوب واعتبر الضوء الذي يخرج من بقية الأنبوب فإنه يجد الضوء أيضاً يظهر على الجسم المقابل للأنبوب ما لم يكن الجزء الذي يبقى من الأنبوب في غاية الضيق ويجد الضوء الذي يظهر عند تضيق الأنبوب أصغر ومع ذلك أخفى وأضعف من الضوء الأول. فيظهر من هذا الاعتبار أن كل جزء من النار يشرق منه ضوء وأن ضوء جميع الجذوة من النار أقوى من ضوء الجزء منها.

وأن ضوء الجزء الأعظم أقوى من ضوء الجزء وأيضاً فإن أثبت المعتبر النار عند ثقب الصفيحة حتى لا ينتقل ولا يتغير الجزء منها المقابل للثقب ثم ميل الأنبوب حتى يصير وضعه مائلاً على سطح الصفيحة وطرفه مع ذلك عند الثقب وسد خللاً إن انكشف من طرف الأنبوب ومن ثقب الصفيحة مما يلي باطن الصفيحة وقابل الأنبوب بالجسم الكثيف فإنه يجد الضوء يظهر على الجسم الكثيف. وإن غير وضع الأنبوب وميله إلى غير تلك الجهة وقابله بالجسم الكثيف الذي يظهر عليه الضوء وجد الضوء يظهر عليه أيضاً. وإن ميل الأنبوب إلى جميع الجهات وجد الضوء يمتد من ذلك الجزء من النار إلى جميع الجهات التي تقابله على الاستقامة. ثم عن حرك النار حتى يقابل الثقب جزءاً منها غير ذلك الجزء واعتبر هذا الجزء أيضاً بالوضاع المائلة كما اعتبر الجزء الأول وجد الضوء يمتد منه أيضاً في جميع الجهات التي تقابله. وكذلك إن اعتبر كل جزء من النار وجده على هذه الصفة. فيظهر من هذا الاعتبار أن الضوء يشرق من كل جزء من النار في كل جهة تقابل ذلك الجزء على سمت الاستقامة. ويتبين من جميع ما ذكرناه أن كل جسم مضيء من ذاته فإن الضوء يشرق من كل جزء منه على كل سمت مستقيم يمتد من ذلك الجزء. وإذا كانت هذه الحال تظهر في الأجزاء من الأجسام المضيئة من ذواتها فإن الأجزاء الصغار أيضاً منها وإن كانت في غاية الصغر ما دامت حافظة لصورتها فإنها أيضاً مضيئة والضوء يشرق منها على الصفة التي تشرق من الأجزاء الكبار وإن خفيت أحوال الأجزاء الصغار عن الحس إذ هذه الحال في الأجسام المضيئة من ذواتها طبيعية وخاصة لازمة لذواتها وطبيعة صغار الأجزاء وكبارها طبيعة واحدة ما دامت حافظة لصورتها فالخاصة التي تخص طبيعتها تكون في كل جزء منها صغر أم كبر ما دام على طبيعته وحافظاً لصورته.

وأيضاً فإن الشمس والقمر والأجرام السماوية ليست أجزاء مجتمعة بل كل واحد منها جسم واحد متصل وطبيعته واحدة وليس فيها اختلاف وليس موضع منها مخالف الطبيعة لموضع آخر. وكذلك النار ليست أجزاء مجتمعة بل جسم متصل وكل موضع منها شبيه الطبيعة بالمواضع الباقية وطبيعة ما صغر من أجزائها شبيه بطبيعة كبار الأجزاء ما دام الجزء الصغير حافظاً لصورة النار. فقد تبين من جميع ما استقريناه وشرحناه وبينا طرق اعتباره أن إشراق الضوء من كل جسم مضيء من ذاته إنما هو على سموت خطوط مستقيمة وان الضوء يشرق من كل جسم مضيء من ذاته في جميع الجهات التي بينه وبينها خطوط مستقيمة لا يقطعها شيء من الأجسام الكثيفة وان كل جزء من أجزاء الجسم المضيء من ذاته يشرق الضوء منه على هذه الصفة وان الضوء الذي يشرق على موضع من المواضع من جميع الجرم المضيء يكون أقوى من الضوء الذي يشرق على ذلك الموضع من ذلك البعد من بعض ذلك الجرم وان الضوء الذي يشرق من جزء اعظم يكون أقوى من الضوء الذي يشرق من جزء أصغر وان الأجزاء الصغار من الجرم المضيء يلزم فيها أيضاً هذه الحال.

وإن تعذر اعتبارها على انفرادها وخفي ضوؤها منفرداً عن الحس فإن ذلك إنما هو لقصور الحس عن إدراك ما هو في غاية الضعف. وإذا كان جميع ذلك كذلك فالضوء إذن الذي يشرق من الجرم المضيء من ذاته في الهواء المشف إنما يشرق من كل جزء مقابل لذلك الهواء من الجرم المضيء ويكون الضوء في الهواء المضيء متصلاً ملتئماً وتكون كل نقطة من الجرم المضيء يخرج الضوء منها على كل خط مستقيم يصح أن يتوهم ممتداً من تلك النقطة في ذلك الهواء. فعلى هذه الصفة يكون إشراق الأضواء من الأجسام المضيئة من ذواتها في الهواء المشف المتشابه الشفيف.

فلنسم الأضواء التي تشرق من الأجسام المضيئة من ذواتها الأضواء الأول. وأيضاً فإنا نجد الأرض مضيئة في أول النهار وآخره قبل طلوع الشمس وبعد غروبها وليس شيء من المواضيع المضيئة في هذين الوقتين مقابلاً لجرم الشمس ولا لشيء منها وليس لضوء النهار علة غير الشمس إذ ليس يزيد في النهار ضوء لم يكن في الليل إلا ضوء الشمس فقط. وأيضاً فإن الشمس إذا طلعت وصارت فوق الأرض فإنا نجد المساكن وأفنية الدار التي هي مستترة عن الشمس بالحيطان والسقوف مضيئة مع ذلك وليست مقابلة للشمس ولا لشيء منها. وكذلك أظلال الجبال والأجسام الكثيفة وجميع الأظلال توجد مضيئة بالنهار مع استتارها عن جرم الشمس بالأجسام الكثيفة التي هي أظلال لها. ونجد أيضاً كثيراً من المساكن المستترة عن السماء مضيئة قبل طلوع الشمس وبعد غروبها مع استتار الشمس ومع استتار هذه المواضع عن السماء.

فلنبحث الآن عن كيفية هذه الأضواء بالاستقراء والاعتبار من أحوالها وخواصها. فنقول: إننا نجد ضوء المصباح يبتدئ من أجزاء الليل وقد بقي قطعة من الليل فيمتد من أفق المشرق ذاهباً نحو وسط السماء كالعمود المستقيم ويوجد ضعيفاً خفياً ويوجد مع ذلك وجه الأرض مظلماً بظلمة الليل. ثم يقوى هذا الضوء ويزيد مقداره في العرض والطول ويقوى نوره والأرض مع ذلك مظلمة. ثم لا يزال يتزايد مقداره ويقوى نوره فيضيء حينئذ وجه الأرض المقابل لذلك الضوء المنكشف له بضوء ضعيف دوم الضوء الذي يظهر في الجو في ذلك الوقت. ثم لا يزال الضوء الذي في الجو يقوى وينبسط إلى أن يملئ أفق المشرق ويبلغ إلى وسط السماء ويمتلئ الجو ضوءاً وحينئذ يقوى الضوء الذي على وجه الأرض ويصير نهاراً واضحاً والشمس مع ذلك تحت الأفق وغير ظاهرة. ثم تطلع الشمس بعد هذه الحال فيزداد النهار وضوحاً.

وكذلك نجد الضوء في آخر النهار وبعد أن تغرب الشمس وتخفى تحت الأفق: يكون وجه الأرض مضيئاَ بضوء واضح والجو مع ذلك مضيء بضوء قوي. ثم لا يزال ضوء الجو يضعف ووجه الأرض يتناقص ضوؤه إلى أن يجن الليل. ثم إنا نجد أيضاً ضوء الشمس إذا أشرق على بعض الجدران وكان مقابلاً ذلك الجدار وبالقرب منه مكان مظلم فإن ذلك المكان يضيء بعد أن كان مظلماً. وإذا كان لذلك المكان المظلم باب وكان مقابل الباب في داخل ذلك المكان جدار فإن الجدار المقابل للباب ولضوء الشمس المشرق على الجدار الخارج وما واجه الباب وضوء الشمس من أرض البيت إنما يكون أشد إضاءة من بقية البيت. ثم إذا زالت الشمس وزال ضوؤها المشرق على ذلك الجدار عاد الموضع مظلماً. وكذلك نجد النهار وضوء القمر وضوء النار إذا أشرق على الجدار وكان مقابل ذلك الجدار موقع مظلم فإنه يضيء بذلك الضوء وإذا بطل ذلك الضوء عاد الموضع مظلماً. وكذلك نجد كل موضع مضيء بضوء قوي أي ضوء كان إذا كان مقابلاً له مكان مظلم وكان قريباً منه وكان بينهما منفذ فإن الموضع يضيء بالضوء المقابل له. وقد يمكن أن تعتبر هذه الحال في جميع الأوقات. فإذا شاء المعتبر أن يعتبر بيتاً مظلماً وليكن مقابل باب البيت وقريباً منه حائط يشرق عليه ضوء الشمس ولا يكون باب البيت منكشفاً للسماء وذلك بأن يكون الحائط المقابل للباب يصل إليه الضوء من ثقب أو من باب في حائط البيت المظلم من أعلاه إذا كان حائط البيت أرفع من سقف البيت ويكون الفضاء الذي بين الحائطين أعني الحائط الذي فيه باب البيت والحائط المقابل له مسقفاً من فوق الثقب أو مظللاً بجسم كثيف ويكون البيت مما يلي لمشرق. ويراعي المعتبر الموضع إلى أن يشرق ضوء الصباح على ذلك الحائط من الثقب المقابل له وليكن الثقب مقتدر السعة: فإنه يد البيت المظلم قد أضاء بذلك الضوء ويجد الضوء الذي في البيت أضعف من الضوء الذي على ذلك الحائط. ثم كلما قوي الضوء الذي على الحائط قوي الضوء الذي في البيت. ثم إذا أشرق ضوء الشمس على ذلك الحائط اشتد الضوء الذي في البيت وقوي. ويجد الموضع من البيت المقابل للباب وللحائط المضيء أشد إضاءة من بقية البيت. ثم إذا زالت الشمس عن ذلك الحائط ضعف الضوء الذي في البيت. وإذا كان في البيت بيت آخر مظلم وكان بابه منكشفاً للجدار المقابل لباب الأول فإن الضوء إذا أشرق على الحائط الخارج فظهر على الجدار الذي في داخل البيت المقابل للباب وكان باب البيت الثاني مفتوحاً منكشفاً لهذا الجدار فإنه يجد البيت الثاني أيضاً مضيئاً بضوء ذلك الجدار وخاصة إذا كان الحائط الخارج الذي يشرق عليه الضوء أبيض نقي البياض ويجد ما كان من البيت الثاني مواجهاً لذلك الجدار وقريباً منه أشد إضاءة من بقية البيت. وإن كان الجدار الذي في داخل البيت الأول الذي يشرق عليه الضوء أبيض فإن الضوء الذي يظهر في البيت الثاني يكون أبين. وكذلك إن اعتبر ضوء القمر وضوء النهار على هذه الصفة يوجد الموضع المظلم يضيء بضوء كل واحد منهما إذا كان مقابلاً له.

فيتبين من هذا الاعتبار أن كل جسم يشرق عليه ضوء فإن الضوء الذي يحصل عليه يشرق منه ضوء على كل جهة تقابله. وإذا كان ذلك كذلك فالضوء الذي يظهر على وجه الأرض في أول النهار قبل طلوع الشمس وفي آخره بعد غروبها إنما هو ضوء يرد إليها من الضوء الذي يظهر في الجو المقابل لها. فيكون الجو قبل طلوع الشمس لأنه مقابل لها وهي غير مستترة عنه في ذلك الوقت وإنما هي مستترة في تلك الحال عن وجه الأرض فقط. فيكون الضوء ممتداً من جرم الشمس في الجو المضيء على سموت مستقيمة ثم هذا الجو المضيء بضوء الشمس يشرق منه أيضاً ضوء على المواضع المقابلة له من سطح الأرض على سموت مستقيمة أيضاً وما دام يسير ضعيفاً فضوؤه الذي يشرق منه على الأرض يكون خفياً فإذا قوي واشتد قوي الضوء الذي يشرق على وجه الأرض وظهر. وكذلك ضوء العشاء يكون الجزء المقابل للشمس بعد غروبها مضيئاً بضوئها وضوؤها يمتد على السموت المستقيمة ويكون الضوء الذي يشرق من الجو المضيء على المواضع المقابلة له من وجه الأرض وما دام ضوء الجو قوياً فالأرض مضيئة والضوء فيها بين فإذا ضعف الضوء الذي في الجو ضعف الضوء الذي على وجه الأرض إلى أن يخفى ويظلم وجه الأرض. وكذلك أضواء المساكن وأفنية الجدران المستترة عن الشمس وجميع الأظلال التي توجد مضيئة بالنهار قبل طلوع الشمس وبعد طلوعها وبعد غروبها وفي سائر النهار إما هي أضواء ترد إليها من الجو المضيء المقابل لها ومن الجدران المضيئة أيضاً ومن سطح الأرض المقابل لها المضيء بضوء النهار. فعلى هذه الصفة يكون النهار وأضواء المواضع المستظلة عن الشمس وكذلك المواضع المضيئة بضوء القمر التي هي مستترة عن القمر وكذلك ضوء النار. وقد يمكن أن يعتبر هذا المعنى إشراق الأضواء عن الأضواء العرضية على السموت المستقيمة اعتباراً محرراً يقع معه اليقين.

أما ضوء الصباح فيعتبر كما أصف: يعتمد المعتبر بيتاً في داخله بيت ويكون وضعهما بين المشرق والمغرب ولا يكون للضوء إليهما سبيل إلا من الباب ويكون الحائط الشرقي من البيت منكشفاً. ويثقب في أعلى هذا الحائط ثقب كأحد الثقوب التي تكون في جدران البيوت لدخول الضوء وليكن مستديراً قطره ليس بأقل من قدم في مثله ويكون مخروطاً داخله أوسع من خارجه فيكون هذا الثقب مواجهاً للجهة الشرقية من السماء. وليثقب في الحائط المقابل للثقب المشترك للبيتين ثقبين مستديرين مقابلين للثقب الأول فيفضي هذان الثقبان إلى البيت الغربي وليكن هذان الثقبان أقرب إلى الأرض من الثقب الأول وبحيث إذا نظر الناظر في كل واحد منهما رأى السماء من الثقب الأول الأعلى وليكن كل واحد من هذين الثقبين مساوياً للثقب الأول وشبيهاً به. وليتحر في هذين الثقبين أن يكون امتداد كل واحد منهما في سمك الحائط على استقامة الخطوط المستقيمة التي تتوهم ممتدة من النهاية الخارجة من الثقب الأول إلى النهاية المقابلة لها من الثقب الثاني. وملاك الأمر أن يكون هذا الحائط جسيماً ليكون للثقبين امتداد مقتدر في جسم الحائط حتى لا ينخرط الضوء الخارج من هذين الثقبين انخراطاً مسرفاً. وينبغي أن يكون امتداد كل واحد من هذين الثقبين في جسم الحائط امتداداً متشابهاً لا منخرطاً. ثم يمد خيط من الثقب الأول الأعلى إلى أحد الثقبين وليتحر أن يمر الخيط بنقطة من النهاية الخارجة من الثقب الأعلى والنقطة النظيرة لها من النهاية الخارجة من الثقب المقابل له. ويداخل الخيط في الثقب وليكن طرف الخيط الذي يلي الثقب الأعلى مشدوداً بمسمار من خارج الثقب. ويدخل المعتبر إلى داخل البيت الغربي ويمد الخيط إلى أن ينتهي طرفه إلى موضع من البيت إما أرضه أو بعض جدرانه ثم يمد الخيط مداً شديداً حتى يصح استقامته ووضعه. فإذا صح وضعه وامتداده واستقامته يعلم على موضع طرفه من البيت علامة فيكون هذا الموضع على استقامة المسافة المستقيمة الممتدة من الثقب الأول الأعلى إلى الثقب الأخفض المقابل له. ثم يخرج الخيط من هذا الثقب ويداخل في الثقب الآخر ويفعل به مثل ما فعل بالثقب الذي قبله ويمده حتى ينتهي إلى موضع آخر من البيت أيضاً ويتعلم على موضع نهايته فيكون هذا الموضع الثاني على استقامة المسافة المستقيمة الممتدة من الثقب الأعلى أيضاً إلى الثقب الأعلى أيضاً إلى الثقب الأخر. فإذا تعين هذان الموضعان من البيت تحرى المعتبر ليلة من الليالي السود وتكون مع ذلك مصحية. فإذا أظلم الليل دخل المعتبر إلى داخل البيت واغلق الباب ولم يترك في البيتين شيئاً من الضوء فإن الثقبين في هذه الحال يكونان مظلمين. ثم يدخل إلى البيت الغربي وينتظر من أحد الثقبين إلى أن يرى السماء من الثقب الأعلى ويتحرى ألا يكون مقابلاً للثقب شيء من الكواكب الكبار توقف إلى أن يزول الكوكب عن مقابلة الثقب.

وكذلك ينظر في الثقب الآخر إلى أن يرى السماء من الثقب الأعلى ولا يكون مقابلاً له من الآخر إلى أن يرى السماء من الثقب الأعلى ولا يكون مقابلاً له شيء من الكواكب الكبار: فإنه يرى الجو من الموضعين اللذين عينهما فيجدهما مظلمين ليس فيهما ضوء ظاهر ويجد جميع البيت مظلماً ليس فيه شيء من الضوء إلا ما لا يعتد به من ضوء السماء الذي هو في غاية الضعف. ثم ينتظر الصباح فإذا انفجر الصبح ونظر من الثقبين المتقابلين إلى أن يرى الجو مضيئاً تحرك من الموضع الذي هو فيه حتى يزول عن مقابلة الثقب ونظر إلى كل واحد من الموضعين المقابلين للثقبين اللذين كان عينهما: فإنه يجدهما مضيئين بضوء يسير بحسب قوة الضوء الذي في الجو. فإن لم يظهر في البيت ضوء توقف يسيراً من الزمان إلى أن يقوى ضوء الصباح فإذا قوي ضوء الصباح تأمل الموضعين: فإنه يجدهما مضيئين ويجد الضوء في كل واحد من الموضعين مستديراً ويجده أوسع من الثقب بحسب ما يقتضيه انخراط الضوء ولا يجد في هذه الحال في بقية البيت شيئاً من الضوء وإن وجد فيه ضوءاً فضعيف خفي بحسب ما يصح أن يصدر عن الضوء الذي يظهر في الموضعين المقابلين للثقبين. ثم إن ستر أحد الثقبين بطل الضوء من الموضع المقابل له وبقي الأخر وإن رفع الساتر عاد الضوء إلى موضعه. ثم يعتمد المعتبر المسافة المستقيمة التي بين أحد الثقبين وبين الموضع الذي يصير إليه الضوء من ذلك الثقب فيقطعها بجسم كثيف: فإنه يجد الضوء يظهر على الجسم الكثيف ويبطل من الموضع المقابل لذلك الثقب. ثم يحرك هذا الجسم على سمت المسافة المستقيمة: فإنه يجد الضوء أبداً عليه. وقد يمكن أن تحد هذه المسافة بعود مستقيم ومسطرة طويلة وتلصق المسطرة بمحيط الثقب فتتحرر بها المسافة المستقيمة. ثم إذا رفع الجسم الكثيف الساتر عاد الضوء إلى الموضع الذي كان فيه وكذلك إذا قطع المسافة المستقيمة التي بين الثقب الأول الأعلى وبين أحد الثقبين من البيت الأول فإنه يجد الضوء يظهر على الجسم الذي يقطع تلك المسافة ويبطل من البيت الثاني وإذا رفع الساتر عاد الضوء إلى موضعه.

وكذلك إذا اعتبر الضوء الذي في الثقب الآخر في البيتين جميعاً وجده على هذه الصفة. وإن ثقب في الحائط الثاني عدة ثقوب وتحرى في كل واحد منها أن يكون مقابلاً للثقب الأول على استقامة وعلى مثل ما وصفناه في الثقبين المتقدمين وجد في البيت الثاني أضواء متفرقة بعدد تلك الثقوب. ومقابلة لها كل واحد منها للثقب الأول الأعلى على استقامة. فيتبين من هذا اعتبار بياناً واضحاً بياناً أن الهواء المضيء بضوء الصباح يخرج منه ضوء إلى المواضع المقابلة وان خروجه على سموت مستقيمة وأن ضوء النهار المشرق على الأرض قبل طلوع الشمس وبعد غروبها إنما هو ضوء يشرق عليها من الجو المضيء بضوء الشمس المقابل لوجه الأرض. وإن اعتبر المعتبر الجو المضيء في سائر النهار أيضاً بهذا الوجه من الاعتبار وجد الضوء يشرق منه على سموت مستقيمة. وإذا كان الهواء المضيء يصدر منه ضوء إلى المواضع المقابلة له فإن كل جزء من أجزاء الهواء المضيء بأي ضوء كان فإنه يصدر منه ضوء إلى كل جهة مقابلة له ويكون الضوء الذي يصدر عنه أضعف من الضوء الذي فيه وتكون قوة الضوء الذي يصدر عنه بحسب قوة الضوء الذي فيه وبحسب مقدار مساحة ذلك الجزء المضيء من الهواء.

وأيضاً فإن الهواء الذي في داخل البيت الثاني والهواء الذي في البيت الأول متصلان من الثقب الأول بالهواء المضيء الخارج منه ورد الضوء إلى داخل البيت الثاني. ويصح أن يوجد في هذا الهواء مسافات كثيرة منحنية ومتعرجة بين الجو المضيء وبين البت الثاني تمر بالثقوب ولا يقطعها شيء من الأجسام الكثيفة. وكذلك إذا سد أحد الثقبين وبطل الضوء المقابل للثقب المسدود فإن بين ذلك الموضع الذي بطل منه الضوء وبين الثقب الأول والهواء الخارج هواءً متصلاً من الثقب الآخر الذي لم يسد ومسافات كثيرة غير مستقيمة. فلو كان الضوء يخرج على غير السموت المستقيمة وكان الهواء المضيء ينبسط الضوء منه في جميع ما يتصل به ن الهواء من غير السموت المستقيمة لقد كان البيت القاصي يضيء جميعه ضوءاً متشابهاً عند إضاءة الجو بضوء الصباح لاتصال الهواء فيه بالجو المضيء في الوقت الذي يدخل الضوء من الثقوب إلى البيت وفي الوقت الذي يسد أحد الثقبين أيضاً. وليس يوجد في وقت الاعتبار في داخل البيت القاصي ضوء سوى الأضواء المقابلة للثقوب التي كل واحد منها هو والثقبان المتقابلان المقابلان له اللذان في حائطي البيتين والجو الخارج المضيء على سمت مستقيم أو في المسافة الممتدة بين الثقب وبين الموضع المضيء على استقامة الثقبين المتقابلين أو ما يشرق من هذا الضوء في بقية البيت. والذي به يظهر أن الضوء اليسير الذي يشرق في بقية البيت إنما هو ضوء يصدر عن الضوء الذي في داخل البيت المقابل للثقب لا من غيره هو أنه إذا سد أحد الثقبين وقطعت المسافة المستقيمة التي بين الثقب الباقي وبين الضوء الذي نفذ منه بجسم كثيف وقرب الجسم الكثيف من الثقب وبطل الضوء من الموضع الذي كان يظهر فيه خفي ما كان يظهر في بقية البيت من الضوء اليسير الذي كان يشرق من هذا الضوء. وليس ينقطع بهذا الفعل اتصال الهواء الذي في داخل جميع البيت بالهواء الخارج المضيء إذا لم يكن الجسم الكثيف الذي قطعت به المسافة المستقيمة ملتصقاً بالثقب. فتبين من هذا الاعتبار أن الضوء ليس يخرج من الهواء المضيء إلا على سمت مستقيم فقط وأن الضوء يشرق من كل جزء من الهواء المضيء في كل جهة تقابله على السمت الاستقامة إذ الأضواء المتفرقة التي تظهر في داخل البيت القاصي تقابل من الهواء المضيء الخارج أجزاء مختلفة ولأن أجزاء الهواء أيضاً المتشابهة الضوء متشابهة الحال. فعلى هذه الصفة يمكن أن يعتبر ضوء النهار ويظهر أنه من ضوء الجو المضيء وأنه يرد من الجو على سموت مستقيمة.

وقد يمكن أن يعترض على هذا المعنى فيقال: إن جميع الهواء مقابل لجرم الشمس أبداً وفي طول الليل وإنما المحتجب عن جرم الشمس هو ظل الأرض فقط وهذا الظل هو مخروط مستدق وهو جزء يسير من جملة الهواء والذي يظهر من الجو وهو مقابل لوجه الأرض في سائر الأوقات هو نصف جميع الهواء والذي يقابل الأرض في طول الليل من الجو هو نصفه والجزء المحتجب عن الشمس في الليل هو جزء يسير من هذا النصف ومعظم الهواء الذي يظهر في طول الليل الذي هو مقابل لوجه الأرض هو مضيء بضوء الشمس فلو كان الضوء الذي يظهر في الجو عند الصباح وعند العشاء ويشرق على وجه الأرض هو المقابل للشمس المضيء بضوء الشمس لكان الضوء الذي يظهر في الجو ويشرق على وجه الأرض في طول الليل لأن الهواء المقابل لوجه الأرض في طول الليل معظمه مضيء. وليس يظهر في طول الليل شيء من الضوء في الجو أو على وجه الأرض. فليس الضوء الذي يظهر في الجو وعلى وجه الأرض عند الصباح وعند العشاء هو ضوء الهواء المقابل للشمس المضيء بضوء الشمس. فنقول في جواب هذا الاعتراض إن جميع الهواء مضيء بضوء الشمس في سائر الأوقات وليس شيء من الهواء مظلماً ومحتجباً عن الشمس إلا مخروط الظل الذي هو ظل الأرض فقط إلا أن الضوء الذي يصدر عن الهواء المضيء يكون ضعيفاً وكلما بعد في امتداده ازداد ضعفاً لأن ذلك هو خاصة الضوء فالهواء المضيء بضوء الشمس يشرق منه أبداً ضوء يمتد في جميع الجهات وينفذ في الهواء المستظل بظل الأرض إلا أنه كلما بعد هذا الضوء عن الهواء المضيء بضوء الشمس الذي منه يمتد ضعف.

وإذا كان ذلك كذلك فالجزء من ظل الأرض المماس للهواء المضيء والقريب من هذا المماس الذي هو حواشي الظل يكون الضوء الذي شرق عليه من الهواء المضيء المجاور له فيه بعض القوة فإذا بعد هذا الضوء عن حواشي الظل وانتهى إلى وسط الظل وقريباً من الوسط ضعف ضعفاً شديداً. والشمس في سائر الليل بعيدة عن محيط الأفق والموضع الذي يجن عليه الليل من وجه الأرض هو في أكثر الليل في وسط ظل الأرض وقريب من الوسط فإذا قربت الشمس من الأفق مال مخروط الظل وقرب محيط قاعدة الظل المحيطة بالأرض من الموضع الذي قربت الشمس من محيط أفقه فيصير الموضع الذي قد قربت الشمس من محيط أفقه في محيط الظل وقريباً من حاشية الظل ويصير الضوء الخارج من الشمس الممتد في طول الظل المماس لطول الظل قريباً من وجه الأرض ويكون الضوء الذي يصل من هذا الهواء إلى وجه الأرض فيه بعض القوة فلذلك يدرك البصر الضوء في الهواء عند قرب الصباح ويصل الضوء إلى إلى الأرض عند الصباح. ثم كلما قربت الشمس من الأفق قربت حاشية الظل من وجه الأرض وقرب الهواء المضيء من البصر وقوي الضوء الذي يصل إلى وجه الأرض. فلذلك كلما قربت الشمس من الأفق ازداد الضوء الذي يظهر على وجه الأرض قوة ووضوحاً إلى أن ينتهي محيط جرم الشمس إلى محيط الأفق فيصير حاشية الظل ونهايته والهواء المضيء بضوء النهار في هذا الوقت مماساً لوجه الأرض. والهواء المماس لوجه الأرض والقريب منه المضيء بضوء النهار قرب الشمس من الأفق وقبل طلوعها هو من جملة مخروط ظل الأرض وإضاءته إنما هي لقرب هذا الهواء من الهواء المضيء المقابل للشمس لأن كل موضع تكون الشمس تحت أفقه وغير مقابلة له فهو في داخل مخروط الظل إلا أن هذا الهواء المضيء هو حواشي الظل ومحيطه المجاور للهواء المضيء المقابل للشمس. فالعلة التي من أجلها ليس يظهر الضوء في الهواء في سائر الليل هو بعد الهواء المضيء المقابل للشمس عن وجه الأرض وضعف الضوء الذي يصدر عن الضوء الذي في هذا الهواء المضيء وقصور قوته عن الوصول إلى وسط الأرض. والعلة التي من أجلها يظهر الضوء في الهواء عند الفجر وفي أول الليل ويشرق على وجه الأرض عند الصباح وعند العشاء هو قرب الهواء المضي المقابل للشمس من البصر وقرب حاشية الظل في هذه الأوقات من وجه الأرض. ولهذه العلة اعني القرب صار أول ما يظهر من الفجر يظهر مستدقاً مستطيلاً لأن أقرب حواشي الظل من البصر في هذا الوقت هو خط واحد مستقيم وهو الخط المستقيم الممتد في سطح مخروط الظل الذي يمر بأقرب النقط من محيط قاعدة الظل إلى البصر في ذلك الوقت إذ البصر في هذه الحال هو في وسط مخروط الظل التي تلي جهة الشمس فالنقطة التي هي طرف قطر قاعدة الظل الذي يمر بموضع البصر في هذه الحال التي تلي جهة الشمس هي اقرب إلى البصر من جميع النقط التي على محيط قاعدة الظل.

وأريد بقاعدة الظل ها هنا السطح الذي يمر بموضع البصر ويقطع مخروط الظل. والخط الذي يخرج من هذه النقطة ويمتد في سطح مخروط الظل هو أقرب الخطوط التي في سطح المخروط في هذه الحال من البصر. فقد تبينت العلة التي من اجلها يظهر الضوء في الجو وعلى وجه الأرض عند الصباح وعند العشاء ولا يظهر في سائر الليل. وقد بقي أن يقال: إذا كان الضوء الذي يدركه البصر في الجو عند الصباح وعند العشاء هو ضوء في الهواء وإنما يدركه البصر عند الصباح وعند العشاء من أجل قربه من البصر فقد كان يدرك البصر الضوء في الهواء الذي بين الجدران وفي دواخل البيوت في سائر النهار إذ هذا الهواء مضيء في سائر النهار وقريب من البصر وليس يدرك البصر الضوء في هذه الأهوية بل إنما يدرك البصر الضوء على جدران البيوت ولا يدرك في الهواء الذي فيما بين الجدران شيئاً من الضوء فليس الضوء الذي يدركه البصر في الجو عند الصباح وعند العشاء ضوءاً في الهواء. فنقول في جواب هذا القول: إن الهواء جسم مشف شديد الشفيف إلا أنه ليس في غاية الشفيف بل فيه غلظ يسير. فإذا أشرق عليه ضوء الشمس نفذ الضوء فيه بحسب شفبفه وثبت فيه من الضوء قدر يسير بحسب ما فيه من الغلظ اليسير. فالمقدار اليسير من الهواء القليل المساحة يكون الضوء الذي يثبت فيه يسيراً جداً من أجل صغر مساحته ومن اجل شدة شفيفه وقلة غلظه وضعف كيفية الضوء الذي يثبت فيه. والهواء العظيم المساحة في السمك يكون الضوء الذي فيه كثيراً من أجل عظم مساحته. وإن كانت كيفية الضوء الذي في كل جزء يسير منه ضعيفة والهواء الذي بين الجدران وفي دواخل البيوت يسير قليل المساحة فالضوء الذي فيه يسير من جهتين: من اجل صغر مساحته ومن أجل ضعف كيفيته. والمسافة التي يدركها البصر من الجو المضيء التي يمتد فيها البصر في وقت إدراكه لضوء الصباح وضوء العشاء عظيمة المقدار في السمك الممتد في مقابلة البصر وجميع الهواء الممتد في هذا السمك مضيء في ذلك الوقت وكل جزء يسير من الهواء الذي في هذا السمك فيه ضوء يسير ضعيف والأجزاء المقتدرة المضيئة المقابلة للبصر من هذا الهواء في حال إدراك البصر للضوء الذي فيه التي كل واحد منها مساو لمقدار الهواء الذي بين الجدران الذي لا يظهر فيه الضوء التي هي ممتدة في السمك على السمت المستقيم المقابل للبصر كثيرة مسرفة الكثرة إذا قدرناها بالتخيل لعظم مساحة هذا الهواء وعظم سمكه. فإذا كانت هذه الأجزاء كثيرة مسرفة الكثرة وكلن في كل واحد منها ضوء يسير وكانت هذه الأجزاء الكثيرة ممتدة في مقابلة البصر على سمت مستقيم تضاعفت الأضواء التي كل واحد منها يسير وتضاعفت قوتها أضعافاً كثيرة مسرفة الكثرة لأن البصر يدرك جميعها من سمت واحد. وإذا تضاعف الضوء اليسير أضعافاً كثيرة قوي وظهر للحس فلذلك يظهر الضوء للبصر في الجو المضيء وليس يظهر للبصر الضوء الذي في الهواء اليسير الذي في دواخل البيوت وفيما بين الجدران وفي أودية الجبال والذي بين البصر وسطح الأرض وكل ما كان يسير المساحة من الهواء. فقد انجلت الشبهة وصح أن الضوء الذي يدركه البصر في الجو عند الصباح وعند العشاء هو ضوء الهواء المقابل للشمس المضيء بضوء الشمس وان الضوء المشرق على وجه الأرض قبل طلوع الشمس وبعد غروبها هو ضوء يرد من الضوء الذي في الهواء المقابل للشمس المضيء بضوء الشمس.

فأما الأضواء العرضية التي تظهر على الأجسام الكثيفة فقد يمكن أن تعتبر الأضواء التي تشرق منها على الأجسام المقابلة لها اعتباراً محرراً. وذلك يكون كما نصف: يعتمد المعتبر حائطاً أبيض نقي البياض منكشفاً لضوء النهار ولضوء الشمس وضوء القمر ويكون مقابلاً له وموازياً له وبالقرب منه حائط آخر ويكون من وراء كل واحد من الحائطين بيت ليس للضوء إليه منفذ إلا من بابه. ثم يعمد المعتبر قطعة من الخشب طولها ليس بأقل من عظم الذراع وعرضها مساو لطولها أيضاً ويسوى سطوحها حتى تصير مسطحة ومتوازية بغاية ما يمكن وتكون نهاياتها مستقيمة ومتوازية. ثم يخط في وسط سطحين متقابلين من سطوحها خطين مستقيمين متوازيين وكل واحد منهما مواز لنهايتي السطح الذي هو فيه. ثم يفصل من طرفي كل واحد من هذين الخطين خطين متساويين يكون كل واحد منهما ليس بأكثر من عرض إصبعين فيحصل في كل واحد من الخطين نقطتان. ثم يدير على النقطتين اللتين على أحد الخطين دائرتين متساويتين قطر كل واحدة منهما بمقدار عرض إصبع واحدة مقتدرة. ثم يدير على إحدى النقطتين من الخط الآخر دائرة أخرى مساوية لكل واحدة من الدائرتين الأوليين ثم يقسم هذا الخط الذي أدار عليه الدائرة الواحدة الذي بين مركز الدائرة وبين النقطة الأخرى الباقية المفروضة على هذا الخط بقسمين يكون نسبة الصغر منهما إلى الأعظم كنسبة سمك الخشبة إلى المسافة التي بين الحائطين. وليحرر هذه المسافة بعود مستقيم يمد بين الحائطين ويتحرى أن يكون قائماً على كل واحد منهما قياماً معتدلاً. فإذا قسم هذا الخط على هذه النسبة فليكن القسم الأعظم النظير للمسافة التي بين الحائطين يلي مركز الدائرة المرسومة على هذا الخط فإذا تحررت هذه القسمة فليدر على نقطة القسمة دائرة أخرى مساوية لكل واحدة من الدوائر التي تقدمت. فيكون نسبة الخط الذي بين مركزي الدائرتين المتباعدتين اللتين على الخط الأول الغير مقسوم إلى الخط الذي بين مركزي الدائرتين المتقاربتين اللتين على الخط المقسوم كنسبة سمك الخشبة مع بعد المسافة التي بين الحائطين إلى هذا البعد بعينه على التركيب. ثم ينبغي لهذا المعتبران يثقب في الخشبة ثقبين أحدهما من الدائرة المتطرفة من الدائرتين المتقاربتين إلى الدائرة المتطرفة المقابلة لها من الدائرتين المتباعدتين في السطح الآخر. وليكن الثقب مستديراً أسطوانياً ويكون محيطه مع محيطي الدائرتين المتقابلتين فيكون هذا الثقب قائماً على السطحين المتوازيين على زوايا قائمة. وليكن الثقب الآخر ممتداً من الدائرة التي في موضع قسمة الخط إلى الدائرة الأخرى المتطرفة أيضاً عن الدائرتين المتباعدتين اللتين في السطح الآخر ويكون محيط هذا الثقب مع محيطي الدائرتين فيكون هذا الثقب مائلاً على السطحين المتوازيين. فإذا تحرر هذان الثقبان فليثقب في الحائط المقابل للحائط الأبيض ثقباً مربعاً بمقدار تربيع الخشبة ويركب الخشبة في هذا الثقب ويجعل السطح الذي فيه الدائرتان المتقاربتان مما يلي خارج البيت ويتحرى عند تركيب الخشبة أن يكون سطحها موازياً لسطح الحائط الأبيض ويكون بعد سطحها عن سطح الحائط الأبيض هو بمقدار البعد الذي بين الحائطين الذي بحسبه كانت قسمة الخط على التحرير. فإذا تحرر وضع الخشبة سد ما يفضل من الخلل حول الخشبة ومكنت الخشبة في موضعها تمكيناً وثيقاً. وإن فضل سمك الحائط على سمك الخشبة حذف ما يفضل من داخل البيت على الاريب حتى يصير بقية الثقب منخرطاً وإن حصل سمك الخشبة من أول الأمر مساوياً لسمك الحائط كان أجود. فإذا أحكم تركيب الخشبة فليعتمد المعتبر عوداً مستقيماً في غاية الاستقامة ويكون غلظه مساوياً لغلظ الثقب القائم الذي في الخشبة. وإن اعتمد عوداً مستقيماً أغلظ من سعة الثقب وخرطه في الشهر حتى يصير غلظه بمقدار سعة الثقب على التحرير كان أولى ويكون متساوي الغلظ. فإذا تحرر هذا العود فليحدد طرفه تحديداً منخرطاً حتى يصير نقطة رأسه هي طرف سهم العود بالقياس إلى الحس. ثم يداخل هذا العود في الثقب القائم ويحركه في الثقب إلى أن يلقى طرفه الحاد سطح الحائط الأبيض. فإذا لقي سطح هذا الحائط يعلم على موضع طرفه نقطة فتكون هذه النقطة على استقامة سهم الثقب القائم. فإذا علم هذه النقطة فليخرج العود من الثقب. ثم يدخل المعتبر البيت الذي يفضي إليه هذا الثقب ويجعل بصره عند محيط الثقب القائم وينظر إلى الحائط الأبيض ويتفقد نهاية ما يدركه بصره من ذلك الحائط وابعد موضع يدركه عن النقطة المفروضة على الحائط الأبيض التي على استقامة سهم الثقب القائم. فيتقدم إلى من يتعلم على ذلك الموضع ويشير إليه بالصفة نقطة. ثم إن أدار المعتبر بصره حول محيط الثقب ونظر من كل ناحية منه إلى الحائط الأبيض وتفقد أبعد موضع يدركه من سطح الحائط عن النقطة المفروضة فإنه يجد أبعد الأبعاد التي يدركها بصره عن النقطة المفروضة المقابلة لمركز الثقب أبداً متساوية لأن هذه خاصة الثقوب المستديرة. وليجعل المعتبر النقطة الأولى من الحائط الأبيض مركزاً ويدير ببعد البعد الأبعد الذي يدركه ثم يجعل بصره ثانية على محيط الثقب وينظر إلى الدائرة المرسومة: فإنه يدرك محيط الدائرة ولا يدرك زيادة عليه. وليدر بصره حول محيط الثقب وينظر إلى محيط الدائرة المرسومة: فإن لم ير غير محيط الدائرة فالدائرة في حقها وإن أدرك بصره زيادة على محيط الدائرة أو لم يدرك محيط الدائرة من بعض الجهات أو من جميع الجهات فليس الدائرة في حقها. فإن عرض ذلك فليغير الدائرة ويعتبرها ببصره إلى أن يتحرر وضعها ويكون إذا أدار بصره حول محيط الثقب رأي محيط الدائرة ولم ير زيادة عليه. فإذا تحرر وضع هذه الدائرة فلينتقل إلى الثقب المائل فيجعل بصره عند محيط هذا الثقب وينظر إلى الحائط الأبيض: فإنه يدرك الدائرة المرسومة في هذا الحائط ويدرك محيطها ولا يدرك زيادة عليها. وإذا أدار بصره حول محيط الثقب المائل ونظر إلى الدائرة وإلى أبعد موضع يدركه من الحائط أدرك الدائرة وأدرك محيطها ولم يدرك زيادة عليها ولا نقصاناً منها.

وذلك أن نسبة الخط الذي بين مركزي الدائرتين المتباعدتين اللتين في السطح الداخل من الخشبة إلى الخط الذي بين مركزي الدائرتين المتقابلتين اللتين في السطح الخارج من الخشبة كنسبة الخط الممتد على استقامة سهم الثقب القائم من مركز الدائرة الداخلة إلى سطح الحائط الأبيض إلى القسم من هذا الخط الذي بين الحائطين. فيكون سهم الثقب المائل إذا امتد على استقامة فإنه يلقى سهم الثقب القائم على النقطة بعينها التي عليها يلقى سهم الثقب القائم على السطح الأبيض. ومركز الدائرة المرسومة في الحائط الأبيض هي النقطة التي عليها يلقى سهم الثقب القائم سطح الحائط الأبيض. فسهم الثقب المائل إذا امتد على استقامة فإنه يلقى سطح الحائط الأبيض على مركز الدائرة المرسومة في الحائط بعينها. وإذا كان ذلك كذلك كانت نسبة الخط الذي بين مركز الدائرة المرسومة في سطح الحائط وبين منتصف سهم الثقب المائل إلى النصف الآخر من سهم الثقب المائل كنسبة الخط الذي ين مركز الدائرة المرسومة في الحائط وبين منتصف سهم الثقب القائم إلى النصف الآخر من سهم الثقب القائم لأن الخط الذي يصل بين منتصفي السهمين مواز للخط الذي يصل بين مركزي الدائرتين. وهذه النسبة هي نسبة نصف قطر الدائرة المرسومة في الحائط إلى نصف قطر دائرة الثقب القائم التي تلي داخل البيت لأن محيط الدائرة المرسومة في الحائط يظهر للبصر من محيط دائرة هذا الثقب والبصر ليس يدرك شيئاً إلا على سموت الخطوط المستقيمة فهو يدرك محيط الدائرة التي في الحائط على سموت الخطوط المستقيمة التي تمر بالنقط المتقاطرة في محيطي دائرتي الثقب وتنتهي إلى محيط الدائرة التي في الحائط. والبصر يدرك محيط الدائرة التي في الحائط من جميع محيط دائرة الثقب القائم. فتكون جميع الخطوط المستقيمة التي تمر بمحيطي دائرتي الثقب القائم ومحيط الدائرة التي في الحائط تتقاطع عند وسط سهم هذا الثقب لأن دائرتي الثقب متساويتان والخطوط المتقاطرة تتقاطع على وسط سهم الثقب.

فلذلك تكون نسبة الخط الذي بين مركز الدائرة المرسومة في الحائط وبين منتصف سهم الثقب القائم إلى نصف سهم الثقب القائم كنسبة نصف قطر الدائرة التي في الحائط إلى نصف دائرة الثقب الداخلة. ونسبة الخط الذي بين مركز الدائرة المرسومة في الحائط وبين منتصف سهم الثقب القائم إلى نصف سهم الثقب القائم كنسبة الخط الذي بين مركز الدائرة التي في الحائط وبين منصف سهم الثقب المائل إلى نصف سهم الثقب المائل. فتكون نسبة الخط الذي بين مركز الدائرة التي في الحائط وبين منتصف سهم الثقب المائل كنسبة نصف قطر الدائرة المرسومة في الحائط إلى نصف قطر الدائرة الداخلة من الثقب المائل لن دائرة الثقب المائل مساوية لدائرة الثقب القائم. وإذا كان كذلك فغاية ما يظهر للبصر من سطح الحائط عند كون البصر على محيط الثقب المائل هو محيط الدائرة المرسومة على سطح الحائط المقابلة للثقب القائم. فإن أدرك المعتبر عند وضع بصره على محيط الثقب المائل شيئاً من الحائط خارجاً عن الدائرة فإن ذلك لأن سطح الخشبة ليس بمواز لسطح الحائط أو البعد الذي بين الخشبة وبين الحائط ليس هو البعد بعينه الذي بحسبه كانت قسمة الخط الذي بين سطح الخشبة. فإن كان ذلك فليحرر وضع الخشبة وينظر في الثقبين القائم والمائل إلى أن يصح وضع الخشبة ويصير الذي يدركه البصر من الثقبين جميعاً هو الدائرة المرسومة في سطح الحائط من غير زيادة ولا نقصان. لأنه إذا تحرر وضع الخشبة لم يمكن أن يدرك البصر من الثقبين إلا الدائرة بعينها التي في الحائط فقط من غير زيادة ولا نقصان. فإذا تحرر وضع الخشبة وأحكم تركيبها في الثقب الذي هي فيه واستوثق منها فليثقب المعتبر في الحائط الأبيض في نفس الدائرة المرسومة فيه ثقباً مستديراً نافذاً إلى البيت الذي من وراء هذا الحائط يكون محيطه محيط الدائرة المرسومة في سطح الحائط ويكون امتداده في جسم الحائط منخرطاً كلما دخل اتسع. فإذا فرغ المعتبر من هذا الثقب فليسده بجسم أبيض نقي البياض كثيفاً كثوب أبيض أو حجر أو قرطاس ولا يكون هذا الجسم ثقيلاً ويسد به جميع ثم يراعي المعتبر ضوء الصباح فإذا أضاء النهار وقوي الضوء على الحائط الأبيض المنكشف للضوء وقبل أن يشرق عليه ضوء الشمس دخل البيت الذي فيه الثقبان واغلق الباب وأسبل على الباب ستراً صفيقاً حتى لا يدخل من الباب ولا من ثقوبه شيء من الضوء ثم يسد الثقب المائل حتى لا يبقى في البيت ضوء إلا الضوء الذي يدخل من الثقب القائم فقط ثم يقابل هذا الثقب بجسم كثيف نقي البياض: فإنه يجد عليه ضوءاً ما بحسب قوة الضوء الذي على الحائط الأبيض وعلى الجسم الأبيض الذي سد به الثقب ويجد الضوء الذي يظهر على الجسم الكثيف مستديراً ومنخرطاً كمثل انخراط الضوء الذاتي الذي يخرج من الأجسام المضيئة من ذواتها وينفذ في الثقوب الأسطوانية. وإذا جعل المعتبر بصره في موضع من هذا الضوء الذي يظهر على الجسم الكثيف في داخل البيت ونظر إلى الحائط الأبيض فليس يرى إلا الجسم الأبيض الذي يسد به الثقب الذي في الحائط فقط. فإذا تبين للمعتبر هذا الضوء فليتقدم بان يرفع الجسم الأبيض الذي سد به الثقب ويغلق باب البيت الذي ينفذ إليه هذا الثقب: فإن الضوء الذي كان يظهر على الجسم الكثيف الذي في داخل البيت النافذ من الثقب القائم يبطل ولا يظهر منه شيء. فإن ظهر على هذا الجسم شيء من الضوء فهو بحسب ما يصح أن يصدر الضوء الذي يصل إلى محيط داخل فإذا ظهر على الجسم الكثيف الذي داخل البيت ذي الثقبين في هذه الحال شيء من الضوء فينبغي للمعتبر أن يصبغ محيط داخل الثقب القائم الذي يعتبر به الضوء بصبغ أسود لئلا يصدر عن محيط داخل هذا الثقب إلى داخل البيت الذي يليه ضوء ظاهر. وإذا صبغ محيط داخل الثقب القائم بصبغ اسود لم يظهر على الجسم الكثيف المقابل للثقب القائم عند رفع الجسم الأبيض المضيء الذي كان يسد الثقب المقابل له شيء من الضوء. فإذا بطل الضوء الذي كان يظهر على الجسم الكثيف المقابل للثقب القائم عند رفع الجسم المضيء الذي كان يسد الثقب المقابل له فينبغي للمعتبر أن يتقدم برد ذلك الجسم الأبيض ويسد الثقب الذي كان بالحائط به كما كان: فإنه يعود الضوء ويظهر على الجسم الكثيف الذي في داخل البيت كما كان يظهر في الحالة الأولى. فتبين من هذا الاعتبار أن الضوء الذي نفذ من الثقب القائم وظهر على الجسم الكثيف إنما هو ضوء ورد إليه من الضوء العرضي الذي على الجسم الأبيض المقابل فقط. وفي وقت رفع هذا الجسم وفتح الثقب المقابل وبطلان الضوء الذي كان يظهر على الجسم الكثيف الذي في داخل البيت يكون بين هذا الجسم الكثيف الذي في داخل البيت الذي بطل منه وبين بقية الحائط الأبيض المنكشف للضوء من جميع نواحي الحائط وبين كثير من الجدران المضيئة وبين جميع الجو المضيء هواء متصل ومسافات كثيرة منحنية ومنعرجة ليس يقطعها شيء من الأجسام الكثيفة. ولم يتغير إلا الموضع المقابل للثقب القائم على سمت الاستقامة فقط.

ومع ذلك فليس يظهر الضوء في داخل البيت ما دام الثقب الذي في الحائط مفتوحاً وليس يقابل الثقب القائم على استقامة جسم كثيف مضيء.

=========


كتاب المناظر/المقالة الأولى/تابع الفصل الثالث
< كتاب المناظر
كتاب المناظر لابن الهيثم
وإذا رد الجسم الأبيض وسد به الثقب الخارج ظهر الضوء على الجسم الذي في داخل البيت. ثم إن تحري المعتبر المسافة المستقيمة التي بين الثقب القائم وبين الثقب الذي في الحائط فيقطعها بجسم كثيف نقي البياض في أي المواضع شاء من المسافة التي بينهما من خارج الثقب وكان الضوء مشرقاً على هذا الجسم فإن الضوء يظهر على الجسم الذي في داخل البيت. وإن تحرى المعتبر المسافة المستقيمة التي بين طرف الثقب القائم من داخل البيت وبين الجسم الذي يظهر عليه الضوء فقطعها بجسم كثيف في أي موضع شاء منها فإن الضوء يبطل من الجسم الأول ويظهر على الجسم الثاني. فمن الاعتبار بظهور الضوء على الجسم الكثيف الذي في داخل البيت عند كون الجسم المضيء بالضوء العرضي في الثقب الذي في الحائط الأبيض وبطلان الضوء من هذا الجسم الكثيف عند رفع الجسم المضيء الذي في الثقب ويتبين أن الضوء الذي يظهر في داخل البيت على الجسم الكثيف المقابل للثقب له إنما هو ضوء يرد إليه من الضوء الذي في ذلك الجسم المضيء الذي في الثقب وانه ليس يرد إليه في تلك الحال ضوء إلا من ذلك الجسم فقط. ومن الاعتبار بظهور الضوء على الجسم الكثيف الذي فيداخل البيت عند حصول الجسم المضيء في مقابلته على الاستقامة في وقت كونه في الثقب الذي في الحائط وعند كونه في أي المواضع كان من المسافة المستقيمة التي بين الثقبين من خارج البيت وبطلان الضوء الذي على الجسم الكثيف الذي في داخل البيت عند رفع الجسم المضيء المقابل له مع وجود الضوء على بقية الحائط الأبيض وفي جميع الهواء المضيء بضوء النهار المتصل بالهواء الذي في الثقب وعلى كثير من الجدران المضيئة التي بينها وبين الثقب القائم هواء متصل يتبين أن الضوء الذي يصدر عن الضوء العرضي ليس يصدر إلا على سمت مستقيم: لأن بين الجسم الكثيف الذي في داخل البيت الذي يظهر عليه الضوء وبين بقية الحائط الأبيض المضيء بضوء النهار وبين كثير من الجدران المضيئة وبين الهواء المضيء بضوء النهار مسافات كثيرة بلا نهاية منحنية ومنعرجة ومقوسة متصلة بين الجسم الكثيف الذي في داخل البيت وبين هذه المواضع يصح أن تمتد في الهواء المتصل بينه وبين المواضع ولم يبطل عند رفع الجسم الأبيض المقابل للثقب إلا الضوء الذي عند أطراف المسافات المستقيمة فقط التي بين وأيضاً فإن المعتبر إذا تأمل الضوء الذي يظهر على الجسم الكثيف الذي في داخل البيت عند حصول الجسم الأبيض مقابلاً له وجده أضعف من الضوء العرضي الذي في الجسم الخارج المقابل له. ثم إذا باعد المعتبر هذا الجسم الكثيف عن الثقب على سمت المقابلة فإنه يجد الضوء الذي يظهر عليه إذا بعد عن الثقب قد ضعف. وكلما ازداد بعداً عن الثقب ازداد الضوء الذي يظهر عليه ضعفاً. وإذا اعتبر المعتبر جميع هذه المعاني فليسد الثقب القائم ويفتح الثقب المائل ويسود سطح داخل الثقب المائل ويقابله بالجسم الكثيف ويسد الثقب الذي في الحائط الأبيض: فإنه يجد الضوء يظهر على الجسم الكثيف الذي في داخل البيت.

وكذلك إن قطه المسافة المستقيمة التي بين الثقب الذي في الحائط وبين الثقب المائل بالجسم الأبيض في أي موضع شاء منها وكان الضوء مع ذلك مشرقاً على ذلك الجسم الأبيض فإنه يجد الضوء يظهر على الجسم الكثيف الذي في داخل البيت. ثم إذا رفع الجسم الأبيض المضيء المقابل للثقب المائل من خارج الضوء يبطل من الجسم الكثيف الذي في داخل البيت ولا يظهر عليه شيء من الضوء. وإذا أعاد الجسم الأبيض إلى الثقب المقابل أو إلى المسافة المستقيمة التي بينه وبين الثقب المائل عاد الضوء إلى الجسم الكثيف الذي في داخل البيت كمثل الحال في الثقب القائم. فيتبين من هذا الاعتبار أن الضوء الذي يظهر على الجسم الكثيف الذي في داخل البيت المقابل للثقب المائل ليس يرد إلا على سمت الاستقامة وأنه ليس يرد إليه إلا من الجسم المقابل له فقط. فإن باعد المعتبر الجسم الكثيف الذي في داخل البيت عن الثقب المائل أيضاً عند اعتبار هذا الثقب وجد الضوء الذي يظهر عليه يضعف وكلما بعد عن الثقب ازداد الضوء الذي عليه ضعفاً. ثم ينبغي للمعتبر أن يفتح الثقبين جميعاً القائم والمائل في وقت واحد ويقابل كل واحد منهما بجسم كثيف أبيض ويسد الثقب الذي في الحائط بالجسم الأبيض: فإنه يجد الضوء يظهر على الجسمين جميعاً المقابلين للثقبين القائم والمائل في وقت واحد. وقد تبين أن كل واحد من هذين الموضعين ليس يرد إليه ضوء عند كون الجسم المضيء في الثقب إلا من هذا الجسم بعينه فقط إذا كان الهواء الذي بينه وبين كل واحد من الثقبين القائم والمائل متصلاً لا يقطعه شي من الأجسام الكثيفة. فيتبين من هذا الاعتبار أن الضوء الذي يظهر في داخل البيت في الموضعين جميعاً في وقت واحد إنما هو ضوء يرد إلى الموضعين جميعاً معاً من ذلك الجسم المضيء المقابل لهما الذي في الثقب.

وكذلك إن ثقب المعتبر في الخشبة الموضوعة عدة ثقوب كل واحد منها مقابل للثقب الذي في الحائط الأبيض وعلى النسبة التي تقدم ذكرها وفتح جميع الثقوب وقابل جميعها بجسم كثيف فسيح وجد على ذلك الجسم أضواء بعدد الثقوب في وقت واحد ويكون كل واحد من تلك الأضواء مقابلاً لذلك الجسم المضيء الذي في الثقب الخارج على سمت الاستقامة. فيتبين من هذا الاعتبار أن الضوء يشرق من ذلك الجسم المضيء بضوء النهار في جميع الجهات التي تقابله على سموت مستقيمة وإن إشراق الضوء منه في جميع الجهات معاً ودائماً ما دام مضيئاً. وإذا تحرر للمعتبر هذا المعنى من ضوء النهار يراعي حينئذ الموضع إلى أن يشرق ضوء الشمس على ذلك الحائط فيعتبره على الوجوه التي تقدمت فإنه يجد الحال في ضوء الشمس كمثل الحال في ضوء النهار إلا أنه يجد الضوء الذي يرد من ضوء الشمس أقوى وأبين.

وكذلك إذا اعتبر ضوء القمر وجده على هذه الصفة وكذلك إذا اعتبر ضوء النار وجده على هذه الصفة أيضاً. فإذا أراد ضوء النار فليعتمد ناراً قوية ويقابل بها الحائط الأبيض ليضيء على مثل ما تقدم ويغلق باب البيت الذي فيه الثقبان ولا يترك في البيت شيئاً من الضوء ويعتبر ضوء النار كمثل الاعتبار الذي تقدم: فإنه يجد الضوء يشرق من ضوء النار الذي يظهر على الجسم المسدود به الثقب على مثل إشراق الأضواء ولا يخالفها إلا في القوة فيتبين من جميع هذه الاعتبارات بياناً واضحاً ان الأضواء العرضية التي في الأجسام الكثيفة يشرق منها ضوء في جميع الجهات التي تقابلها وأن إشراق الضوء منها ليس يكون إلا على سموت مستقيمة وأن الضوء الذي يصدر عن الضوء العرضي يكون أضعف منه وكلما بعد من الضوء الذي يصدر ازداد ضعفاً. فلنسم هذه الأضواء أعني الأضواء التي تصدر عن الأضواء العرضية على طريق الانعكاس كما تنعكس عن الأجسام الصقيلة بل إنما تصدر عنها الأضواء الأول الذاتية عن الأجسام المضيئة من ذواتها وما كان من هذه الأجسام صقيلاً أو كانت فيه أجزاء صقيلة وأشرق عليها ضوء ما فإن ذلك الضوء ينعكس منها ومع ذلك يصدر عنها ضوء ثان كما يصدر عن الأجسام المضيئة من ذواتها. فلنبين الآن هذه الحال أيضاً بالاستقراء والاعتبار وذلك كما نصف: يتحرى المعتبر بيتاً يدخل إليه ضوء الشمس من ثقب مقتدر ليس بكل الفسيح ويكون الضوء مع ذلك ينتهي إلى أرض البيت ويراعي دخول ضوء الشمس إلى هذا البيت. فإذا دخل ضوء الشمس وظهر في أرض البيت أغلق الباب ولم يترك للضوء سبيلاً إلى البيت إلا الضوء الذي يدخل من الثقب: فإنه يجد البيت في هذه الحال مضيئاً بذلك الضوء ويجد الضوء في جميع نواحيه ويجد كلما كان من جدران البيت قريباً من ذلك الضوء فإن الضوء الذي ظهر عليه يكون أقوى وكلما كان من الجدار بعيداً فإن الضوء الذي يظهر عيه يكون أضعف. ثم يعتمد المعتبر مكوكاً أو جسماً أجوف فيتلقى به ذلك الضوء ليصير جميع الضوء في داخل ذلك الجسم. فعند هذه الحال يجد البيت مظلماً والضوء الذي كان يظهر على الجدار بطل إلا ما لعله يقابل الضوء الذي في داخل الجسم الأجوف من علو البيت. ثم إذا رفع ذلك الجسم عاد البيت مضيئاً وظهر الضوء على جميع نواحي البيت. فتبين من هذا الاعتبار أن الضوء الذي يظهر في جميع نواحي البيت إنما هو ضوء ثان يشرق عليه من ضوء الشمس الذي يظهر في أرض البيت. ثم يعتمد المعتبر صفيحة من الفضة ويصقلها حتى تصير كالمرآة. وإنما الاعتبار بالفضة أبين من الاعتبار بالمرايا الحديد لأن المرايا الحديد تكسف الأضواء بألوانها لأن ألوانها مظلمة فلا تكون الأضواء المشرقة عنها بينة إلا المنعكس فقط لقوته وسنبين العلة في ذلك عند كلامنا في الانعكاس. فيضع المعتبر الصفيحة الفضة في موضع ضوء الشمس وليتحر أن يكون على مقدار الضوء أو أوسع منه فإن زاد الضوء عليها ضيق الثقب ليصير جميع الضوء على الصفيحة. فإذا صار الضوء على الصفيحة فإنه يجد الضوء ينعكس عنها إلى موضع واحد مخصوص لأن الانعكاس ليس يكون إلا على زوايا متساوية وسنبين هذا المعنى عند كلامنا في الانعكاس. ويجد هذا الضوء في الجهة المقابلة للجهة التي فيها الشمس ويظهر ضوء هذا الانعكاس على الجدار المقابل للثقب أو على سقف البيت إن كان البيت واسعاً ويجد هذا الضوء قوياً قريب الشبه والقوة من ضوء الشمس وأقوى من جميع الضوء الذي في سائر نواحي البيت ويوجد هذا الضوء محصوراً متناهياً. فإذا ظهر هذا الضوء فليتأمل المعتبر جميع نواحي البيت: فإنه يجده مضيئاً ويجد الضوء الذي فيه أقوى وأبين مما كان من أجل بياض الصفيحة. وليس لذلك الضوء سبب إلا ضوء الشمس الذي هو في هذه الحال على الصفيحة لأنه إذا تلقى هذا الضوء بالجسم الأجوف على الوجه الذي تقدم خفي الضوء الذي في جميع نواحي البيت. وليس يجوز أن ينعكس الضوء عن الصفيحة إلا إلى موضع واحد مخصوص فقط وهو الموضع الذي يظهر فيه ضوء الانعكاس في هذه الحال هو متميز منفرز ومع ذلك أقوى من جميع الضوء الذي في جميع نواحي البيت. فليس الضوء الذي يظهر في جميع نواحي البيت هو ضوء الانعكاس. ثم إن اعتمد المعتبر جسماً كثيفاً أبيض فقربه إلى الصفيحة وقابلها به على التاريب من غير جهة الانعكاس وجد على الجسم الكثيف ضوءاً بيناً. ثم إن بعد هذا الجسم عن الصفيحة ضعف الضوء الذي عليه. وإذا قربه أيضاً قوي الضوء الذي يظهر عليه. وإن أراد الجسم حوالي الصفيحة من جميع جهاتها غير جهة الانعكاس وقابل به الصفيحة وجد الضوء يظهر عليه في جميع الجهات ومع ذلك يجد الضوء المنعكس على حاله. ثم إذا رفع الصفيحة وجد الضوء أيضاً في جميع نواحي البيت لا يبطل منه إلا الضوء المنعكس فقط. وإن جعل في موضع الضوء جسماً أبيض نقي البياض غير صقيل وجد الضوء في جميع نواحي البيت قد قوي وزاد ولا يجد في البيت ضوءاً منعكساً كما كان يجده عن الصفيحة الصقيلة. وإن رفع ذلك الجسم وجعل مكانه جسماً أسود أو مظلماً فإنه يجد الضوء في جميع نواحي البيت قد انكسف وضعف. فيتبين من هذا الاعتبار أن الضوء الذي يظهر في جميع نواحي البيت هو ضوء ثان يصدر عن الضوء العرضي الذي حصل في أرض البيت من ضوء الشمس وأن إشراقه على جميع نواحي البيت ليس هو بالانعكاس.

وكذلك إن اعتبر ضوء القمر على هذه الصفة وجده ينعكس ومع ذلك يشرق في جميع الجهات كما يشرق الضوء عن ضوء الشمس الذاتي. وكذلك ضوء النار الذي يشرق على الأرض وعلى الجدار وعلى الأجسام الكثيفة إذا اعتبر وجد الضوء يشرق منه في جميع الجهات التي تقابله ومع ذلك ينعكس عن الأجسام الصقيلة كما ينعكس جميع الأضواء. فيتبين من هذا الاعتبار أن الضوء يشرق عن الأضواء العرضية على سموت مستقيمة في جميع الجهات المقابلة لها كما تشرق الأضواء الذاتية وان هذا الإشراق ليس هو بالانعكاس وان ما كان من هذه الأضواء على الأجسام الصقيلة فإن الضوء يشرق منها في جميع الجهات كما يشرق عن غيرها ومع ذلك ينعكس عنها على الجهة التي تخص الانعكاس وان الضوء الذي ينعكس عن الأجسام الصقيلة يكون أقوى من الضوء الذي يشرق عنها في جميع الجهات. وأيضاً فإنه يلزم في الأضواء العرضية التي تظهر في الأجسام الكثيفة أن يكون كل جزء منها وإن صغر فإن يشرق منه في جميع الجهات وإن تعذر اعتبار الأجزاء الصغار على انفرادها وخفيت أضواؤها عن الحس. لأن كل واحد من هذه الأضواء هو طبيعة واحدة ولا فرق بين الأجزاء الكبار منها وبين الأجزاء الصغار في الكيفية وإنما الفرق بينهما في الكمية فالذي يعرض عن الأجزاء الكبار من جهة كيفيتها يلزم في كيفية صغار الأجزاء ما دامت حافظة لصورة نوعها. فإن لم يظهر ضوء الأجزاء الصغار للحس منفردة أو لم يقدر على تمييزه منفرداً فلقصور الحس عن إدراك ما تناهي في الضعف والصغر. وأريد بأجزاء الضوء العرضي الأضواء التي في وأيضاً فإننا نقول عن الأضواء المنعكسة ليس تمتد من موضع الانعكاس إلا على خطوط مستقيمة. واعتبار هذا المعنى يسهل وذلك بان يعتمد المعتبر في وقت ظهور الضوء المنعكس على موضع من المواضع جسماً كثيفاً فيقطع به المسافة المستقيمة التي بين السطح الصقيل الذي عنه انعكس الضوء وبين الموضع الذي يظهر فيه الضوء المنعكس: فإنه يجد الضوء المنعكس يظهر على الجسم الكثيف الذي قطع به تلك المسافة ويبطل من الموضع الأول.

وإذا حرك الجسم الكثيف في طول المسافة المستقيمة الممتدة بن السطح الصقيل وبين موضع الضوء المنعكس وجد الضوء المنعكس أبداً على الجسم الذي تحرك في تلك المسافة. وإذا أخرج هذا الجسم من المسافة المستقيمة ظهر الضوء في الموضع الأول. وإذا قطع بعض المسافة المستقيمة بجسم صغير بطل جزء من الضوء المنعكس وظهر على ذلك الجسم الصغير ضوء منعكس. وإذا كان موضع الضوء المنعكس قريباً من السطح الصقيل وداخل المعتبر في المسافة المستقيمة التي بينهما ميلاً دقيقاً معترضاً ظهر في الضوء المنعكس ظل ذلك الميل وظهر على الميل ضوء منعكس. وإن حرك الميل في المسافة المستقيمة التي بينه وبين ظله وجد الظل أبداً في مكانه ووجد الضوء المنعكس أبداً على الميل. وإذا اخرج الميل من تلك المسافة عاد الضوء إلى موضع الظل. وقد يمكن أن يحرر المسافة المستقيمة التي بين الميل وبين الظل بمسطرة تمتد فيما بينهما ويحرك الميل في طولهما. وإن جعل المعتبر الميل في جهة غير تلك الجهة من محيط الضوء المنعكس وداخله في الضوء المنعكس وجد حاله أبداً على صفة واحدة اعني انه يجد له ظلاً في الضوء المنعكس.

وإذا حركه في المسافة المستقيمة التي بينه وبين ظله وجد الظل في موضعه. وبين السطح الصقيل وبين موضع الضوء المنعكس مسافات كثيرة منحنية ومنعرجة ومقوسة لا يقطعها شيء من الجسام الكثيفة. فلو كان الضوء ينعكس على غير الخطوط المستقيمة لكان الضوء المنعكس يظهر في موضعه مع قطع المسافة المستقيمة التي بينه وبين السطح الصقيل بالجسم الكثيف. وإذا كان ليس يظهر الضوء في موضع الانعكاس إذا قطعت المسافة المستقيمة التي بينه وبين السطح الصقيل الذي انعكس عنه الضوء بالجسم الكثيف مع اتصال المسافات الباقية ويظهر على الجسم الكثيف من تلك المسافة ظهر الضوء المنعكس في موضعه يتبين من هذه الحال أن الضوء ليس ينعكس عن الجسم الصقيل إلا على الخطوط المستقيمة. وإذا اعتبر المعتبر الأضواء المنعكسة عن الأجسام الصقيلة المختلفة الأشكال والهيئات وجد الضوء ليس ينعكس عن شيء منها على الخطوط المستقيمة. فيتبين من هذا الاعتبار بياناً واضحاً أن الأضواء المنعكسة عن الأجسام الصقيلة ليس تنعكس إلا على خطوط مستقيمة. ويتبين من انعكاس الضوء على الجسم الصقيل إلى موضع مخصوص أن الضوء ليس ينعكس إلا على خطوط مستقيمة مخصوصة لا على جميع الخطوط المستقيمة التي يصح أن تمد من موضع الانعكاس في جميع الجهات. ونقول أيضاً إن الأضواء التي تنفذ في الأجسام المشفة المخالفة الشفيف لشفيف الهواء كالزجاج والماء وأحجار المشفة وما يجري مجراها إذا امتدت بعد نفوذها في هذه الجسام فليس تمتد إلا على خطوط مستقيمة أيضاً. وقد يمكن أن يعتبر هذا المعنى أيضاً بسهولة وذلك يكون بان يعتمد المعتبر جاماً من الزجاج الصافي المشف المستوي السطح أو حجراً من الأحجار المشفة ويقابل به الشمس في موضع يظهر فيه ضوء الشمس على الأرض أو على الجدار: فإنه يجد له ظلاً على الأرض أو الجدار ويجد ضوء الشمس مع ذلك ينفذ في الجسم المشف ويظهر في ظل ذلك الجسم المشف ضوء ما دون ضوء الشمس الصريح. ثم إذا قطع المعتبر المسافة التي بين هذا الظل وبين الجسم المشف بجسم كثيف بطل الضوء النافذ الذي كان يظهر في الظل وظهر على الجسم الكثيف.

وإذا حرك المعتبر ذلك الجسم الكثيف في طول المسافة المستقيمة التي بين موضع الضوء النافذ وبين الجسم المشف وجد الضوء النافذ أبداً على الجسم الكثيف. وإذا خرج الجسم الكثيف من تلك المسافة المستقيمة ظهر الضوء النافذ في الظل. وإن قرب الجسم المشف من موضع الظل وداخل في المسافة المستقيمة التي بين هذا الضوء النافذ وبين الجسم المشف جسماً كثيفاً دقيقاً كالميل وما جرى مجراه ظهر ظل ذلك الجسم الدقيق في الضوء النافذ.

وإذا حرك الجسم الدقيق في المسافة المستقيمة التي بينه وبين ظله وجد الظل أبداً في موضعه. وإن اخرج ذلك الجسم الدقيق من المسافة المستقيمة التي بينه وبين ظله ظهر الضوء في موضع ظله. وإن جعل ذلك الجسم في موضع من المسافة المستقيمة التي بين الضوء النافذ وبين الجسم المشف غير الموضع الأول واعتبره على مثل ما اعتبر في الأول وجد الحال مثل الحالة الأولى. وفيما بين موضع الضوء النافذ في الجسم المشف الظاهر في ظله في حال اعتباره وبين الجسم المشف الذي نفذ فيه الضوء مسافات كثيرة مختلفة منحنية ومقوسة ومنعرجة ليس يقطعها شيء من الأجسام الكثيفة. فلو كان الضوء النافذ في الجسم المشف يمتد بعد مفارقته للجسم المشف على مسافة غير المسافة المستقيمة لقد كان الضوء النافذ يظهر في الظل مع قطع المسافة المستقيمة بالجسم الكثيف. فإذا كان الضوء يبطل عند قطع المسافة المستقيمة بالجسم الكثيف من هذه المسافة رجع الضوء إلى موضعه دل ذلك على أن الضوء النافذ في الجسم المشف ليس يمتد بعد خرجه من الجسم المشف إلا على خطوط مستقيمة. ويتبين من امتداد الضوء النافذ إلى موضع مخصوص لا إلى جميع المواضع أن الضوء النافذ في الجسم المشف إنما يمتد بعد نفوذه على خطوط مستقيمة مخصوصة لا على جميع الخطوط المستقيمة التي يصح أن تمتد من موضع النفوذ في جميع الجهات. وامتداد الضوء في نفس الجسم المشف المخالف الشفيف لشفيف الهواء ليس يكون أيضاً إلا على خطوط مستقيمة إلا أن الخطوط المستقيمة التي عليها يمتد الضوء في الجسم المشف المخالف الشفيف لشفيف الهواء ليس تكون على استقامة الخطوط التي عليها يمتد الضوء في الهواء إلى الجسم المشف ولا على استقامة الخطوط التي عليها يمتد الضوء بعد خروجه من الجسم المشف إلا إذا كانت الخطوط أعمدة على سطح الجسم المشف: لأن الضوء إذا وصل إلى الجسم المشف المخالف الشفيف لشفيف الجسم الذي هو فيه ولم يكن قائماً على سطح الجسم المشف الذي وصل إليه انعطف ولم ينفذ على استقامة.

وكذلك إذا خرج من الجسم المشف الذي وصل إليه ولم يكن قائماً على سطحه الثاني انعطف أيضاً انعطافاً ثانياً ولم ينفذ على استقامته. وسنبين هذا المعنى من بعد عند كلامنا في الانعطاف بياناً مستقصى. وأيضاً فإنه إذا اعتبر الضوء الذي في الموضع من الجسم المشف الذي منه يخرج الضوء النافذ فيه وجد هذا الضوء يشرق منه أيضاً ضوء ثان كما يشرق الضوء الثاني من جميع الأقسام المضيئة بالضوء العرضي. وهذا المعنى يمكن أن يعتبر بالضوء الذي يدخل من الثقب إلى داخل البيت إذا أغلق باب البيت ولم يبق في البيت ضوء سوى الضوء الذي يدخل من الثقب وجعل الثقب أضيق من الجسم المشف وقوبل بالجسم المشف الثقب عند دخول ضوء الشمس من الثقب وتحرى أن يحصل جميع الضوء على الجسم المشف: فإنه يجد الضوء ينفذ في الجسم المشف ويظهر في موضع مخصوص من البيت. ثم إن قرب إلى الجسم المشف من ورائه ومن غير المسافة المستقيمة التي يمتد منها الضوء النافذ جسم أبيض كثيف فإنه يظهر عليه ضوء ما. وإذا بوعد ذلك الجسم الأبيض عن الجسم المشف ضعف ذلك الضوء كمثل حال الأضواء الثواني. وإن أدير الجسم الأبيض حول الجسم المشف من جميع جهاته ولم يدخل في المسافة التي يمتد فيها الضوء النافذ وجد عليه هذا الضوء الثاني مع امتداد الضوء النافذ إلى الموضع الذي يخصه. فقد تبين من جميع ما شرحناه وبيناه بالاستقراء والاعتبار أن إشراق جميع الأضواء إنما هو على سموت خطوط مستقيمة فقط وإن كل نقطة من كل جسم مضيء ذاتياً كان الضوء الذي فيه أو عرضياً فإن الضوء الذي فيها يشرق منه ضوء على كل خط مستقيم يصح أن يتوهم ممتداً منها في الجسم المشف المتصل بها. فيلزم من ذلك أن يكون الضوء يشرق من كل نقطة من كل جسم مضيء في الجسم المشف المتصل إشراقاً كرياً أعني على كل خط مستقيم يصح أن يمتد من تلك النقطة في الجسم المشف. ويلزم أن يكون الجسم المشف هواء كان أو غيره إذا أضاء بضوء ما أي ضوء كان فإن الضوء الذي فيه هو ضوء يشرق عليه من كل نقطة من الضوء الذي منه أضاء ذلك الجسم المشف على كل سمت مستقيم يمتد من تلك النقطة في ذلك الجسم. فعلى هذه الصفة يكون إشراق جميع الأضواء من جميع الأقسام المضيئة. وقد تبين أيضاً ان الأضواء الثواني أضعف من الأضواء التي عنها تصدر وكلما بعدت هذه الأضواء عن مبادئها ازدادت ضعفاً. وقد تبين أن الأضواء المنعكسة تمتد على خطوط مستقيمة مخصوصة لا على جميع الخطوط المستقيمة التي تمتد من موضع الانعكاس وأن الأضواء النافذة في الأجسام المشفة المخالفة الشفيف لشفيف الهواء إنما تمتد بعد خروجها من الأجسام المشفة التي تنفذ فيها على خطوط مستقيمة مخصوصة أيضاً لا على جميع الخطوط المستقيمة التي تمتد من وضع النفوذ.

وأيضاً فإننا نجد كثيراً من الألوان التي في الأجسام الكثيفة المضيئة بضوء عرضي تصحب الأضواء التي تشرق من تلك الأجسام وتوجد صورة اللون أبداً مع صورة الضوء. وكذلك الأجسام المضيئة من ذواتها توجد أضواؤها شبيهة بصورها التي تجري مجرى الألوان. فإن ضوء الشمس صورته التي تجري مجرى اللون شبيهة بصورة الشمس. وكذلك ضوء النار شبيه الصورة بصورة النار. فأما صور الألوان التي تصحب الأضواء العرضية فإنها تظهر ظهوراً بيناً إذا كانت الألوان أنفسها قوية وكانت الأضواء المشرقة عليها قوية وكان مقابلاً لها أجسام مسفرة الألوان وكانت تلك الأجسام معتدلة الأضواء. وذلك أن الأجسام المشرقة الألوان كالأرجوانية والفرفيرية والصعوية والريحانية وما جرى مجراها إذا أشرق عليها ضوء الشمس وكان بالقرب منها جدار أبيض أو جسم نقي البياض وكان الضوء الذي على هذا الجدار معتدلاً وهو أن يكون في ظل فإن تلك الألوان المشرقة تظهر صورها على الجدار والأجسام البيض القريبة منها مع الضوء الثاني الذي يصدر عن ضوء الشمس المشرق عليها.

وكذلك أيضاً إذا أشرق ضوء الشمس على روضة خضراء متقاربة النبات وكان بفنائها جدار نقي البياض وكان قريباً منها وكان مستظلاً عن الشمس فإن خضرة الزرع تظهر على ذلك الجدار. وكذلك الشجر إذا أشرق عليها ضوء الشمس وكان مقابلاً لها وبالقرب منها جدار أبيض مستظل أو كانت أرضها مسفرة اللون فإن خضرة الشجر تظهر على ذلك الجدار أو على الأرض. وإن اجتاز مجتاز بفناء الرياض أو بفناء الشجر التي قد أشرق عليها ضوء الشمس وكان المجتاز في الظل وكان ثوبه نقي البياض فإن خضرة الرياض أو الشجر تظهر على ثوبه. وقد يمكن أن يعتبر هذا المعنى في كل وقت على الصفة التي نذكرها: يعتمد المعتبر بيتاً يدخل إليه ضوء الشمس من ثقب فسيح قدره ليس بأقل من عظم الذراع في مثله ويكون الضوء ينتهي إلى أرض البيت ويكون البيت ضيقاً متقارب الجدران وتكون جدرانه نقية البياض. ويراعي دخول الضوء من الثقب: فإذا دخل ضوء الشمس من الثقب وظهر على أرض البيت أغلق الباب وأسبل عليه ستراً صفيقاً حتى لا يدخل البيت ضوء إلا من الثقب. ثم يجعل في موضع الضوء جسماً أرجوانياً وليمثل به موضع الضوء حتى لا يفضل من الضوء شيء. وليكن سطح الجسم الأرجواني مستوياً ليشتمل الضوء جميع سطحه وتكون صورة الضوء عليه متشابهة: فإنه يجد صورة اللون الأرجواني على جدران البيت من جميع جهاته مع الضوء الثاني الذي يصدر عن ضوء الشمس. فإن كان البيت فسيحاً ولم يظهر اللون على جدرانه ظهوراً بيناً لبعدها عن موضع الضوء فسيحاً ولم يظهر اللون على جدرانه ظهوراً بيناً لبعدها عن موضع الضوء فليقرب المعتبر إلى موضع الضوء ثوباً أبيض ولا يولجه في نفس الضوء بل يقربه منه ويقابله به: فإنه يجد صورة اللون الأرجواني على الثوب الأبيض مع الضوء إلا أنه يجد هذه الصورة أضعف من اللون نفسه ويجدها ممتزجة بالضوء. وإذا باعد الثوب عن موضع الضوء ازداد هذا اللون الذي يظهر على الثوب ضعفاً كما يزداد الضوء الممازج له ضعفاً. وإذا أدار الثوب من جميع جهات موضع الضوء الذي فيه الجسم الأرجواني وجد صورة اللون عليه في جميع الجهات. وإن جعل حوالي الضوء عدة أجسام نقية البياض من جميع جهاته وقابل بكل واحد منها الضوء وجد صورة اللون على جميع تلك الأجسام وممازجة للضوء. ثم يرفع الجسم الأرجواني ويجعل مكانه جسماً فرفيرياً ويعتبر لونه على الوجه الذي تقدم: فإنه يجد لونه أيضاً يشرق في جميع الجهات. ثم يرفع الجسم الفرفيري ويجعل مكانه جسماً ريحانياً ويعتبر لونه: فإنه يجده كذلك. وإن جعل موضع الضوء جسماً بأي لون كان من الألوان المشرقة فإنه يجد لونه يشرق مع الضوء الذي عليه في جميع الجهات. ثم إن جعل في موضع الضوء جسماً أبيض نقي البياض فإنه يجد جميع نواحي البيت قد ازداد ضوءاً كما ذكرنا من قبل وذلك من أجل بياض الجسم الذي في الضوء. ثم إن رفع الجسم الأبيض وجعل مكانه جسماً أسود فإنه يجد البيت قد اظلم وطفئ الضوء الذي كان فيه من أجل سواد الجسم الذي في فيتبين من هذا الاعتبار أن اللون يشرق عن الجسم المتلون المضيء ويمتد في جميع الجهات كما يشرق الضوء الذي في ذلك الجسم ويكونان أبداً معاً وتكون صورة اللون ممازجة لصورة الضوء وأن صورة اللون التي تمتد مع صورة الضوء تكون أضعف من اللون نفسه وكلما بعدت عن الجسم المتلون ازدادت ضعفاً كمثل ما في الضوء.

فأقول إن هذه الصور التي تظهر على الأجسام المقابلة للجسم المتلون المضيء ليس يدركها البصر بالانعكاس وإنما يدركها البصر كما يدرك الألوان في سطوح الأجسام المتلونة وإن هذه الصور هي في المواضع التي يدركها البصر فيها: وذلك أن هذه الصور إذا ظهرت للبصر على الجسم المقابل للجسم المتلون وكان سطح الجسم الذي تظهر عليه الصورة سطحاً مستوياً ثم انتقل البصر عن موضعه إلى جميع الجهات المقابلة لذلك السطح فإنه يدرك الصورة من جميع الجهات في ذلك السطح وعلى هيئتها. وإذا كان الجسم المتلون ساكناً والجسم المقابل له الذي تظهر عليه الصورة ساكناً وكان السطح الذي تظهر عليه الصورة مستوياً فإن انعكاس صورة الجسم المتلون عن ذلك السطح المستوي إنما يكون إلى جهة واحدة مخصوصة فقط لا إلى جميع الجهات المقابلة لذلك السطح وتنعكس عنه أو كان شعاع يخرج من البصر إلى ذلك السطح وينعكس عنه إلى الجسم المتلون لأن الانعكاس ليس يكون إلا على زوايا متساوية وإلى فإذا كان البصر يدرك هذه الصور من جميع الجهات المقابلة للسطح الذي فيه اللون مع سكون هذا السطح وسكون الجسم المتلون فليس إدراك البصر لصورة اللون في السطح الذي تظهر فيه صورة اللون بالانعكاس وإنما يدركها البصر كما يدرك الألوان في سطوح الأجسام المتلونة. وأيضاً فإنه إن أخذ المعتبر إناءً من الزجاج الرقيق المشف الأبيض النقي وجعل فيه شراباً أحمر صافي اللون وقابل به ضوء الشمس في البيت الذي وصفناه فإن اعتبار هذه الألوان في المواضع القليلة الضوء يكون أبين. وإن كان الثقب الذي يدخل منه الضوء إلى البيت ضيقاً في اعتبار الجسام المشفة أو ضيق كان أجود بعد أن لا يكون في غاية الضيق ثم يجعل في ظل الإناء ثوباُ أبيض فإنه يجد لون الشراب على ذلك الثوب مع الضوء النافذ في شفيف الزجاج وشفيف ذلك الشراب وممازجاً له ويجد اللون الذي يظهر على الثوب أرق من لون الشراب وأصفى منه. وإذا بعد الثوب عن الإناء ازداد اللون الذي يظهر عليه رقة وضعفاً.

وكذلك إن جعل في الإناء بدل الشراب ماء متلون أزرق أو أخضر أو غير ذلك من الألوان المشرقة الصافية التي لا تبطل شفيف الماء بالكلية ويمكن أن ينفذ فيها الضوء ثم اعتبر على الصفحة التي قدمناها وجد لون ذلك الماء ممتداً مع الضوء النافذ في شفيفه وممازجاً له. وكذلك إن قرب هذا الإناء الذي فيه الشراب أو الماء الملون إلى ضوء النار في الليل وقرب إليه من ورائه ثوب أبيض فإن لون الشراب يظهر على الثوب مع ضوء النار النافذ فيه. وينبغي أن يتحرى المعتبر عند اعتبار ذلك أن لا يشرق على الثوب ضوء قوي من جهة أخرى بل يكون في ظل رقيق الضوء. فيتبين من هذا الاعتبار أن اللون الذي في الأجسام المشفة أيضاً يمتد مع الأضواء النافذة فيه في الهواء المتصل به. فجميع الأجسام المتلونة الكثيفة والمشفة إذا كان لونها قوياً واعتبرت على الوجه الذي بيناه فإن ألوانها توجد أبداً ممتدة مع الأضواء التي تصدر عنها وممازجة لها. وإذا كان ذلك يوجد أبداً عند الاعتبار ومطرداً في جميع الألوان فهو خاصة طبيعية تخص الألوان. وإذا كان ذلك طبيعياً للألوان فهو يلزم في جميع الألوان قويها وضعيفها. وإذا كانت الألوان تصحب الأضواء وتمتد بامتدادها فهي تصحب جميع الأضواء قويها وضعيفها قليلها وكثيرها. وإن لم يظهر ضعيفها للبصر فلقصور قوة الحس عن إدراك المعاني اللطيفة. وقد يحتمل أن يكون الهواء والأجسام المشفة تقبل صور الألوان كما تقبل صور الأضواء حضر الضوء معها أم لم يحضر وتكون الألوان تشرق من جميع الأجسام المتلونة وتمتد في الهواء وفي الأجسام المشفة في جميع الجهات كما تشرق الأضواء وتكون خاصتها كخاصة الأضواء ويكون امتدادها في الهواء وفي الأجسام المشفة وانبساطها فيها دائماً حضر الضوء معها أو لم يحضر ويكون ليس يظهر منها للبصر إلا ما كان مصاحباً للضوء لأن البصر ليس يدرك شيئاً إلا إذا كان مضيئاً. ويحتمل أن تكون الألوان ليس يصدر عنها هذه الصور ولا تمتد في الهواء ولا يقبلها الهواء إلا بعد إشراق الضوء عليها. إلا أن الذي ليس يتداخله الشك ولا يقع فيه ريب هو أن صورة اللون وصورة الضوء يصدران معاً عن الأجسام المضيئة المتلونة ويمتدان في الهواء وفي الأجسام المتلونة والمقابلة لها ويقبلها الهواء والأجسام المشفة وينفذان فيها على جميع السموت المستقيمة التي تمتد من تلك الأجسام المتلونة في ذلك الهواء وفي تلك الأجسام المشفة. وقد اعتقد قوم أن اللون لا حقيقة له وأنه شيء يعرض بين البصر والضوء كما تعرض التقازيح وليس اللون صورة في الجسم المتلون. وليس الأمر على ما يعتقد أصحاب هذا الرأي. وذلك أن التقازيح إنما تكون بالانعكاس والانعكاس ليس يكون إلا من وضع مخصوص وليس يكون من جميع الأوضاع والتقازيح التي تظهر في أرياش بعض الحيوانات إنما هي انعكاس الأضواء عن سطوح أرياش تلك الحيوانات ولذلك تختلف صورها بحسب اختلاف الأضواء وهذه الحيوانات إذا ظهر في أرياشها ثم تغيرت أوضاعها من البصر أو تغير وضع البصر منها اختلفت صور التقازيح التي تظهر فيها عند البصر واختلفت المواضع من أرياشها التي تظهر فيها ألوان التقازيح. وإذا أنعم المعتبر النظر واستقصى التأمل للتقازيح التي تظهر في أرياش الحيوانات وتلطف في تأملها وجد كل لون من هذه التقازيح يتغير موضعه من الجسم الذي يظهر عليه عند تغير وضع ذلك الجسم من البصر أعني الجزء من الريش الذي يظهر فيه اللون من التقازيح وربما تغيرت كيفية اللون أيضاً عند تغير الموضع. ومع ذلك فإن هذه الحيوانات إذا حصلت في المواضع المغدرة والضعيفة الضوء لم يظهر فيها تلك التقازيح وظهرت ألوانها الأصلية. وليس كذلك الألوان التي في الأجسام المتلونة لأن الجسم المتلون يدركه البصر من جميع الأوضاع في الوقت الواحد على صورة واحدة. وإن اختلف الذي يظهر على الجسم المتلون باختلاف أوضاع البصر منه من أجل انعكاس الأضواء فإنما يختلف لون ذلك الجسم المتلون باختلاف أوضاع البصر في القوة والضعف فقط فأما مائية اللون فليس تختلف عند البصر باختلاف الوضع. فليس إدراك البصر للألوان التي يدركها في الأجسام الكثيفة المتلونة بالانعكاس فليس هذه الألوان كالتقازيح. ومما يظهر ظهوراً بيناً أن الألوان لها حقيقة وهي صورة في الجسم المتلون وليست شيئاً يعرض البصر والضوء ما يظهر في وجه الإنسان من حمرة الخجل وصفرة الوجل. فإن الإنسان قد يكون ساكن اللون وليس في وجهه حمرة مفرطة فإذا عرض له الخجل ظهرت في وجهه حمرة لم تكن قبل ذلك حتى يستدل من حمرة وجهه على خجله. فالناظر يراه في الحالتين قد أدرك في وجهه في الحالة الثانية حمرة لم تكن في وجهه في الحالة الأولى والضوء الذي على ذلك الوجه قبل الخجل وبعده ضوء واحد ووضع البصر في الحالتين من ذلك الوجه وضع واحد وبعده منه بعد واحد ووضع الوجه أيضاً من الجهة التي منها يرد الضوء إلى الوجه ومن الوجه المضيء الذي منه يرد الضوء والمواضع المضيئة التي منها يرد الضوء إلى ذلك الوجه وضع واحد لم يتغير وليس للحمرة التي تظهر في الوجه عند الخجل علة غير الخجل وليس الخجل أمراً من خارج ولا يتعلق بالضوء ولا بالبصر الناظر إلى ذلك الوجه فالحمرة التي تظهر في وجه الإنسان هي صورة في جسمه لا شيء يعرض بين البصر الناظر إليه وبين الضوء.

وكذلك الرجل قد يكون ساكن اللون قبل الوجل فإذا بلغه أمر يفزعه ووجل منه وجلاً شديداً ظهرت في لونه صفرة بينة لم تكن قبل الوجل. فاحمرار الخجل واصفرار الوجل مع تساوي أحوال البصر والمبصر قبل الخجل وبعده وقبل الوجل وبعده في الوضع والبعد والضوء دليل ظاهر على أن اللون صورة في الجسم المتلون وليس هو شيئاً يعرض بين البصر والضوء. فليس اللون على ما أعتقد من رأى اللون لا حقيقة له وليس هو إلا صورة في الجسم المتلون. وقد يحتمل أن تختلف الآراء ويقع الالتباس في مائية صورة اللون التي في الجسم المتلون فأما أنيتها وأنها صورة في الجسم لا صورة تعرض من خارج فليس يقع فيه لبس.

وكذلك قد يحتمل أن يكون البصر ليس يدرك حقيقة اللون على ما هي عليه من أجل انه ليس يدرك اللون إلا مع الضوء ومن أجل اختلاف إدراكه للون بحسب اختلاف الأضواء التي تشرق على الجسم المتلون فأما إن اللون له في نفسه حقيقة فليس يبطل من اجل إدراك البصر له. وإذ قد تبين ذلك فإننا نقول إن الصورة التي تظهر على الجسم المقابل للجسم المتلون ليس هي شيئاً يعرض بين البصر والضوء ولا بين البصر واللون وإنما هي صورة اللون الذي في الجسم المتلون ممتدة من الجسم المتلون إلى ذلك الجسم المقابل له وليس امتدادها إلى ذلك الجسم وإلى الجهات المقابلة للجسم المتلون بتوسط البصر ولا من أجل حضور البصر ولا حصولها على ذلك الجسم من أجل حضور البصر ولا بتوسط البصر. ولا حصولها على ذلك الجسم من أجل حضور البصر ولا بتوسط البصر. وذلك انه قد تبين أن هذه الصور ليس توجد إلا مع الضوء الذي يصدر من الجسم المتلون وممازجة له وأن هذه الصورة توجد في جميع الجهات التي يشرق عليها ضوء ذلك الجسم والضوء ليس يشرق من الجسم ولا من أجل حضور البصر بل إنما يشرق إشراقاً طبيعياً. وإذا كان الضوء ليس يمتد إلى جميع الجهات المقابلة له من أجل حضور البصر ولا بتوسط البصر وكانت صورة اللون الذي في الجسم المتلون توجد أبداً ممازجة للضوء الذي يشرق من ذلك الجسم وتوجد في جميع الجهات التي يمتد عليها ذلك الضوء فليس امتداد صورة اللون إلى جميع الجهات المقابلة للجسم المتلون من أجل حضور البصر ولا بتوسط البصر. وأيضاً فإنه قد تبين ان البصر يدرك هذه الصور على الجسم المقابل للجسم المتلون بالانعكاس. وقد تبين أن اللون الذي في الجسم المتلون هو صورة في الجسم المتلون لا شيء يعرض من أجل البصر. وإذا كان اللون صورة في الجسم المتلون وليس لون الجسم المتلون من أجل البصر ولا بتوسط البصر وكانت صورة هذا اللون تمتد إلى الجهات المقابلة للجسم المتلون لا من أجل حضور البصر ولا بتوسط البصر وكان البصر يدرك هذه الصورة على الجسم المقابل للجسم المتلون لا بالانعكاس بل كما يدرك الألوان في الأجسام المتلونة فصورة اللون إذن التي يدركها البصر على الجسم المقابل للجسم المتلون هي صورة في سطح الجسم المقابل للجسم المتلون هي صورة في سطح الجسم المقابل للجسم المتلون لا شيء يعرض بين البصر والضوء ولا بين البصر واللون وليس حصولها على ذلك الجسم من أجل حضور البصر ولا بتوسط البصر. وإذا كان جميع ذلك كذلك فإن كل جسم متلون مضيء بأي ضوء كان فإن صورة الضوء واللون اللذين فيه تكون أبداً ممتدة في جميع الجهات المقابلة لذلك الجسم في الهواء والأجسام المشفة المتصلة بذلك الجسم والمقابلة له ومشرقة على جميع الأجسام المقابلة لذلك الجسم حضر البصر أم لم يحضر.

وأيضاً فإنه قد تبين أن صورة الضوء تمتد من كل نقطة من سطح الجسم المضيء على كل خط مستقيم يصح أن يمتد من تلك النقطة. وإذا كان الضوء يمتد من كل نقطة من سطح الجسم المضيء على كل خط مستقيم يصح أن يمتد من تلك النقطة وكانت الألوان تصحب أبداً الأضواء وكان اللون والضوء يصدران معاً وينفذان في الهواء وفي الأجسام المشفة على جميع السموت المستقيمة التي تمتد من تلك الأجسام فصورة اللون أيضاً تمتد من كل نقطة من سطح الجسم المتلون المضيء على كل خط مستقيم يصح أن يمتد من تلك النقطة. فكل جسم متلون مضيء بأي ضوء كان فإن كل نقطة من سطحه يمتد منها صورة الضوء وصورة اللون اللذين فيها على كل خط مستقيم يصح أن يمتد من تلك النقطة في الهواء والأجسام المشفة المتصلة بتلك النقطة والمقابلة لها وتشرق على كل جسم مقابل لتلك النقطة وتكون أبداً ممتدة في جميع الجهات وتشرق على الأجسام المقابلة لها ما دامت مضيئة والأجسام المتصلة بها فأما لم ليس تظهر هذه الصورة على جميع المقابلة للأجسام المتلونة وتظهر على الأجسام المقابلة البيض والمسفرة الألوان ولم ليس يظهر على الجسم الأبيض لون كل جسم متلون مقابل له ويظهر عليه اللون المشرق القوي ولم ليس يظهر هذا اللون على الجسم الأبيض إذا كان الضوء الذي في الجسم المتلون ضعيفاً فأما لما ليس تظهر هذه الصورة على جميع الأجسام المقابلة الأجسام المتلونة وتظهر على الأجسام البيض والمسفرة الألوان ولم ليس يظهر على الجسم الأبيض لون كل جسم متلون مقابل له ويظهر عليه اللون المشرق القوي ولم ليس يظهر هذا اللون على الجسم الأبيض إذا كان الضوء الذي في الجسم المتلون ضعيفاً ويظهر إذا كان الضوء الذي في الجسم المتلون قوياَ ولم ليس يظهر هذا اللون على الجسم الأبيض إذا كان الجسم الأبيض في ضوء الشمس وفي ضوء قوي ويظهر عليه إذا كان الجسم الأبيض في الظل وفي الأضواء الضعيفة فإن جميع ذلك لعلة تخص البصر لا أن صور الألوان تشرق على جميع الأجسام المقابلة لها. ونحن نشرح هذا المعنى من بعد ونبينه بياناً مستقصىً ونبين علله ونوضحها عند كلامنا في كيفية الأبصار. فهذا الذي بيناه من خواص الأضواء وما يصحب الأضواء ويقترن بها من صور الألوان كاف فيما نشرع فيه من البحث عن كيفية الإبصار.

=======
كتاب المناظر/المقالة الأولى/الفصل الرابع 
نجد البصر إذا نظر إلى الأضواء القوية التي في غاية القوة تألم بها واستضر. فإن الناظر إذا نظر إلى جرم الشمس لم يستطع النظر إليها فإن لمحها تألم بصره بضوئها واستضر به. وكذلك إذا نظر إلى مرآة صقيلة قد أشرق عليها ضوء الشمس وكان بصره في الموضع الذي إليه ينعكس الضوء عن تلك المرآة فإنه يتأذى بالضوء المنعكس الذي يصل إلى بصره عن المرآة ولا يستطيع أن يفتح بصره ويباشر ذلك الضوء. ونجد أيضاً الناظر إذا نظر إلى جسم نقي البياض وقد أشرق عليه ضوء الشمس وأطال النظر إليه ثم صرف بصره عنه إلى موضع مغدر ضعيف الضوء فإنه لا يكاد يدرك ما في ذلك الموضع من المبصرات إدراكاً صحيحاً ويجد كأن بينه وبينها ستراً. ثم ينجلي ذلك عن تدريج ويعود البصر إلى حاله.

وكذلك إذا نظر الناظر إلى نار قوية وحدق إليها وأطال النظر زماناً ثم صرف بصره إلى موضع مغدر ضعيف الضوء فإنه يجد أيضاً في بصره مثل ذلك. وأيضاً فإننا نجد الناظر إذا نظر إلى جسم نقي البياض وقد أشرق عليه ضوء النهار وكان الضوء الذي عليه قوياً وإن لم يكن ضوء الشمس وأطال النظر إليه زماناً ثم صرف بصره إلى موضع مظلم فإنه يجد صورة ذلك الضوء في ذلك الموضع المظلم ويجد مع ذلك شكله. ثم إن أطبق بصره وتأمل ساعة فإنه يجد في بصره صورة ذلك الضوء وشكله. ثم ينجلي ذلك ويعود البصر إلى حاله.

وكذلك يكون حال البصر إذا نظر إلى جسم قد أشرق عليه ضوء الشمس وأطال النظر إليه. وكذلك إن نظر الناظر إلى جسم نقي البياض وقد أشرق عليه ضوء النار وكان ضوء النار قوياً وأطال النظر إليه ثم انصرف إلى موضع مظلم فإنه يجد أيضاً في بصره مثل ذلك. وكذلك إذا كان الناظر في بين وكان في البيت ثقب واسع منكشف للسماء ونظر إلى السماء من ذلك الثقب في ضوء النهار وأطال النظر ثم عطف ببصره إلى موضع مظلم فإنه يجد صورة الضوء الذي كان يدركه من الثقب مع شكل الثقب في الموضع. وإن أطبق بصره وجد أيضاً فيه تلك الصورة. فتدل جميع هذه الأحوال على أن الضوء يؤثر في البصر أثراً ما. وأيضاً فإننا نجد الناظر إذا نظر إلى روضة خضراء متكاثفة وقد أشرق عليها ضوء الشمس وأطال النظر إليها ثم صرف بصره إلى موضع مظلم فإنه يجد في الموضع المظلم صورة ذلك الضوء ومتلوناً بخضرة الزرع. ثم إن نظر في هذه الحال إلى مبصرات بيض وكانت تلك المبصرات في الظل وفي موضع ضعيف الضوء فإنه يجد ألوانها ملتبسة بلون الخضرة. فإن أطبق بصره أيضاً في هذه الحال وتأمل فإنه يجد في بصره صورة الضوء وصورة الخضرة ثم ينحل ذلك ويزول.

وكذلك إذا نظر إلى جسم متلون بلون أرجواني أو لازوردي أو لون من الألوان المشرقة القوية وقد أشرق عليه ضوء الشمس وأطال النظر إليه ثم عطف ببصره إلى مبصرات بيض في موضع ضعيف الضوء وجد ألوانها ملتبسة بذلك اللون. فتبين من هذا الاعتبار أن الألوان المضيئة تؤثر أيضاً في البصر. وأيضاً فإننا نرى الكواكب في ضوء النهار وليس الفرق بين الوقتين إلا أن الهواء المتوسط بين أبصارنا وبين السماء مضيء بالنهار وهو بالليل مظلم فما دام الهواء مظلماً فنحن نرى الكواكب فإذا أضاء الهواء المتوسط بين أبصارنا وبين الكواكب بضوء النهار خفيت عنا الكواكب.

وكذلك إذا كان الناظر في الليل في موضع مضيء بضوء النار وكان ضوء النار منبسطاً على الأرض وكان في الموضع مبصرات لطيفة أو مبصرات فيها معان لطيفة وكانت في ظل من الأظلال ولم يكن الضوء الذي عليها قوياً ولم تكن النار متوسطة بين البصر وبين تلك المبصرات وكان الناظر يدرك تلك المبصرات ويدرك المعاني اللطيفة التي فيها ثم تحرك الناظر من موضعه حتى تصير النار متوسطة بين بصره وبين تلك المبصرات فإن تلك المبصرات تخفى عنه إن كانت لطيفة أو تخفى المعاني اللطيفة التي تكون فيها ولا يكاد يدركها ما دامت النار متوسطة بين بصره وبينها. وإن ستر النار عن بصره أدرك في الحال تلك المبصرات اللطيفة التي كانت تخفى عنه. وإن رفع الساتر الذي بين النار وبين بصره خفيت تلك المبصرات عنه. فتدل هذه الأحوال على أن الأضواء القوية إذا أشرقت على البصر أو على الهواء المتوسط بين البصر والمبصر فإنها تعوق البصر عن إدراك بعض المبصرات التي أضواؤها ضعيفة. وأيضاً فإنه إذا نظر الناظر إلى جسم صقيل وكان في الجسم نقوش دقيقة ولم تكن النقوش مخالفة اللون للون الجسم بل كانت النقوش بل كانت النقوش من لون ذلك الجسم وكان الناظر في مكان معتدل الضوء وكان ذلك المكان مقابلاً للسماء أو لبعض الجدران المضيئة بضوء قوي ثم قابل بذلك الجسم السماء أو الجدار المضيء فإنه ينعكس منه ضوء ما إلى البصر ويجد الضوء الذي يظهر في سطح الجسم وفي الموضع الذي ينعكس منه الضوء قد قوي وأشرق وفي هذه الحال إذا تأمل الناظر إلى الجسم الصقيل لم يظهر له فيه شيء من النقوش التي في موضع الضوء القوي المشرق من ذلك الجسم. ثم إن ميل الناظر الجسم عن ذلك الموضع حتى يصير الانعكاس إلى موضع غير الموضع الذي فيه بصره ويكون مع ذلك على الجسم ضوء معتدل فإن الناظر وكذلك الخط الدقيق الذي في الورق الصقيل إذا انعكس الضوء عن الورق إلى البصر ذلك الخط ولم يفهمه ما دام الضوء منعكساً عنه إلى البصر. فإذا ميل سطح الورق حتى يتغير وضعه فلا ينعكس الضوء عنه إلى البصر أدرك البصر ذلك الخط وفهمه. وأيضاً فإن النار الضعيفة إذا كانت في ضوء ضعيف ظهرت وأدركها البصر وإذا كانت في ضوء الشمس ظهر الجسم الذي فيه النار ولم تظهر النار. وإن كان في تلك النار دخان ظهر الدخان ولم تظهر النار. وأيضاً فإنه إن حصل في ضوء الشمس جسم كثيف متلون بلون مشرق قوي وقرب من ذلك الجسم جسم أبيض نقي البياض وكان هذا الجسم في الظل وفي ضوء ضعيف ظهر عليه لون ذلك الجسم كما وصفنا من قبل. ثم إن قرب الجسم الأبيض حتى يصير في ضوء الشمس أو يقوى الضوء الذي عليه خفي ذلك اللون الذي عليه. وإن رد إلى الظل وإلى الضوء الضعيف ظهر اللون عليه. وعند كونه في الضوء القوي أيضاً وخفاء اللون الذي عليه: إن ظلل الجسم بجسم كثيف وهو في مكانه حتى يضعف الضوء الذي عليه ظهر اللون عليه وإن رفع الجسم المظل حتى يقوى الضوء على الجسم الأبيض خفي اللون الذي عليه.

وكذلك إذا قربنا جسماً مشفاً متلوناً لون بشرق إلى نار قوية وقربنا إلى ظل ذلك الجسم ثوباً أبيض ظهر لون ذلك الجسم المشف على ذلك الثوب كما وصفنا من قبل. ثم قربنا إلى ذلك الثوب ناراً غير تلك النار حتى يشرق ضوؤها على ذلك الثوب خفي ذلك اللون الذي كان يظهر على الثوب فلم ير إلا بياض الثوب فقط. وإذا غيبنا تلك النار الثانية ظهر اللون على الثوب. وأيضاً فإن بعض الحيوانات البحرية قد يكون لها أصداف وأغشية إذا حصلت في موضع مظلم لا ضوء فيه ظهرت تلك الأصداف كأنها نار وإذا نظر إليها ناظر في ضوء النهار أو في ضوء النار أدرك تلك الأصداف ولم ير فيها شيئاً من النار وكذلك الحيوان المسمى اليراع إذا طار في الليل ظهر كأنه نار تخطف وإذا نظر إليه ناظر في ضوء النهار أو في ضوء النار أدرك الحيوان ولم ير فيه ناراً. فتدل هذه الأحوال كلها التي شرحناها على أن الأضواء القوية التي تكون المبصرات قد تخفي بعض المعاني التي في بعض المبصرات وأن الأضواء الضعيفة التي تكون في المبصرات قد تظهر بعض المعاني التي في بعض المبصرات. وأيضاً فإن المبصرات التي فيها نقو دقيقة أو وشوم أو معان لطيفة قد كثير من المعاني التي فيها إذا كانت في الأضواء الضعيفة وفي المواضع المغدرة وإذا أبرزت إلى المواضع المضيئة وقوي الضوء الذي عليها أو جعلت في ضوء الشمس ظهرت المعاني التي تكون فيها التي كانت تخفى في المواضع المغدرة وفي الأضواء الضعيفة وكذلك الخط الدقيق قد يعجز البصر عن إدراكه في المواضع المغدرة وفي الأضواء الضعيفة وإذا أبرز إلى الأضواء القوية أدركه البصر. فتدل هذه الحال على أن الأضواء القوية قد تظهر كثيراً من المعاني التي في المبصرات وأن الأضواء الضعيفة قد تخفي كثيراً من المعاني التي في المبصرات. وأيضاً فإننا نجد الأجسام الكثيفة المتلونة بألوان مشرقة كالأرجوانية واللازوردية والخمرية والفرفيرية إذا كانت في مواضع مغدرة وفي أضواء ضعيفة ظهرت ألوانها كدرة وإذا كانت في ضوء قوي ظهرت ألوانها مشرقة صافية وكلما ازداد الضوء الذي عليها قوة ازدادت ألوانها إشراقاً وصفاءً. وإذا كان واحد من الأجسام في مكان مظلم وليس فيه إلا ضوء يسير جداً فإن ذلك الجسم يظهر مظلماً ولا يتيقن البصر لونه ويظن به انه أسود. فإذا اخرج إلى المواضع المضيئة وقوي الضوء الذي عليه ظهر لونه وتميز للبصر. ونجد أيضاً الأجسام البيض الكثيفة إذا أشرق عليها ضوء قوي ازدادت بياضا ًوإشراقاً عند الحس ونجد الأجسام الكدرة الألوان إذا أشرقت عليها الأضواء القوية صفت ألوانها وأسفرت. وأيضاً فإننا نجد الأجسام المشفة المتلونة بألوان قوية كالأشربة القوية الحمرة التي في الأواني المشفة إذا كانت في مواضع مغدرة وفي أضواء ضعيفة فإنها تظهر سوداً مظلمة وكأنها غير مشفة وإن استشقت وإذا كانت في الأضواء القوية أو أشرق عليها ضوء الشمس صفت ألوانها وأشرقت وظهر شفيفها.

وكذلك الجواهر المشفة المتلونة المشبعة الألوان إذا كانت في المواضع المغدرة ظهرت ألوانها كدرة وإذا أشرق عليها ضوء قوي أو قوبل بها الضوء حتى ينفذ الضوء فيها صفت ألوانها وأشرقت وظهر شفيفها. وأيضاً فإن الأجسام المشفة المتلونة إذا قوبل بها الضوء وقوبلت من الجهة المضادة لجهة الضوء بجسم أبيض كما ذكرنا من قبل فإنه إن كان الضوء قوياً ظهرت صورة ذلك اللون في ظله على الجسم الأبيض المقابل له وإن كان الضوء الذي يشرق عليه ضعيفاً ظهر على الجسم الأبيض المقابل له ظل ولم يظهر اللون. وأيضاً فإننا نجد أرياش الطواويس والثوب المسمى أبا قلمون تختلف ألوانها عند البصر في الأوقات المختلفة من النهار بحسب اختلاف الأضواء التي تشرق عليها. فتدل هذه الأحوال التي تظهر في الألوان على أن الأجسام المتلونة إنما يدرك البصر ألوانها بحسب الأضواء المشرقة عليها. فإذا كانت الأضواء القوية التي في المبصرات وقد تظهر بعض المعاني التي في بعض المبصرات وكانت الأضواء الضعيفة التي تكون المبصرات قد تظهر بعض المعاني التي في بعض المبصرات وقد تخفي بعض المعاني التي في بعض المبصرات وكانت الأجسام المتلونة قد تتغير ألوانها بحسب اختلاف الأضواء التي تشرق عليها وكانت الأضواء القوية المشرقة على البصر قد تعوق البصر عن إدراك بعض المبصرات وكان البصر مع جميع ذلك ليس يدرك شيئاً من المبصرات إلا إذا كان مضيئاً فإن الصورة إذن التي يدركها البصر من المبصر إنما تكون بحسب الضوء الذي في المبصر وبحسب الأضواء التي تشرق على البصر في حال إدراكه لذلك المبصر وعلى الهواء المتوسط بين البصر والمبصر. فأما لم الأضواء القوية تعوق البصر عن إدراك بعض المبصرات فإننا نشرح علة ذلك عند كلامنا في كيفية الإبصار.
=========
كتاب المناظر/المقالة الأولى/الفصل الخامس
 
البصر مركب من طبقات وأغشية وأجسام مختلفة ومبدؤه ومنشؤه من مقدم الدماغ ينشق من مقدم الدماغ عصبتان جوفاوان متشابهتان يبتدئان من موضعين عن جنبتي مقدم الدماغ ويقال إن كل واحدة منهما طبقتان وأنهما ينشآن من غشائي الدماغ فينتهيان إلى الوسط من ظاهر مقدم الدماغ ثم يلتقيان فيصيران عصبة واحدة جوفاء ثم تنقسم هذه العصبة فتصير أيضاً عصبتين جوفاويين متساويتين ثم تمتد هاتان العصبتان حتى تنتهيا إلى حدبتي العظمين المقعرين المحيطين بجملتي العينين. وفي وسطي تقعيري هذين العظمين ثقبان متساويان نافذان وضعهما من العصبة المشتركة وضع متشابه. فتدخل العصبتان في هذين الثقبين وتخرجان إلى تقعيري العظمين فإذا وصلا إلى تقعيري العظمين انتشرا واتسعا وصار طرف كل واحد منهما كالقمع. وكل واحدة من العينين مركبة على هذا الطرف من العصبة الذي هو كالقمع وملتحم به. ووضع كل واحدة من العينين من العصبة المشتركة وضع متشابه. فأولها شحمة بيضاء تملأ مقعر العظم وهي معظم العين وتسمى الملتحمة. وفي داخل هذه الشحمة كرة مستديرة جوفاء سوداء في الأكثر وزرقاء وشهلاء في بعض الأبصار. وجسم هذه الكرة رقيق ومع ذلك صفيق ليس بالسخيف وظاهرها ملتصق بالملتحمة وداخلها أجوف وفي باطن داخلها شبيه بالخمل والملتحمة مشتملة على هذه الكرة ما سوى مقدمها فإن الملتحمة ليس تغطي مقدم هذه الكرة بل تستدير على مقدمها. وتسمى هذه الطبقة العنبية لأنها تشبه العنبة. وفي وسط مقدم العنبية ثقب مستدير نافذ إلى تجويفها وهو مقابل لطرف تجويف العصبة التي العين مركبة عليها. ويغطي هذا الثقب وجميع مقدم العنبية الذي حوله الملتحمة من خارج طبقة متينة بيضاء تسمى القرنية لأنها تشبه بالقرن الأبيض في المشف. وفي صدر مقعر العنبية كرة صغيرة بيضاء رطبة متماسكة الرطوبة ومع ذلك ترفة وفيها شفيف ليس في الغاية بل فيها بعض الغلظ ويشبه شفيفها شفيف الجليد وتسمى الجليدية. وسميت بهذا الاسم من أجل شبه شفيفها وهي مركبة على طرف تجويف العصبة. وفي مقدم هذه الكرة تسطيح يسير يشبه تسطيح ظاهر العدسة فسطح مقدمها قطعة من سطح كري أعظم من السطح الكري المحيط ببقيتها. وهذا السطح مقابل للثقب الذي في مقدم العنبية وهذه الرطوبة تنقسم بجزء ين مختلفي الشفيف أحدهما يلي مقدمها والجزء الآخر يلي مؤخرها. والجزء المتأخر منها يشبه شفيفه شفيف الزجاج المرضوض فيسمى هذا الجزء بالرطوبة الزجاجية. وشكل مجموع الجزءين رقيق في غاية الرقة والسخافة يسمى العنكبوتية لنه يشبه بنسج العنكبوت. وفي صدر مقعر العنبية ثقب مستدير هو على طرف تجويف العصبة والجليدية مركبة في هذا الثقب. واستدارة هذا الثقب وهو طرف العصبة تحيط بوسط كرة الجليدية وتلتحم العنبية بالجليدية من الدائرة المحيطة بهذا الثقب. ويقال إن العنبية منشأها من الطبقة الداخلة من طبقتي العصبة المجوفة وأن القرنية منشأها من الطبقة الخارجة من طبقتي هذه العصبة. ويملأ تجويف العنبية رطوبة بيضاء رقيقة صافية مشفة تسمى الرطوبة البيضية لأنها تشبه بياض البيض في رقته وبياضه وشفيفه. وهي تمل تجويف العنبية وتماس مقدم الجليدية وتمل الثقب الذي في مقدم العنبية وتماس مقعر القرنية. وكرة الجليدية مركبة على تجويف العصبة ويلي تجويف العصبة الرطوبة الزجاجية فتكون القرنية والرطوبة البيضية والرطوبة الجليدية والزجاجية متوالية متماسة. وجميع هذه الطبقات مشفة والثقب الذي في مقدم العنبية مقابل لمقدم تجويف العصبة فيكون بين سطح القرنية وبين ويقال عن الروح الباصرة تنبعث من مقدم الدماغ وتملأ تجويف العصبتين الأوليين المتصلتين بالدماغ وتنتهي إلى العصبة المشتركة فتملأ تجويف هذه العصبة وتمتد في العصبتين الثانيتين الجوفاوين فتملأهما وتنتهي إلى الجليدية فتغطيها القوة الباصرة. وبين محيط الجليدية الملتحم بالعنبية وبين الثقب الذي في مقعر العظم الذي منه تخرج العصبة مسافة مقتدرة والعصبة تمتد في هذه المسافة من نهاية الثقب إلى محيط الجليدية على انخراط واتساع وكلما بعدت عن الثقب اتسعت إلى أن تنتهي إلى محيط كرة الجليدية وتلتحم بمحيطها. وجسم الملتحمة مشتمل على هذا الجزء المنخرط من العصبة وعلى كرة العنبية وكرة العنبية عن وسط الملتحمة إلى ما يلي ظاهر البصر وجسم الملتحمة ملتحم بكرة العنبية وبالطرف المنخرط المتسع من العصبة وحافط لوضعها. فإذا تحركت العين تحركت بجملتها فتنحني العصبة التي العين مركبة عليها عند حركتها ويكون انحناؤها عند الثقب الذي في مقعر العظم لأن مقعر العظم يشتمل على جملة العين والعين تتحرك بجملتها في هذا التقعير. والملتحمة ملتحمة بما في داخلها من العصبة ومن الطبقات الباقية وحافظة لأوضاعها وغير مفارقة لها. فانحناء العصبة عند حركة العين إنما يكون من وراء جملة العين فهو عند الثقب الذي في مقعر العظم.

وكذلك إذا كانت العين ساكنة وكانت العصبة منحنية فإنما يكون انحناؤها عند الثقب الذي في مقعر العظم لأن جملة العين ليس يتغير وضع أجزائها بعضها عند بعض لا عند حركتها ولا عند سكونها. فانحناء العصبة التي العين مركبة عليها ليس يكون إلا عند الثقب الذي في مقعر العظم تحركت العين ام سكنت. والسطح الظاهر من القرنية سطح كري ومع ذلك متصل بالسطح المحيط بالملتحمة وبجملة العين وجملة العين أعظم من كرة العنبية التي هي بعضها فالسطح الظاهر من القرنية هو من سطح كري اعظم من كرة العنبية فنصف قطره اعظم من نصف قطر العنبية. والسطح الداخل من القرنية المنطبق على ثقب العنبية سطح مقعر كري موازي للسطح الظاهر منها لأن هذا الموضع متساوي السمك فمركز هذا السطح المقعر أيضاً هو مركز السطح المحدب الظاهر. وهذا السطح المقعر يقطع سطح كرة العنبية على محيط الثقب فمركزه أبعد في العمق من مركز العنبية لأن ذلك يلزم في خواص الأكر.

وأيضاً فلأن كرة العنبية ليست في وسط الملتحمة وهي متقدمة إلى ما يلي سطح ظاهر البصر وسطح ظاهر البصر من كرة اعظم من كرة العنبية يكون مركز السطح الظاهر ابعد في العمق من مركز العنبية فمركز سطح القرنية أبعد في العمق من مركز العنبية. والخط المستقيم الذي يصل بين المركزين أعني مركز سطح القرنية ومركز العنبية إذا خرج على استقامة انتهى إلى مركز الثقب الذي في مقدم العنبية وإلى وسطي سطحي القرنية المتوازيين لأن السطح المقعر من القرنية والسطح المحدب من العنبية سطحان كريان يتقاطعان وكل سطحين كريين متقاطعين فإن الخط الذي يصل بين مركزيهما يمر بمركز الدائرة ويكون عموداً على سطحها يمر بمركزي الكرتين. والسطح المقعر من القرنية مماس لسطح الرطوبة البيضية التي في داخل ثقب العنبية ومنطبق عليه فسطح الرطوبة البيضية أيضاً سطح كري مركزه مركز السطح المنطبق عليه. فالسطح الظاهر من القرنية والسطح الداخل منها وسطح الرطوبة البيضية المماس لمقعر القرنية سطوح كرية متوازية مركزها نقطة واحدة مشتركة وهي أبعد في العمق من مركز العنبية. والخط الذي يمر بمركز العنبية وبمركز القرنية وبمركز الثقب الذي في مقدم العنبية إذا امتد على استقامة فإنه يمر بوسط تجويف العصبة التي العين مركبة عليها لأن الثقب الذي في مقدم العنبية مقابل للثقب الذي في صدر العنبية الذي هو طرف تجويف العصبة. وسطح مقدم الجليدية أيضاً سطح كري وهو يقطع كرة العنبية فمركزه أبعد في العمق من مركز العنبية. والخط المستقيم الذي يصل بين مركزيهما يمر بمركز دائرة التقاطع ويكون عموداً عليها دائرة التقاطع بين سطح مقدم الجليدية وبين سطح كرة العنبية هي إما الدائرة التي تحد نهاية الالتحام بين الجليدية وبين العنبية وإما موازية لها لأن التسطيح الذي في مقدم الجليدية مقابل للثقب الذي في مقدم العنبية ووضعه منه وضع متشابه فنهاية هذا السطح وهي دائرة التقاطع بين سطحي الجليدية إما أن تكون هي دائرة الالتحام نفسها أو موازية لها. فإن كانت هذه الدائرة اعني دائرة التقاطع بين سطحي الجليدية وهي دائرة الالتحام فهذه الدائرة هي دائرة التقاطع بين سطحي مقدم الجليدية وبين العنبية. وإن كانت دائرة التقاطع بين سطحي الجليدية موازية لدائرة الالتحام فإن سطح مقدم الجليدية إذا توهم منبسطاً على ما هو عليه من كريته فإنه يقطع كرة العنبية على دائرة موازية لهذه الدائرة أعني دائرة التقاطع بين سطحي الجليدية لتشابه وضع هذه الدائرة من محيط كرة العنبية. وهذه الدائرة موازية لدائرة الالتحام. فتكون دائرة التقاطع بين سطح مقدم الجليدية وبين مركز العنبية موازية لدائرة الالتحام. فدائرة التقاطع بين سطح مقدم الجليدية وبين كرة العنبية إما هي دائرة الالتحام نفسها أو موازية لها. فإن كانت هذه الدائرة هي دائرة الالتحام نفسها فإن الخط المستقيم الذي يمر بمركز مقدم الجليدية ويمر بمركز العنبية يمر بمركز هذه الدائرة فيكون عموداً عليها لأن هذه الدائرة تكون دائرة التقاطع بين السطحين الكريين. وإن كانت هذه الدائرة موازية لدائرة الالتحام وهي موازية لدائرة التقاطع بين سطحي الجليدية فهي مع دائرة الالتحام في سطح واحد كري وهو سطح كرة العنبية وهي موازية لها وهي مع دائرة التقاطع بين سطحي الجليدية في سطح واحد كري وهو سطح مقدم الجليدية وهي موازية لها فالخط المستقيم الذي يمر بمركز كرة العنبية وبمركز سطح مقدم الجليدية ويمر بمركز دائرة التقاطع ويكون عموداً عليها هو يمر بمركز دائرة التقاطع بين سطحي الجليدية ويكون عموداً عليها لن هذه الدائرة مع دائرة التقاطع بين كرة العنبية وبين سطح مقدم الجليدية في سطح واحد كري وهو سطح مقدم الجليدية وهي موازية لها وكل دائرتين متوازيتين في سطح كرة فإن الخط الذي يمر بمركز إحديهما ويكون عموداً عليها فهو يمر بمركز الدائرة الأخرى ويكون عموداً عليها. وهذا الخط أيضاً يمر بمركز دائرة الالتحام ويكون عموداً عليها لن دائرة التقاطع بين كرة العنبية وبين سطح مقدم الجليدية في سطح واحد كري وهو سطح كرة العنبية وهي موازية لها فالخط الذي يمر بمركز كرة العنبية وبمركز السطح المتقدم من الجليدية يمر بمركز دائرة الالتحام على تصاريف الأحوال ويكون عموداً عليها كانت دائرة الالتحام نفس دائرة التقاطع بين سطح مقدم الجليدية وبين كرة العنبية أو موازية لهذه الدائرة. وأيضاً فإن سطح مقدم الجليدية وسطح بقية الجليدية سطحان كريان متقاطعان فمركز السطح المتقدم ابعد في العمق من مركز السطح المتأخر. والخط المستقيم الذي يصل بين هذين المركزين يمر بمركز دائرة التقاطع ويكون عموداً عليها قد تبين أنه يمر بمركز دائرة الالتحام ويكون عموداً عليها لأن هذه الدائرة إما هي دائرة الالتحام أو موازية لها فالخط إذن الذي يمر بمركز العنبية وبمركز مقدم الجليدية وبمركز دائرة الالتحام ويكون عموداً على هذه الدائرة يمر بمركز بقية الجليدية. وإذا كان هذا الخط يمر بمركز بقية الجليدية وبمركز دائرة الالتحام وهو قائم على سطح دائرة الالتحام على زوايا قائمة فهو يمتد في وسط تجويف العصبة التي العين مركبة عليها لن دائرة الالتحام هي طرف تجويف العصبة. وقد نبين أن الخط الذي يمر بمركز العنبية وبمركز القرنية وبمركز الثقب الذي في مقدم العنبية يمتد في وسط تجويف العصبة فهذا الخط إذن الذي يمر بمركزي سطحي الجليدية وبمركز كرة العنبية هو الخط الذي يمر بمركز القرنية وبمركز العنبية وبمركزي سطحي الجليدية وبمركز الثقب الذي في مقدم العنبية وبمركز دائرة الالتحام ويمر بأوساط جميع الطبقات المقابلة لثقب العنبية وهو عمود على سطوح جميع الطبقات المقابلة لثقب العنبية وعمود على سطح ثقب العنبية وعمود على سطح دائرة الالتحام ويمتد في وسط تجويف العصبة التي العين مركبة عليها. وإذ قد تبين أن مركز القرنية ومركز سطح مقدم الجليدية هما جميعاً على هذا الخط وهما جميعاً أبعد في العمق من مركز العنبية فالأشبه أن يكون مركز سطح مقدم الجليدية وهو مركز القرنية لتكون مراكز جميع السطوح المقابلة لثقب العنبية نقطة واحدة مشتركة فتكون جميع الخطوط الخارجة من المركز إلى سطح البصر أعمدة على جميع السطوح المقابلة للثقب ومع ذلك فإنه يتبين من بعد بالدليل عند كلامنا في كيفية الإبصار أن مركز سطح القرنية ومركز السطح المتقدم من الجليدية هو نقطة واحدة مشتركة.

طبقات البصر المقابلة لثقب العنبية سطوح كرية مركزها نقطة واحدة مشتركة. وأيضاً فلأن هذا المركز هو مركز السطح الظاهر من البصر المتصل بالسطح المشتمل على جملة العين فهو في داخل جملة العين فمركز سطوح طبقات البصر المقابلة لثقب العنبية هو في داخل جملة العين. فإذا تحركت العين فليس تتغير النقطة من العين التي هي مركز سطوح طبقات البصر ولا يتغير وضعها من هذه السطوح بل تكون حافظة لوضعها لأن العين إذا تحركت إنما تتحرك بجملتها وأوضاع أجزاء جملتها بعضها عند بعض ليس تتغير عند الحركة. وهذا المركز هو في داخلها فوضعه لا يتغير عند جملتها.

وكذلك وضع طبقات البصر عند جملة العين ليس يتغير عند حركة البصر. فوضع هذا المركز عند سطوح طبقات البصر ليس يتغير عند حركة البصر ولا عند سكونه. وقد تبين أن انحناء العصبة عند حركة البصر وعند سكونه إنما يكون عند الثقب الذي في مقعر العظم لأنه إنما يكون من وراء جملة العين فانحناء العصبة إذن عند حركة البصر وعند سكونه ليس يكون إلا من وراء مركز البصر. وأيضاً فإن جملة العين ليس يتغير وضع أجزائها بعضها عند بعض لا في حال حركتها ولا في حال سكونها فأوضاع مراكز طبقات البصر عند جملة العين ليس تتغير عند حركة البصر ولا عند سكونه. فالخط المستقيم الذي يمر بالمراكز ليس يتغير وضعه عند جملة العين ولا عند أجزائها لا في حال حركة البصر ولا في حال سكونه. وإذا كان وضع هذا الخط ليس يتغير عند جملة العين ولا عند أجزائها فوضع هذا الخط إذن ليس يتغير عند سطح دائرة الالتحام ولا عند محيطها وهذه الدائرة هي طرف تجويف العصبة فوضع سطحها من سطح تجويف العصبة وضع متشابه وميل الجزء المنخرط من العصبة على سطح هذه الدائرة ميل متشابه لان وضع الجليدية من هذه العصبة وضع متشابه. وإذا كانت جملة العين ليس يتغير وضع أجزائها بعضها عن بعض فسطح تجويف العصبة من لدن محيط دائرة الالتحام إلى وضع انحناء العصبة الذي هو الجزء المنخرط من العصبة لي يتغير وضعه عند جملة العين ولا عند دائرة الالتحام. وقد تبين أن وضع الخط الذي يمر بالمراكز ليس يتغير عند دائرة الالتحام وإنه يمتد في وسط تجويف العصبة. وإذا كان وضع هذا الخط ليس يتغير عند دائرة الالتحام وكان سطح تجويف العصبة الذي من لدن محيط دائرة الالتحام إلى موضع الانحناء ليس يتغير وضعه عند سطح تجويف العصبة إلى أن ينتهي إلى موضع الانحناء فالخط الذي يمر بمراكز طبقات البصر يمر بمركز دائرة الالتحام ويكون قائماً عليها على زوايا قائمة فيمتد في وسط تجويف العصبة المنخرطة إلى أن ينتهي إلى موضع انحناء العصبة ويكون وضعه أبداً من سطح تجويف العصبة الذي في داخل جملة العين ومن جميع أجزاء العين ومن جميع سطوح طبقات البصر وضعاً واحداً لا يتغير في حال حركة البصر ولا في حال سكونه.

فهذه هي أوضاع طبقات البصر وأوضاع مراكزها ووضع الخط المستقيم الذي يمر بمركزها. والعينان جميعاً متشابهتان في جميع أحوالهما وطبقاتهما وفي أشكال طبقاتهما وفي وضع كل واحد من الطبقات عند جملة العين. وإذا كان ذلك كذلك فوضع كل واحد من المراكز التي تقدم تفصيلها عند جملة العين وعند أجزائها وضع المركز النظير لذلك المركز من العين الأخرى عند جملة العين شبيهة بنظائرها في العين الأخرى كان وضع الخط الذي يمر بالمراكز في إحدى العينين عند جملة العين وعند أجزائها وعند طبقاتها شبيهاً بوضع الخط الذي يمر بالمراكز التي في العين الأخرى عند جملة العين الأخرى وعند أجزائها وعند طبقاتها. فوضع الخطين اللذين يمران بمراكز طبقات البصرين من البصرين معاً وضع متشابه في جميع أحوالهما. وكل واحدة من الملتحمتين تلتحم بها من خارج عضلتان صغيرتان إحديهما مما يلي موق العين والأخرى مما يلي مؤخرها. ويشتمل على كل واحدة من العينين الأجفان والأهداب. فهذا الذي شرحناه هو صفة تركيب البصر وهيئته وهيئة طبقاته وجميع ما ذكرناه من طبقات العين وتركيبها قد بينه وشرحه أصحاب التشريح في كتب التشريح.
========
كتاب المناظر/المقالة الأولى/الفصل السادس
قد تبين فيما تقدم أن كل جسم مضيء بأي ضوء كان فإن الضوء الذي فيه يصدر منه ضوء إلى كل جهة تقابله. فإذا قابل البصر مبصراً من المبصرات وكان المبصر مضيئاً بأي ضوء كان فإن الضوء الذي في المبصر يرد منه ضوء إلى سطح البصر. وقد تبين أيضاً أن من خاصة الضوء أن يؤثر في البصر وأن من طبيعة البصر أن ينفعل بالضوء. فاخلق بأن يكون إحساس البصر بالضوء الذي في المبصر إنما هو من الضوء الذي يرد منه إلى البصر.

وقد تبين أيضاً أن كل جسم متلون مضيء بأي ضوء كان فإن صورة اللون الذي في ذلك الجسم تصحب أبداً الضوء الذي يصدر عنه إلى كل جهة تقابل ذلك الجسم ويكون الضوء وصورة اللون أبداً معاً. فالضوء الذي يرد إلى البصر من الضوء الذي في الجسم المبصر يكون أبداً معه صورة اللون الذي في الجسم المبصر. وإذا كان الضوء واللون يردان معاً إلى سطح البصر وكان البصر يحس بالضوء الذي في المبصر من الضوء الذي يرد إليه من المبصر فأخلق بأن يكون إحساس البصر باللون الذي في المبصر أيضاً إنما هو من صورة اللون التي ترد عليه مع الضوء.

وأيضاً فإن صورة اللون تكون أبداً ممتزجة بصورة الضوء وغيره متميزة عنها فليس يحس البصر بالضوء إلا ملتبساً باللون. فاخلق بأن يكون إحساس البصر بلون المبصر والضوء الذي فيه إنما هو من الصورة الممتزجة من الضوء واللون الذي يرد إليه من سطح البصر. وأيضاً فإن طبقات البصر المسامتة لوسط مقدم البصر مشفة متماسة والأولى منها وهي القرنية مماسة للهواء الذي فيه ترد الصورة ومن خاصة الضوء أن ينفذ في كل جسم مشف وكذلك خاصة اللون أن تنفذ صورته التي تصحب الضوء في الجسم المشف ولذلك تمتد في الهواء المشف كامتداد الضوء ومن طبيعة الجسام المشفة أن تقبل صورة الأضواء والألوان وتؤديها إلى الجهات المقابلة لها فالصورة التي ترد من المبصر إلى سطح البصر تنفذ في شفيف طبقات البصر من الثقب الذي في مقدم العنبية فهي تصل إلى الرطوبة الجليدية وتنفذ أيضاً منها بحسب شفيفها. فأخلق بأن تكون طبقات البصر إنما كانت مشفة لتنفذ فيها صور الأضواء والألوان التي ترد إليها.

فلنحرر الآن ما تألف من جميع ذلك. فنقول: إن البصر يحس بالضوء واللون اللذين في سطح المبصر من الصورة التي ترد إليه من الضوء واللون اللذين في سطح المبصر وتنفذ في شفيف طبقات البصر. وهذا المعنى هو الذي فنقول الآن عن كيفية الإبصار لا تصح أن تكون بهذه الصفة فقط لأن هذه الصفة تنتقد وتبطل إن لم ينضاف إليها غيرها. وذلك أن كل جسم متلون مضيء فإن ضوئه ولونه تمتد صورتهما في الهواء المشف المتصل به إلى جميع الجهات المقابلة له. وقد يقابل البصر في الوقت الواحد مبصرات كثيرة مختلفة الألوان كل واحد منها بينه وبين البصر سموت مستقيمة في الهواء المتصل المتوسط بينه وبينها. وإذا كان المبصر المقابل للبصر ترد صورة الضوء واللون اللذين فيه إلى سطح البصر فكل واحد من المبصرات التي تقابل البصر في وقت واحد ترد صورة ضوئه ولونه في ذلك الوقت إلى سطح البصر. وإذا كانت الصورة تمتد من المبصر إلى كل جهة تقابله وكانت إنما تصل إلى البصر من أجل مقابلته فإن الصورة التي تصل من المبصر إلى البصر تصل إلى جميع سطح البصر. وإذا كان ذلك كذلك فإن البصر إذا قابل مبصراً من المبصرات ووصلت صورة لونه وضوءه إلى سطح البصر وحضر في الوقت مبصرات أخر مختلفة الألوان مقابلة للبصر فإن كل واحد من تلك المبصرات قد وردت صورة ضوءه ولونه إلى سطح البصر وتكون صورة كل واحد من جميع تلك المبصرات قد حصلت في جميع سطح البصر. فتحصل في جميع سطح البصر في وقت واحد ألوان كثيرة مختلفة وأضواء كثيرة مختلفة كل واحد منها قد ملا سطح البصر فتحصل في سطح البصر صورة ممتزجة من ألوان مختلفة فإن أحس البصر بتلك الصورة الممتزجة فهو يحس بلون مخالف للون كل واحد من تلك المبصرات. وإن أحس بواحدة من تلك الصور ولم يحس بالباقية أدرك واحداً من المبصرات ولم يدرك الباقية. وهو يدرك جميع تلك المبصرات في وقت واحد ويدركها متميزة. وإن لم يحس بواحدة من تلك الصور فليس يحس بشيء من المبصرات المقابلة. ولكنه يحس بجميعها.

وأيضاً فإن المبصر الواحد قد تكون فيه ألوان مختلفة وتخطيط وترتيب وكل جزء من أجزائه يصدر منه الضوء واللون اللذين فيه في جميع السموت المستقيمة التي يصح أن تمتد في الهواء المتصل به. فإذا كانت أجزاء المبصر الواحد مختلفة الألوان ورد إلى جميع سطح البصر من كل واحد منها صورة اللون والضوء اللذين فيه فتمتزج ألوان تلك الأجزاء في سطح البصر فيدركها البصر ممتزجة أولا يدرك منها شيئاً. فإن أدركها ممتزجة لم تتميز ألوان ولم تترتب الأجزاء وإن لم يدرك من تلك الصور شيئاً لم يدرك شيئاً من الأجزاء وإذا لم يدرك شيئاً من الأجزاء لم يدرك المبصر. لكن البصر يدرك المبصر المضيء المقابل له ويدرك أجزاءه المختلفة الألوان ويدركها متميزة مترتبة. وإذا كان ذلك كذلك فكيفية الإبصار إما أن تكون بغير هذه الصفة جملة وإما أن تكون هذه الصفة هي بعض صفتها. فلننظر الآن هل يمكن أن ينضاف إلى هذه الصفة شروط تتميز بها ألوان المبصرات عند البصر وتكون موافقة للوجود.

فنقول: إن البصر إذا قابل مبصراً من المبصرات فإن كل نقطة من سطح المبصر ترد منها صورة اللون والضوء اللذين فيها إلى جميع سطح البصر وكل نقطة من كل واحد من المبصرات المقابلة للبصر في تلك الحال أيضاً ترد منها صورة اللون والضوء اللذين فيها إلى جميع سطح البصر. فإن أحس البصر من جميع سطحه بصورة اللون والضوء التي ترد من نقطة واحدة من النقط التي في سطح المبصر فهو يحس من جميع سطحه بصورة كل نقطة من سطح ذلك المبصر وصورة كل نقطة من سطوح جميع المبصرات المقابلة له في تلك الحال فلا تترتب له أجزاء المبصر الواحد ولا تتميز له المبصرات. وإن احس البصر بالصورة التي ترد من نقطة واحدة من سطح المبصر إلى جميع سطح البصر من نقطة واحدة فقط من سطح البصر ولم يحس بصورة تلك النقطة من جميع سطحه ترتبت له أجزاء المبصر وتميزت له جميع المبصرات المقابلة له. وذلك أنه إذا أدرك لون النقطة الواحدة من نقطة واحدة فقط من سطحه أدرك لون الجزء الواحد من المبصر من جزء من سطحه وأدرك لون الجزء الآخر من جزء آخر من سطحه غير ذلك الجزء وأدرك كل واحد من المبصرات من موضع من سطحه غير الموضع الذي يدرك منه مبصراً آخر فتترتب له المبصرات وتتميز وتترتب أجزاء كل واحد من المبصرات.

فلننظر الآن هل هذا المعنى ممكن ويصح أن يوافق الوجود. فنقول أولاً إن الإبصار إنما يكون بالجليدية كان الإبصار بصورة ترد من المبصر إلى البصر أو غير ذلك وليس يكون الإبصار بواحدة من الطبقات المتقدمة لها وإنما الطبقات المتقدمة آلات لها. وذلك إن لحق الرطوبة الجليدية آفة مع سلامة بقية الطبقات بطل الإبصار وإن لحق بقية الطبقات آفة مع بقاء الشفيف الذي فيها أو بعضه ومع سلامة الجليدية لم يبطل الإبصار. وأيضاً فإنه إن حصل في ثقب العنبية سدة وبطل شفيف الرطوبة التي فيها بطل الإبصار مع سلامة القرنية وإذا زالت السدة عاد الإبصار .

وكذلك إن حصل في داخل الرطوبة البيضية جزء غليظ غير مشف وكان في وجه الرطوبة الجليدية ومتوسطاً بينها وبين ثقب العنبية بطل الإبصار وإذا زال ذلك الغلظ أ انحط الجزء الغليظ عن السمت المستقيم الذي بين الجليدية وبين ثقب العنبية أو مال عنه إلى بعض الجهات عاد الإبصار يشهد بجميع ذلك صناعة الطب.

فبطلان الإحساس عند فساد الجليدية مع سلامة بقية الطبقات المتقدمة لها دليل على أن الإحساس إنما يكون بهذه الرطوبة لا بالطبقات المتقدمة لها وبطلان الإحساس عند انقطاع الشفيف بين الجليدية وبين سطح البصر بالجسم الكثيف يدل أيضاً على أن الإحساس إنما هو عند الجليدية لا عند سطح البصر ويدل أيضاً على أن شفيف هذه الطبقات إنما هو ليتصل شفيف طبقات البصر بشفيف الهواء فتصير الأجسام التي بين الجليدية وبين البصر مشفة متصلة الشفيف. وبطلان الإحساس عند انقطاع السمت المستقيم الذي بين الجليدية وبين سطح البصر يدل على أن إحساس الجليدية ليس يكون إلا من السموت المستقيمة التي بينها وبين سطح البصر. فنقول الآن إن كان إحساس البصر بلون المبصر والضوء الذي فيه من الصورة التي ترد من المبصر إلى سطح البصر والإحساس إنما يكون بالجليدية لا بسطح البصر فليس يحس بهذه الصورة إلا بعد أن يتجاوز سطح البصر ويصل إلى الجليدية. والصورة التي ترد من المبصر إلى سطح البصر هي تنفذ في شفيف طبقات البصر لأن من خاصة الشفيف أن تنفذ فيه صور الأضواء والألوان وتمتد فيه على استقامة وقد بينا ذلك في الهواء. وإذا اعتبرت جميع الأجسام المشفة وجد الضوء ليس يمتد فيها إلا على السموت المستقيمة ونحن نبين من بعد عند كلامنا في الانعطاف كيف يعتبر ذلك وكيف تنتهي هذه الحال. وإن كان إحساس البصر باللون والضوء اللذين في المبصر من الصورة التي ترد إليه من المبصر فعند وصول هذه الصورة إلى الجليدية يقع الإحساس. وقد تبين انه ليس يصح أن يدرك البصر المبصر على ما هو عليه إلا إذا أدرك صورة النقطة الواحدة من المبصر من نقطة واحدة فقط من سطحه. فالجليدية إذن ليس يصح أن تدرك المبصر على ما هو عليه إلا إذا أدركت لون النقطة الواحدة من المبصر وضوءها من الصورة التي تصل إليها من نقطة واحدة فقط من سطح البصر. والصورة ترد من كل نقطة من سطح المبصر إلى جميع سطح البصر وتنفذ من جميع سطح البصر إلى داخل تجويف البصر. فإن كان ما يرد من النقطة الواحدة من المبصر إلى جميع سطح البصر وينفذ في طبقات البصر وينتهي إلى الجليدية تدرك الجليدية منه ما ينفذ إليها من نقطة واحدة فقط من سطح البصر وتحس بلون تلك النقطة من المبصر وضوئها من الصورة التي تنفذ من تلك النقطة فقط من سطح البصر وتصل إلى نقطة واحدة فقط من سطحها ولا تدرك تلك النقطة من المبصر من بقية الصورة التي تصل إلى سطحها من بقية سطح البصر تم الإبصار وترتبت أجزاء المبصرات وتميزت المبصرات عند البصر.

وليس يتم الإبصار إن كان من الصورة التي ترد إلى البصر إلا على هذه الصفة. وليس يصح أن يكون ذلك كذلك إلا إذا كانت واحدة من النقط التي في سطح البصر التي تنفذ فيها صورة النقطة الواحدة من سطح المبصر تتميز عن بقية النقط التي في سطح البصر وكان الخط الذي عليه ترد الصورة إلى تلك النقطة من سطح البصر يتميز عن بقية الخطوط التي ترد عليها الصورة بخاصة من أجلها يصح أن تدرك الجليدية الصورة التي ترد على ذلك الخط ومن النقطة من سطح البصر التي على ذلك الخط ولا تدركها من غيرها. وإذا استقرئت الأضواء واعتبرت كيفية نفوذها وامتدادها في الأجسام المشفة وجد الضوء يمتد في الجسم المشف على سموت مستقيمة ما دام الجسم المشف متشابه الشفيف فإذا لقي جسماً آخر مخالف الشفيف للجسم الأول الذي امتد فيه فليس ينفذ على استقامة السموت التي كان يرتد عليها إلا إذا كانت تلك السموت قائمة على سطح الجسم الثاني المشف على زوايا قائمة. وإذا كان تتلك السموت مائلة على سطح الجسم الثاني وغير قائمة عليه على زوايا قائمة انعطف الضوء عند سطح الجسم الثاني ولم يمتد على استقامة. فإذا انعطف امتد في الجسم الثاني على سموت الخطوط المستقيمة التي ينعطف عليها وتكون الخطوط التي ينعطف عليها الضوء في الجسم الثاني أيضاً مائلة على سطح الجسم الثاني ولا تكون أعمدة عليه. وإن كان بعض الخطوط التي يرد عليها الضوء في الجسم الأول قائماً على سطح الجسم الثاني وبعضها مائلاً امتد ما كان من الضوء على الخطوط القائمة في الجسم الثاني على استقامة وما كان منه على الخطوط المائلة انعطف عند سطح الجسم الثاني على خطوط مائلة ممتدة فيه على استقامة تلك الخطوط المائلة التي انعطف عليها. وقد ذكرنا هذا المعنى من قبل وضمنا تبيينه ونحن نبينه من بعد في الموضع الذي يليق به وهو عند كلامنا في الانعطاف ونرشد إلى الطريق الذي به تعتبر هذه الحال ويظهر هذا المعنى للحس ويقع معه اليقين.

وإذا كان ذلك كذلك فصورة الضوء واللون التي ترد من كل نقطة من المبصر إلى سطح البصر إذا وصلت إلى سطح البصر فليس ينفذ منها شيء في شفيفات طبقات البصر على استقامة إلا ما كان على الخط المستقيم القائم على سطح البصر على زوايا قائمة وما كان على غيره من الخطوط فإنه ينعطف ولا ينفذ على استقامة لأن شفيف طبقات البصر ليس كشفيف الهواء المماس لسطح البصر. والذي ينعطف من هذه الصور ينعطف أيضاً على خطوط مستقيمة مائلة لا على الأعمدة التي تمتد من مواضع الانعطاف. وكل نقطة من سطح البصر فليس يخرج إليها مستقيم يكون عموداً على سطح البصر إلا خط واحد فقط ويخرج إليها خطوط بلا نهاية تكون مائلة على سطح البصر. والصورة التي ترد على استقامة العمود تنفذ في طبقات البصر على استقامة العمود وجميع الصور التي ترد على الخطوط المائلة إلى تلك النقطة تنعطف عند تلك النقطة وتنفذ في طبقات البصر على خطوط مائلة أيضاً ولا ينفذ شيء منها على استقامة الخطوط التي وردت عليها ولا على استقامة العمود القائم على تلك النقطة.

وكل نقطة من سطح البصر ترد إليها في الوقت الواحد صور جميع النقط التي في سطوح جميع المبصرات المضيئة المقابلة لها في ذلك الوقت لأن بينها وبين كل نقطة مقابلة لها خطاً مستقيماً ولأن كل نقطة من النقط التي في سطوح المبصرات المضيئة فإن صورتها تمتد على كل خط مستقيم يمتد من تلك النقطة. ونقطة واحدة فقط من جميع النقط المقابلة للبصر التي وردت صورها إلى سطح البصر على خطوط مائلة. فكل نقطة من سطح البصر ينفذ فيها في الوقت الواحد صور جميع النقط التي في سطوح جميع المبصرات المقابلة لها في ذلك الوقت. وصورة نقطة واحدة فقط من جميعها تنفذ على استقامة في شفيف طبقات البصر وهي النقطة التي عند طرف العمود الذي يخرج إلى تلك النقطة من سطح البصر. وصور جميع النقط الباقية تنعطف عند تلك النقطة من سطح البصر. وصور جميع النقط الباقية تنعطف عند تلك النقطة من سطح البصر وتنفذ في شفيف طبقات البصر على خطوط مائلة على سطح البصر.

وأيضاً فإن كل نقطة من سطح الجليدية يخرج منها خط واحد فقط يكون عموداً على سطح البصر وتخرج منها خطوط بلا نهاية إلى سطح البصر وتكون مائلة عليه. فالنقطة من سطح الجليدية التي يخرج منها عمود على سطح البصر ويكون نافذاً في ثقب العنبية تخرج منها خطوط بلا نهاية تنفذ في ثقب العنبية وتنتهي إلى سطح البصر وتكون مائلة على سطح البصر وجميع الخطوط التي تخرج من نقطة من سطح الجليدية وتنفذ في ثقب العنبية وتنتهي إلى سطح البصر وتكون مائلة عليه إذا توهمت منعطفة على الصفة التي يوجبها اختلاف الشفيف الذي بين شفيف جسم القرنية وبين شفيف الهواء فإن أطرافها تنتهي إلى مواضع مختلفة وإلى نقط مختلفة وإلى نقط مختلفة من النقط التي في سطوح المبصرات التي تقابل البصر في وقت واحد وليس يلقي واحد من هذه الخطوط النقطة التي عند طرف العمود.

والنقط التي عند أطراف جميع هذه الخطوط من سطوح المبصرات تمتد صورها على استقامة هذه الخطوط وتنتهي إلى سطح البصر وينعطف جميعها إلى النقطة الواحدة بعينها من سطح الجليدية ما سوى النقطة التي عند طرف العمود فإن صورتها تمتد على استقامة العمود وتنفذ على استقامة إلى تلك النقطة من الجليدية تحس من النقطة الواحدة منها بجميع الصور التي ترد إليها من جميع السموت فهي تحس من كل نقطة منها بصورة ممتزجة من صور كثيرة وألوان ممتزجة من ألوان كثيرة من المبصرات المقابلة للبصر في ذلك الوقت فلا يتميز لها شيء من النقط التي في سطوح المبصرات ولا تترتب لها النقط التي ترد صورها إلى تلك النقطة. وإن كانت الجليدية تحس من النقطة الواحدة منها يرد إليها من سمت واحد فقط تميزت لها النقط التي في سطوح المبصرات وترتبت لها النقطة التي في سطح كل واحد من المبصرات. وليس واحدة من النقط التي تصل صورها إلى الجليدية على الخطوط المنعطفة أولى من غيرها من الصور المنعطفة ولا واحد من السموت المنعطفة أولى من غيره. والصور المنعطفة إلى النقطة الواحدة من الجليدية في الوقت الواحد كثيرة غير محصورة. والنقطة التي ترد صورتها على استقامة العمود إلى النقطة الواحدة من الجليدية هي نقطة واحدة فقط وليس يرد معها على استقامة العمود صورة غيرها لأن جميع الصور المنعطفة ليس تنعطف إلا على خطوط مائلة.

وأيضاً فإنه إذا كان مركز سطح البصر ومركز سطح الجليدية واحداً فإن العمود الذي يقوم على سطح البصر هو عمود على سطح الجليدية. فالصورة التي ترد على العمود تتميز عن سائر الصور بحالتين: إحديهما أنها تمتد من سطح المبصر إلى النقطة من الجليدية على خط مستقيم والباقية ترد على خطوط منعطفة. والثانية أن هذا العمود القائم أن هذا العمود القائم على سطح البصر هو عمود على سطح الجليدية أيضاً. والخطوط الباقية التي ترد عليها الصور المنعطفة هي مائلة على سطح الجليدية لأنها مائلة على سطح البصر. وتأثير الأضواء التي ترد على الأعمدة يكون أقوى من تأثير ما يرد على الخطوط المائلة.

فأخلق بأن تكون الجليدية إنما تحس من كل نقطة منها بالصورة التي ترد إليها على استقامة العمود فقط وأيضاً فإنه إذا كان مركز سطح الجليدية نقطة واحدة فإن جميع الأعمدة التي تقوم على سطح الجليدية وعلى سطح الجليدية وعلى سطح البصر يلتقي جميعها عند المركز المشترك وتكون أقطاراً لسطوح طبقات البصر ويكون كل واحد من الأعمدة يلقى سطح القرنية على نقطة واحدة ويلقى سطح الجليدية على نقطة واحدة ولا يخرج إلى تلك النقطة من القرنية عمود إلا عمود واحد فقط ولا يخرج إلى تلك النقطة الجليدية إلا ذلك العمود بعينه فقط. فتكون الصورة التي تخرج من كل نقطة من سطح المبصر على العمود الذي يمتد منها إلى سطح البصر يلقى سطح البصر على نقطة واحدة لا يلقاه عليها غيرها من الصور التي ترد على الأعمدة ويلقى سطح الجليدية أيضاً على نقطة واحدة لا يلقاه عليها غيرها من الصور التي ترد على الأعمدة. وأيضاً فإنه قد تبين أن كل جسم متلون مضيء بأي ضوء كان فإن كل نقطة يخرج منها صورة الضوء واللون على كل خط مستقيم يصح أن يمتد من تلك النقطة. وكل نقطة تقابل سطحاً من السطوح فإن بين تلك النقطة وبين كل نقطة من ذلك السطح خطاً مستقيماً متوهماً وبين تلك النقطة وبين جميع ذلك السطح مخروط متوهم رأسه تلك النقطة وقاعدته ذلك السطح يشتمل على جميع الخطوط المستقيمة المتوهمة التي بين تلك النقطة وبين جميع النقط التي في ذلك السطح.

فإذا كانت صورة الضوء واللون تخرج من كل نقطة من سطح الجسم المتلون المضيء على كل خط مستقيم يصح أن يمتد من تلك النقطة فإن كل نقطة مقابلة للجسم المضيء المتلون فإن صورة الضوء واللون اللذين في سطح ذلك الجسم تمتد من كل نقطة من سطح ذلك الجسم إلى تلك النقطة المقابلة له على الخط المستقيم الممتد بينها وبين تلك النقطة ويكون المخروط الذي يتشكل بين تلك النقطة وبين ذلك السطح يحيط بجميع الخطوط التي تمتد عليها الصور من جميع ذلك السطح إلى تلك النقطة. فكل جسم متلون مضيء بأي ضوء كان فإن صورة الضوء واللون اللذين فيه تمتد من سطحه إلى كل نقطة تقابل ذلك السطح على سمت المخروط الذي يتشكل بين تلك النقطة وبين ذلك السطح وتكون الصورة مرتبة في ذلك المخروط بالخطوط التي تلتقي عند تلك النقطة التي هي رأس المخروط كترتيب أجزاء اللون الذي في سطح ذلك الجسم. فإذا قابل المبصر مبصراً من المبصرات فإنه يتشكل بين النقطة التي هي مركز البصر وبين سطح ذلك المبصر المقابل للبصر مخروط متوهم رأسه مركز البصر وقاعدته سطح ذلك المبصر. وإذا كان الهواء المتوسط بين ذلك المبصر وبين البصر متصلاً ولم يتوسط بين البصر والمبصر جسم كثيف وكان ذلك المبصر مضيئاً بأي ضوء كان وكانت صورة الضوء واللون اللذين في سطح ذلك المبصر ممتدة إلى البصر على سمت ذلك المخروط وكانت صورة كل نقطة من سطح ذلك المبصر ممتدة على استقامة الخط الذي بين تلك النقطة وبين راس المخروط الذي هو مركز البصر. وإذا كان مركز البصر هو مركز سطح الجليدية كانت جميع هذه الخطوط أعمدة على سطح ظاهر البصر وعلى سطح الجليدية وعلى جميع سطوح طبقات البصر المتوازية ويكون المخروط مشتملاً على جميع هذه الأعمدة ومشتملاً على الجزء من الهواء الذي فيه تمتد الصورة من جميع سطح ذلك المبصر المقابل للبصر على سموت الأعمدة ويكون سطح الجليدية قاطعاً لهذا المخروط.

فتحصل صورة الضوء واللون اللذين في ذلك المبصر في الجزء من سطح الجليدية الذي يحوزه المخروط وتكون كل نقطة من هذا الجزء من سطح الجليدية قد وردت إليها صورة النقطة المقابلة لها من سطح المبصر على استقامة العمود يخرج من تلك النقطة من سطح المبصر على سطوح طبقات البصر وعلى سطح الجليدية ونفذت في شفيف طبقات البصر على استقامة ذلك العمود ولم تنفذ 1 معها على استقامة ذلك العمود صورة غيرها. وتكون هذه الصورة التي تحصل في الجزء من سطح الجليدية مرتبة فيه بالخطوط التي وردت عليها إليه هي أعمدة عليه وتلتقي عند مركز البصر كترتيب أجزاء سطح المبصر المقابل للبصر. وتكون كل نقطة من هذا الجزء من سطح الجليدية مع جميع ذلك قد وردت إليها في تلك الحال صور كثيرة من نقط كثيرة من النقط التي في سطوح المبصرات المقابلة للبصر في ذلك الوقت. فتحصل في هذا الجزء من سطح الجليدية الذي انفصل بالمخروط صور كثيرة من ألوان كثيرة مختلفة. فإن أحست الجليدية من الجزء الذي انفصل بالمخروط بالصورة التي وردت إلى ذلك الجزء من سمت ذلك المخروط فقط ولم تحس من ذلك الجزء من سطحها بصورة غير الصورة التي وردت على ذلك السمت أحست بصورة ذلك المبصر على ما هي عليه ومرتبة كترتيبها وأمكن أن تحس أيضاً في تلك الحال بصور مبصرات أخر غير ذلك المبصر من المخروطات التي تفصل من سطحها أجزاء أخر غير ذلك الجزء وأمكن أن تحس بصورة كل واحد من تلك المبصرات على ما هو عليه وان تحس بأوضاع بعضها من بعض على ما هي عليه. وإن أحست الجليدية بالصور التي ترد إليها من السموت المنعطفة أحست من ذلك الجزء بعينه الذي انفصل من سطحها بذلك المخروط بصورة ممتزجة من صور أجزاء سطح أجزاء سطح ذلك المبصر ومن صور مبصرات كثيرة مختلفة وتكون ممتزجة من ألوان كثيرة مختلفة وأحست من كل جزء من كل جزء من سطحها غير ذلك الجزء بصورة ممتزجة من صور مبصرات كثيرة مختلفة فلا تحس بالصورة التي وردت على سمت ذلك المخروط على ما هي عليه ولا بشيء من الصور التي وردت على الأعمدة على ما هي عليه ولا بشيء من الصور التي وردت من السموت المنعطفة على ما هي عليه فلا تحس بصورة المبصر الواحد على ما هي عليه ولا تتميز لها المبصرات التي تقابلها في وقت واحد بعضها من بعض.

والبصر إنما يدرك المبصرات متميزة ويدرك أجزاء المبصر الواحد مرتبة على ما هي عليه في سطح المبصر ويدرك عدة من المبصرات معاً في وقت واحد. فإن كان الإبصار من الصور التي ترد من المبصرات إلى البصر فليس تحس الجليدية بشيء من صور المبصرات من السموت المنعطفة. وأيضاً فإنه ليس شيء من الصور التي تصل إلى سطح الجليدية من صور المبصرات يترتب في سطح الجليدية على ما هي عليه ولا شيء من صور أجزاء المبصر الواحد إلا التي تصل إليها على استقامة الأعمدة التي تقوم على سطح البصر فقط. فأما الصور المنعطفة عند سطح البصر فإن أوضاعها تحصل في سطح الجليدية منعكسة وتحصل صورة النقطة الواحدة مع ذلك في قطعة من سطح الجليدية لا في نقطة واحدة. وذلك أن النقطة المتيامنة عن البصر إذا امتدت صورتها إلى نقطة من سطح البصر وكان الخط الذي امتدت عليه الصورة مائلاً على سطح البصر فإن صورتها تنعطف إلى الجهة المتياسرة عن العمود الذي يمتد من مركز البصر إلى تلك النقطة من سطحه. وتنتهي الصورة التي تنعطف من طرف العمود على هذه الصفة إلى نقطة متياسرة عن النقطة من سطح الجليدية التي يقطعه عليها ذلك العمود. وتكون صورة النقطة المتياسرة عن البصر التي تمتد إلى تلك النقطة بعينها من سطح البصر وتكون مائلة عليه تنعطف إلى نقطة متيامنة عن العمود وعن النقطة من سطح الجليدية التي على ذلك العمود الذي يخرج من موضع الانعطاف ولا تبلغ إلى العمود ولا تتجاوزه لأن هذه هي خاصة الصور المنعطفة.

وكذلك صورتا النقطتين اللتين في جهة واحدة عن البصر اللتان تخرجان إلى نقطة واحدة من سطح البصر وتكونان مائلتين عليه في جهة واحدة. تحصلان في سطح الجليدية منعكستين لأن الخطين اللذين عليهما تمتد صورتا النقطتين يتقاطعان عند النقطة من سطح البصر التي عليها تلتقي الصورتان ويلقيان العمود الذي يخرج إلى تلك النقطة من سطح البصر على تلك النقطة. فإن كان هذان الخطان على سطح البصر في جهة واحدة جميعاً عن العمود الذي يخرج من مركز البصر إلى تلك النقطة انعطفت صورتا النقطتين إلى الجهة المقابلة لتلك الجهة. وأيضاً فلأن الخطين اللذين تمتد عليهما الصورتان إلى النقطة الواحدة من سطح البصر يتقاطعان على تلك النقطة فإنهما إذا امتدا على استقامتهما بعد التقاطع فإن وضعهما ينعكس بالقياس إلى البصر وإلى العمود فيصير الخط الذي كان متيامناً قبل وصوله إلى سطح البصر من ذينك الخطين وكذلك يكون وضع الخطين اللذين عليهما تنعطف الصورتان من النقطة الواحدة من سطح البصر. فإن الصورتين اللتين تنعطفان من نقطة واحدة تقربان جميعاً من العمود وتمتد الصورة التي كانت على خط أبعد من العمود بعد التقاطع على خط أبعد من العمود أيضاً ولكن ببعد أقل من بعد الخط الذي كانت عليه. وتمتد الصورة التي كانت على خط أقرب إلى العمود بعد التقاطع على خط أقرب إلى العمود أيضاً ولكن أشد قرباً من الخط الذي كانت عليه كذلك جميع الصور التي تنعطف من نقطة واحدة. وإذا اعتبر هذا المعنى اعتباراً محرراً وجد على ما ذكرناه ونحن نرشد إلى الطريق الذي به يعتبر هذا المعنى اعتباراً محققاً عند كلامنا في الانعطاف وعند ذلك تنكشف جميع المعاني التي تتعلق بالانعطاف.

ولسنا نستعمل هناك في تبيين المعاني التي استعملناها في هذه المقالة شيئاً مما بيناه بهذه المعاني في هذه المقالة. فالنقطتان المائلتان إلى جهة واحدة عن البصر إذا امتدت صورتاهما إلى نقطة واحدة من سطح البصر فإنهما منعطفان على خطين يكون وضعهما عند البصر بالعكس من وضع الخطين الأولين اللذين عليهما امتدت الصورتان إلى سطح البصر فيكون وضع النقطتين من سطح الجليدية اللتين تنتهي إليهما الصورتان بالعكس من وضع النقطتين اللتين منهما وردت الصورتان. فجميع الصور التي تنعطف من نقطة واحدة من سطح البصر تحصل في سطح الجليدية منعكسة. وأيضاً فإن كل نقطة مقابلة للبصر فإن صورتها ترد إلى جميع سطح البصر فهي تنعطف من جميع سطح البصر. والصورة التي تنعطف من جميع سطح البصر تنعطف إلى جزء له قدر من سطح الجليدية لا إلى نقطة واحدة لأن الصور المنعطفة لو التقت بعد الانعطاف على نقطة واحدة لكانت تقطع الأعمدة التي انعطفت عند أطرافها وتتجاوزها أو تخرج الصورة عن السطح الذي انعطفت فيه. وليس شيء من الصور المنعطفة يلقى العمود الذي انعطفت عند طرفه بعد الانعطاف ولا تتجاوزه ولا يخرج عن السطح الذي انعطفت فيه.

وجميع هذه المعاني تتبين عند الاعتبار. فليس تكون صورة النقطة الواحدة من المبصر التي تحصل في سطح الجليدية بالانعطاف في نقطة واحدة بل في جزء مقتدر من سطح الجليدية ولا يكون وضع صور النقط المختلفة من سطح المبصر التي تحصل صورها في سطح الجليدية بالانعطاف بعضها عند بعض كأوضاعها التي هي عليها في سطوح المبصرات بل منعكسة. فليس شيء من صور المبصرات التي تصل إلى سطح الجليدية على السموت المنعطفة يترتب في سطح الجليدية على ما هي عليه في سطوح المبصرات. وقد تبين أن الصور التي ترد على الأعمدة تترتب في سطح الجليدية على ما هي عليه لأنها تمتد على استقامة من سطوح المبصرات إلى سطح الجليدية. فليس شيء من صور المصرات التي ترد إلى سطح الجليدية يترتب في سطح الجليدية على ما هي عليه في سطوح المبصرات إلا الصور التي تمتد على سموت الأعمدة فقط. فإن كان إحساس البصر بالمبصرات من الصور التي ترد إليه من سطوح المبصرات فإن البصر ليس يدرك شيئاً من صور المبصرات التي تصل إليه إلا من سموت الخطوط المستقيمة تلتقي أطرافها عند مركز البصر فقط لأن البصر ليس يدرك شيئاً من صور المبصرات إلا مرتبة على ما هي عليه في سطوح المبصرات.

وأيضاً فإنه إذا كان مركز سطح البصر ليس هو مركز سطح الجليدية فإن الخطوط المستقيمة التي تخرج من سطح البصر وتمتد في ثقب العنبية وتنتهي إلى المبصرات ليس تكون أعمدة على سطح الجليدية بل مائلة عليها ولا تكون أوضاعها على سطح الجليدية أوضاعاً متشابهة إلا خط واحد منها فقط وهو الذي يمر بالمركزين. والصور التي ترد من سطوح المبصرات إلى سطح الجليدية ليس يصح أن تحس بها الجليدية إلا من سموت هذه الخطوط فقط اعني التي هي أعمدة على سطح البصر الذي هو سطح القرنية لأن الصور التي ترد على هذه الأعمدة فقط هي التي تترتب في سطح الجليدية كترتيبها في سطوح المبصرات. فإن كانت الجليدية تدرك المبصرات من الصور التي ترد إليها وكانت إنما تدرك الصور من سموت هذه الخطوط وكانت هذه الخطوط ليست أعمدة على سطحها فهي تدرك الصور إذاً من أوضاعها من سطحها أوضاع مختلفة ومائلة على سطحها. وإذا كانت تدرك الصور من سموت مختلفة الأوضاع عند سطحها. ولو كانت تدرك الصور المنعطفة من السموت المختلفة الأوضاع لم يتميز لها شيء من المبصرات كما تبين فيما تقدم. وإذا كان ليس يصح أن تدرك الصور المنعطفة من السموت المختلفة الأوضاع فليس يصح أن تدرك صور المبصرات من سموت الخطوط التي هي أعمدة على سطح البصر إلا إذا كانت هذه الخطوط أعمدة على سطحها وكانت أوضاعها من سطحها متشابهة. وليس تكون هذه الخطوط أعمدة على سطحها إلا إذا كان مركز سطحها ومركز سطح البصر نقطة واحدة مشتركة. وليس يدرك البصر شيئاً من صور المبصرات إلا من سموت الخطوط المستقيمة التي تلتقي أطرافها عند هذا المركز فقط. وليس يمتنع أن يكون المركزان واحداً لأنه قد تبين أن المركزين جميعاً من وراء مركز العنبية وعلى الخط المستقيم الذي يمر بجميع المراكز.

فإذا كان ليس يمتنع أن يكون المركزان واحداً وان تكون الخطوط المستقيمة التي تخرج من المراكز أعمدة على السطحين جميعاً أعني سطح الجليدية وسطح البصر فليس يمتنع أن يكون إدراك البصر للمبصرات من الصور التي ترد إليه من صور الألوان والأضواء التي في سطوح المبصرات إذا كان إدراكه لهذه الصور من سموت الأعمدة فقط. وذلك بأن تكون طبيعة البصر قابلة لما يرد إليها من ضوء المبصرات وأن تكون طبيعة البصر مع ذلك متخصصة بأن لا تقبل ما يرد عليها من الصور إلا من سموت مخصوصة لا من جميع السموت وهي سموت الخطوط المستقيمة التي تلتقي أطرافها عند مركز البصر فقط لتخصص هذه الخطوط بكونها أقطاراً له وبكونها أعمدة على سطح الجسم الحاس فيكون الإحساس من الصورة الواردة من المبصرات وتكون هذه الخطوط كالآلة للبصر بها تتميز له المبصرات وبها تترتب أجزاء كل واحد من المبصرات. ولتخصص البصر ببعض السموت دون غيرها نظائر في الأمور الطبيعية. فإن الأضواء تشرق من الأجسام المضيئة وتمتد على السموت المستقيمة فقط وليس تمتد على الخطوط المقوسة ولا المنحنية. والأجسام الثقال تتحرك إلى السفل بالحركة الطبيعية على خطوط مستقيمة وليس تتحرك على خطوط منحنية ولا مقوسة ولا متعرجة وليس تتحرك أيضاً على جميع الخطوط المستقيمة التي بينها وبين سطح الأرض بل على خطوط مستقيمة مخصوصة وهي التي تكون أعمدة على سطح الأرض وأقطاراً لها. والأجرام السماوية تتحرك على خطوط مستديرة وليس تتحرك على خطوط مستقيمة ولا على خطوط مختلفة الترتيب. وإذا تؤملت الحركات الطبيعية وجد لكل واحد منها تخصص ببعض السموت دون غيرها. فغير ممتنع أن يكون البصر متخصصاً في قبوله لتأثيرات الأضواء والألوان بالسموت المستقيمة التي تلتقي عند مركزه فقط التي هي أعمدة على سطحه.

وإدراك البصر للمبصرات من سموت الخطوط المستقيمة التي تلتقي أطرافها عند مركز البصر هو الذي اجتمع عليه جميع أصحاب التعاليم ولم يقع بينهم فيه اختلاف وهذه الخطوط هي التي يسميها أصحاب التعاليم خطوط الشعاع. وإذا كان هذا المعنى ممكناً وغير ممتنع وكانت صور الأضواء والألوان ترد إلى البصر وتنفذ في شفيف طبقات البصر لأن خاصة هذه الصور أن تنفذ في الأجسام المشفة ومن خاصة الأجسام المشفة أن تقبل هذه الصور وتؤديها إلى الجهات المقابلة لها وكان الإبصار لا يتم من قبول هذه الصور إلا إذا كان قبول البصر لها من سموت الأعمدة فقط فالبصر إذن إنما يدرك الأضواء والألوان التي في سطوح المبصرات من الصور التي ترد إليه من سطوح المبصرات وليس يدرك هذه الصور إلا سموت الخطوط المستقيمة التي تلتقي أطرافها عند مركز البصر فقط.

فلنحرر الآن ما استقر من جميع ما ذكرناه. فنقول: عن البصر يحس بالضوء واللون اللذين في سطح المبصر من الصورة التي تمتد من الضوء واللون اللذين في سطح المبصر من الصورة التي تمتد من الضوء واللون اللذين في سطح المبصر في الجسم المشف المتوسط بين البصر والمبصر وليس يدرك البصر شيئاً من المبصرات إلا من سموت الخطوط المستقيمة التي تتوهم ممتدة بين المبصر ومركز البصر فقط. وإذ قد تحرر ذلك وتبين مع هذه الحال أن هذا المعنى ممكن وغير ممتنع فإننا نحرر الآن الدعوى.

فنقول: إن الإبصار لا يصح أن يكون إلا على هذه الصفة. وذلك أن البصر إذا أحس بالمبصر بعد أن كان لا يحس به فقد حدث فيه شيء ما بعد أن لم يكنن وليس يحدث شيء بعد أن لم يكن إلا لعلة. ونجد المبصر إذا قابل البصر أحس به البصر وإذا زال عن مقابلة البصر لم يحس به البصر وإذا عاد المبصر إلى مقابلة البصر عاد إليه الإحساس. وكذلك نجد البصر إذا أحس بالمبصر ثم أطبق أجفانه بطل ذلك الإحساس وإذا فتح أجفانه والمبصر في مقابلته عاد ذلك الإحساس. والعلة هي التي إذا بطلت بطل المعلول وإذا عادت عاد المعلول. فالعلة إذن التي تحدث ذلك الشيء في البصر هو المبصر وتحدثه عند مقابلته للبصر لأنه متى حضر المبصر وكان في مقابلة البصر وقع الإحساس ومتى غاب المبصر وزال عن مقابلة البصر بطل الإحساس فالبصر إذن إنما يحس بالمبصر من شيء ما يحدثه المبصر في البصر عند مقابلته للبصر. وأيضاً فإن البصر ليس يدرك المبصر إلا إذا كان الجسم المتوسط بينهما مشفاً. وليس إدراك البصر للمبصر من وراء الهواء المتوسط بينهما من اجل رطوبة الهواء وسخافته بل من أجل شفيفه لأنه إذا توسط بين البصر والمبصر حجر من الأحجار المشفة أيضاً أو جسم من الأجسام المشفة أي جسم كان أدرك البصر المبصر الذي وراءه ويكون إدراك البصر للمبصر بحسب شفيف الجسم المتوسط وكل ما كان الجسم المتوسط أشد شفيفاً كان إحساس البصر بذلك المبصر أصح وأبين. وكذلك إن توسط بين البصر والمبصر ماء صاف مشف أدرك البصر المبصر الذي من وراء الماء. وإذا أدرك البصر مبصراً من المبصرات في ماء صاف مشف ثم صبغ ذلك الماء بصبغ من الأصباغ القوية حتى يبطل شفيفه ورطوبته باقية فإن البصر حينئذ لا يدرك ذلك المبصر الذي في الماء. فيتبين من هذه الأحوال أن الإبصار إنما يتم بشفيف الجسم المتوسط لا برطوبته وسخافته. فالشيء الذي يفعله المبصر في البصر عند مقابلته له الذي منه يقع الإحساس ليس يتم إلا بشفيف الجسم المتوسط بين البصر والمبصر وليس يتم إذا توسط بين البصر والمبصر جسم كثيف.

فالضوء واللون اللذان في المبصر إذن ليس يدركهما البصر إلا من شيء ما يحدثه ذلك الضوء واللون في البصر وليس يحدث ذلك الشيء من الضوء واللون في البصر إلا إذا كان الجسم وليس يختص الشفيف بشيء مما يتعلق بالضوء واللون يخالف به الكثافة إلا أن صورة الضوء واللون تنفذ في الشفيف ولا تنفذ في الكثافة وان الجسم المشف يقبل صورة الضوء واللون ويؤديها إلى الجهات المقابلة لذلك الضوء واللون.

وليس للجسم الكثيف هذه الصفة. وإذا كان البصر ليس يحس بالضوء واللون اللذين في المبصر إلا من حدوث شيء ما يحدثه الضوء واللون في البصر وكان ذلك الشيء ليس يحدث في البصر إلا إذا كان الجسم المتوسط بين البصر والمبصر مشفاً وليس يحدث إذا توسط بينهما جسم كثيف وكان الجسم المشف ليس يختص بشيء يتميز به عن الجسم الكثيف مما يتعلق بالضوء واللون إلا قبوله لصور الأضواء والألوان وتأديته لها إلى الجهات المقابلة وكان قد تبين أن البصر إذا قابل المبصر فإن صورة الضوء واللون اللذين في المبصر تتأدى إلى البصر وتحصل في سطح العضو الحاس فالبصر إذن إنما يحس بالضوء واللون الذين في المبصر من الصورة التي تمتد في الجسم المشف من المبصر إلى البصر والشيء الذي يحدثه المبصر في البصر عند مقابلته له وتوسط الجسم المشف بينهما الذي منه يحس البصر بالضوء واللون اللذين في المبصر هو هذه الصورة. وقد يحتمل أن يقال إن الجسم المشف يقبل من البصر شيئاً ما ويؤديه إلى المبصر وباتصال هذا الشيء بين البصر والمبصر يقع الإحساس وهذا هو رأي أصحاب الشعاع. فلنفرض أن الأمر كذلك وأن الشعاع يخرج من البصر وينفذ في شفيف الجسم المشف وينتهي إلى البصر وان الشعاع يكون الإحساس. وإذا كان ذلك كذلك وكان الإحساس إنما يكون بهذا الشعاع فالإحساس الذي يكون بهذا الشعاع إما أن يتأدى إلى البصر وإما أن لا يتأدى إلى البصر. فإن كان الإحساس يكون بالشعاع ولا يتأدى إلى البصر فليس يحس البصر بشيء.

لكن البصر يحس بالمبصر. وإذا كان البصر يحس بالمبصر وليس يحس به إلا بتوسط الشعاع بينهما وكان قد تبين أن البصر ليس يحس بالمبصر إلا من شيء يحدثه المبصر بالبصر فهذا الشعاع إذن الذي يحس بالمبصر يؤدي إلى البصر شيئاً ما منه يحس البصر بالمبصر. وإذا كان الشعاع يؤدي إلى البصر شيئاً ما منه يكون إحساس البصر بالمبصر فالبصر إذن إنما يحس بالضوء واللون اللذين في المبصر من شيء يرد من الضوء واللون اللذين في المبصر إلى البصر والشعاع هو الذي يؤدي ذلك الشيء. فعلى تصاريف الأحوال ليس يكون الإبصار إلا من ورود شيء ما من المبصر إلى البصر خرج من البصر شعاع أم لم يخرج. وقد تبين أن الإبصار لا يتم إلا بشفيف الجسم المتوسط بين البصر والمبصر وليس يتم إذا توسط بينهما جسم كثيف. وهو بين أن الجسم المشف ليس يختص بشيء يخالف به الجسم الكثيف مما يتعلق بالضوء واللون إلا بقبوله صور الأضواء والألوان وتأديته لها إلى الجهات المقابلة لها. وقد تبين أن هذه الصور تمتد أبداً في الهواء وفي الأجسام المشفة ويقبلها الهواء والأجسام المشفة وتؤديها إلى جميع الجهات المقابلة لتلك الأضواء والألوان وتؤديها إلى البصر إذا كان مقابلاً لها. وإذا كان الإبصار ليس يكون إلا من ورود شيء ما من المبصر إلى البصر وكان الإبصار ليس يتم إلا بشفيف الجسم المتوسط بين البصر والمبصر وليس يتم إذا توسط بينهما جسم كثيف وكان الجسم المشف ليس يختص بشيء يخالف به الجسم الكثيف مما يتعلق بالضوء واللون إلا بقبوله صور الأضواء والألوان وتأديته لها إلى الجهات المقابلة وكان قد تبين أن صورة الضوء واللون اللذين في المبصر تصل إلى البصر إذا كان مقابلاً للمبصر فالشيء إذن الذي يرد من المبصر إلى البصر الذي منه يدرك البصر الضوء واللون اللذين في المبصر على تصاريف الأحوال ليس هو إلا هذه الصورة خرج من البصر شعاع أم لم يخرج.

وقد تبين أن صور الأضواء والألوان تشرق أبداً في الهواء وفي الأجسام المشفة وتمتد فيها إلى الجهات المقابلة لها حضر البصر أم لم يحضر. وإذا كان البصر ليس يحس بالضوء واللون اللذين في المبصر إلا من هذه الصورة وكانت هذه الصورة تمتد أبداً في الهواء وفي الأجسام المشفة إلى الجهات المقابلة لها حضر البصر أم لم يحضر فخروج الشعاع إذن عبث وفضل. فالبصر إنما يحس بالضوء واللون اللذين في المبصر من الصورة التي ترد إليه من الضوء واللون اللذين في وأيضاً فإنه قد تبين أن صورة كل نقطة من المبصر المقابل للبصر تصل إلى البصر على سموت كثيرة مختلفة وانه ليس يصح أن يدرك البصر صورة المبصر مرتبة على ما هي عليه في سطح المبصر إذا كان إدراك البصر للمبصر من الصورة التي ترد إليه من المبصر إلا إذا كان قبول البصر للصور من سموت الخطوط المستقيمة التي تكون أعمدة على سطح البصر وتكون مع ذلك أعمدة على سطح العضو الحاس وأن الخطوط المستقيمة ليس تكون أعمدة على هذين السطحين إلا إذا كان مركز هذين السطحين نقطة واحدة مشتركة فإن ذلك ممكن غير ممتنع.

وإذا كان قد تبين الآن أن الإبصار ليس يصح أن يكون إلا من الصور التي ترد من المبصر إلى البصر وكان يصح أن يدرك البصر المبصرات من الصور التي ترد إليه المبصرات إلا إذا كان قبوله لها من سموت الخطوط التي تكون أعمدة على سطح البصر وأعمدة على سطح العضو الحاس وكانت الخطوط المستقيمة ليس يصح أن تكون أعمدة على هذين السطحين معاً إلا إذا كان مركز هذين السطحين نقطة واحدة مشتركة فليس يصح إذن أن يكون مركز سطح الجليدية ومركز سطح البصر إلا نقطة واحدة مشتركة وليس يصح أن يدرك البصر شيئاً من صور المبصرات إلا من سموت الخطوط المستقيمة التي تلتقي أطرافها عند هذا المركز فقط. وهذا المعنى هو الذي كنا ضمنا من قبل عند كلامنا في هيئة البصر تبينه في هذا الفصل وقد بيناه الآن أعني وإذ قد تبين ذلك فقد بقي أن نكشف رأي أصحاب الشعاع ونبين فساد الفاسد منه وصحة الصحيح فنقول إنه إن كان الإبصار إنما هو بشيء يخرج من البصر إلى المبصر فإن ذلك الشيء إما أن يكون جسماً أو غير جسم فإن كان جسماً فإننا إذا نظرنا إلى السماء ورأيناها ورأينا ما فيها من الكواكب وميزناها وتأملناها فإنه في ذلك الوقت قد خرج من أبصارنا جسم ملأ ما بين السماء والأرض ولم ينقص من البصر شيء وهذا محال في غاية الاستحالة وفي غاية الشناعة فليس الإبصار بجسم يخرج من البصر. وإذا كان الشيء الذي يخرج من البصر غير جسم فإن ذلك الشيء ليس يحس بالمبصر لأن الإحساس ليس هو إلا للأجسام ذات الحياة فليس يخرج من البصر المبصر شيء يحس بالمبصر. وهو بين لأن الإبصار يكون بالبصر فإذا كان الإبصار إنما هو بالبصر وكان البصر ليس يدرك المبصر إلا بأن يخرج منه شيء إلى المبصر وكان ذلك الشيء الذي يخرج من البصر ليس يحس بالمبصر فالشيء الذي يخرج من البصر ليس يحس بالمبصر والشيء الذي يخرج من البصر إلى المبصر إنما يؤدي إلى البصر شيئاً ما منه يدرك البصر المبصر.

وليس هذا الذي يقال إنه يخرج من البصر شيئاً محسوساً وإنما هو مظنون. وليس يجوز أن يظن شيء من الأشياء إلا إذا كان هناك علة تدعو إلى الظن به. والعلة التي دعت أصحاب الشعاع إلى القول بالشعاع هي أنهم وجدوا البصر يدرك المبصر وبينه وبينه بعد والمتعارف من الإحساس أنه لا يكون إلا بالملامسة وكذلك ظنوا أن الإبصار ليس يكون إلا بشيء يخرج من البصر إلى المبصر ليكون ذلك الشيء إما أن يحس بالمبصر في موضعه وإما أن يأخذ من المبصر شيئاً ويؤديه إلى البصر فيحس به البصر عند وصوله إليه. وإذا كان ليس يصح أن يخرج من البصر جسم يحس بالمبصر وليس يصح أن يحس بالمبصر شيء غير الجسم الحي ولم يبق إلا أن يظن أن ذلك الشيء الذي يخرج من البصر إلى المبصر يقبل شيئاً ويؤديه إلى البصر. وإذا كان قد تبين أن الهواء والأجسام المشفة تقبل صورة المبصر وتؤديها إلى البصر وإلى كل جسم يقابل المبصر فذلك الشيء الذي يظن أنه يؤدي إلى البصر شيئاً من المبصر إنما هو الهواء والأجسام المشفة المتوسطة بين البصر والمبصر. وإذا كان الهواء والأجسام المشفة تؤدي إلى البصر شيئاً من المبصر في كل وقت وعلى تصاريف الأحوال إذا كان البصر مقابلاً للمبصر من غير حاجة إلى خروج شيء من المبصر فقد بطلت العلة التي دعت أصحاب الشعاع إلى القول بالشعاع. لأن هذا الذي دعاهم إلى القول بالشعاع هو اعتقادهم أن الإبصار لا يتم إلا بشيء يمتد بين البصر والمبصر ليؤدي إلى البصر شيئاً من المبصر. وإذا كان الهواء والأجسام المشفة المتوسطة بين البصر والمبصر تؤدي إلى البصر شيئاً من المبصر من غير حاجة إلى شيء يخرج من البصر وهي مع ذلك ممتدة بين البصر والمبصر فقد سقطت الحاجة إلى إثبات شيء آخر يؤدي إلى البصر شيئاً ولم تبق علة تدعوهم إلى أن شيئاً مظنوناً يؤدي من المبصر شيئاً إلى البصر. وإذا لم تبق علة تدعو أصحاب الشعاع إلى القول بالشعاع فقد بطل القول بالشعاع. وأيضاً فإن جميع أصحاب التعاليم القائلين بالشعاع إنما يستعملون في مقاييسهم وبراهينهم خطوطاً متوهمة فقط ويسمونها الشعاع. وهذه الخطوط هي التي بينا أن البصر ليس يدرك شيئاً من المبصرات إلا من سموتها فقط.

فرأي من رأى أن خطوط الشعاع هي خطوط متوهمة هو رأي صحيح وقد بينا انه ليس يتم الإبصار إلا بها. ورأي من رأى أنه يخرج من البصر شيء غير الخطوط المتوهمة هو رأي مستحيل وقد بينا استحالته بأنه ليس يشهد به وجود ولا تدعو إليه علة ولا تقوم عليه حجة. وقد تبين من جميع ما بيناه أن البصر إنما يحس بالضوء واللون اللذين في سطح البصر من صورة الضوء واللون اللذين في سطح المبصر التي تمتد من المبصر إلى البصر في الجسم المشف المتوسط بين البصر والمبصر وأن البصر ليس يدرك شيئاً من الصور التي ترد إليه إلا من سموت الخطوط المستقيمة التي تتوهم ممتدة بين المبصر وبين مركز البصر فقط التي هي أعمدة وهذا هو كيفية الإبصار بالجملة. لأن البصر ليس يدرك من المبصر بمجرد الحس إلا الضوء واللون اللذين في المبصر فقط فأما باقي المعاني التي يدركها البصر من المبصر كالشكل والوضع والعظم والحركة وما أشبه ذلك فليس يدركها البصر بمجرد الحس وإنما يدركها بقياس وأمارات ونحن نبين هذا المعنى من بعد بياناً مستقصى في المقالة الثانية عند كلامنا في تفصيل المعاني التي يدركها البصر. وهذا المعنى الذي بيناه أعني كيفية الإبصار موافق لرأي المحصلين من أصحاب العلم الطبيعي وموافق للمتفق عليه من رأي أصحاب التعاليم. وقد تبين منه أن القبيلين محقان وأن المذهبين صحيحان ومتفقان وغير متناقضين إلا أنه ليس يتم أحدهما إلا بالآخر ولا يصح أن يتم الإحساس بأحدهما دون الآخر ولا يصح أن يكون الإبصار إلا بمجموع المعنيين. والخطوط التي وصفناها هي التي يسميها أصحاب التعاليم خطوط الشعاع وهي خطوط متوهمة فقط من سموتها فقد بهذه الصور يدرك البصر صور المبصرات. فالإحساس إنما هو من الصورة وهو تأثير الصورة في البصر ومن انفعال البصر بتأثيرها.

والبصر متهيئ للانفعال بهذه الصور ومتهيئ للانفعال على وضع غير محسوس وهو وضع سموت الأعمدة التي تقوم على سطحه فليس يحس بصور المبصرات إلا من سموت الأعمدة فقط وإنما طبيعة البصر متخصصة بهذه الخاصة لأنه ليس تتميز المبصرات وتترتب أجزاء كل واحد من صور المبصرات عند البصر إلا إذا كان إحساسه بها من السموت فقط. فخطوط الشعاع هي خطوط متوهمة تتشكل بها كيفية الوضع الذي عليه ينفعل البصر بالصورة. وقد تبين أن البصر إذا قابل المبصر فإنه يتشكل بين المبصر وبين مركز البصر مخروط رأسه مركز البصر وقاعدته سطح المبصر فيكون بين كل نقطة من سطح المبصر وبين مركز البصر خط مستقيم متوهم هو عمود على سطوح طبقات البصر ويكون المخروط مشتملاً على جميع هذه الخطوط ويكون سطح الجليدية قاطعاً لهذا المخروط لأن مركز البصر الذي هو رأس المخروط من وراء سطح الجليدية. وإذا كان الهواء الذي بين البصر وذلك المبصر متصلاً فإن الصورة تكون ممتدة من ذلك المبصر على سمت هذا المخروط في الهواء الذي يحوزه هذا المخروط في طبقات البصر المشفة إلى الجزء من سطح الجليدية الذي ينفصل بهذا المخروط ويكون المخروط مشتملاً على جميع السموت التي بين البصر والمبصر التي يدرك منها البصر صورة ذلك المبصر وكون الصورة مرتبة في هذا المخروط كترتيبها في سطح المبصر ويكون الجزء من سطح الجليدية الذي ينفصل بهذا المخروط يشتمل على جميع صورة المبصر الذي عند قاعدة هذا المخروط وتكون الصورة مرتبة في هذا الجزء من سطح الجليدية بالخطوط المستقيمة الممتدة بين المبصر ومركز البصر التي من سموتها يدرك البصر تلك الصور كترتيب أجزاء سطح المبصر لأن هذه الخطوط تقطع هذا الجزء من سطح الجليدية ويقطعه كل واحد منها على نقطة واحدة فقط.

وقد تبين أن الإحساس إنما يكون بالجلية. فإحساس البصر بالضوء واللون اللذين في سطح البصر إنما يكون من الجزء من الجليدية الذي يقدره المخروط المتشكل بين ذلك المبصر وبين مركز البصر وقد تقدم أن هذه الرطوبة فيها بعض الشفيف وفيها بعض الغلظ ولذلك تشبه بالجليد. فلأن فيها بعض الشفيف فهي تقبل الصور فتنفذ الصور فيها بما فيها من الشفيف ولأن فيها بعض الغلظ فهي تدافع الصور وتمنعها من النفوذ بما فيها من الغلظ وتثبت الصور في سطحها وفي جسمها للغلظ الذي فيها. كذلك جسم مشف فيه بعض الغلظ إذا أشرق عليه الضوء نفذ الضوء فيه بحسب ما فيه من الشفيف وتثبت الصور في سطحه بحسب ما فيه من الغلظ كما تثبت في سطوح الأجسام الكثيفة ويثبت الضوء أيضاً في جميع الجسم إذا نفذ فيه للغلظ الذي فيه فيظهر الضوء في سطحه وفي جميع الجسم بحسب ثبوته فيه. وأيضاً فإن الجليدية متهيئة لقبول هذه الصور وللإحساس بها. فالصور تنفذ فيها للقوة القابلة الحساسة أيضاً التي هي فيها التي هي متهيئة للإحساس بها وهي متهيئة لقبول هذه الصور من سموت خطوط الشعاع فالصور تنفذ في جسمها على استقامة خطوط الشعاع. فإذا حصلت الصورة في سطح الجليدية فهي تفعل فيها والجليدية تنفعل فيها لأن من خاصة الضوء أن يفعل بالبصر ومن خاصة البصر أن ينفعل بالضوء. وهذا الذي يفعله الضوء بالجليدية ينفذ في جسم الجليدية على استقامة خطوط الشعاع فقط. وإذا نفذ الضوء في جسم الجليدية فاللون ينفذ معه لأن اللون ممتزج بالضوء. والجليدية تقبل هذا الفعل وهذا النفوذ من صور الأضواء والألوان لأنها متهيئة للانفعال بهذه الصور. ومن هذا الفعل وهذا الانفعال يكون إحساس الجليدية بتأثير صور المبصرات ومن الصورة التي تحصل في سطحها وتنفذ في جميع جسمها يكون إحساسها بالمؤثر ومن ترتب أجزاء الصورة فيسطحها وفي جميع جسمها يكون إحساسها بترتيب أجزاء المؤثر.

وهذا التأثير الذي يؤثره الضوء بالجليدية هو من جنس الألم. إلا ان من الآلام ما ينزعج له العضو المتألم وتقلق له النفس ومن الآلام ما يكون محتملاً فلا ينزعج له العضو المتألم ولا تقلق له النفس لسهولته. وما كان على هذه الصفة من الألم فليس يظهر للحس ولا يحكم المتألم به انه ألم لسهولته عليه. والذي يدل على أن تأثير الأضواء في البصر هو من جنس الألم هو أن الأضواء القوية تزعج البصر وتؤلمه. ويظهر للحس تألم البصر بالضوء القوي كضوء الشمس إذا حدق الناظر إلى نفس جرم الشمس وكضوء الشمس المنعكس عن الأجسام الصقيلة إلى البصر فإن هذه الأضواء تؤلم البصر وتزعجه إزعاجاً شديداً ويظهر تألم البصر بها.

وتأثيرات جميع الأضواء في البصر من جنس واحد وإنما تختلف بالأشد والأضعف. وإذا كانت كلها من جنس واحد وكان تأثير القوي من الأضواء من جنس الألم فجميع تأثيرات الأضواء في البصر من جنس الألم وإنما تختلف بالأشد والأضعف ولسهولة تأثير الأضواء الضعيفة والمعتدلة في البصر يخفى عن الحس أنها آلام فإحساس الجليدية بتأثيرات الأضواء هو إحساس من جنس الإحساس بالآلام. والجليدية متهيئة للانفعال بالأضواء والألوان والإحساس بها تهيؤاً في الغاية فلذلك تحس بجميع الأضواء وجميع الألوان وتحس بالضعيف الخفي من الأضواء الذي يبعد في التخيل انه يؤلم البصر ويؤثر فيه تأثيراُ من جنس الألم للطف حسها وشدة تهيئها. ثم عن هذا الإحساس الذي يقع عند الجليدية يمتد في العصبة الجوفاء ويتأدى إلى مقدم الدماغ وهناك يكون آخر الإحساس. والحاس الأخير الذي هو القوة النفسانية الحساسة تكون في مقدم الدماغ وهذه القوة هي التي تدرك المحسوسات والبصر إنما هو آلة من آلات هذه القوة وغاية البصر ان يقبل صور المبصرات التي تحصل فيه ويؤديها إلى الحاس الأخير والحاس الأخير هو الذي يدرك تلك الصور ويدرك منها المعاني المبصرة التي تكون في المبصرات. والصورة التي تحصل في سطح الجليدية تمتد في سطح الجليدية ثم في الجسم اللطيف الذي في تجويف العصبة إلى أن تنتهي إلى العصبة المشتركة وعند حصول الصورة في العصبة المشتركة يتم الإبصار ومن الصورة التي تحصل في العصبة المشتركة يدرك الحاس الأخير صورة المبصر. والناظر إنما يدرك المبصرات ببصرين.
======
كتاب المناظر/المقالة الأولى/تابع الفصل السادس
وإذا كان الإبصار من الصورة التي تحصل في البصر وكان الناظر يدرك المبصرات ببصرين حصلت صور المبصرات في كل واحد من البصرين فيحصل للمبصر الواحد في البصرين صورتان. ومع ذلك فإن الناظر يدرك المبصر الواحد في أكثر الأحوال واحداً وإنما كان ذلك كذلك لأن الصورتين اللتين تحصلان في البصرين للمبصر الواحد في حال إدراكه واحداً إذا انتهتا إلى العصبة المشتركة التقت الصورتان وانطبقت إحديهما على الأخرى وصار منهما صورة واحدة ومن الصورة التي تتحد من الصورتين يدرك الحاس الأخير صورة ذلك المبصر.

والذي يدل على أن الصورتين اللتين تحصلان في البصرين للمبصر الواحد في حال إدراكه واحداً تجتمعان وتصيران صورة واحدة من قبل أن يدركها الحاس الأخير وان الحاس الأخير إنما يدرك صورة المبصر في حال إدراكه واحداً من بعد اجتماع الصورتين وهو أن الناظر إذا اعتمد بيده على إحدى عينيه فغمزها من جهة من الجهات غمزاً رفيقاً بلطف وتأييد حتى يتغير وضعها الذي هي عليه فتميل إلى اسفل وإلى فوق وإلى إحدى الجهات وتكون العين الأخرى ساكنة على حالها ونظر في تلك الحال إلى مبصر من المبصرات التي في الجهة المقابلة للجهة التي كان فيها الغمز ونظر بالبصرين فإنه يرى المبصر الواحد اثنين اعني أنه إن اعتمد على إحدى عينيه من أعلاها وغمزها إلى أسفل ونظر إلى الجهة السفلى فإنه يرى المبصر الواحد اثنين وكذلك إن اعتمد على إحدى عينيه فغمزها من أسفلها إلى فوق فنظر إلى الجهة العليا فإنه يرى الواحد اثنين وإذا أزال يده عن عينه ورجعت العين إلى وضعها الطبيعي ثم نظر إلى ذلك المبصر وقابله بالبصرين جميعاً فإنه يرى ذلك المبصر واحداً ويجد ذلك كذلك إذا كان ينظر بالعينين جميعاً فإن غمز إحدى عينيه وستر العين الأخرى لم ير المبصر الواحد إلا واحداً. فلو كان الحاس يدرك المبصر الواحد من اجل أنه واحد لقد كان يدركه أبداً واحداً على اختلاف أحوال البصرين. ولو كان لا يرد إليه شيء من المبصر الواحد اثنين.

وإذا كان الحاس الأخير إنما يدرك المبصرات من الصور التي ترد إليه وكان يدرك المبصر الواحد في بعض الأحوال اثنين وفي بعض الأحوال واحداً دل ذلك على أن الذي يرد إليه في حال إدراكه المبصر الواحد اثنين هو صورتان وأن الذي يرد إليه في حال إدراكه ذلك المبصر واحداً هو صورة واحدة. فإذا كان في كلا الحالين يحصل للمبصر الواحد في البصرين صورتان وكان الذي يتأدى إلى الحاس الأخير في بعض الأحوال هو صورتان وفي بعض الأحوال هو صورة واحدة وكانت الصور التي تتأدى إلى الحاس الأخير إنما تتأدى إليه من المبصر فإن الذي يتأدى إلى الحاس الأخير من الصورتين اللتان تحصلان في المبصرين للمبصر الواحد في حال إدراكه واحداً هو صورة واحدة. وليس تتأدى الصور إلى الحاس الأخير من أحد البصرين دون الأخر مع سلامة البصرين وإدراك ذلك المبصر بكل واحد من المبصرين.

وإذا كان الذي يتأدى إلى الحاس من كل واحد من الصورتين اللتين تحصلان في البصرين للمبصر الواحد في حال إدراك ذلك المبصر واحداً هو صورة واحدة وكانت الصور تتأدى من البصرين جميعاً إلى الحاس الأخير فالصورتان إذن اللتان تحصلان في البصرين للمبصر الواحد عند إدراكه واحداً تمتدان من البصرين وتلتقيان قبل إدراك الحاس الأخير لهما ومن بعد التقائهما واتحادهما يدرك الحاس الأخير الصور المتحدة منهما. فالصورتان اللتان تحصلان في البصرين للمبصر الواحد في حال إدراكه اثنين تمتدان من البصرين ولا تلتقيان وتنتهيان إلى الحاس الأخير وهما صورتان. فالصورتان اللتان تحصلان في البصرين للمبصر الواحد في حال إدراكه واحداً تلتقيان قبل وصولهما إلى الحاس الأخير ومن بعد التقائهما يدرك الحاس الأخير من الصورة المتحدة منهما صورة ذلك المبصر. وأيضاً فإن إدراك المبصر الواحد في بعض الأحوال واحداً وفي بعض الأحوال اثنين دليلاً على أن الإبصار ليس هو بالبصر فقط. لأنه لو كان الإبصار بالبصر فقط لكان البصران إدراك المبصر الواحد واحداً قد أدركا من الصورتين اللتين تحصلان فيهما للمبصر الواحد صورة واحدة ولكانا أبداً يدركان من الصورتين اللتين تحصلان فيهما للمبصر الواحد صورة واحدة.

وإذا كان المبصر الواحد يدرك في بعض الأحوال واحداً وفي بعض الأحوال اثنين وفي كلا الحالين له في البصرين صورتان دل ذلك على أن هناك حاساً آخر غير البصر تحصل عنده للمبصر الواحد في حال إدراكه واحداً صورة واحدة مع حصول صورتي ذلك المبصر في البصرين وتحصل عنده للمبصر الواحد عند إدراكه اثنين صورتان فإن الإحساس إنما يتم بذلك الحاس لا بالبصر فقط. ففي إدراك المبصر الواحد في بعض الأحوال واحداً وفي بعض الأحوال اثنين دليل على أن الصور التي تحصل في البصر تتأدى إلى الحاس الأخير وإن بالحاس الأخير يكون تمام الإحساس لا بالبصر فقط وفيه دليل على أن الصورتين اللتين للمبصر الواحد في حال إدراكه واحداً تلتقيان قبل إدراك الحاس الأخير لهما.

وأيضاً فإن الإحساس إنما يمتد من الأعضاء إلى الحاس الأخير في الأعصاب المتصلة بين الأعضاء وبين الدماغ. وإذا كان قد تبين أن الصور تمتد من البصر إلى الحاس الأخير الذي في مقدم الدماغ فالصور إذن تمتد من البصر في العصبة الممتدة بين البصر وبين الدماغ إلى أن تصل إلى الحاس الأخير. وإذا كان قد تبين أن الصورتين اللتين تحصلان للمبصر الواحد في البصرين في حال إدراك المبصر واحداً تمتدان إلى الحاس الأخير وتلتقيان قبل إدراك الحاس الأخير لهما وكان امتداد الصور إلى الحاس الأخير إنما هو في العصاب فإن هاتين الصورتين إذن تمتدان من البصرين في العصبتين الممتدتين من البصر وتلتقيان في الموضع الذي تلتقي فيه العصبتان. وقد تقدم في هيئة البصر أن العصبتين اللتين تمتدان من الدماغ إلى البصرين تلتقيان عند مقام الدماغ وتصيران عصبة واحدة ثم تفترقان وتنتهيان إلى البصرين.

وإذا كانت الصورتان تمتدان من البصرين في العصبتين وتلتقيان عند التقاء العصبتين فالصورتان إذن اللتان تحصلان في البصرين للمبصر الواحد في حال إدراكه واحداً تمتدان من البصرين وتنتهيان إلى العصبة المشتركة وتلتقيان في هذه العصبة وتصيران صورة واحدة. وإذا كانت هاتان الصورتان تنتهيان إلى العصبة المشتركة فجميع الصور التي تحصل في البصر من صور المبصرات تنتهي إلى العصبة المشتركة. ومما يدل دليلاً واضحاً على أن صور المبصرات تمتد في تجويف العصبة وتنتهي إلى الحاس الأخير ومن بعد امتدادها في تجويف العصبة يتم الإبصار هو أن هذه العصبة إذا حصل فيها سدة بطل الإبصار وإذا زالت السدة عاد الإبصار تشهد بذلك صناعة الطب.

فأما لم تلتقي الصورتان في حال إدراك المبصر الواحد واحداً وليس تلتقيان في حال إدراكه اثنين فلأن المبصر الواحد إذا أدرك بالبصرين وكان وضع البصرين وضعهما الطبيعي كان وضع البصرين من المبصر الواحد وضعاً متشابهاً فتحصل صورة المبصر الواحد في موضعين متشابهي الوضع من البصرين. وإذا ميل وضع البصرين اختلف وضع البصرين من ذلك المبصر فتحصل صورتا ذلك المبصر في موضعين من البصرين مختلفي الوضع من البصرين. وقد تقدم في هيئة البصر أن العصبة المشتركة وضعها من البصرين وضع متشابه.

وإذا كان وضع العصبة المشتركة من البصرين وضعاً متشابهاً كان وضع الموضعين المتشابهي الوضع من البصرين من موضع واحد بعينه من العصبة المشتركة وضعاً متشابهاً. فإذا امتدت الصورتان من الموضعين المتشابهي الموضع انتهتا إلى ذلك الموضع الواحد بعينه من العصبة المشتركة الذي وضعه من ذينك الموضعين وضع متشابه فتنطبق الصورتان إحديهما على الأخرى وتصيران صورة واحدة. والموضعان المختلفا الوضع من البصرين ليس يكون وضعهما من موضع واحد بعينه من العصبة المشتركة وضعاً متشابهاً. فإذا امتدت الصورتان من الموضعين المختلفي الوضع وانتهتا إلى العصبة المشتركة فإنهما تنتهيان إلى موضعين من هذه العصبة لا إلى موضع واحد فتحصلان في هذه العصبة صورتين وكذلك يدرك المبصر الواحد الذي على هذه الصفة اثنين.

وإنما التقت العصبتان اللتان تنشأن من مقدم الدماغ اللتان هما مبدأ البصرين وفي الموضع الذي وضعه من البصرين وضع متشابه وصار تجويفهما تجويفاً واحداً لتجتمع الصورتان اللتان تحصلان في البصرين للمبصر الواحد عند هذه العصبة وتصيران صورة واحدة فيدرك الحاس الأخير المبصر الواحد واحداً. فجميع الصور التي تحصل في البصرين من صور المبصرات تمتد من البصرين في العصبتين الجوفاوين وتنتهي إلى تجويف العصبة المشتركة والصورتان اللتان تحصلان في البصرين للمبصر الواحد في حال إدراكه واحداً تلتقيان في تجويف هذه العصبة وتحصلان صورة واحدة ومن الصور التي تحصل في هذه العصبة يدرك الحاس الأخير صور المبصرات. وقد يمكن أن يقال إن الصور التي تحصل في البصر ليس تنتهي إلى العصبة المشتركة لكن الإحساس الذي عند البصر يمتد من البصر إلى العصبة المشتركة كما يمتد الإحساس بالآلام والإحساس بالملموسات وعن وصول الإحساس إلى العصبة المشتركة يدرك الحاس الأخير ذلك المحسوس وأن الإحساس الذي يكون للمبصر الواحد في البصرين في حال إدراكه واحداً ينتهي أى موضع واحد من العصبة المشتركة فيصير الإحساسان في موضع واحد من العصبة المشتركة فلذلك يحس الحاس الأخير بالمبصر الواحد واحداً فيكون الذي يصل إلى العصبة المشتركة هو الإحساس لا بالصور.

فنقول إن الإحساس الذي يحصل في البصر ينتهي إلى العصبة المشتركة لا محالة ولكن الإحساس الذي يحصل في البصر ليس هو إحساس ألمٍ فقط بل هو إحساس بتأثير هو من جنس الألم وإحساس بإضاءة وإحساس بلون وإحساس بترتيب أجزاء المبصر. والإحساس باختلاف الألوان وبترتيب أجزاء المبصر ليس هو من جنس الألم وسنبين من بعد كيف يكون إحساس البصر بكل واحد من هذه المعاني والإحساس بصورة المبصر على ما هي عليه ليس يكون إلا من الإحساس بجميع المعاني التي في الصورة. وإذا كان الإحساس الذي يقع عند البصر ينتهي إلى العصبة المشتركة ومن الإحساس الذي يحصل عند العصبة المشتركة تدرك القوة الحساسة صور المبصر فالإحساس إذن الذي يحصل في العصبة المشتركة هو إحساس بالضوء واللون والترتيب. فالشيء الذي يتأدى من البصر إلى العصبة المشتركة على تصاريف الأحوال الذي منه يدرك الحاس الأخير صورة المبصر هو شيء يدرك منه الحاس الأخير الضوء الذي في المبصر واللون الذي فيه وترتيب أجزائه. والشيء الذي يدرك منه الحاس الأخير الضوء واللون والترتيب هو صورة ما.

فصورة المبصر التي تحصل في البصر يتأدى منها إلى العصبة المشتركة على تصاريف الأحوال صورة ما مترتبة ومن الصورة المترتبة التي تحصل في هذه العصبة يدرك الحاس الأخير صورة المبصر على ما هي عليه. فالإحساس بالتأثير الذي يحصل في سطح الجليدية يصل إلى العصبة المشتركة وصورة الضوء واللون التي تحصل في سطح الجليدية تصل أيضاً إلى العصبة المشتركة وتصل مرتبة كترتيبها في سطح الجليدية. فقد تبين من جميع ما ذكرناه أن الإبصار إنما يكون من الصور التي ترد من المبصرات إلى البصر وأن هذه الصور تحصل في سطح الرطوبة الجليدية وتنفذ في جسم الجليدية وتحس بها الجليدية عند نفوذها فيها وأن الجليدية إنما تحس بهذه الصورة من سموت خطوط الشعاع فقط وأن الصورة التي تحس بها الجليدية تمتد في الجسم الحاس الممتد في تجويف العصبة وتنتهي إلى تجويف العصبة المشتركة وأن جميع صور المبصرات التي يدركها البصر تنتهي إلى العصبة المشتركة وأن الإبصار إنما يتم بإدراك الحاس الأخير لصور المبصرات وأن الحاس الأخير إنما يدرك صور المبصرات من الصورة التي تحصل في العصبة المشتركة وأن الصورتين اللتين تحصلان في البصر للمبصر الواحد في موضعين متشابهين تلتقيان في العصبة المشتركة وتصيران صورة واحدة ومن الصورة الواحدة التي تحصل في هذه العصبة يدرك الحاس الأخير صورة المبصر.

وهذا هو مشروح كيفية الإبصار وترتيبه. وقد بقي أن يقال إذا كانت صور الألوان والأضواء تمتد في الهواء وفي الأجسام المشفة وتصل إلى البصر وكان الهواء والأجسام المشفة تقبل جميع الألوان والأضواء وكانت جميع الألوان التي تحضر في وقت واحد تمتد صور جميعها في الوقت الواحد في هواء واحد وتصل إلى بصر واحد وينفذ أيضاً جميعها في شفيف طبقات البصر فيلزم من ذلك أن تمتزج هذه الألوان والأضواء في الهواء وفي الأجسام المشفة وتصل إلى البصر ممتزجة وتؤثر في جسم البصر وهي ممتزجة فلا تتميز للبصر ألوان المبصرات ولا تتميز له المبصرات.

وإذا كان ذلك كذلك فليس إحساس البصر بالمبصرات من هذه الصور. فنقول إن الهواء والأجسام المشفة ليس تنصبغ بالألوان والأضواء ولا تتغير بها تغيراً ثابتاً وإنما خاصة الأضواء والألوان أن تمتد صورها على سموت مستقيمة. ومن خاصة الجسم المشف أن لا يمنع نفوذ صور الأضواء والألوان في شفيفه فهو إنما يقبل هذه الصور قبول تأدية لا قبول استحالة. وقد تبين أن صور الأضواء والألوان ليس تمتد في الهواء والأجسام المشفة إلا على سموت الخطوط المستقيمة فقط. وإذا كانت صور الأضواء والألوان ليس تمتد إلا على السموت المستقيمة فكل جسم من الأجسام المتلونة المضيئة التي تحضر معاً في هواء واحد تمتد صورة الضوء واللون اللذين فيه على سموت الخطوط المستقيمة التي تمتد منه في ذلك الهواء وتكون السموت التي تمتد عليها الصور المختلفة متقاطعة ومتوازية ومختلفة الوضع كل سمت منها متميز بالجسم الذي منه امتدت الصورة على ذلك السمت.

وإذا كان الهواء والأجسام المشفة ليس تنصبغ بالألوان ولا بالأضواء ولا تتأثر بها تأثراً ثابتاً وإما تنفذ الصور فيها فقط فالصور التي تمتد من الأجسام المختلفة في هواء واحد تمتد كل صورة منها على سموتها وتنفذ إلى الجهات المقابلة لها من غير أن تمتزج بغيرها. والذي يدل على أن الأضواء والألوان ليس تمتزج في الهواء ولا في الأجسام المشفة هو أنه إذا كانت في موضع واحد عدة سرج في أمكنة متفرقة وكانت جميعها مقابلة لثقب واحد وكان ذلك الثقب ينفذ إلى مكان مظلم وكان مقابل ذلك الثقب في المكان المظلم جدار أو قوبل الثقب في المكان المظلم بجسم كثيف فإن أضواء تلك السرج تظهر على ذلك الجسم أو ذلك الجدار متفرقة وبعدد تلك السرج وكل واحد منها مقابلاً لواحد من السرج على السمت المستقيم الذي يمر بالثقب. وإذا ستر واحد من السرج بطل من الأضواء التي في الموضع المظلم الضوء الذي كان يقابل ذلك السراج فقط وإن رفع الساتر عن السراج عاد ذلك الضوء إلى مكانه. وأي سراج من تلك السرج ستر بطل من الموضع الضوء الذي كان يقابل ذلك السراج الذي ستر فقط وإذا رفع الساتر عاد الضوء إلى موضعه.

وهذا المعنى يمكن أن يعتبر في كل وقت وبسهولة. وذلك بأن يعتمد المعتبر بيتاً من البيوت في ليل مظلم ويكون على البيت باب من مصراعين ويحضر عدة من السرج ويجعلها مقابلة للباب ومتفرقة. ويدخل المعتبر إلى داخل البيت ويرد الباب ويفرج بين المصراعين ويفتح منهما مقداراً يسيراًن ثم يتأمل حائط البيت المقابل للباب: فإنه يجد عليه أضواءً متفرقة بعدد تلك السرج قد دخلت من فرجة الباب كل واحد منها مقابل لسراج من تلك السرج. ثم إن تقدم المعتبر بأن يستر واحداً من تلك السرج بطل الضوء المقابل لذلك السراج وإذا رفع الساتر عاد الضوء. وإن ستر المعتبر الفرجة التي انفرجت من الباب وبقي منها ثقب صغير فقط وكان الثقب مقابلاً للسرج فإنه يجد على حائط البيت أضواءً متفرقة أيضاً بعدد تلك السرج وكل واحد منها بحسب مقدار الثقب.

وجميع الأضواء التي تظهر في المكان المظلم إنما وصلت إليه من الثقب فقط فقد اجتمعت أضواء جميع تلك السرج في الثقب ثم افترقت بعد نفوذها من الثقب. فلو كانت الأضواء تمتزج في الهواء لكانت أضواء السرج التي تجتمع في الثقب تمتزج في الهواء الذي في الثقب وفي الهواء المتقدم للثقب قبل وصولها إلى الثقب وكانت إذا نفذت من الثقب تنفذ ممتزجة فلا تتميز بعد نفوذها. وليس نجد الأمر كذلك وإنما يوجد نفوذها متميزة فكل واحد منها مقابل للسراج الذي منه ذلك الضوء. وإذا كان ذلك كذلك فالأضواء إذن ليس تمتزج في الهواء بل كل واحد منها يمتد على سموت مستقيمة ويتميز بالسموت التي يمتد عليها وتكون السموت التي تمتد عليها الأضواء المتفرقة متقاطعة ومتوازية ومختلفة الوضع كل واحد من الأضواء تمتد صورته على جميع السموت التي يصح أن تمتد منه في ذلك الهواء ومع ذلك فلا تمتزج في الهواء ولا ينصبغ الهواء بها وإنما تنفذ في شفيفه فقط والهواء مع ذلك حافظ لصورته.

وقد تبين أن صور الألوان تصحب ويوجدان أبداً معا. فصور الألوان أيضاً تمتد في الهواء على السموت المستقيمة التي تمتد عليها الأضواء والألوان المتفرقة تمتد صورها على سموت متقاطعة ومتوازية ومختلفة الوضع كما تمتد صور الأضواء المتفرقة وتكون مصاحبة للأضواء ولا تمتزج صور الألوان ولا ينصبغ الهواء بها بل تكون كل صورة من صور الألوان المختلفة المتفرقة متميزة بسموتها. وكذلك الحال في جميع الأجسام المشفة تمتد صور الأضواء والألوان فيها ولا تمتزج ولا تنصبغ الأجسام المشفة بها وكذلك طبقات البصر المشفة تنفذ فيها صور جميع الألوان والأضواء التي تقابل البصر في وقت واحد ولا تمتزج الصور فيها ولا تنصبغ هي بها. فأما العضو الحاس الذي هو الرطوبة الجليدية فليس قبوله لصور الألوان والأضواء كقبول الهواء والأجسام المشفة الغير حساسة بل على صفة مخالفة للصفة التي عليها تقبل الأجسام المشفة هذه الصور. وذلك أن هذا العضو متهيئ للإحساس بهذه الصور فهو يقبلها بما هو حساس مع قبوله لها بما هو مشف.

وقد تبين ان انفعاله بهذه الصور هو من جنس الألم وكيفية قبوله لهذه الصور مخافة لكيفية قبول الأجسام المشفة الغير حساسة إلا أن هذا العضو مع قبوله لهذه الصور بما هو حساس ومع تأثيرها فيه وتألمه بها ليس ينصبغ بهذه الصور انصباغاً ثابتاً ولا تبقى صور الألوان والأضواء فيه بعد انصرافه عن مقابلتها وانصرافها عن مقابلته. وقد يمكن أن يعارض هذا القول أيضاً أعني أن البصر ليس ينصبغ بالألوان والأضواء فيقال: قد تقدم أن الأضواء القوية والألوان المشرقة التي تشرق عليها أضواء قوية تؤثر في البصر وتبقى آثارها في البصر بعد انصرافه عن مقابلتها وتبقى صور الألوان في البصر زماناً محسوساً. ونجد البصر كلما يدركه من المبصرات في عقيب هذا التأثير ملتبساً بالألوان التي أثرت فيه.

وهذا المعنى ظاهر لا يقع فيه لبس. وإذا كان ذلك كذلك فالبصر إذن ينصبغ بالألوان والأضواء. ويلزم أيضاً من ذلك أن تكون الأجسام المشفة الرطبة تنصبغ بالألوان والأضواء. فنقول إن هذا المعنى بعينه هو الذي يدل على أن البصر ليس ينصبغ بالألوان والأضواء ولا تبقى آثار الأضواء والألوان فيه. وذلك أن هذه الآثار التي ذكرناها إنما تكون بالإفراط ومن الأضواء المفرطة والألوان التي تشرق عليها أضواء في غاية القوة. وهو ظاهر أن هذه الآثار ليس تبقى بعد انصرافه عن مقابلة مؤثراتها إلا زماناً يسيراً ثم تزول. وهو ظاهر أيضاً أن الأضواء المعتدلة والضعيفة وآثار الألوان التي أضواؤها معتدلة وضعيفة ليس تبقى في البصر بعد انصرافه عن مقابلتها ولا يسيراً من الزمان. فالعضو الحاس إذن الذي هو الجليدية يتأثر بالأضواء والألوان بقدر ما يحس من الأثر بالمؤثر. ثم يزول منه ذلك الأثر بعد انصرافه عن مقابلة المؤثر. فتأثره بالألوان والأضواء هو انصباغ ما ولكنه انصباغ غير ثابت.

وأيضاً فإن البصر متهيئ للأثر والألوان والإحساس بها فهو يتأثر بها ومع ذلك ليس تبقى فيه الآثار. والهواء والأجسام المشفة الخارجة عن البصر والطبقات المشفة المتقدمة للجليدية من طبقات البصر ليست متهيئة للتأثر بالأضواء والألوان والإحساس بها وإنما هي متهيئة لتأدية الأضواء والألوان فقط. فالهواء والأجسام المشفة تؤدي صور الأضواء والألوان ولا تنصبغ بها ولا تتأثر بل تكون أبداً حافظة لصورتها ومع ذلك تؤدي الصور التي تشرق عليها وكذلك جميع الجسام المشفة وجميع طبقات البصر المشفة المتقدمة للجليدية. فقد تبين مما ذكرناه أن البصر ليس ينصبغ بالألوان وصور الأضواء انصباغاً ثابتاً ولا تبقي آثارها فيه بل تؤثر فيه آثاراً غير باقية والهواء والأجسام المشفة والطبقات المتقدمة للجليدية من طبقات البصر ليس تنصبغ بالألوان ولا بصور الأضواء ولا تتأثر بها وإنما تؤدي هذه الصور فقط.

وقد تبين أن صور الأضواء والألوان ليس تمتزج في الهواء والأجسام المشفة ولا تختلط بل تكون كل صورة منها متميزة بسموتها. فصور جميع الأضواء والألوان التي تحضر في وقت واحد تمتد في الهواء النتصل بها وفي جميع الأجسام المشفة المقابلة لها على جميع السموت المستقيمة التي يصح أن تتوهم ممتدة من تلك الأضواء والألوان في ذلك الهواء وفي تلك الأجسام المشفة وكل واحدة منها متميزة بالسموت التي تمتد عليها وغير ممتزجة ولا مختلطة وتكون هذه الصور أبداً في الهواء وفي جميع ما يتصل بها ويقابلها من الأجسام المشفة ولكونها في جميع الهواء يدرك المبصر الواحد في الوقت الواحد جماعة من الأبصار من المواضع المختلفة من الهواء كل واحد من الأبصار يدركه من الجزء من الهواء الذي يحوزه المخروط المتشكل بين ذلك المبصر وبين مركز البصر ولكون هذه الصورة أبداً في الهواء يدرك البصر كلما فتح أجفانه كلما قابله في الوقت الواحد من المبصرات وكلما اجتاز في موضع من المواضع أدرك كلما في ذلك الموضع من المبصرات المقابلة له.

فأما لم ليس تظهر صور جميع الألوان على جميع الأقسام المقابلة لها ويظهر بعضها وليس يظهر البعض إلا إذا كان اللون قوياً وكان الضوء الذي في اللون قوياً وكان الضوء الذي في الجسم الذي تظهر عليه صورة اللون ضعيفاً وكان لون ذلك الجسم مسفراً مع امتداد جميع هذه الصور في الهواء وإشراقها أبداً على الجهات المقابلة لها فإن ذلك لشيء يرجع إلى البصر لا أن هذه الصور ليس تشرق على الأجسام المقابلة لها بل كل جسم متلون مضيء بأي ضوء كان فإن صورة ضوئه ولونه تشرقان أبداً على جميع الأجسام المقابلة له التي ليست أبعادها متفاوتة. أما الأضواء فأمرها ظاهر لأنه إذا اعتبر كل جسم مضيء بأي ضوء كان بعد ان يكون الضوء الذي فيه ليس في غاية الضعف واعتبر على الوجوه التي قدمناها بأن يقابل به مكان مظلم ويحصل في المكان المظلم جسم أبيض ويكون المنفذ الذي بين المكان المظلم وبين الجسم المضيء من ثقب أو من موضع ضيق فإن الضوء يظهر على ذلك الجسم.

وأما الألوان فإنه ليس يظهر منها إلا ما كان على صفة مخصوصة وليس يظهر ما كان على خلاف الصفة. وذلك انه قد تبين بالاستقراء أن صور الألوان تكون أبداً أضعف من الألوان أنفسها وكلما بعدت الصور عن مبدئها ازدادت ضعفاً. وكذلك صور الأضواء تكون أضعف من الأضواء أنفسها وكلما بعدت ازدادت ضعفاً. وقد تبين أيضاً بالاستقراء أن الألوان القوية إذا كانت في مواضع مظلمة وكانت الأضواء التي عليها يسيرة جداً فإن تلك الألوان تظهر مظلمة ولا تتميز للبصر. وإذا كانت في مواضع مضيئة وكانت الأضواء التي عليها قوية ظهرت الألوان وتميزت للبصر. وكذلك الأجسام المشفة المتلونة إذا أشرق عليها الضوء فإنه إذا كان الضوء قوياً ظهرت ألوانها من ورائها على الأجسام المقابلة لها وإذا كان ذلك الضوء ضعيفاً ظهر من ورائها الظلال فقط ولم تظهر الألوان ولم تتميز كملا لم تتميز للبصر الألوان في المواضع المغدرة الضعيفة الضوء. وقد تبين أيضاً بالاستقراء أن صور الألوان التي تظهر على الأجسام المقابلة لها إذا أشرق عليها ضوء قوي خفيت عن البصر وإنما تظهر إذا كان الضوء الذي عليها ضعيفاً.

وقد تبين أيضاً أن الأضواء القوية إذا وصلت إلى البصر عاقته عن إدراك المبصرات الخفية التي تقابله في تلك الحال. وقد تبين أن البصر إنما يدرك اللون من الصورة التي ترد إليه من ذلك اللون وأن إدراكه يكون على سموت مخصوصة. فإذا نظر الناظر إلى الجسم من الأجسام الكثيفة التي قد أشرق عليها صورة لون من الألوان فإنه إنما يدرك تلك الصورة من صورة ثانية ترد إليه من تلك الصورة وتكون هذه الصورة الثانية أضعف من الصورة الأولى التي على ذلك الجسم.

والصورة الأولى أضعف من اللون نفسه. فالصورة الثانية التي ترد إلى البصر من الصورة الأولى تكون أضعف من اللون نفسه بكثير. وليس يدرك البصر الجسم الكثيف الذي تظهر عليه الصورة إلا إذا كان فيه ضوء ما أم الضوء الذي يرد مع صورة اللون المشرقة عليه أو ذلك الضوء وغيره من الأضواء. فالصورة الثانية التي ترد إلى البصر من صورة اللون الأولى ترد إليه مع صورة الضوء الذي في ذلك الجسم الكثيف. وذلك الجسم الكثيف الذي عليه الصورة هو مع ذلك مضيء يدرك البصر لونه أيضاً في تلك الحال. فصورة لونه أيضاً ترد إلى البصر مع الصورة الثانية التي ترد إليه من صورة اللون الذي عليه. وصورة لون هذا الجسم التي ترد إلى البصر في تلك الحال هي صورة أولى والبصر إنما يدرك ما يدركه من سمت مخصوص والسمت المخصوص الذي بينه وبين الجسم الكثيف الذي منه يدرك صورة لون ذلك الجسم الكثيف منه بعينه يدرك الصورة الثانية التي ترد من صورة من صورة اللون المشرق على ذلك الجسم الكثيف لأن تلك الصورة هي في أسطح ذلك الجسم فالبصر يدركها من السموت التي بينه وبين ذلك السطح. وهو يدرك لون ذلك الجسم من السموت التي بينه وبين ذلك السطح بعينها وكذلك الضوء الذي في ذلك الجسم يدركه البصر من تلك السموت بعينها.

فالصور الثلثة التي ترد إلى البصر من ذلك الجسم يدركها البصر من سمت واحد بعينه. وإذا كانت الصور الثلثة يدركها البصر من سمت واحد بعينه فهو يدركها ممتزجة. والصورة الثانية التي ترد إلى البصر من صورة اللون التي على الجسم المقابل له يدركها البصر ممتزجة بصورة لون ذلك الجسم وصورة ضوئه. فهو يدرك من مجموع اللونين صورة غير صورة كل واحد منهما. فإن كان الجسم الكثيف الذي عليه الصورة ذا لون قوي كانت صورته التي ترد إلى البصر قوية وهي صورة أولى وهي صورة ممتزجة بالصورة الثانية التي ترد إليه من صورة اللون المشرق على ذلك الجسم وهذه الصورة ضعيفة فليس تظهر هذه الصورة للبصر لأنه إذا مازج لون ضعيف للون قوي استظهر اللون القوي على الضعيف وخفي اللون الضعيف عن الحس كذلك توجد أبداً الألوان والأصباغ إذا امتزج بعضها ببعض.

فالأجسام المتلونة القوية الألوان ليس تظهر صور الألوان المشرقة عليها لامتزاج هذه الصور بألوانها عند البصر واستظهار ألوانها على ألوان الصور المشرقة عليها. وإن كان الجسم الذي عليه الصورة أبيض أو مسفر اللون وكان الضوء الذي عليه قوياً فالصورة التي تشرق عليه تخفى لقوة الضوء الذي عليها كما تبين ذلك بالاستقراء مع كونها على ذلك الجسم. وإنما تخفى صورة اللون إذا كان الضوء الذي عليها قوياً لأن صورتها الثانية ترد إلى البصر مع صورة الضوء القوي ومع بياض الجسم الذي هي عليه. وقد تبين أن الضوء القوي إذا وصل إلى البصر فإنه يعوق البصر عن إدراك الصور الضعيفة.

فإذا وصل إلى البصر ضوء قوي مع بياض الجسم الذي هو عليه فإنه يعوقه عن إدراك الصورة الثانية الضعيفة التي ترد إليه معها. وإذا كان الجسم الذي عليه صورة اللون أبيض وكان الضوء الذي عليه ضعيفاً وكانت صورة اللون التي عليه أيضاً ضعيفة وكانت الصورة في غاية الضعف فإن صورة الضوء الذي في ذلك الجسم وإن كانت ضعيفة مع بياض ذلك الجسم ربما كانت مستظهرة على صورة اللون التي في غاية الضعف فإذا وصلا إلى البصر لم تتميز تلك الصورة للبصر. وإن كان الجسم الذي عليه الصورة أبيض وكان اللون الذي تشرق صورته عليه أسود أو مظلماً فإنما تكسف تلك الصورة بياض ذلك الجسم فقط وتنقص منه وتكون كالظل ويدرك البصر من ذلك الجسم بياضاً ليس في الغاية كما يدرك الجسم الأبيض في الظل فلا تتميز له الصورة. وجميع ذلك كذلك إذا كان الضوء الذي في الجسم المتلون قوياً وكانت الصورة التي تشرق منه على الجسم المقابل له مسفرة.

فأما إذا كان الضوء الذي في الجسم المتلون ضعيفاً فإن الصورة التي تكون منه على الجسم المقابل له تكون مظلمة فتكون عند البصر كالألوان التي يدركها في المواضع المظلمة التي الضوء فيها ضعيف جداً وكألوان الأجسام المشفة التي تشرق عليها أضواء ضعيفة فتظهر أظلال تلك الأجسام من ورائعا ولا تظهر صور ألوان تلك الأجسام في تلك الأظلال. فصور الألوان التي في الأجسام المتلونة إذا كانت الأضواء التي عليها ضعيفة إذا أشرقت على الأجسام المقابلة إنما تكون أظلالاً فقط بالإضافة إلى إحساس البصر فلا تتميز ألوانها عند البصر. فإن كان الجسم المقابل للون الذي بهذه الصفة في مكان مظلم فليس يظهر عليه شيء لظلمته وظلمة الصورة التي ترد عليه. وإن كان الجسم المقابل لهذا اللون في مكان مضيء وكان عليه ضوء من غير تلك الصورة ويظهر للبصر لون هذا الجسم ولا تظهر الصورة بل تنقص الصورة من لونه فقط لأنها كالظل ولا يتميز للبصر هذا النقصان.

وإن كان هذا الجسم الذي عليه الصورة أبيض وكان مع ذلك مضيئاً بضوء غير ضوء الصورة فإن الصورة تكسف بياض هذا الجسم وضوءه فقط لظلمتها كما تفعل الأظلال في الأجسام البيض ولا تتميز الصورة للبصر. في الأجسام البيض ولا تتميز الصورة للبصر. فإن كان الضوء الذي في الجسم المتلون قوياً وكان الجسم الذي تشرق عليه الصورة ابيض وكان الضوء الذي على هذا الجسم ضعيفاً وكانت صورة اللون المشرقة عليه قوية بالإضافة إلى الضوء الذي عليه ع بياضه وكانت الصورة من لون مشرق قوي وكانت الصورة الثانية التي ترد إلى البصر من هذه الصورة قوية ومستظهرة على صورة الجسم الذي هي عليه وعلى الضوء الذي فيه فإن البصر يدرك حينئذ هذه الصورة وتظهر له. والصور التي بهذه الصفة فقط هي التي يدركها البصر على الجسام المقابلة للألوان. فالبصر إذن إنما يدرك صورة اللون على الجسم المقابل للون إذا كانت الصورة الثانية التي ترد إليه من صورة اللون أقوى واظهر من الصورة الأولى التي ترد إليه معها من الضوء واللون اللذين في الجسم الذي عليه الصورة.

وهذه الصفة قليلة فلذلك يقل ما يظهر من هذه الصور ولا يظهر منها إلا ما كان من الألوان القوية المشرقة وإذا كانت الأضواء التي عليها قوية وما كان من هذه الصور على الأجسام النقية البياض والمسفرة الألوان وإذا كانت الأضواء التي على هذه الأجسام ضعيفة بالإضافة إلى تلك الصور. ولا يظهر ما كان بخلاف هذه الصفة. والأكثر من صور المبصرات بخلاف هذه الصفة.

وكذلك الأضواء الضعيفة التي ليس يظهر ضوؤها على الأجسام المقابلة لها إنما ليس يظهر لأن الجسم المقابل للضوء الضعيف إذا كان مضيئاً بضوء غير ذلك الضوء امتزج الضوءان فلم يتميز الضوء الضعيف للبصر. وإذا كان الجسم المقابل للضوء الضعيف مظلماً فليس تظهر صورة اللون الضعيف عليه لن صورة الضوء الضعيف تكون ضعيفة وأضعف من الضوء نفسه والصورة الثانية التي ترد إلى البصر من هذه الصورة التي منها يجب أن يدرك البصر هذه الصورة على الجسم المقابل للضوء تكون أضعف من هذه الصورة. فإذا كان الضوء ضعيفاً وكان الجسم المقابل له مظلماً كانت الصورة التي على الجسم المقابل له ضعيفة جداً وكانت الصورة الثانية التي ترد منها إلى البصر في غاية الضعف. والبصر ليس يدرك الأضواء التي في غاية الضعف ولا في قوة الحس أن يدرك ما كان في غاية اللطافة والضعف. فلذلك يدرك البصر صور الأضواء الضعيفة على الأجسام المقابلة لها ويدرك مع ذلك الأضواء الضعيفة أنفسها إذا لم تكن في غاية الضعف انه يدرك الأضواء أنفسها من الصورة الأولى التي ترد إليه منها وهي أقوى من الصورة الثانية التي ترد إليه من الصورة التي على الجسم المقابل له ومع ذلك غير ممتزجة بغيرها.

فصور جميع الألوان المضيئة وصور جميع الأضواء تشرق على الأجسام المقابلة لها وتكون أبداً مشرقة عليها وليس يظهر أكثرها للبصر للعلل التي ذكرناها ويظهر بعضها للبصر إذا كان على الصفات التي وصفناها. فقد تبينت العلة التي من أجلها ليس يدرك البصر صور جميع الألوان التي في الأجسام المتلونة على جميع الأجسام المقابلة لها ويدرك بعضها وهو مع ذلك يدرك جميع الألوان التي في الأجسام المتلونة. وعلة ذلك هي أنه يدرك الألوان التي في الأجسام المتلونة من الصورة الأولى التي ترد إليه منها وهي أقوى من الصورة الثانية التي ترد إليه من صور ألوانها التي على الأجسام المقابلة لها ويدرك صور الألوان أيضاً منفردة غير ممتزجة بغيرها ويدرك الصورة الثانية التي ترد من صور ألوانها ممتزجة بغيرها. وهذا المعنى هو الذي ضمنا في آخر الفصل الثالث تبيينه في هذا الفصل. ويتبين من هذا المعنى أن الألوان التي يدركها البصر من المبصرات إنما يدركها ممتزجة بصور الأضواء التي هي فيها ممتزجة بجميع الصور المشرقة عليها من ألوان الأجسام المقابلة لها. وإن كان الجسم المشف المتوسط بينها وبين البصر فيه بعض الغلظ فإن لونه أيضاً يمتزج بألوانها وليس يدرك البصر لوناً من الألوان مجرداً على انفراده من صورة تمازجه إلا أن الصور التي تشرق على الأجسام المقابلة للأجسام المتلونة تكون في الأكثر في غاية الضعف والرقة والصورة الثانية التي ترد من كل واحدة منها إلى ابصر تكون في الأكثر في غاية الضعف. فلذلك تكون ألوان الأجسام أنفسها في الأكثر مستظهرة على الصورة التي تشرق عليها ولا تتميز للبصر الصورة المشرقة عليها.

وكذلك إن كان الجسم المتوسط بين البصر والمبصر فيه غلظ يسير لم يتميز للبصر لونه من لون المبصر الذي يرد معه إذا كان لون المبصر الذي يرد معه أقوى من لونه ومستظهراً على لونه. فأما الأضواء القوية لم تعوق البصر عن إدراك المبصرات وتخفي عن البصر بعض المعاني التي تكون في المبصرات فإن ذلك إنما هو لأن الصور التي ترد إلى البصر على سمت واحد إنما يدركها البصر ممتزجة. فإذا كان بعض الصور الممتزجة قوياً مسرف القوة وبعضها ضعيفاً استظهرت الصورة القوية على الصورة الضعيفة فلم تتميز الصورة الضعيفة للبصر ولم يدركها البصر. وإذا كانت الصور الممتزجة متقاربة في القوة أدرك البصر كل واحدة منها ويكون إدراكه لكل واحدة من الصور الممتزجة بحسب ما يمازجها من الصور الممازجة لها لأن الصور الممتزجة ليس يدرك البصر كل واحدة منها منفردة وإنما يدركها ممتزجة. والكواكب ليس إنما يدركها البصر في ضوء النهار لأن ضوء الشمس الذي يحصل في الهواء أقوى من ضوء الكواكب. فإذا نظر ناظر إلى السماء في ضوء النهار كان الهواء الذي بينه وبين السماء مضيئاً بضوء الشمس ومتصلاً بالبصر وكانت الكواكب من وراء ذلك الضوء فتكون صورة الكوكب وصورة الضوء الذي في الهواء المتوسط بين البصر وذلك الكوكب يردان إلى البصر على سمت واحد فيدركهما البصر ممتزجين. وصورة الضوء التي ترد من الهواء المتوسط بين البصر وبين الكوكب بالنهار الذي هو من الأضواء الثواني أقوى من صورة ضوء الكوكب بكثير. فتستظهر صورة ضوء الهواء على صورة ضوء الكوكب فلا تتميز للبصر صورة الكوكب ولا يكون بين صورة الضوء الذي يحصل في الجزء من البصر المسامت للكوكب وبين صورة الضوء الذي يحصل في الأجزاء الباقية من البصر المحيطة بذلك الجزء اختلاف يدركه الحس لاستظهار صورة ضوء النهار على صورة ضوء الكوكب وغمور صورة ضوء الكوكب عند إدراكها بصورة ضوء النهار فلذلك لا يدرك البصر الكواكب بالنهار.

وكذلك الأضواء الضعيفة التي تكون في وسط الأضواء القوية كالنار الضعيفة التي تكون في ضوء الشمس وكالحيوان المسمى اليراع إذا أدركه البصر في ضوء النهار وما جرى مجرى ذلك فإن هذه المبصرات إذا كانت في ضوء الشمس أو في ضوء النهار فإن ضوء النهار يكون مشرقاً عليها وعلى الهواء المتوسط بينها وبين البصر فصورها ترد إلى البصر ممتزجة بصورة الضوء القوي المشرق عليها وصورة الضوء القوي المشرق على الهواء المتوسط بينها وبين البصر فيدرك البصر صورة ما هذه حاله من المبصرات ممتزجة بصورة ضوء قوي وصورها ضعيفة فستظهر صورة الضوء القوي على صورها الضعيفة فلا تتميز صورها للبصر ولا يدركها البصر. وقد تخفى الأضواء الضعيفة وصور المبصرات الضعيفة الضوء إذا حصل في البصر ضوء قوي وإن لم يكن ورود الصورتين إلى البصر من سمت واحد وذلك إذا كان ورود الصورتين من سمتين متجاورين وحصلا في البصرين في جزء ين متجاورين. وهذا المعنى يظهر في الليل وفي ضوء النار. وذلك ان البصر إذا أدرك ضوء النار وكانت النار قريبة من البصر وكان ضوؤها ضوءاً قوياً وكان مقابلاً للبصر في تلك الحال مبصرات فيها أضواء ضعيفة عرضية وكانت تلك المبصرات أبعد عن البصر من النار وكانت على سموت مجاورة لسمت النار وقريبة من سمت النار فإن البصر لا يدرك تلك المبصرات إدراكاً صحيحاً وإن كان فيها معان لطيفة أو أجزاء لطيفة لم يدركها البصر في تلك الحال. فإن ستر النار عن بصره أو تباعد عن سمت النار حتى يصير السمت الذي يدرك منه تلك المبصرات بعيداً عن السمت الذي يدرك منه النار فإنه حينئذ يدرك تلك المبصرات إدراكاً أبين مما كان يدركها في الحالة الأولى.

والعلة في ذلك أن المبصرات التي فيها أضواء ضعيفة عرضية تكون صورها وظلمة فإذا أدركها البصر ولم يدرك معها في الحال ضوءاً قوياً أحس بالضوء الضعيف الذي فيها لظلمة داخل البصر أو عدم الضوء القوي من الجزء منه الذي تحصل فيه صورة الضوء الضعيف ومما يحيط به من أجزاء البصر وللتباين الذي بين الظلمة والضوء المقترنين. وإذا أحس البصر بالضوء الذي في الصورة وتميزت له تلك الصورة وأدركها إدراكاً ما بحسب الضوء الذي فيها. وإذا أدرك البصر الصورة المظلمة وأدرك معها في الحال ضوءاً قوياً وأدرك ذلك الضوء القوي في الجزء من المبصر المماس للجزء الذي أدرك فيه الصورة المظلمة لم يدرك البصر الضوء الضعيف الذي في الصورة المظلمة لحالتين: إحداهما أن الضوء القوي إذا حصل في البصر أضاء جميع داخل البصر وإذا كان داخل البصر مضيئاً لم يظهر فيه الضوء الضعيف الذي يدركه البصر مع ضعفه من اجل ظلمة البصر وتباين الظلمة والضوء وخاصة إذا كان الضوء الضعيف ضعيف النسبة جداً إلى الضوء القوي الذي حصل في البصر.

والحالة الثانية هي اقتران الضوء الضعيف بالضوء القوي في جزءين متجاورين من البصر. والضوء الضعيف بالقياس إلى الضوء القوي هو ظلمة ما فإذا تجاوز الصورة المظلمة الضعيفة الضوء وصورة الضوء القوي في البصر فليس يدرك البصر الضوء الذي في الصورة المظلمة للحالتين اللتين ذكرناهما. وإذا لم يدرك البصر الضوء الذي في الصورة المظلمة فلم يدرك من الصورة المظلمة إلا ظلمة فقط وإذا لم يدرك البصر الضوء الذي في الصورة ولم يدرك منها إلا ظلمة فقط لم تتميز له الصورة ولم يدرك الصورة إدراكاً صحيحاً. ولالتباس صور الأضواء الضعيفة من أجل مجاورتها للأضواء القوية نظائر في الألوان. وذلك أن الصبغ الأدكن إذا وشم به جسم أبيض نقي البياض ونقط عليه منه نقط صغار أو نقش به نقوش دقاق ظهر ذلك الصبغ أسود أو مظلماً شديد الظلمة ولم يظهر الإسفار الذي فيه ولم يدرك البصر حقيقة لونه. وإذا وشم بذلك الصبغ بعينه جسم أسود حالك السواد ظهر ذلك الصبغ أبيض أو مسفر اللون ولم يظهر الإظلام الذي فيه ولم يدرك البصر حقيقة لونه. وإذا كان ذلك الصبغ بين أجسام ليست في غاية البياض ولا في غاية السواد ظهر لونه على ما هو عليه وأدرك البصر حقيقة لونه بحسب ما يصح أن يدركه البصر.

وكذلك الصبغ الأخضر الزرعي إذا نقش به جسم كحلي ظهر ذلك الصبغ صعوياً وصافي اللون وإذا نقش به جسم صافي الصفرة ظهر ذلك الصبغ مسنياً ومظلم اللون. وكذلك كل صبغ فالمبصرات المتجاورة إذا كانت ألوانها أو أضواؤها متباينة تبياناً مفرطاً في القوة والضعف فإن الضعيف منها تخفى حقيقته فلا يدرك البصر حقيقته عند اقترانه بالقوي المباين. وذلك لأن كيفيات الأضواء والألوان إنما يدركها البصر من قياس بعضها ببعض فالأضواء القوية إنما تعوق البصر عن إدراك المبصرات التي أضواؤها ضعيفة لامتزاج صور الأضواء الضعيفة بصورها واستظهار صور الأضواء القوية على صور الأضواء الضعيفة عند امتزاجها أو لمجاورة الأضواء الضعيفة لها وإدراك البصر للصور المجاورة المتجانسة من قياس بعضها إلى بعض وقصور الحس عن إدراك ما كان ضعيف النسبة جداً إلى القوي المحسوس. فقد أتينا على تبيين جميع المعاني التي تتعلق بهذا الفصل.
========
كتاب المناظر/المقالة الأولى/الفصل السابع 
إن طبقات البصر التي ذكرناها ووصفناها في شرح هيئة البصر هي آلات للبصر بها يتم له الإبصار. وهيئة هذه الطبقات وأوضاع بعضها من بعض هو الذي به يتم وصول المبصرات إلى البصر.

أما الطبقة الأولى التي هي ظاهر البصر وهي التي تسمى القرنية فهي طبقة مشفة ومع ذلك متينة وهي منطبقة على الثقب الذي في مقدم العنبية. فأول منافعها أنها تغطي ثقب العنبية فتنضبط بذلك الرطوبة البيضية التي في داخل العنبية فتنحصر ولا تتشتت. فأما شفيفها فإنها إنما كانت مشفة لتنفذ فيها صور الأضواء والألوان إلى داخل البصر لأن صور الأضواء والألوان ليس تنفذ إلا في الأجسام المشفة ولا تقبلها وتؤديها إلا الأجسام المشفة. وأما متانتها فلئلا يسرع إليها الفساد لأنها منكشفة للهواء فهي تحتمي بمتانتها من المؤذيات اللطيفة كالقذى والغبار والدخان وكالطرفة وما يجري مجرى ذلك. فهذه هي منافع هذه الطبقة. فأما الرطوبة البيضية فهي مشفة ومع ذلك رطبة مائعة. أما شفيفها فلتنفذ فيها الصور وتصل إلى الرطوبة الجليدية التي بها يقع الإحساس. وأما رطوبتها فلترطب أبداً الرطوبة الجليدية وتحفظ عليها صورتها لأن هذه الرطوبة اعني الجليدية ترفة في الغاية والغشاء الذي عليها رقيق في الغاية واليسير من اليبس يفسدها ويغير صورتها. وكانت الرطوبة البيضية رطبة مائعة لترطب أبداً الجليدية وتحفظ عليها رطوبتها. فأما الطبقة السوداء المحيطة بالرطوبة البيضية وهي التي تسمى العنبية فهي سوداء وهي ضعيفة وفيها بعض المتانة.

وهي كرية وفي مقدمها ثقب مستدير كما وصفنا ذلك في هيئة البصر. فأما سوادها فلتظلم به الرطوبة البيضية والرطوبة الجليدية فتظهر فيها لظلمتها صور الألوان الضعيفة الخفية فإن الأضواء الضعيفة جداً إذا كانت في مواضع مظلمة ظهرت للبصر وإذا كانت في مواضع مضيئة لم تظهر للبصر. فسواد العنبية إنما هو ليظلم به داخل البصر فتحس الجليدية بما يصل إلى تجويف البصر من صور الأضواء وإن كانت ضعيفة يسيرة. وكانت هذه الطبقة صفيقة وفيها بعض المتانة لتضبط الرطوبة البيضية وتحفظها فلا يرشح منها شيء إلى خارج ولا تناقص وليظلم بصفاقتها داخلها لأنها لو كانت صفيقة اشتدت ظلمة داخلها. وكونها كرية لأن الكرة اعدل الأشكال المجسمة وأحماها مع ذلك من التغيير فإن ذا الزوايا يسرع التغير إلى زواياه وليس يكون ذلك في الكرة. فأما الثقب الذي في مقدمها فلتنفذ فيه الصور إلى داخل تجويف البصر. وكونه مستديراً لاعتدال الاستدارة فأما الرطوبة الجليدية فقد جمعت صفات بها يتم الإحساس. وذلك أنها رطبة ومع ذلك ترفة وفيها بعض الشقفيف وفيها بعض الغلظ وعليها غشاء وغشاؤها في غاية الخفة.

وشكل سطحها مركب من سطحين كريين مختلفين والمقدم منهما أعظم كرية من كرية الباقي. فأما كونها رطبة فليسهل انفعالها بالأضواء لرطوبتها فيسرع فيها تأثير الصور التي ترد إليها. وكونها ترفة فليلطف حسها فتحس باللطيف الضعيف من الصور لأن الأجسام الترفة تكون لطيفة الحس. وكان فيها شفيف لتقبل الأضواء والألوان وتنفذ الأضواء والألوان فيها. كان فيها غلظ ولم تكن في غاية الشفيف لتدافع صور الأضواء والألوان التي ترد إليها وتمنعها من النفوذ فيها بما فيها من الغلظ. فيتم للصور بمدافعتها وثبوت الضوء تأثيرها فيها وتظهر للقوة الحساسة صورة الضوء واللون التي تثبت فيها. ولو كانت في غاية الشفيف لنفذت الصور فيها ولم تثبت فيها. ولو لم تثبت الصورة في هذه الرطوبة لم تحس هذه الرطوبة في سطحها ولا في جسمها بشيء من الصور ولم تنفعل بالصور الانفعال الذي هو من جنس الألم ولم تظهر الصورة لها ولم تدركها. فأما الغشاء الذي على هذه الرطوبة فإنما هو ليضبطها فلا تتشتت لرطوبتها وليشكلها أيضاً هذا الغشاء ويحفظ عليها شكلها لأن الرطوبات إن لم يحصرها حاصر تشتت ولم تثبت مع ذلك على شكل واحد. وأيضاً فإن الرطوبات ليس تتشكل بشكل كري إلا إذا حصرها كري. فاشتمال الغشاء على هذه الرطوبة إنما هو ليضبطها وليشكلها بالشكل الكري. وكان هذا الغشاء خفيفاً وفي غاية الخفة لئلا يستر عنها الصور التي ترد إليها.

فأما كريتها فلاعتدال شكل الكرة واحتمائه من التغير. وكون سطح مقدمها من كرة اعظم فليكون موازياً لسطح مقدم البصر ويكون مركزاهما نقطة واحدة. فأما العصبة الجوفاء التي جملة العين مركبة عليها فإنما كانت جوفاء لتجري فيها الروح الباصرة من الدماغ وتصل إلى الجليدية فتغطيها القوة الحساسة على الاستمرار ولينفذ أيضاً الضوء في تجويفها وفي الجسم اللطيف الجاري فيها إلى أن يصل إلى الحاس الأخير الذي في مقدم الدماغ. وكان مبدأ العصبتين الجوفاوين اللتين تتركب عليهما العينان من جنبتي مقدم الدماغ ليكون وضع البصرين من مبدأيهما وضعاً متشابهاً معتدلاً. ولم يكن مبدؤهما من وسط مقدم الدماغ لأن هذا الموضع يختص بحاسة الشم. فلهاتين العلتين صار مبدأ العصبتين من جنبتي مقدم الدماغ. فأما لم كان البصران اثنين ولم يكن البصر واحداً فإن ذلك رأفة من الصانع تعالى واستظهار من الطبيعة حتى متى حدث بأحدهما آفة بقي الآخر ولتحسين صورة الجسم أيضاً بهما. ثم إن العصبتين الجوفاوين تلتقيان عند وسط مقدم الدماغ وتصيران عصبة واحدة جوفاء ويصير واحداً. وإنما صار ذلك كذلك لما ذكرناه من قبل في كيفية الإبصار: وهو أن الشخص الواحد يبصر ببصرين فإذا نظر الناظر إلى مبصر واحد بكل واحد من البصرين بصورة ذلك المبصر فتحصل في البصر صورتان لذلك المبصر فلو تأدت الصورتان إلى الحاس الأخير لكان يدرك المبصر الواحد اثنين فالتقت العصبتان وصارت واحدة وصار تجويفهما تجويفاً واحداً لتنتهي الصورتان من البصرين إلى هذه العصبة وتنطبق إحديهما على الأخرى فتصيران صورة واحدة فيدرك الحاس الأخير المبصر الواحد واحداً.

فلهذه العلة التقت العصبتان وصارتا واحدة وصار التجويفان تجويفاً واحداً. فأما سطوح طبقات البصر المشفة فهي سطوح كرية متوازية مركزها نقطة واحدة. وإنما كانت كرية لتكون الأعمدة التي تقوم على سطوحها تخرج من نقطة واحدة وهي مركزها ثم تسع ويبعد ما بين أطرافها كلما بعدت عن المركز فيكون المخروط الذي يمتد من المركز إلى مبصر من المبصرات الذي فيه تخرج جميع الأعمدة من ذلك المبصر على سطح البصر يفصل من سطح البصر ومن سطح العضو الحاس جزءاً صغيراً ويكون ذلك الجزء مع صغره يحيط بجميع الصورة التي ترد من ذلك المبصر إلى البصر. ولو كانت سطوح طبقات البصر مسطحة لكانت صورة المبصر لا تصل إلى البصر على الأعمدة إلا إذا كان البصر مساوياً للمبصر. وليس شكل من الأشكال فجميع الأعمدة التي تقوم على سطحه وتلتقي على نقطة واحدة وتحدث من الأعمدة التي تقوم عليه مخروطات تتسع أطرافها ويكون السطح الذي تقوم عليه متشابه الترتيب غير شكل الكرة. وكانت سطوح طبقات البصر كرية لتكون الأعمدة التي تخرج من المبصر التي تأخذ من سطح العضو الحاس جزءاً يسيراً مع عظم المبصر ويحيط ذلك الجزء مع صغره بجميع صورة المبصر مع عظمه وليمكن بهذه الحال أن يخرج من مركز البصر مخروطات كثيرة إلى مبصرات كثيرة في وقت واحد يفصل كل واحد من تلك المخروطات جزءاً يسيراً من سطح العضو الحاس يشتمل على صورة المبصر. وكانت كلها على مركز واحد لما قدمنا ذكره وهو أن تكون الأعمدة التي تخرج من المبصر إلى واحد منها أعمدة على جميعها ولتنفذ الصور في جميعها على سمت واحد بعينه. فأما لم كان البصر لا يدرك شيئاً من المبصرات إلا من سموت هذه الأعمدة فقط فلأن بهذه العمدة فقط تترتب أجزاء المبصر في سطح العضو الحاس ولها تتميز جميع المبصرات عند الحاس.

وقد تبين من قبل انه ليس يصح أن تترب صورة المبصر في سطح العضو الحاس إلا إذا كان قبوله للصور من هذه السموت فقط فلذلك صارت طبيعة مختصة بهذه الخاصة ومطبوعة على أن لا تقبل شيئاً من الصور إلا من أوضاع هذه الخطوط فقط. وتخصص البصر بهذه الخاصة هو أحد المعاني التي تظهر منها حكمة الصانع جّلت عظمته ولطف صنيعه ويظهر منه حسن تأتي الطبيعة وتلطفها في تهيئة آلات البصر الهيئة التي بها يتم الإحساس وبها تتميز له المبصرات. فأما الملتحمة فإنها مشتملة على جملة هذه الطبقات وفيها بعض الرطوبة وهي مع ذلك متماسكة فيها بعض المتانة. وإنما كانت مشتملة على هذه الطبقات لتجمعها وتحفظها وتحرسها. وكان فيها بعض الرطوبة لتتوطأ للطبقات التي في داخلها مواضعها منها ولا يسرع أيضاً إلى تلك الطبقات اليبس بالمماسة والمجاورة. وكونها متماسكة فيها بعض المتانة لتحفظ على الطبقات التي في داخلها أشكالها وأوضاعها فلا تتغير أشكالها ولا أوضاعها. وكانت بيضاء لتشرق بها صورة الوجه وتحسن هيئته.

وكانت جملة العين مستديرة لأن الاستدارة اعدل الأشكال وأسهلها مع ذلك حركة والعين محتاجة إلى الحركة وإلى سرعة الحركة. وكانت العين متحركة ومحتاجة إلى الحركة وإلى سرعة الحركة لتقابل بالحركة كثيراً من المبصرات في وقت واحد ومن نصبة واحدة تكون لصاحبها الذي يحركها ولتقابل بالحركة جميع أجزاء المبصر بوسط الناظر فيدركه بذلك إدراكاً بيناً ومع ذلك متشابهاً لأن الإحساس أبين من الإحساس ببقيته وسنبين هذا المعنى من بعد في الموضع الأليق به. فأما سرعة حركة البصر وحاجته إلى سرعة الحركة فليتأمل بسرعة الحركة جميع أجزاء المبصر وجميع المبصرات التي تقابله في أقل القليل من الزمن. فأما الأجفان فإنها جعلت وقاية للعين تحرسها من الأذى وتكنها عند النوم وتوقيها من المؤذيات ولتريح العين عند انطباقها عليها من ألام الأضواء ومباشرة الهواء لأن الأضواء تؤذيها وتقرعها فلو استمر عليها قرع الأضواء دائماً ولم تسترح لفسدت. وقد يظهر ذلك عند إطالة النظر إلى الأضواء المضيئة.

ويتبين من ذلك أن استمرار مباشرة البصر للأضواء يضر بالبصر. وقد يستضر البصر أيضاًَ بالهواء في بعض الأوقات إذا كان به غبار أو دخان أو برد شديد فجعلت الأجفان لتستر العين عن الأضواء عند حاجتها إلى ذلك ولتوقيها من الهواء وتدفع عنها كثيراً من المؤذيات ثم إذا احتاجت إلى الراحة انطبقت الأجفان عليها واستمر ذلك زماناً إلى أن يزول كلاهما وتتكامل راحتها وذلك يكون عند النوم. وجعلت الأجفان متحركة لتنفتح في وقت الحاجة إلى الإبصار وتنطبق عند الحاجة إلى الانطباق وجعلت سريعة الحركة ليسرع الانطباق عند قرب المؤذيات من العين. فأما الأهداب فإنما كانت لتذب عن البصر ما يمر به من القذى والمؤذيات الخفية ولتكسر عن البصر أيضاً بعض الأضواء إذا استضر بشدة الضوء ولذلك يجمع الناظر عينه ويصرها وينظر من ضيق إذا استضر بالضوء الشديد. فهذه المعاني التي ذكرناها هي منافع آلات البصر وهي لطائف تتبين منها حكمة الصانع تعالى ورأفته وبديع صنعته وحسن تأتي الطبيعة ولطيف آثارها.

========
كتاب المناظر/المقالة الأولى/الفصل الثامن
< كتاب المناظر‏ | المقالة الأولىاذهب إلى التنقلاذهب إلى البحث

كتاب المناظر
المؤلف: ابن الهيثم











قد تبين فيما تقدم أن البصر ليس يدرك شيئاً من المبصرات التي تكون معه في هواء واحد ويكون إدراكه لها لا بالانعكاس إلا إذا اجتمعت له عدة معان: وهي أن يكون بينه وبينه بعد ما ويكون مقابلاً للبصر اعني أن يكون بين كل نقطة من سطحه الذي يدركه البصر وبين نقطة ما من سطح البصر خط مستقيم متوهم ويكون فيه ضوء ما إما من ذاته أو من غيره ويكون حجمه مقتدراً بالإضافة إلى قوة إحساس البصر ويكون الهواء الذي بينه وبين سطح البصر مشفاً متصل الشفيف لا يتخلله شيء من الأجسام الكثيفة ويكون المبصر كثيفاً أو فيه بعض الكثافة اعني أن لا يكون فيه شفيف أو يكون مشفاً ويكون شفيفه أغلظ من شفيف الهواء المتوسط بينه وبين البصر وليس يكون الكثيف إلا ذا لون أو ما يجري مجرى اللون وكذلك المشف الذي فيه بعض الغلظ.

وليس يدرك البصر المبصر إلا إذا اجتمعت للمبصر هذه المعاني الستة. وإن عدم المبصر واحداً من هذه المعاني أو أكثر من واحد منها فليس يدركه البصر. وليس حاجة البصر إلى كل واحدة من هذه المعاني إلا لعلة ما من أجلها ليس يتم الإبصار إلا بذلك المعنى. فأما لم ليس يدرك البصر المبصر إلا إذا كان بينهما بعد ما وليس يدركه إذا التصق به فإن ذلك لعلتين: إحداهما أن البصر ليس ييرك المبصر إلا إذا كان في المبصر ضوء ما. وإذا كان المبصر ملتصقاً بالبصر وليس هو مضيئاً من ذاته فليس يكون في سطحه الذي يلي البصر ضوء لأن جسم المبصر يستر عنه الأضواء. والأشياء المضيئة من ذواتها ليس يمكن أن تلتصق بالبصر لأن الأشياء المضيئة من ذواتها إنما هي الكواكب والنار وليس واحد من هذين يمكن أن يلتصق بالبصر.

والعلة الثانية أن الإبصار إنما يكون من الجزء المقابل لثقب العنبية من وسط سطح البصر فقط وليس يكون من بقية سطح البصر إحساس وإذا التصق المبصر بالبصر فإنما ينطبق على هذا الجزء من البصر جزء مساو له فقط من المبصر. فلو كان البصر يدرك المبصر عند التصاقه به لكان يدرك منه الجزء الملتصق بالجزء المقابل للثقب فقط ولا يدرك بقية المبصر. فإن حرك المبصر على سطحه أو تحرك هو حتى يماس جميع سطح المبصر بالجزء المتوسط منه لكان يدرك من البصر جزءاً بعد جزء وكان إذا أدرك الجزء الثاني لم يدرك الجزء الأول وكان لا يدرك جميع المبصر معاً. وإذا لم يدرك جميع المبصر معاً لم تتشكل فيه صورة المبصر كما أنه لو كان مبصر من المبصرات من وراء جسم كثيف وكان ذلك الجسم الكثيف ثقب وكان المبصر ملتصقاً بالثقب وكان المبصر مع ذلك يزيد على مقدار الثقب لكان البصر لا يدرك منه إلا الجزء المطابق للثقب فقط ثم إن تحرك المبصر على الثقب حتى يدرك البصر منه جزءاً بعد جزء لما تشكلت له جملة صورته ولا تحقق شكله. فلو كان الإبصار يكون بالمماسة لكان البصر يدرك جملة المبصر ولا يتحقق شكله وصورته إلا إذا كان البصر مساوياً للمبصر أو كان البصر مساوياً للجزء المتوسط من سطح البصر الذي منه يكون الإبصار وكان مع ذلك لا يمكن أن يدرك البصر مبصرات كثيرة في وقت واحد ويكون إدراكه لها معاً. وإذا كان البصر على ما هو عليه وكان بينه وبين المبصر بعد ما فإنه يمكن أن يدرك جميع المبصر معاً في الوقت الواحد من الجزء اليسير الذي في وسطه الذي منه يكون الإحساس وإن عظم المبصر ويمكن أن يدرك مبصرات كثيرة معاً في وقت واحد. وإذا كان بالبعد من البصر أمكن أيضاً أن يشرق الضوء على سطحه المواجه للبصر.

فلهاتين العلتين صار البصر لا يدرك شيئاً من المبصرات إلا إذا كان بينهما بعد ما. فأما لم ليس يدرك البصر المبصر الذي هو معه في هواء واحد وفي الجهة المقابلة له إلا إذا كان بين كل نقطة منه وبين نقطة ما من سطح الجزء الذي منه يكون الإبصار إنما يكون من الصورة التي ترد من المبصر إلى البصر وان ليس تصدر عن المبصرات إلا على خطوط مستقيمة. فلهذه العلة ليس يدرك البصر المبصر إلا إذا كانت بينهما خطوط مستقيمة ومتى قطع جميع الخطوط المستقيمة التي بينهما جسم كثيف خفي المبصر عن البصر ومتى قطع الجسم الكثيف بعض الخطوط المستقيمة التي بين المبصر وبين سطح البصر خفي من المبصر الجزء الذي عند أطراف الخطوط التي انقطعت بالجسم الكثيف. فأما لم ليس يدرك البصر المبصر إلا إذا كان فيه ضوء ما فإن ذلك لأحد أمرين: غما أن تكون صور الألوان التي في المبصرات ليس تمتد في الهواء إلا إذا صار مع اللون ضوء ما وإذا لم يكن في المبصر ضوء لم تمتد صورة لونه في الهواء المتصل ليس فيه ضوء لأن لونه ليس تصل إلى البصر وإما أن تكون صورة اللون تمتد في الهواء وإن لم يحضر الضوء إلا أنها لا تؤثر في البصر تأثيراً محسوساً وإذا كانت مع الضوء أثراً في البصر بمجموعها. وهو ظاهر أن صورة الضوء أقوى من صورة اللون وأن الضوء يقرع البصر ويؤثر فيه تأثيراً بيناً.

وصورة اللون ضعيفة فليس في قوتها أن تؤثر في البصر كتأثير الضوء. وصورة اللون الذي في الجسم المضيء تكون أبداً ممتزجة بصورة الضوء فإذا وصلت صورة الضوء من المبصر إلى البصر فهي تؤثر فيه لقوتها ولتهيؤ البصر للانفعال بها فالبصر يحس بها من تأثيرها ولأنها ممتزجة بصورة اللون وغير متميزة منها فليس يحس البصر بصورة الضوء إلا ممتزجة فهو يحس باللون من لون هذه الصورة فيكون البصر إنما يحس بلون المبصر من اللون الممازج لصورة الضوء التي ترد إليه من المبصر. ولذلك يدرك البصر لون المبصر بحسب الضوء الذي يكون في المبصر ولذلك تتغير ألوان كثير من المبصرات عند البصر بتغير الأضواء التي تشرق عليها. فلأن صورة اللون ليس تؤثر في البصر إلا إذا كانت ممتزجة بالضوء وليس يكون من اللون صورة إلا إذا كان فيه ضوء صار البصر لا يدرك شيئاً من المبصرات إلا إذا كان فيه ضوء ما. فأما لم ليس يدرك البصر المبصر إلا إذا كان حجمه مقتدراً فلأنه قد تبين أن صورة المبصر إنما تصل إلى البصر من المخروط الذي رأسه مركز البصر وقاعدته سطح المبصر وأن هذا المخروط يفصل من سطح العضو الحاس جزءاً صغيراً فيه تترتب صورة المبصر ومنه يحس الحاس بالمبصر. فإذا كان المبصر في غاية الصغر كان المخروط الذي بينه وبين مركز البصر في غاية الدقة فيكون الجزء الذي يفصله من سطح الحاس في غاية الصغر فيكون بمنزلة النقطة التي لا قدر لها. والحاس إنما يحس بالصورة في سطحه إذا كان الجزء من سطحه الذي تحصل فيه الصورة له قدر محسوس عند جملته. وقوى الحواس متناهية فإذا كان الجزء من العضو الحاس الذي تحصل فيه الصورة ليس له قدر محسوس عند جملة العضو الحاس لم يحس الحاس بالأثر الذي يحصل في ذلك الجزء لصغره. وإذا لم يحس بالأثر لم يدرك الصورة. فالمبصر الذي يصح أن يدركه البصر هو الذي يكون المخروط الذي يتشكل بينه وبين مركز البصر يفصل من سطح الجليدية جزءاً له قدر محسوس بالإضافة إلى جملة سطح الجليدية وهذا الإحساس يكون إلى الحد الذي تنتهي إليه قوة الحس لا إلى ما لا نهاية. ويختلف أيضاً هذا الإحساس في الإبصار بحسب اختلاف قوى الإبصار لأن بعض الإبصار يكون أقوى من بعض. وإذا كان المخروط الذي يتشكل بين المبصر وبين مركز البصر يفصل من سطح الجليدية جزءاً ليس له قدر محسوس بالإضافة إلى جملة سطح الجليدية فليس يصح أن يدرك البصر ذلك المبصر.

فلذلك ليس يدرك البصر المبصر الذي هو في غاية الصغر ولا يدرك إلا ما كان حجمه مقتدراً. فأما لم ليس يدرك البصر المبصر إلا إذا كان الجسم المتوسط بينه وبين البصر مشفاً فلأن الإبصار إنما يكون من الصورة التي ترد من المبصر إلى البصر وليس تمتد الصورة إلا في الأجسام المشفة ولا تقبلها وتؤديها إلا الأجسام المشفة وليس يتم الإبصار إلا إذا كان المبصر مع البصر في هواء واحد وكان إدراكه له لا بالانعكاس إلا إذا كان الهواء متصلاً بين البصر والمبصر ولم يقطع السموت المستقيمة التي بينهما جسم كثيف لأن الصورة ليس تمتد في الهواء المشف المتشابه الشفيف إلا على خطوط مستقيمة. فلذلك صار البصر لا يدرك المبصر الذي هو معه في هواء واحد وفي الجهة المقابلة للبصر إلا إذا كان الهواء الذي بينهما مشفاً متشابه الشفيف وأما لم ليس يدرك البصر المبصر إلا إذا كان كثيفاً أو كان فيه بعض الكثافة فإن ذلك لعلتين: إحداهما أن الكثيف متلون واللون تكون منه الصورة التي ترد إلى البصر التي يدرك البصر منها لون المبصر والمشف الذي في غاية الشفيف ليس له لون فليس تكون منه صورة تنتهي إلى البصر فلذلك لا يدركه البصر.

والعلة الثانية أن البصر ليس يدرك المبصر إلا إذا كان مضيئاً وورد من الضوء الذي فيه صورة ثانية إلى البصر مع صورة اللون. والضوء الذي يشرق على جسم من الأجسام ليس تكون منه صورة ثانية إلا إذا ثبت الضوء في ذلك الجسم ومانعه الجسم من النفوذ فيه كان منه صورة ثانية. والجسم المشف إذا أشرق عليه الضوء وكان في غاية الشفيف فليس يثبت الضوء فيه ولا في موضع منه وإنما يمتد في شفيفه فقط. فإذا كان الجسم المشف مقابلاً للبصر وأشرق عليه الضوء من الجهة التي فيها البصر فهو يمتد فيه ولا يثبت في سطحه ولا في شيء منه فلا يكون في السطح المواجه للبصر من ذلك الجسم ضوء تكون منه صورة ترجع إلى البصر.

وكذلك إن أشرق الضوء على الجسم المشف الذي في غاية الشفيف من أي جهة أشرق عليه نفذ فيه فلا يكون في سطحه ولا في موضع منه ضوء ثابت تكون منه صورة ثانية ترد إلى البصر. وإن كان المضيء الذي يشرق ضوؤه على الجسم المشف مقابلاً للبصر نفذ ضوؤه في الجسم المشف وانتهى إلى ابصر ولم يجمل معه شيئاً من لون الجسم المشف ولا يدرك الجسم المشف. فإذا كان الجسم المشف في غاية الشفيف لم تثبت الصورة عليه ولم تكن منه صورة تمتد في الهواء وتصل إلى البصر لا صورة ضوء ولا صورة لون. فلذلك ليس يدرك البصر المبصر الذي يكون في غاية الشفيف. وإن كان شفيف الجسم المشف شبيهاً بشفيف الهواء فإن حاله تكون كحال الهواء فلا يدركه البصر كما ليس يدرك الهواء. فالأجسام المشفة التي شفيفها ليس بأغلظ من شفيف الهواء ليس يدركها البصر لأنه ليس يرد منها إلى البصر صورة تؤثر في البصر.

وكذلك إن توسط بين البصر والمبصر المشف جسم مشف غير الهواء وكان شفيف المبصر ليس بأغلظ من شفيف الجسم المتوسط. وإذا كان المبصر كثيفاً كان متلوناً وإذا أشرق عليه ضوء أي ضوء كان ثبت في سطحه وكان من لونه ومن الضوء الذي يشرق عليه صورة تمتد في الهواء وفي الأجسام المشفة ويقبلها الهواء والأجسام المشفة وتؤديها إلى الجهات المقابلة لها وإذا انتهت هذه الصورة إلى البصر أثرت في البصر وأحس البصر منها بالمبصر. وإذا كان المبصر مشفاً وشفيفه أغلظ من شفيف الهواء فإنه يكون له لون ما بحسب غلظه وإذا أشرق عليه الضوء ثبت الضوء في سطحه ثبوتاً ما بحسب ما فيه من الغلظ مع نفوذه فيه بحسب شفيفه وكان منه صورة في الهواء بحسب لونه وبحسب الضوء الذي يثبت في سطحه. وإذا وصلت تلك الصورة إلى ابص وأثرت في البصر وأحس البصر بذلك المبصر. فلهذه العلة صار البصر ليس يدرك شيئاً من المبصرات إلا إذا كان كثيفاً أو كان فيه بعض الكثافة. فقد تبينت العلل التي من أجلها البصر ليس يدرك شيئاً من المبصرات إلا إذا اجتمعت فيه المعاني المذكورة.

فهذه الفصول وما بيناه فيها هو الذي قصدنا لتبيينه في هذه المقالة. 
 
تمت المقالة الأولى من كتاب الحسن بن الحسن في المناظر وكتب أحمد بن محمد بن جعفر يوم الأحد منتصف جمادى الأولى سنة ست وسبعين وأربعمائة وفيه انتهى النسخ والحمد لله وحده وصلواته على خير خلقه محمد النبي وآله وسلامه. 
 =

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب الفتن لنعيم بن حماد المروزي رحمه الله تعالى من 1 الي 2001 -

      مكتبة العلوم الشاملة https://sluntt.blogspot.com/ الاثنين، 21 فبراير 2022 كتاب الفتن لنعيم بن حماد المروزي رحمه الله تعالى من...